
الأحداث فرضت أبعاداً أخرى... يصعب تجاهلها
حين يغيب اليقين، وتختلط المعايير، وتختفي الرؤى الاستراتيجية الدقيقة، وتتغلب العواطف على العقول، ويختفي الراشدون، ويبرز الشعبويون، يصبح كل شيء ممكناً ومحتمَّلاً. تستقيم سُنة الحياة حين يسود العقل الراجح، وتضطرب حين يغيب الفكر المنظم والعقل المدبر.
السؤال الوارد في عنوان المقال، هو تعبير بسيط عن الاضطراب الطاغي على العقل الاستراتيجي الإسرائيلي، ومعه العقل الاستراتيجي الأميركي، فكلاهما يشترك في القول ونقيضه، وفي التهديد بشيء والتراجع عنه. ربما ممارسةً لخداع الطرف الآخر وإرباكه، وربما تعبيراً عن غياب الهدف وضبابية الرؤية. وكلاهما متلازم مع الآخر. وعبرا عن نفسيهما في الأيام القليلة الماضية التي انتهت بضربة أميركية للمنشآت النووية الإيرانية، وفي طليعتها موقع «فوردو» النووي الحصين الذي لا يُعرف يقيناً حجم التدمير الذي لحق به، وما قد يتبعه من مناورات وضربات أخرى قد يتم تنفيذها.
جدل استهداف المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، بدايةً من معرفة مكانه السرِّي والتخلِّي «المؤقت» عن استهدافه، والتلميح للتعامل معه كالإمبراطور الياباني بعد قصف بلاده نووياً للمرة الأولى في التاريخ الإنساني، لا يخلو من تلويح بتقريع الرمز الأكبر، ومن ورائه أمته التي يقودها، وهي التي اعتادت التفاخر بحضارة ممتدة في التاريخ، ثم التحول إلى نفي الأمر واستبعاده ولو مؤقتاً؛ كلها من علامات الاضطراب، وفي الآن نفسه هي شق مهم من الخداع الاستراتيجي الذي أتقنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وصديقه الحميم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ولكنه الخداع الذي لم يُنهِ المهمة الكبرى؛ بل يفرز تحديات حول التصرف الإيراني المحتمل نظرياً، ولكنه ممكن عملياً، ويظل تغيير النظام وإزاحة رمزه الأكبر المرشد الأعلى نقطة جوهرية في العقل الأميركي والإسرائيلي معاً، عبَّر عنه الرئيس ترمب صراحة، بعد حملته العسكرية الكبرى، بالقول إن عجز النظام يستدعي تغييره، أما نائبه جي دي فانس فترك إسرائيل تقرر ما تراه بشأن المرشد. وفي الجوهر فثمة تطلع بارز لتغيير النظام الإيراني أياً كانت التداعيات.
المواجهة العسكرية لم تصل إلى نهايتها بعد؛ هل سيدخل الطرفان حرب استنزاف، وهو ما تتخوف منه إسرائيل؟ أم يقبل الطرفان ما يشبه هدنة إجبارية، استعداداً لجولة أخرى لاحقاً؟ والمهم أن التداعيات المحتملة على داخل طرفَي المواجهة تُعد نقطة مركزية، فبينما دفعت إيران ثمناً باهظاً في برنامجها النووي، بداية من العلماء الذين استُهدفوا وسقطوا تباعاً، والمواقع والمفاعلات ومعامل البحوث التي دُمرت جزئياً أو كلياً، ومروراً بالأعباء الاقتصادية الهائلة، يبدو النظام متماسكاً، رغم قسوة الضربة الأميركية والقصف الإسرائيلي المتكرر، وتعمل مؤسساته بطريقة معتادة، يحيط بها رفض شعبي لنداء الاستسلام المريع الذي طالب به الرئيس ترمب مراراً، وفي الخلفية البعيدة رموز تظهر في الإعلام الأميركي كبديل محتمل لنظام قد يسقط قريباً وفقاً للتمنيات، من دون أن يكون لها أدنى حضور أو تأثير في الداخل الإيراني، ولا سيما لدى أجياله التي نشأت في ظل الجمهورية الإسلامية طوال أربعة عقود ونصف.
ومع ذلك فهدف تغيير النظام له مكانة كبرى لدى واشنطن وتل أبيب، بوصفه مقدمة لتغيير شامل في المنطقة كلها. المشكلة الأكبر تكمن في الاعتقاد الجازم لدى نخبة إسرائيل وتابعيها من النخبة السياسية الأميركية، بأن قتل القيادات والرموز هو انتصار في حد ذاته، ومقدمة لانهيار الخصم كلياً.
تجربة واشنطن مع «طالبان» ليست بعيدة، وتجربة إسرائيل ذاتها تدحض هذه القناعات جملة وتفصيلاً، فقد قُتل السنواران يحيى ومحمد، وحسن نصر الله، ومعهما كثير من قيادات الصف الثاني والثالث، ومع ذلك لم يختفِ التنظيمان المُستهدفان: «حماس» و«حزب الله»، رغم ضعفهما، والمؤكد أن الأمر مختلف تماماً في حال دولة ذات مؤسسات وأجهزة، قد تضعف وترتبك بعض الوقت، ولكنها ستفعل ما في وسعها للبقاء، وستجد طريقها لاختيار قائد آخر. هذا ما فعله المرشد حين حدد 3 شخصيات لخلافته، استباقاً لما قد يحدث.
ورغم محدودية القدرات التدميرية للصواريخ الإيرانية، فقد شكَّلت إيذاءً مادياً ومعنوياً لم تتصوره إسرائيل من قبل، أقله فشل «القبة الحديدية» و«حيتس 1» و«حيتس 2»، ومنظومة «ثاد» الأميركية ذات المليار دولار، ومروراً بتدمير مراكز علمية حساسة في المجالات النووية والكيمياء الحيوية والدعم السيبراني تشارك فيها شركات أميركية شهيرة، دُمرت مراكزها في تل أبيب وحيفا وعسقلان التي دُمر فيها مركز لإدارة العمليات العسكرية المشتركة، بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعيـ في كافة الجبهات. وحين سأل أحدهم الوزير المتطرف بن غفير: لماذا استفززتم إيران؟ قال: لم نكن نعرف قوة صواريخها! إجابة تجسد فرط الغرور ونتائجه الكارثية.
لقد أثبت تدخل الرئيس ترمب المباشر لتدمير البرنامج النووي الإيراني، تحقيقاً لرغبة نتنياهو، أو على الأقل تعطيله سنوات عدة، كما عبر عن ذلك نائب الرئيس الأميركي؛ أثبت أن الدعم الأميركي هو أساس البقاء، ومن دونه تفشل طموحات إسرائيل الأكبر من قدراتها الذاتية. وتبدو إسرائيل في اللحظة الجارية، ورغم الدعم الأميركي غير المسبوق، وسطوتها على سماء إيران، وكأنها تواجه لحظة المصير والوجود، فالشعب الذي اعتاد الاعتداء على الغير من دون أي محاسبة، وبمساندة غربية يندى لها الجبين كما هي الحال في قطاع غزة، تفاجأ بأن قدراته العسكرية التي تفاخر بها كثيراً لم توفر له الحماية الكاملة التي بُنيت عليها أساطير التفوق اللامحدود.
قرار منع سفر الإسرائيليين ذو دلالة. ظاهرة هروب حاملي الجنسيات المزدوجة إلى خارج إسرائيل بسبل مُحملة بالمخاطر، ودفع الإتاوات المالية الكبيرة وغير المالية لمُسهِّلي الهروب عبر البحر، والسفر إلى أي مكان يمكن منه العودة إلى البلد الأم، تجسد بدورها إشكالية الولاء غير المشروط للوطن وقت المحن، وهي الإشكالية التي لا تعرفها الشعوب الأصيلة، ولكنها تنخر بقوة في جسد المجتمعات المصطنعة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ ساعة واحدة
- عكاظ
مصر تدين الهجمات الإيرانية على قطر
أعربت مصر عن إدانتها واستنكارها الشديدين للهجمات الإيرانية التي طالت دولة قطر، معتبرة تلك الهجمات انتهاكا لسيادة قطر وتهديدا لسلامة أراضيها وخرقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، مؤكدة تضامنها الكامل مع دولة قطر ووقوفها إلى جانبها. وأكدت مصر - في بيان صادر عن وزارة الخارجية- قلقها البالغ من التصعيد المتسارع الخطير الذى تشهده المنطقة، مؤكدة رفضها الكامل لكافة أشكال التصعيد العسكري أو المساس بسيادة الدول، داعية إلى ضرورة خفض التصعيد ووقف إطلاق النار حفاظا على الأمن والسلم الإقليميين. وشددت مصر على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لاحتواء التوتر المتصاعد والذى ينذر بخروج الأمور عن السيطرة، وبذل الجهود الدبلوماسية لمنع انزلاق المنطقة نحو مزيد من التصعيد والاحتقان. وجددت مصر دعوتها إلى ضبط النفس وتغليب منطق الحوار والحلول الدبلوماسية، بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة، بعدما شن الحرس الثوري الإيراني هجوما صاروخيا على قاعدة العديد الجوية في قطر أمس الإثنين، ردا على ضربات أمريكية استهدفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية (فوردو، نطنز، وأصفهان) يوم السبت الماضي. أخبار ذات صلة


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
ترامب: مستقبل إسرائيل وإيران مليء بالفرص والازدهار
بعد إعلانه وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران اليوم الثلاثاء، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن البلدين جاءاه في الوقت عينه تقريباً طلباً لـ "السلام"، وفق تعبيره. كما أضاف في منشور على منصة تروث سوشيال أن مستقبل إسرائيل وإيران مليء بالفرص والازدهار وكتب قائلا:" العالم، والشرق الأوسط، هما الرابحان الحقيقيان! وسيشهد كلا البلدين حبًا وسلامًا وازدهارًا هائلين في مستقبلهما. كذلك اعتبر أن لدى كل من إسرائيل وإيران الكثير لتكسباه، لكنهما ستخسران الكثير إذا انحرفا عن الطريق. الرابعة فجرا أتى ذلك، بعدما أكد ترامب في منشور سابق وقف النار بين البلدين إثر 12 يوماً من المواجهات غير المسبوقة بينهما، لافتا إلى دخوله حيز التنفيذ عند الساعة الرابعة فجرا. كما جاء فيما أشار وزير الخارجية عباس عراقجي بمنشور على إكس في وقت سابق اليوم إلى أن بلاده ستوقف الهجمات حالما توقف إسرائيل ضرباتها. وقال "حتى الآن، ليس هناك اتفاق على أيّ وقف لإطلاق النار أو وقف للعمليات العسكرية". وأضاف إذا "أوقف النظام الإسرائيلي عدوانه غير المشروع على الشعب الإيراني في موعد أقصاه الساعة الرابعة صباحا بتوقيت طهران، فلا نيّة لدينا لمواصلة ردّنا بعد ذلك". لكن الجيش الإسرائيلي عاد وأعلن لاحقاً أنّ إيران أطلقت صواريخ باتجاه إسرائيل. وقال الجيش في بيان "نطلقت صفارات الإنذار في عدة مناطق في أنحاء إسرائيل عقب ورود تقارير عن إطلاق صواريخ من إيران باتجاه إسرائيل".


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
صفارات الإنذار تُدوي مجدداً في شمال إسرائيل
دوّت صفارات الإنذار في مناطق عدة بشمال إسرائيل، اليوم الاثنين، بعد إعلان الجيش إطلاق دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية، في ثالثِ هجوم على الأقل في أقل من ساعتين. وقال الجيش، في بيان: «قبل قليل، دوّت صفارات الإنذار في مناطق في شمال إسرائيل، عقب رصد إطلاق صواريخ من إيران باتجاه دولة إسرائيل»، وفق ما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأضاف، في بيان منفصل بعد عشر دقائق تقريباً، أنه أصبح بإمكان السكان مغادرة الملاجئ. كانت صفارات الإنذار قد دوّت، في وقت سابق من صباح اليوم الاثنين، لأكثر من 30 دقيقة في مناطق عدة بإسرائيل، بعد وقت قصير من تحذير الجيش من إطلاق دفعات صاروخية من إيران. وقال الجيش، في بيانه، إن «قوات البحث والإنقاذ تعمل في المواقع التي جرى تلقي تقارير عن سقوط صواريخ فيها». وبعد موجة الصواريخ الأولى، أكد إسعاف نجمة داوود الحمراء عدم وجود إصابات. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى تأثر مدينة أسدود جنوباً بالضربات الإيرانية، إذ أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بسقوط صاروخ باليستي في منطقة أسدود بالجنوب الإسرائيلي، لافتة إلى إطلاق نحو 15 صاروخاً إيرانياً، وسقوط شظايا من الصواريخ الاعتراضية في عدة مواقع. صواريخ أُطلقت من إيران يجري اعتراضها في تل أبيب (رويترز) وقالت، نقلاً عن شركة الكهرباء الإسرائيلية، إن انقطاعات في الإمدادات بالجنوب حصلت، على أثر أضرار قُرب منشأة للبنية التحتية الاستراتيجية. وأشار شاهد من «رويترز» إلى سماع دويّ انفجارات متعددة على مسافة من القدس. وبعد 11 يوماً من التصعيد بين إسرائيل وإيران، لم تعلن حصيلة الأضرار التي لحقت إسرائيل بسبب قوانين الرقابة العسكرية. وأقرت إسرائيل بوقوع ما لا يقل عن 50 ضربة صاروخية في كل أنحاء البلاد، ومقتل 24 شخصاً، وفقاً للأرقام الرسمية. واعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية أكثر من 450 صاروخاً، بالإضافة إلى نحو ألف مُسيّرة، وفق أحدث الأرقام الصادرة عن الجيش الإسرائيلي. في السياق نفسه، نقلت شبكة «سي إن إن» الإخبارية، اليوم، عن مصدر لم تُسمِّه، القول إن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي أفاد بأن عدداً كبيراً من صواريخ إيران الباليستية مدفونة في أنفاق مدمَّرة، وباتت غير صالحة للاستخدام. وأضاف هنغبي، في اجتماع مغلق عُقد، أمس، للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، أن إيران أطلقت أكثر من 500 صاروخ على إسرائيل، من أصل 2500 تمتلكها، ويرجَّح أن عدد الصواريخ المدفونة جراء الغارات على شبكات الأنفاق يصل إلى 800. وتشن إسرائيل، منذ 13 يونيو (حزيران) الحالي، غارات واسعة على المنشآت النووية والقواعد العسكرية الإيرانية، وتردّ إيران بهجمات صاروخية على تل أبيب. وفي إيران، أسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 400 شخص، وجرح 3056 آخرين، معظمهم من المدنيين، وفق ما أوردت وزارة الصحة الإيرانية، السبت.