
رسومات فيكتور هوغو في لندن: تحويل المنفى إلى عالم سحري
روائعه الأدبية
، مثل "البؤساء" و"أحدب نوتردام"، أو ربما صورته بوصفه رمزاً للنضال السياسي من أجل العدالة والحرية. لكن قلة تعرف أنه كان يمسك بالقلم ليرسم كما كان يمسكه ليكتب، مُبدعاً عوالم من الظلال والأحلام التي قد تُثير الدهشة ذاتها التي تُثيرها شخصياته الأدبية. هذا الجانب المغمور من حياة هوغو هو ما يُسلط عليه الضوء الآن في معرض "أشياء مدهشة: رسومات فيكتور هوغو" Astonishing Things: The Drawings of Victor Hugo الذي تستضيفه الأكاديمية الملكية للفنون في لندن حتى 29 يونيو/حزيران المُقبل. المعرض الأول من نوعه في بريطانيا، يكشف عن 70 عملاً فنياً نادراً، تراوح بين
الرسومات السريعة
والتجارب التجريدية الغامضة، مروراً بتخطيطات للقلاع القوطية التي تذكرنا بأجواء رواياته الشهيرة.
وُلد فيكتور هوغو (1802 - 1885) في عصر كانت فيه فرنسا تتأرجح بين الثورات والاستبداد، وكان هو نفسه شاهداً على تحولاتها الجذرية. لكن المنفى الذي فرضه على نفسه في جزيرة غيرنزي بعد انقلاب نابليون الثالث عام 1851، لم يكن مجرد عزلة سياسية، بل كان أيضاً مساحةً للإبداع البصري. هناك، بعيداً عن صخب باريس، تحول منزله إلى ملاذ قوطي، زينه بلوحات ومرايا رسم عليها طيوراً ملونة، كما لو كان يسعى لتحويل المنفى إلى عالم سحري. في تلك الفترة، أنتج هوغو بعضاً من أعمق رسوماته؛ بين هذه الرسومات تبرز لوحة بعنوان "هذا هو القانون" التي تصور جثةً مُعلقةً، وقد رسمها احتجاجاً على عقوبة الإعدام. وفي لوحة أخرى بعنوان "الرصيف"، يُجسد طريقاً صخرياً قاحلاً، ربما عكس مشاعر العزلة التي كان يشعر بها في منفاه. كانت هذه الأعمال بمثابة يوميات مرئية، لا تتبع قواعد الفن الأكاديمي، بل تتحرر كما تحرّرت كتاباته من القيود.
علوم وآثار
التحديثات الحية
كنوز غزة... أسئلة مفتوحة عن الذاكرة والتراث
ما يُميّز رسومات هوغو، تنوعها الشكلي والتقني، فبينما يبدو بعضها خربشات عابرة أو ما كان يسميها هو نفسه بقعاً لونية، نراه في
لوحات
أخرى يصور عوالم سوريالية غارقة في الخيال. في إحدى هذه اللوحات، نرى نباتاً عملاقاً يشبه كائناً بشرياً. وفي لوحته "القلعة الطافية" تذكرنا خطوطه القاتمة والمتشابكة بأجواء كافكا. لكن الأكثر إثارة هنا، هو الكيفية التي وظف بها فيكتور هوغو مواد بسيطة مثل الحبر والفحم والغواش لخلق تأثيرات درامية على مساحات صغيرة للغاية. في لوحته "المنتزه المهجور"، التي لا يتجاوز حجمها 4.4 سم، يستحضر هوغو غابةً شبحية تنعكس على بحيرة صغيرة، بينما في رسمته "منارة غيرنزي"، يبني عالماً ضخماً من الأمل عبر درج حلزوني هش يُؤدي إلى نور سحري.
يطرح المعرض تساؤلات عميقة عن الطبيعة الفريدة لرسومات فيكتور هوغو التي تميزت بحسّ سوريالي مدهش، سبق به حركة السوريالية بقرن. وصف فان غوخ هذه الأعمال بالمدهشة، بينما يرى النقاد اليوم أن بعض تجاربه التجريدية تسبق بأشواط أعمال فرانسيس بيكون في القرن العشرين. لكن المفارقة تكمن في أن هوغو نفسه لم يكن منشغلاً بالأطر الفنية السائدة في عصره. فبينما كان الانطباعيون يقلبون موازين الفن الأكاديمي، ظل هو يسبح في تيارات خياله الخاص، متحرراً من القيود. هذا التحرر المطلق، وهذا الإصرار على اتباع الرؤية الداخلية من دون التفات إلى الاتجاهات الفنية السائدة، ما يجعل أعماله تبدو اليوم حديثة وعابرة للزمن، وكأنها من إبداع فنان معاصر.
تُجسّد هذه الرسومات التي أبدعها فيكتور هوغو شغفه العميق بالعمارة وتصويره للقلاع و
المباني التاريخية
كائناتٍ أسطورية تراوح بين الحلم والكابوس. لكن هذا الشغف لم يكن مجرد انبهار جمالي بالتفاصيل المعمارية، بل كان لغة بصرية يعبّر من خلالها عن صراعه الأزلي مع السلطة والقمع. من ناحية أخرى، تبدو هذه الرسومات أيضاً كامتداد بصري لرؤيته الأدبية والفكرية، فكما كتب عن القهر والمقاومة في البؤساء، رسم القلاع ليست بوصفها معالم معمارية فحسب، بل وحوشاً حجرية ترمز إلى القمع والهيمنة.
يكشف لنا هذا المعرض كيف أن فيكتور هوغو لم يكن مجرد روائي موهوب أمسك بالفرشاة في أوقات الفراغ، بل كان فناناً شاملاً وإنساناً جسّدت حياته وأعماله بحثاً لا يكل عن الحرية. سواء عبر كلماته التي منحت صوتاً للمهمشين، أو خطوطه التي احتضنت آلام المعذبين، ظل هوغو شاهداً على عصره وفناناً يتجاوز زمانه، يذكرنا بأن الفن هو دائماً رسالة إنسانية قبل أن يكون مجرد جماليات شكلية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 23 دقائق
- البيان
شبيه عملاق لكوكب الأرض
اكتشفت وكالة ناسا كوكباً غامضاً يشبه «الأرض العملاقة» ويبعث إشارات متكررة من بعد 154 سنة ضوئية. ويعرف هذا الكوكب باسم TOI-1846 b، ويبلغ حجمه ضعف حجم الأرض، وكتلته 4 أضعافها. ويدور حول نجم قزم أحمر صغير وبارد في مدار ضيق يستغرق حوالي 4 أيام فقط. وبالرغم من أن درجة حرارة سطح الكوكب تقدر بحوالي 600 درجة فهرنهايت (316 درجة مئوية)، فإن العلماء لا يستبعدون وجود ماء عليه.


البيان
منذ 23 دقائق
- البيان
«تنفيذي الشارقة» ينظم مزاولة الأنشطة والمهن الصحية
واطلع المجلس على تقرير الحساب الختامي لسنة 2024، والذي يستعرض النتائج المالية الفعلية والمصروفات والإيرادات للدوائر والهيئات الحكومية والمستقلة في إمارة الشارقة للسنة المالية 2024. وعلى المهنيين العاملين بتلك المنشآت، ولا تطبق أحكامه على المنشآت الصحية التابعة للجهات الحكومية الاتحادية، التي تزاول أنشطتها الصحية في الإمارة.


صحيفة الخليج
منذ 23 دقائق
- صحيفة الخليج
بولندا تحتج لدى الفاتيكان على تصريحات أسقفين بشأن الهجرة
وارسو- أ ف ب أعلنت الحكومة البولندية الثلاثاء أنها قدّمت احتجاجاً للفاتيكان بعدما انتقد اثنان من الأساقفة سياسات الهجرة التي تتبناها وارسو. وذكرت بولندا أن الأسقفين المقربين من الحركات القومية في البلاد تدخّلا في السياسات الداخلية ويضرّان بالعلاقات مع ألمانيا. وقالت وزارة الخارجية البولندية في رسالة موجهة إلى الفاتيكان نقلها السفير البولندي لدى الكرسي الرسولي «لا نوافق على البيانات التي تتضمن كلمات مؤذية وغير مقبولة تقوّض المبادئ الأساسية للكرامة الإنسانية وسيادة جمهورية بولندا». والأسبوع الماضي، عبّر الأسقف أنتوني دغوش من تشينستخوفا علناً عن تأييده لحركة «الدفاع عن الحدود» القومية المتشددة التي تنظم «دوريات من المواطنين» عند الحدود البولندية الألمانية تعتبرها الحكومة غير قانونية. وأعادت بولندا مؤخراً فرض ضوابط حدودية مع ألمانيا للحد من الهجرة غير الشرعية، لكن المعارضة القومية واليمين المتشدد يتهمان الحكومة المؤيدة لأوروبا بالخضوع لألمانيا في ما يتعلق بالهجرة والسماح لبرلين بإغراق بولندا بالمهاجرين. من جانبه، وصف فيسواف ميرنغ، أسقف فوتسوافك، الحكومة بأنها بمثابة «عصابات سياسية» ونقل قول شاعر بولندي من القرن السابع عشر إنه لا يمكن للبولنديين والألمان أن يتفاهموا يوماً. وشبّه ما يحدث عند الحدود مع ألمانيا بالوضع مع بيلاروسيا. واتُّهمت حكومتا بيلاروسيا وروسيا بتشجيع المهاجرين على عبور الحدود لزعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي. وقال ميرنغ إن «حدود بلادنا مهددة بشكل متساو من الغرب والشرق». أما رسالة الخارجية إلى الفاتيكان والتي عبرت فيها عن «استيائها الشديد»، فاعتبرت أن هذه التصريحات «غير المقبولة.. تقوض العلاقات الجيدة بين بولندا وألمانيا وتشوه سمعة الحكومة وتمثّل دعماً واضحاً للأوساط القومية».