logo
حملة تبييض لإسرائيل.. كيف استثمرت تل أبيب زيارة "أئمة أوروبيين" لخدمة دعايتها؟

حملة تبييض لإسرائيل.. كيف استثمرت تل أبيب زيارة "أئمة أوروبيين" لخدمة دعايتها؟

الجزيرةمنذ 6 أيام
في الثامن من يوليو/تموز الجاري، استقبلت إسرائيل وفدا من "أئمة مسلمين من أوروبا" في زيارة نظمتها منظمة "إيلنت" (ELNET)، شملت معالم دينية إسرائيلية، ولقاء مع عائلات أسرى إسرائيليين، وزيارة لمناطق قرب "غلاف غزة"، إلى جانب اجتماع بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في القدس المحتلة.
وحظيت الزيارة باهتمام إعلامي إسرائيلي واسع، واحتفاء رسمي على المنصات الناطقة بالعربية والإنجليزية، فيما بدا جزءا من حملة دعائية تهدف إلى تلميع صورة إسرائيل أمام المجتمعات المسلمة في أوروبا، وتقديم الأئمة الزائرين كممثلين عن "الإسلام المعتدل"، بل "صوت الأغلبية الصامتة" في الشرق الأوسط، وفق تعبير الرئيس الإسرائيلي.
منظمة "إيلنت" (European Leadership Network)، وهي شبكة ضغط إسرائيلية أوروبية أُسّست عام 2007 بهدف "التصدي للانتقادات المتزايدة لإسرائيل في أوروبا"، وفق ما تُعرّف به نفسها، هي التي تولّت تنظيم الزيارة ضمن سياق دعائي أوسع، تسعى خلاله إسرائيل إلى استقطاب شخصيات إسلامية مثيرة للجدل، وتوظيفها في حملات تواصل عام موجهة إلى الداخل الأوروبي.
في هذا التقرير، تتبعت وكالة "سند" المعنية بالتحقق في شبكة الجزيرة، التفاعل الرقمي مع الزيارة، كما حللت شبكة الحسابات الداعمة، ورصدت الخلفيات المثيرة للجدل لعدد من الأئمة المشاركين، وانتهت إلى خلاصات حول الترويج الإسرائيلي للوفد، وردود الفعل الإسلامية الرافضة.
من يروّج للرواية؟
وقد رصدت وكالة "سند" عينة من التفاعل على منصة "إكس" بلغ عددها أكثر من 6600 حساب، وما يزيد على 8 آلاف تفاعل، وأظهر التحليل تشكّل تكتلات رقمية تولّت ترويج الرواية الرسمية المرتبطة بالوفد.
وتبيّن الشبكة الرقمية بروز مجموعات داعمة تدور حول وسائل إعلام إسرائيلية مثل "آي 24 نيوز" (i24news)، إلى جانب حسابات معادية للإسلام كـ"islamienfrance". كما ظهرت حسابات إعلامية أوروبية محايدة اكتفت بنقل أخبار الزيارة دون تعليق.
وبرز أيضا تفاعل مباشر مع حساب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي نشر صورا من اللقاء مرفقة بتعليقات دينية وصف خلالها الأئمة بأنهم "قادة الجالية المسلمة" و"صوت الإنسانية والأخوّة".
في المقابل، أظهرت الشبكة تكتلات أصغر تبنّت مواقف ناقدة، عبّرت عن رفض واسع للزيارة، ووصفتها بأنها "حملة تلميع" لا تمثّل المسلمين في أوروبا.
وقد تركز النشر الرقمي حول الحملة على حسابات الجهة المنظمة (إيلنت)، إضافة إلى حسابات الأئمة المشاركين الذين نشروا بشكل مكثّف مقاطع وصورا من الزيارة.
منظمة"إيلنت" واللوبي الصهيوني
وفق الموقع الإلكتروني الرسمي للمنظمة التي تولت تنظيم الزيارة، فإنها تركز على تعزيز العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية بين الحكومات الأوروبية وتل أبيب، وترتبط بعلاقات وثيقة مع مسؤولين ونواب أوروبيين، إلى جانب ارتباطها المباشر بلوبيات صهيونية كبرى، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك).
وبتتبع أنشطة الشبكة، يتضح انخراطها المستمر في تنظيم زيارات ودورات تثقيفية لمسؤولين غربيين إلى إسرائيل، وتنسيق لقاءات مع قادة سياسيين وأمنيين إسرائيليين.
وفي مايو/أيار الماضي، نظمت المنظمة مؤتمر "إيلنت الدولي للسياسات" في تل أبيب، بحضور شخصيات إسرائيلية رسمية وغير رسمية، من بينها ريتشارد كيمب، وهو ضابط بريطاني سابق خدم في العراق وأفغانستان، ويُعرف بمواقفه الداعمة لإسرائيل، وهو أيضا أحد المديرين التنفيذيين لمؤسسة المساعدات الأميركية في قطاع غزة.
وكشفت تحقيقات إعلامية وحقوقية سابقة، عن تمويل "إيلنت" رحلات مماثلة لنواب أوروبيين وشخصيات سياسية، ضمن ما يُعرف بحملات "تأهيل النخبة" لتمثيل وجهة النظر الإسرائيلية في النقاشات البرلمانية الأوروبية.
أبرز الأئمة المشاركين في زيارة إسرائيل
حسن الشلغومي
يُعد الإمام التونسي المقيم في فرنسا، حسن الشلغومي، أبرز الوجوه المشاركة في الوفد، ويشغل منصب إمام مسجد بلدية درانسي شمال باريس، إضافة إلى رئاسته لـ"المؤتمر الوطني للأئمة" في فرنسا، وهو كيان محل جدل داخل الجالية المسلمة هناك.
عرف الشلغومي منذ سنوات بعلاقاته الوثيقة مع جماعات الضغط الصهيونية والمؤسسات اليهودية في فرنسا، وعلى رأسها المجلس التمثيلي لليهود "كريف" (CRIF)، الذي شارك في عدد من مؤتمراته منذ عام 2010، بوصفه "داعية مسلما منفتحا على الحوار".
وفي الإعلام الإسرائيلي، يُلقب بـ"إمام اليهود"، وهو لقب لم يرفضه، بل صرّح في مقابلات متكررة بأنه "لا يرى فيه مشكلة"، وقد استُخدم خلال الزيارة الأخيرة على نطاق واسع.
وسبق للشلغومي لقاء عدد من الشخصيات الإسرائيلية البارزة، من بينها الرئيس الراحل شمعون بيريز عام 2013، والرئيس الحالي إسحاق هرتسوغ عام 2019، وقد نال دعما علنيا من حسابات إسرائيلية رسمية مثل "إسرائيل بالعربية"، والمتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، اللذين قدّماه كأحد رموز "الإسلام المعتدل" في أوروبا، كما كرّمته منظمة "مكافحة معاداة السامية"، في منشور رسمي وصفته فيه بأنه "بطل حقيقي يخاطر بشجاعة لتعزيز السلام بين المسلمين واليهود".
في المقابل، يواجه الشلغومي رفضا واسعا داخل الأوساط التونسية والجالية المسلمة في فرنسا، إذ صدرت دعوات قانونية تطالب بمحاكمته بتهمة "الخيانة العظمى" وسحب الجنسية التونسية منه، خاصة بعد ظهوره في مقطع مصوّر يحاول فيه تقبيل يد وزير الداخلية الإسرائيلي موشيه أربيل.
نور دهري
يُعد الإمام البريطاني من أصول باكستانية نور دهري من أبرز الأسماء التي برزت رقميا خلال الزيارة، حيث لعب دورا نشطا في الترويج لرواية إسرائيل، وواصل نشر المحتوى المرتبط بها حتى بعد انتهاء الجولة.
ويرتكز الخطاب العام لدهري على التحوّل من ماضٍ تحدّث فيه عن "الجهاد" وانتمى لخطاب ديني محافظ، إلى مرحلة يقدم فيها نفسه كخبير في "مكافحة الإرهاب" وشريك لإسرائيل في مواجهة "التطرف"، وهو ما جعله أداة دعائية فاعلة في مخاطبة المجتمعات المسلمة.
ويتجاوز نشاط دهري اللقاءات الرمزية، إذ عبّر علنا عن دعمه للجيش الإسرائيلي، وظهر خلال الزيارة الأخيرة إلى جانب المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، كما سبق أن شارك عام 2017 في مؤتمر أمني حول "مكافحة الإرهاب" بجامعة رايخمان الإسرائيلية الخاصة.
يشغل دهري منصب المدير المؤسس لـ"مركز اللاهوت الإسلامي لمكافحة الإرهاب" في لندن، ويُعد من أبرز أعضاء "مجلس المسلمين ضد معاداة السامية" (CMAA)، وهو كيان تربطه علاقات شراكة تقنية وأمنية مع شركات إسرائيلية، أبرزها "سايبيورو" (Cybureau) التي يديرها الأكاديمي الإسرائيلي طال بافيل.
إضافة إلى ذلك، عمل دهري مستشارا لشركة " كوفينتس" (Covints) الهندية المتخصصة في الأمن السيبراني، والتي نظمت في فبراير/شباط 2023 معرضا للتقنيات الدفاعية في نيودلهي بالتعاون مع جهات إسرائيلية.
إعلان
علي العرجا
شارك في الوفد الإمام المغربي المقيم في إيطاليا علي العرجا، الذي يُقدَّم إعلاميا بوصفه رئيسا لـ"الاتحاد الإسلامي الإيطالي الجديد"، وعضوا في "الكونفدرالية الإسلامية الإيطالية".
وفي تصريح نقله موقع " تايمز أوف إسرائيل" خلال تغطيته للزيارة، قال العرجا: "نحن هنا لنرسل رسالة سلام، لإخواننا الفلسطينيين والإسرائيليين، لا نريد حربا، ونأمل أن نعود إلى الحوار".
وقد أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا التصريح ضمن حملتها الدعائية المصاحبة للزيارة، مستخدمة إياه للترويج لصورة الوفد على أنه يمثل صوتا إسلاميا يؤيد "التعايش مع إسرائيل" ويعزل القضية الفلسطينية عن بعدها السياسي والحقوقي.
يوسف مصباح
في مشهد أثار جدلا واسعا، ظهر الإمام الهولندي من أصل مغربي يوسف مصباح، المعروف بإمامته في مسجد "بلال" بمدينة ألكمار الهولندية، وهو يؤدي مقتطفا بالعربية من النشيد الوطني الإسرائيلي "هاتيكفا"، خلال لقائه بالرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، داعيا الحضور للغناء والرقص معه.
وقد تداولت وسائل إعلام إسرائيلية المشهد بوصفه لحظة رمزية تعبّر عن "الحياة المشتركة" و"السلام الديني"، مستغلّة الموقف في الترويج للزيارة على أنها "انفتاح تاريخي" من شخصيات إسلامية على الرواية الإسرائيلية.
لكن رد الفعل داخل هولندا كان سريعا وحاسما، إذ أعلن مجلس إدارة مسجد "بلال" في بيان رسمي أن الإمام لم يعد يرتبط بأي علاقة رسمية مع المسجد، مؤكدا أن تصرفه كان "فرديا ولا يمثل المؤسسة"، وأن جميع أنشطته الدعوية توقفت فورا.
رفض إسلامي دولي وعربي
وأثارت الزيارة ردود فعل غاضبة في عدد من المؤسسات الدينية الإسلامية والمجتمعات المسلمة داخل أوروبا والعالم العربي، وسط إدانات حادة وتشكيك في هوية المشاركين ومرجعيتهم الدينية.
فقد وصف المجلس الأوروبي للأئمة الوفد الزائر بأنه "أئمة مزعومون"، واعتبر أن زيارتهم تمثل "خيانة للمبادئ الإسلامية الأساسية"، مشددا على أنهم "غير معروفين لدى مسلمي أوروبا"، وأن جولتهم "صُممت لتخدم أجندات مشبوهة". ودعا المجلس العلماء والدعاة إلى "تكثيف جهودهم دعما للشعب الفلسطيني"، في مواجهة ما اعتبره "حرب إبادة" تشهدها غزة.
وفي السياق ذاته، أصدرت الكونفدرالية الإسلامية الإيطالية بيانا نفت فيه أي علاقة بالوفد، وأكدت أن "من شارك لا يمثلها"، وشددت على أن مثل هذه الزيارات "لا تخدم المسلمين ولا تعكس القيم الإسلامية في أوروبا".
وفي العالم العربي، جاء الرد من مؤسسة الأزهر الشريف التي وصفت الوفد بأنه "مجموعة من الأشخاص الذين عميت أبصارهم عن معاناة شعبنا"، مؤكدة أن ما فعلوه "لا يمثل الإسلام ولا المسلمين ولا رسالة العلماء الدينية"، كما أدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الزيارة، ووصفها بأنها "واجهة تُستخدم لتبييض صورة الاحتلال"، معتبرا إياها "فعلا يفضح منظميه ويخدم أجندات مشبوهة".
أما على المستوى الشعبي، فقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملات تنديد ومطالبات بعزل المشاركين من مواقعهم الدينية، مع وسمهم بأنهم "انتحلوا صفة الأئمة"، وانخرطوا في الترويج للسردية الصهيونية تحت غطاء "الحوار".
وفي المقابل، أصدرت منظمة إيلنت- فرع فرنسا، الجهة المنظمة للزيارة، بيانا دعائيا وصفت فيه المشاركين بأنهم "اتخذوا خيارا نادرا وشجاعا يتمثل في الحوار والأخوّة"، زاعمة أن الانتقادات التي وُجهت لهم تمثل "تحريضا أيديولوجيا".
وذهبت المنظمة أبعد من ذلك حين اتهمت الأزهر الشريف بإصدار "فتوى تكفيرية" ضد الوفد، وقالت إن هذه الفتوى "جرّدت المشاركين رمزيا من صفتهم كمسلمين وعرّضتهم للخطر"، قبل أن تشبّهها بـ"حكم بالإعدام المعنوي"، داعية الحكومة الفرنسية والمجتمع الدولي إلى "التدخل العاجل لحماية أئمة السلام".
دعاية إسرائيلية على وقع الحرب
رافقت زيارة الوفد الإسلامي إلى إسرائيل حملة إعلامية وترويجية واسعة، ركّزت على تصوير الزيارة بوصفها "اختراقا تاريخيا" لمسار ما يُسمى بـ"السلام الديني" بين المسلمين واليهود.
وقدمت وسائل الإعلام العبرية، مثل تايمز أوف إسرائيل ، و جيروزاليم بوست ، المشاركين في الوفد، وعلى رأسهم نور دهري وحسن الشلغومي، كـ"رموز للاعتدال الإسلامي"، تزعم أنهم "ينبذون العنف ويتبنون السلام"، في وقت يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
كما نشرت منصات أخرى مثل يسرائيل هيوم، وجي إن إس، ومجلة موزاييك، مقالات تتناول الزيارة باعتبارها "علامة نادرة على التقارب الإسلامي الإسرائيلي"، وسعت إلى توظيف تصريحات المشاركين لإبراز ما تصفه بـ"شجاعة الحوار" في وجه ما تُسميه "التحريض الإسلامي التقليدي".
على الجانب الرقمي، نشّطت إسرائيل حساباتها الرسمية الناطقة بالعربية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل حساب "إسرائيل بالعربية"، و"إيدي كوهين"، لتسويق الزيارة للجمهور العربي، مع التركيز على عبارات مثل "الإسلام المعتدل"، و"أئمة يمثلون الأغلبية الصامتة"، و"صوت الإنسانية".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع "حنظلة"
بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع "حنظلة"

الجزيرة

timeمنذ 2 دقائق

  • الجزيرة

بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع "حنظلة"

عاد مراسل قناة الجزيرة في باريس محمد البقالي إلى مطار شارل ديغول، بعد أن أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي إثر اعتقاله ضمن طاقم السفينة " حنظلة" التي أبحرت في محاولة لكسر الحصار عن قطاع غزة. الرحلة التي بدأت من ميناء غاليبولي الإيطالي كان من المفترض أن تنتهي على شواطئ غزة، لكنها اعتُرضت في المياه الدولية، وسيطرت عليها البحرية الإسرائيلية بالقوة، قبل أن تبدأ رحلة قاسية من التحقيق والاحتجاز. ويصف البقالي لحظة الاقتحام بأنها كانت متوقعة، إذ استعد الطاقم بارتداء سترات النجاة، وأعلنوا فورا الإضراب عن الطعام، احتجاجا على "حملة العلاقات العامة" التي عادة ما ينفذها الجيش الإسرائيلي بتصوير توزيع الماء والطعام على المعتقلين لإضفاء طابع إنساني زائف. ويؤكد البقالي -في حديثه للجزيرة نت- أن الرحلة لم تكن محاولة لاختراق الحدود، بل كانت نداء أخلاقيّا لكسر جدار الصمت، مشيرا في هذا السياق إلى أن ما حمله المشاركون لم يكن سلاحا بل "رواية تُدين الحصار وتفضح صمت العالم عن الإبادة في غزة". ووفق الصحفي المغربي، رافق "حنظلة" ما بين 8 إلى 10 زوارق حربية طوال الرحلة التي استمرت قرابة 12 ساعة إلى ميناء أسدود ، حيث كان في استقبالهم جهاز الشرطة وممثلو الأمن الإسرائيلي، الذين تعاملوا بفظاظة ظاهرة ومهينة منذ اللحظة الأولى. وعند الوصول، ردد النشطاء شعار "الحرية لفلسطين" بصوت واحد، وهو ما أثار حنق الجنود الإسرائيليين، وتحول الغضب الرسمي إلى غضب شخصي ضد النشطاء، تجلى في التهديدات المباشرة والحرب النفسية في أثناء الاستجواب والاحتجاز. ويشير مراسل الجزيرة إلى أن التعامل مع النشطاء، خاصة المشاركين من جنسيات غير عربية، كان عدائيا، وخص بالذكر أميركيا من أصل أفريقي تعرض لمعاملة قاسية، مؤكدا أن جميع المعتقلين واجهوا ظروفا متردية داخل الزنازين. إعلان وكان المعتقلون محرومين من أي اتصال بالعالم الخارجي، حسب البقالي، ولم يكن يُسمح لهم بدخول الحمام إلا تحت المراقبة، وكان عليهم إبقاء الأبواب مفتوحة أمام الكاميرات، حتى في الزنزانة ضيقة المساحة. ويكشف عن أن لائحة الاتهامات التي وُجهت للمحتجزين كانت عبثية، إذ اتُهموا زورا بحيازة مخدرات والارتباط بتنظيمات إرهابية، رغم أن المهمة كانت إنسانية واضحة، وفق ما شدد عليه النشطاء أمام سلطات الاحتلال. ورغم الإفراج عن بعض النشطاء -ومنهم البقالي، والنائبة الفرنسية غابرييل كاتالا، ومصور الجزيرة، ومواطنان من أميركا وإيطاليا– فإن مصير 14 ناشطا آخرين لا يزال مجهولا، في ظل انقطاع المعلومات وتضارب الروايات. وفي هذا السياق، ناشد البقالي مجددا ضرورة إطلاق سراح زملائه الذين ما زالوا قيد الاحتجاز في سجن "جفعون"، مؤكدا أن بعضهم يواصل الإضراب عن الطعام، احتجاجا على إجراءات الترحيل القسري وممارسات الاحتلال. ورأى أن التعامل الإسرائيلي منذ لحظة الاعتراض وحتى الترحيل يعكس رغبة واضحة في إسكات الشهود ومنع الرواية من الوصول إلى الرأي العام، مشددا على أن القصة أقوى من الحصار، وأنها ستصل للعالم رغم محاولات الطمس. الرحلة لم تنته وعن لحظة المغادرة، قال البقالي إن ما حدث "ليس نهاية الرحلة، بل بداية لسرد جديد"، مؤكدا أن سفينة "حنظلة" وإن لم تصل إلى غزة، إلا أنها قرّبت العالم خطوة من معاناة سكانها، وكشفت للعالم حقيقة ما يجري في ظل التعتيم. في هذه الأثناء، لا تزال تداعيات احتجاز سفينة "حنظلة" تتفاعل، في وقتٍ يستعد فيه تحالف "صمود" لإطلاق إحدى أكبر القوافل البحرية المدنية، بمشاركة زوارق من 39 دولة، في محاولة رمزية جديدة لفك الحصار عن القطاع. وتحمل هذه المبادرة طابعا إنسانيّا ومدنيّا، وتهدف إلى فضح صمت الحكومات إزاء جرائم الحرب المستمرة في غزة، والتأكيد أن التضامن الشعبي العالمي ما زال قادرا على تجاوز الجدران البحرية والسياسية في آن. يُذكر أن مركز "عدالة" الحقوقي أكد -في بيان له- أن جميع النشطاء الموقوفين رفضوا إجراءات الترحيل السريع، وأصروا على تقديم مرافعات قانونية تثبت مشروعية تحركهم الإنساني، كما واصلوا إضرابهم عن الطعام داخل المعتقل. وشدد البقالي على أن المعركة اليوم لم تعد فقط من أجل كسر الحصار البحري، بل من أجل كسر جدار التواطؤ الدولي، وإعادة الاعتبار لصوت الشاهد والإنسان، في وجه منظومة احتلال لا تقبل أن تُفضَح جرائمها.

ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت إسرائيل؟
ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت إسرائيل؟

الجزيرة

timeمنذ 2 دقائق

  • الجزيرة

ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت إسرائيل؟

في ذروة الإشاعات والبيئة السلبية التي صنعها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، والرئيس ترامب الذي اتّهم حركة حماس بأنها لا تريد التوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهدّد بالقضاء عليها، كشف بيان لوزارة الخارجية القطرية 25 يوليو/ تموز- وبلسان قطري مصري مشترك- أن المفاوضات شهدت "تقدّمًا"، مؤكّدًا أن "التسريبات الإعلامية" لا تعكس واقع المفاوضات، وهي تهدف للتأثير عليها وتقويضها، وأن مغادرة الوفود للتشاور قد يعقبه استئناف للمفاوضات في وقت قريب. معلومات مهمّة ظهر بشارة بحبح- وهو رجل أعمال أميركي من أصل فلسطيني، عمل مع ستيف ويتكوف في تقريب وجهات النظر بين الأطراف- في مقابلة إعلامية 25 يوليو/ تموز، ليكشف ما سمعه من الوسيطين: القطري والمصري، قائلًا نقلًا عنهما: "رد حماس كان إيجابيًا، ويمكن البناء عليه، للتوصّل لاتفاق في وقت قريب". "رد حماس لم يكن متصلبًا، بمعنى أنها كانت مستعدّة للأخذ والعطاء في هذا الرد". "عندما أعطوا رد حماس للإسرائيليين، قالوا لهم (أي قال الإسرائيليون للقطريين والمصريين)؛ يمكن التعامل مع رد حماس بحذر وإيجابية". ويضيف بحبح؛ "أن حماس قالت إن موضوع الأسرى لن يكون عثرة أمام الاتفاق، فالخرائط أهم بكثير. حماس لا تريد تواجدًا إسرائيليًا داخل الأماكن السكنية في غزة". وفي هذا التوضيح من بحبح، ردٌ أيضًا على مصادر إسرائيلية تحدّثت عن أن سبب تعثّر المفاوضات هو شروط حماس، وتعنّتها في معايير إطلاق سراح الأسرى، وهو ما نفته حماس بتأكيدها أن ملف الأسرى لم ولن يتم مناقشته قبل الانتهاء من الاتفاق على محدّدات الاتفاق الإطاري المتعلقة بوقف الحرب، والانسحاب، والمساعدات أولًا. إضافة للمعلومات التي تحدّث عنها بحبح، أصدرت حماس بيانًا توضيحيًا بالخصوص قالت فيه: "كانت الأطراف الوسيطة، وخصوصًا قطر ومصر تعبّر عن ارتياحها وتقديرها لموقفنا الجاد والبنّاء". "حرصنا على تقليل عمق المناطق العازلة التي يبقى فيها الاحتلال خلال الـ 60 يومًا، وتجنّب المناطق السكنية الكثيفة، لضمان عودة معظم أهلنا إلى أماكنهم". هذه المعلومات من بحبح وحماس، تتقاطع مع بيان وزارة الخارجية القطرية لتؤكّد أن المفاوضات كانت تسير بشكل إيجابي، وأن رد حماس كان عاملًا محفّزًا للوصول لاتفاق قريب، وأن الموقف الإسرائيلي الأميركي ليس له ما يبرره موضوعيًا. هنا لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن بيان مكتب رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو تعليقًا على سحب وفده من الدوحة، برّره في حينه أنه للتشاور لاتخاذ قرار، في وقت أثنى فيه على الدور القطري والمصري في هذا السياق، ولم يكن يحمل إشارة سلبية. أسباب الانقلاب يلاحظ ابتداء أن الموقف الأميركي على لسان الرئيس ترامب ومبعوثه ويتكوف، كان أكثر تطرفًا وسلبية ولا ينسجم مع دور واشنطن "الوسيط"، وإن كانت منحازة لإسرائيل كما هو معلوم، ما يؤكّد تكرارًا أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل ونتنياهو على كافة الأوجه والاحتمالات، وأن أي تباين ظاهر بينهما لا يعدو كونه تبادلًا للأدوار، أو اختلافًا في التكتيكات، وليس الأهداف الإستراتيجية. التناقض في السردية الأميركية الإسرائيلية السلبية من جهة، مع السردية القطرية المصرية الفلسطينية الإيجابية من جهة أخرى، يشير إلى عدة أمور منها: أولًا: نجاح حركة حماس في إعادة رسم خرائط الانسحاب لجيش الاحتلال الإسرائيلي (تموضع مؤقّت داخل قطاع غزة)، بتوافق فلسطيني وقبول مصري وقطري كوسطاء، وبدعم من بعض دول الإقليم، ما يحسب للحركة ولحسن إدارتها المفاوضات. ثانيًا: الخرائط التي قدّمتها حماس والتي حازت قبول الوسطاء، وهي خرائط لا تسمح باستمرار النزوح لمئات آلاف المدنيين، ولا تسمح للاحتلال باقتطاع مناطق واسعة لإقامة معسكرات اعتقال ضخمة تسمّى "مدنًا إنسانية" للتهجير، كانت سببًا كافيًا لاستفزاز الإسرائيليين الذين يريدون فرض رؤيتهم وخرائطهم بالقوّة. ثالثًا: الموقف الإسرائيلي السلبي المدعوم أميركيًا، يمكن أن يحمل في حد ذاته مناورة تفاوضية، لشراء الوقت وممارسة أقسى درجات الضغط على حماس عبر القصف والتجويع الذي بلغ حدًا كارثيًا، لتَقْبَل حماس بالشروط الإسرائيلية، التي تعني وفقًا لخرائط الانسحاب الإسرائيلية، احتفاظ إسرائيل بمناطق سكنية متعدّدة ومساحات واسعة، تُفضي لاستمرار نزوح مئات آلاف الفلسطينيين داخل قطاع غزة (700 ألف فلسطيني). ومن ثم إنشاء معسكرات اعتقال لهم ولغيرهم، تحت مسمى "مدن إنسانية" في مدينة رفح جنوب القطاع على الحدود المصرية، للتهجير التدريجي، كما جاء على لسان وزير الحرب يسرائيل كاتس، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية. رابعًا: إذا لم تُفلح المناورة والضغوط الإسرائيلية، ولم تنجح إسرائيل في رسم اتفاق، بقبول فلسطيني يسمح لها بتهجيرهم تدريجيًا عبر سيطرتها على مساحات واسعة من القطاع والتحكّم في المساعدات، فهذا سيضع إسرائيل أمام احتمالين: القبول باتفاق وقف إطلاق نار، وفقًا لخرائط لا تسمح باستدامة نزوح الفلسطينيين داخل القطاع أو تهجيرهم خارجه، مع دخول المساعدات بإشراف الأمم المتحدة، ما يعدّ مقدّمة لانتهاء العدوان على غزة. استمرار تعنّت إسرائيل وتمسّكها بشروطها وبخرائطها لإعادة انتشار جيشها في مناطق واسعة من القطاع، بهدف تهجير الفلسطينيين، سيعقّد المشهد إنسانيًا وميدانيًا، ويُفضي لتوقّف المفاوضات، ويُبقي المشهد الحالي معلّقًا باستمرار الحرب والكارثة الإنسانية في غزة. العامل المشترك أو الخيط الرفيع الذي يربط بين مخططات إسرائيل العسكرية في غزة، وحراكها التفاوضي في الدوحة طوال عامين ماضيين؛ هو محاولة كسر إرادة الفلسطينيين وهزيمتهم نفسيًا لقبولهم بسيناريو التهجير عبر المفاوضات، أو بالقوة العسكرية المباشرة. فشل إسرائيل في تحقيق ذلك، يفسّر سبب انقلابها وبدعم أميركي على بيئة المفاوضات الإيجابية التي تحدّث عنها بيان وزارة الخارجية القطرية، وما تحدّث عنه بشارة بحبح المقرّب من ستيف ويتكوف، وما تحدّثت عنه أيضًا حركة حماس. إسرائيل عودّتنا كلما أرادت أن تهرب من استحقاقات العملية التفاوضية، قامت بحملة إعلامية ضخمة وبدعم أميركي مباشر، بتحميل حركة حماس مسؤولية الفشل أو عدم نجاح المفاوضات، وبضخ معلومات كاذبة ومشوّهة على لسان مصادر مطّلعة وعلى لسان مسؤولين لا يتورّعون عن الكذب. عقدة إسرائيل اعتادت إسرائيل أن تفاوض لتُملي شروطها وتصوراتها بالقوّة وبدعم أميركي لا يصمد أحدٌ على الوقوف أمامه. لكنها في هذه المرة، تواجه مفاوِضًا يرفض الاستسلام لشروطها المجحفة أو الركوع لسيف قوّتها العاتية، فكيف ذلك وهذا المفاوِض هو حركة حماس وفصائل مقاومة فلسطينية محاصرة ومحدودة القوّة المادية؟ كيف يحدث هذا والفلسطيني يتعرّض لإبادة وتطهير عرقي قتلًا وتجويعًا وتعطيشًا، وما زال يصر على البقاء ويرفض الاستسلام والتهجير؟ هذا المشهد المعقّد والصعب يزيد في حيرة الإسرائيليين والأميركيين، ويضعهم في مأزق أمام محدودية الخيارات، لا سيّما أن المقاربة العسكرية فشلت منذ نحو عامين في تحقيق الأهداف، فإسرائيل لم تُبقِ وسيلة أو خطة شيطانية إلا واستخدمتها. العقل الإسرائيلي المتغطرس والمتبجّح لا يسعه الاعتراف بالهزيمة أمام إرادة الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو يرى في ذلك استمرارًا لهزيمته المدوّية في معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي صفعت وجه الردع الإسرائيلي، وضربته سهمًا في قلبه. نتنياهو يبدو في موقفٍ ظاهره الظَفَر وباطنه فيه الخيبة، فهو لم يستطع تحقيق أهدافه السياسية بالقوّة العسكرية؛ فلا هو قضى على حركة حماس، ولا استطاع أن يكسر إرادة الفلسطينيين، أو أن يعيد الأسرى بالقوّة العسكرية، والجيش الإسرائيلي منهك ومتعب وقيادته تؤكّد عدم قدرتها على تحقيق الأهداف. الأسوأ لدى نتنياهو، إدراكه أن إطالة أمد المعركة في غزة لا تضمن له الانتصار قُبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة في العام القادم، وهو الذي يعوّل عليها للعودة مجددًا لحكم إسرائيل، وإذا لم يستطع الحسم سياسيًا عبر المفاوضات فقد يفقد الزخم الشعبي الذي حازه بعد الحرب على إيران، فغزة ستبقى ثَقبًا نازفًا في الذاكرة الإسرائيلية ما سينعكس سلبًا على حظوظه الانتخابية. استمرار الوضع الحالي، لن يتوقّف في تداعياته على مصير نتنياهو والخريطة السياسية الإسرائيلية الداخلية فقط، وإنما سينسحب سلبًا على صورة إسرائيل خارجيًا وبشكل عنيف، فإسرائيل خسرت سردية "الضحية"، وتحوّلت في نظر العالم إلى كيان مارق متوحّش ينهش قيم الإنسانية، كما يأكل أجساد الفلسطينيين وأطفالهم في غزة. الانهيار يبدأ من فقدان الشرعية والصورة، وهذا ما بدأت تعاني منه إسرائيل التي تقودها مجموعة متطرفين من اليمين، فاشلين سياسيًا وغير قادرين على تحقيق أوهامهم اللاهوتية، حيث الشعب الفلسطيني يتمسّك بالبقاء والحياة رغم الكارثة التي صنعها الاحتلال في غزة، ولسان حالهم يقول؛ رغم القتل والتجويع لا نكبة بعد النكبة.

الصخرة تفتح أبوابها.. نتائج الاتفاق التاريخي بين بريطانيا وإسبانيا
الصخرة تفتح أبوابها.. نتائج الاتفاق التاريخي بين بريطانيا وإسبانيا

الجزيرة

timeمنذ 20 دقائق

  • الجزيرة

الصخرة تفتح أبوابها.. نتائج الاتفاق التاريخي بين بريطانيا وإسبانيا

قبل تسع سنوات اتخذت بريطانيا قرار الاستفتاء للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وبعد خمس سنوات من البريكست، إسبانيا ومن خلالها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تمكنوا من التوصل إلى اتفاق تاريخي بخصوص موضوع جبل طارق، اتفاق من شأنه أن ينهي معاناة آلاف العمال الإسبان وغيرهم من المطالَبين بالعبور يوميًا إلى الصخرة من أجل العمل وكسب لقمة العيش. وهي معاناة قل نظيرها في التاريخ البشري المعاصر. اتفاق يونيو/حزيران 2025 شكل منعرجًا هامًا في العلاقة بين إسبانيا وبريطانيا، وبين الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا. حيث إنه بمقتضى هذا الاتفاق سيتم إلغاء ما يعرف في إسبانيا بـ "الفيرخا"، أي إلغاء الحدود ورفع المراقبة عن الأشخاص والسلع. "الفيرخا" هذه التي كانت مصطلحًا محفورًا في اللغة اليومية لسكان البلدات الحدودية الإسبانية، اليوم ستصبح فقط جزءًا من الذاكرة اللسانية لهؤلاء. يشار إلى أنه في السابق، كان الجانبان: الإسباني والأوروبي قد توصلا 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020 إلى اتفاق مبدئي يضمن حرية تنقل الأشخاص ودخول السلع بين إسبانيا وجبل طارق. بيد أن هذا الاتفاق عرف عدة عراقيل، منها ما هو ذو طبيعة سياسية أحيانًا، ومنها ما هو ذو طبيعة اقتصادية واجتماعية أحيانًا أخرى، هذا إلى جانب ما هو تقني ولوجيستي. لكن الجميع كان عازمًا على تدبير مجمل الخلافات بإرادة سياسية واضحة تُوّجت اليوم بالتوصل إلى اتفاق وصفته جميع الأطراف المتفاوضة بالتاريخي. وضع جبل طارق في منظور الأمم المتحدة يعتبر جبل طارق في المنظور الأممي بلدة محتلة من طرف بريطانيا التي تحتل كذلك تسع مناطق أخرى بعيدة جغرافيًا عن بريطانيا، والمنتسبة إلى الأطلسي والكاريبي من جهة، والمحيط الهادئ من جهة ثانية. في بلاغ للحكومة البريطانية الصادر بعد الاتفاق اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ونظيره الإسباني بيدور سانشيز، الاتفاق فرصة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين وصناعة مستقبل أفضل للجميع. هذا، وأكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أن الاتفاق بين بريطانيا، وإسبانيا، ثم بريطانيا، والاتحاد الأوروبي يضمن السيادة البريطانية على المنطقة والوجود العسكري لبريطانيا، في إشارة للقاعدة العسكرية البريطانية الموجودة هناك، والتي شكلت واحدة من عوائق الحسم في موضوع الاتفاق. بلاغ وزارة الخارجية البريطانية هو الآخر، أشار إلى أنّ اتفاق اليوم أوجد حلولًا عملية لمشكلات عالقة دامت سنوات، وأنه بفضل جهود الحكومة المحلية لجبل طارق تمّ التوصل إلى اتفاق ينتصر للسيادة البريطانية، ويدعم اقتصاد جبل طارق، ويُمكّن المقاولات المحلية من النموّ على المدى البعيد. من جانب آخر، أكّد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن الاتفاق هو تدشين لمرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الإسبانية البريطانية، ليس فقط في موضوع تدبير الخلافات بين البلدين وإنما كذلك في كل ما له علاقة بالمجال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. أما تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، فقد أكدت أن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من شأنه إلحاق جبل طارق بفضاء شنغن وبالسوق الأوروبية المشتركة، ومن ثمة بالمنظومة الجمركية الموحدة لدول الاتحاد الأوروبي. مؤكدة في نفس السياق أهمية الاستقرار في المنطقة ودلالات الأمن القانوني والتنمية والازدهار على المستوى الجهوي. ومن المعلوم تاريخيًا، أن فيليبي الخامس ملك مملكة آل بوربون بإسبانيا تنازل عن جبل طارق لصالح التاج البريطاني بمقتضى اتفاقية أوترخت 1713، في أفق تشكيل ميزان قوى جديد يحُول دون استفراد أي طرف بالقوة على مستوى أوروبا، مع كسر شوكة إسبانيا من خلال الحيلولة دون اتحاد فرنسا، وإسبانيا تحت حكم واحد. جبل طارق كذلك هو من المناطق السبع عشرة التي تعتبرها الأمم المتحدة مناطق محتلة وغير مشمولة بالاستقلال في منظور القانون الدولي لحدود اليوم. فمنذ ذلك الوقت وإسبانيا تطالب باسترجاعها، وتذكر العالم في كل مناسبة بأحقيتها في ذلك ضمن فعاليات الأمم المتحدة. سواء مع الحكومة الاشتراكية الأولى في تاريخ التحول الديمقراطي في إسبانيا، حكومة فيليبي غونزاليس ماركيز الذي نجح في حلحلة موضوع الحدود بين إسبانيا وجبل طارق مع بريطانيا بعد فشل وزير خارجية حكومة فرانكو الدكتاتورية فرناندو ماريا كاستييا إي مايز في ذلك، أو الحكومة اليمينية بقيادة خوسيه ماريا أزنار لوبيز الذي طرح موضوع السيادة المشتركة على الصخرة، أو حكومة الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيز ساباثيرو، أو حكومة اليمين بزعامة ماريانو راخوي بري، أو حكومة اليساري بيدرو سانشيز بيريز كاستيخون الحالية. يشار إلى أن منسوب الضغط على بريطانيا ارتفع بعدما متّعت بريطانيا البلدة بوضع مدينة لها حكومتها المحلية وبرلمانها 2022، باعتبارها مدينة ذات هوية تاريخية وخصوصيات ثقافية تضمن لها موقعها مثل باقي المدن البريطانية في خريطة المملكة المتحدة. الأمر الذي مَكّنها من مجموعة من الحقوق والامتيازات كتأسيس جامعة وكاتدرائية، إلى جانب إدارة ومؤسسات محلية تستجيب لاحتياجات المواطنين؛ وهو وضْع سبق أن أعلنت عنه الملكة فيكتوريا 1842 دون تثبيته رسميًا. مضمون الاتفاق في تصريح مثير، اعتبر خوسيه مانويل ألباريس وزير الخارجية الإسباني أن الاتفاق هو بمثابة آخر حائط يسقط في أوروبا القارية، في إشارة منه إلى تعزيز الروابط السياسية والثقافية للدول المشكِّلة للاتحاد الأوروبي وفضاء شنغن، وهو ما يجعل منها قوة حقيقية بإمكانها فرض منظورها الإستراتيجي في المنطقة. إن الهدف الأساسي للاتفاق هو تحقيق رفاهية الشعبين، حيث ستعمل السلطات على إلغاء الحدود ورفع الرقابة عن الأشخاص والسلع بين إسبانيا وجبل طارق. هذا مع العمل على تأمين فضاء شنغن للاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة الموحدة، إلى جانب منظومة جمركية أوروبية موحدة تشمل جبل طارق. باعتبار أن توحيد المنظومة الضريبية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق يضمن تنافسية عادلة، حسب عبارة ألباريس. فبعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، سيصبح جبل طارق جزءًا من فضاء شنغن، وسيتمتع العمال كما الإسبان بجميع الحقوق الاجتماعية المرتبطة بالتغطية الاجتماعية والصحية، مع الحق في التقاعد الذي كان يطرح إشكالًا حقيقيًا قبل الاتفاق. أي أن هذا الاتفاق سيضع حدًا لمعاناة ما كان يعرف بالعمال الحدوديين، أي العمال الذين يأتون من البلدات الإسبانية الواقعة على الحدود مع جبل طارق، خصوصًا بلدة لالينيا دي لا كونسبسيون، والجزيرة الخضراء، وسان روكي، ولوس باريوس، وطريفة. فهؤلاء العمال كانوا مطالَبين بعبور الحدود يوميًا والعودة إلى بلداتهم الإسبانية مساءً. بعد الاتفاق ستشرف السلطات الإسبانية وسلطات الاتحاد الأوروبي بتنسيق مع سلطات المملكة المتحدة والسلطات المحلية لجبل طارق على مجموع عمليات للمراقبة الحدودية، سواء على مستوى جبل طارق، أو على مستوى فضاء شنغن، إنْ في نقاط المراقبة في الميناء أو في مطار جبل طارق. في نفس السياق، تم إقرار مبدأ المساواة في الشروط في مجال المساعدات الاجتماعية والمنظومة الضريبية والشغل والبيئة والتجارة والتنمية المحلية. هذا، ويؤكّد الجانبان على ضرورة التعاون والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال ومحاربة الجريمة المنظمة، التي تتقاطع مع ما تفرضه دول الساحل جنوب الصحراء من تحديات أمنية وإستراتيجية. الحق أن هذه في المجمل هي مطالب ساكنة البلدة التي يعتمد الناتج المحلي الخام بها بنسبة 25% على مضيق جبل طارق، حسب تقرير أعدته الغرفة التجارية لجبل طارق. إن العلاقة بين البلدات الإسبانية الحدودية وبلدة جبل طارق هي بالغة الأهمية بالنسبة للطرفين، حيث إن الجزء الأكبر من اليد العاملة للمدينة مصدره البلدات الإسبانية. وهو ما يفرض تحديات ورهانات كبيرة تختلط فيها الأبعاد الإنسانية والسياسية والاجتماعية المنُوط بالاتفاق تجاوزها، وبالتالي وضع حد للمعاناة اليومية لحوالي 15 ألف عامل، حوالي 10 آلاف منهم إسبان. تحديات ورهانات الاتفاق فبيان ريكاردو الوزير البريطاني الرئيسي لجبل طارق ورئيس الحكومة المحلية، ونائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيس وصفا الاتفاق بالهام والتاريخي. وحسب تصريحات المسؤولين الإسبان، فإن إسبانيا ستشرف على مراقبة جوازات السفر سواء على مستوى الميناء، أو على مستوى مطار جبل طارق. هي محطة تاريخية سيكون لها حقيقة ما قبلها وما بعدها، وستنعكس لا محالة على الاستقرار والتعاون بالمنطقة حسب تصريح وزير الخارجية الإسباني في ندوة صحفية تلت الاتفاق، مؤكدًا أن جبل طارق سيصبح جزءًا لا يتجزأ من فضاء شنغن، كما أن إسبانيا ستشرف بعد دخول الاتفاق حيز التطبيق على مجمل عمليات الدخول والخروج. لكن هذا الاتفاق سيطرح مجموعة من التحديات، حيث قال رئيس بلدية لالنيا دي لا كونسيبسون خوسيه خوان فرانكو رودريغيز، إن البلدية التي يترأسها هي الأكثر تأثرًا بتداعيات الاتفاق، مؤكدًا في نفس الاتجاه أن هناك مجموعة من النقاط لم تؤخذ بعين الاعتبار أثناء عملية التفاوض، من بينها إمكانية هروب شرائح واسعة من سكان البلدات الحدودية إلى بلدة جبل طارق. وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حصل بالضبط 1969، فيما يشبه الهروب شبه الجماعي من البلدات الإسبانية إلى الصخرة، مع بسطه مخاوف أخرى مرتبطة بارتفاع أسعار السكن هناك، وتكلفة الحياة. من جانب آخر، لا يمكن أن نسقط من البال أن الاتفاق بين إسبانيا وبريطانيا سيدفع لا محالة المغرب إلى المزيد من الضغط على الجارة إسبانيا من أجل استرجاع مدينتي سبتة ومليلية، وهو الذي لا يفوت أية فرصة يراها مواتية للتذكير بمطلبه التاريخي هذا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store