
الهيب هوب: من أزقة نيويورك إلى مدارس المغرب؟
أثار تسريب مستند من وزارة التربية الوطنية المغربية عن تنظيم دورة في "الهيب هوب" و"البريكينغ" لأساتذة التربية البدنية موجة نقاش عاصفة، لم تهدأ بعد.
فبينما قدمت الوزارة المبادرة على أنها وسيلة لتنويع المنهج التروبي وتحديث الرياضة المدرسية، رأى آخرون أنها لا تعبّر إلا عن انقطاع إضافي عن السياق الثقافي المغربي.
بدأ كل شيء مع تداول رسالة رسمية من مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، تدعو مديري الأكاديميات في المناطق إلى ترشيح أساتذة لحضور دورة تدريبية يشرف عليها خبير دولي في الهيب هوب.
وسرعان ما انتشرت المذكرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول إلى قضية رأي عام.
الوزارة، بحسب الوثيقة، تهدف إلى إعداد مدرّبين في المناطق بفنون الحركة واللياقة، في إطار اتفاقية شراكة مع "الجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية والرشاقة البدنية والهيب هوب".
لكن كثيرين تساءلوا: هل أصبح الهيب هوب أولوية تربوية في بلد تعاني مدرسته العمومية من إشكالات هيكلية مزمنة؟
من بين أبرز الأصوات المعارضة، الباحث المغربي إدريس الكنبوري الذي وصف القرار بـ"الغريب"، لكونه، في رأيه، "يتجاهل المكونات الثقافية التي نصّ عليها دستور 2011، من عربية وأمازيغية وصحراوية وأندلسية وعبرية وإفريقية".
وقال في حديثه لبي بي سي عربي: "الوزارة قفزت على كل هذه الهويات، وجلبت رقصة أمريكية غربية، وكأن الثقافات المحلية غير موجودة، أو كأن الدستور مجرد ديكور خارجي".
الكنبوري يربط بين هذا القرار وما يراه من غياب لرؤية واضحة في السياسة التعليمية المغربية، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أن "المدرسة المغربية تتخبط منذ الاستقلال في برامج إصلاحية متلاحقة، لم تفضِ سوى إلى تراجع المردودية وتزايد الارتباك".
ويرى أن التعليم ليس مسألة "إرضاء لرغبات التلاميذ، بل وسيلة لصياغة تلك الرغبات وتهذيبها، محذراً من تحوّل المدرسة إلى امتداد للشارع إذا ما خضعت للموضات العابرة".
في المقابل، يرى المؤيدون للمبادرة أنها تعكس انفتاحاً صحياً على ثقافات العالم، وتستهدف مخاطبة الجيل الرقمي بلغته، خاصة أن الهيب هوب بات جزءاً من المشهد الفني العالمي، بعد أن خرج من حواري نيويورك ليصبح مادة للمهرجانات والمسابقات الرياضية الدولية.
لكن الكنبوري يرد بأن هذا الفن "لا علاقة له بمفهوم الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي"، واصفاً إياه بـ"الموضة" العابرة. ويقارن بينه وبين الفنون المغربية العريقة كـ"الملحون" و"العيطة" و"كناوة"، التي يعتبرها أحقّ بالتدريس لما تحمله من جذور وهوية ورسائل تربط الماضي بالحاضر.
ويضيف: "الملحون شعر مغنّى يوثّق التحولات الاجتماعية، والعيطة صرخة شعبية في وجه الظلم، أما كناوة ففن روحي ممتد من أعماق إفريقيا. هذه الفنون لا تحتاج إلى استيراد، بل إلى تأطير وتحديث ضمن مناهجنا".
إلى أين تتجه الوزارة؟
من جانبه، أوضح عبد السلام ميلي، مدير الارتقاء بالرياضة المدرسية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في حديث لـ"بي بي سي عربي"، أن فكرة تنظيم الدورة انبثقت عن اتفاقية شراكة قائمة منذ عام 1996 بين الوزارة والجامعة الملكية المغربية للرياضات الوثيرية (التي تشمل الأنشطة الحركية ذات الإيقاع كالأيروبيك والرقص التعبيري) والرشاقة البدنية والهيب هوب، والتي اقترحت تنظيم هذا التدريب بالتعاون مع خبير دولي، كما هو الحال في رياضات أخرى شملت هذا الموسم كرة الطاولة، السباحة، البادمنتون وسباق التوجيه.
وتضمّنت الدورة محاور تقنية وتربوية وتحكيمية، تتيح للأساتذة توجيه التلاميذ وفق معايير مهنية، خاصة بعد تنظيم بطولات وطنية في الهيب هوب والبريكينغ خلال الموسمين الماضيين.
وأشار إلى "أن هذه المبادرة تأتي في سياق الانفتاح على رياضات حديثة تمارس في الواقع خارج المؤسسة التعليمية، لكنها تستقطب اهتمام التلاميذ، موضحاً أن الهدف هو إدماجها ضمن عرض رياضي مدرسي منظّم ومؤطر، دون أن يشكّل ذلك بديلاً عن التربية البدنية الرسمية".
وأضاف ميلي أن هذه الأنشطة تدرج ضمن الجمعية الرياضية المدرسية، وهي أنشطة موازية واختيارية لا تدخل ضمن حصص التربية البدنية الإلزامية. وأكد أن رياضة البريكينغ أصبحت رياضة أولمبية منذ عام 2018، وستكون ضمن ألعاب باريس 2024 وأولمبياد الشباب بدكار 2026، ما يعزّز الحاجة إلى تدريب مشرفين مختصين واكتشاف مواهب قادرة على تمثيل المغرب.
أما اختيار الأساتذة، فأوضح أنه استهدف ممثلين من كل أكاديمية ممن هم منخرطون فعلياً في الرياضة المدرسية، ويبدون اهتماماً بالرياضة المستهدفة، مع التزامهم بتعميم الخبرات المكتسبة على مختلف أنحاء المملكة المغربية.
وبشأن التحفظات التي عبّر عنها بعض الفاعلين، اعتبر ميلي أن ذلك "رد فعل طبيعي"، موضحاً أن العديد من الرياضات الحديثة انطلقت من أنشطة أو سلوكيات يمارسها الشباب بشكل عفوي، خارج أي إطار مؤسساتي منظّم، ثم تطوّرت لتصبح أنشطة منظمة بقوانين وتقنيات تنقيط وتحكيم. وأضاف أن المدرسة لا تقصي هذه الظواهر، بل تعيد تأطيرها تربوياً ضمن ما يعرف في علوم التربية بـ"النقل الديداكتيكي"، الذي يحوّل سلوكاً اجتماعياً شائعاً إلى ممارسة تعليمية واضحة.
وفي ما يخصّ الفنون المغربية التقليدية، أشار ميلي إلى أن الألعاب التراثية تشكل أحد مكونات التربية البدنية ويمكن إدماجها ضمن الخطة التعليمية المعتمدة، كما أُعدّت برامج لإحياء هذا الموروث عبر مهرجانات وبطولات مدرسية وطنية.
واختتم ميلي تصريحاته بالتأكيد على أن "هذا النوع من التكوين لا يُعدّ انحرافاً عن أولويات المدرسة المغربية، بل وسيلة لتوسيع العرض الرياضي، وتحقيق الديمقراطية، واكتشاف المواهب في إطار اختياري لا يخضع للتعميم أو الإلزامية، بل يهدف إلى تمكين التلاميذ من ممارسة أنشطتهم في فضاء مؤطر وآمن".
كيف وصل الهيب هوب إلى العالم العربي؟
نشأ الهيب هوب في برونكس، نيويورك، في السبعينيات، وسط أجواء من التهميش والفقر والعنصرية. كان في جوهره حركة احتجاج ثقافي، تضمّ أربعة عناصر: موسيقى الراب، البريك دانس، فن الجرافيتي، وموسيقى الدي جي.
ومع تطور وسائل الإعلام وانتشار الإنترنت، انتقل الهيب هوب إلى مختلف أنحاء العالم. في العالم العربي، بدأ ظهوره مطلع الألفية الجديدة، أولًا في المغرب وتونس ولبنان، حيث تبنته جماعات شبابية كأداة للتعبير عن الإقصاء والبطالة والرقابة الاجتماعية.
في المغرب، ظهرت أسماء بارزة مثل "مسلم" و"ديزي دروس"، وقدّمت أعمالاً تجمع بين إيقاع الهيب هوب وقضايا الشارع المغربي. ومع الوقت، بدأت بعض المؤسسات الرسمية تواكب هذه الظاهرة من خلال دعم مهرجانات أو ورشات تأطير.
ورغم أن هذا الفن بات يحظى بجمهور واسع، لا يزال ينظر إليه – خاصة في الفضاءات التربوية – بكثير من الحذر، لما يرتبط به من رموز تمرد وأحياناً محتوى غير منضبط.
تظهر هذه القضية تصادماً أوسع بين رؤيتين لمستقبل المدرسة: الأولى ترى أن المدرسة يجب أن تواكب التحولات الاجتماعية والثقافية وتحدّث أدواتها، والثانية تحذّر من أن هذا التحديث يجب ألا يتم على حساب الهوية والخصوصية الثقافية.
الكنبوري يقترح، بدل اللجوء إلى الهيب هوب، أن تنفتح المدرسة على تراثها أولاً، عبر دعم الأندية الثقافية، وتطوير برامج في الشعر والموسيقى المحلية، وتنظيم مسابقات في الفنون المغربية التي تعاني من التهميش.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 4 أيام
- شفق نيوز
كيف تحوّلت جمجمة كرتونية إلى رمز للتحدّي في إندونيسيا؟
في مسلسل الأنمي، أو الرسوم المتحركة اليابانية، الشهير "ون بيس"، يرفع قراصنة مشاكسون أعلاماً سوداء تحمل جمجمة تعتمر قبعة قش، في مسعاهم لمواجهة نظام قمعي والنضال من أجل الحرية. لكن في يوليو/تموز، بدأت هذه الرموز بالظهور في أنحاء إندونيسيا – عند مداخل البيوت، وعلى ظهر السيارات، وعلى الجدران. بالنسبة لكثيرين، جاءت هذه الخطوة كرد على دعوة الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو المواطنين إلى رفع علم البلاد الأحمر والأبيض قبيل عيد الاستقلال في 17 أغسطس/آب. بعض الإندونيسيين اختاروا بدلاً من ذلك رفع أعلام القراصنة، المعروفة باسم "جولي روجر" الاسم التقليدي لعلم القراصنة الأسود الذي يحمل جمجمة وعظمتين متقاطعتين، كرمز لسخطهم، منتقدين ما يقولون إنه تزايد في مركزية الحكم بقيادة برابوو. غير أن هذه الحركة لم تلقَ استحسان الجميع. إذ انتقد نائب رئيس مجلس النواب الإندونيسي في الأسبوع الماضي رفع هذه الأعلام، واصفاً ذلك بأنه "محاولة لشق صف الأمة". بينما ذهب مشرع آخر إلى حد وصفها بالخيانة. نُشر "ون بيس" لأول مرة عام 1997 كـ مانغا، -القصص المصوّرة اليابانية-، من تأليف إييتشيرو أودا، ويُعد من أشهر الأعمال الفنية في العالم. وبيعت منه أكثر من 520 مليون نسخة، فيما تجاوز عدد حلقات المسلسل التلفزيوني 1,100 حلقة. وللمسلسل قاعدة جماهيرية واسعة ومخلصة في إندونيسيا، إذ تحظى الأنمي اليابانية بشعبية كبيرة. وكما يرفع القراصنة في المسلسل، بقيادة مونكي دي. لوفي (وهو شخصية خيالية وبطل "ون بيس"، ويقود طاقم القراصنة)، أعلام "جولي روجر" كرمز للحرية في مواجهة حكومتهم، يقول بعض الإندونيسيين إن رفعهم لهذه الأعلام هو "رمز لحبنا لهذا الوطن، رغم أننا لا نتفق كلياً مع سياساته". وقال علي مولانا، من سكان مدينة جايابورا في إقليم بابوا، إن الأنمي يعكس الظلم وانعدام المساواة الذي يعيشه كثير من الإندونيسيين. وأضاف لبي بي سي "رغم أن البلاد مستقلة رسمياً، إلا أن كثيراً منا لم يختبر الحرية الحقيقية في حياته اليومية". وبالنسبة له ولغيره، كان قرار رفع العلم رداً مباشراً على خطاب للرئيس برابوو في أواخر يوليو/تموز. وقال برابوو في خطابه: "ارفعوا العلم الأحمر والأبيض حيثما كنتم. الأحمر يرمز إلى الدماء التي أُريقت من أجل استقلالنا، والأبيض يرمز إلى نقاء أرواحنا". وقال ديندي كريستانتو، صاحب متجر "ويك ويك" للملابس في جاوة الوسطى، إنه تلقى "آلاف الطلبات" لهذه الأعلام بعد خطاب الرئيس. وأضاف لصحيفة "جاكرتا بوست"، وهي صحيفة إندونيسية تصدر باللغة الإنجليزية: "منذ نهاية يوليو/تموز، بدأت أتلقى مئات الطلبات يومياً من مختلف أنحاء إندونيسيا". لكن بعض كبار المسؤولين أبدوا انزعاجهم من الأمر. وصف نائب رئيس مجلس النواب، سوفمي داسكو أحمد، المعروف على نطاق واسع بأنه الذراع اليمنى لبرابوو، الحركة بأنها "محاولة منسّقة لشق صف الأمة". وقال الأسبوع الماضي: "علينا جميعاً مقاومة مثل هذه الأفعال". أما فيرمان سوباجيو، النائب عن حزب غولكار، وهو من أحزاب يمين الوسط ، فيرى أن رفع هذه الأعلام قد يُعد خيانة. لكن يوم الثلاثاء، قال وزير شؤون الدولة براسيتيو هادي إن الرئيس "لا يعارض" رفع الأعلام كنوع من "التعبير الإبداعي". وجاء في بيان صادر عن مكتبه: "لكن لا ينبغي استخدام ذلك للطعن في أهمية العلم الأحمر والأبيض أو التقليل من شأنه. ويجب ألا توضع الأعلام جنباً إلى جنب بطريقة توحي بالمقارنة أو تثير الخلاف". ولا توجد في إندونيسيا قوانين تقيّد عرض الأعلام الخيالية، لكن القانون ينص على أنه إذا رُفعت إلى جانب العلم الوطني الأحمر والأبيض، يجب أن يكون العلم الوطني مرفوعاً في موضع أعلى. وقالت الشرطة في العاصمة جاكرتا إنها "تراقب استخدام الأعلام والرموز غير الوطنية التي لا تنسجم مع روح الوطنية، بما في ذلك الأعلام ذات الطابع القرصاني أو الخيالي". "تهديد للأمن القومي" EPA تواجه الديمقراطية الإندونيسية، وهي ثالث أكبر ديمقراطية في العالم، تحديات متزايدة في السنوات الأخيرة. وتولى الرئيس السابق جوكو ويدودو السلطة باعتباره ديمقراطياً واعداً، لكنه فقد بعضاً من بريقه في أواخر ولايته الثانية، حين أعاد العمل بعقوبة الإعدام بحق تجار المخدرات، وعيّن الجنرال السابق المثير للجدل برابوو وزيراً للدفاع. وتصاعد غضب الشارع منذ أن تولّى برابوو الرئاسة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ففي فبراير/شباط، خرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على تخفيضات في الميزانية وتعديلات تشريعية تسمح للجيش بلعب دور أكبر في الحكومة. وجاء في منشور على إنستغرام حظي بانتشار واسع: "الأعلام الحمراء والبيضاء باتت مقدسة أكثر من أن نرفعها الآن". ورغم انتقادات بعض المشرعين لرفع أعلام "جولي روجر"، فإن آخرين يرون أنها شكل مقبول من التعبير الشعبي. وقال نائب وزير الداخلية، بيما آريا سوغيارطو، إن هذه الأعلام تمثّل وسيلة للناس لـ"للتعبير عن تطلعاتهم". وأضاف: "مثل هذا الشكل من التعبير ظاهرة طبيعية في ظل الديمقراطية". أما ديدي يفري سيتوروس، من حزب النضال الديمقراطي المعارض، فقال: "هذا النوع من الأفعال الرمزية أفضل من احتجاجات الشوارع التي قد تتحول إلى العنف". وبفضل الشعبية الواسعة لـ"ون بيس" بين مختلف الفئات العمرية في إندونيسيا، فإن الأعلام توفر وسيلة لـ"رفع الوعي حول القضايا السياسية بطريقة مختلفة وفريدة"، حسبما قال دومينيك نيكي فاهريزال، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وبالنسبة لبعض الإندونيسيين، فإن الرد الملتبس من الحكومة على أعلام "جولي روجر" يعكس قوة هذا الرمز. وكتب فرحان رزق الله على منصة "ميديوم"، وهي منصة نشر إلكترونية عالمية للمقالات والمدونات: "من خلال تعاملهم مع علم كرتوني كتهديد للأمن القومي، أضفوا شرعية من حيث لا يدرون على مبررات الاحتجاج برمّتها". وأضاف: "أظهروا أن حلم مونكي دي. لوفي، ذاك الطموح البسيط والثابت للحرية، هو الشيء الوحيد الذي يخشونه حقاً".


شفق نيوز
٠٥-٠٨-٢٠٢٥
- شفق نيوز
بعد إعلان تركي آل الشيخ الاعتماد الكامل على السعوديين والخليجيين، هل مصر "خارج موسم الرياض"؟
أعلن تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية، الاعتماد بشكل شبه كامل على طاقم موسيقي سعودي وخليجي، في الحفلات الغنائية بموسم الرياض. الصيغة التي كتب بها آل الشيخ منشوره على مواقع التواصل، أعطت انطباعاً باستبعاد المصريين من الموسم، لاسيما بعد أن نص على الاستعانة بالمسرح السوري، دون ذكر للمسرح المصري، الأشهر في المنطقة العربية. وجاء في منشور وتغريدة على فيسبوك وإكس قوله: "في موسم الرياض القادم، اعتماد كامل تقريباً على العازفين والموسيقيين السعوديين والخليجيين في الحفلات الغنائية". وأضاف المستشار في الديوان الملكي أن موسم الرياض سيشهد اعتماداً "شبه كامل" على المسرحيات السعودية والخليجية، مشيراً إلى الاستعانة أو "التطعيم بمسرحيات سورية وعالمية". وتباينت ردود الفعل على مواقع التواصل في مصر، فالبعض رأى في ذلك تجاهلاً للفنانين المصريين الذين لطالما أثروا المجال الفني في الدول العربية عامة، وفي الخليج خاصة. واستنتجت بعض الصفحات والمواقع المصرية أن "مصر خارج موسم الرياض" هذا العام. وتساءل البعض: هل عدم وجود الفن المصري ونجومه في الفعاليات السعودية يضر بالفن المصري أم يضر بالفعاليات السعودية؟ مشيراً إلى أن النجوم المصريين هم أصحاب" الجماهيرية الأكبر في العالم العربي". في حين رآى آخرون أن هذه الخطوة تندرج تحت بند "سعودة" مختلف المجالات، أي تحويل العاملين فيها من الجنسيات الأخرى إلى الجنسية السعودية، وهي عملية هيمنت على بعض المجالات الأكاديمية منذ سنوات عدة. وشكك بعض المصريين في نجاح موسم الرياض بدون الحضور المصري، متحدّين هيئة الترفيه ألا تستخدم الألحان والأغاني واللهجة المصرية، في إشارة إلى صعوبة تحقق ذلك. وكان قرار هيئة الترفيه فرصة استعاد فيها بعض رواد موقع التواصل موقف الفنان المصري محمد سلّام الذي رفض منذ عامين الذهاب إلى موسم الرياض، تضامناً مع حرب غزة؛ حيث رأى أنه لا يمكن للفنان أن يَضحك ويُضحك الجمهور، وعلى حدود بلده أناسٌ يُقتلون. في المقابل، كانت هناك بعض ردود الفعل المصرية التي ثمنت الخطوة ورأتها مهارة من الفنانين السعوديين الذين استفادوا من التجربة المصرية سريعاً واستطاعوا الاعتماد على أنفسهم وتقديم ما يخص ثقافتهم. وكتب إسلام لطفي "أحب جداً يكون فيه فنانين سعوديين بجد يعبروا عن ثقافتهم المحلية"، واستحسنت هند مختار الخطوة السعودية قائلة إن الرياض تبدأ تجربة الاعتماد على نفسها بعد أن جلبت إليها الخبرات، مضيفة أن "المُجنسين" ممن اكتسبوا الجنسية السعودية، سيكون لهم دور مساعد في هذا المجال. واستنكر المخرج المصري أمير رمسيس الغضب الواسع إزاء هذا القرار، قائلاً إن من حق أي دولة تنمية فنانيها والاعتماد عليهم، متسائلاً "ماذا ينقصنا لفعل الشيء ذاته؟ لماذا نتواكل على الآخر لنقدم ما لدينا؟". ورغم أن بعض التعليقات أشارت إلى أن هذه الخطوة ذات دلالة على خلاف ما بين مصر والسعودية، إلا أن المحلل السياسي السعودي الدكتور محمد الحربي، رفض وجود أزمة سياسية بين البلدين. وأكد الحربي في حديث لبي بي سي أن إعلان آل الشيخ جاء في إطار "الإضافة وتوسع المشروع [الفني] فقط لا غير؛ لأن المسرح المصري أصلاً موجود وبكثافة وعقود ممتدة".


شفق نيوز
٢٥-٠٧-٢٠٢٥
- شفق نيوز
الوشم في حياة نساء عربيات: من طقوس قديمة إلى لغة حديثة للحرية
عندما قررت رنا، فور تخرجها من الجامعة، أن تترك بلدتها الصغيرة في إحدى محافظات دلتا النيل وتنتقل إلى القاهرة بحثاً عن فرصة عمل، واجهت عاصفة من الرفض. والدها، تحديداً، رأى في خطوتها تحدياً مباشراً، ليس فقط للتقاليد التي نشأت فيها العائلة، بل له هو شخصياً، كأب ورب للأسرة. وبعد عام واحد، كانت رنا قد بدأت حياتها الجديدة في العاصمة، واستقلت مادياً ومعنوياً. لم تخبر أحداً حين توجهت إلى أحد استوديوهات الوشم في وسط البلد. اختارت كلمة واحدة فقط، نُقشت بخط عربي دقيق على معصمها الأيسر: "حرية". جذور تاريخية عميقة لكن رنا لم تكن الوحيدة التي خطّت على جسدها كلمات تؤكد هويتها وما يمثل ذاتها، فللوشم جذور عميقة في الهوية العربية. "كلما نظرتُ إلى المرآة، أتذكر جدتي"، بهذه الكلمات تصف فاطمة، وهي سيدة أمازيغية من جبال الأطلس، العلاقة العاطفية التي تربطها بالوشم الذي يزيّن ذقنها منذ طفولتها. قالت لنا "هذا الوشم نقشته لي قريبة لنا، وكانت جدتي هي من اختارته. كانت تقول لي إنّه يحميني من العين، ويزين وجهي كما تفعل الأقراط". لطالما شكّل الوشم في مجتمعات الأمازيغ والبدو وسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء، وطقس عبور اجتماعياً وجسدياً. وتشير الباحثة خديجة زيني في دراسة نشرتها في دورية دراسات شمال أفريقيا إلى أن "الوشم لم يكن مجرد زينة، بل جزءاً من نظام رمزي يُظهر موقع المرأة داخل الجماعة... كما كانت العلامات والرموز المستخدمة في الوشم أداة لحفظ الذاكرة، والتعبير عن المعتقدات، والدفاع عن الجسد من قوى الشر". وفي المجتمعات البدوية في سيناء، مثلاً كانت النساء يشمن الشفة والخدود وأطراف الأيدي، في ممارسات تتجاوز الزينة إلى ما يُشبه العلامات الطقسية. ووفقاً لما دوّنه عدد من الرحالة والباحثين الأوروبيين في أواخر القرن التاسع عشر، من بينهم جورج شتايندورف، فإن "نساء سيناء كنّ مغرمات بالوشم، يشمن الشفة والخدود وظَهر اليدين حتى المرفق، في ممارسات تجمع بين الزينة والرمز الطقسي". لكن هذه التقاليد لم تسلم من التحول. إذ ساهمت النظرة الدينية الرافضة للوشم، المستندة إلى اتجاهات فقهية تعتمد تفسيرات لحديث "لعن الله الواشمة والمستوشمة"، في تراجعه داخل هذه المجتمعات. وبمرور الوقت، خفتت مظاهره، خاصةً مع التوسع الحضري وتصاعد الخطاب الديني المحافظ. عودة بصيغة جديدة واليوم، تعود الممارسات المرتبطة بالوشم في شكل جديد، لا كتعبير جماعي قبلي، بل كفعل فردي خاص. وشمٌ لا يختار له المجتمع مكانه ولا رمزه، بل تختاره المرأة لتعلن عبره عن حريتها، ذاكرتها، أو حتى جرحها الذي اختارت أن يُرى. تقول علياء فضالي، وهي فنانة وشم مصرية، لبي بي سي: "الناس بحاجة إلى أن تفهم أن الوشم ليس مجرد رسمة على الجسم... لكنه طاقة تشجع وتداوي". بدأت علياء رحلتها مع الوشم وهي في سن المراهقة، برسم تجريبي على يديها وعلى جلد ثمار الموز. ومع الوقت، تحوّلت هوايتها إلى استوديو محترف. أما نانسي قمح، وهي فنانة وشم لبنانية، فتقول لبي بي سي إنها وجدت نفسها في هذا الفن: "كنت أحب الرسم، وأحب التصميم والإبداع... شعرت إن الوشم هو أكثر شيء يعبر عني". بدأت نانسي مسيرتها داخل صالون نسائي صغير تتعدد فيه الأنشطة التجميلية للنساء. بدأت عملها في الخارج، ثم عادت إلى بلدها لبنان، حيث قررت أن يكون الوشم هو عملها الوحيد، وأصرت على أن تكرس وقتها وجهدها للتميز فيه. وتقول نانسي إنها واجهت في البداية تشكيكاً في قدراتها لمجرد كونها امرأة، وتوضح: "الناس يعتقدون أن الرجل لمجرد أنه رجل سيكون أكثر دقة عند العمل في تنفيذ وشم يبقى على الجسم طوال العمر". غير أن ذلك لم يحبطها أو يثنيها عن عزمها، بل إنها الآن أصبحت ترسم الوشوم على أجساد الرجال والنساء على حد سواء. الحبر والندبة: الوشم بوصفه فعلاً علاجياً تتعدد دوافع النساء للحصول على وشم، لكن دوافع التشافي تتكرر بكثافة. تقول دينا، وهي فنانة وشم لبنانية، تخصص جهودها لوشم النساء فقط، لبي بي سي: "أنا لا أشعر أنني أرسم لهن وشماً فقط. أثناء جلسة الوشم أشعر أنني في جلسة علاج لمن أدق لها الوشم". وتضيف أن ألم الوشم الخفيف غالباً ما يكون دافعاً للبوح: "تشعر المرأة أنها ترتاح مع وخزات الوشم الخفيفة، تشعر أن الشيء السلبي المؤلم يخرج من جسمها ويحل محله شيء جميل". وتقول علياء: "الكثير من الناس يدقون الوشم لتغطية آثار عمليات جراحية أو حوادث. الوشم يجعلهم يستعيدون الثقة في أجسامهم ويرتدون ما يرتاحون له من الثياب". وتروي علياء عن سيدة كانت تخفي ذراعها بسبب آثار حريق، لكنها بعد الوشم استطاعت أن تكشف عن ذراعيها دون خجل. دينا أيضاً تؤكد هذا البعد العلاجي، وتستحضر حالات نساء متعافيات من السرطان، قمن بوشم مناطق في الجسد غيّرتها الجراحة أو المرض. ومن أبرز القصص التي تمثل هذه الحالة، قصة عفاف، وهي امرأة اختارت أن تضع على جسدها عبارة واحدة: "أنا بطلة حياتي". قالت عفاف لبي بي سي عن وشمها الذي رسمته نانسي قمح: "هل تعلمين، عند مشاهدة فيلم، كثيراً ما نشاهد بطلاً ينقذ الموقف والآخرين.. أنا أشعر أنني هذه البطلة، أنا أنقذت نفسي. أنا تصالحت مع ذاتي وأنقذتها، وأحقق لها أحلامها". رموز القوة: من الفينيق إلى اللوتس بين السر والعلن تختلف علاقة النساء بوشومهن؛ فبعضهن يحتفظ بها سراً، والبعض الآخر يفخر بها علناً. تقول نانسي إن النساء المحجبات كنّ من أوائل زبوناتها، لأنهن يبحثن عن فنانة وشم تفهم خصوصيتهن. تقول "أحياناً لا ترغب الفتاة المحجبة خاصة أن تعرف أسرتها أنها رسمت وشماً. أنا أحترم رغبتها ونختار موضعاً للوشم بعيداً عن الأنظار". أما علياء، فتقول إن النساء أصبحن اليوم أكثر رغبة في إظهار وشومهن، لا إخفائها. وتضيف: "الآن أصبحت أرى الناس، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، خاصة النساء، يفخرون بإبداء الوشم ويتباهون به". قصص تترك أثراً ما بعد الحبر تقول علياء: "الوشوم هدية مني لنفسي... كل وشم على جسمي يقويني ويذكرني برسالة مني لنفسي". وتضيف أن الوشم "ليس مجرد رسم على الجسد للزينة. الوشم طاقة تمنحك القوة، طاقة تقول لك إنك قادر على النهوض والمواصلة. الوشم رسالة لا تعرف كيف توصلها للناس، وتستخدم ما خُط ورُسم على جسدك لإيصالها". وفي المجمل، يبدو أن الوشم أصبح لدى قطاع من النساء العربيات أداة لبناء علاقة جديدة مع الجسد، علاقة فيها تصالح مع الألم والندوب، وفيها تأكيد على الحضور والاختيار. لا تزال بعض المجتمعات تنظر للوشم بريبة أو رفض، لكن الأصوات التي تسعى لإعادة تعريفه كفعل فردي، جمالي، وعلاجي، باتت أعلى وأكثر تأثيراً.