ماجدة الرومي تتصدر تريند جوجل بعد ظهورها المؤثر في جنازة زياد الرحباني: حضور مُبكٍ وموقف تاريخي
ظهور ماجدة الرومي في الجنازة لم يكن مجرد حضور عابر أو واجب عزاء تقليدي، بل كان موقفًا إنسانيًا وفنيًا صادقًا، سجّلته الكاميرات وعدسات الصحفيين وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، حتى تحوّل إلى لحظة مفصلية استحضر فيها الجميع تاريخ هذه السيدة التي تمشي بجلالة النبل وعنفوان الكلمة.ورصدت الكاميرات لحظة وصول الرومي إلى كنيسة رقاد السيدة بكفيا، حيث أقيمت مراسم الوداع، وهي ترتدي الأسود الكامل، ملامحها حزينة، وعيونها دامعة، تحمل في خطواتها كل وجع الوطن الذي فقد أحد أركانه الفنية. وما أن اقتربت من النعش حتى وضعت باقة من الزهر الأبيض عليه، ثم وقفت للحظات في صمتٍ عميق، وضعت يدها على قلبها، وهمست بكلمات لم يُسمع منها إلا "سلام لروحك الحرة يا زياد"، قبل أن تذرف دمعة بصمت، وتشير بإيماءة صادقة إلى فيروز الجالسة، وكأنها تقول: "قلبي معكِ... أنتِ مش لوحدكِ".ورغم بساطة هذه اللحظة، إلا أنها كانت كافية لتُشعل مواقع التواصل، حيث غصّت "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستجرام" بصور ومقاطع فيديو لماجدة الرومي، وأعاد الجمهور تذكّر مواقفها السابقة في دعم القضايا الوطنية، ومشاركتها الدائمة في اللحظات الحاسمة من تاريخ لبنان الفني والإنساني، لتنهال التعليقات التي اعتبرتها "سيدة المواقف"، و"صوت لبنان النقي الذي لا يخون ولا يخذل"، و"أجمل ما تبقّى من زمن الكبار".الناشطون استرجعوا أيضًا ذكريات العلاقة الفنية بين ماجدة وزياد، وما كانت تحمله من تقدير متبادل رغم الاختلاف في الخط الفني، فبين صوت ماجدة الكلاسيكي وروح زياد الثائرة، كان هناك احترام وصمت مشترك عنوانه: "الفن النظيف لا يعادي بعضه".وتوالت ردود الفعل من شخصيات فنية وإعلامية عبّرت عن إعجابها بوقفة الرومي، وأبرزهم الإعلامي اللبناني طوني خليفة الذي غرّد: "ماجدة الرومي.. دمعة بحجم وطن. شكرًا لأنك تذكرينا كيف بيكون الوفا". أما النجمة كارول سماحة فكتبت: "ماجدة الرومي لا تحضر جنازة، بل تحضر ذاكرة وطن"، في حين قالت الفنانة جوليا بطرس: "الرقيّ لا يُصطنع.. هو أنتِ يا ماجدة".وتأتي هذه الموجة من الإعجاب والاحتفاء بماجدة الرومي في وقتٍ يعيش فيه الفن اللبناني حالة حزن عميقة على فراق زياد الرحباني، الرجل الذي شكّل الضمير الموسيقي النقدي لجيله، وصاحب الإرث الكبير الذي لن يُنسى في المسرح، والكلمة، والموسيقى، والموقف.يُذكر أن جنازة زياد الرحباني شهدت حضورًا رسميًا وفنيًا كبيرًا، حيث شارك فيها رئيس الوزراء نواف سلام، والنجوم راغب علامة، نجوى كرم، كارول سماحة، وغيرهم، إلى جانب آلاف المواطنين الذين تجمهروا في شارع الحمراء لتوديعه، وأمام مستشفى خوري حيث انطلق موكب التشييع في مشهد يليق بأسطورة لبنانية لا تتكرر.ولم تكن ماجدة الرومي وحدها من خطفت الأنظار، بل أيضًا الفنانة كارمن لبس التي انهارت بالبكاء ورفضت ترك النعش، لكن الحضور الملكي لماجدة الرومي منح الجنازة مشهدًا نقيًا من الهيبة والحب والتاريخ، كأنها تمثل كل امرأة لبنانية بكت زياد وكأنها تبكي وجع هذا الوطن المتعب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 7 ساعات
- مصرس
الحزن يخيم على لبنان.. رحيل صوت بيروت الثائر.. تشييع زياد الرحباني من كنيسة رقاد السيدة بحضور شعبى ورسمى.. فيروز وشقيقتها تلقيان نظرة الوداع على الجثمان.. ومحبوه يودعونه بالزغاريد والزهور.. صور وفيديو
المحديثة بكفيا تستقبل جثمان زياد الرحباني — Lebanon 24 (@Lebanon24) July 28, 2025بحضور رسمى وشعبى، شيع لبنان اليوم واحدا من أقطاب الموسيقى فى الوطن العربى ورمزًا من رموز الفن؛ إنه صوت بيروت الثائر الحزين؛ كما يطلق عليه الفنان زياد الرحبانى الذى وافته المنية ؛ صباح السبت، حيث عانى من صراع طويل مع المرض، وتحديدا من تليف حاد في الكبد.دخل الجثمان كنيسة رقاد السيدة فى بلدة بكفيا بقضاء المتن في لبنان، بحضور والدته الفنانة فيروز؛ لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان نجلها زياد الرحباني.جانب من جنازة الرحباني كما كانت شقيقة فيروز هدى حداد فى مقدمة الحاضرين في الكنيسة التي وصل إليها نعش الرحباني لإلقاء نظرة الوداع عليه قبل أن تقام الصلاة لراحة نفسه عند الساعة ال4 عصراً.كما تقدمت الحضور أيضًا سيدة لبنان الأولى نعمت عون الحضور لصلاة الجنازة إلى جانب قيادات شعبية ورسمية ورموز حزبية في لبنان. الأكاليل تُزيّن صالون كنيسة رقاد السيدة في بلدة المحيدثة – بكفيا، حيث سيُحتفَل بالصلاة لراحة الفنان الراحل زياد الرحباني بعد وصول موكب التشييع الذي انطلق من شارع الحمراء صباح اليوم — Annahar النهار (@Annahar) July 28, 2025وكانت جموع محبيه احتشدت صباح اليوم الإثنين ، أمام مستشفى خورى فى منطقة الحمرا بالعاصمة بيروت ؛ انتظارًا للحظة خروج الجثمان وبمجرد خروجه؛ انطلقت أصوات التصفيق والزغاريد وانهالت الزهور على النعش .واتجهت السيارة التى تقل الجثمان إلى بلدة بكفيا فى قضاء المتن ؛ حيث تم دفن الجثمان بعد الصلاة عليه فى كنيسة رقاد السيدة ؛ وألقت الفنانة الكبيرة الأم المكلومة فيروز نظرة الوداع على نجلها قبل أن يوارى جثمانه الثرى وتستقبل العائلة العزاء اليوم وغدًا الثلاثاء.وقالت صحيفة النهار اللبنانية إن فيروز ستودع بمفردها ابنها زياد بعد وضع النعش في كنيسة رقاد السيدة في بلدة المحيدثة- بكفيا، من دون أى حضور للصحافة والناس، وقد أعدت مدفناً خاصًا في الحديقة سيدفن فيه زياد، وليس إلى جوار والده الفنان الراحل عاصي الرحباني في انطلياس.العالم ينعى الرحبانىالزهور فى جنازة زياد الرحباني تسبب نبأ وفاة زياد الرحبانى فى صدمة كبيرة ليس فى لبنان فقط بل العالم العربى أيضًا ؛ وبرهنت حالة الحزن الجمعي على الفنان الخارق، خلال الساعات القليلة التي أعقبت انتشار الخبر الصادم بوفاة زياد الرحباني على حقيقة فنان غدا أسطورة ثالثة من عبقرية والده وموهبة والدته الأيقونية، ورمزا إسطوريا في المكانة الشعبية.ونعت قيادات لبنان ورموز العالم الوطن العربي الفنان الراحل زياد الرحبانى؛ حيث قال رئيس لبنان العماد جوزاف عون ناعيا الموسيقار الكبير زياد الرحبانى، إن زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، كان ضميرًا حيا، وصوتا متمردًا على الظلم، ومرآةً صادقة للمعذبين والمهمشين. وفق بيان لرئاسة لبنان .وأضاف عون: إن الرحبانى كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة، ومن خلال مسرحه الهادف وموسيقاه المتقدة بالإبداع المتناهي بين الكلاسيك والجاز والموسيقى الشرقية، قدم رؤية فنية فريدة، وفتح نوافذ جديدة في التعبير الثقافي اللبناني بلغ العالمية وأبدع بها.لقد كان زياد امتدادًا طبيعيًا للعائلة الرحبانية التي أعطت لبنان الكثير من نذر الجمال والكرامة، وهو ابن المبدع عاصي الرحباني وفيروز، سفيرتنا إلى النجوم، التي نوجه لها اليوم أصدق التعازي، وقلوبنا معها في هذا المصاب الجلل، تشاركها ألم فقدان من كان لها أكثر من سند، كما نعزي العائلة الرحبانية الكريمة بهذه الخسارة الكبيرة.جثمان الراحل زياد الرحباني وكتب أيضا رئيس الحكومة نواف سلام، عبر حسابه الرسمى على منصة "إكس" ، ناعياً الموسيقار زياد الرحبانى، "بغيابزياد الرحباني، يفقد لبنان فنانا مبدعا استثنائيا وصوتا حرا ظل وفيا لقيم العدالة والكرامة.أضاف سلام: جسد زياد التزامًا عميقًا بقضايا الإنسان والوطن، من على خشبة المسرح، وفي الموسيقى والكلمة، قال زياد ما لم يجرؤ كثيرون على قوله، ولامس آمال اللبنانيين وآلامهم على مدى عقود. بصراحته الجارحة، زرع وعيًا جديدًا في وجدان الثقافة الوطنية. أتقدّم من القلب بأحرّ التعازي لعائلته، ولكل اللبنانيين الذين أحبّوه واعتبروه صوتهم.نعى رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري الفنان الكبير زياد الرحباني عبر حسابه على "اكس" وكتب: "برحيل زياد الرحباني، يخسر لبنان قيمة فنية وموسيقية عالمية. احر التعازي لعائلته وبخاصة للسيدة والدته فيروز، اطال الله بعمرها".سبب موت الرحبانىجانب من الجنازة رحل الفنان زياد الرحبانى بعد صراع طويل مع المرض حيث أصيب بتليف فى الكبد ، وكان مستشفى خوري، الذي خضع فيه زياد الرحباني للعلاج، قد ذكر في بيان صحفي، أنه في تمام الساعة التاسعة من صباح السبت، فارق زياد عاصي الرحباني الحياة وقد تم إبلاغ العائلة على الفور إن القدر شاء أن يرحل هذا الفنان الاستثنائي، الذي شكل بصمة فارقة في تاريخ الفن والمسرح والموسيقى اللبنانية".وزياد الرحباني هو نجل "فيروز" والراحل "عاصي الرحباني" ويُعد أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر وبدأ مسيرته الفنية مطلع السبعينيات، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة "سهرية".وزياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، وأكثر، كان ضميرًا حيا، وصوتا متمردا على الظلم، ومرآة صادقة للمعذبين والمهمشين، حيث كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة ومن خلال مسرحه الهادف وموسيقاه المتقدة بالإبداع المتناهي بين الكلاسيك والجاز والموسيقى الشرقية، قدّم رؤية فنية فريدة، وفتح نوافذ جديدة في التعبير الثقافي اللبناني بلغ العالمية وأبدع بها".وكان امتدادا طبيعيا للعائلة الرحبانية التي أعطت لبنان الكثير من نذر الجمال والكرامة، المبدع عاصي الرحباني والسيدة فيروز، وستبقى أعمال زياد الكثيرة والمميزة حية في ذاكرة اللبنانيين والعرب، تلهم الأجيال القادمة وتذكرهم بأن الفن يمكن أن يكون مقاومة، وأن الكلمة يمكن أن تكون موقفًا، كما ستبقى موسيقاه ومسرحياته النابضة بالذاكرة والحياة، نبراسًا للحرية ونداء للكرامة الإنسانية.وولد زياد الرحباني في 1 يناير عام 1956 في بلدة أنطلياس، وهو الابن الأكبر لفيروز وعاصي الرحباني، أحد مؤسسي المدرسة الموسيقية والمسرحية اللبنانية الحديثة.ولم يظن الأبوان أبدا أن مولودهما هذا، سيتحول إلى شخصية مثيرة للجدل في عصره من خلال موسيقاه وشعره ومسرحياته، فبعد عامه السادس، اعتاد الرحباني الصغير أن يقطع دروسه المدرسية ويتابع ألحان والده ويسأله عن مقطوعاته، وقد كان عاصي أيضا يسأل زياد دائما عن كل لحن جديد يقوم به، إن كان جميلاً أم لا، وبعدما كان زياد يدندن لحناً انتهى إلى أذن عاصي، الذي سأل ابنه: " أين سمعت هذا اللحن من قبل؟!! ", فكانت إجابة الصغير: " لم أسمعه مطلقاً، بل هو يتردد في ذهني منذ حين، حينها فقط أدرك عاصي الموهبة الموسيقية لابنه، وفي عام 1967–1968 كتب أول ديوان شعري/نثري بعنوان "صديقي الله"، نشره له والده .جثمان زياد الرحباني وفي عام 1971 كان أول لحن لزياد وهو لأغنية "ضلك حبيني يا لوزية"، وفي عمر السابعة عشرة، أي في عام 1973 تحديداً قام زياد بتقديم أول لحن لوالدته فيروز وكان والده عاصي حينها في المستشفى، وقد كان مقرراً لفيروز أن تلعب الدور الرئيسي في مسرحية المحطة للأخوين رحباني، ولهذا كتب منصور (أحد الأخوين رحباني) كلمات أغنية تعبر فيها فيروز عن غياب عاصي لتغنيها في المسرحية، وألقى بمهمة تلحينها إلى زياد، وكانت تلك أغنية هي "سألوني الناس»"والتي تقول:" سألوني الناس عنك يا حبيبي... كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا بيعز عليي غني يا حبيبي... ولأول مرة ما منكون سوا سألوني الناس عنك سألوني... قلتلن راجع أوعى تلوموني غمضت عيوني خوفي للناس... يشوفوك مخبى بعيوني وهب الهوى وبكاني الهوى... لأول مرة ما منكون سوا طل من الليل قلي ضويني... لاقاني الليل وطفى قناديلي ولا تسأليني كيف استهديت... كان قلبي لعندك دليلي واللي اكتوى بالشوق اكتوى... لأول مرة ما منكون سوا".ولاقت تلك الأغنية نجاحاً كبيراً، ودهش الجمهور للرصانة الموسيقية لابن السابعة عشرة، وقدرته على إخراج لحن يضاهي ألحان والده، ولو أنه قريب من المدرسة الرحبانية في التأليف الموسيقي.كما شارك في مسرحية "المحطة" بدور الشرطي، ومثل لاحقًا في مسرحية "ميس الريم" عام 1975، وفي العام نفسه، كتب وأخرج أولى مسرحياته الخاصة "سهرية" (1973)، تلتها "نزل السرور" (1974)، ثم أعمال أكثر جرأة مثل "بالنسبة لبكرا شو؟" (1978)، و"فيلم أميركي طويل" (1980)، و"شي فاشل" عام (1983) والتي مثلت تحولاً واضحًا نحو المسرح السياسي الواقعي والنقد الاجتماعي بأسلوب ساخر .واشتهر زياد باعتماده على ما يُعرف بالجاز الشرقي، والمزج بين الارتجال الغربي والموسيقى العربية وإلى جانب أعماله المسرحية، أنتج ألبومات موسيقية لافتة تعاون فيها مع فنانين عرب كبار مثل لطيفة وسامي حواط وجوزيف صقر.ولم تقتصر مساهماته على التلحين، بل شملت توزيع أعمال مثل الأغنية الملحمية "أحمد الزعتر" لكلام محمود درويش وغناء خالد الهبر عام 1977، بالإضافة إلى توزيع "مديح الظل العالي" عام 1987، والتي نُفذت أوركستراليًا.وأهتم زياد بالمجتمع والسياسة إلى جانب الفن، فقد أطلق برامج إذاعية نقدية من إذاعة "صوت الشعب" في منتصف السبعينيات مثل: "بعدنا طيبين، قول الله" و"تابع لشي تابع شي"، التي تناولت بشكل مباشر أولى سنوات الحرب الأهلية اللبنانية.


النهار المصرية
منذ 8 ساعات
- النهار المصرية
زياد الرحباني.. موسيقى تمشي على حواف الجراح
في بيتٍ يعجّ بالفن والمسرح، وُلد زياد الرحباني عام 1956، للسيدة فيروز والراحل عاصي الرحباني. لم يكن مجرد امتداد لسلالة موسيقية عظيمة، بل كان تمردًا عليها أيضًا. عرف طريقه إلى البيانو قبل أن يعرف طريقه إلى المدرسة، وكتب أولى مسرحياته وهو في عمر العشرين. خرج من عباءة الوريث للمجد العائلي؛ ليصبح مشروعًا مختلفًا تمامًا، صوتًا غريبًا في أوركسترا مألوفة، لا يشبه أحدًا، ولا يريد أن يُشبهه أحد. زياد الوجه الآخر لبيروت.. بيروت الساخطة، الساخرة، المنهكة من الحرب، والباحثة عن معنى. لم تغره النجومية، بل اختار أن يكتب عن البسطاء، عن الفقراء، عن الحب المكسور، والسياسة المهترئة. فكان مؤمنًا بأن الفن يجب أن يزعج لا أن يجمّل، أن يُقاوم لا أن يُصفّق. "سألوني الناس".. أول نغمة في عام 1973 خرجت أولى ألحان زياد للجمهور وهو في السابعة عشرة من عمره، ليعلن عن ميلاد موهبة موسيقية ساحرة، فكانت "سألوني الناس" هي أول ألحانه التي غنتها فيروز عام 1973، في غياب عاصي إثر وعكة صحية. جاءت الأغنية محمّلة بالشجن، واللحن يحمل ما يكفي من الحساسية ليتسائل الجميع بدهشة: من هذا الصغير الذي يكتب بهذا النضج؟ الخشبة التي تحكي الحرب لم يكتفِ زياد بكونه ملحّنًا شابًا، سرعان ما دخل المسرح، والكتابة الساخرة، والسياسة، والاشتباك مع الشأن العام. كانت مسرحيات زياد السياسية/الكوميدية كـ "نزل السرور"، "بالنسبة لبكرا شو"، "فيلم أميركي طويل"، و"شي فاشل"، بمثابة نشرة أخبار بديلة. عَبر بشخصيات مسحوقة، ومواقف يومية، وشتائم لاذعة، عن مزاج الشارع اللبناني، لا كما يريد الإعلام، بل كلسان حال الشعب. فمسرح زياد الرحباني لم يكن فقط عرضًا فنيًا، بل تفريغًا جماعيًا من القهر، ومُساءلة مفتوحة للنظام، والطائفية، والفساد، والتاريخ. اليسار، السياسة، والخروج من الحلم لم يتردد في الاعتراف بانكساراته السياسية، بل وبخيبة أمله في كثير ممن كان يُعلّق عليهم آمالًا. وبهذا، ظلّ صوته مستقلًا، متمرّدًا، ورافضًا للتصنيف على الرغم من انتماء زياد للتيار اليساري، إلا انه لم يتبنى فصيل بعينه ليكون بطل لأعماله، بل انخرط في التعبير عن القضايا العمالية والفقر والتفاوت الطبقي. فكتب للإذاعة، وتحدث عن "المناضل المهزوم" كما لم يفعل أحد، لكنّه ظلّ ساخرًا من كل شيء، حتى من اليسار نفسه.. الحبّ في حياة زياد.. بين الهروب والاعتراف لم يكن زياد يومًا رومانسيًا بالمعنى التقليدي، لكنه كان عاشقًا بشراسة. فكتب "البوسطة" وهو في عمر الرابعة عشرة ليوثق حبه الخفي لمحبوبته ليلى التي استعاض عن اسمها بعالية. في مطلع شبابه تزوج من الصحفية "دلال كرم"، وأنجب منها ابنه "عاصي"، ثم انفصلا، وجمعته قصة حب طويلة بالنجمة "كارمن لبّس"، فكتب لها "بلا ولا شي" و " بنص الجو" وغيرها من الأغنيات التي وثقت عنفوان هذا الحب. فشل زياد في قصصه العاطفية لم يمنعه عن كتابة أغنيات الحب، فكانت دومًا تحمل حنينًا من نوع خاص، وكأنها موجهة لحب خسره سلفًا. يقول في إحدى مقابلاته: "أنا مش ضد الحب، بس الحب ضدّي غالبًا". قصص الحب في حياته ظلّت حاضرة في أعماله، خاصة حين يتحدث عن العجز، عن اللقاء، أو عن العتاب الطويل الذي لا يجد طريقه للنهاية. ويمكن القول إن الحب عند زياد كان مشاغبًا، عكس ما تربّى عليه جمهوره من رومانسية فيروزية. خلافه مع فيروز.. صمت يبوح بالكثير منذ أوائل التسعينات، بدأت الخلافات تطفو إلى السطح بين زياد ووالدته، كان الخلاف شخصيًا وفنيًا في آنٍ واحد. انتقاد زياد لبعض خيارات فيروز كان الشرارة التي أشعلت نيران الخلاف، حيث اعتبر أن ما تُغنيه فيروز لا يُشبه العصر، بينما هي تمسكت بمسارها الكلاسيكي، ورفضت بعض ألحانه ذات الطابع الغربي أو السياسي. عندما تجاوزت علاقة زياد الرحباني بلبنان والخروج المفاجئ للزواج، التقى بفيروز مصادفة، فسألته ببراءة: "كيفك إنت؟ عم بيقولوا صار عندك ولاد، وأنا والله كنت مفكرتك براة البلاد." شكّلت الشرارة التي أثرت لاحقًا أغنية تحمل طابع الحنين والمواجهة المنصفة بين الأم وابنها. بعد سنوات من التردد، أخفى زياد الأغنية في أدراجه لأكثر من أربع سنوات، قبل أن يقنع فيروز بها، رغم تحفظاتها الأولية. سألت بصراحة: "هيدي شو بدنا نعمل فيها؟" لكنه أصرّ، وفي النهاية غنتها السيدة فيروز عام 1991 ضمن أغنيات ألبوم يحمل اسمها. "كيفك إنت" لم تكن مجرد عمل موسيقي، بل رسالة مزدوجة: للابن، للأم، وللبنان. بنغماتها الحزينة ومفرداتها العاطفية، بدت كأنها صدى لجفاء مضمر، ومصالحة موعودة لا تُعلن. كما تُعد تحولًا لافتًا في المشهد الفني الرحباني، حيث خَلَت الموسيقى من الأساطير، وحملت الحقيقة على لسان امرأة تحزم جعبتها من الأسى والعتاب، لكن رغم النجاح الجماهيري الكبير، إذ بيعت بنسخ كثيرة وحققت انتشارًا واسعًا، بقيت الأغنية من أهم نقاط التوتر الفني بين زياد ووالدته. حيث جاءت بمثابة النقطة فاصلة في علاقتهما. موسيقاه بـ أصوات أخرى رغم ارتباط اسمه الدائم بفيروز، فإنّ زياد لحّن لعددٍ كبير من المطربين, حيث لحّن لـ جوزيف صقر صديقه وشريكه الفني الأقرب، وأعاد تقديم الفنانة التونسية لطيفة بـ ألبوم غنائي ذو تيمة موسيقية مختلفة قدمت صوت لطيفة من زاويا غير التي اعتادها الجمهور. تميز زياد الرحباني بموسيقاه المتنوعة بين الجاز، والموسيقى الشرقية، والتجريب. وحتى في أكثر ألحانه بساطة، كان يحمل توقيعه المميز: نصف ابتسامة، ونصف ناي حزين. الغياب الطويل.. والحضور المستمر في السنوات الأخيرة، ابتعد زياد عن الأضواء. لم يُصدر ألبومات جديدة، وقلّ ظهوره الإعلامي، لكنه ظلّ حاضرًا في الذاكرة. أعماله المسرحية يُعاد بثّها، تسجيلاته النادرة تُتداول على نطاق واسع، وكلماته يُستشهد بها كأنها من كتاب مقدّس للواقعية الساخرة. ابتعاده لم يكن انسحابًا، بل احتجاجًا أخيرًا من فنان رفض أن يكون جزءًا من مهرجانات التصفيق، أو أيقونة تُستَهلَك فقط. كان يكرّر: "أنا مش نجم، وما بدي كون نجم". وداعًا يا زياد.. عندما يُذكر زياد الرحباني، لا يُذكر كملحّن فقط، ولا ككاتب ساخر، بل كظاهرة. رجلٌ حمل على كتفيه إرثًا هائلًا، لكنه اختار أن يسير وحده في الاتجاه المعاكس. كان يحلم بوطن عادل، وبفنّ يقول الحقيقة بعيدًا عن التجميل. ورغم خذلان الوطن، لم يخن فنه. زياد الرحباني الفنان الفيلسوف، ربما لم يُنصفه الزمن، ولا الصحافة، ولا حتى بعض أفراد عائلته. لكنّه، دون شك، أنصف نفسه أمام مرآة الخلود.

مصرس
منذ 8 ساعات
- مصرس
ثواني بين يدي فيروز
"رأيتُ فيروز". أكتب الجملة الآن وأرتجف، كما ارتجفت حين وقفتُ وجهًا لوجه أمامها في عزاء ابنها زياد. مثل كثيرين غيري ، كنت أتخيل أن فيروز مخلوق من نور ونجوم، أسطورة لا تهبط إلى الأرض… إلا ليلًا، وفي الليالي المقمرة فقط. كان وجودها بالنسبة إليّ دائمًا بعيدًا، مُعلَّقًا فوق مدارٍ من أضواء مبهمة، أشبه بسماء نستمع إليها ولا نراها. قالت لي صديقتي ميشا مخول: "شفتها… شفتها". لم تنطق بالاسم.صرخت " مين شفتي ؟" لم تنطق بالاسم. قالت " هي هي ". وكأننا معًا لا نجرؤ على قول اسمها. كررت السؤال "شفتيها هي…هي؟!". ردّت وهي تهزّ رأسها: "إيه، شُفتها وحكيت معاها". لكنها لم تقل "فيروز"، وكأننا لا نصدّق أن فيروز تجلس لتقبَل العزاء، أن فيروز بكل أسطوريتها، على بعد خطوات من الأرض.دخلتُ صالون الكنيسة، أتهيأ لمواجهة لحظة لا أعرف إن كنت أحتملها. لحظة سأقف فيها أمام فيروز، أسطورتي. هل كنت أتصوّر أن المسافة بيني وبينها ستكون خطوة؟ أقل من خطوة؟ هل كنت أتصوّر أن أقترب منها إلى هذا الحد؟وقفت أمامها. شعرت برهبة لا تشبه أي شعور آخر، وخشيت أن يخرج صوتي متعرّجًا، متذبذبًا، قبل أن يصل إليها. كانت هناك، فيروز، بكامل حزنها المهيب، ترتدي سوادًا أكثر من الحداد ذاته، تضع طرحتها السوداء على شعرها، ترتدي نظارتها، وتجلس على كرسيّ متواضع. لكن الهيبة التي ملأت المكان فاقت هيبة الملوك والسلاطين… هيبة لا يمكن تحديدها أو وصفها أو حتى تسميتها."أنا بين يدي فيروز"… هكذا قلت في سري. وكأني أدخل مقامًا لأتلو صلوات. فيروز في حزنها المهيب، في شموخها وتواضعها معًا.اقتربت، وتمتمت بكلمات عزاء لا أعلم كيف لم يتكسّر صوتي فيها. و أنا أمامها، شعرت برغبة أن أركع عند قدميها، أن أقبّل يدها. ثم راودني صوت داخلي: "لا… دَعيها تظل أسطورتك، دعها تبقى فوق اللمس".وما زاد من رغبتي في ألا ألمسها أنني حين رأيتها عن قرب، كان بياض بشرتها صاعقًا وناصعا . للحظة ظننت أنّ خيالي يبالغ، أنني أرى هالة من نور تحيطها. سألت زملائي بصوت هامس: "هي فعلًا بيضاء البشرة هكذا؟ أم أن عيوني تتوهّم وأن الخيال يتداخل مع الحقيقة؟" فأكدوا لي أنهم أيضًا صُدموا من بياض بشرتها النوراني، بياض ناصع كوقارها، مثل دموعها التي كانت تمسحها برفق، وأنا أقرأ في إيماءة رأسها ألف كلمة لا تُقال. وكنت أتساءل: هل تشعر بكل هذا الحب والمشاعر التي نرسلها إليها؟قد يظن البعض أنني أبالغ، أنني أرفعها إلى مصافّ الآلهة. لكن الأمر ليس كذلك. نحن جيلٌ نشأ وفيروز في بيوتنا أكثر من صلاة يومية. فيروز لم تكن صوتًا فقط. كانت سماءً "ثامنة"، كانت مجرّة بعيدة نحيا فيها. من صغرنا ونحن نراها مخلوقة من ضوء النجوم ومن وجه القمر ، من وهج الشمس، من عذوبة الأنهار وغموض البحار. وحين نسمع صوتها، لا يدخل أذننا أولاً، بل يتسلل إلى أرواحنا وأحلامنا وخلايانا… إلى الDNA الخاص بنا.رحل زياد… زياد الذي أنزل فيروز من عليائها قليلًا حين جعلها تغني : "كان غير شكل الزيتون". رحل زياد، وجعلها تتجلّى أمامنا، جعلنا نلتقيها وجهًا لوجه. ، نلتقيها للحظة عاجزون فيها عن أن نواسي حرقة قلبها، وعاجزون أكثر عن كبح الرجفة في قلوبنا والقشعريرة في أجسادنا.لحظة سنظل نرتجف ونحن نستعيدها، لأننا لمسنا الحلم، لأننا لمسنا فيروز بأم العينهكذا كانت الثواني القصيرة بين يدي مولاتي فيروز: رهبة وانتعاش في القلب، وخيط ضوء في الروح لا ينطفئ.رحم الله زياد الرحباني ابن فيروز