logo
خيارات الحكومة السورية بعد مؤتمر "قسد" المفاجئ

خيارات الحكومة السورية بعد مؤتمر "قسد" المفاجئ

الجزيرةمنذ 7 أيام
يثير المؤتمر الذي رتبه على عجل قادة "قوات سوريا الديمقراطية" "قسد"، العديد من التساؤلات حول توقيته، والغاية منه، والرسائل التي يريدون توجيهها للحكومة السورية وللعالم.
حيث إن المؤتمر لم تقتصر أهدافه، حسبما كان معلنا، على توحيد موقف المكونات في المناطق التي تسيطر عليها "قسد" في الجزيرة السورية، بل تعداه إلى إشراك طرفين مناوئين للحكومة السورية، هما الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، ورئيس المجلس العلوي الأعلى في سوريا غزال غزال، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة السورية، واعتبرته "تصعيدا خطيرا"، ويشكل ضربة للعملية التفاوضية الجارية معها.
لذلك قررت عدم المشاركة في اجتماعات مقررة في باريس، وعدم الجلوس "على طاولة التفاوض مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام المخلوع تحت أي مسمى أو غطاء".
وبالتالي فإن جولة المفاوضات التي كانت مقررة في باريس أضحت في مهب الريح، في ظل عدم وجود طرح جدي لتنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار الماضي، الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد "قسد" مظلوم عبدي، ونص على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية، مع الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء لا يتجزأ من الدولة، وضمان حقوقه المواطنية والدستورية، كما نص على دمج "قسد" ومكونات الإدارة الذاتية ومؤسساتها ضمن الدولة السورية.
لم تنسق "قسد" مع القوى السياسية القريبة منها، مثل المجلس الوطني الكردي الذي رفض الدعوة التي وُجهت إليه للمشاركة. كما أن العديد من العشائر العربية في مناطق سيطرتها قررت مقاطعة المؤتمر، واعتبرته محاولة لجعلها تتبنى مشاريع وأجندات "قسد" التي لا تنسجم مع موقفها.
ويبدو أن قادة "قسد" أرادوا من خلال عقد المؤتمر دفع حكومة دمشق إلى تقديم تنازلات حيال مطالبهم، لكن هذا التكتيك يفتقد إلى الحنكة السياسية، كونه يخطئ الحسابات، ويتبع مقاربة لن تثمر إلا في زيادة توجس الحكومة منهم، وتدفع بالمزيد من السوريين إلى الالتفاف حولها.
لقد أظهر قادة "قسد" من خلال مؤتمر أو "كونفرانس" الحسكة تحديهم السافر لسلطة دمشق، من خلال التحالف مع قوى مناوئة لها، ومحاولة تعميم تجربة "الإدارة الذاتية" التي تتحكم بإدارة مناطق سيطرتها، وتشمل أجزاء من محافظات: الحسكة، والرقة، وحلب، و‌دير الزور في شمال شرقي سوريا، بوصفها تجربة ناجحة وديمقراطية، ينبغي تعميمها على سائر المناطق السورية، والتي وجدت صداها في السويداء، وجرى تأطيرها من خلال "اللجنة القانونية العليا" التي شكلها الهجري لإدارة المدينة، التي شكلت بدورها مكتبا تنفيذيا مؤقتا لإدارة الشؤون الخدمية، إلى جانب تعيين قيادات جديدة لجهاز الأمن الداخلي، في ظل غياب سلطة الدولة المركزية عن المحافظة.
تمحور الهدف الأبرز للمؤتمر في الدعوة إلى تبني اللامركزية، بصيغتها الضيقة ذات الطابع الإثني والطائفي، والتي تجنح نحو الانفصال الفعلي عن الجسد السوري، واعتبارها الخيار الأمثل في كل المناطق في سوريا، وذلك بالتضاد مع مسعى الحكومة السورية إلى بناء دولة مركزية، في ظل الصراع على مستقبل سوريا وطبيعة الحكم فيها، حيث تحظى المركزية بتاريخ بدأ منذ نشأة سوريا الحديثة، وباتت تملك شرعية في الوعي السياسي في سوريا وسائر منطقة الشرق الأوسط.
ظهرت اللامركزية التي يتبناها قادة "قسد"، ليس بوصفها قضية نقاش عام بين السوريين، بل في صيغة خطاب أيديولوجي أحادي، وخاصة لدى أولئك المنخرطين في وحدات حماية الشعب الكردية، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يهيمن عليه أعضاء من حزب العمال الكردستاني التركي.
وعليه يصر هؤلاء على المحافظة على هيكلية قوات سوريا الديمقراطية كجسم أو كيان مستقل في أي عملية دمج مع الجيش السوري، مع المحافظة كذلك على هيكلية الإدارة الذاتية ومؤسساتها، فضلا عن عدم التخلي عن المكتسبات التي حققوها خلال السنوات السابقة، الأمر الذي يفسر الاحتفاظ بكل الملفات التي من المفترض أن تتولى إدارتها الحكومة السورية حسب اتفاق 10 مارس/آذار الماضي، وخاصة المعابر الحدودية مع العراق، والسجون التي يقبع فيها الآلاف من عناصر تنظيم الدولة، والمخيمات التي تؤوي عوائلهم.
كما أن القوى المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا تستحوذ على الثروات الطبيعية في مناطق سيطرتها، حيث يتواجد فيها معظم الاحتياطي النفطي السوري، والبالغ 2.5 مليار برميل، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
كما أنها تضم أكبر الحقول، كحقل السويدية، وحقل الرميلان، وحقول دير الزور، كحقل العمر، إضافة إلى العديد من حقول الغاز السوري.
وتُنتج تلك المناطق قرابة نصف إنتاج سوريا الزراعي، الذي يقدر بأكثر من 1.76 مليون طن، وفق إحصائيات 2011. إضافة إلى أنها تحوي أهم ثلاثة سدود مائية في البلاد، وهي: "الطبقة" و"البعث" بريف الرقة، وكذلك "سد تشرين" في ريف حلب الشمالي.
خيارات الحكومة
لم تجد سلطة دمشق سوى الإقرار بحق المواطنين في التجمع السلمي والحوار البناء، سواء على مستوى مناطقهم أو على المستوى الوطني، "شريطة أن يكون في إطار المشروع الوطني الجامع الذي يلتف حول وحدة سوريا أرضا وشعبا وسيادة".
واعتبرت أن شكل الدولة لا يُحسم عبر تفاهمات فئوية، بل عبر دستور دائم يُقر بالاستفتاء الشعبي، بما يضمن مشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة، ويحق لأي مواطن طرح رؤاه حول الدولة، على أن يتم عبر الحوار العام وصناديق الاقتراع، لا عبر التهديد أو القوة المسلحة.
وبالنظر إلى عدم وجود خيارات كثيرة أمام حكومة دمشق لاعتبارات عديدة، داخلية وخارجية، فإنه لا مفر من استمرار الحوار الذي بدأته مع قادة "قسد"، لذلك جددت دعوتها إلى الانخراط الجاد في تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار، وطالبت الوسطاء الدوليين بنقل جميع المفاوضات إلى دمشق، باعتبارها العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين.
لا شك في أن مسألة دمج "قسد" في الجسم السوري، ليست مسألة سورية فقط، بل دولية أيضا، حيث تلعب كل من الولايات المتحدة، وتركيا، وفرنسا أدوارا في ترتيبات المشهد السوري الجديد.
وهناك إجماع دولي على استقرار سوريا ضمن دولة واحدة، وبالتالي ستدفع هذه الدول باتجاه فتح نافذة جديدة للحوار بين الحكومة و"قسد"، الأمر الذي يعني الابتعاد عن الخيارات المكلفة.
المطلوب سوريًّا
بعيدا عن التجييش المذهبي والإثني، واتهامات التخوين، وخطاب الكراهية، فإن المطلوب هو توسيع الحوار المجتمعي والسياسي، وعدم الركون إلى محاورة جهة بعينها.
ولعل الأجدى للحكومة السورية الالتفات إلى القوى المدنية والسياسية في كافة المناطق السورية، ففي الجزيرة السورية ينبغي عدم الاكتفاء بمحاورة "قسد"، لأن هناك قوى سياسية واجتماعية عديدة في مناطق شمال شرقي سوريا، يجب إشراكها في الحوار لضمان قاعدة أوسع لأي اتفاق يبرم بين الحكومة وبين تلك الفعاليات المجتمعية والسياسية والعسكرية.
والأمر ينسحب كذلك على كافة المناطق السورية، وخاصة السويداء، التي يتواجد فيها نقابات ومنظمات وقوى مجتمع مدني وفاعلون اجتماعيون، الأمر الذي يوجب إشراكهم في الحوار الوطني.
تقتضي العملية السياسية الانتقالية البحث عن مبادرات جديدة، وأفكار تطرح خارج الفهم الضيق والقوالب الجاهزة، وعدم التمسك بها على الدوام.
ولعلها تتيح التفكير في نظام مركزي مرن في سوريا، يراعي خصوصية المناطق، ليس على أسس إثنية أو طائفية، ولا يعتمد المحاصصة، إنما يمنح الأقاليم الجغرافية نوعا من اللامركزية الإدارية، كي يتمكن أبناء المناطق من إدارة شؤونهم ضمن الدولة الواحدة، ووفق المقتضيات الوطنية السورية.
وبالتالي تأتي ضرورة فتح حوار وطني جامع حول المرحلة الانتقالية، يبحث في كيفية إشراك جميع القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية في رسم ملامحها، وذلك كي تنتفي المخاوف والتوجسات من تفرّد الفصائل العسكرية بمفاصل صنع القرار، ومن قيامها بإقصاء باقي المكونات السياسية والمدنية.
وكي يشعر السوريون أن مستقبل بلدهم بات بين أيديهم، لذلك يتوجب عليهم تحمل المسؤولية، وعدم الارتهان أو الرضوخ إلى الحسابات الخاطئة والمصالح الضيقة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وداعا مروة مسلم.. 45 يوما من رحلة الألم بين ركام غزة المنكوبة
وداعا مروة مسلم.. 45 يوما من رحلة الألم بين ركام غزة المنكوبة

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

وداعا مروة مسلم.. 45 يوما من رحلة الألم بين ركام غزة المنكوبة

بعد 45 يوما من الغياب والرعب، انتشلت طواقم الدفاع المدني رفات الصحفية الشهيدة مروة مسلم وشقيقيها من تحت أنقاض منزلهم في حي التفاح شرق مدينة غزة ، إثر غارة إسرائيلية دمرت المنزل فوق رؤوسهم. ولاقت صور ومقاطع فيديو توثق ما عثر عليه من جماجم وعظام انتشارا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن تمكنت فرق الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم بعد أكثر من 6 أسابيع، إذ حالت الظروف الأمنية دون وصول الطواقم الطبية في وقت سابق. وقال عمهم في مقابلة مع الجزيرة مباشر: "كنا نسمع أصواتهم تحت الأنقاض، كانوا أحياء يطلبون النجدة، لكن لم يستجب أحد. اليوم وبعد 45 يوما دخلنا بأنفسنا على مسؤوليتنا وانتشلنا ما تبقى من عظامهم". وأوضح أن ما عثر عليه كان جماجم وعظاما تعود إلى مروة وأخويها، مشددا على أن تجاهل المؤسسات الدولية أسهم في تركهم ينزفون حتى الموت رغم مناشداتهم المتكررة. وعلى منصات التواصل، عبر صحفيون ومدونون عن صدمتهم، معتبرين أن استشهاد الصحفية مروة يندرج ضمن سياسة متعمدة تستهدف الصحفيين لإسكات الحقيقة في قطاع غزة وطمس مشاهد الإبادة الممنهجة. بينما رأى آخرون أن المشهد يجسد حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان، حيث لم يعد البيت مأوى آمنا بل شاهدا على وحشية القصف وانتهاك أبسط حقوق الإنسان. واستذكر مغردون سيرة مروة مسلم التي كانت صوتا للحقيقة في وجه الظلم، لتعود اليوم بصمت موجع، جسدا متحللا إلى جوار شقيقيها، شهداء الكلمة والدم. وكتبت إحدى زميلاتها الصحفيات: "رفات جماجم وعظام، هذا ما تبقى من الصحفية الشهيدة مروة مسلم وشقيقيها.. بعد 45 يوما تم انتشال رفاتهم من منزلهم". وأضافت أخرى: "هذه مروة مسلم الصحفية الشجاعة ظلت لأكثر من 44 يوما مدفونة تحت الأنقاض، وحين انتشلوها اليوم لم يجدوا إلا جمجمة وجزءا من عظامها… حولوها إلى كومة عظام محترقة. أي قهر هذا؟ أي وحشية هذه؟". وبينما علق آخرون بقولهم إن "إسرائيل حولت الصحفية إلى كومة من عظام محترقة". إعلان وتساءل مغردون عن أي إنسانية تسمح أن تُمحى حياة كاملة بهذا الشكل، وعن أي عالم يريد للكلمة الحرة أن تُدفن وتتحول إلى صمت. وأضافوا أن الصمت عنها ليس إلا تواطؤا مع الجريمة وخيانة لكل معنى للعدالة والإنسانية. بدورهم، استعاد مدونون ذكرى الأيام التي انقطع فيها الاتصال بمروة وإخوتها، متخيلين سيناريوهات لنجاتهم؛ ربما فرغت بطاريات هواتفهم، أو أغلقوها خوفا من رصد طائرات الاستطلاع، وربما رفضوا النزوح مفضلين البقاء في بيتهم. لكن النهاية جاءت مأساوية، إذ وُضع ما تبقى من رفاتهم في نعش واحد وصُلي عليهم قبل أن يُدفنوا في قبر واحد. وأشار مدونون آخرون إلى قسوة الفاجعة على والدتهم التي غادرت غزة مع والدهم لتلقي العلاج، تاركة أبناءها في عهدة بعضهم. 3 أشقاء جمعهم بيت واحد وأيام حرب قاسية، فاختاروا البقاء فيه رغم كل التهديدات، ليرحلوا معا تحت ركامه. وتخيل آخرون لحظاتهم الأخيرة، ربما كانوا يتشاورون للخروج أو يطمئنون بعضهم بعناق أخير، قبل أن تضيء السماء حول شبابيكهم المحطمة وتبتلعهم بعدها عتمة أبدية في قبر مؤقت كان قبل ثوان فقط بيتهم. وبحسب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، وصل عدد الشهداء الصحفيين إلى 238 حتى الآن، بينهم مراسل الجزيرة أنس الشريف والصحفي محمد قريقع، مما يعكس إصرار إسرائيل على استهداف الإعلاميين بشكل مباشر.

الشرع: استقطابنا استثمارات أجنبية بقيمة 28.5 مليار دولار
الشرع: استقطابنا استثمارات أجنبية بقيمة 28.5 مليار دولار

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

الشرع: استقطابنا استثمارات أجنبية بقيمة 28.5 مليار دولار

كشف الرئيس السوري احمد الشرع عن استقطاب بلاده لاستثمارات خارجية بلغت قيمتها 28.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد ، مع توقع وصولها إلى 100 مليار دولار قبل نهاية العام الجاري، معتبرا أن ذلك يشكل أساسا لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب خلال السنوات الماضية وتوفير فرص عمل. وفي جلسة حوارية في محافظة إدلب (شمالي البلاد) بين الشرع اليوم الأحد أن حكومته بصدد إطلاق صندوق تنمية لجمع تبرعات من المغتربين السوريين لإعادة تأهيل البنى التحتية التي دمرتها الحرب. وأشار الشرع إلى أنه حريص على أن لا تكون سوريا تعتمد على المساعدات أو القروض الطويلة التي تحمل الدولة أعباء. يشار إلى أنه في أواخر الشهر الماضي أعلنت كل من الإمارات وقطر عن توقيع مشاريع استثمارية في سوريا بقيمة 14 مليار دولار، تشمل توسعة مطار دمشق الدولي، وإنشاء مترو أنفاق بقيمة مليارين، وأبراج سكنية ووحدات سكنية. وقبل ذلك، وقعت السعودية 47 مذكرة تفاهم واتفاقية بقيمة نحو 6.4 مليار دولار ضمن منتدى الاستثمار السعودي-السوري . وتشير تقديرات التقرير الأممي أن تكلفة إعادة تأهيل سوريا قد تصل إلى ما بين 250 و400 مليار دولار.

لماذا تقاعس الصحفيون الغربيون عن مناصرة زملائهم في غزة؟
لماذا تقاعس الصحفيون الغربيون عن مناصرة زملائهم في غزة؟

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

لماذا تقاعس الصحفيون الغربيون عن مناصرة زملائهم في غزة؟

انتقد مقال بصحيفة الغارديان البريطانية إخفاق المؤسسات الإعلامية الغربية والصحفيين الغربيين في الدفاع عن زملائهم الفلسطينيين، وسط تعرضهم إلى استهداف إسرائيلي ممنهج منذ نحو 22 شهرا في قطاع غزة. وبيّن كاتب المقال محمد بازي، أن نتيجة ما وصفه بتخاذل الصحفيين الغربيين، يتجلى بإمعان إسرائيل في قتل الصحفيين الفلسطينيين دون عقاب، لافتا إلى أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا في غزة يفوق عددهم في الحرب الأهلية الأميركية، والحربين العالميتين، والحرب الكورية، وحرب فيتنام ، والحروب في يوغوسلافيا، وحرب الولايات المتحدة في أفغانستان مجتمعة، وفق دراسة أجراها مشروع "تكاليف الحرب" في جامعة براون. صمت أمام إسرائيل ويعلق الكاتب، الذي يعمل أستاذا للصحافة في جامعة نيويورك ، أن ما وصفها بالأرقام المروعة قد يُعتقد أنها ستحفز وسائل الإعلام والصحفيين في جميع أنحاء العالم على إدانة استهداف إسرائيل لزملائهم الفلسطينيين، مستدركا أن وسائل الإعلام الأميركية ظلت صامتة إلى حد كبير، مقارنة، على سبيل المثال، بالحملة التي تلقت دعما واسعا لتحرير مراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، بعد اعتقاله واتهامه بالتجسس من قبل روسيا في مارس/آذار 2023، مضيفا أن وكالات الأنباء الكبرى ركزت آنذاك في تقاريرها على أن غيرشكوفيتش اعتُقل ظلما وأدين في محاكمة شكلية بتهم ملفقة. لكن هذه الوكالات نفسها -يعقب الكاتب- غالبا ما ترفض منح الصحفيين الفلسطينيين نفس الحق في الحماية من التهديدات والتحريض الإسرائيلي. وقال الكاتب إن وسائل الإعلام الغربية غالبا ما تكون على استعداد لانتقاد الحكومات علنا والقيام بحملات من أجل الصحفيين الذين يتعرضون للمضايقة أو السجن من قبل خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا أو الصين أو إيران ، لكن هذه المؤسسات تلتزم الصمت إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، حليفة الولايات المتحدة. تضامن خجول مع أنس الشريف ولفت الكاتب، الذي يدير مركز "هاكوب كيفوركيان" لدراسات الشرق الأدنى، إلى أن لجنة حماية الصحفيين "سي بي جيه" (CPJ) كانت قد أصدرت بيانا الشهر الماضي أعربت فيه عن "قلقها البالغ" على سلامة مراسل الجزيرة أنس الشريف ، وحثت على حمايته، بعد أن اشتدت حملة التشويه التي شنها الجيش الإسرائيلي ضده، في أعقاب انتشار تقاريره المروعة عن حصار إسرائيل لغزة وتجويعها، على نطاق واسع. لكن هذه النداءات -يتابع الكاتب- لم تلق صدى في معظم غرف الأخبار الأميركية أو الغربية الأخرى، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك سوى حملات إعلامية أو بيانات تضامن قليلة وخجولة مع الصحفيين الفلسطينيين، مقارنة بالجهود التي بُذلت من أجل الصحفي غيرشكوفيتش ومراسلين غربيين آخرين استُهدفوا من أعداء الولايات المتحدة. فلم تنشر كبرى المؤسسات الإخبارية الأميركية رسائل مفتوحة في صحفها للفت الانتباه إلى الصحفيين الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب قيامهم بعملهم، كما فعلت صحيفة نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال وواشنطن بوست مع غيرشكوفيتش في مايو/آذار 2024 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. وخلص الكاتب، الذي كان رئيسا لمكتب الشرق الأوسط في صحيفة "نيوزداي" الأميركية إلى القول "يبدو أن حرية الصحافة والحماية من الاضطهاد تقتصر على الصحفيين الغربيين". حكاية شيرين أبو عاقلة واستحضر ما جرى مع مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي استشهدت عام 2022، على يد جندي إسرائيلي أثناء تغطيتها للأحداث في الضفة الغربية ، لافتا إلى أن إدارة جو بايدن رفضت آنذاك تحميل إسرائيل مسؤولية اغتيالها. وتساءل مستهجنا "أدرك القادة الإسرائيليون أنهم لن يواجهوا أي عواقب لقتل واحدة من أبرز الصحفيين في العالم العربي، والتي تصادف أنها مواطنة أميركية، فهل من المستغرب اعتقادهم أن بوسعهم الإفلات من العقاب على قتل العديد من الصحفيين الفلسطينيين في غزة؟". ووجهت وسائل الإعلام الغربية مطلبا واحدا ثابتا لإسرائيل، وفق الكاتب، وهو السماح للمراسلين الأجانب بدخول غزة، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويعلق "هذه حملة جديرة بالإشادة من قبل المؤسسات الإخبارية، لكنها تمت بطريقة إشكالية"، مبينا أن بعض وسائل الإعلام والصحفيين الغربيين يعتقدون أن المراسلين الأجانب هم وحدهم القادرون على توفير تغطية إخبارية كاملة ونزيهة من غزة. واستشهد الكاتب بما كتبه الصحفي البريطاني المخضرم جون سيمبسون، على منصة إكس: "يحتاج العالم إلى تقارير شهود عيان صادقة وغير متحيزة لمساعدة الناس على تكوين رأيهم حول القضايا الكبرى في عصرنا. وهذا أمر مستحيل حتى الآن في غزة"، معلقا بأن هذا "هراء" ويُعزز أسوأ تقاليد الاستعمار في وسائل الإعلام التقليدية، التي تعتبر الصحفيين الغربيين "وغالبا ما تعني البيض" الحكام الوحيدين على الحقيقة، بحسب الكاتب. وزاد بأن إحدى المشاكل الرئيسية تتمثل في تصور الصحفيين الغربيين كوسطاء للتغطية غير المتحيزة يرتكز على التقليل من شأن مهنية وشجاعة مئات الصحفيين الفلسطينيين، الذين ضحى الكثير منهم بحياتهم أثناء تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة. والمفارقة، بالطبع -يضيف الكاتب- هي أنه بمجرد السماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة، سيعتمد معظمهم بشكل كبير على الصحفيين الفلسطينيين والمترجمين وغيرهم من "المساعدين" الذين غالبا ما يقومون بالجزء الأكبر من العمل نيابة عن المراسلين الغربيين. ونوه إلى أن ما ذكره يُعد أحد أسرار التغطية الأجنبية في معظم وسائل الإعلام الغربية التقليدية، فهي مبنية على العمل غير المرئي، وغير المعترف به إلى حد كبير، للصحفيين والمساعدين المحليين. وختم أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك بالقول "مع منع دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، تمكن صحفيون فلسطينيون مثل أنس الشريف من نقل قصة شعبهم مباشرة إلى العالم، وإسرائيل تقتلهم بشكل منهجي بسبب ذلك، بينما يلتزم العديد من زملائهم الغربيين والمؤسسات الصحفية الدولية الصمت المخزي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store