
اليونسكو تطلق أول تدريب تخصصي للدعم النفسي-الاجتماعي للصحفيين
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
بغداد – واع
أطلقت منظمة اليونسكو، أول دورة تدريبية من نوعها ضمن مشروعها الدولي "حماية الصحفيين حماية للديمقراطية: الاستجابة للحالات الطارئة للصحفيين"، في محافظة السليمانية، والممول من الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر بيان للمنظمة، تلقت وكالة الأنباء العراقية (واع) نسخة منه اليوم الخميس، أنها "عملت على إطلاق، أول دورة تدريبية من نوعها ضمن مشروعها الدولي (حماية الصحفيين حماية للديمقراطية: الاستجابة للحالات الطارئة للصحفيين)، في محافظة السليمانية، وبتمويل من الولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف أن "هذا البرنامج الرائد جاء استجابة للحاجة الملحّة لدعم العاملين والعاملات في المجال الإعلامي، ليس فقط من خلال تمكينهم في مجالات التحقق من المعلومات والمهارات التحريرية، بل عبر التركيز على الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي المهني، كأحد الأعمدة الأساسية لضمان بيئة عمل آمنة ومستقرة ومستدامة للإعلام الحر والمستقل".
وأشار إلى أن "عدد المشاركين في هذا التدريب النوعي أكثر من ثلاثين صحفياً وصحفية من مختلف المنصات الإعلامية في محافظة السليمانية، حيث خضعوا على مدى ثلاثة أيام متواصلة إلى سلسلة من الجلسات العملية والنظرية تناولت موضوعات في المساعدة النفسية-الاجتماعية (Psychosocial Support)، وأساليب الضبط الذاتي (Self-Regulation)، والتشخيص الذاتي للحالة النفسية (Self-Assessment of Mental Health).".
وأوضح البيان أن "الدورة ركزت على بناء المهارات الأساسية في فهم الذات النفسية للصحفيين، من خلال مناهج عالمية حديثة تستند إلى نظريات في علم النفس الإيجابي (Positive Psychology)، والتعامل مع الصدمة (Trauma-Informed Care)، وإدارة الضغوط النفسية (Stress Management)، خاصة تلك التي ترافق تغطية الأحداث المأساوية أو العمل في البيئات عالية الخطورة".
ولفت إلى أن "واحدة من أبرز محطات هذا التدريب كانت استخدام أدوات رقمية قائمة على الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر وتشخيص المؤشرات النفسية المرتبطة بالاحتراق الذهني (Burnout)، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وقد اختبر المشاركون تطبيقات حديثة طورت خصيصاً للصحفيين، تُمكّنهم من تتبع التغيرات النفسية لديهم، وتقديم تغذية راجعة آنية تساعدهم في بناء خطط للتعافي الذاتي (Self-Care Plans)، وتطوير استجابات مرنة تجاه الضغوط المهنية اليومية".
وبين أن "التدريب لم يكن مجرد سلسلة محاضرات، بل تجربة ثقافية وإنسانية عميقة. من خلال حلقات الدعم النفسي الجماعي (Peer Support Circles)، استطاع الصحفيون مشاركة قصصهم وتجاربهم الحياتية والمهنية، في بيئة آمنة خالية من الأحكام، تشجع على التفريغ النفسي وإعادة بناء المعنى وراء العمل الصحفي. تبادلوا آليات المواجهة (Coping Mechanisms)، واستكشفوا أثر التوتر والإجهاد على جودة المحتوى الذي ينتجونه، وما يُعرف بـ 'الأثر العكسي على المضمون الإعلامي".
"حماية الصحفيين تبدأ من الداخل"، هكذا لخص مسؤول البرنامج في اليونسكو، ضياء ثابت، مضمون الدورة، قائلاً: إن "حماية حرية التعبير لا تكتمل من دون تمكين الصحفي من امتلاك أدوات الحماية الذاتية، نفسياً واجتماعياً، ليتمكن من مواصلة رسالته المهنية من دون أن يكون ضحية صامتة للأزمات المتراكمة، فالصحفي ليس آلة لإنتاج الأخبار، بل كائن بشري حساس يتفاعل مع الألم، الصدمة، والخطر بشكل يومي".
وأضاف أن "هذا التدريب شكل خطوة أولى نحو إدماج الرعاية النفسية-الاجتماعية كحق أساسي للصحفيين في المؤسسات الإعلامية العراقية، وخاصة للصحفيات اللواتي يتحملن عبئاً مزدوجاً في بيئة عمل لا تزال ذكورية في كثير من مفاصلها".
وقد دعت اليونسكو في ختام التدريب إلى "ضرورة تبنّي سياسات مؤسساتية للرعاية النفسية، وتوفير خدمات الإرشاد النفسي الوقائي (Preventive Mental Health Counseling)، والتوعية بأهمية مرونة التعامل مع الصدمات (Trauma Resilience) كعنصر جوهري في بناء صحافة حرة وقادرة على الاستمرار".
واختتم بالقول: إنه "في زمن تتزايد فيه التهديدات ضد الصحفيين، ليس فقط جسدياً بل نفسياً وعاطفياً، تأتي مبادرة اليونسكو هذه بمثابة نداء عالمي: حماية الصحفيين ليست خياراً، بل مسؤولية جماعية تبدأ من احترام إنسانيتهم، وتهيئة كل السبل لضمان صحتهم النفسية والاجتماعية، فلا ديمقراطية بلا صحافة حرة، ولا صحافة حرة من دون صحفي سليم النفس والجسد، قادر على أن ينقل الحقيقة لا محطّماً، بل واثقاً، واعياً، وقادراً على الصمود".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
الأم ليست بخير، فهل المجتمع بخير؟
هل فكّرتم يوماً أن الأم التي تبتسم لطفلها كل صباح تخوض معركةً داخليةً لا يراها أحد؟ في هذا التقرير، تروي بعض النساء قصصهن مع معارك الصحة النفسية وكيف تعاملن معها وسط كل التحديات والمسؤوليات التي أُلقيَت على عاتقهن. السابع من مايو/أيار هذا العام يصادف "اليوم العالمي للصحة العقلية للأم" للتوعية بالقضية، ولا يزال العديد من الأمهات تعانين بصمت وتتحمّلن عبء الضغوط النفسية والجسدية مع مسؤوليات أولادهن وعملهن. رانيا أحمد، أمٌّ سورية لجأت إلى لبنان مع اندلاع الحرب في سوريا قبل 14 عاماً، تقول إنها عانت كثيراً في الغربة؛ "كنت أقوم بدور الأم والأب في آنٍ واحد"، عندما يمرض أولادها، تقول إنه لا أحد يكون بجانبها، فتتحمّل وحدها مسؤولية رعايتهم والاهتمام بهم. وإذا مرضت هي، فلا تجد من يعتني بها أو حتى يترك لها مجالاً لتستريح. تعيش في خوف دائم، خوف من أن تُحرَم من أطفالها، وخوف عليهم من مستقبل مجهول، وخوف على نفسها مِن استغلال مَن حولها. منذ عام، لم يظهر والد أطفالها، لا بالسؤال ولا بأي نوع من الدعم، المادي أو المعنوي. هي وحدها من تعمل وتُدير شؤون المنزل وتربية الأولاد. "لا أهل يدعمونني، ولا طليقي، ولا المجتمع يرحم لأنني"مطلقة". تشرح لي وضعها: أعصابها متعبة، ذهنها مثقلٌ بالهموم. فهي تفكر في مصاريف الأولاد، إيجار البيت، متطلبات الدراسة، وتوفير الطعام، وكل ما يحتاجونه. تعمل رانيا في بيع الخضار والطبخ، لتأمين مصروف البيت - رغم الإرهاق الجسدي الذي تعاني منه. ومع ذلك، فإن ما تعانيه اليوم "أهون من أن تعيش مع رجل سيّئ بكل ما تحمله الكلمة من معنى". رغم المشقة التي تعيشها الآن، تشعر بأن أطفالها "بدأوا يتنفّسون شيئاً من الراحة النفسية"، بعد أن تخلّصوا من بيئة "مليئة بالعنف والإذلال". تنهي حديثها لي بالقول: "أنا قد ما انضغطت وصلت للانتحار، بس تراجعت مشان ولادي، مالون غيري". تقول اختصاصية علم النفس الدكتورة خولة القدومي، إنه كلما زادت ظروف الأمهات قسوةً مثل اللجوء، والهجرة، والفقر، فإنهن يصبحن أكثر عرضة للتهميش والاكتئاب نتيجة تزايد المشكلات وصعوبة الوصول إلى المساعدة الضرورية، كما أنهن بحاجة إلى مضاعفة الجهود وتيسير السبل للتدخل بالشكل والوقت المناسب بما يضمن حصولهن على بعض احتياجاتهن الضرورية دون المساس بحقوقهن المشروعة. كذلك، أظهرت تقارير صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن الأمهات في مخيمات النزوح يعانين من مستويات مرتفعة من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، نتيجة التعرض للعنف أو فقدان أحد أفراد الأسرة أو العيش في ظروف غير إنسانية. وتؤكد الدراسات أن هذه الضغوط لا تؤثر فقط على الصحة النفسية للأم، بل تمتد لتؤثر على النمو العاطفي والسلوكي لأطفالهن، الذين غالباً ما يعيشون في بيئة تخلو من الحماية النفسية والدعم المجتمعي. ريمي سلّوم، وهي أم لتوأم ومدوّنة، تقول لي إنها ومثل كثير من الأمهات، مرّت بتجربة اكتئاب ما بعد الولادة. توضح أن المشكلة لم تكن في شعورها بـ"الخجل" من الحديث عن الأمر، بل في عدم إدراكها أنها تمر بهذه الحالة أصلاً. فالتوعية حول اكتئاب ما بعد الولادة كانت شبه منعدمة، إلى درجة أنها كانت تفسّر ما تمرّ به على أنه مجرد تعب، أو قلة نوم، أو ربما شعور بالحنين لشيء ما، دون أن تدرك أنها تعاني من حالة نفسية حقيقية تحتاج إلى التعامل معها بجدية. تقول إن اكتئابها لم يُصنَّف على هذا النحو في البداية، لا من قِبلها ولا من قِبل مَن حولها، خاصةً وأن أهلها من جيل "لا يؤمن كثيراً بوجود أمراض نفسية "أو "صحة نفسية" بشكل عام. "كانوا يرون أنها بخير ما دامت بصحة جسدية جيدة، ويعتبرون أن مسؤولية الأطفال تقع على عاتقها وحدها. رغم أن عائلتها كانت داعمة على المدى القصير، إلا أن المسؤولية الكبرى بقيت على عاتقها وحدها، دون حتى أن تُلقى على مربية أو شخص آخر". ترى ريمي أنه من المهم جداً أن تكون الأم قادرة على ممارسة "الوعي الذاتي" أو التأمل في ذاتها، لتفهم مشاعرها وتتمكن من طلب المساعدة في الوقت المناسب. فإذا شعرت بأنها عالقة في حالة اكتئاب لا تستطيع الخروج منها، ولم تعد تجد شيئاً يفرحها أو يحفّزها، فهنا ينبغي أن تطلب دعماً من مختصين نفسيين. وإذا لاحظت أن هناك عادات صغيرة تقوم بها يومياً تساعدها على تخفيف حدة الاكتئاب، فعليها أن تلتزم بها. لأن تجربة الخروج من الاكتئاب تكون شخصية للغاية، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع. وفي حالتها الشخصية، فقد تضاعف الاكتئاب بعد الولادة لأنها كانت تعاني مسبقاً من الاكتئاب والقلق المزمن، ما جعل التجربة أكثر تعقيداً. وتضيف أن كتب المساعدة الذاتية قد تكون مفيدة أحياناً، ولكن في كثير من الحالات لا تكفي وحدها، خاصة في المراحل الحرجة مثل ما بعد الولادة. نسبة كبيرة من الأمهات عرضة له، خاصة عندما لا يلقين الرعاية والاهتمام الكافيين من الزوج والأهل، وهو قد ينجم عن تزايد المسؤولية وتعاظمها مع وجود طفل رضيع جديد في الأسرة، لا حول له ولا قوة إلا في حضن والدته، ويستمد منها القوة التي تساعده في النمو واستمرار الحياة. أمام تلك المسؤولية العظيمة قد تنهار المرأة خاصة مع اضطراب الهرمونات الذي يحصل في جسم الأم بعد الولادة لمساعدتها في التوازن والعودة للوضع الطبيعي قبل الحمل. إخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي تشرح لي: حتى نستطيع تجنيب المرأة اكتئاب ما بعد الولادة، ينبغي إعطاؤها ومنحها المزيد من الاهتمام، خاصة من قِبَل الزوج الذي يفترض أن يكون الشريك الرئيس لقدوم هذا الطفل للعالم. وتضيف الإخصائية أنه من مظاهر الاهتمام الواجب توفيرها: أكل صحي وغذاء مناسب، وراحة تامة (توفير مساعدة) في المنزل لفترة مناسبة حتى تستعيد الأم صحتها وعافيتها، وبيئة آمنة هادئة بعيدة عن المشاكل - ويجب أن تسعى عائلة الأب والأم معاً لتوفير أجواء مرح وسعادة لاستقبال الحفيد الجديد. كما تؤكد أن الصحة النفسية للأم تؤثر بشكل مباشر على صحة أطفالها، وخصوصاً في سن مبكّرة، حيث يتلقون تجاربهم الأولى في الحياة من خلال الأم أولاً والمحيط ثانياً، فالأم هي الشخص الأكثر احتكاكاً بأطفالها منذ نعومة أظفارهم. بحسب المجلة الأمريكية للطب النفسي، فإن ما يصل إلى 15-20 في المئة من الأمهات يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أكثر شيوعاً لدى الأمهات الجدد اللاتي لا يتلقين الدعم الاجتماعي الكافي. الاكتشاف المبكر والتدخل العلاجي له تأثير إيجابي في تخفيف الأعراض وتحسين جودة العلاقة بين الأم والطفل. "الدعم النفسي أهم من الطعام والشراب" زينة سليم، أمٌ لشاب يدرس في الجامعة، ولفتاة مراهقة في المدرسة. هي متزوجة، "لكن ليس بإرادتها الكاملة". تقول: "لو توفرت لي القدرة المادية الكافية، لانفصلت منذ زمن. كما أنني محرومة من أي دعم معنوي من الأسرة أو المجتمع المحيط، ولا أملك بيئة تُتيح لي أن أكون مطلقة وأعيش حياة كريمة وعزيزة مع أولادي". بالنسبة لها، كأم معنَّفة، كما تقول لي، فإن الصحة النفسية والدعم النفسي "أهم من الطعام والشراب"، بل أهم من أي حاجة أساسية. "كثيراً ما فكرت: لو أنني امتلكت الشجاعة لطلب المساعدة النفسية في وقتٍ مبكر، لكنت وفّرت على نفسي كثيراً من الألم ونوبات الغضب والأمراض الجسدية التي نشأت بسبب الضغط المزمن". تكمل قائلة: "صحيح أن هناك جمعيات تقدّم دعماً نفسياً، لكن هذا وحده لا يكفي. ليست كل النساء يمتلكن الجرأة ليقلن "لا". نحن ضحايا في مجتمع يُمارس العنف بشكل مؤسسي. العنف يبدأ من بيت الأهل؛ تتزوج الفتاة وهي غير واعية لحقوقها كإنسانة. كان من المفترض أن يكون الأب أول من يدعم ابنته، لكن للأسف، في مجتمعنا، كثير من الآباء متخلّون عن دورهم الحقيقي. يعملون ويجلبون المال، لكنهم لا يشاركون في التربية، ولا يقدّمون لبناتهم الدعم العاطفي أو التربوي اللازم. وهكذا تنشأ الفتاة بشخصية مهزوزة، تجهل حقوقها، وتفقد الثقة بنفسها". تقول زينة: "الدعم النفسي مهم، لكنه لا يوفّر الحماية الكافية للأم في مجتمع سطحي وظالم. لو قررتُ، مثلاً، أن أغادر منزلي وألجأ إلى جمعية ما، سيُمعن المجتمع في إيذائي أنا وأطفالي. نحن ما زلنا بعيدين عن تحقيق دعم حقيقي وفعّال للنساء، لكن لا بد أن أقول: كل الشكر للجمعيات، فهي النقطة البيضاء في هذا الظلام. بإمكانهم إحداث فرق حقيقي إنْ ضغطوا نحو إنجاز قوانين تُنصف المرأة وتحميها". تشدد إخصائية علم النفس، الدكتورة خولة القدومي، على أهمية أن تراعي المناهج الدراسية أدوار الأمهات منذ مرحلة تشكيل الأسرة، وأن تعكس هذه الأدوار بصورة واقعية تُبرز حجم المسؤوليات والمهام التي تؤديها الأم على مختلف المستويات، لا أن تقتصر على الصور النمطية التقليدية مثل "ماما تطبخ". تستذكر زينة سليم العديد من المواقف التي مرّت بها، "أعترف أن من أخطائي في الماضي أنني كنت أنفعل أمام أولادي. كنت امرأة محطّمة، تعاني بصمت، وأهلي كانوا يرون معاناتي دون أن يمدّوا لي يد العون. انفعلت، وصرخت، وربما تصرفت بعنف أحياناً. أعلم أن ذلك خطأ. لكنني كنت إنسانة على حافة الانهيار". تروي لي أنها مؤخراً، اكتشفت أن زوجها يقيم علاقة مع امرأة أخرى: "لم أُظهر له رد فعل سوى ابتسامة ساخرة. لم أخبر ابني بذلك، ليس حرصاً على صورة الأب لديه، التي لم تعد تعنيني، بل حفاظاً على تركيز ابني في دراسته". "رسالتي لكل أم: لا تترددي في طلب الدعم النفسي من مختصين. حاولي قدر المستطاع أن تُبعِدي أولادكِ عن مشاكلك مع الزوج والأب الذي يمارس التعنيف، فالأبناء يدفعون ثمن ذلك حين يكبرون. ابني عاش مراهقة صعبة بسبب ما رآه في المنزل، وابنتي الآن تمرّ بالشيء ذاته. لم أكن قادرة ولا واعية في السابق لحماية أطفالي من كل ذلك"، كما تقول زينة. تضيف أن التوعية تبدأ من المدارس، ومن تربية الأطفال على فهم حقوقهم، ورفض العنف، وقبول فكرة الرعاية النفسية. بيّنت دراسة نُشرت في ذا لانسيت سايكيتري The Lancet Psychiatry في 2015 أن القلق والاكتئاب أثناء الحمل لا يؤثران فقط على الأم، بل قد يكون لهما تأثيرات بيولوجية على الجنين، مثل زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، ما قد يؤدي إلى مشاكل في النمو العصبي للطفل لاحقاً. في حديثها لي، أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي، تقول إن علامات حاجة الأم للدعم النفسي تكون عندما: تتغير طبيعة سلوك الأم إلى الجانب السلبي، مثلاً: البكاء بدون أسباب واضحة، والميل للعزلة والصمت خلافاً لما اعتادت عليه، وإهمال الأم لنظافتها أو نظافة بيتها وأطفالها، وعدم اهتمامها بجمالها وأناقتها كالمعتاد، والعصبية الزائدة بلا مبرر، وانخفاض مستوى الشكوى لديها بشكل واضح، والتبرُّم من الحياة ومشاغلها خاصة للتي لا عمل لديها وليس بيدها مصدر دخل. "هلأ عايشة كرمال ولادي وشغلي" سميرة إبراهيم، امرأة متزوجة، وأم لثلاثة أطفال: ولدان وبنت. كانت سميرة تعتني بصحتها النفسية وتؤمن بأهميتها، لكنها حين أصبحت أُمّاً، تدهورت حالتها النفسية. لم تكن ترغب في التحدث مع أحد، فعاشت وحدها سنوات من المعاناة والصمت. ترى سميرة أنه حين تكون الأم واقعة تحت ضغط نفسي، من الضروري أن تلجأ إلى معالج نفسي، لأن ذلك يخفف عنها كثيراً. "بقوتها النفسية تستطيع أن تبقى ثابتة في وجه المجتمع وأمام عائلتها، لأن لا أحد سيقف معها إن لم تكن قوية". كما تعتقد أن الأم التي لا تملك القدرة على تحمّل مسؤولية طفل، من الأفضل ألا تُنجبه، لأن الطفل وحده هو من يدفع ثمن مشاكل الأهل. خلال فترة الحمل، تعرّضتْ للضرب حتى أُجهض جنينها، وتقول إنها كانت ضحيةً للخيانة والعنف الجسدي من زوجها، هي وأطفالها عانوا كثيراً. وصلت سميرة إلى حد التفكير بالانتحار بسبب الضرب والإهانة والتعب الجسدي الذي أنهكها. أولادها كذلك تأذوا نفسياً بشكل كبير، ولم تجد من يساعدها، لا من الدولة ولا من القضاء، إذ وجدت أن الجميع يقف إلى جانب الرجل. خصصت إحدى الجمعيات لأطفالها جلسات دعم نفسي، فقد أصبح أحد أبنائها عدوانياً، وابنتها تأثرت دراسياً، وكانت تمر بحالة غضب دفعتها للتفكير بجمع المال لشراء سلاح للانتقام ممن سبّب لها الأذى. والآن، تحاول أن تعيش من أجل أطفالها ومن أجل عملها، بعد أن استطاعت الوقوف على قدميها من جديد. تزداد أهمية التدخل المبكر والدعم النفسي للأمهات. وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن عدم تلقي العلاج والدعم الاجتماعي قد يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية، ما يؤثر على علاقة الأم بطفلها، ويضعف قدرتها على الرعاية والتفاعل. تختتم الدكتورة خولة القدومي، أخصائية علم النفس، بقولها: "لكل امرأة أرهقها القلق والتوتر والتفكير الزائد، كوني لنفسك صديقة، ادعمي ذاتك، ولا تسمحي لأحد أيّاً كان أن يخنقك أو يدمر ذاتك. لو انتابك الضعف وشعرتِ بتدني مفهومك لذاتك، ابحثي عن مساعدة المختصين ولا تترددي في عرض شكواكِ عليهم. وينبغي توفير قائمة بأسماء المعالجين النفسيين والأطباء المختصين الذين لديهم استعداد كافٍ لتقديم الدعم النفسي أو العلاج للنساء مجاناً، خاصةً وأن كلفة العلاج النفسي في مجتمعنا مرتفعة جداً".


شفق نيوز
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
من بغداد إلى مختبرات فيينا واعتراف أمريكي.. ابتكار عراقي لتغيير نظرة العالم للتوحد
شفق نيوز/ في مختبر بعيد عن صخب المستشفيات، وبين آلاف الصفحات العلمية التي تفكك أسرار الدماغ والمناعة، وُلد أمل جديد لواحد من أكثر الاضطرابات غموضًا في عصرنا: التوحد. د. عادل الصالحي، ليس طبيبًا كما قد يتوقع البعض، لكنه يحمل مفاتيح جديدة لفهم هذا الطيف الواسع. بعقلٍ تشكّل في أروقة جامعة بغداد، ونضج أكاديميًا بين بغداد وفيينا، قاده شغفه العلمي إلى تسجيل براءة اختراع أولية في الولايات المتحدة لعلاج تجريبي يستهدف أنماطًا من التوحد ذات جذور مناعية معقدة. في هذا الحوار الأول من نوعه، يكشف د. الصالحي لوكالة شفق نيوز، تفاصيل الرحلة التي بدأت من فرضية صغيرة، وتحولت إلى ابتكار يخضع الآن لأعلى معايير التقييم العلمي. ما الذي يميز هذا العلاج؟ ولماذا يُعتبر بارقة أمل لعائلات تعيش بين القلق والرجاء؟ وهل يمكن للعقل الشرق أوسطي أن يترك بصمته في حقل يتصدره الغرب؟نترك الإجابات لصاحب الفكرة، د. عادل الصالحي. سيرة شخصية عن الدكتور الصالحي: خريج بكالوريوس آداب في علم النفس من جامعة بغداد، خريج ماجستير علم النفس الإكلينيكي (العيادي/السريري) من الجامعة المستنصرية – بغداد، وكنت الأول على دفعتي. حاصل على دكتوراه من جامعة سيغموند فرويد في فيينا – النمسا، في علوم العلاج النفسي والعصبي، مع تركيز بحثي على اضطراب طيف التوحد، وقد عادلت شهادتي البكالوريوس والماجستير أكاديميًا لدى جامعة فيينا University of Vienna، وهي من أعرق الجامعات الأوروبية (تأسست عام 1365م)، في تخصص علم النفس الإكلينيكي السريري. ملاحظة: (تنشر هذه المقابلة بصيغة سؤال وجواب، لإتاحة مساحة سرد واضحة وموسعة للدكتور عادل الصالحي، بما يضمن نقل أفكاره وتوضيح ابتكاره العلمي بدقة وشفافية، بعيدًا عن الاختزال، وبما يواكب حساسية الموضوع وأبعاده البحثية) - دكتور عادل، بداية نهنئكم على هذا الإنجاز العلمي الكبير. كيف تلقيتم ردود الفعل الأولى بعد الإعلان عن اكتشافكم لعلاج التوحد؟ "أشكر لكم تهنئتكم واهتمامكم. منذ الإعلان عن تسجيل الابتكار العلمي كطلب براءة اختراع لدى مكتب البراءات والعلامات الأمريكي (USPTO)، كانت ردود الفعل مزيجًا بين مشاعر الدعم، والأمل الكبير من عائلات المصابين، وبين بعض حالات سوء الفهم والتأويل، وهو أمر متوقع في القضايا ذات الحساسية المجتمعية والعلمية. وقد كنت واضحًا جدًا، في كل ما نُشر، أن هذا الابتكار هو علاج تجريبي قيد الدراسة، لم يُعتمد بعد، ولم يُستخدم سريريًا، ولا يُطرح بأي شكل كعلاج بشري متاح حاليًا". "أؤكد أن ما تم هو تسجيل اختراع مبني على فرضية علمية مدروسة وقابلة للتطبيق، وفق المعايير الدولية لحماية الملكية الفكرية، بهدف تأمين الفكرة قبل الشروع في التجارب العلمية" "كما لم أروّج للعلاج كمنتج طبي، ولم أزعم حصوله على ترخيص دوائي من أي جهة تنظيمية، بل أكّدت أنه في مرحلة ما قبل السريرية، وهي مرحلة بحثية يُسمح قانونًا خلالها بحماية الابتكار وتكوينه النظري قبل الدخول في التجارب المخبرية" "هذا التوازن بين الشفافية العلمية والإجراءات القانونية السليمة هو ما نحرص عليه، لحماية المجتمع من أي تسرّع، وكذلك لحماية جهودنا العلمية من التشويه أو الاستغلال". - حدثنا عن اللحظة التي أدركتم فيها أنكم توصلتم إلى خطوة في إحداث ثورة في علاج التوحد. كيف كانت؟ "بصراحة، لا يمكن تلخيص لحظة الاكتشاف بجملة واحدة، لأنها لم تكن نتيجة لحظة إلهام مفاجئة، بل ثمرة مسار بحثي طويل بدأ قبل أكثر من عامين ونصف، تَمثّل في مراجعة مئات الدراسات عالية الجودة، وربط الأدلة البيولوجية والمناعية والسلوكية في محاولة لفهم التداخلات الدقيقة التي تميّز اضطراب طيف التوحد – خصوصًا في أنماطه ذات الأساس المناعي. ما توصّلنا إليه هو تركيبة مناعية علمية مبتكرة قابلة للتطبيق التجريبي، تعتمد على محاكاة دقيقة للأنماط البيولوجية الفرعية لدى فئة معيّنة من الأطفال المصابين بالتوحد. هذه الفرضية تم تطويرها وتوثيقها بما يكفي لتقديمها كابتكار جديد قابل للحماية القانونية من خلال براءة اختراع. لكن من المهم أن أوضح: إدراك قيمة الفكرة لا يعني أنها أصبحت علاجًا جاهزًا، بل إنها أصبحت مؤهلة علميًا للدخول في المسار الصحيح: من الحماية القانونية إلى التجريب المخبري، ثم ما قبل السريري، ثم السريري لاحقًا بإذن الله، وهو ما نعمل عليه الآن ضمن فريق علمي متخصص". - ما الذي يميز ما توصلتم إليه عن غيره من الأساليب التقليدية في التعامل مع التوحد؟ "الابتكار الذي نعمل عليه لا يُقدَّم كبديل عن كل الأساليب المعروفة، بل كمحاولة علمية جديدة تستهدف جذور اضطراب التوحد لدى فئة معينة من الأطفال، تحديدًا الأنماط ذات الأساس المناعي، والتي أثبتت الأبحاث الحديثة أنها تختلف في آلياتها عن الأنماط الأخرى. ما يُميّز هذا التوجه هو: 0 أنه لا يقتصر على تعديل السلوك أو التدريب النفسي فقط، بل يسعى لمعالجة الخلل الحيوي المناعي العصبي الداخلي. 0 يعتمد على آليات تنظيم مناعي واستهداف التهاب عصبي مزمن، تم رصده في عدد كبير من حالات ASD. 0 يرتكز على فرضية مثبتة علميًا بأن فئة من الأطفال المصابين يعانون من فرط تفعيل مناعي ذاتي أو مناعي مزمن، قد يكون هو المحفّز للأعراض السلوكية والعصبية. ونكرر: هذا العلاج لا يُقدم كبديل عام أو نهائي، ولا ينطبق على كل حالات التوحد، ولا يمكن تعميمه حاليًا، بل هو مخصص للبحث في نمط معين محدد بيولوجيًا". "كما أننا لم نعلن عن نتائج تطبيقه بعد، لأنه ما يزال في المرحلة ما قبل السريرية، وفقًا للمعايير العلمية والأخلاقية المتّبعة عالميًا". - هل يمكن أن تشرح لنا بشكل مبسط طبيعة هذا العلاج؟ هل هو دوائي، جراحي، جيني، أم يعتمد على تقنية جديدة؟ "العلاج الذي تم تطوير فكرته وتسجيله كابتكار علمي هو علاج تجريبي من النوع المناعي العصبي، ويُصنّف ضمن النهج البيولوجي التنظيمي وليس ضمن الأساليب الجراحية أو الجينية أو الدوائية التقليدية. وهو مبني على فرضية علمية مدروسة تستهدف آلية بيولوجية معقّدة يُعتقد أنها تلعب دورًا محوريًا لدى بعض الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد. ما يُميز هذا الابتكار هو كونه منظومة علاجية جديدة قابلة للتطوير ضمن مراحل التجريب العلمي، وليس منتجًا نهائيًا أو دواءً جاهزًا. ولذلك، نؤكد مجددًا أن العلاج ما يزال في مرحلة ما قبل السريرية، ولم يُستخدم على البشر بعد، ولم يحصل على أي ترخيص طبي، وهو ما نلتزم به التزامًا تامًا في كل تصريح إعلامي أو علمي". - ما التحديات العلمية التي واجهتكم خلال رحلة البحث والتطوير لهذا العلاج؟ "رحلة الوصول إلى هذا الابتكار كانت مليئة بالتحديات على عدة مستويات: 1. تحدي فهم التوحد كنظام بيولوجي معقد: اضطراب طيف التوحد ليس اضطرابًا واحدًا بسيطًا، بل هو طيف واسع من الحالات التي تختلف جذورها البيولوجية بين طفل وآخر، مما يجعل من الصعب بناء فرضية علاجية واحدة تنطبق على الجميع. وكان علينا تركيز جهودنا على نمط محدد مدعوم بالأدلة البحثية، وخاصة الأنماط ذات الارتباط المناعي. 2. تحدي البحث في مصادر علمية متعددة التخصصات: الدراسة تطلّبت الجمع بين علوم المناعة والأعصاب والسلوك، ما فرض علينا الرجوع إلى مئات الدراسات الموثوقة عالية التصنيف، وربط نتائجها بمنهجية تحليلية دقيقة على مدار أكثر من عامين ونصف. 3. تحديات قانونية وإجرائية في حماية الفكرة: قبل الإعلان عن أي نتائج أو تفاصيل، كان من الضروري تسجيل الابتكار وفق القوانين الدولية، لتأمين الحماية القانونية والملكية الفكرية، وتجنّب أي محاولات للنسخ أو الاستغلال التجاري المبكر. 4. تحديات تقنية ولوجستية في الانتقال إلى المرحلة التالية: نحن الآن في مرحلة تشكيل فريق بحثي متعدد التخصصات لإجراء التجارب ما قبل السريرية، وهي مرحلة تتطلب تنظيمًا دقيقًا وموارد علمية كبيرة. رغم ذلك، نؤمن أن كل خطوة واجهتنا لم تكن عائقًا، بل كانت جزءًا من البناء العلمي السليم لأي اكتشاف واعد". - كيف حصلتم على براءة الاختراع؟ وما الدول التي اعترفت بها حتى الآن؟ "ما حصلنا عليه حتى الآن هو طلب براءة اختراع مؤقتة رسميًا (Provisional Patent Application) تم إيداعه وتسجيله بتاريخ 13/04/2025 لدى مكتب البراءات والعلامات التجارية الأمريكي (USPTO)، تحت الرقم: 63/788,011. هذا الإجراء يمنحنا رسميًا: • أسبقية قانونية دولية لحماية الابتكار • حق استخدام وصف 'Patent Pending' • حماية لمدة 12 شهرًا ريثما نكمل تطوير النسخة النهائية ونتقدم بطلب البراءة الكامل (Non-Provisional). ووفقًا لقانون 35 U.S.C. §111(b) الأمريكي، فإن الطلب المؤقت يُعد إجراءً قانونيًا معترفًا به دوليًا لحماية الابتكارات قبل الدخول في المراحل التطبيقية أو النشر العلمي، ويُستخدم على نطاق واسع من قبل الباحثين والجامعات والشركات. أما عن الدول: فإن تسجيل الطلب في الولايات المتحدة يمنحنا أسبقية دولية، ويُتيح لنا تقديم نفس البراءة مستقبلاً في دول أخرى عبر اتفاقيات مثل معاهدة التعاون بشأن البراءات (PCT)، وهو ما نخطط له عند الانتقال للمرحلة التالية بإذن الله. نحن ملتزمون باتباع المسار القانوني الكامل خطوة بخطوة، مع الشفافية التامة أمام المجتمع العلمي والجمهور". - هل العلاج مناسب لجميع الأعمار والمراحل، أم يستهدف فئات محددة من المصابين بالتوحد؟ "هذا سؤال مهم جدًا، وأشكر طرحه. من الضروري التوضيح أن الابتكار الذي نقوم بتطويره لا يُطرح كعلاج شامل لكل حالات التوحد، بل تم تصميمه نظريًا ليكون مناسبًا لفئة فرعية فقط من المصابين بطيف التوحد، وتحديدًا أولئك الذين تظهر لديهم مؤشرات مناعية وبيولوجية معينة، والتي ترتبط بما يُعرف علميًا بـ 'immune-related autism subtypes'. كما أنه لم تتم تجربته على البشر حتى الآن، وبالتالي فإن أي حديث عن الفئات المناسبة له ما يزال ضمن التحليل النظري والمخططات الأولية فقط. ومع ذلك، ووفقًا للمحاكاة البيولوجية التي أُجريت، فإن الفرضية الحالية ترجّح إمكانية أن يكون العلاج – في حال أثبت فعاليته لاحقًا – أكثر استجابة في الفئة العمرية بين 4 إلى 12 عامًا، وذلك بسبب: • مرونة الجهاز العصبي في هذه المرحلة (neuroplasticity) • حساسية الجهاز المناعي القابلة للتعديل • وسرعة التفاعل مع المداخلات البيولوجية مقارنةً بالفئات الأكبر سنًا. ولا يُمكن استخدامه دون استكمال المسار الكامل للبحث العلمي والتجارب المخبريّة والسريرية. نحن الآن بصدد مرحلة ما قبل السريرية، والتي ستساعدنا – بإذن الله – على تحديد مدى أمان الفكرة وجدواها، قبل التوسع في التجارب أو الحديث عن الفئات المستفيدة بدقة". - ما هي الخطط المستقبلية لنشر هذا العلاج عالميًا؟ وهل هناك تعاون مع مؤسسات أو جامعات دولية؟ "خطتنا المستقبلية تعتمد على مسار علمي تدريجي، يراعي الضوابط القانونية والعلمية المعمول بها محليًا ودوليًا: 1. المرحلة الحالية – ما قبل السريرية (Preclinical Phase): نحن الآن بصدد تشكيل فريق علمي وطني متخصص من خيرة الباحثين العراقيين في تخصصات متعددة، لتنفيذ التجارب المخبرية الأولية على نماذج حيوية، وفق معايير أخلاقية وبحثية دقيقة. 2. المرحلة التالية – السريرية (Clinical Trials): في حال أثبتت المرحلة الأولى نتائج إيجابية، ستتم دراسة إمكانية الانتقال إلى التجارب السريرية بإشراف المؤسسات الصحية والبحثية الرسمية داخل العراق، وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وضمن السياق القانوني المعتمد محليًا. 3. التعاون الخارجي: أي تعاون دولي سيتم لاحقًا، وفقط في حال وجود حاجة تقنية أو علمية لا تتوفر محليًا، مع الحفاظ التام على الملكية الفكرية العراقية، واحترام السيادة البحثية الوطنية. نؤكد أن كل خطوة من هذه المراحل ستتم بإشراف علمي وضمن أطر مؤسساتية معروفة، وبشكل شفاف، وبعيدًا عن أي استثمار تجاري أو استعجال غير مدروس". - برأيكم، كيف سيغير هذا العلاج نظرة العالم لاضطراب التوحد؟ وهل يمكن أن يؤدي إلى شفاء تام؟ "نحن حريصون على أن نبني خطابنا العلمي على الواقعية والاحترام الكامل لمستوى تطور المعرفة في هذا المجال. اضطراب طيف التوحد يُعد من أكثر الاضطرابات تعقيدًا، وليس له سبب واحد ولا نمط بيولوجي واحد، لذلك لا يمكن – من الناحية العلمية – الادعاء بإمكانية وجود 'علاج واحد يشفي الجميع'. لكن، الابتكار الذي نعمل عليه يركّز على فئة فرعية محددة جدًا من حالات التوحد، وهي الحالات ذات الأساس المناعي البيولوجي، والتي تم رصد أنماطها في عدد من الدراسات العالمية. إذا أثبت هذا العلاج فعاليته وأمانه في هذه الفئة، فقد يُسهم بإذن الله في تحسين الأعراض بشكل جوهري لدى بعض الأطفال، لا سيما في المراحل المبكرة من العمر، أو أولئك الذين لديهم علامات استجابة مناعية حيوية. لكننا نرفض تمامًا تقديم أي وعود مسبقة، ونُؤكد أن كل نتائجنا الحالية ما تزال ضمن الفرضيات العلمية التي تحتاج لإثبات صارم عبر مراحل البحث المتقدمة. نحن لا نعد بالشفاء التام، بل نسعى إلى تطوير تدخل نوعي قد يُفتح منه باب أمل لفئة محددة، وهو بحد ذاته هدف إنساني وعلمي كبير". - ما رسالتكم للعلماء والباحثين الشباب الذين يحلمون بصنع تغيير في مجال الطب؟ "رسالتي لهم من القلب: لا تنتظروا أن يُمنح لكم الاعتراف، بل اصنعوه بأنفسكم، خطوة بخطوة، بعلمٍ حقيقي، وصبر طويل، وأخلاقيات لا تتغير مهما كانت الضغوط. البحث العلمي ليس امتيازًا لطرف دون آخر، ولا حكرًا على جنسية أو جهة أو تخصص معين. من يملك الفكرة، والإصرار، والنية الصادقة لخدمة الإنسان… فهو قادر على أن يُحدث فرقًا. قد تواجهون التشكيك، الاستخفاف، وربما حتى الإساءة… ولكن هذه ليست إشارات فشل، بل دلائل أنك بدأت تقترب من شيء له قيمة. وأقول للشباب تحديدًا: العلم اليوم لم يعد ينتظر المختبر فقط، بل يحتاج إلى عقل يقظ، قادر على الربط بين التخصصات، وعلى السعي خلف الأسئلة التي لم يُجب عنها بعد. قد لا تحمل لقب 'طبيب'، أو "صيدلي" أو لا تعمل في مركز دولي، لكنك إن امتلكت أدوات البحث، وحافظت على النزاهة والاحترام، فمكانك محفوظ في منظومة التغيير".


الأنباء العراقية
١٧-٠٤-٢٠٢٥
- الأنباء العراقية
اليونسكو تطلق أول تدريب تخصصي للدعم النفسي-الاجتماعي للصحفيين
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام بغداد – واع أطلقت منظمة اليونسكو، أول دورة تدريبية من نوعها ضمن مشروعها الدولي "حماية الصحفيين حماية للديمقراطية: الاستجابة للحالات الطارئة للصحفيين"، في محافظة السليمانية، والممول من الولايات المتحدة الأمريكية. وذكر بيان للمنظمة، تلقت وكالة الأنباء العراقية (واع) نسخة منه اليوم الخميس، أنها "عملت على إطلاق، أول دورة تدريبية من نوعها ضمن مشروعها الدولي (حماية الصحفيين حماية للديمقراطية: الاستجابة للحالات الطارئة للصحفيين)، في محافظة السليمانية، وبتمويل من الولايات المتحدة الأمريكية". وأضاف أن "هذا البرنامج الرائد جاء استجابة للحاجة الملحّة لدعم العاملين والعاملات في المجال الإعلامي، ليس فقط من خلال تمكينهم في مجالات التحقق من المعلومات والمهارات التحريرية، بل عبر التركيز على الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي المهني، كأحد الأعمدة الأساسية لضمان بيئة عمل آمنة ومستقرة ومستدامة للإعلام الحر والمستقل". وأشار إلى أن "عدد المشاركين في هذا التدريب النوعي أكثر من ثلاثين صحفياً وصحفية من مختلف المنصات الإعلامية في محافظة السليمانية، حيث خضعوا على مدى ثلاثة أيام متواصلة إلى سلسلة من الجلسات العملية والنظرية تناولت موضوعات في المساعدة النفسية-الاجتماعية (Psychosocial Support)، وأساليب الضبط الذاتي (Self-Regulation)، والتشخيص الذاتي للحالة النفسية (Self-Assessment of Mental Health).". وأوضح البيان أن "الدورة ركزت على بناء المهارات الأساسية في فهم الذات النفسية للصحفيين، من خلال مناهج عالمية حديثة تستند إلى نظريات في علم النفس الإيجابي (Positive Psychology)، والتعامل مع الصدمة (Trauma-Informed Care)، وإدارة الضغوط النفسية (Stress Management)، خاصة تلك التي ترافق تغطية الأحداث المأساوية أو العمل في البيئات عالية الخطورة". ولفت إلى أن "واحدة من أبرز محطات هذا التدريب كانت استخدام أدوات رقمية قائمة على الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر وتشخيص المؤشرات النفسية المرتبطة بالاحتراق الذهني (Burnout)، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وقد اختبر المشاركون تطبيقات حديثة طورت خصيصاً للصحفيين، تُمكّنهم من تتبع التغيرات النفسية لديهم، وتقديم تغذية راجعة آنية تساعدهم في بناء خطط للتعافي الذاتي (Self-Care Plans)، وتطوير استجابات مرنة تجاه الضغوط المهنية اليومية". وبين أن "التدريب لم يكن مجرد سلسلة محاضرات، بل تجربة ثقافية وإنسانية عميقة. من خلال حلقات الدعم النفسي الجماعي (Peer Support Circles)، استطاع الصحفيون مشاركة قصصهم وتجاربهم الحياتية والمهنية، في بيئة آمنة خالية من الأحكام، تشجع على التفريغ النفسي وإعادة بناء المعنى وراء العمل الصحفي. تبادلوا آليات المواجهة (Coping Mechanisms)، واستكشفوا أثر التوتر والإجهاد على جودة المحتوى الذي ينتجونه، وما يُعرف بـ 'الأثر العكسي على المضمون الإعلامي". "حماية الصحفيين تبدأ من الداخل"، هكذا لخص مسؤول البرنامج في اليونسكو، ضياء ثابت، مضمون الدورة، قائلاً: إن "حماية حرية التعبير لا تكتمل من دون تمكين الصحفي من امتلاك أدوات الحماية الذاتية، نفسياً واجتماعياً، ليتمكن من مواصلة رسالته المهنية من دون أن يكون ضحية صامتة للأزمات المتراكمة، فالصحفي ليس آلة لإنتاج الأخبار، بل كائن بشري حساس يتفاعل مع الألم، الصدمة، والخطر بشكل يومي". وأضاف أن "هذا التدريب شكل خطوة أولى نحو إدماج الرعاية النفسية-الاجتماعية كحق أساسي للصحفيين في المؤسسات الإعلامية العراقية، وخاصة للصحفيات اللواتي يتحملن عبئاً مزدوجاً في بيئة عمل لا تزال ذكورية في كثير من مفاصلها". وقد دعت اليونسكو في ختام التدريب إلى "ضرورة تبنّي سياسات مؤسساتية للرعاية النفسية، وتوفير خدمات الإرشاد النفسي الوقائي (Preventive Mental Health Counseling)، والتوعية بأهمية مرونة التعامل مع الصدمات (Trauma Resilience) كعنصر جوهري في بناء صحافة حرة وقادرة على الاستمرار". واختتم بالقول: إنه "في زمن تتزايد فيه التهديدات ضد الصحفيين، ليس فقط جسدياً بل نفسياً وعاطفياً، تأتي مبادرة اليونسكو هذه بمثابة نداء عالمي: حماية الصحفيين ليست خياراً، بل مسؤولية جماعية تبدأ من احترام إنسانيتهم، وتهيئة كل السبل لضمان صحتهم النفسية والاجتماعية، فلا ديمقراطية بلا صحافة حرة، ولا صحافة حرة من دون صحفي سليم النفس والجسد، قادر على أن ينقل الحقيقة لا محطّماً، بل واثقاً، واعياً، وقادراً على الصمود".