
من المقاومة إلى البحث عن البقاء.. أين وصل محور إيران الإقليمي وكيف تخطط طهران للعودة مجدداً؟
من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق ووصولاً إلى اليمن، كان نفوذ "محور المقاومة" بارزاً في منطقة الشرق الأوسط، وسعت إيران من خلال هذه الشبكة العسكرية غير الرسمية من الحلفاء إلى تصدير أيديولوجيتها وبسط نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وحتى في مناطق أخرى أبعد عنها جغرافياً.
لكن بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والحروب الإقليمية في أنحاء الشرق الأوسط، تفاجأ الكثيرون باستراتيجيات جديدة لمحور المقاومة، وسط تساؤلات من مؤيديه وخصومه عمّا إذا كان "محور المقاومة أو الممانعة" الذي تقوده إيران قادراً على العودة إلى سابق عهده.
فقد دفعت طهران وحلفاؤها في المحور إلى تجنب الصراعات المباشرة والحد من التصعيد، ما انعكس سلباً على السمعة التي عملت طهران وحلفاؤها على بنائها على مرّ السنوات الماضية، سمعة تجاوزت قدراتهم الفعلية، وفي الوقت الحالي، وفي أعقاب الهزائم التي مُني بها محور المقاومة، تحاول طهران إعادة بناء استراتيجيتها لمحور المقاومة.
بحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن طهران وحلفاءها ليسوا في عجلة من أمرهم لاستعادة مكانتهم في المنطقة، بل إنهم يعملون على إعادة البناء بخطوات متأنية.
ووسط إعادة التشكيل والبناء، يحاول منافسو محور المقاومة وخصومه ، إسرائيل والولايات المتحدة، التركيز على فكرة انهيار المحور بشكل كامل، والترويج لخسارات طهران وحلفائها والوقت الطويل الذي يحتاجونه لإعادة البناء.
صحيح أن إيران خسرت قوتها الرادعة في عقيدتها الإمامية الدفاعية، وصحيح أيضاً أن حزب الله ضعف بشكل كبير، والحشد الشعبي في العراق يعاني من الضغوطات الخارجية والداخلية للانفصال عن محور المقاومة، وفي أي وقت من الممكن أن تتحول جرأة الحوثيين إلى كارثة تزيد من هزائم محور المقاومة، لكن في نفس الوقت لا يستطيع أحد الجزم الآن بالانهيار الكامل لمحور المقاومة.
وستواصل جماعات المحور استعادة نفوذها محلياً وقوتها الإقليمية خطوة بخطوة، وقد تستمر هذه الجماعات في الهيمنة في مناطق نفوذها المحلية، ومن ثم العودة إلى الصراع الإقليمي. وفي هذا التقرير نحاول معرفة الخيارات والخطط المطروحة في طهران لاستعادة بناء وقوة محور المقاومة.
خيارات طهران لإعادة رصّ صفوف "محور المقاومة"
يصف علي صمدي، الباحث السياسي في أحد مراكز الفكر التابعة للحرس الثوري الإيراني والمقرب من دوائر صنع القرار في طهران، ما حدث لمحور المقاومة على مدار العام الماضي، بأنه "انتكاسات فادحة"، ويقول لـ"عربي بوست": "انهار كل شيء بسرعة مذهلة، كل استثمارات إيران في محور المقاومة انهارت فجأة، ما حدث لمحور المقاومة من بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو أكبر تهديد وخطر في تاريخ محور المقاومة".
يشمل محور المقاومة العديد من المجموعات المسلحة التي تشترك مع إيران أيديولوجياً، ونفس العداء لإسرائيل والولايات المتحدة، لكن كان حزب الله اللبناني والحوثيون من بعده، هما المجموعتان الأكثر ولاءً لطهران والأكثر التزاماً بالسياسة الإسلامية الشيعية، والأكثر التزاماً أيضاً بالعداء تجاه إسرائيل والولايات المتحدة.
تأتي من بعدهم الفصائل المسلحة الشيعية في العراق والمتحالفة مع إيران والتي تنضوي تحت مظلة الحشد الشعبي، ولكن كانت هذه الفصائل الحلقة الأضعف في محور المقاومة، وكانت طهران تعتمد عليها بشكل أقل من حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
بالإضافة إلى ارتباط هذه الفصائل بالمشكلات المحلية في العراق ودراسة خطواتها داخل محور المقاومة بشكل دقيق لكي لا تؤثر على مصالح العراق الأوسع، خاصة بعد سنوات من القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن هذا لا يعني التقليل من أهمية الفصائل العراقية بالنسبة لطهران، على الأقل في الوقت الحالي.
ووسط الهزائم، تتجه طهران حالياً إلى تثبيت نفوذ حلفائها في لبنان واليمن في السلطة المحلية، بعيداً عن الصراعات الإقليمية، كخطوة هامة وأولوية في إعادة بناء محور المقاومة.
وفي هذا الصدد، يقول مصدر رفيع المستوى من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ومطلع على هذا الملف، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "بعد خسارة سوريا، بدأت القيادات العسكرية والسياسية في إيران في تقييم أسباب الهزيمة، ومن ثم العمل على خطط لضمان بقاء مجموعات محور المقاومة دون الانخراط في صراع إقليمي".
وبحسب المصدر ذاته، فإن طهران وحلفاءها في محور المقاومة، وبالتحديد الفصائل الشيعية في العراق، وحزب الله في لبنان، قرروا العمل على تقوية نفوذهم المحلي والتركيز على المنافسين المحليين، لتقوية نفوذهم داخلياً واستعادة قوتهم.
ويقول المصدر لـ"عربي بوست": "حتى إيران أدركت أن التركيز على الوضع الداخلي في هذه الفترة أفضل بكثير من الدخول في صراعات مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، العودة إلى السياسة المحلية لأعضاء محور المقاومة تضمن عدم تكرار مصير بشار الأسد".
وأشار المصدر إلى نقطة أخرى قائلاً: "لكن هذا لا يعني أن محور المقاومة قد تخلّى عن صراعه الأهم والأكبر مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولكنه قرر المضي نحو ضمان البقاء مع تأجيل المقاومة الإقليمية لوقت يكون قد استعاد فيه عافيته مرة أخرى".
وأشار الباحث السياسي الإيراني علي صمدي إلى مسألة استمرار المخاطر الإقليمية بالنسبة لفصائل محور المقاومة، قائلاً لـ"عربي بوست": "في هذه الاستراتيجية الجديدة، لا يزال محور المقاومة، بالرغم من خفضه للتصعيد الإقليمي وتركيزه على السياسة المحلية، يواجه مخاطر خارجية".
وأوضح الباحث قائلاً: "إسرائيل تستطيع إشعال الحرب في أي وقت مرة أخرى مع حزب الله، الحوثيون يتعرضون من وقت لآخر لهجمات الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الخليج، وإيران أيضاً في أي وقت من المحتمل أن تنهار المفاوضات وتواجه انتقاماً عسكرياً من واشنطن أو تل أبيب".
وبحسب صمدي، فإن أعضاء محور المقاومة، بما فيهم إيران، قرروا أن المخاطر الداخلية والسخط الجماهيري في بلادهم، بعد تعرض المحور لهزائم إقليمية وجر بلاده إلى الحروب، هي الأولوية الآن، وهي الأشد خطراً من التهديدات الخارجية سواء الأمريكية أو الإسرائيلية.
ويعلّق صمدي قائلاً: "سنرى أن جميع أعضاء محور المقاومة الآن توقّفوا عن الدخول في صراع مع القوى الخارجية، باستثناء الحوثيين، ولكن في حالة أنصار الله فإن صراعهم مع واشنطن وتل أبيب ينبع من رغبتهم في تعزيز قوتهم المحلية، وهذا تراه إيران مناسباً في الوقت الحالي، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن أي خطوة غير محسوبة في هذا الصراع بين الحوثيين وواشنطن وتل أبيب تُهدد بخسارات هائلة للحوثيين".
إعادة بناء الشبكات الاقتصادية وخطوط الإمداد
من ضمن الخطوات التي تتخذها إيران وحلفاؤها في محور المقاومة بهدف إعادة بناء المحور مرة أخرى والمحافظة على بقائه، هي إعادة بناء الشبكات الاقتصادية وخطوط الإمداد.
يعلّق المصدر من فيلق القدس والمقرّب من مجموعات محور المقاومة على هذه المسألة قائلاً لـ"عربي بوست": "بسقوط بشار الأسد وخسارة سوريا، فقد المحور وإيران أهم عضو في المحور، كانت دمشق هي النقطة الأساسية والأهم لإيصال الأموال والإمدادات العسكرية لأعضاء المحور، وبالأخص حزب الله في لبنان، والآن ستكون المشكلة الأكبر أمام المحور هي إعادة بناء الشبكات الاقتصادية وتأمين خطوط إمداد جديدة".
وبحسب المصادر المطلعة التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن المهمة الأكبر الآن أمام محور المقاومة هي بناء قنوات مفتوحة جديدة، وإعادة بناء شبكات التهريب لإرسال الإمدادات لمجموعات محور المقاومة، بالرغم من الضغوط التي تتعرض لها سلاسل التوريد الأخرى التي اعتمد عليها محور المقاومة في أوقات مختلفة.
المزيد من الاستقلالية لأعضاء محور المقاومة
منذ أن عمل القائد الراحل لفيلق القدس قاسم سليماني على تأسيس محور المقاومة بقيادة إيرانية، حرص على إبقاء هامش من الاستقلالية لأعضاء محور المقاومة، مع التأكيد على مبدأ "وحدة الساحات"، الذي يُلزم أعضاء محور المقاومة بالعمل سوياً ضد أي عدوان تجاه أي عضو من أعضاء المحور، والالتزام بالهيكل البيروقراطي للحكم داخل المحور، والذي كان يتحكم به قاسم سليماني ومن بعده حسن نصرالله، الأمين العام الراحل لحزب الله اللبناني.
لكن بعد تعرّض المحور لانتكاسات متتالية، أدركت طهران أن مبدأ "وحدة الساحات" قد انهار، ولا بد من اتباع مسار أكثر براغماتية للحفاظ على المحور.
في هذا الصدد، يقول خبير عسكري إيراني كان في السابق قائداً في الحرس الثوري الإيراني، ومقرّب من قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "لا يمكن إنكار أن طهران فقدت جزءاً كبيراً من سيطرتها على أعضاء محور المقاومة بعد الانتكاسات التي تعرّض لها المحور، وستحتاج إيران وباقي أعضاء المحور إلى الكثير من الوقت للتعافي من هذه النكسات التي ألحقتها بها إسرائيل، لذلك كان من الأفضل إفساح المجال أمام استقلالية ولا مركزية أكبر لأعضاء محور المقاومة دون سيطرة مباشرة وكبيرة من قبل طهران".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "تتمثل استراتيجية إيران الجديدة في منح أعضاء المحور استقلالية أكبر دون التقييد بهياكل السلطة التقليدية داخل المحور، بعبارة أخرى، ترك الحرية لأعضاء المحور للعمل بحرية وبشكل شبه مستقل عن القيادة الإيرانية في طهران، وهذا لا يعني ابتعاد أعضاء المحور عن الأجندة الإقليمية المشتركة مع إيران، وهي: مقاومة إسرائيل والولايات المتحدة".
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن طهران ستمنح المزيد من الحرية لحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والفصائل المسلحة الشيعية في العراق، لتقرير ما هي الطريقة الأفضل لهم للحفاظ على نفوذهم المحلي دون الاشتباك في صراع إقليمي في الوقت الحالي، مع العمل على تعزيز مصادر التمويل المالي لكافة الأعضاء عبر شبكات التهريب غير المشروعة المناسبة لكل عضو في محور المقاومة.
ويعلّق الباحث السياسي الإيراني علي صمدي، والمقرّب من دوائر صنع القرار في طهران، على هذه المسألة قائلاً: "الابتعاد عن المدار الإيراني الآن بالنسبة لأعضاء محور المقاومة سيعزز من خططهم في استعادة نفوذهم المحلي، وإخماد السخط الشعبي ضدهم، والتأكيد على أن أعضاء محور المقاومة يرون مصلحة بلادهم في المقام الأول، والتأكيد على براغماتية أعضاء المحور وعدم رغبتهم في جرّ شعوبهم إلى حروب إقليمية".
اليمن: استمرار المواجهة لكسب النفوذ المحلي
على الرغم من تبنّي مجموعات محور المقاومة أجندة إقليمية عابرة للحدود منذ سنوات طويلة، إلا أن الوضع الإقليمي قد تغيّر، وحان الوقت لكسب النفوذ المحلي والابتعاد قليلاً عن إيران، بحسب الخطط الجديدة التي وضعتها طهران لبقاء محور المقاومة.
بعد الهزيمة الكبيرة التي تعرّض لها حزب الله في لبنان، برزت جماعة أنصار الله في اليمن كأقوى قوة فاعلة في محور المقاومة، وبالرغم من الخطط الجديدة السابق ذكرها، إلا أن الحوثيين، الذين سيطروا على حركة الملاحة في البحر الأحمر، قرروا السير في الاتجاه المعاكس لحزب الله في لبنان، والاستمرار في التصعيد مع إسرائيل، وصمودهم في وجه الغارات الأمريكية، من أجل تخويف منافسيهم المحليين وبسط نفوذهم على اليمن بأكمله.
في هذا الصدد، يقول المصدر من فيلق القدس لـ"عربي بوست": "يعتبر الحوثيون أنفسهم الآن هم طليعة محور المقاومة والعضو الأكثر قوة ونفوذاً في المحور، وبالطبع هذا مفيد لطهران، لكنهم قرروا الاستمرار في استراتيجية تصعيد الصراع، على عكس باقي أعضاء المحور".
وأضاف المتحدث: "صحيح أن هذا الاتجاه يزيد من قوتهم ويعزز مكانتهم كعضو جريء في المحور يستطيع الوقوف في وجه الأمريكان والإسرائيليين دون تكبّد الكثير من الخسائر، لكن طهران لا توافق على هذه الاستراتيجية المتطرفة في بعض الأحيان، وخاصة في الوقت الحالي".
ويُفسّر المصدر ذاته رفض طهران لما وصفه في حديثه بتهور الحوثيين في الكثير من الأوقات، قائلاً: "صحيح أن الحوثيين لا يهتمون كثيراً بالسخط الشعبي، ويرون أن صمودهم في وجه إسرائيل والولايات المتحدة سيزيد من رصيد نفوذهم أمام خصومهم التابعين للإمارات والسعودية، لكن تخشى طهران من أن تتحول هذه الجرأة إلى استفزاز الجهات الفاعلة في المنطقة، والتي تريد التخلص من الحوثيين وتكثيف الهجمات على اليمن، والمخاطرة باندلاع غضب جماهيري ضد الحوثيين".
ويرى الباحث السياسي المقرّب من دوائر صنع القرار في طهران، علي صمدي، أنه بعد كل الضربات الإسرائيلية والأمريكية ضد الحوثيين، لم يفقدوا الكثير من قدراتهم العسكرية، على عكس ما حدث مع حزب الله في لبنان، ولكن هذا لا يعني أنهم في مأمن من نفس المصير.
ويقول المصدر: "حافظ الحوثيون على بنيتهم التحتية العسكرية حتى بعد مئات الغارات الأمريكية، لكن إذا زاد عنادهم عن الحد، فقد يأمر ترامب بتوسيع الهجمات على اليمن واغتيال كبار القادة الحوثيين، وتدمير العديد من القدرات العسكرية للجماعة، لكن طهران لا تملك أوراق ضغط كثيرة على الحوثيين، فهم أكثر مجموعات محور المقاومة استقلالية".
وأكدت المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، أن الحوثيين يسعون، من خلال تقديم أنفسهم باعتبارهم أقوى مجموعات محور المقاومة الآن، إلى التخلص من معارضي الحركة في صنعاء، والسيطرة الكاملة على عائدات النفط في محافظة مأرب.
حزب الله: محاولة العودة إلى نفوذ 2006
أدى التراجع السريع في مكانة حزب الله الإقليمية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مواجهة الحزب تحديات تهدد مكانته التي كانت في منأى عن المساس بها في لبنان قبل عام 2023.
ويقول الخبير العسكري الإيراني المقرّب من الحرس الثوري وحزب الله في لبنان، لـ"عربي بوست": "حزب الله الآن محاصر ومهدد، ويدرك أن إسرائيل ستتفوق في أي صراع متجدد مع الحزب، كما يعلم أن دوره في الحياة السياسية اللبنانية قد تعرض لضربة موجعة".
وبحسب المصدر ذاته، يحاول حزب الله أن يعود إلى نفوذه الذي اكتسبه بعد حربه مع إسرائيل في عام 2006، لكنه وصف الأمر بأنه "حلم بعيد المنال حالياً"، ويقول لـ"عربي بوست": "حظوظ حزب الله في استعادة نفوذه المحلي الذي اكتسبه بعد عامي 2000 و2006، قليلة جداً، والعودة إلى هذا النفوذ تتطلب الكثير من العمل الداخلي الشاق، والممارسات العنيفة تجاه الخصوم المحليين، والسيطرة على القرار اللبناني، وهذا صعب تحقيقه في الوقت الحالي".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "طهران والحزب الآن يعملان على الكشف عن الجواسيس داخل الحزب، وهذه عملية شاقة للغاية، فالحزب اكتشف خروقات أمنية هائلة في حربه الأخيرة مع إسرائيل، بالإضافة إلى أن حزب الله يحتاج إلى إعادة إعمار الجنوب قبل الانتخابات القادمة، والعمل على الحفاظ على قدر من الردع أمام الخروقات الإسرائيلية".
ووصف الباحث السياسي المقرّب من دوائر صنع القرار في طهران، خطط إيران وحزب الله المقبلة بأنها "طريق صعب وطويل"، قائلاً لـ"عربي بوست": "حزب الله كان أصعب الخسارات بعد سوريا، ويحتاج إلى طريق طويل وشاق من العمل داخل هيكل الحزب ومحلياً. ترى طهران أن حزب الله لم يتم القضاء عليه تماماً، لكنها تدرك تماماً أنه يحتاج إلى عشرات السنوات للعودة إلى قوته الإقليمية".
الفصائل المسلحة العراقية: التركيز على الدعم المالي للمحور
لم تنخرط الفصائل المسلحة الشيعية في العراق، والمتحالفة مع إيران، كثيراً في الحروب الإقليمية الدائرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. صحيح أنها شاركت في استهداف إسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة، ولكنها لم تتورط بشكل كبير.
يصف علي صمدي الفصائل المسلحة الشيعية العراقية بأنها الحلقة الأضعف في محور المقاومة، قائلاً لـ"عربي بوست": "لا تتمتع الفصائل العراقية بقدرات قتالية كبيرة للدخول في صراع واسع النطاق إقليمياً، ولكنها تظل بطاقة ضغط على الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة".
وأضاف صمدي قائلاً: "بالإضافة إلى أن طهران تنظر إلى استقرار العراق وعدم الانجرار إلى حرب إقليمية، بأهمية قصوى، لأن العراق هو المتنفس الأهم والرئيسي للاقتصاد الإيراني، واقتصاد محور المقاومة".
ومنذ عودة دونالد ترامب لرئاسة أمريكا، تواصلت إدارته مع الحكومة العراقية للضغط عليها لتفكيك الفصائل المسلحة الشيعية المتحالفة مع إيران في العراق، وما زالت هذه الضغوط موجودة حتى يومنا هذا.
وقام البرلمان العراقي والحكومة بتعديل قانون وحدات الحشد الشعبي، من أجل التخلص قليلاً من الضغط الأمريكي، الذي يهدف إلى "صفر إيران في العراق"، كما أخبر مسؤولون أمريكيون رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
بالطبع لا تريد طهران تفكيك وحدات الحشد الشعبي في العراق، لكنها في الوقت نفسه لا تريد خسارة الحشد الشعبي.
وفي هذا الصدد، يقول المصدر من فيلق القدس لـ"عربي بوست": "تهدئة الأوضاع في العراق في مصلحة إيران بالطبع، فالفصائل العراقية تمتلك موارد مالية يمكنها المساهمة في اقتصاد محور المقاومة بشكل كبير، والحكومة العراقية حليفة لطهران، لذلك ترى طهران أن تقديم بعض التنازلات من قبل الفصائل العراقية للحكومة العراقية، لمنع إحراج الأخيرة أمام واشنطن، سيكون مفيداً من أجل ضمان بقائها".
في النهاية، لم تتخلَّ طهران وحلفاؤها في محور المقاومة عن أهدافهم الاستراتيجية المتمثلة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، ولا عن أهدافهم الأكثر تطرفاً في السيطرة على الشرق الأوسط، لكن طهران ومحور المقاومة في مرحلة إدراك التوازنات الإقليمية والدولية الجديدة، لإيجاد أدوات مناسبة للبقاء، ومن ثم إعادة الانطلاق والعودة من جديد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ 6 ساعات
- بوست عربي
هل يدفع الاقتصاد الإسرائيلي ثمن وزرائه المتطرفين؟.. بن غفير وسموتريتش تحت عقوبات الحلفاء
قد يتسبب فرض عقوبات غربية هي الأولى من نوعها على وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بانعكاسات سلبية على إسرائيل، لاسيما صندوق الثروة السيادي، رغم مساعي الوزير اليميني المتطرف بالانتقام من خلال شل اقتصاد السلطة الفلسطينية. وفرضت حكومات بريطانيا وكندا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا عقوبات على سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لتحريضهما المتكرر على العنف ضد المدنيين الفلسطينيين. ما الذي أدى إلى فرض العقوبات؟ وتُعد عقوبات الحلفاء، هي الإجراءات الأولى من نوعها ضد شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى، في ظل تصاعد الغضب الشعبي والدولي تجاه الانتهاكات الجسيمة التي تسببت بها إسرائيل في حربها على قطاع غزة. وأكد بيان مشترك بين الدول الغربية الخمس أن سموتريتش وبن غفير حرّضا على عنف المستوطنين وارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الفلسطينيين الإنسانية. ويقول موقع "كالكاليست" الإسرائيلي، إنه رغم أن العقوبات فُرضت بسبب ما يحدث في الضفة الغربية، إلا أن البيان أشار أيضاً إلى ما يحدث في غزة، مؤكداً أنه "لا يمكن النظر إلى العقوبات بمعزل عما يحدث بالقطاع، ويجب على إسرائيل الالتزام بالقانون الإنساني الدولي". ودعا بيان الدول الغربية إلى ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، واتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، والتقدم نحو حل الدولتين. وفي 19 مايو/أيار 2025، انضم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في توقيع بيان مشترك يدين حصار إسرائيل للمساعدات الإنسانية في غزة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. ويُعرف الوزيران بآرائهما السياسية اليمينية المتطرفة ودعمهما القوي لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وفي 30 مايو/أيار 2025، أعلن سموتريتش عن خطط لإنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، وهي خطوة تُعتبر على نطاق واسع غير قانونية بموجب القانون الدولي. ووصف التوسع بأنه "قرار تاريخي"، وقال: "لقد نجحنا في إحداث تغيير استراتيجي عميق، وإعادة دولة إسرائيل إلى مسار البناء والصهيونية والرؤية". فيما تقول شبكة " بي بي سي" البريطانية إن القرار يعكس الضغوط الشعبية والبرلمانية المتزايدة لاتخاذ مزيد من الإجراءات ضد الحكومة الإسرائيلية بسبب عملياتها في غزة والضفة الغربية. ما طبيعة العقوبات التي فُرضت على سموتريتش وبن غفير؟ وذكرت صحيفة " التايمز" البريطانية أن العقوبات البريطانية ستشمل: تجميد أصول الوزيرين الإسرائيليين. منع سموتريتش وبن غفير من دخول المملكة المتحدة. منع المؤسسات المالية من إقامة علاقات معهما. كيف علّقت الحكومة الإسرائيلية على قرار الدول الغربية؟ ولم يعلّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قرارات الدول الغربية، لكنه اكتفى بمشاركة تغريدة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أدان فيها القرار، وكتب نتنياهو: "شكراً روبيو لموقفك الأخلاقي ودعمك لإسرائيل". فيما قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن هذه الخطوة "شائنة"، وإن الحكومة ستعقد اجتماعاً خاصاً لتحديد سبل الرد على هذا "القرار غير المقبول". وخلال حديثه في حفل افتتاح مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، قال سموتريتش إنه يشعر "بالازدراء" تجاه الخطوة التي اتخذتها بريطانيا. وأضاف: "لقد حاولت بريطانيا سابقاً منعنا من الاستيطان في وطننا، ولن نسمح لها بفعل ذلك مرة أخرى، نحن مصممون على البناء". بدوره قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إنه يشعر بـ"ازدرائه للكتاب الأبيض"، مشبهاً القرار بالوثيقة السياسية البريطانية لعام 1939 التي حدّت من الهجرة اليهودية إلى فلسطين الانتدابية. وأضاف بن غفير: "لقد نجونا من فرعون، وسنتجاوز أيضاً جدار كير ستارمر". ماذا فعل سموتريتش رداً على عقوبات الحلفاء؟ ورداً على القرار الذي اتخذته الدول الغربية بحقه، أمر سموتريتش بإلغاء إعفاء يتيح التعاون بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية، في خطوة تعرض النظام المصرفي الفلسطيني للخطر. ونقل مكتب سموتريتش عنه تأكيده في بيان أن القرار جاء رداً على "حملة نزع الشرعية" التي تشنها السلطة الفلسطينية على إسرائيل عالمياً. وكان هذا الإعفاء يسمح للبنوك الإسرائيلية بإتمام مدفوعات بالشيكل الإسرائيلي للخدمات والرواتب المرتبطة بالسلطة الفلسطينية، دون أن تجد نفسها معرضة لاتهامات بغسل الأموال وتمويل التطرف. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) لصالح تمديد العمل بمنح ضمان للبنوك الإسرائيلية التي تتعامل مع أخرى فلسطينية لمدة عام إضافي، حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2025. وكان سموتريتش قد هدد سابقاً بإسقاط اقتصاد السلطة الفلسطينية، في حال فرضت بريطانيا عقوبات على أي وزير إسرائيلي. يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على علاقات البنوك مع نظيراتها الإسرائيلية لمعالجة المعاملات بالشيكل، إذ لا تملك السلطة الفلسطينية عملة خاصة بها، وعليه فإن قرار سموتريتش سيؤدي إلى تباطؤ تدفق الأموال من السلطة الفلسطينية، وإلحاق الضرر بعمل المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية. ووفقاً للبيانات الرسمية، فقد بلغ حجم التعاملات في البنوك الفلسطينية نحو 53 مليار شيكل (14 مليار دولار) في عام 2023، بحسب موقع " تايمز أوف إسرائيل". وعمليات التداول في الضفة الغربية وقطاع غزة تتم أغلبيتها العظمى بالعملة الإسرائيلية، وذلك لأن السلطة الفلسطينية ممنوعة من وجود بنك مركزي فلسطيني يسمح لها بطباعة عملتها الخاصة. ويتطلب ما يسمى بالاتفاقية المصرفية المقابلة تمديدات دورية من إسرائيل ليظل ساريًا، وقد بذلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى جانب بريطانيا وحلفاء غربيين آخرين، جهوداً كبيرة لحث إسرائيل على عدم السماح بانتهائها. وحذرت الدول الغربية من أن عدم الحفاظ على العلاقات المصرفية بين إسرائيل والفلسطينيين سيُحوّل الضفة الغربية إلى "اقتصاد نقدي"، مما سيفيد المنظمات المسلحة في المنطقة، ويُصعّب على السلطة الفلسطينية، المُنهكة أصلاً، محاربتها، بحسب الموقع الإسرائيلي. كما تصدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سابقاً لهذه الخطوة، ووافق سموتريتش حينها في نهاية المطاف على منح تمديد لمدة عام. وعليه، رغم أن القرار الإسرائيلي قد يضر بالسلطة الفلسطينية، إلا أنه ينعكس سلباً أيضاً على إسرائيل. ورفع آلية الضمانة قد يتسبب بملاحقة المصرفين الإسرائيليين "ديسكونت" و"هبوعليم" قانونياً لاحقاً، بزعم تحويل الأموال إلى كيانات يمكن تصنيفها أنها تمارس "أنشطة معادية". حيث كان المصرفان الإسرائيليان يحظيان بحصانة حكومية من دعاوى جنائية في إسرائيل، وتعويض عن دعاوى مدنية تُقدَّم ضدهما، ويُمنح التعويض من جانب دائرة المحاسب العام بوزارة المالية الإسرائيلية. ويقول موقع " ذا ماركر" الإسرائيلي، إن الحفاظ على العلاقة المصرفية مع السلطة الفلسطينية مهم للغاية بالنسبة لإسرائيل، حتى لا تنتهك اتفاقيات أوسلو، ولا تنهار السلطة، ولضمان استمرار التجارة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما يذكر الموقع الإسرائيلي أن الحفاظ على العلاقة المصرفية مع السلطة الفلسطينية، أفضل طريقة لمنع الفلسطينيين من "تمويل الإرهاب" كما يصف. وإذا قطعت إسرائيل صلة الفلسطينيين بالنظام المصرفي الإسرائيلي وبالعملة الإسرائيلية، فإنه سيكون لدى الفلسطينيين سبب مشروع لإصدار عملة مستقلة ومطالبة العالم بالاعتراف بها. وشدد الموقع على أن الاعتراف بعملة فلسطينية مستقلة، سيكون الخطوة الأولى نحو الاعتراف العالمي بدولة فلسطينية مستقلة، ولهذا فإن إسرائيل يجب أن تلتزم باتفاقية باريس حتى لا يُصدر الفلسطينيون عملتهم، بحسب الموقع الإسرائيلي. وكان مجلس الوزراء الإسرائيلي، في بيان سابق، قد أكد أن "استمرار العلاقات المصرفية مع الفلسطينيين له أهمية بالغة لأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية". ويعتقد موقع " ذا ماركر" الاقتصادي أن العقوبات المفروضة على سموتريتش قد يكون لها آثار وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي، والسبب أنه عندما يخضع وزير مالية لعقوبات، قد تُمنع إجراءات مختلفة للوزارة مع دول أخرى، حتى لو كانت العقوبات شخصية. وأوضح الموقع أن التأثير الأول والأكثر وضوحاً يتعلق بأنشطة صندوق الثروة (صندوق السيادة الإسرائيلي)، والذي يدير إيرادات الحكومة من ضريبة الأرباح الزائدة إلى احتياطيات الغاز الإسرائيلية. ووفقاً للقانون، فإن رئيس مجلس إدارة صندوق الثروة الإسرائيلي هو وزير المالية نفسه. وتنص وثائق استثمارات صندوق الثروة السيادي رسمياً على عدم خضوع أي من أعضائه لأي نظام عقوبات دولية، بمعنى آخر، قد لا يتمكن الصندوق من التصرف والاستثمار قانونياً لأن رئيسه يخضع بالفعل للعقوبات، وعليه فإن الصندوق قد يواجه قيوداً استثمارية كبيرة. وقد جمع الصندوق 2.08 مليار دولار أمريكي بنهاية العام 2024، ومن المتوقع أن يحقق نمواً سريعاً في السنوات القادمة، وجميع استثماراته من الخارج (بلغت 64% بنهاية عام 2024) من الأسهم، والباقي في سندات الشركات. ويقوم مكتب الاستشارات القانونية في وزارة المالية وبنك إسرائيل بفحص جميع الوثائق الدولية التي وقعتها إسرائيل، لتحديد مدى الضرر الناجم عن فرض العقوبات على وزير ماليتها. ومن بين أمور أخرى، يدرس المكتب ما إذا كان كون وزير المالية شخصاً خاضعاً للعقوبات قد يضر بقدرة دولة إسرائيل على إصدار السندات، أو ما إذا كان هذا الإجراء يُلقي بظلاله على اتفاقيات التجارة الدولية لإسرائيل. وشدد الموقع الإسرائيلي على أنه لا يمكن لشخصٍ فُرضت عليه عقوبات البقاء في منصبٍ رسمي في الحكومة الإسرائيلية. وأكد أن "الضرر الذي يُلحقه سموتريتش وبن غفير بدولة إسرائيل لا يُطاق، وعليهما استخلاص النتائج، وإذا كانا صهيونيين ووطنيين بالفعل، كما يدعيان، فسيُفضلان مصلحة الدولة على مصلحتهما الخاصة، ويستقيلان فوراً، وإن لم يكونا كذلك، فيجب إقالتهما فوراً، وخاصة سموتريتش".


بوست عربي
منذ 6 ساعات
- بوست عربي
أزمة ترحيل المهاجرين غير النظاميين تتصاعد.. ماذا يحدث في شوارع المدن الأمريكية؟
منذ 6 يونيو/حزيران 2025، تحولت مدينة لوس أنجلوس ، ثاني أكبر مدينة في الولايات المتحدة، إلى بؤرة توتر ساخنة بسبب سلسلة من حملات الاعتقال والترحيل التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) بحق المهاجرين غير النظاميين في البلاد، ضمن سياسة صارمة يقودها ترامب لترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين من البلاد. وما بدأ كعمليات اعتقال روتينية، تحول بسرعة إلى احتجاجات جماهيرية غاضبة وواسعة النطاق بعدما اجتاح عملاء فيدراليون لوس أنجلوس بجرأة وقوة، واعتقلوا 121 شخصاً على الأقل من مطاعم ومتاجر ومبانٍ سكنية. كان رد فعل المجتمع المحلي سريعاً، حيث تجمع المتظاهرون في وسط المدينة، رافعين لافتات ومرددين هتافات "أطلقوا سراحهم"، لكن سرعان ما ردّت الشرطة بقوة على التظاهرات، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت. تحولت المظاهرات إلى ساحة معركة ، وتصاعدت إلى أعمال العنف في المدينة وأعادت إلى الأذهان الاضطرابات التي أعقبت مقتل المواطن الأمريكي الأسود رودني كينغ عام 1992 على يد عناصر من الشرطة الأمريكية. واتسعت الاحتجاجات الأمريكية وأعمال الشغب إلى عدة ولايات بينها دالاس وأوستن وتكساس وشيكاغو ونيويورك، وسط مواجهة متصاعدة بين إدارة ترمب وحكام الولايات الديمقراطية. حيث أحدث استخدام ترامب الحرس الوطني لردع الاحتجاجات دون موافقة حكام الولايات مزيداً من التوتر الحاد بين الديمقراطيين والجمهوريين، وأثار مخاوف من تصعيد قد يؤدي إلى مواجهات أعنف، مع دخول النزاع إلى أروقة القضاء. فهل تكون احتجاجات لوس أنجلوس حدثاً عابراً؟ أم أنها بداية صيف ساخن من الاضطرابات، في ظل حملات القمع من قبل إدارة ترامب، الذي نفذ صبره على المتظاهرين في المدن ذات التابعة للحزب الديمقراطي. كيف فجّر إجراءات إدارة ترامب الاحتجاجات في لوس أنجلوس؟ في السادس من يونيو/حزيران، اجتاحت موجة من المداهمات التي نفذتها إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) أنحاء لوس أنجلوس. استهدفت إدارة الهجرة والجمارك، وهي الوكالة الفيدرالية المسؤولة عن إنفاذ قوانين الهجرة وإدارة عمليات الاحتجاز والترحيل، قطاعات محددة من اقتصاد لوس أنجلوس تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة، بما في ذلك مواقع تمركز العمال اليومية، ومتاجر لوازم البناء، والشركات الصغيرة والمصانع والمطاعم، كانت هذه المداهمات جزءًا من حملة فيدرالية أوسع نطاقًا لملاحقة المهاجرين غير النظاميين الذين صدرت بحقهم أوامر ترحيل سابقة أو يُشتبه في صلتهم بسجلات عمل مزورة. نتيجةً للمداهمات، اعتُقل أكثر من 100 شخص في غضون ساعات. اعتُبر اختيار المواقع التي استهدفتها دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) استراتيجيًا ورمزيًا على نطاق واسع، إذ ألحق ضررًا بالعمال المعرضين للخطر حيث يجتمعون لكسب عيشهم. بدأت الاحتجاجات على الفور تقريبًا. وبحلول عصر يوم 6 يونيو/حزيران، تجمع المتظاهرون أمام المبنى الفيدرالي بوسط المدينة، حاملين لافتات كُتب عليها "ألغوا إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية" و"لا يوجد إنسان غير قانوني". وسرعان ما تطورت هذه الاحتجاجات إلى حشود جماهيرية، جمعت ائتلافًا واسعًا من نشطاء حقوق المهاجرين، ومنظمات العمال، والطلاب، والسكان المحليين وغيرهم. خلال اليومين التاليين، امتدت الاحتجاجات إلى أجزاء أوسع من المدينة، لا سيما في المناطق ذات الجذور المهاجرة العميقة. وأقام آخرون مخيمات بالقرب من مكاتب إدارة الهجرة والجمارك والمحاكم الفيدرالية، مطالبين بالإفراج عن المعتقلين والوقف الفوري لإجراءات إنفاذ القانون. حملات إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية ليست جديدة، لكن هذه الموجة من الاعتقالات تأتي كجزء من حملة إدارة ترامب المثيرة للجدل على الهجرة. حيث تعهد ترامب بترحيل أعداد قياسية من المهاجرين غير النظاميين خلال فترة ولايته الثانية، كما حدد البيت الأبيض هدفاً لوكالة الهجرة والجمارك لاعتقال ما لا يقل عن 3000 مهاجر يومياً وهو رقم كبير وغير مسبوق. بسبب هذا الضغط، وقع الأشخاص الذين كانوا يعيشون بشكل قانوني في الولايات المتحدة ضحية مداهمات دائرة الهجرة والجمارك. تم تنفيذ عمليات الاعتقال الأخيرة بشكل علني، وهو ما قالت عنه عمدة لوس أنجلوس كارين باس إنه من شأنه أن "يزرع الرعب" وأضافت في بيان: "أشعر بغضب شديد إزاء ما حدث". ومع تصاعد الاحتجاجات، ردّ البيت الأبيض بإرسال قوات، دون موافقة ولاية كاليفورنيا. ونُشر ما يقرب من 4000 جندي من الحرس الوطني و700 جندي من مشاة البحرية (المارينز) في لوس أنجلوس بموجب أمر مثير للجدل أصدره الرئيس السابق دونالد ترامب. ووصف الحاكم الديمقراطي غافن نيوسوم هذه الخطوة بأنها "غير دستورية"، واتهم الحكومة الفيدرالية باستغلال كاليفورنيا كـ"اختبار سياسي". يوم الإثنين، أعلنت شرطة لوس أنجلوس حظر التجمع وسط مدينة لوس أنجلوس، مؤكدة أن عناصر إنفاذ القانون أوقفوا عشرات الأشخاص، حيث تم نشر مئات من رجال الشرطة لمكافحة الاضطرابات مع انتشار الاحتجاجات إلى العديد من المدن الأمريكية الكبرى الأخرى. وجابت شرطة مكافحة الشغب على الخيول وضباط مسلحون بقنابل الصوت والرصاص المطاطي الشوارع لتفريق الذين تحدوا حظر التجول المفروض في المدينة من الساعة الثامنة مساء حتى السادسة صباحاً. كيف أحدثت الاضطرابات في لوس أنجلوس أزمة سياسية؟ أشعلت اضطرابات لوس أنجلوس خلافًا سياسيًا جديدًا بين الديمقراطيين والجمهوريين، خصوصًا حول قضية الهجرة. يرى الجمهوريون أن ترحيل المهاجرين غير النظاميين ضرورة لحماية الأمن القومي، بينما يؤكد الديمقراطيون أن الحل يكمن في إصلاح شامل للنظام، مع ضمان احترام كرامة المهاجرين. من جهته، وصف ترامب ما حدث بأنه "مؤامرة يسارية لتعطيل الدولة"، متهمًا حكّامًا ديمقراطيين بالتساهل مع الفوضى. في المقابل، اعتبر ديمقراطيون في الكونغرس أن قراره بنشر الحرس الوطني يمثل "ترهيبًا سياسيًا" وأسفر عن تدخلات أمنية غير قانونية. وأثارت قرارات ترامب غضباً وانتقاداً واسعين في الأوساط السياسية. وأشار المنتقدون إلى التكلفة الباهظة البالغة 134 مليون دولار لنشر القوات لمدة 60 يوماً، ودقّوا ناقوس الخطر بشأن استخدام القوة العسكرية في الشؤون المدنية المحلية. ووعد الرئيس ترامب بما سماه "تحرير المدينة" ممن وصفهم بـ"أعداء أجانب". واصفاً الاحتجاجات بأنها "غزو من قبل عدو خارجي". اعتبر حاكم ولاية كاليفورنيا الديمقراطي أن "تدخل ترامب من دون دعوة خلق الأزمة"، ووصف نيوسوم الرئيس الأميركي بـ"الدكتاتور". وفي حين قال ترامب إن نشر الحرس الوطني يهدف إلى استعادة النظام، شدد نيوسوم -المرشح الديمقراطي المحتمل لرئاسة الولايات المتحدة لعام 2028- على أن قراره "اعتداء مباشر على سيادة الولاية". واعتبر نيوسوم أنه كان بإمكان الولاية السيطرة على الوضع لولا تدخل ترامب "الذي زاد التوتر"، مشدداً على أن "الرئيس الأمريكي أشعل الحرائق وكانت كاليفورنيا تملك الأدوات اللازمة لمعالجة الأزمة". وفي خطاب ألقاه الثلاثاء، قال نيوسوم إن وصول قوات الحرس الوطني ومشاة البحرية إلى المدينة بتوجيه من ترامب لم يكن مجرد قمع للاحتجاجات التي أعقبت سلسلة من مداهمات الهجرة التي شنتها السلطات الفيدرالية، بل كان جزءًا من "حرب" مدروسة تهدف إلى تقويض أسس المجتمع وتركيز السلطة في يد البيت الأبيض. وحذر نيوسوم قائلاً: "قد تكون كاليفورنيا هي الأولى، لكن من الواضح أن الأمر لن ينتهي هنا. ولايات أخرى هي التالية.. الديمقراطية هي التالية. الديمقراطية تتعرض للهجوم أمام أعيننا. لقد حانت هذه اللحظة التي كنا نخشاها". وأضاف نيوسوم في خطابه، بالإشارة إلى ترامب: "لقد أعلن حربًا. على الثقافة، والتاريخ، والعلم، بل على المعرفة نفسها. إنه ينزع الشرعية عن المؤسسات الإخبارية، ويعتدي على التعديل الأول للدستور الأمريكي. ترامب يهاجم شركات المحاماة والسلطة القضائية، أسس المجتمع المنظم والمدني". وقال نيوسوم في نهاية خطابه: "حان الوقت لننهض جميعًا"، حاثًا جميع الاحتجاجات على أن تكون سلمية. وأضاف: "ما يريده ترامب أكثر من أي شيء آخر هو ولائكم وصمتكم، وأن تكونوا متواطئين في هذه اللحظة.. لا تستسلموا له". بررت إدارة ترامب تحركها عبر "قانون التمرد"، وهو قانون يعود لعام 1807، ويمنح الرئيس صلاحية نشر القوات المسلحة بما في ذلك الحرس الوطني، في حال وجود "تمرد داخلي" يهدد النظام العام ويعيق تنفيذ القوانين الفدرالية التي تعجز سلطات الولاية على فرضها. واعتبر محللون أن قرار ترامب بنشر الحرس الوطني أتى اختبارا لحدود سلطته التنفيذية في إطار تنفيذ وعده الانتخابي بترحيل المهاجرين غير النظاميين. في الوقت نفسه، قالت شبكة CNN الأمريكية إن قاضياً فدرالياً رفض طلب حاكم كاليفورنيا إصدار أمر فوري بمنع نشر عناصر الحرس لمواجهة المظاهرات في لوس أنجلوس. فيما قال المدعي العام لولاية كاليفورنيا إن الولاية رفعت 25 دعوى على الرئيس لانتهاكه القانون وتجاوز الدستور، أبرزها نشر مئات من أفراد الحرس الوطني في لوس أنجلوس خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتسعى الدعوى القضائية إلى الحصول على حكم قضائي يفيد بأن الخطوة التي اتخذها ترامب رداً على الاحتجاجات ضد إجراءات الإدارة المتعلقة بالهجرة دون طلب من حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نيوسوم كانت "غير قانونية ويجب إلغاؤها". وقال المدعي العام لولاية كاليفورنيا إن أمر ترامب ينتهك دور حاكم الولاية بوصفه قائداً أعلى للحرس الوطني في كاليفورنيا، وإنه سيتقدم بطلب أمر تقييدي مؤقت إلى المحكمة لضمان سرعة البت في هذه القضية، نظراً للضرر الذي لا يمكن إصلاحه الذي تواجهه كاليفورنيا بسبب قرار الرئيس. ماذا نعرف عن المهاجرين غير النظاميين في الولايات المتحدة الأمريكية؟ يبلغ عدد المهاجرين غير المسجلين في أمريكا ما بين 11 مليوناً (وفقًا للتقديرات المستقاة من استطلاعات الرأي) و20 مليونًا (وهو العدد الذي تستخدمه الإدارة الأمريكية في بياناتها) نصفهم تقريباً من الجارة المكسيك. نظرًا لقربها من المكسيك واقتصادها الزراعي والصناعي الكبير، تُعد كاليفورنيا الولاية الأولى من حيث عدد المهاجرين غير النظاميين في الولايات المتحدة، إذ يُقدر عددهم بأكثر من مليوني شخص. هؤلاء يشكلون قوة عاملة محورية في قطاعات مثل الزراعة والبناء والتنظيف. وتلي كاليفورنيا في عدد المهاجرين غير النظاميين ولاية تكساس ومن ثم فلوريدا ونيوجيرسي وإلينوي ونيويورك بالترتيب. وتُظهر الإحصائيات الأميركية أن هؤلاء المهاجرين يضخّون مليارات الدولارات سنويًا في الاقتصاد من خلال ضرائب غير مباشرة، مثل ضريبة المبيعات والإيجارات. وفي عام 2022 بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين في سوق العمل حوالي 8.3 مليون، أي تقريباً 5% من القوى العاملة و3% من السكان العامين. من أبرز المهن التي يعملون بها بحسب تقرير لمركز epi: الخدمات (25.5%)، الصيانة (24.8%)، الإدارة والتعليم (19.1%)، الإنتاج والنقل (18.3%)، والمبيعات/المكاتب (11.3%) ما هي قوات الحرس الوطني الأمريكي؟ هو قسم من الجيش الأمريكي يمكن استخدامه كاحتياطي للجيش والقوات الجوية. وكل ولاية أمريكية لديها وحدتها الخاصة من الحرس الوطني، والتي تخضع لحاكم الولاية المعنية والرئيس. ويتألف من أكثر من 430 ألف جندي مدني قادرون على الاستجابة للأزمات الداخلية والصراعات الخارجية. ورغم أن الحرس الوطني ساعد في السيطرة على الحشود في الماضي، فإن دعوة ترامب لنشر الحرس الوطني في كاليفورنيا تعتبر خطوة تاريخية إلى حد ما. والسبب في ذلك هو أنه فعل ذلك دون موافقة الحاكم – وهو أمر لم يفعله أي رئيس منذ عام 1965 عندما أرسل الرئيس ليندون جونسون قوات لحماية مسيرة الحقوق المدنية في ألاباما. يتميز الحرس الوطني الجوي أيضًا بأنه يعمل تحت قيادة الولايات والحكومة الفيدرالية. وقد استُدعي في السنوات الأخيرة للاستجابة للعديد من الأحداث المحلية، بما في ذلك الكوارث الطبيعية، وجائحة كوفيد-19، والاحتجاجات المناهضة للعنصرية، وتحديات أمن الحدود. ومع تنامي دوره المحلي، أصبح الحرس الوطني الجوي أكثر تكاملاً مع العمليات العسكرية الأمريكية الدولية. ويُجري الحرس الوطني الجوي، على وجه الخصوص، تحليلات استخباراتية عسكرية بالغة الأهمية، بما في ذلك في أوكرانيا والشرق الأوسط. إلى أين تتجه اضطرابات المهاجرين بالولايات المتحدة؟ تقول صحيفة الإيكونومست ، حتى الآن، تُعتبر الاحتجاجات في لوس أنجلوس محدودة مقارنةً بالأحداث التي شهدتها المدينة سابقًا. حيث أُلقي القبض على أكثر من 12 ألف شخص خلال أعمال شغب رودني كينغ عام 1992. وفي اليومين الماضيين، كان العدد الإجمالي للمعتقلين بضع مئات، لكن الأمور قد تسوء أكثر. وبينما يدعو سكان لوس أنجلوس للهدوء وانسحاب القوات من شوارعهم، تجد أمريكا نفسها في لحظة حرجة. ويكمن جوهر معضلة البلاد، بحسب المجلة البريطانية، في أن الرئيس انتُخب بتفويض للتعامل مع الهجرة غير الشرعية. ومع ذلك، يرى بعض مؤيديه أن ذلك يعني القيام بأمور قد تكون غير دستورية، وهي مستحيلة وغير حكيمة. ويبدو أن ترامب نفسه حريص على استخدام القوات والجنود لقمع الاحتجاجات ضد سياساته. وقال عندما سُئل عن الوضع في لوس أنجلوس: "سننشر قواتنا في كل مكان". يعتقد الرئيس ومستشاروه أن سياسة فرض الحرس الوطني على كاليفورنيا في صالحهم. ويتمثل النموذج في الآتي: إعلان حملة قمع للهجرة في مدينة لا ترغب قيادتها في ذلك، وانتظار الاحتجاجات، ثم استدعاء القوات لقمع المتظاهرين. يُعدّ تحطيم الرؤوس تحذيرًا للمدن الأخرى التي قد تقاوم، كما أنه إشارة إلى أنصار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" بأن ترامب يفعل ما انتخب من أجله، كما تقول المجلة. باستثناء ملحوظ لمسيرات النساء عام 2017 اتسمت الاحتجاجات السياسية الجماهيرية خلال السنوات الأخيرة في المدن الأمريكية بالعنف. خلال الأيام الأخيرة، شهدت لوس أنجلوس جرائم اعتداء على الممتلكات، وتعرضت الشرطة لإطلاق نار. هذا قد يجعل استدعاء الحرس الوطني مبرراً هاماً، إذ قد يُنظر إلى القوات على أنها حل للتوتر الذي يبدو أن وجودها يهدف إلى تأجيجه. وكانت آخر مرة تم فيها نشر قوات مشاة البحرية على الأراضي الأميركية في لوس أنجلوس أيضاً، بعد أن استخدم الرئيس بوش الأب قانون التمرد لقمع أعمال الشغب التي اندلعت بسبب تبرئة ضباط الشرطة البيض الذين اعتدوا بالضرب على رودني كينج، وهو رجل أسود، في عام 1992.

أخبار السياحة
منذ 11 ساعات
- أخبار السياحة
السيدة انتصار السيسي: تواصلت هاتفيا مع أسرة البطل خالد محمد شوقي
تواصلت السيدة انتصار السيسي قرينة رئيس الجمهورية، اليوم الثلاثاء هاتفيًا، مع أسرة البطل خالد محمد شوقي، الذي قدّم حياته فداءً للآخرين. وقالت السيدة انتصار السيسي، عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، 'تواصلت اليوم هاتفيًا مع أسرة البطل/ خالد محمد شوقي، الذي قدّم حياته فداءً للآخرين في موقف يجسّد أسمى معاني الشجاعة والإنسانية'. و'قدّمت لذويه واجب العزاء والمواساة، مؤمنة أن تضحيته النبيلة ستظل خالدة في وجدان كل مصري، ومصدر فخر للأجيال القادمة .. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته'.