
خطاب وزير الثقافة في مؤتمر أطراف اتفاقية 2005 لحماية وتعزيز أشكال التعبير
نص خطاب معالي وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان في الدورة العاشرة لمؤتمر أطراف اتفاقية 2005 لحماية وتعزيز أشكال التعبير والتي تحتضن فعالياتها منظمة اليونسكو ما بين 18 و20 يونيو في باريس
السيد الرئيس،
معالي المديرة العامة لليونسكو،
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة أعضاء الوفود،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني أن أشارك في أعمال الدورة العاشرة لمؤتمر أطراف اتفاقية 2005 لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وأتوجّه إليكم، باسم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بأصدق التحايا وأطيب التمنيات بنجاح هذه الدورة التي نُعوّل عليها كثيرًا لتعميق الوعي الجماعي بأهمية صيانة التنوع الثقافي، وصياغة سياسات دولية عادلة ومنصفة في هذا المجال الحيوي.
إن اجتماعنا اليوم يأتي في لحظة بالغة الأهمية، حيث تواجه الأنظمة الثقافية في أنحاء العالم تحديات متسارعة تتراوح بين ضغط العولمة الرقمية، وهيمنة الأسواق، والتغيرات المناخية، وتراجع التنوع اللغوي، في مقابل حاجة متزايدة إلى فضاء دولي يكرّس العدالة الثقافية ويضمن تمكين جميع الشعوب من التعبير عن أنفسها، وحفظ إرثها، وتعزيز حضورها في المشهد العالمي.
من هذا المنطلق، نؤمن في موريتانيا بأن الثقافة أصبحت ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات متماسكة، ولتعزيز التفاهم بين الشعوب، وصياغة أفق تنموي متجذّر في الخصوصيات الثقافية.
كما تعلمون، تُعد اتفاقية 2005 علامة فارقة في مسار السياسات الثقافية الدولية، بمبادئها الاصيلة والياتها المبتكرة حينما تقرر بأن للثقافات قيمة قائمة بذاتها، وأن لكل دولة الحق في صياغة سياساتها الثقافية بما يخدم مصالحها وهويتها. كما اعترفت الاتفاقية بالطبيعة المزدوجة للسلع والخدمات الثقافية، بوصفها حاملة لرسائل رمزية ومعانٍ إنسانية، إلى جانب أبعادها الاقتصادية.
ومن هذا المنطلق، لم تكتفِ موريتانيا بالمصادقة على الاتفاقية، بل حرصت على جعلها مرجعية في تطوير سياساتها الوطنية الثقافية، ضمن رؤية متكاملة تضع الثقافة في صلب المشروع المجتمعي. وقد تجسّد هذا الالتزام في مجموعة من الإنجازات الملموسة. التي حققتها موريتانيا تجسيدا للاتفاقية وتوجت خلال السنتين الماضيتين بتحولات نوعية متسارعة احتفاء بالتنوع وترقية له وتكريسا لمتطلباته
ففي عام 2023، تم تسجيل "المحظرة"، هذا النظام التعليمي التقليدي الذي ظل لقرون ينقل المعارف والعلوم عبر الأجيال، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو. كما أُدرجت ملحمة "سامبا غلاديو"، تلك السردية البطولية التي تجسّد معاني الكرم، والشجاعة، والتعايش، ضمن نفس القائمة في نهاية العام ذاته، في شهادة عالمية على غنى موريتانيا وتنوعها الثقافي.
وادرجت اللغة السوننكية لغة عابرة للدول
كما صادق مجلس الوزراء مارس ٢٠٢٥على اقرار. يوم وطني للتنوع الثقافي يحتفي به فاتح مارس من كل سنة فضلا عن الاحتفاء باليوم العالمي للتنوع عبر العديد من الفعاليات
واطلق البحث الاكريىلوحي في مواقعنا الاثرية بدءً بازوكي عاصمة المرابطون وسيشمل عاصمة مملكة غانا في كومبي صالح واوداغست في اشارة دالة على ان تنوعنا ليس حاضرنا فقط ولا مستقبلنا. الواعد بل هو كذلك. ماضينا. المجيد الذي يتجلى في هذه. الاثار العظيمة
لقد اعتبرنا هذه الإنجازات تكريسا لمسار متجدد في صون التراث، لا يقتصر على الاعتراف به، بل يشمل وضع خطط استدامة، وتوثيق، وإتاحة، وتدريب المجتمعات على نقل هذا التراث. فالثقافة بالنسبة لنا، ليست ماضٍ محفوظ فحسب، بل طاقة حية تصنع الحاضر وتستشرف المستقبل.
وفي هذا الإطار، عملت موريتانيا على ترسيخ التعدد داخل وحدتها، من خلال اعتماد اللغات الوطنية — البولارية، السوننكية، الولفية — في المنظومة التعليمية لأول مرة، بافتتاح. عشرات الفصول الخاصة بتدريسها إلى جانب إطلاق إذاعات محلية تبث بهذه اللغات، وتدشين منصة إخبارية متعددة اللغات تابعة للوكالة الموريتانية للأنباء. هذه المبادرات تمثل ترجمة حقيقية لمبدأ "الوصول العادل إلى التعبير"، كما ورد في روح الاتفاقية.
كما أطلقت الوزارة مشاريع لإنشاء متاحف جهوية متخصصة تعكس التنوع المجالي والرمزي لمكونات شعبنا، وتم دعم المبادرات الثقافية المحلية والمهرجانات المجتمعية، انطلاقًا من قناعة بأن الثقافة تتنفس من رحم القرب الاجتماعي.
وترتكز هذه الديناميكية على رؤية فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، التي وضعت الثقافة في صميم مشروع البناء الوطني. فقد دعا في خطابه بمدينة وادان إلى تنقية التراث من الشوائب والصور النمطية، وأطلق من مدينة جول نداءً للوحدة والمساواة عبر مهرجان ثقافي يعزز اللحمة الوطنية. وتوجت هذه الرؤية بتسمية نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2023، واحتضانها لأكثر من مائة فعالية ثقافية، بالتعاون مع شركائنا الدوليين.
وفي إطار تجسيد هذه الرؤية، التي تسهر حكومة معالي الوزير الاول المختار ولد اجاي على تجسيدها شرعت بلادنا في تنفيذ مجموعة من المشاريع البنيوية الكبرى التي تؤسس لبنية تحتية ثقافية مستدامة. يأتي في مقدمة هذه المشاريع الحي الثقافي ومشروع قصر الثقافة في نواكشوط، الذي يُخطط له أن يكون صرحًا جامعًا للفنون والآداب، ومركزًا للتكوين والإنتاج والعرض الثقافي، ومتنفسًا حضاريًا يعكس وجه موريتانيا الثقافي الحديث. كما يجري تنفيذ برنامج طموح لدعم الصناعات الثقافية والإبداعية، يهدف إلى تمكين الفاعلين الثقافيين من أدوات العمل والتسويق، وتحفيز الابتكار، وربط الثقافة بالدورة الاقتصادية، ضمن رؤية تنموية تعتمد على الإبداع المحلي كمورد من موارد المستقبل.
وفي مجال حفظ التراث المعرفي، يجري العمل على إنشاء دار وطنية للمخطوطات، تُعنى بصيانة وتثمين هذا الإرث النادر، وتحتضن برنامجًا متكاملًا لجرد المخطوطات، وترميمها، ورقمنتها، وتيسير الوصول إليها من قبل الباحثين والمهتمين، بما يضمن استمراريتها وحفظها للأجيال القادمة. وفي الإطار نفسه، انطلق مشروع القرية التراثية، الذي يُخطط له أن يكون فضاءً حيًّا يعيد تمثيل أنماط الحياة التقليدية في مختلف مناطق البلاد، ويتيح للمواطنين والزوار معايشة الثقافة الموريتانية بمكوناتها المتنوعة من عمارة، وصناعات، ومأكولات، وعادات، وتقاليد، ضمن رؤية تفاعلية تحفظ الذاكرة وتبني الانتماء.
إننا نعتبر هذه المشاريع وغيرها تجسيدًا ملموسًا لرؤية الدولة في الانتقال من الخطاب الثقافي إلى المنجز الثقافي، ومن التنظير إلى التمكين، إيمانًا بأن الثقافة حين تُدرج في صميم السياسات العامة تصبح أداة فعالة للإدماج والعدالة الاجتماعية.
ولا يفوتنا أن نؤكد في هذا المقام على أهمية المجتمع المدني الثقافي، فقد عملنا على إشراك الجمعيات، والنقابات، والمبادرات الشبابية في بلورة السياسات، ومتابعة تنفيذ البرامج، وتعزيز التعبير المحلي. وافتتاح الفضاءات السمعية البصرية متعددة اللغات ونعمل حاليًا على إعداد مرسوم جديد ينظم الإذاعات والتلفزيونات الجمعوية، في إطار دعم الإعلام الثقافي الحر، وتوسيع فضاءات التعبير، وضمان التعدد في المصادر والمنصات.
أصحاب المعالي والسعادة،
إننا ندرك أن الحفاظ على التنوع الثقافي يتطلب، إضافة إلى الإرادة، مواجهة التحديات المتعددة المرتبطة بتغير المناخ، والهجرة، والتحولات الرقمية، والتغيرات الاجتماعية المتسارعة. ولهذا نرى أن التعاون الإقليمي والدولي يجب أن يتجه نحو دعم القدرات، وتبادل الخبرات، وتمويل المشاريع الثقافية الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل الخيط الرفيع الذي يحفظ حياة المجتمعات وتوازنها الداخلي.
وفي هذا السياق، نُجدّد التأكيد على أن منظمة اليونسكو كانت، ولا تزال، شريكًا محوريًا لموريتانيا في هذا المسار. فقد واكبت العديد من مبادراتنا، ودعمت جهودنا في تسجيل عناصر من تراثنا، ورافقتنا في بلورة سياسات متقدمة في مجالات التنوع واللغة والمجتمع.
إننا نؤمن بأن اتفاقية 2005 لا ينبغي أن تظل وثيقة مرجعية فقط، بل يجب أن تترجم إلى ممارسات دولية عادلة، تراعي خصوصيات الدول، وتمنح كل ثقافة فضاءً عادلًا للظهور، والتفاعل، والتطور، بعيدًا عن التهميش أو التماثل القسري.
أشكركم على حسن الإصغاء، وأجدّد باسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية التزامنا الثابت بمضامين اتفاقية 2005، واستعدادنا لتعزيز شراكاتنا مع كافة الأطراف، من أجل عالم يُحتفى فيه بالتنوع، وتُصان فيه كرامة كل تعبير ثقافي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تقدم
منذ 9 ساعات
- تقدم
موريتانيا تحصل على تعهدات تمويلية عربية بقيمة ملياري دولار
في خطوة تعكس اهتمامًا متزايدًا من مؤسسات التمويل العربية بدعم جهود التنمية في موريتانيا، قدمت مجموعة التنسيق العربية التي تضم صندوق أوبك للتنمية الدولية، والبنك الإسلامي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والصندوق السعودي للتنمية، تعهدات تمويلية بقيمة ملياري دولار أمريكي لصالح التنمية الاقتصادية في موريتانيا، ممتدة على مدى الفترة ما بين 2026 و2030. وجاء الإعلان عن هذه التمويلات أمس من طرف المكتب الإعلامي للرئاسة الموريتانية الذي أكد في إيجاز إخباري 'أن هذه التعهدات تقررت خلال طاولة مستديرة رفيعة المستوى احتضنها مقر صندوق الأوبك للتنمية الدولية في فيينا، بحضور الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ومساعديه في قطاع الاقتصاد والمالية، وبمشاركة ممثلي عشر مؤسسات مالية عربية'. وشهدت الطاولة المستديرة عرضًا لمحفظة المشاريع التي تعتزم نواكشوط تنفيذها في إطار المخطط الخماسي الثالث (2026–2030)، كما شهدت عرض برنامج الاستثمار العمومي للفترة 2026–2028، الذي يشمل قطاعات البنية التحتية، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والزراعة، والنقل، بالإضافة إلى برامج تنموية موجهة للولايات الداخلية والعاصمة نواكشوط. وتم الاتفاق بين موريتانيا والأطراف المتعهدة على اعتماد آلية تنفيذ تعتمد على تنسيق دوري بين الحكومة الموريتانية ومجموعة التنسيق العربية، تشمل تقييمات مرحلية وربط صرف دفعات التمويل بمدى التقدم في تنفيذ المشاريع والإصلاحات المرتبطة بالحوكمة الاقتصادية. وتُعد هذه الآلية اختبارًا لقدرة الدولة الموريتانية على تحويل التمويلات إلى مشاريع ملموسة ومستدامة. فبينما يشكل هذا الدعم دفعة قوية لمشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية، برزت في المقابل دعوات من أطراف دولية ومحلية إلى ضرورة إرساء إصلاحات مؤسسية عميقة تضمن فعالية الاستفادة من هذا التمويل. وفي كلمة له خلال افتتاح الطاولة، ثمّن الرئيس الموريتاني دعم المؤسسات المالية العربية لبلاده، مشيرًا إلى رغبة حكومته في تعزيز الشراكة بما يخدم أهداف التنمية المستدامة. وأكّد ولد الشيخ الغزواني 'التزام موريتانيا الثابت بدعم التعاون الدولي وتعزيز الشراكات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة'، مشيدًا بالدور المحوري الذي يقوم به صندوق أوبك للتنمية الدولية في دعم جهود التنمية في البلدان النامية، بما في ذلك موريتانيا. وعبّر الرئيس الموريتاني عن تثمينه للطاولة المستديرة 'فيينا 2025″، المنظمة من طرف صندوق أوبك مؤكداً أنها شكلت 'منصة رفيعة لتبادل الرؤى حول سبل تعزيز التعاون الدولي لخدمة التنمية المستدامة، في وقت يمر فيه العالم بمنعطف حاسم يعيد صياغة بعض القواعد والمبادئ، في ظل تنامي التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويتطلب تعزيز التكامل وتبادل الخبرات وبناء شراكات ترتكز على الثقة والشفافية'، حسب قوله. وأشار الغزواني إلى 'أن موريتانيا نفذت إصلاحات هيكلية هامة في إطار استراتيجية 'النمو المتسارع والرفاه المشترك'، وهي استراتيجية وطنية شاملة تهدف لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وعدالة اجتماعية وتسيير رشيد للموارد، مع تركيز خاص على الشباب والنساء والفئات الهشة، مشدداً على أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق بدون إدارة مستدامة للموارد الطبيعية'. وأوضح الرئيس الموريتاني 'أن بلاده وسّعت الاعتماد على الطاقات المتجددة، لا سيما الشمسية والهوائية، إلى جانب تنفيذ مشاريع زراعية ومائية صديقة للبيئة، وكثّفت الاستثمارات في قطاعات الإنتاج، خصوصاً الطاقة والزراعة والصيد والرقمنة، وهو ما تمخض عن عدة نتائج بينها تحسين مناخ الأعمال وضبط التوازنات الاقتصادية، بحسب تقارير إيجابية من شركاء دوليين من بينهم صندوق النقد الدولي'. وفي مجال التكنولوجيا، كشف ولد الغزواني عن إطلاق بلاده لعدد من المبادرات لدعم التحول الرقمي وبناء قدرات الشباب التقنية، لتمكينهم من المنافسة في الاقتصاد الرقمي العالمي، داعياً المستثمرين والمانحين الدوليين إلى استكشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في موريتانيا، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة، والمعادن الخضراء، والموارد البحرية والزراعة المستدامة. وتسعى موريتانيا والممولون المتعهدون من وراء هذه التمويلات، إلى إحداث نقلة نوعية في مسار التنمية المحلية من خلال دعم مشاريع استراتيجية تشمل الطاقة، والمياه، والصرف الصحي، والزراعة، والبنية التحتية للنقل والموانئ، فضلًا عن برامج موجهة لتحسين جودة الحياة في العاصمة نواكشوط والمناطق الداخلية. وأدرجت الحكومة الموريتانية هذه الالتزامات ضمن إطار 'استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك' (2016-2030)، التي تعتمدها الحكومة كمرجعية تنموية شاملة. وقد باشرت السلطات الموريتانية تنفيذ جملة إصلاحات لتحديث القطاع المالي، من ضمنها إصدار قوانين جديدة للبنك المركزي، وقانون استثمار محدث، وخطة شمول مالي، إلى جانب إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد. ورغم ذلك، لا تزال موريتانيا تواجه تحديات بنيوية كبيرة في مجال الحوكمة والشفافية، إذ تراجعت في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن 'منظمة الشفافية الدولية'، وحصلت في 2024 على 30 نقطة فقط من أصل 100، ما يعكس استمرار ضعف الرقابة العامة ومحدودية أثر الإصلاحات السابقة. وفي ظل غياب المتابعة الدقيقة والرقابة الفعالة، يخشى مراقبون من أن تؤول هذه التمويلات إلى أعباء ديون ثقيلة دون أثر تنموي ملموس، على غرار تجارب سابقة تحولت فيها القروض والمنح إلى التزامات مالية خانقة دون تحسين في مؤشرات المعيشة. وتؤكد التوصيات المستخلصة أن نجاح هذه الفرصة التمويلية التاريخية لا يتوقف على حجم التمويلات، بل على مدى جديّة الإصلاحات المؤسسية المصاحبة لها. ويُعد ربط التمويلات بإصلاحات شفافة، بينها تفعيل الرقابة المستقلة، وتمكين المجتمع المدني والإعلام من المراقبة والمساءلة، شرطًا أساسيًا لتفادي تكرار الفشل السابق. وأُوصى خبراء متابعون للشأن الاقتصادي الموريتاني بوضع خطة متكاملة لإدارة المخاطر والتقييم الدوري للمشاريع، بالشراكة مع الممولين، لضمان معالجة الاختلالات وتوجيه الاستثمارات نحو أهدافها الحقيقية. ويعكس الإعلان عن هذا التمويل، بحسب مراقبين، تنامي الثقة من جانب الشركاء الماليين العرب في المسار الاقتصادي والإصلاحي الذي تنتهجه موريتانيا، وسط مساعٍ حكومية لتنويع مصادر التمويل وتعزيز الاستثمارات في البنى التحتية والخدمات الأساسية. وأكد الخبير الاقتصادي ختار الشيباني وزير الثقافة السابق في تعليق له على التمويلات التي حصلت عليها موريتانيا 'أن الاستفادة القصوى من هذه التمويلات تتطلب إعادة النظر في البرنامج الاستعجالي التنموي، بحيث يقوم على أولويات واقعية نابعة من حاجيات المواطنين، وليس على توازنات ظرفية أو اعتبارات جهوية'. وقال إن الرهان الأساسي لا يكمن في وجود الموارد، بل في القدرة على تحويلها إلى مشاريع ملموسة تحدث أثرًا حقيقيًا، وهذا يستدعي بناء نموذج اقتصادي يُعلي من قيمة الإنسان باعتباره وسيلة وغاية للتنمية في آن، وهو ما لن يتحقق، حسب قوله، إلا من خلال اعتماد الحوكمة الرشيدة، وتطبيق الصرامة في إدارة المشاريع، وربط الإنفاق بنتائج قابلة للقياس، وتكريس مبدأ الشفافية والنشر الدوري للمعلومات.


تقدم
منذ 9 ساعات
- تقدم
خطاب وزير الثقافة في مؤتمر أطراف اتفاقية 2005 لحماية وتعزيز أشكال التعبير
نص خطاب معالي وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان في الدورة العاشرة لمؤتمر أطراف اتفاقية 2005 لحماية وتعزيز أشكال التعبير والتي تحتضن فعالياتها منظمة اليونسكو ما بين 18 و20 يونيو في باريس السيد الرئيس، معالي المديرة العامة لليونسكو، أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة أعضاء الوفود، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسعدني أن أشارك في أعمال الدورة العاشرة لمؤتمر أطراف اتفاقية 2005 لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، وأتوجّه إليكم، باسم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بأصدق التحايا وأطيب التمنيات بنجاح هذه الدورة التي نُعوّل عليها كثيرًا لتعميق الوعي الجماعي بأهمية صيانة التنوع الثقافي، وصياغة سياسات دولية عادلة ومنصفة في هذا المجال الحيوي. إن اجتماعنا اليوم يأتي في لحظة بالغة الأهمية، حيث تواجه الأنظمة الثقافية في أنحاء العالم تحديات متسارعة تتراوح بين ضغط العولمة الرقمية، وهيمنة الأسواق، والتغيرات المناخية، وتراجع التنوع اللغوي، في مقابل حاجة متزايدة إلى فضاء دولي يكرّس العدالة الثقافية ويضمن تمكين جميع الشعوب من التعبير عن أنفسها، وحفظ إرثها، وتعزيز حضورها في المشهد العالمي. من هذا المنطلق، نؤمن في موريتانيا بأن الثقافة أصبحت ضرورة استراتيجية لبناء مجتمعات متماسكة، ولتعزيز التفاهم بين الشعوب، وصياغة أفق تنموي متجذّر في الخصوصيات الثقافية. كما تعلمون، تُعد اتفاقية 2005 علامة فارقة في مسار السياسات الثقافية الدولية، بمبادئها الاصيلة والياتها المبتكرة حينما تقرر بأن للثقافات قيمة قائمة بذاتها، وأن لكل دولة الحق في صياغة سياساتها الثقافية بما يخدم مصالحها وهويتها. كما اعترفت الاتفاقية بالطبيعة المزدوجة للسلع والخدمات الثقافية، بوصفها حاملة لرسائل رمزية ومعانٍ إنسانية، إلى جانب أبعادها الاقتصادية. ومن هذا المنطلق، لم تكتفِ موريتانيا بالمصادقة على الاتفاقية، بل حرصت على جعلها مرجعية في تطوير سياساتها الوطنية الثقافية، ضمن رؤية متكاملة تضع الثقافة في صلب المشروع المجتمعي. وقد تجسّد هذا الالتزام في مجموعة من الإنجازات الملموسة. التي حققتها موريتانيا تجسيدا للاتفاقية وتوجت خلال السنتين الماضيتين بتحولات نوعية متسارعة احتفاء بالتنوع وترقية له وتكريسا لمتطلباته ففي عام 2023، تم تسجيل "المحظرة"، هذا النظام التعليمي التقليدي الذي ظل لقرون ينقل المعارف والعلوم عبر الأجيال، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو. كما أُدرجت ملحمة "سامبا غلاديو"، تلك السردية البطولية التي تجسّد معاني الكرم، والشجاعة، والتعايش، ضمن نفس القائمة في نهاية العام ذاته، في شهادة عالمية على غنى موريتانيا وتنوعها الثقافي. وادرجت اللغة السوننكية لغة عابرة للدول كما صادق مجلس الوزراء مارس ٢٠٢٥على اقرار. يوم وطني للتنوع الثقافي يحتفي به فاتح مارس من كل سنة فضلا عن الاحتفاء باليوم العالمي للتنوع عبر العديد من الفعاليات واطلق البحث الاكريىلوحي في مواقعنا الاثرية بدءً بازوكي عاصمة المرابطون وسيشمل عاصمة مملكة غانا في كومبي صالح واوداغست في اشارة دالة على ان تنوعنا ليس حاضرنا فقط ولا مستقبلنا. الواعد بل هو كذلك. ماضينا. المجيد الذي يتجلى في هذه. الاثار العظيمة لقد اعتبرنا هذه الإنجازات تكريسا لمسار متجدد في صون التراث، لا يقتصر على الاعتراف به، بل يشمل وضع خطط استدامة، وتوثيق، وإتاحة، وتدريب المجتمعات على نقل هذا التراث. فالثقافة بالنسبة لنا، ليست ماضٍ محفوظ فحسب، بل طاقة حية تصنع الحاضر وتستشرف المستقبل. وفي هذا الإطار، عملت موريتانيا على ترسيخ التعدد داخل وحدتها، من خلال اعتماد اللغات الوطنية — البولارية، السوننكية، الولفية — في المنظومة التعليمية لأول مرة، بافتتاح. عشرات الفصول الخاصة بتدريسها إلى جانب إطلاق إذاعات محلية تبث بهذه اللغات، وتدشين منصة إخبارية متعددة اللغات تابعة للوكالة الموريتانية للأنباء. هذه المبادرات تمثل ترجمة حقيقية لمبدأ "الوصول العادل إلى التعبير"، كما ورد في روح الاتفاقية. كما أطلقت الوزارة مشاريع لإنشاء متاحف جهوية متخصصة تعكس التنوع المجالي والرمزي لمكونات شعبنا، وتم دعم المبادرات الثقافية المحلية والمهرجانات المجتمعية، انطلاقًا من قناعة بأن الثقافة تتنفس من رحم القرب الاجتماعي. وترتكز هذه الديناميكية على رؤية فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، التي وضعت الثقافة في صميم مشروع البناء الوطني. فقد دعا في خطابه بمدينة وادان إلى تنقية التراث من الشوائب والصور النمطية، وأطلق من مدينة جول نداءً للوحدة والمساواة عبر مهرجان ثقافي يعزز اللحمة الوطنية. وتوجت هذه الرؤية بتسمية نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2023، واحتضانها لأكثر من مائة فعالية ثقافية، بالتعاون مع شركائنا الدوليين. وفي إطار تجسيد هذه الرؤية، التي تسهر حكومة معالي الوزير الاول المختار ولد اجاي على تجسيدها شرعت بلادنا في تنفيذ مجموعة من المشاريع البنيوية الكبرى التي تؤسس لبنية تحتية ثقافية مستدامة. يأتي في مقدمة هذه المشاريع الحي الثقافي ومشروع قصر الثقافة في نواكشوط، الذي يُخطط له أن يكون صرحًا جامعًا للفنون والآداب، ومركزًا للتكوين والإنتاج والعرض الثقافي، ومتنفسًا حضاريًا يعكس وجه موريتانيا الثقافي الحديث. كما يجري تنفيذ برنامج طموح لدعم الصناعات الثقافية والإبداعية، يهدف إلى تمكين الفاعلين الثقافيين من أدوات العمل والتسويق، وتحفيز الابتكار، وربط الثقافة بالدورة الاقتصادية، ضمن رؤية تنموية تعتمد على الإبداع المحلي كمورد من موارد المستقبل. وفي مجال حفظ التراث المعرفي، يجري العمل على إنشاء دار وطنية للمخطوطات، تُعنى بصيانة وتثمين هذا الإرث النادر، وتحتضن برنامجًا متكاملًا لجرد المخطوطات، وترميمها، ورقمنتها، وتيسير الوصول إليها من قبل الباحثين والمهتمين، بما يضمن استمراريتها وحفظها للأجيال القادمة. وفي الإطار نفسه، انطلق مشروع القرية التراثية، الذي يُخطط له أن يكون فضاءً حيًّا يعيد تمثيل أنماط الحياة التقليدية في مختلف مناطق البلاد، ويتيح للمواطنين والزوار معايشة الثقافة الموريتانية بمكوناتها المتنوعة من عمارة، وصناعات، ومأكولات، وعادات، وتقاليد، ضمن رؤية تفاعلية تحفظ الذاكرة وتبني الانتماء. إننا نعتبر هذه المشاريع وغيرها تجسيدًا ملموسًا لرؤية الدولة في الانتقال من الخطاب الثقافي إلى المنجز الثقافي، ومن التنظير إلى التمكين، إيمانًا بأن الثقافة حين تُدرج في صميم السياسات العامة تصبح أداة فعالة للإدماج والعدالة الاجتماعية. ولا يفوتنا أن نؤكد في هذا المقام على أهمية المجتمع المدني الثقافي، فقد عملنا على إشراك الجمعيات، والنقابات، والمبادرات الشبابية في بلورة السياسات، ومتابعة تنفيذ البرامج، وتعزيز التعبير المحلي. وافتتاح الفضاءات السمعية البصرية متعددة اللغات ونعمل حاليًا على إعداد مرسوم جديد ينظم الإذاعات والتلفزيونات الجمعوية، في إطار دعم الإعلام الثقافي الحر، وتوسيع فضاءات التعبير، وضمان التعدد في المصادر والمنصات. أصحاب المعالي والسعادة، إننا ندرك أن الحفاظ على التنوع الثقافي يتطلب، إضافة إلى الإرادة، مواجهة التحديات المتعددة المرتبطة بتغير المناخ، والهجرة، والتحولات الرقمية، والتغيرات الاجتماعية المتسارعة. ولهذا نرى أن التعاون الإقليمي والدولي يجب أن يتجه نحو دعم القدرات، وتبادل الخبرات، وتمويل المشاريع الثقافية الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل الخيط الرفيع الذي يحفظ حياة المجتمعات وتوازنها الداخلي. وفي هذا السياق، نُجدّد التأكيد على أن منظمة اليونسكو كانت، ولا تزال، شريكًا محوريًا لموريتانيا في هذا المسار. فقد واكبت العديد من مبادراتنا، ودعمت جهودنا في تسجيل عناصر من تراثنا، ورافقتنا في بلورة سياسات متقدمة في مجالات التنوع واللغة والمجتمع. إننا نؤمن بأن اتفاقية 2005 لا ينبغي أن تظل وثيقة مرجعية فقط، بل يجب أن تترجم إلى ممارسات دولية عادلة، تراعي خصوصيات الدول، وتمنح كل ثقافة فضاءً عادلًا للظهور، والتفاعل، والتطور، بعيدًا عن التهميش أو التماثل القسري. أشكركم على حسن الإصغاء، وأجدّد باسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية التزامنا الثابت بمضامين اتفاقية 2005، واستعدادنا لتعزيز شراكاتنا مع كافة الأطراف، من أجل عالم يُحتفى فيه بالتنوع، وتُصان فيه كرامة كل تعبير ثقافي.


تقدم
٠٣-٠٦-٢٠٢٥
- تقدم
إطلاق ورشة دراسة جدوى مشروع استصلاح وتشجير 10 آلاف هكتار بولاية اترارزة
احتضن فندق موريتانيا بالعاصمة نواكشوط، صباح اليوم، ورشة لإطلاق دراسة الجدوى الخاصة بمشروع استصلاح وتشجير 10.000 هكتار من الأراضي المتدهورة في ولاية اترارزة، وذلك في إطار إقامة غابة كربونية تدعم جهود موريتانيا في مجال مكافحة التصحر والتغير المناخي. وترأست حفل الافتتاح وزيرة البيئة والتنمية المستدامة، السيدة مسعودة بنت بحام ولد محمد لغظف، التي أكدت في كلمتها بهذه المناسبة أن الورشة تندرج ضمن جهود موريتانيا المتواصلة لدعم مبادرة "السور الأخضر الكبير"، والتي تُعد نموذجًا متكاملًا لإدارة النُظم البيئية، يهدف إلى محاربة التصحر والتغيرات المناخية، والحد من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وأضافت الوزيرة أن قضايا البيئة ومكافحة التصحر تشكل أولوية وطنية في السياسات العامة، تنفيذًا لرؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، مشيرة إلى أن الوكالة الوطنية للسور الأخضر الكبير تحظى بدعم حكومي متواصل يضمن لها العمل على تحقيق أهدافها الإستراتيجية. من جانبه، ثمّن المدير العام للوكالة الوطنية للسور الأخضر الكبير، السيد سيدنا ولد أحمد اعل، تنظيم هذه الورشة، معتبرًا أنها تأتي تجسيدًا للجهود الوطنية المبذولة لحماية البيئة واستعادة الأراضي المتدهورة. وأوضح أن الإرادة السياسية للدولة انعكست في تخصيص موارد مالية معتبرة للوكالة ضمن برنامج الأولويات الموسع، مما أسهم في تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع وسرّع من وتيرة تنفيذ المشروع. وشهدت الورشة حضور عدد من الخبراء الوطنيين والدوليين المتخصصين في قضايا البيئة والتغير المناخي، الذين ناقشوا مختلف الجوانب الفنية والاقتصادية والبيئية للمشروع، مؤكدين على أهمية التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة التحديات المناخية وتحقيق التنمية المستدامة. ويأتي هذا المشروع الطموح في إطار التزامات موريتانيا الدولية بشأن حماية البيئة، ويمثل خطوة نوعية في سبيل تعزيز التنمية المستدامة والحد من الآثار السلبية للتغير المناخي في منطقة الساحل.