logo
الحرب بين الهيمنة والردع

الحرب بين الهيمنة والردع

وكالة خبرمنذ 8 ساعات

باستثناء الشعبويين الأميركيين والذين معظمهم ينضوون في إطار الحزب الجمهوري اليميني المحافظ، لم يعد أحد في الدنيا، يصدق بأن حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتواصل إشعالها ضد قطاع غزة وفلسطين، ومن ثم ضد كل قوى مقاومة الاحتلال والجبروت الإسرائيلي ونزعته التوسعية في الشرق الأوسط، كانت ردة فعل على عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها «حماس» في السابع من أكتوبر العام 2023، وفي تحديد وليس في تفسير فقط أسباب حرب الإبادة ضد غزة، وهي حرب التوسع والهيمنة على الشرق الأوسط في نفس الوقت، قيل الكثير، خاصة ذلك الذي يتعلق بدوافع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل، وائتلافه الفاشي الحاكم، لكن لا بد من القول بأن أحد أهم أسباب استمرار نتنياهو في مواصلة الحرب على غزة، رغم الخروج المتتابع لركاب العربة الحربية التي يقودها، إن كان أولئك الذين في الداخل (بيني غانتس، يوآف غالانت، هيرتسي هاليفي، ورونين بار) أو أولئك الذين في الخارج، من فرنسيين وألمان وبريطانيين، كان إبقاء نار الحرب مشتعلة، حتى لحظة شن الحرب المباشرة والمفتوحة على ايران.
وكما كان يبرر نتنياهو اجتياحه لمدينة رفح، حيث كان معظم سكان قطاع غزة قد تكدسوا فيها، وذلك في مثل هذا الوقت من العام الماضي، رغم تحذير كل الدنيا، بمن فيهم الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بقوله إن نصره لن يكتمل إلا بدخول رفح، وإنه لا بد من دخول رفح للقضاء على آخر ألوية حماس في قطاع غزة، وللقضاء على حكم الحركة أيضاً، فإنه يعتبر عدم إكمال الحرب بشنها على ايران، كما لو كان يوقفها في منتصف الطريق، ولهذا علاقة في حقيقة الأمر، بتحقيق الهدف الأهم والاستراتيجي الذي تابع نتنياهو بالذات التحضير والإعداد له، منذ العام 1995، باعتباره قائد اليمين الإسرائيلي المخلص لأيديولوجيا جابوتنسكي، وإن كان بَدءُ حياته السياسية ارتبط بالقضاء على حل الدولتين، بما يتجاوز عدم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرار التقسيم 1949، او وفق 1967، بإقامة إسرائيل على كامل ارض فلسطين الانتدابية، وكما يقول نتنياهو نفسه في كتابه «مكان تحت الشمس» هذه الضفة لي وتلك لي أيضا، في إشارة لضفتي نهر الأردن، فإن الرجل قاد مسيرة التحول الإسرائيلي السياسي والمجتمعي الداخلي، نحو اليمين العام، ثم اليمين المتطرف، وهو أول من ادخل ممثلي الاستيطان في الحكومة، وذلك لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وعدم الاكتفاء بدولة إسرائيل العلمانية التي أقامها الغرب الليبرالي عام 1948، وواصل عرضه «الأرض مقابل السلام» حتى يقبلها الشرق الأوسط بتك الحدود وبتلك المواصفات.
وكما نجح نتنياهو في إجبار بايدن على قبول مواصلة الحرب، ليس في اجتياح رفح وحسب، بل وفي إغلاق كل النوافذ التي فتحها بايدن أمام صفقة التبادل، كونها كانت توقف إطلاق النار ولو مؤقتاً، ها هو ينجح في إجبار دونالد ترامب على القبول ولو الضمني، أو عدم المعلن لشنه الحرب على إيران، ذلك ان قيام نحو مائتي طائرة إسرائيلية مع عدد من المسيّرات، بتنفيذ الضربة العسكرية المعد لها منذ 8 اشهر، دون أن يعلن ترامب وهو ظل يتبجح بهذا، بفشل مفاوضاته مع ايران، كان ترتيباً بين ترامب ونتنياهو بهدف خدعة ايران، حتى لا تستعد جيداً للضربة الإسرائيلية، وفي قراءة أولاً للضربة الإسرائيلية ومن ثم للرد الإيراني، لا بد من التوقف عند شكل وطبيعة العملية الإسرائيلية، ثم قراءة الدوافع والأهداف، ثم توقع ما سينتهي إليه الأمر، رغم أن المرجح هو ان تستمر الحرب، وقتاً أطول مما يتوقع او يقدر أو حتى يتمنى معظم المتابعين في الشرق الأوسط.
أول ما يمكن ملاحظته، هو ان إسرائيل تحاول جاهدة منذ عامين، فرض الحرب الخاطفة، على محور المقاومة بكل جبهاته، وهي في حقيقة الأمر _أي إسرائيل_ مجبرة على إطالة أمد الحرب، ويقيناً لو أنها حققت ما تريده من أهداف بعيدة المدى، تصل الى تحقيق الهدف الرئيسي، وهو تدمير كل جبهات المقاومة، لجعل الشرق الأوسط عبارة عن «بركة مياه راكدة» تحت سيطرتها، في الأسبوع او الشهر الأول، كما حدث في حزيران 1967، مثلاً لأوقفت الحرب، لكن لأن نتنياهو ليس بن غوريون، ومؤكد انه ليس وريثه ولا يسير على طريقه، أي انه لا يهدف من وراء هذه الحرب، لا للانتقام للسابع من أكتوبر، ولا لتخليص غزة من حماس، وإلا لوافق على تسليمها للسلطة الفلسطينية منذ زمن، ولكنه يجدها اللحظة الأخيرة لإقامة الامبراطورية الإسرائيلية الكبرى الممتدة جغرافياً بهذا الشكل او ذلك من الفرات للنيل، والمهيمنة على الشرق الأوسط كزعيم لنظامه الإقليمي على شاكلة أميركا كزعيم للنظام العالمي.
أول ما يمكن ملاحظته وقد أجبرت إسرائيل على حرب طويلة لأنها تصر على تحقيق هدف السيطرة على الشرق الأوسط، أنها صارت تعتمد منذ العام الثاني للحرب على احد اقوى أجهزتها العسكرية وهو الجهاز الأمني، وهي في غزة، نجحت بعد اكثر من عام في الوصول لقادة حماس، يحيى السنوار، ومحمد الضيف، اعتماداً على الذكاء الاصطناعي وعلى الأقمار الصناعية الأميركية مع الموساد، أما ضربتها العسكرية الأهم فكانت في لبنان استناداً للموساد، بتنفيذ عملية البيجر، كذلك التقاط لحظة اجتماع السيد حسن نصر الله في الضاحية، واستندت للدعم الأميركي بتزويدها بالقوة التفجيرية الكافية لاختراق تحصينات حزب الله تحت البناية المستهدفة، لقتل السيد نصر الله، وها هي تستخدم نفس التكتيك العسكري/الاستخباراتي، في طهران، بعملية معقدة ومركبة ومعدة منذ 8 اشهر، نجحت فيها باغتيال رئيس الأركان ورئيس الحرس الثوري مع عدد من علماء المفاعل النووي.
كل هذه العمليات تذكر بما فعلته إسرائيل عام 1967 من توجيه الضربة الجوية للطيران المصري وتدميره، بما كشف الجيش المصري الثالث المكلف حماية سيناء، وبما فتح الطريق لإسرائيل لتحقيق النصر السريع والسهل والخاطف بعد الضربة الجوية في ذلك العام، وكما حدث بعد البيجر واغتيال نصر الله ارتفعت عقيرة نتنياهو عالياً، بالحديث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، انطلقت عقيرة ترامب بعد الضربة الإسرائيلية لإيران مباشرة، وبعد إعلان اغتيال رئيس الاركان ورئيس الحرس الثوري فيها، لكن الحرب الخاطفة التي تؤدي لتحقيق النصر استناداً للتفوق الجوي بالطيران والذخائر والاستخبارات الإسرائيلية والأميركية صارت فعلاً إسرائيلياً ماضياً، اي أن إسرائيل استناداً لكونها تعتمد على القبول الغربي للقيام بالضربة الأولى، وهي قامت بالضربة ضد ايران، مباشرة بعد يوم واحد من قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعدم امتثال ايران لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي، أما ايران وكما كان الحال مع اعداء إسرائيل فإنها مضطرة لانتظار الضربة والقيام بالرد، فالعالم والغربي منه خاصة لا يستوعب حق الآخرين بتوجيه الضربة الاستباقية ويبقي ذلك حقاً إسرائيلياً خالصاً، والدليل طوفان الأقصى، مع ان عملية حماس جاءت بعد سنوات طويلة من الحصار، ومن الظلم التاريخي.
اذاً مآل الضربة الإسرائيلية الأولى مرتبط بالرد، وضربتها الاخيرة لإيران لا يمكن اعتبارها رغم انها كانت موجعة بمستوى ضربة البيجر واغتيال نصر الله في أيلول الماضي، واذا كان رد حزب الله احتاج اياماً، فإن رد ايران جاء في اليوم التالي، وكما كان رد حزب الله مزلزلاً، وصل بيت نتنياهو ولمقر القاعدة 8200، فإن الرد الإيراني صعق تل أبيب وبيت يام، وبمقارنة النار الإسرائيلية التي تصل غرب ايران، فإن النار الايرانية تصل وسط إسرائيل، أي تل أبيب وحيفا، واذا كانت جبهتا غزة ولبنان قد أدخلتا مستوطنات غلاف غزة، ومستوطنات الجليل في أتون الحرب، فإن جبهة اليمن أدخلت «إيلات» ومطار بن غوريون أتون الحرب، فيما جبهة إيران تدخل عقل وقلب إسرائيل، العاصمة تل أبيب بما في ذلك القواعد العسكرية ومعهد وايزمان الذي يعد احد اهم عشرة مراكز بحث علمي في العالم، أتون الحرب الطاحنة.
واذا كانت الضربات الإسرائيلية توقع قتلى إيرانيين، فإن الرد الإيراني اوقع قتلى وجرحى إسرائيليين، فيما الضربة والرد ليسا على شاكلة ما سبق، فهما مقدمة حرب مفتوحة، قد تطول بين البلدين، وقد تجر الشرق الأوسط كله لحرب إقليمية واسعة، حاول بايدن تجنبها، لكن ترامب وقع فيها بسذاجة، وبخبث نتنياهو، وعلى اي حال، لا بد مما ليس منه بد، فحيث ان إسرائيل وصلت الى ان تكون محكومة بصراحة من قبل ائتلاف فاشي، يطمح للتوسع والسيطرة بإقامة نظام إقليمي إسرائيلي، فإن مواجهة هذا المشروع واجبة ولا بد منها، ومآل الحرب هذه مرتبط بصيرورتها، فليس من احتمال لأن تربحها إسرائيل وتحقق هدفها دون انخراط أميركي فيها، فيما تكتفي إيران بالحفاظ على مشروعها النووي، فيما تبقى الحرب بين إرادتَي الهيمنة والردع.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"القسام": دمرنا ناقلتي جند وأوقعنا قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح شرق خانيونس
"القسام": دمرنا ناقلتي جند وأوقعنا قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح شرق خانيونس

وكالة الصحافة الفلسطينية

timeمنذ 2 ساعات

  • وكالة الصحافة الفلسطينية

"القسام": دمرنا ناقلتي جند وأوقعنا قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح شرق خانيونس

غزة - صفا أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن تدمير ناقلتي جند إسرائيليتين، وتفجير عبوة استهدفت قوة إسرائيلية، شرق عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. وقالت القسام في منشور عبر قناة "تليغرام" يوم الثلاثاء: "إن مجاهديها بالاشتراك مع مجاهدي سرايا القدس تمكنوا أمس الاثنين من تدمير ناقلتي جند صهيونيتين بعبوتي شواظ في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع". وأكدت أن مقاتليها رصدوا اشتعال النيران في الآليات وهبوط الطيران المروحي للإخلاء". في غضون ذلك أعلنت "القسام" عن "تمكن مجاهديها أمس الاثنين من تفجير عبوة مضادة للأفراد في قوة إسرائيلية وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح شرق عبسان الكبيرة شرق خانيونس". وكان جيش الاحتلال اعترف صباح الثلاثاء، بمقتل جندي وإصابة 4 آخرين بجروح خطيرة جراء تفجير عبوة ناسفة بناقلة جند جنوبي القطاع. وتواصل كتائب القسام تصديها لآليات الاحتلال الإسرائيلي وجنوده المتوغلين في قطاع غزة ضمن معركة "طوفان الأقصى"، ومواجهة العدوان المستمر منذ أكثر من عام ونصف. ومنذ 18 آذار/مارس الماضي، استأنفت "إسرائيل" حرب الإبادة على غزة، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى مع حماس استمر 58 يومًا منذ 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة قطر ومصر ودعم أمريكي.

"القسام": دمرنا ناقلتي جند و أوقعنا قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح شرق خانيونس
"القسام": دمرنا ناقلتي جند و أوقعنا قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح شرق خانيونس

وكالة الصحافة الفلسطينية

timeمنذ 3 ساعات

  • وكالة الصحافة الفلسطينية

"القسام": دمرنا ناقلتي جند و أوقعنا قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح شرق خانيونس

غزة - صفا أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن تدمير ناقلتي جند إسرائيليتين، وتفجير عبوة استهدفت قوة إسرائيلية، شرق عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. وقالت القسام في منشور عبر قناة "تليغرام" يوم الثلاثاء: "إن مجاهديها بالاشتراك مع مجاهدي سرايا القدس تمكنوا أمس الاثنين من تدمير ناقلتي جند صهيونيتين بعبوتي "شواظ" في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع ورصد مجاهدونا اشتعال النيران في الآليات وهبوط الطيران المروحي للإخلاء". وفي السياق، أعلنت القسام عن تمكن مجاهديها أمس الاثنين من تفجير عبوة مضادة للأفراد في قوة إسرائيلية وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح شرق عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع. وتواصل كتائب القسام تصديها لآليات الاحتلال الإسرائيلي وجنوده المتوغلين في قطاع غزة ضمن معركة "طوفان الأقصى"، ومواجهة العدوان المستمر منذ أكثر من عام ونصف. ومنذ 18 آذار/مارس الماضي، استأنفت "إسرائيل" حرب الإبادة على غزة، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى مع حماس استمر 58 يومًا منذ 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة قطر ومصر ودعم أمريكي.

مقتل جندي إسرائيلي بانفجار عبوة ناسفة جنوب قطاع غزة
مقتل جندي إسرائيلي بانفجار عبوة ناسفة جنوب قطاع غزة

وكالة خبر

timeمنذ 8 ساعات

  • وكالة خبر

مقتل جندي إسرائيلي بانفجار عبوة ناسفة جنوب قطاع غزة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل الجندي الإسرائيلي نافيه ليشام، جراء تفجير عبوة ناسفة استهدفت ناقلة جنود مدرعة في جنوب قطاع غزة. كما أصيب ضابط وثلاثة جنود بجراح خطيرة. وقالت مصادر عبرية إنه سُمح صباح اليوم بنشر نبأ مقتل العريف أول نافيه ليشام، الجندي في كتيبة 12 التابعة للواء غولاني، بعد أن استُهدفت ناقلة الجنود المدرّعة التي كان على متنها في مدينة خان يونس بعبوة ناسفة وُضعت مسبقًا. وبحسب تحقيق أولي، تم تفخيخ الناقلة المدرعة من طراز "نمر" (المرتكزة على دبابة ميركافا) بعبوة ناسفة زرعتها عناصر حماس في المنطقة. وبذلك، يرتفع عدد قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب إلى 870.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store