
من الرمال إلى السيليكون.. رحلة عُمان نحو مستقبل ذكي ومستدام
د. سعيد الدرمكي
تسير سلطنة عُمان بخطى واثقة نحو التحول من ماضي الاقتصاد الريعي إلى مستقبل الاقتصاد المعرفي، انطلاقًا من رؤية "عُمان 2040" التي تهدف إلى بناء دولة حديثة ترتكز على الاستدامة، والتكنولوجيا، وتنمية الإنسان.
إنها رحلة انتقال ملهمة من الاعتماد على الثروات الطبيعية كالنفط والغاز، إلى اقتصاد يقوم على الابتكار والمعرفة والتقنيات الرقمية، حيث تتحول عُمان من "الرمال" كرمز للمورد التقليدي، إلى "السيليكون" كرمز للتقنيات المتقدمة والتحول الذكي.
وفي إطار هذا التوجه الطموح نحو التحول الاقتصادي، تُجسّد رؤية "عُمان 2040" التزام السلطنة ببناء مستقبل ذكي ومتكامل، يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية: الابتكار، والاقتصاد الرقمي، والاستدامة. وقد حدّدت الرؤية مؤشرات أداء واضحة تهدف إلى رفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين ترتيب السلطنة في مؤشرات التنافسية والابتكار، وتعزيز موقعها كمركز إقليمي للخدمات اللوجستية والتقنيات المتقدمة.
وفي هذا السياق، حققت سلطنة عُمان تقدمًا ملحوظًا في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024، حيث جاءت في المرتبة 74 من بين 133 دولة، بحسب تصنيف المنظمة العالمية للملكية الفكرية .(WIPO) كما احتلت المرتبة 43 في مؤشر المؤسسات، والمرتبة 66 في مؤشر رأس المال البشري والبحث، وهو ما يعكس بناء منظومة وطنية واعدة ترتكز على المعرفة والابتكار كدعائم للنمو المستدام.
تسعى سلطنة عُمان إلى تفعيل رؤية "عُمان 2040" من خلال تبني نهج ممنهج لتطوير منظومة الابتكار، يشمل دعم البنية التحتية العلمية، وتحفيز البحث العلمي وريادة الأعمال.
كما تركز على إنشاء حاضنات ومسرّعات أعمال لتحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للنمو. وفي إطار هذا التوجه، تعزز الحكومة الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية لتطوير منتجات وخدمات مبتكرة تلبي متطلبات الاقتصاد المعرفي وتُعزز الاستقلالية الاقتصادية.
في الجانب البيئي، الذي يُعدّ جزءًا لا يتجزأ من رؤية المستقبل، تُمثّل الاستدامة خيارًا استراتيجيًا لعُمان، حيث تحتل الطاقة النظيفة دورًا محوريًا في مسار التحول الوطني. وقد نفّذت السلطنة مشاريع كبرى مثل محطة الدقم للطاقة الشمسية، ومشروع الرياح في ظفار، كما أطلقت منصة "هايدروم" لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر، باستثمارات تتجاوز 30 مليار دولار، مما يعكس توجهًا طموحًا نحو اقتصاد منخفض الكربون.
واستنادًا إلى مؤشر الأداء البيئي العالمي لعام 2024، حققت سلطنة عُمان تقدمًا لافتًا، حيث قفزت 95 مرتبة لتصل إلى المركز 54 عالميًّا والثاني عربيًا، في مؤشر يُصدر عن جامعتَي ييل وكولومبيا. ويُجسد هذا التقدم التزام السلطنة بالاستدامة، ضمن الاستراتيجية الوطنية للحياد الصفري بحلول عام 2050، التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات وتعزيز جودة الحياة.
في خطوة تعزز حضور سلطنة عُمان العالمي كمركز إقليمي للطاقة النظيفة، أبرمت السلطنة اتفاقيات استراتيجية مع هولندا وألمانيا لإنشاء أول ممر تجاري لتصدير الهيدروجين المُسال يربط ميناء الدقم بأوروبا. وتقود شركة هيدروجين عُمان (هايدروم) تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر، فيما تتولى شركة (أوكيو) تطوير البنية التحتية اللازمة للإنتاج والإسالة والتصدير في منطقة الدقم، دعمًا للطلب العالمي المتنامي على الطاقة المستدامة.
وفي انسجام مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، تنتهج السلطنة سياسات تهدف إلى تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، وذلك من خلال دعم مشاريع التكنولوجيا النظيفة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وإعادة التدوير، وتحلية المياه بأساليب مستدامة، بما يُعزز جودة الحياة ويحمي البيئة للأجيال القادمة.
ومع إيمان القيادة العُمانية الراسخ بأن التنمية الحقيقية تبدأ بالإنسان، جاء الشباب في قلب الأولويات الوطنية. وانطلاقًا من توجهات "رؤية عُمان 2040" والإطار الوطني لمهارات المستقبل، أُطلقت مبادرات طموحة تهدف إلى تأهيل الكفاءات الوطنية في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والتقنيات المتقدمة، والطاقة المتجددة.
قد تعززت هذه المبادرات من خلال شراكات استراتيجية مع مؤسسات تدريبية وشركات عالمية، تُرجمَت إلى ورش عمل متخصصة، وفرص تدريب عملي، ومسارات مهنية واضحة، لبناء جيل قادر على قيادة مشاريع وطنية ذات طابع استراتيجي ومردود مستدام.
وبعد استعراض هذه الجهود المتكاملة، يتّضح أن التحول الذي تشهده سلطنة عُمان لا يُعد مجرد تحديث للقطاعات الاقتصادية، بل يمثل تحولًا ثقافيًا وفكريًا عميقًا، يعكس وعيًا جديدًا بمفهوم التنمية الشاملة والمستدامة. لقد بات جليًّا أن بناء المستقبل لا يعتمد فقط على البنية التحتية أو الموارد الطبيعية، بل يرتكز على الإنسان العُماني الواعي، المتعلم، المبتكر، والمؤمن بقدرته على صناعة التغيير.
"
من الرمال نبني طموحًا... ومن السيليكون نصنع المستقبل
"
هي أكثر من مجرد عبارة؛ إنها تعبير صادق عن رؤية وطن يخطو بثبات نحو الغد، مزوّدًا بإرث من الحكمة، وطموح لا ينضب، وكوادر وطنية تصنع الفرق. عُمان لا تواكب المستقبل فحسب، بل تُعيد صياغته بأيدي أبنائها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ ساعة واحدة
- جريدة الرؤية
إرساءاتفاقية بين "أوكيو" و"دي إتش إل" لاستخدام الوقود المستدام في نقل الشحنات
مسقط- الرؤية وقّعت مجموعة أوكيو اتفاقية مع شركة دي إتش إل، تتضمن مبادرة "نحو بيئة خضراء"، تقضي باستخدام الوقود المستدام في عمليات نقل الشحنات للمجموعة من وإلى سلطنة عُمان، في خطوة رائدة تُسهم في دعم التحول إلى لوجستيات منخفضة الكربون. وتُعد هذه الاتفاقية إحدى المبادرات النوعية التي تتبناها أوكيو في إطار تنفيذ إستراتيجيتها للحياد الكربوني، حيث يعتمد المشروع على استخدام وقود طيران مستدام يتم إنتاجه من مصادر طبيعية متجدّدة مثل زيت الطهو المعاد استخدامه وقصب السكر، مما يُسهم في تقليل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 30%. ويمثّل التوقيع على الاتفاقية مع دي إتش إل خطوة إضافية نحو تحقيق أهداف أوكيو البيئية، وترسيخ مكانتها باعتبارها مؤسسة رائدة في مجال تحوّل الطاقة وتضع الاستدامة أولوية في عملياتها واستثماراتها المستقبلية، وبناء اقتصاد أخضر ومستدام. وقد فازت هذه المبادرة أخيرًا بجائزة الاستدامة، اعترافًا بأثرها البيئي الإيجابي وريادتها في تطبيق حلول نقل صديقة للبيئة في القطاع اللوجستي. وتأتي هذه المبادرة ضمن سلسلة من الجهود التي تبذلها أوكيو في مجال البيئة، حيث تعمل الشركة على تنفيذ إستراتيجية متكاملة للحياد الكربوني، تشمل اعتماد مصادر طاقة نظيفة، وتحديث منظومات النقل والتوريد، وتعزيز كفاءة الطاقة في العمليات الصناعية، إلى جانب الاستثمار في المشروعات التي تركز على الاقتصاد الدائري. يشار إلى أنَّ أوكيو وقّعت العام الماضي مذكرة تعاون مع تحالف عالمي لإجراء دراسة مشتركة لمشروع التزود بوقود السيارات والطائرات المستدام لتطوير تجارب وإثبات مفهوم إنتاج الوقود المستدام في سلطنة عُمان على نطاق تجريبي، ومدى إمكانية التوسع إلى الإنتاج التجاري في مراحل لاحقة وتقييم جدوى إقامة منشأة لإنتاج وقود السيارات الكهربائي ووقود الطيران الكهربائي المستدام، وتحديد المسار الأنسب لإنتاج الوقود الكهربائي من مصادر الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون. وتمثّل الاستدامة دعامة أساسية للقرارات الإستراتيجية والاستثمارية في أوكيو من خلال تحديد أولويات المبادرات الرامية إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، وإدارة التأثير على موارد المياه، والحفاظ على التنوع البيولوجي والبيئة، والتخفيف من آثار تغير المناخ، وحماية الموارد الطبيعية.


الشبيبة
منذ 13 ساعات
- الشبيبة
اتفاقية لاستخدام الوقود المستدام في نقل الشحنات من وإلى سلطنة عُمان
وقّعت مجموعة أوكيو على اتفاقية مع شركة "دي إتش إل" تتضمن مبادرة "نحو بيئة خضراء"، تقضي باستخدام الوقود المستدام في عمليات نقل الشحنات للمجموعة من وإلى سلطنة عُمان، في خطوة رائدة تسهم في دعم التحول إلى لوجستيات منخفضة الكربون. وتُعد هذه الاتفاقية إحدى المبادرات النوعية التي تتبناها أوكيو في إطار تنفيذ استراتيجيتها للحياد الكربوني، حيث يعتمد المشروع على استخدام وقود طيران مستدام يتم إنتاجه من مصادر طبيعية متجدّدة مثل زيت الطهو المعاد استخدامه وقصب السكر، مما يُسهم في تقليل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 30 بالمائة. ويمثّل التوقيع على الاتفاقية مع شركة "دي إتش إل" خطوة إضافية نحو تحقيق أهداف أوكيو البيئية، وترسيخ مكانتها باعتبارها مؤسسة رائدة في مجال تحوّل الطاقة وتضع الاستدامة أولوية في عملياتها واستثماراتها المستقبلية، وبناء اقتصاد أخضر ومستدام. وتأتي هذه المبادرة ضمن سلسلة من الجهود التي تبذلها أوكيو في مجال البيئة، حيث تعمل الشركة على تنفيذ استراتيجية متكاملة للحياد الكربوني، تشمل اعتماد مصادر طاقة نظيفة، وتحديث منظومات النقل والتوريد، وتعزيز كفاءة الطاقة في العمليات الصناعية، إلى جانب الاستثمار في المشروعات التي تركز على الاقتصاد الدائري. يذكر أن أوكيو وقّعت العام الماضي على مذكرة تعاون مع تحالف عالمي لإجراء دراسة مشتركة لمشروع التزود بوقود السيارات والطائرات المستدام لتطوير تجارب وإثبات مفهوم إنتاج الوقود المستدام في سلطنة عُمان على نطاق تجريبي، ومدى إمكانية التوسع إلى الإنتاج التجاري في مراحل لاحقة وتقييم جدوى إقامة منشأة لإنتاج وقود السيارات الكهربائي ووقود الطيران الكهربائي المستدام، وتحديد المسار الأنسب لإنتاج الوقود الكهربائي من مصادر الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون.


عمان اليومية
منذ 14 ساعات
- عمان اليومية
6.1 مليون ريال قيمة التداول في بورصة مسقط بدعم من القطاعين الصناعي والمالي
6.1 مليون ريال قيمة التداول في بورصة مسقط بدعم من القطاعين الصناعي والمالي أعلنت اليوم أوكيو لشبكات الغاز، عبر إفصاح لها في الموقع الإلكتروني لبورصة مسقط، عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة Fluxys SA، المجموعة البلجيكية العالمية للبنية الأساسية للطاقة، لتطوير البنية الأساسية لنقل الهيدروجين في سلطنة عُمان بشكل مشترك، وستكون ملكية وتشغيل شبكة الهيدروجين مشتركة، وبموجب الاتفاقية، ستتحمل أوكيو لشبكات الغاز 75% من التكاليف المتعلقة بتطوير بنية نقل الهيدروجين، فيما تتحمل Fluxys SA نسبة 25%. وفيما يتعلق بالتداولات، كسب اليوم مؤشر بورصة مسقط 16.2 نقطة وأغلق عند مستوى 4452.25 نقطة، وارتفعت قيمة التداول 20.6% وبلغت 6.185 مليون ريال عماني، مقارنة مع آخر جلسة تداول التي سجلت 5.130 مليون ريال عماني، كما ارتفعت القيمة السوقية 0.075% وبلغت ما يقارب 27.75 مليار ريال عماني. وصعدت أغلب القطاعات الرئيسية للبورصة عدا مؤشر قطاع الخدمات، الذي تراجع 0.30%، في حين ارتفع مؤشر القطاع الصناعي 0.72%، والقطاع المالي 0.37%، ومؤشر السوق الشرعي 0.17%. وجرى خلال جلسة اليوم تداول 53 ورقة مالية، صعدت منها 18 ورقة مالية، وتراجعت 16 ورقة مالية، فيما حافظت على مستوياتها السابقة 19 ورقة مالية، وساد توجه نحو الشراء بين شركات الاستثمار العُمانية، بينما فضّل المستثمرون غير العُمانيين البيع، وانخفض صافي الاستثمار غير العُماني إلى 320 ألف ريال عماني، بعد بيع بقيمة 772 ألف ريال عماني وشراء بقيمة 453 ألف ريال عماني. وتصدرت شركة المدينة للاستثمار صدارة الأسهم الرابحة بارتفاع سهمها 6.8% وأغلق عند 47 بيسة، تلتها الدولية للاستثمارات المالية القابضة 4.4% وأغلق سهمها عند 94 بيسة، والجزيرة للخدمات 4% وأغلق سهمها عند 175 بيسة، والأنوار لبلاط السيراميك 3.4% وأغلق سهمها عند 178 بيسة، والعنقاء للطاقة 3.2% وأغلق سهمها عند 63 بيسة. واستحوذ بنك مسقط على قيمة التداول خلال الجلسة بنسبة 18.2%، أي ما يعادل 1.126 مليون ريال عُماني، تلته أوكيو للصناعات الأساسية - المنطقة الحرة بنسبة 17.6%، أي ما يعادل 1.093 مليون ريال عماني، وأسياد للنقل البحري بنسبة 9.9%، أي ما يعادل 613.6 ألف ريال عماني، وأوكيو لشبكات الغاز بنسبة 8.8%، أي ما يعادل 546.2 ألف ريال عماني. وفي قائمة الأسهم الأكثر انخفاضًا، تصدرت القائمة مطاحن صلالة بنسبة انخفاض بلغت 9.8%، وأغلق سهمها عند 457 بيسة، تلتها كلية مجان 5.6% وأغلق سهمها عند 100 بيسة، والمها لتسويق المنتجات النفطية 5% وأغلق سهمها عند 950 بيسة، وصندوق عُمان العقاري 4.7% وأغلق سهمه عند 80 بيسة، والخليج الدولية للكيماويات 2.6% وأغلق سهمه عند 73 بيسة.