
"أنا علي مطر كاليغولا": قصيدة مسرحية على حافّة الجنون
في مسرح "سينما رويال" في برج حمود، اعتلى الشاعر والممثل المسرحي علي مطر الخشبة بعد غياب، وحيداً إلّا من ظلّ كاليغولا، طيف السلطة حين تتعرّى من معناها، وهمس الحروب، وشهقات الحب، وصراخ الجنون في وجه التاريخ. جاء العرض بعنوان "أنا علي مطر كاليغولا" (إخراج جان عبد النور)، كأنّ مطر لم يكتفِ بتقمّص الشخصية، بل أعلن التماهي معها، أو التحدي لها، أو ربّما كليهما معاً، في مسرحية عبثية.
مطر، المعروف بقدرة لغته على الحفر عميقاً، اختار أن يواجه الجمهور منفرداً بنصّ ثقيل الإيقاع، متمرّد البناء، أقرب إلى هذيان شعري تتداخل فيه مشاهد الحلم بالكابوس، والانهيار بالتأمل. يحمل الشاعر الممثل على منكبيه عالماً ثقيلاً، ويرفعه عالياً لئلا يلامس أطرافه أيّ تراب. لكن رغم الجهد اللافت في الحفظ والسيطرة على المنصّة، بدا الإيقاع في غير صالح التجربة؛ بارداً، ممتداً، يقترب أحياناً من الجمود. لم يخلُ من الصدق، لكنّه ظلّ محكوماً بشيء من الانضباط الخانق لأيّ شرارة، وكأنّ التجربة لم تنهض بالكامل لملاقاة النص.
يؤخذ على المسرحية أنّها تُشبه، على نحو ما، عرضاً سابقاً من إخراج جان عبد النور هو "وحياتك ع بيروت" التي شاهدناها نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، فبدت "أنا علي مطر كاليغولا" كشقيقتها الأصغر: تحمل الملامح نفسها من حيث البناء البصري، وتُعاني القلق ذاته بين الواقع المسرح، بين الشكل المتقن والمحتوى العاطفي المعلّق، وكأنّ العرضين يقولان الشيء نفسه بمسمّيات عدّة، وكأنّ العرض الأحدث يستعير ملامحه من سلفه، ويلتقيان في نقطة واحدة: بحث دائم عن التفجّر من دون أن يبلغ الانفجار.
كاليغولا هنا ليس فقط ذلك الإمبراطور المخبول، بل فكرة تتكثّف في الجملة الشعرية: "أنا فكرة تمشي على رمح"، كما يقول مطر. يحاول أن يمشي على ذاك الرمح من دون أن يسقط، لكنه في هذه المحاولة يبدو أحياناً وكأنه يتريّث أكثر من اللازم، متفادياً الجُرح، والدم، والصرخة المدوّية. العرض غني بالصور، بالرموز، بمحاولات الحفر في الأسطورة لاستخراج المعنى المعاصر من وجه الطغيان، لكنه ظلّ، في بعض اللحظات، يكتفي بلمس الجرح من دون أن يغوص فيه.
في المقابل، أضاء صوت الممثلة عشتروت عون المشهد، أنوثةً وموسيقى، كأنها خيط حريري يتسلل عبر الشقوق ليمنح العرض شيئاً من الدفء، عبر لعبة الإيقاع. كما أسهمت السينوغرافيا المدروسة (ليلى حاوي) والإضاءة الموفّقة (ميلاد طوق) في تعزيز الجو المسرحي العام، فبدا العرض أشبه بلوحة حيّة تتنفس عبر الضوء والظل.
View this post on Instagram
A post shared by Annahar (@annaharnews)
لكن في النهاية، بقي العرض معلقاً بين اللغة والمسرح. بين القصيدة والصراخ. بين مطر وكاليغولا. بين رغبة علي مطر في الغوص العميق، وبين حاجز شفاف من البرد المسرحي حال دون ذلك الغوص. إنّها تجربة مسرحية طموحة تنبض بالشعر والصورة، وتكشف عن شغف علي مطر بالغوص في الأسئلة الوجودية.
رغم الإيقاع المتأمل الذي قد لا يلامس جميع الأذواق، فإنّ العمل يترك أثراً بصرياً ولفظياً واضحاً، ويُضاف إلى مسيرة فنية يُحسَب لها جرأتها في ارتياد مناطق معقّدة من الذات والتاريخ. هي خطوة أخرى على درب البحث، لا تدّعي الاكتمال، لكنها تمهّد لمسار غنيّ بالتجريب والاحتمالات.
اقرأ أيضاً:

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ يوم واحد
- النهار
"أنا علي مطر كاليغولا": قصيدة مسرحية على حافّة الجنون
في مسرح "سينما رويال" في برج حمود، اعتلى الشاعر والممثل المسرحي علي مطر الخشبة بعد غياب، وحيداً إلّا من ظلّ كاليغولا، طيف السلطة حين تتعرّى من معناها، وهمس الحروب، وشهقات الحب، وصراخ الجنون في وجه التاريخ. جاء العرض بعنوان "أنا علي مطر كاليغولا" (إخراج جان عبد النور)، كأنّ مطر لم يكتفِ بتقمّص الشخصية، بل أعلن التماهي معها، أو التحدي لها، أو ربّما كليهما معاً، في مسرحية عبثية. مطر، المعروف بقدرة لغته على الحفر عميقاً، اختار أن يواجه الجمهور منفرداً بنصّ ثقيل الإيقاع، متمرّد البناء، أقرب إلى هذيان شعري تتداخل فيه مشاهد الحلم بالكابوس، والانهيار بالتأمل. يحمل الشاعر الممثل على منكبيه عالماً ثقيلاً، ويرفعه عالياً لئلا يلامس أطرافه أيّ تراب. لكن رغم الجهد اللافت في الحفظ والسيطرة على المنصّة، بدا الإيقاع في غير صالح التجربة؛ بارداً، ممتداً، يقترب أحياناً من الجمود. لم يخلُ من الصدق، لكنّه ظلّ محكوماً بشيء من الانضباط الخانق لأيّ شرارة، وكأنّ التجربة لم تنهض بالكامل لملاقاة النص. يؤخذ على المسرحية أنّها تُشبه، على نحو ما، عرضاً سابقاً من إخراج جان عبد النور هو "وحياتك ع بيروت" التي شاهدناها نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، فبدت "أنا علي مطر كاليغولا" كشقيقتها الأصغر: تحمل الملامح نفسها من حيث البناء البصري، وتُعاني القلق ذاته بين الواقع المسرح، بين الشكل المتقن والمحتوى العاطفي المعلّق، وكأنّ العرضين يقولان الشيء نفسه بمسمّيات عدّة، وكأنّ العرض الأحدث يستعير ملامحه من سلفه، ويلتقيان في نقطة واحدة: بحث دائم عن التفجّر من دون أن يبلغ الانفجار. كاليغولا هنا ليس فقط ذلك الإمبراطور المخبول، بل فكرة تتكثّف في الجملة الشعرية: "أنا فكرة تمشي على رمح"، كما يقول مطر. يحاول أن يمشي على ذاك الرمح من دون أن يسقط، لكنه في هذه المحاولة يبدو أحياناً وكأنه يتريّث أكثر من اللازم، متفادياً الجُرح، والدم، والصرخة المدوّية. العرض غني بالصور، بالرموز، بمحاولات الحفر في الأسطورة لاستخراج المعنى المعاصر من وجه الطغيان، لكنه ظلّ، في بعض اللحظات، يكتفي بلمس الجرح من دون أن يغوص فيه. في المقابل، أضاء صوت الممثلة عشتروت عون المشهد، أنوثةً وموسيقى، كأنها خيط حريري يتسلل عبر الشقوق ليمنح العرض شيئاً من الدفء، عبر لعبة الإيقاع. كما أسهمت السينوغرافيا المدروسة (ليلى حاوي) والإضاءة الموفّقة (ميلاد طوق) في تعزيز الجو المسرحي العام، فبدا العرض أشبه بلوحة حيّة تتنفس عبر الضوء والظل. View this post on Instagram A post shared by Annahar (@annaharnews) لكن في النهاية، بقي العرض معلقاً بين اللغة والمسرح. بين القصيدة والصراخ. بين مطر وكاليغولا. بين رغبة علي مطر في الغوص العميق، وبين حاجز شفاف من البرد المسرحي حال دون ذلك الغوص. إنّها تجربة مسرحية طموحة تنبض بالشعر والصورة، وتكشف عن شغف علي مطر بالغوص في الأسئلة الوجودية. رغم الإيقاع المتأمل الذي قد لا يلامس جميع الأذواق، فإنّ العمل يترك أثراً بصرياً ولفظياً واضحاً، ويُضاف إلى مسيرة فنية يُحسَب لها جرأتها في ارتياد مناطق معقّدة من الذات والتاريخ. هي خطوة أخرى على درب البحث، لا تدّعي الاكتمال، لكنها تمهّد لمسار غنيّ بالتجريب والاحتمالات. اقرأ أيضاً:


الديار
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- الديار
"إلى أين أذهب": إنسانيات لبنانية برؤًى نسوية
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب تتناول مطر قضيتها من زاوية اختبار سابقة وذلك بالتعاون مع نساء في لبنان، لأنها ترى ذاتها في هؤلاء النساء، في ما عبّرن عنه في يومياتهن، ومسلكهن الآني، في كل لحظة. وتعالج الفنانة اللبنانية - الفلسطينية - الأميركية، رانيا مطر، الواقع اللبناني عبر معرضها الفوتوغرافي في غاليري "تانيت" في بيروت. تعكس مطر الكثير من الشؤون اللبنانية بطريقة الإيحاء من خلال مجموعة من الشابات اللبنانيات اللاتي قصدتهن، محاولةً استكشاف ما تركته الحروب الأهلية اللبنانية في البنى الثقافية والمسلكية التي قد تصل إلى بنية الإنسان الوراثية. هجرة مطر إلى الولايات المتحدة عام 1984، تعبّر عن موقف لبناني شامل، يوم شهد لبنان في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، ذروة الهجرة التي شملت الآلاف. يشير التاريخ إلى يأس لبناني من الحالة الراهنة آنذاك، في إشارة ضمنية إلى ما خلّفه اجتياح بيروت 1982، وانعكاسه على النفوس. كأن مطر رحلت لإنقاذ شبابها قبل التقدم في العمر، لتطرح على نفسها وقد قاربت الخمسين: "إلى أين أذهب؟"، فكان عنواناً لمعرضها. تقول مطر إنها يوم عادت إلى لبنان، لم تجد فرقاً في حالتها العمرية، وترى نفسها أصغر سناً وهي تتفاعل مع نساء أخريات هن اليوم مثلها عندما هاجرت في العشرينيات من عمرها، وفي الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية، تلاحظ أن لبنان لا يزال يعاني من عواقبها. في عودتها إلى لبنان، وانعكاس صورتها الخمسينية، عشرينية في الشابات اللاتي التقت بهن، تجد مطر "دائماً الأمل والإلهام في النساء". فهي سبق أن خصصت عملها لاستكشاف قضايا الهوية الشخصية والجماعية من خلال صور فتيات مراهقات ونساء "في كل من الولايات المتحدة حيث أعيش، وفي لبنان حيث أتيت"، كما تقول بهدف "تسليط الضوء على إنسانيتنا المشتركة". تتناول مطر قضيتها من زاوية اختبار سابقة وذلك بالتعاون مع نساء في لبنان، لأنها ترى ذاتها في هؤلاء النساء، في ما عبّرن عنه في يومياتهن، ومسلكهن الآني، في كل لحظة. ينتقل عملها من شابة إلى أخرى، يربطهن فقط انتماؤهن للبنان، وخضوعهن لتفاعلاته، وترى مطر أن ما قامت به معهن واحدة واحدة هو "عملية تعاونية حيث تتطور جلسة التصوير بشكل منظم مع مشاركة النساء الفاعلة في عملية التصوير، وقيادتهنّ للبيئة، وجعلها ملكهنّ". هكذا دعت مطر العديد منهنّ إلى التواصل، فكان معرضها، وصوره الفوتوغرافية. أول إلهاماتها لعملها الحالي، رسومات على الحائط مكتوبةٌ بالعربية: "إلى أين أذهب؟". بيرلا، الشابة اللبنانية العشرينية هي صاحبة الرسم. تراها مطر مُلقيةً بنفسها على الحائط في كفر متى، فأصبح عنوان هذا العمل، تضيف إليه تساؤل خصوصيتها: "في الخمسين: إلى أين أذهب؟". وتتنوّع اللوحات الفوتوغرافية مع علياء في ماء الذهب في الخيام، وآية في عباءة جدّها تتسلق قبة "معرض طرابلس الدولي"، ولارا في مسرح مظلم مهجور في زحلة، وبترا مع ملكة جمال لبنان 1972 في الجميزة، وتيرا في "هوليداي إن" في بيروت وقد ألحقت به الحرب الكثير من الضّرر، والتشوّهات، وياسمينا تنعكس صورتها في الماء، وفرح وسيارتها المحترقة في عبيه، وغنوة في مخيم الاعتقال في الخيام، وريانا ومرآتها في عمشيت، وتارا بين الزهور. جولة مع الشابات في أنحاء مختلفة من لبنان تروي حكاية البلد بصورة عامة، وما خلفته الأحداث على مختلف المواقع، إضافة إلى الشابات، وما الذي تكتنزه كل منهنّ من حيوية. وجدت مطر في الشابات صباها، وحيويتها يوم غادرت لبنان، فهن، كما لاحظت، "يتسلقن الصخور والأشجار، ويقفزن بكامل ملابسهن في التراب والماء والشلالات، ويزحفن تحت الأشواك، ويتسللن إلى أكواخ مهجورة، ويحتضنّ الحياة، ويتسخن، ويخاطرن، ويستمتعن إذا أُتيحت لهن مساحة للتعبير عن أنفسهن، فهن على استعداد للتجربة، والذهاب إلى أماكن لم نكن نعتقد أنها ممكنة قبل لحظات". وتطرح حيوية الشابات، بنظر مطر، إشكالية الاختيار بين الهجرة والبقاء، حيث ترى كثيرين يواجهون القرار المؤلم بين البقاء والمغادرة، طريقٌ يقود إلى الانفصال عن العائلات والبيوت والحياة كما اعتادوها. أما الآخرون، فبقوا رغم الظروف الصعبة في البلاد، متمسكين دائماً بأمل أن تكون أيامهم أفضل". وتخلص مطر إلى غايتها من المعرض، قائلة إن: "صوري قد لا تقدم حلولاً، إلا أنني آمل أن تدعو المشاهد إلى التوقف واكتشاف الجمال، والإنسانية المشتركة، والنعمة التي لا تزال موجودة رغم كل شيء. إنها رسائل حبي لنساء لبنان"، قبل أن تختم بأن "هذا المشروع لنا جميعاً: من بقي ومن رحل ولمن لن يستطيع الرحيل أبداً". علاوة على معارضها الفنية نشرت مطر 4 كتب: "هي" (2021)؛ "المرأة العاشقة" (2016)؛ "فتاة وغرفتها" (2012)؛ "النظام في حيوات متعددة" (2009)، وتعمل حالياً على كتاب جديد بعنوان: "بعد 50 عاماً: أين أذهب؟" (2026).


الميادين
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- الميادين
"إلى أين أذهب": إنسانيات لبنانية برؤىً نسوية
تعالج الفنانة اللبنانية - الفلسطينية - الأميركية، رانيا مطر، الواقع اللبناني عبر معرضها الفوتوغرافي في غاليري "تانيت" في بيروت. تعكس مطر الكثير من الشؤون اللبنانية بطريقة الإيحاء من خلال مجموعة من الشابات اللبنانيات اللاتي قصدتهن، محاولةً استكشاف ما تركته الحروب الأهلية اللبنانية في البنى الثقافية والمسلكية التي قد تصل إلى بنية الانسان الوراثية. هجرة مطر إلى الولايات المتحدة عام 1984، تعبّر عن موقف لبناني شامل، يوم شهد لبنان في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، ذروة الهجرة التي طالت الآلاف. يشير التاريخ إلى يأس لبناني من الحالة الراهنة آنذاك، في إشارة ضمنية إلى ما خلّفه اجتياح بيروت 1982، وانعكاسه على النفوس. كأن مطر رحلت لإنقاذ شبابها قبل التقدم في العمر، لتطرح على نفسها وقد قاربت الخمسين: "إلى أين أذهب؟"، فكان عنواناً لمعرضها. تقول مطر إنها يوم عادت إلى لبنان، لم تجد فرقاً في حالتها العمرية، وترى نفسها أصغر سناً وهي تتفاعل مع نساء أخريات هن اليوم مثلها عندما هاجرت في العشرينات من عمرها، وفي الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية، تلاحظ أن لبنان لا يزال يعاني من عواقبها. في عودتها إلى لبنان، وانعكاس صورتها الخمسينية، عشرينية في الشابات اللاتي التقت بهن، تجد مطر "دائماً الأمل والإلهام في النساء". فهي سبق أن خصصت عملها لاستكشاف قضايا الهوية الشخصية والجماعية من خلال صور فتيات مراهقات ونساء "في كل من الولايات المتحدة حيث أعيش، وفي لبنان حيث أتيت"، كما تقول بهدف "تسليط الضوء على إنسانيتنا المشتركة". تتناول مطر قضيتها من زاوية اختبار سابقة وذلك بالتعاون مع نساء في لبنان، لأنها ترى ذاتها في هؤلاء النساء، في ما عبّرن عنه في يومياتهم، ومسلكهم الآني، في كل لحظة. ينتقل عملها من شابة إلى أخرى، يربطهن فقط انتماؤهن للبنان، وخضوعهن لتفاعلاته، وترى مطر إن ما قامت به معهن واحدة واحدة هي "عملية تعاونية حيث تتطور جلسة التصوير بشكل منظم مع مشاركة النساء الفاعلة في عملية التصوير، وقيادتهنّ للبيئة، وجعلها ملكهنّ". هكذا دعت مطر العديد منهنّ للتواصل، فكان معرضها، وصوره الفوتوغرافية. أولى إلهاماتها لعملها الحالي، رسومات على الحائط مكتوبةٌ بالعربية: "إلى أين أذهب؟". بيرلا، الشابة اللبنانية العشرينية هي صاحبة الرسم. تراها مطر مُلقيةً بنفسها على الحائط في كفر متى، فأصبح عنوان هذا العمل، تضيف إليه تساؤل خصوصيتها: "في الخمسين: إلى أين أذهب؟". وتتنوّع اللوحات الفوتوغرافية مع علياء في ماء الذهب في الخيام، وآية في عباءة جدّها تتسلق قبة "معرض طرابلس الدولي"، ولارا في مسرح مظلم مهجور في زحلة، وبترا مع ملكة جمال لبنان 1972 في الجميزة، وتيرا في "هوليداي إن" في بيروت وقد ألحقت به الحرب الكثير من الضّرر، والتشوّهات، وياسمينا تنعكس صورتها في الماء، وفرح وسيارتها المحترقة في عبيه، وغنوة في مخيم الاعتقال في الخيام، وريانا ومرآتها في عمشيت، وتارا بين الزهور. جولة مع الشابات في أنحاء مختلفة من لبنان تروي حكاية البلد بصورة عامة، وما خلفته الأحداث على مختلف المواقع، إضافة إلى الشابات، وما الذي تكتنزه كل منهنّ من حيوية. وجدت مطر في الشابات صباها، وحيويتها يوم غادرت لبنان، فهن، كما لاحظت، "يتسلقن الصخور والأشجار، ويقفزن بكامل ملابسهن في التراب والماء والشلالات، ويزحفن تحت الأشواك، ويتسللن إلى أكواخ مهجورة، ويحتضنّ الحياة، ويتسخن، ويخاطرن، ويستمتعن إذا أُتيحت لهن مساحة للتعبير عن أنفسهن، فهن على استعداد للتجربة، والذهاب إلى أماكن لم نكن نعتقد أنها ممكنة قبل لحظات". وتطرح حيوية الشابات، بنظر مطر، إشكالية الاختيار بين الهجرة والبقاء، حيث ترى كثيرين يواجهون القرار المؤلم بين البقاء والمغادرة، طريقٌ يقود إلى الانفصال عن العائلات والبيوت والحياة كما اعتادوا عليها. أما الآخرون، فبقوا رغم الظروف الصعبة في البلاد، متمسكين دائماً بأمل أن تكون أيامهم أفضل". وتخلص مطر إلى غايتها من المعرض، قائلة إن: "صوري قد لا تقدم حلولاً، إلا أنني آمل أن تدعو المشاهد إلى التوقف واكتشاف الجمال، والإنسانية المشتركة، والنعمة التي لا تزال موجودة رغم كل شيء. إنها رسائل حبي لنساء لبنان"، قبل أن تختم بأن "هذا المشروع لنا جميعاً: من بقي ومن رحل ولن يستطيع الرحيل أبداً". علاوة على معارضها الفنية نشرت مطر 4 كتب: "هي" (2021)؛ "المرأة العاشقة" (2016)؛ "فتاة وغرفتها" (2012)؛ "النظام في حيوات متعددة" (2009)، وتعمل حالياً على كتاب جديد بعنوان: "بعد 50 عاماً: أين أذهب؟" (2026).