
جَلد التجربة الفلسطينية
النقاش حول جدوى العمل المسلّح الفلسطيني، ومن يمتلك قرار الحرب، وهل يحقّ لفصيل واحد أن يجرّ الساحة الفلسطينية إلى حرب طاحنة تمسّ مستقبل الشعب بأكمله، صحّي في ظلّ ظروف بالغة التعقيد. وليس من المقبول إسكات الأصوات النقدية تحت ذريعة أن الوقت غير مناسب لهذا النقاش في ظلّ الحرب الإسرائيلية، أو أن القضية تمرّ بمنعطف خطير، وكأنّها لم تكن كذلك طوال تاريخها الحديث. ولا تهدف هذه العجالة إلى الردّ على وجهات النظر التي تنتقد جدوى الكفاح الفلسطيني المسلّح، أو تزعم انتهاء دوره التاريخي، كما عبّر عنه كُتّابٌ عديدون في نقدهم تجربة "حماس" في قطاع غزّة، وذروتها "طوفان الأقصى". تهدف هذه الأسطر إلى نقاش تعميم وجه النظر هذه على مجمل تاريخ التجربة الفلسطينية الحديثة، وعدّ تجربة الكفاح الفلسطيني المسلّح من غير فائدة للقضية الفلسطينية، وأنها لم تنجز شيئاً للفلسطينيين، إنما جعلتهم يدفعون أثماناً كان يمكن تجنّبها، وكان يمكن اعتماد أساليب نضال سلمية أخرى، أكثر جدوىً من العمل المسلّح وأثمانه المرتفعة.
لم تختفِ فلسطين بعد النكبة بإعلان قيام دولة إسرائيل، بل اختفى الفلسطينيون أنفسهم تحت عنوان "مشكلة اللاجئين" أيضاً
ليس من السهل قراءة التاريخ الفلسطيني الحديث، فالتجربة الفلسطينية لم تُستكمَل بعد، وتمتاز بخصوصية استثنائية تختلف عن سائر التجارب الاستعمارية في العالم، التي انتهت منذ عقود. أمّا الفلسطينيون، فما زالوا يواجهون الاحتلال الإسرائيلي لأرضهم، ولم يتمكّنوا حتى الآن من إنجاز استقلالهم الوطني، على الرغم من نضالهم المديد. ولا يُعزَى هذا الفشل إلى تقصير من جانبهم في الدفاع عن حقوقهم، بل إلى طبيعة الخطر الإلغائي والاقتلاعي الذي واجهوه، والذي لا نظير له في التجارب الاستعمارية الأخرى، فالشعوب التي نالت استقلالها من القوى الاستعمارية نالت استقلالها بعد تراجع الاستعمار التقليدي، الذي استُبدِل بصيغ جديدة من السيطرة، لا تتطلّب وجوداً عسكرياً مباشراً. وقد ارتبط هذا التحوّل بتَحلّل النفوذ البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية، وتَسلّم الولايات المتحدة قيادة القطب الغربي في سياق الحرب الباردة. يستدعي كلّ فشل مراجعةً، ولكن ليس كلّ إخفاق ناتجاً من تقصير، فلا توجد ضمانات في الصراعات السياسية أو التاريخية تكفل أن يظفر صاحب الحقّ بحقّه. وتنطبق هذه القاعدة على الأفراد، كما تنطبق على الشعوب أيضاً، فالتاريخ يثبت أن المعتدي لا يُهزم دائماً، بل كثيراً ما تنتصر القوى المعتدية على الشعوب المظلومة، لا لعدالة القضية، بل لتفوّق ميزان القوى.
حتى لا يكون الكلام نظرياً، نعود إلى السؤال، أيّ خيارات كانت أمام الفلسطينيين طوال صراعهم الذي يمتدّ نحو قرن ونصف القرن مع المشروع الصهيوني، وهل كان الصراع حقّاً مع المشروع الصهيوني وحده؟ وما الذي كان يمكن أن يفعله الفلسطينيون أكثر ممّا قاموا به، وكان يُمكنهم من تحقيق أهدافهم بالاستقلال الوطني؟ وأيّ خياراتٍ كانت لهم بعد النكبة في ظلّ ميزان قوى مختلّ بشكل كبير لصالح إسرائيل، وزاد الخلل في ميزان القوى يوماً بعد يوم، لا مع الفلسطينيين وحدهم، بل مع الدول العربية أيضاً؟ وأكثر من ذلك، هل على الشعوب ألا تخوض صراعات تعرف أنها خاسرة؟
على مدى تاريخ الصراع، لم يصدّق الفلسطينيون أن مجموعات من اليهود قادرة على سلبهم وطنهم، لكن المسألة لا تقع هنا، إنما في ميزان القوى، الذي كان مختلاً منذ حرب العام 1948 لصالح العصابات الصهيونية، ليس في مواجهة الفلسطينيين فحسب، بل أيضاً في مواجهة التشكيلات العسكرية العربية كلّها، التي دخلت فلسطين في أثناء الحرب، حسب الوثائق الإسرائيلية، بعيداً من البعد التآمري من بعض جيوش كانت محكومةً من قيادات أجنبية. ولم تكن إسرائيل نتاج عمل المنظمة الصهيونية وحدها، وهذا المشروع ما كان يمكن أن يرى النور من دون الدعم الغربي المطلق، ومن دون "الهولوكوست" الذي دفع باتجاه حلّ "المسألة اليهودية" خارج أوروبا وعلى حساب الفلسطينيين. لا أبالغ إذا قلت إن معركة الفلسطينيين كانت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية مع طيف هائل من الدول أرادت بناء "دولة يهودية" على حساب الفلسطينيين.
لا تكفي الإرادة وحدها لتحقيق الاستقلال الوطني، في ظلّ تحالفات دولية مناهضة للحقوق الفلسطينية
لم تختفِ فلسطين بعد النكبة بإعلان قيام دولة إسرائيل، بل اختفى الفلسطينيون أنفسهم تحت عنوان "مشكلة اللاجئين" أيضاً، وأصبح العرب هم المتحدّثين باسمهم. ولم يأتِ الاعتراف العربي بالشخصية الوطنية الفلسطينية إلا بعد هزيمة 1967، وما تلاها من تجربة العمل المسلّح في أواخر الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي. ولا أظن أن أيّ فلسطيني عاقل كان يؤمن بأن الفلسطينيين، بقدراتهم الذاتية فقط، يستطيعون تحرير فلسطين أو هزيمة إسرائيل، رغم الشعارات الكبرى حول "الحرب الشعبية طويلة الأمد". ولهذا جاء الحديث عن "نظرية التوريط" في الخطاب الفلسطيني. فلم تكن تجربة العمل المسلّح الفلسطيني نموذجيةً، وقد شابتها عيوبٌ كثيرة تستحقّ النقد. كانت تجربة خارجية في دول الطوق، وانتهت فعلياً بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. بعدها انتقل الفلسطينيون إلى تجربة الانتفاضة السلمية عام 1987، ثمّ الانتفاضة المسلحة في عام 2000، فضلاً عن أساليب غير تقليدية، مثل خطف الطائرات وغيرها من الممارسات المُدانَة. تلك الوسائل كلّها لم تنجح في تحقيق الاستقلال الوطني الفلسطيني، إذ لا تكفي الإرادة وحدها لتحقيقه، خصوصاً في ظلّ تحالفات وظروف دولية مناهضة للحقوق الفلسطينية. ففي تجارب استقلالية أخرى، حصلت دول على استقلالها من دون أن تخوض جزءاً من نضالات الفلسطينيين وتضحياتهم.
ليست هذه السطور دعوة إلى الكفاح المسلّح، ولا دفاعاً عن أيّ عمل عسكري مثل "طوفان الأقصى"، بل هي دعوة إلى الكفّ عن جَلد التجربة الفلسطينية، وعن تحميلها فوق ما تحتمل، حتى لا يتحوّل النقد إلى كراهيةً للذات، أو إنكاراً للفعل التاريخي الفلسطيني. فالإخفاق في تحقيق الأهداف الوطنية، في ظلّ اختلال صارخ في ميزان القوى، لا ينبغي أن يثني عن مواصلة المطالبة بالحقوق، باستخدام الوسائل التي تكفلها الشرعية الدولية. فلم يكن على الفلسطينيين أن يسكتوا عن سلب وطنهم، خاضوا معاركهم، حتى عندما كانت معاركَ خاسرةً ومفروضةً عليهم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 ساعات
- BBC عربية
حماس تقول إنه "لا توجد" مفاوضات حالياً، وأكثر من " 100 ألف طفل" يواجهون خطر الموت الجماعي في غزة
صرّح قيادي بارز في حركة حماس وعضو في مكتبها السياسي لبي بي سي بأنه "لا مفاوضات حالياً" بشأن مقترحات الهدنة في غزة وتبادل الرهائن مع إسرائيل، في ظل انسحاب ممثلي الولايات المتحدة وإسرائيل من مفاوضات الدوحة مؤخراً. وأضاف المصدر، أن الوسيطين المصري والقطري كانا قد أبلغا الحركة، قبل ما وصفه بـ"التصريحات السلبية"، بأن الوفود ستعود لاستئناف التفاوض بداية هذا الأسبوع، لكن لم يطرأ أي جديد حتى الآن. بدوره، قال القيادي في حركة حماس طاهر النونو، السبت، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "صادمة للجميع"، مطالباً الإدارة الأمريكية بالكف عن التحيُّز لإسرائيل التي اتهمها "بتعطيل أي اتفاق" لوقف إطلاق النار في غزة. وأضاف النونو، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحماس، لوكالة فرانس برس أن تصريحات ترامب ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف "شكّلت صدمة كبيرة للجميع". وقال ترامب الجمعة إن "حماس لم تكن ترغب حقاً في إبرام اتفاق. أعتقد أنهم يريدون أن يموتوا. وهذا أمر خطير للغاية". من جانبه، حمّل ويتكوف حماس مسؤولية فشل المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل والتي شارك فيها في الدوحة إلى جانب مسؤولين قطريين ومصريين. وقال ويتكوف إن "حماس لا تبدي مرونة أو تعمل بحسن نية". وقال النونو من جانبه "نطالب بوقف الانحياز الأمريكي (لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو) الذي يُعطّل أي اتفاق ويواصل العدوان والتجويع في الحرب المدمرة التي تجاوزت 21 شهراً في القطاع المحاصر الذي يفتك الجوع بأهله". وأضاف أن تصريحات ترامب "مستغربة جداً لأنها تاتي بعدما حصل تقدم في بعض ملفات التفاوض". وأوضح "حتى اللحظة لم نبلغ بوجود أي إشكالية بشأن أي ملف من ملفات التفاوض ( حماس والفصائل الفلسطينية) تعاملت بإيجابية مطلقة ومرونة كبيرة مع جهود الوسطاء الذين أبدوا ارتياحاً وأشادوا بها". وأكد جهوزية حماس "لمواصلة المفاوضات واستكمالها بجدية". هل تكفي الإدانات الدولية لوقف المجاعة في غزة؟ وقال مسؤول قريب من المفاوضات أنّ ردّ حماس "تضمّن المطالبة بأن تنسحب القوات الإسرائيلية من التجمعات السكنية وطريق صلاح الدين (الواصل بين شمال القطاع وجنوبه)، على أن يكون أقصى عمق لتمركزها هو 800 متر في كافة المناطق الحدودية الشرقية والشمالية للقطاع". كما طالبت حماس "بزيادة عدد المفرج عنهم من السجناء الفلسطينيين من ذوي المحكوميات المؤبدة والعالية مقابل كل جندي إسرائيلي حي يُطلق سراحه من بين الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة". "لا دليل على أن حماس سرقت مساعدات الأمم المتحدة" كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية "عدم وجود أي دليل على أن حماس سرقت مساعدات الأمم المتحدة بشكل روتيني"، وفق ما نقلته عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين. ومنذ ما يقرب من عامين، اتهمت إسرائيل حماس بسرقة المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، وقد استخدمت الحكومة هذا الادعاء مبرراً رئيسياً لتقييد دخول الغذاء إلى غزة، وفق الصحيفة. "ولكن الجيش الإسرائيلي لم يعثر قط على دليل على أن حماس سرقت بشكل منهجي المساعدات من الأمم المتحدة، أكبر مزود للمساعدات الطارئة إلى غزة خلال معظم فترة الحرب"، وفقاً لما صرح به مسؤولان عسكريان إسرائيليان كبيران وإسرائيليان اثنان آخران على صلة بالأمر للصحيفة. وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إن "نظام تسليم المساعدات التابع للأمم المتحدة، والذي استهزأت به إسرائيل وقوّضته، كان فعّالاً إلى حد كبير في توفير الغذاء لسكان غزة اليائسين والجوعى". وقال المسؤولون العسكريون، إن "عملية الإغاثة الأصلية للأمم المتحدة كانت موثوقة نسبياً وأقل عرضة لتدخل حماس، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن الأمم المتحدة كانت تدير سلسلة إمدادها بنفسها وتتولى التوزيع مباشرة داخل غزة". وقالت الصحيفة إن "حماس سرقت بالفعل من بعض المنظمات الصغيرة التي تبرعت بالمساعدات، إذ لم تكن هذه المنظمات متواجدة دائماً على الأرض للإشراف على التوزيع، وفقاً للمسؤولين الإسرائيليين، لكنهم يقولون إنه "لا يوجد دليل على أن حماس سرقت بانتظام من الأمم المتحدة، التي كانت تُقدم الجزء الأكبر من المساعدات". ولم يستجب ممثل حماس على الفور لطلبات التعليق. "مقتلة جماعية مرتقبة بحق 100 ألف طفل لانعدام الحليب" حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة "من كارثة إنسانية غير مسبوقة وشيكة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة تتمثل بمقتل عشرات آلاف الأطفال بسبب سوء التغذية"، وفق تعبيره. "أكثر من 100 ألف طفل أعمارهم من عامين، بينهم 40 ألف طفل رضيع أعمارهم أقل من عام واحد يواجهون خطر الموت الجماعي الوشيك خلال أيام قليلة، في ظل انعدام حليب الأطفال واستمرار إغلاق المعابر"، وفق المكتب. وقد سجلت المستشفيات والمراكز الصحية خلال الأيام الأخيرة، وفق المكتب، ارتفاعاً يومياً بمئات حالات سوء التغذية الحاد والمهدد للحياة، دون أي قدرة على الاستجابة أو العلاج بسبب شبه الانهيار للقطاع الصحي وانعدام الموارد الطبية والغذائية، فيما بلغ العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 122 حالة وفاة، من بينهم 83 طفلاً. وحمّل المكتب "الاحتلال الإسرائيلي والدول المنخرطة في الإبادة الجماعية المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة الوشيكة، ونحذّر من أن استمرار الصمت الدولي هو تواطؤ صريح في الإبادة الجماعية للأطفال في غزة".


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
رؤية دنماركية: لحظة هيروشيما في غزة
في مقال تحليلي نُشر أمس الجمعة على موقع ( قدّم الكاتب والمؤلف الدنماركي جون غراوسغورد مقارنة لافتة بين قصف غزة اليوم وتفجير القنبلة الذرية في هيروشيما عام 1945، محذراً من أن الحروب الحديثة ، التي تدار عبر الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأقمار الصناعية، ألغت كلياً التمييز بين الجندي والمدني. يرى غراوسغورد أن القنابل التقليدية التي تزود بها الولايات المتحدة حلفاءها، ومنها قنابل ضخمة تزن حوالي ألفي رطل زُوّدت بها إسرائيل ، تقترب في قدرتها التدميرية من "القنابل الذرية الصغيرة". ويؤكد أن غزة تحولت إلى ما يشبه "لحظة هيروشيما"، إذ أصبح اللامعقول أمراً اعتيادياً، و"قتل المدنيين باسم الضرورة العسكرية" امتدادٌ لإرث قديم يعيد إلى الأذهان مشاهد الإبادة من ناغازاكي وهيروشيما، مشدداً على أن من لا تروقه المقارنة يمكنه النظر إلى تدمير دريسدن وهامبورغ. الصورة دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على غزة، 24 يوليو 2025 (رويترز) وذكر الكاتب أن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما قتلت 70 ألف شخص على الفور، و70 ألفاً آخرين لاحقاً. حينها، احتُفي بها بوصفها وسيلة "ضرورية" لإنهاء الحرب، رغم أنها أصبحت رمزاً للشر البشري. واليوم، بحسب غراوسغورد، تُستخدم الحجة ذاتها في تبرير المجازر في غزة: "لأننا نستطيع، سنفعل"، منبهاً إلى أن التكنولوجيا لم تجعل الحروب أقل دموية، بل زادت من فعاليتها التدميرية. أسلحة ذكية، طائرات مسيّرة، وبرمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، جميعها تُستخدم اليوم في غزة من دون اعتبار لتكلفة بشرية باهظة. ويتابع الكاتب: "اليوم، تواصل إسرائيل هذا النوع من الحرب الشاملة في غزة، حيث تحاول حركة مقاومة مسلحة الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد الاحتلال"، مؤكداً: "يكفي الاشتباه بوجود مقاوم في مبنى لتحويله إلى أنقاض... وجميع السكان ضحايا". ويضيف أن عمليات قصف قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تُنفذ ضمن منطق "هيروشيما الجديد" الذي يدمر بشكل ممنهج من دون اعتبار المجتمع المدني "مقتنعين بأن القصف ضروري لأنّ الإمكانية التقنية موجودة"، وهذا ما يسميه "تعصباً تقنياً" يتم فيه اختبار أسلحة جديدة على بشر حقيقيين من دون شعور تجاه منفذيها أو بمن يدعمهم سياسياً. رصد التحديثات الحية شهادات جنود إسرائيليين لصحيفة دنماركية: أوامر بالقتل العشوائي يشير غراوسغورد إلى تحول الحرب إلى "مختبر" فعلي لاختبار أسلحة ذكية، تدمّر مناطق كاملة بسرعة مذهلة، فيما يتم تغييب العامل البشري عن اتخاذ القرار. ويستشهد بمقال للباحث الأميركي ويليام هارتونغ على موقع (TomDispatch)، يحذّر فيه من أن الأسلحة الموجهة بالذكاء الاصطناعي تتيح تدمير أهداف مدنية بسرعة غير مسبوقة، وتُسند قرارات القتل إلى خوارزميات مبرمجة مسبقاً. ويُسلط الكاتب الضوء على دور الشركات الأميركية الخاصة في هذا المسار، خصوصاً شركة "بالانتير" (Palantir)، المملوكة للملياردير بيتر ثيل، ورئيسها التنفيذي أليكس كارب. هذه الشركة، بحسب غراوسغورد، على علاقة وثيقة بالبنتاغون والحكومة الإسرائيلية، وتقدم تقنيات تُستخدم حالياً في استهداف الأحياء المدنية في غزة. ويستشهد بتصريح نُسب إلى كارب، مفاده أن الولايات المتحدة في حاجة إلى "مشروع مانهاتن جديد" لتطوير الذكاء الاصطناعي العسكري، يضمن سيطرة الغرب على "أسلحة القرن"، مثل أسراب الطائرات المسيّرة وأنظمة الاستهداف الآلي. يعتبر غراوسغورد أن هذه المقاربة تُعيد إنتاج عقلية عنصرية، ترى في شعوب العالم "الأدنى" مادة قابلة للإبادة. فكما لم يُبدِ الغرب في الحرب العالمية الثانية تعاطفاً كبيراً مع المدنيين اليابانيين كما فعل مع ضحايا جرائم النازية في أوروبا، يتجاهل اليوم ما يجري في غزة، متذرعاً باعتبارات أمنية أو تحالفات استراتيجية. ويضيف ساخراً: "حتى رائحة اللحم البشري المحترق لم تعد تزعج منفذي الضربات أو داعميهم السياسيين". إعلام وحريات التحديثات الحية صحيفة دنماركية تنشر صور أطفال غزة: "كي لا يقال لم نكن نعلم" في هذا السياق، يشير الكاتب إلى أن إسرائيل، وفق تقارير عدة، تستخدم أنظمة مثل "Habsora" لتحليل المعلومات وتسريع اتخاذ القرار في قصف الأهداف، ما يجعل العمليات أكثر "فعالية"، ولكن أقل مراعاة لأي بُعد إنساني. وأمام هذه الأتمتة المتوحشة للحرب، يحذر غراوسغورد من تلاشي الضمير الإنساني، ومن تحوّل الضحية إلى رقم في قاعدة بيانات حربية. ويختتم الكاتب باقتباس من المفكر الأميركي هنري جيرو، نشره في مجلة (Monthly Review)، قال فيه: "امتلاك المعرفة والنقد والاستعداد للنضال من أجل عالم أفضل يتطلب شجاعة هائلة... في مثل هذه الأوقات، وكما أشارت حنة أرندت، أصبح التفكير بحد ذاته مخاطرة". ثم يعلق غراوسغورد بأن غزة اليوم ليست فقط ميدان معركة، بل مرآة لعصر يختفي فيه الإنسان خلف لوغاريتمات القتل، وتصبح التكنولوجيا سلاح إبادة ممنهجاً.


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
علماء كردستان إيران يصدرون فتوى للجهاد دفاعاً عن غزة
أصدر علماء السنة في محافظة كردستان غربي إيران فتوى تدعو لـ"الجهاد" دفاعاً عن سكان غزة في مواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية وسياسة التجويع التي أدخلت القطاع المحاصر بمرحلة مجاعة قاتلة. جاء ذلك في مؤتمر جماهيري حاشد عُقد داخل مسجد قباء، أكبر مساجد مدينة سنندج عاصمة المحافظة، بحضور عدد كبير من العلماء الكرد ولفيف من الناشطين والجمهور. وأكد العلماء المشاركون أن "الجهاد الدفاعي ضد الكيان الصهيوني المعتدي، الذي يمعن في قتل الأطفال والنساء، هو واجب شرعي على كل الأمة الإسلامية"، معتبرين أن الصمت والتقاعس عن نصرة غزة يبقى "خيانة تاريخية لا تُغتفر". وأضافت فتوى علماء كردستان إيران أن "المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس والمجاهدين الفلسطينيين، سيبقون رمزاً لعزة الأمة وخط الدفاع الأول عن كرامتها". الصورة مؤتمر في كردستان إيران لنصرة غزة، 26 يوليو 2025 (العربي الجديد) وشدد بيان الفتوى على أن "الصمت واللامبالاة تجاه هذه المجازر يعدان جريمةً لا تغتفر وخيانة تاريخية"، مؤكداً أن "إيمان أهل غزة ومقاوميها وصبرهم وثباتهم يمثل حجة دامغة على الضمائر الغافلة، وإنذاراً لكل المسلمين حول العالم". ودعت الفتوى الأمة الإسلامية إلى "اليقظة والنهوض العاجل، وجعل المساجد منصات لإحياء الوعي ودعم القضية، ورفض التطبيع مع الاحتلال ومقاطعة بضائع الكيان الصهيوني وأعوانه". كما دعت لتوظيف المنابر الدولية والإعلامية في "حشد الشعوب وتحريك الضمائر"، مشددة على أن "دعم فلسطين اختبار إلهي لمدى إخلاص المسلمين للعدالة وبرهان على التضامن الإسلامي". وحذرت الفتوى "الحكام والدول المطبّعة" مع إسرائيل من عواقب "المواقف المرتجفة"، مؤكدة أن "التاريخ سيشهد عليكم، والأمة الإسلامية لن تغفر خيانة القدس الشريف. إن غضب الله وصحوة الشعوب ستطاردكم عاجلاً أم آجلا". وطالب العلماء المنظمات الدولية والأممية والحقوقية، ومنظمة التعاون الإسلامي، بالخروج عن صمتهم "المميت" واتخاذ خطوات عملية وقانونية عاجلة للانتصار لغزة، رافضين الاكتفاء بالبيانات "الفارغة" في مواجهة الإبادة الجماعية التي يشهدها القطاع. وشهد المؤتمر كلمات مؤثرة لعدد من العلماء؛ إذ دعا ماموستا أيوب غنجي إلى "بذل الغالي والنفيس لنصرة غزة"، وأدان صمت الحكام والمجتمعات الإسلامية والعربية، مشيرا إلى أن شعب غزة "يسجل أسمى معاني التضحية والثبات بينما يمعن الاحتلال في جرائمه". أما العالم عبد الجبار لطفي، فشدد على ضرورة التوحد لنصرة غزة وكسر الحصار، مُشيداً بصمود أهلها "الأسطوري"، بينما ركّز العالم فؤاد محمدي على وحشية الحرب الإسرائيلية ومسعاها لإبادة شعب بأكمله، منوهاً بصبر الفلسطينيين وقدرة مقاومتهم على إرباك الحسابات الإسرائيلية وتكبيدها الهزائم رغم عامين من حرب الإبادة. تقارير عربية التحديثات الحية تهديدات ترامب لـ"حماس".. انقلاب أميركي إسرائيلي على مباحثات غزة وشارك في المؤتمر عبر رسالة مسجّلة من غزة الشيخ فیصل سهیل مزید، عضو رابطة علماء فلسطين وأمين سر المؤسسات العاملة للقدس والمسجد الأقصى، إذ أكد ثبات أهل غزة رغم ما يحيط بهم من جوع ومجازر، داعياً علماء الأمة عامة لقيادة نهضة جماعية نصرة لغزة والقدس. من جانبه، عبّر المستشار علاء الدين العكلوك، رئيس التجمع الوطني للقبائل والعشائر الفلسطينية، عن شكره لعلماء كردستان إيران، مُستذكراً الروابط التاريخية الممتدة بين غزة وكردستان من زمن القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي. وتوجّه العكلوك لعلماء ومفكري الأمة بتساؤل: "أين أنتم مما يجري على أرض فلسطين؟ أطفالنا يُذبحون، نساؤنا تُهان، أرضنا تُغتصب، ومساجدنا تُدنس، والعالم يلوذ بصمته المرير". واختتم المؤتمر بكلمة لخطيب الجمعة في مسجد قباء، ماموستا أحسن حسيني، مزج فيها بين البيان الشعري والوصف الواقعي لمظلومية أهل غزة وجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وسط تفاعل الحضور بالأناشيد التي تمجد المقاومة وتدعو لنصرة فلسطين من كل الأعراق والقوميات الإسلامية.