logo
صدمة قطاع الرفاهية

صدمة قطاع الرفاهية

أرقام٠٦-٠٥-٢٠٢٥

شهد قطاع السلع الفاخرة العالمي انتعاشاً استثنائياً قُبيل وأعقاب الجائحة، فخلال الفترة من 2019 إلى 2023، سجل معدل نمو سنوي مركب بلغ 5 في المائة، ووصل في بعض السنوات مثل 2021 إلى 2023 إلى 9 في المائة سنوياً. هذا الازدهار لم يكن نتيجة الطلب المؤجل فقط، بل جاء أيضاً نتيجة تغيّر في سلوك المستهلكين، حيث اختار المتسوقون الأثرياء توجيه مدخراتهم غير المنفقة على السفر والترفيه نحو اقتناء المنتجات الفاخرة، وقد أسهمت الزيادات في الأسعار – أكثر من زيادات حجم المبيعات – في تحقيق نحو 80 في المائة من هذا النمو، في حين استغلت العلامات التجارية الكبرى مثل «إل في إم إتش» و«هيرميس» حضورها العالمي لتوسيع نطاقها بسرعة، عبر توسيع سلاسل التوريد وتعزيز حضورها في المتاجر والاستثمار بكثافة في التسويق والتحول الرقمي. وبالطبع فقد كانت الصين محركاً رئيساً للنمو، مساهمةً بنحو 40 في المائة من الازدهار في تلك الفترة، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بنحو 30 في المائة بفضل دخول مرتفع ونمو الاستهلاك بعد الجائحة.
لكن عام 2024 مثّل نقطة تحوّل جذرية، فقد بدأ القطاع في التباطؤ، نتيجة عوامل اقتصادية كلية داخلية وخارجية، التباطؤ الاقتصادي في الصين والولايات المتحدة، إلى جانب التضخم المرتفع واستمرار أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، كلها عوامل أضعفت ثقة المستهلكين، خصوصاً بين الفئات التي كانت وراء الكثير من النمو السابق، وزاد الطين بلة سوء تقدير استراتيجي من قِبل العديد من العلامات الفاخرة، التي رفعت الأسعار بشكل مفرط وزادت الإنتاج، دون أن تجدد استراتيجياتها الإبداعية أو تحافظ على عنصر الندرة الذي يميز عالم الفخامة، ونتيجةً لذلك، بدأ المستهلكون يتجهون نحو علامات أصغر وأكثر ارتباطاً بالثقافة، وإلى تفضيل التجارب الفاخرة، مثل الرحلات الصحية والسفر الراقي، بدلاً من السلع المادية التقليدية.
ثم جاءت الضربة الأقوى عبر موجة من الرسوم الجمركية فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في محاولة لإعادة تشكيل قواعد التجارة العالمية، وفرضت الإدارة الأميركية رسوماً وصلت إلى 245 في المائة على الواردات الصينية، بالإضافة إلى رسوم عالمية بنسبة 10 في المائة على الاتحاد الأوروبي، علاوةً على الرسوم السابقة التي بلغت 25 في المائة على الصلب والألمنيوم والسيارات. ورغم التخفيف المؤقت لبعض هذه الرسوم، فإن الصدمة كانت سريعة وعميقة. فقد انخفض سهم «إل في إم إتش» بنحو 8 في المائة بعد إعلان نتائج ربع أول مخيبة للآمال لعام 2025، فيما سجلت علامات كبرى أخرى مثل «كيرينغ» و«بربري» و«ريشمون» تراجعات ملحوظة أيضاً، وتجلّى الأثر الاقتصادي بوضوح: سجلت «إل في إم إتش» تراجعاً بنسبة 3 في المائة في مبيعاتها الإجمالية، و5 في المائة في مبيعات قطاع الموضة والسلع الجلدية الذي يشكل العمود الفقري لأرباحها.
لم يكن تأثير الرسوم الجمركية مقتصراً على التكاليف فقط، بل طال أيضاً المزاج النفسي للمستهلكين. فحتى الأثرياء يتأثرون بتقلبات الأسواق والتوقعات الاقتصادية، مما يجعلهم أكثر تردداً في الإنفاق. وفي الولايات المتحدة، انعكست هذه الرسوم في ارتفاع أسعار السلع الفاخرة الأوروبية المستوردة، بينما واجه المصنعون في الصين والاتحاد الأوروبي خسائر في الطلب، وقد شهدت الصين انخفاضاً متسارعاً في مبيعات المنتجات الفاخرة، نتيجة توتر العلاقات التجارية وتباطؤ النمو الاقتصادي، مما أدى إلى تفاقم التحديات أمام العلامات العالمية.
أما على مستوى الإنتاج والاستهلاك، فقد أعادت الأزمة رسم الخريطة العالمية للفخامة، على جانب التصنيع، كان الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً إيطاليا وفرنسا، الأكثر تأثراً، ففي إيطاليا، حيث تمثل صناعة الأزياء ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية، سجلت انخفاضاً بنسبة 5 في المائة في ناتجها، وتعد الولايات المتحدة سوقاً رئيساً لعلامات مثل «برادا» و«مونكلر»، حيث تحقق الأخيرة 14 في المائة من إيراداتها هناك، وفي فرنسا، التي صدّرت ما قيمته 5 مليارات دولار من السلع الفاخرة إلى الولايات المتحدة في عام 2024، برزت «إل في إم إتش» و«هيرميس» بوصفهما أكثر العلامات تعرضاً للخطر، رغم محاولة بعض الشركات التحوّط بإقامة مصانع داخل الأراضي الأميركية.
أما من ناحية المستهلكين، فإن الولايات المتحدة والصين، اللتين تمثلان معاً أكثر من 40 في المائة من الطلب العالمي على السلع الفاخرة، تظلان المحركين الأساسيين للقطاع، والأميركيون، الذين طالما لعبوا دور «المتذوقين» للسوق الفاخرة، باتوا أكثر حذراً، أما المستهلكون الصينيون، الذين كانوا يُعدّون الدينامو الأكبر لنمو القطاع، فقد أصبحوا أكثر تحفظاً نتيجة توتر المناخ السياسي والاقتصادي في بلادهم.
إن قطاع الرفاهية وكما احتفى قبل عامين بالازدهار بعد الجائحة، فهو يواجه اليوم تحديات مشابهة لأزمات كبرى شهدها في الماضي، لكن مع تعقيدات جديدة، فما بين الصدمة النفسية للمستهلكين، وارتفاع الأسعار، والتقلبات الجيوسياسية، وتراجع الثقة في العلامات الكبرى، يبدو أن القطاع يواجه صدمة قد تغير ملامحه، فلم يعد النمو السريع مضموناً، ولم تعد الرفاهية مرادفاً تلقائياً للرغبة، ومع تراجع الحماسة الشرائية، يجب على القطاع أن يعيد تعريف نفسه، لا من خلال الترف الظاهري، بل من خلال الإبداع، والتكيّف، وإعادة بناء العلاقة مع المستهلك الأكثر وعياً وتردداً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سعر القمح يتراجع لأقل مستوى في 9 أشهر مع قرب الحصاد
سعر القمح يتراجع لأقل مستوى في 9 أشهر مع قرب الحصاد

Asharq Business

timeمنذ ساعة واحدة

  • Asharq Business

سعر القمح يتراجع لأقل مستوى في 9 أشهر مع قرب الحصاد

تراجعت عقود القمح المستقبلية إلى أدنى مستوى لها منذ يوليو 2024، مع اقتراب موسم الحصاد في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، حيث استفادت المحاصيل في عدد من أكبر الدول المنتجة من هطول الأمطار. قال دينيس فوزنيسينسكي، المحلل الاقتصادي للزراعة في مصرف "كومنولث بانك أوف أستراليا" (Commonwealth Bank of Australia) ، عبر الهاتف، إن العديد من أكبر الدول المُصدّرة ستبدأ جني المحصول قرب منتصف العام تقريباً. ما يضغط على الأسعار في المدى القصير، إذ يُتوقع أن تؤدي التدفقات إلى زيادة الإمدادات. وأضاف أن أحوال المحاصيل في بعض أكبر الدول المنتجة أيضاً، مثل الولايات المتحدة وروسيا، لا تشكل مصدراً للقلق كما كان متوقعاً في البداية. أشارت شركة "فايزالا" (Vaisala) لتوقعات المناخ في مذكرة صدرت الجمعة إلى أنه يُرتقب هطول زخات أمطار على منطقة البحر الأسود طوال الأسبوع الجاري، ما سيحسن رطوبة التربة ويفيد زراعة القمح شتاءً، بعد موجات الجفاف والبرد التي وقعت في وقت سابق من الموسم الجاري. مخزونات القمح قرب أقل مستوى منذ عقد يُتوقع أن تقدم الحكومة الأميركية أولى توقعاتها للعرض والطلب على مستوى العالم لموسم 2025-2026 في تقرير سيصدر لاحقاً الإثنين، ويتُوقع أن تشير التقديرات إلى أن حجم المخزونات العالمية بلغ 261.4 مليون طن، بحسب متوسط توقعات المحللين في مسح أجرته "بلومبرغ". ليتجاوز بذلك مستوى 261 مليون طن المتوقع في نهاية الموسم الجاري. رغم ذلك، ستظل المخزونات عند هذا الحجم قرب أدنى مستوى منذ نحو عقد، ما يترك السوق عرضة للخطر في حالة حدوث أي اضطرابات في الأحوال الجوية قبل جنى المحصول. كما لفتت "فايزالا" في المذكرة إلى استمرار الجفاف في مناطق متزايدة من الاتحاد الأوروبي، فيما يعاني المزارعون في الصين من الطقس السيء أيضاً. أما في الأسواق الأخرى، ارتفع سعر فول الصويا إلى أعلى مستوى منذ أسبوعين بعدما أعلنت الولايات المتحدة والصين عن "تقدم ملموس" بعد مفاوضات امتدت ليومين تهدف إلى تهدئة حرب الرسوم الجمركية. وبينما لم يُعلن عن أي إجراءات محددة حتى الآن، فإن هذه الانفراجة قد تساعد في النهاية على استئناف تجارة المحاصيل الزراعية التي توقفت بين البلدين. وتُعد الصين أكبر دولة مستوردة لفول الصويا في العالم.

عوائد الديون الأمريكية تواصل الارتفاع وسط ضعف إقبال المستثمرين
عوائد الديون الأمريكية تواصل الارتفاع وسط ضعف إقبال المستثمرين

مباشر

timeمنذ 2 ساعات

  • مباشر

عوائد الديون الأمريكية تواصل الارتفاع وسط ضعف إقبال المستثمرين

مباشر: واصلت عوائد الديون الأمريكية الارتفاع خلال تعاملات الأربعاء، وسط مخاوف المستثمرين بشأن الآفاق المالية لأكبر اقتصاد في العالم، فضلاً عن ضعف الإقبال في مزاد أجري اليوم لسندات طويلة الأمد. زاد العائد على السندات لأجل 30 عاماً بمقدار 10.8 نقطة أساس إلى 5.075%، ليتجاوز مستوى 5% للمرة الثانية هذا الأسبوع. وارتفع العائد على السندات العشرية الأمريكية -المعيار العالمي- بمقدار 10.4 نقطة إلى 4.585%، وكذلك عائد نظيرتها لأجل عامين بمقدار 4.1 نقطة إلى 4.011%. يتابع المستمرون عن كثب المداولات الجارية بالكونجرس حول تخفيضات ضريبية يرغب الرئيس "دونالد ترامب" في تمريرها، وسط تزايد مخاوف الأسواق بشأن الوضع المالي للولايات المتحدة، وتفاقم مستويات الدين العام.

انخفاض أسعار النفط بعد ارتفاع مفاجئ في المخزونات الأمريكية
انخفاض أسعار النفط بعد ارتفاع مفاجئ في المخزونات الأمريكية

مباشر

timeمنذ 2 ساعات

  • مباشر

انخفاض أسعار النفط بعد ارتفاع مفاجئ في المخزونات الأمريكية

مباشر: تحولت أسعار النفط إلى الهبوط في ختام تعاملات الأربعاء، بعد صدور بيانات رسمية أظهرت ارتفاعاً غير متوقع في مخزونات الخام الأمريكية خلال الأسبوع الماضي، مما أثار قلق الأسواق بشأن ضعف الطلب في الولايات المتحدة، تزامناً مع اقتراب موسم القيادة في فصل الصيف، الذي يشهد عادةً زيادة في استهلاك الوقود. وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم يوليو بنسبة 0.72%؛ ما يعادل 47 سنتاً، لتُغلق عند 64.91 دولار للبرميل، بعدما كانت قد سجلت مكاسب بنسبة 1.6% في وقت سابق من الجلسة. كما انخفضت عقود خام نايمكس الأمريكي تسليم يوليو – وهو العقد الأكثر نشاطاً – بنسبة 0.74% أو 46 سنتاً لتُغلق عند 61.57 دولاراً للبرميل. وجاء هذا التراجع في الأسعار بعد أن أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ارتفاع مخزونات النفط التجارية بمقدار 1.3 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي، بينما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض قدره 800 ألف برميل. كما ارتفعت مخزونات البنزين بمقدار 800 ألف برميل، والمقطرات بنحو 600 ألف برميل خلال الفترة نفسها. وكانت أسعار النفط قد سجلت مكاسب في وقت سابق من اليوم؛ بدعم من تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" يشير إلى أن المخابرات الأمريكية تعتقد أن إسرائيل تخطط لتوجيه ضربات جوية إلى منشآت نووية في إيران؛ ما أثار مخاوف من تصعيد التوترات الجيوسياسية في المنطقة. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store