
تقرير عسكري: إسرائيل تفعل في غزة ما لم تفعله ألمانيا بالحرب العالمية
وأوضح التقرير أن قلق الجيش البريطاني من سلوك إسرائيل يتناقض مع دفاع الحكومة عن تصدير أسلحة إليها واعتبارها لا ترتكب جرائم في غزة، مدعيا أن قواتها تنتهك معاهدات اتفاقية جنيف التي تحدد حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب والنزاعات المسلحة.
وذكرت صحيفة « ديكلاسيفايد » أنه تم السماح بمواصلة صادرات الذخيرة لمقاتلات « إف-35 » الأكثر تقدما في إسرائيل عبر دول وسيطة، كما قامت القوات الجوية الملكية البريطانية بالمئات من رحلات المراقبة فوق قطاع غزة منذ 2023.
ولفت التقرير ذاته، إلى أن أفراد الجيش يتحدثون بصراحة أكثر من الوزراء عن جرائم حرب إسرائيل في القطاع، وأنه بات من الشائع أن تجد قلقا عميقا بين القوات البريطانية بشأن سلوك إسرائيل في غزة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلبريس
منذ 7 ساعات
- بلبريس
برقية ترامب للملك ترسم ملامح التسوية النهائية لملف الصحراء
برقية ترامب إلى المغرب: تكريس للموقف الأمريكي الثابت من السيادة المغربية على الصحراء وملامح التسوية النهائية للملف الدكتور مولاي بوبكر حمداني – رئيس مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية لطالما شكلت المراسلات الرسمية بين الدول أدوات أساسية لتوثيق وتأكيد السياسات الخارجية، وفي عالم الدبلوماسية غالبًا ما تحمل الرسائل الرسمية بين قادة الدول أبعادًا تتجاوز الكلمات والمجاملات لتعكس المواقف السياسية وتؤكد على التحالفات، وترسم ملامح التوجهات المستقبلية. وفي هذا الصدد لم تكن البرقية التي وجهها الرئيس الأمريكي، دونالد ج. ترامب إلى العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش استثناءً من هذه القاعدة بل على العكس كانت هذه الرسالة بمثابة تكثيف لواحد من أهم التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة شمال إفريقيا منذ عقود إلا وهو الاعتراف بسيادة المغرب على كامل تراب صحرائه، وتثبيت هذا الموقف كعقيدة راسخة في صلب العلاقات الثنائية. إن قراءة هذه البرقية لا يقتصر على فهم اللحظة التي أُرسلت فيها، بل يتطلب الغوص في أعماق تاريخ طويل من العلاقات المتميزة، وتفكيك الأبعاد الاستراتيجية التي تجعل من الشراكة بين الرباط وواشنطن حجر زاوية للأمن والاستقرار الإقليمي، حيث لا تجسد كلمات ترامب حول دعم مقترح الحكم الذاتي باعتباره 'جادًا وذا مصداقية وواقعيًا، والأساس الوحيد لتسوية عادلة ودائمة' مجرد تكرار لموقف سابق، بل جاءت كتأكيد على أن هذا القرار لم يكن مرحلة عابرة لإدارة راحلة، وإنما هو أساس متين تُبنى عليه فصول جديدة من التعاون، وتعبيرًا عن تقدير متواصل لدور المغرب في المنظومة الإقليمية. المحور الأول: العمق التاريخي للعلاقات الثنائية المغربية-الأمريكية لا مناص في هذا المقام من التذكير بأن العلاقات المغربية-الأمريكية استندت إلى سوابق تاريخية منحتها خصوصية وصبغة استثنائية، ففي عام 1777 وفي خضم الثورة الأمريكية أصدر السلطان محمد الثالث قرارًا سياديًا بفتح الموانئ المغربية أمام السفن الأمريكية وحمايتها، وهو ما عُد أول اعتراف فعلي من دولة ذات سيادة بالولايات المتحدة الأمريكية الوليدة، وقد تُوّج هذا الاعتراف المبكر بتوقيع معاهدة السلام والصداقة المغربية-الأمريكية في مراكش عام 1786، وهي وثيقة تفاوض عليها عن الجانب الأمريكي كل من توماس جيفرسون وجون آدامز، وظلت هذه المعاهدة سارية المفعول دون انقطاع مما جعلها أطول معاهدة صداقة مستمرة في تاريخ الولايات المتحدة أسست لإطار من الثقة والاحترام المتبادل. ولم يقتصر هذا التعاون على الإطار الدبلوماسي بل امتد ليشمل مجالات أخرى، حيث احتضنت مدينة طنجة أول بعثة دبلوماسية أمريكية كما أصبحت 'المفوضية الأمريكية في طنجة' أول ملكية دبلوماسية تقتنيها الحكومة الأمريكية خارج أراضيها، وهي اليوم معلمة تاريخية ترمز لعمق هذه العلاقات. وخلال القرن العشرين، تجسد البعد العملي لهذه الشراكة في محطات حاسمة، ففي الحرب العالمية الثانية شكلت الأراضي المغربية مسرحًا لعملية 'تورش' في نوفمبر 1942 التي كانت من أولى العمليات العسكرية الأمريكية الكبرى في شمال إفريقيا، وفي يناير 1943 استضافت الدار البيضاء 'مؤتمر أنفا' الذي جمع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، بحضور السلطان محمد الخامس حيث تم التخطيط للمراحل الحاسمة من الحرب واتخاذ قرار مبدأ استسلام دول المحور دون شروط. وعقب استقلال المغرب وخلال حقبة الحرب الباردة اتخذت المملكة موقفًا واضحًا بالانحياز إلى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وترجمت هذا الموقف عمليًا من خلال توقيع اتفاقيات سمحت للولايات المتحدة بإقامة واستخدام قواعد جوية على الأراضي المغربية، مثل قواعد سيدي سليمان وبن جرير والنواصر، التي لعبت دورًا في الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية، كما استضاف المغرب محطة إرسال قوية لإذاعة 'صوت أمريكا'. وبناءً على هذه الشواهد فلم تكن الشراكة وليدة اللحظة بل شكلت هذه الوقائع التاريخية المتتالية رصيدًا تراكميًا من المصالح المشتركة والثقة المتبادلة، وهو ما يفسّر مستوى التعاون المتقدم القائم بين البلدين في مراحل لاحقة. لقد تطور الموقف الأمريكي من قضية الصحراء، التي نشأت عقب الانسحاب الإسباني عام 1975، عبر مراحل متباينة، وصولًا إلى مرحلة الوضوح الحالية، حيث انه بعد سنوات من دعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد 'حل سياسي متوافق عليه'، بدأ الموقف الأمريكي يشهد تحولًا تدريجيًا مع تقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي عام 2007، وهي المبادرة التي وصفتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، ومن بعدها إدارة الرئيس باراك أوباما بشكل متكرر بأنها 'جادة وذات مصداقية وواقعية'. ورغم أن هذا التوصيف كان إيجابيًا إلا أنه ظل يندرج ضمن إطار دبلوماسي حذر لم يحسم الموقف بشكل نهائي لصالح السيادة المغربية وأبقى الباب مفتوحًا من الناحية النظرية أمام خيارات أخرى. بيد أن الإعلان الرئاسي الصادر في العاشر من ديسمبر 2020 أحدث تغييرًا جوهريًا في هذه المقاربة، حين نص الإعلان صراحةً على اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب الكاملة على منطقة الصحراء، واعتبر أن 'قيام دولة صحراوية مستقلة ليس خيارًا واقعيًا لحل النزاع'، والأهم من ذلك أنه أقر بأن 'الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن'. ومن ثم فقد جاءت هذه البرقية موضوع التحليل، التي وجهها الرئيس ترامب للعاهل المغربي لتؤكد وتثبت هذا الموقف واصفةً المبادرة المغربية بأنها 'الأساس الوحيد من أجل تسوية عادلة ودائمة لهذا النزاع'، حيث يترتب على هذا التحديد الدقيق للموقف نتائج مباشرة ومتعددة الأبعاد. فعلى الصعيد الدبلوماسي يمنح هذا الموقف دعمًا سياسيًا متواصلاً للمغرب داخل مجلس الأمن الدولي، حيث تضطلع الولايات المتحدة بدور 'حاملة القلم' (Penholder) في صياغة القرارات المتعلقة بالنزاع، كما سيشجع هذا القرار دولًا أخرى على أن تحذو حذوها، إما من خلال فتح قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، أو عبر إصدار بيانات دعم صريحة لمبادرة الحكم الذاتي. وعلى الصعيد القانوني والاقتصادي سوف تزيل هذه الخطوة أي غموض قانوني أو سياسي قد يعتري الشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، وهو ما سبق وان تجسد في الإعلان عن مشاريع استثمارية أمريكية واعتزام فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة هدفها تعزيز الفرص الاقتصادية والتجارية في المنطقة، وبهذا لن يعد الموقف الأمريكي مجرد تثبيت لموقف من من مبادرة للتفاوض بل سياسة دولة واضحة ذات آثار ملموسة. لقد شكلت عبارة 'الأساس الوحيد' التي وردت في البرقية لوصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية، تحولًا مفاهيميًا في المقاربة الأمريكية للنزاع، وتجاوزت حدود التوصيف الإيجابي لتصبح توجها سياسيًا ذا دلالات محددة حيث سبق الإشارة إليها سابقا في بلاغ وزارة الخارجية الأمريكية وبالتالي فإن فهم هذه العبارة يقتضي قراءة أبعادها على مستويين: مستوى الاستبعاد الدبلوماسي، ومستوى إعادة تأطير النقاش. فعلى المستوى الأول، استخدمت عبارة 'الأساس الوحيد' كأداة للاستبعاد الدبلوماسي الصريح للخيارات البديلة التي طُرحت تاريخيًا لتسوية النزاع وفي مقدمة هذه الخيارات يبرز خيار الاستفتاء المفضي إلى الانفصال حيث ظلت الأمم المتحدة لعقود تتمسك بهذا الخيار نظريًا، ولكنه أثبت عدم قابليته للتطبيق عمليًا بسبب الخلاف الجوهري والمستعصي حول تحديد هوية من يحق له التصويت (تحديد الهيئة الناخبة)، ومن خلال تبني مصطلح 'الأساس الوحيد' تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنت بشكل قاطع تخليها عن دعم مسار الاستفتاء، معتبرة إياه طريقًا مسدودًا، وبذلك ستنتقل السياسة الأمريكية من دعم 'عملية سياسية' مفتوحة على كل الاحتمالات، إلى دعم 'إطار حل' محدد مسبقًا. أما على المستوى الثاني، فإن هذه العبارة سوف تؤدي إلى إعادة تأطير جوهر النقاش المستقبلي حول القضية. فبدلًا من أن يكون السؤال المحوري للمفاوضات هو 'ما هو الوضع النهائي للصحراء؟' (استقلال أم اندماج)، سيصبح السؤال هو 'كيف سيتم تطبيق الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية؟'، وهذا التحول سينقل النقاش من مسألة تتعلق بتقرير المصير بمعناه الانفصالي، إلى مسألة تقرير مصير داخلي تتعلق بتوزيع السلطات وتحديد الصلاحيات داخل إطار سيادي مقرر، وبذلك لن تعود السيادة المغربية نتيجة محتملة للمفاوضات بل أصبحت من منظور أمريكي المنطلق والمرتكز الذي يجب أن تُبنى عليه أي تسوية. وعليه فإن استخدام الإدارة الأمريكية لهذه العبارة لم يكن اعتباطيًا بل كان خطوة مدروسة تهدف إلى تحقيق هدفين متلازمين: الأول هو إغلاق الباب أمام حلول ثبت عدم واقعيتها، والثاني هو توجيه أي جهود دولية مستقبلية نحو نقاش براغماتي يركز على تفاصيل تطبيق الحكم الذاتي، وسيكون هذا التحديد بمثابة إرساء لقواعد اشتباك دبلوماسي جديدة، تضع المغرب في موقع قوة، وتدفع الأطراف الأخرى إلى التفاعل مع مقترحه كمنطلق إلزامي لأي حل دائم. أنتج الموقف الأمريكي، الذي كرس مبادرة الحكم الذاتي كـ 'أساس وحيد' للتسوية، واقعًا دبلوماسيًا جديدًا، لن تقتصر آثاره على تعزيز الموقف المغربي، بل سيفرض تحديًا مباشرًا على الجزائر باعتبارها الطرف الرئيسي الداعم لجبهة البوليساريو. ولاشك ان فهم كيفية تعامل الجزائر مع هذا الوضع يقتضي قراءة متقاطعة بين الضغط الذي ستولده البرقية الأمريكية والفرصة التي أتاحتها الدبلوماسية المغربية كما عبر عنها بوضوح الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش. فمن جهة ستشكل عبارة 'الأساس الوحيد' تضييقًا منهجيًا للهامش الدبلوماسي الجزائري، فهذا المصطلح سيجرد الموقف الجزائري التقليدي، القائم على دعم خيار الاستفتاء، من أي غطاء أو دعم محتمل من قبل فاعل دولي رئيسي وعضو دائم في مجلس الأمن، الشيء الذي سيؤدي إلى عزل الأطروحة الانفصالية دوليًا وبحولها من قضية 'تصفية استعمار' – كما كانت تقدمها الجزائر – إلى نزاع إقليمي يتطلب حلًا سياسيًا براغماتيًا وواقعيًا، وبذلك ستجد الجزائر نفسها في مواجهة مباشرة مع سياسة أمريكية واضحة تضع إطارًا محددًا للحل الشيء الذي سيجعل من الصعب عليها الاستمرار في التمسك بخيارات أصبحت، من منظور واشنطن، متجاوزة. ومن جهة أخرى وفي مقابل هذا الضغط الأمريكي، قدمت الدبلوماسية المغربية مقاربة بديلة قائمة على الحوار والتهدئة و للسلام، وقد جسد الخطاب الملكي هذه السياسة بوضوح، حيث أكد الملك على أن 'الشعب الجزائري شعب شقيق'، مجددًا 'التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر' ودعوته إلى 'حوار صريح ومسؤول'، وهذه الدعوة لا يمكن بتاتا اعتبارها مناورة تفاوضية او خطابا ظرفيا بل هي بمثابة عرض دبلوماسي متكامل يهدف إلى طمأنة الجزائر وفتح قناة للتواصل المباشر انطلاقاً من التأكيد على 'وحدة شعوبنا' و'المصير المشترك'، والالتزام بإيجاد 'حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب يحفظ ماء وجه جميع الأطراف'، حيث تكون هذه الخطوة قد قدمت للجزائر في هذه المرحلة الحرجة مخرجًا مشرفًا من المأزق الذي وضعها فيه الموقف الأمريكي. وعليه ستضع هذه الدينامية المزدوجة الجزائر أمام خيارين مصيريين: إما الاستمرار في سياسة الرفض والتمسك بالمواقف التقليدية، مما قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدبلوماسية وتكريس حالة الجمود الإقليمي، أو الاستجابة للدعوة المغربية للحوار، والتعامل مع الواقعية السياسية الجديدة عبر الانخراط في 'حوار أخوي وصادق' كما دعا إليه الخطاب الملكي، قد يتيح للجزائر اعادة التموقع في الخريطة السياسية الإقليمية وأن تلعب دورًا بنّاءً في مناقشة تفاصيل الحكم الذاتي وضماناته، بما يحفظ مصالحها الإقليمية ويساهم في تحقيق التكامل المغاربي الذي أكد عليه الخطاب. وبالتالي فإن كيفية تعامل الجزائر مع هذه المعادلة الجديدة التي تجمع بين الضغط والفرصة هو ما سيحدد بشكل كبير مسار التسوية النهائية للملف ومستقبل الاستقرار في منطقة المغرب العربي بأكملها. لاريب ان التعاون الأمني والعسكري قد شكل مكونًا رئيسيًا وثابتًا في العلاقة الثنائية بين واشنطن والرباط وازدادت أهميته في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية كالإرهاب والجريمة المنظمة، وفي عام 2004، قامت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بتصنيف المغرب كـ'حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو'، وهو وضع منح المملكة امتيازات في مجالات التعاون العسكري والدفاعي، بما في ذلك تسهيل الحصول على المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتقدمة والمشاركة في برامج تدريب مشتركة، كما تجسد هذا التعاون في تحديث الترسانة العسكرية المغربية عبر اقتناء معدات أمريكية متطورة، شملت طائرات إف-16، ودبابات أبرامز وأنظمة دفاعية متنوعة. وإلى جانب التعاون في مجال التسلح شارك المغرب بفعالية في جهود مكافحة الإرهاب وتبنى مقاربة متعددة الأبعاد نالت تقديرًا دوليًا، فعلى الصعيد الأمني أقامت الأجهزة الأمنية المغربية وعلى رأسها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني علاقات تنسيق استخباراتي وثيقة مع نظيراتها الأمريكية، وساهم هذا التنسيق في إحباط العديد من المخططات الإرهابية داخل المغرب وخارجه. وعلى الصعيد الفكري والديني أسس المغرب 'معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات'، الذي عمل على تدريب أئمة من دول إفريقية وأوروبية على نشر خطاب إسلامي معتدل ومتسامح لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة، وهو ما اعتبرته واشنطن أداة فعالة في استراتيجية 'القوة الناعمة'. اضافة لذلك شكل تمرين 'الأسد الإفريقي' العسكري السنوي الذي يستضيفه المغرب التجسيد العملي الأبرز لهذه الشراكة، حيث تطور هذا التمرين ليصبح أكبر تدريب عسكري تنظمه القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بمشاركة آلاف الجنود من الولايات المتحدة والمغرب ودول إفريقية وأوروبية أخرى حيث كانت هذه المناورات ترمي إلى تعزيز قابلية العمل المشترك (Interoperability) بين القوات المسلحة للبلدين وتدريبها على مواجهة مختلف أنواع التهديدات، بما في ذلك التهديدات السيبرانية والكيميائية والبيولوجية، وإرسال رسالة ردع واضحة للجماعات المتطرفة والفاعلين المزعزعين للاستقرار في المنطقة. وبالتالي فقد شكلت هذه الأنشطة المشتركة والمتعددة الأوجه مجتمعة شهادات على مكانة المغرب كفاعل نشط ومساهم رئيسي في منظومة الأمن الإقليمي. كما وسبقت الإشارة فإن الإعلان الرئاسي الأمريكي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه شكل منعطفا جديدا في تاريخ العلاقات المغربية الأمريكية حيث انه ارتبط أيضا عضويًا بالإعلان الثلاثي المشترك بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل في دجنبر 2020،الذي نص على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، وقد اعادت البرقية النص على 'اتفاقات أبراهام' كآلية لتعزيز الاستقرار، مما سيبرز الدور الدبلوماسي الجديد الذي سيضطلع به المغرب، حيث لن يكن هذا الانخراط خطوة معزولة، بل جاء ضمن سياق رؤية أمريكية أوسع تهدف إلى بناء هندسة إقليمية جديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تقوم على التعاون البراغماتي لمواجهة التحديات المشتركة، ولطالما امتلك المغرب مقومات فريدة أهلته للعب دور محوري في هذا السياق. فأولًا، يستند هذا التقارب إلى إرث تاريخي من التعايش بين المسلمين واليهود في المغرب، وهو ما تم تكريسه دستوريًا من خلال الاعتراف بـ'الرافد العبري' كأحد مكونات الهوية الوطنية المغربية. ثانيًا، تمنح المكانة الدينية للعاهل المغربي بصفته أمير المؤمنين ورئيس 'لجنة القدس' المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي الدبلوماسية المغربية شرعية ومصداقية للتواصل مع جميع الأطراف في القضايا المتعلقة بالسلام في الشرق الأوسط. وعقب الإعلان الثلاثي فإن العلاقات المغربية-الإسرائيلية اتخذت مسارًا متسارعًا حيث تم فتح مكتبي اتصال في الرباط وتل أبيب وتم التوقيع على عدة اتفاقيات للتعاون شملت مجالات الطيران المدني، وإدارة المياه، والزراعة، والتكنولوجيا المالية، والأمن السيبراني، ومن المنظور الأمريكي لم يكن هذا التقارب مجرد تطبيع للعلاقات بل كان جزءًا من استراتيجية تهدف إلى خلق محور من الدول المعتدلة القادرة على تعزيز الاستقرار والازدهار الاقتصادي، وقد انسجم هذا التصور مع دور المغرب كجسر محتمل بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط مع مما سيعزز من قيمته كشريك دبلوماسي فاعل. نظم اتفاق التبادل الحر، الذي تم توقيعه عام 2004 ودخل حيز التنفيذ عام 2006، العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وكان الأول من نوعه الذي توقعه الولايات المتحدة مع دولة إفريقية حيث مكن هذا الاتفاق من إزالة معظم الحواجز الجمركية الشيء الذي نتج عنه نمو مطرد في حجم المبادلات التجارية، التي انتقلت من بضع مئات الملايين من الدولارات قبل دخوله حيز التنفيذ لتتجاوز عتبة الخمسة مليارات دولار في السنوات الأخيرة، وقذ استفادت الصادرات المغربية خاصة في قطاعات المنتجات الفلاحية والنسيج والصناعات الغذائية من الولوج المباشر إلى السوق الأمريكية الضخمة. وعلى صعيد الاستثمار شجع الاتفاق الشركات الأمريكية على اتخاذ المغرب كمنصة للإنتاج والتصدير نحو إفريقيا وأوروبا حيث تدفقت استثمارات أمريكية كبرى في قطاعات صناعية واعدة أبرزها قطاع صناعة السيارات، وهكذا أقامت شركات أمريكية كبرى مثل 'لير' و شركة Adient 'أديينت' مصانع لها في المغرب لتزويد المصنعين العالميين، كما شهد قطاع صناعة الطيران بدوره حضورًا أمريكيًا لافتًا حيث استقرت شركات مثل 'بوينغ' و شركة 'كولينز أيروسبيس' الرائدة في مجال تكنولوجيا الطيران والدفاع في المغرب مما ساهم في خلق منظومة صناعية متكاملة. إضافة إلى ذلك، دعمت الولايات المتحدة التنمية في المغرب من خلال وكالاتها وعلى رأسها 'مؤسسة تحدي الألفية' (MCC) التي وقعت مع المغرب اتفاقا 'الميثاق الأول' و'الميثاق الثاني' (Compact I and Compact II) بقيمة إجمالية تجاوزت المليار دولار، مستهدفة قطاعات حيوية مثل الفلاحة والصيد البحري والصناعة التقليدية والتعليم وتكوين اليد العاملة، وإنتاجية العقار. كما أزال الموقف الأمريكي المستجد من قضية الصحراء أي عوائق سياسية محتملة أمام تدفق الاستثمارات إلى الأقاليم الجنوبية وهو ما توافق مع النموذج التنموي المغربي لهذه الأقاليم الذي يهدف إلى تحويلها إلى قطب اقتصادي قاري، عبر مشاريع مهيكلة كمشروع ميناء الداخلة الأطلسي. كما انسجم هذا التوجه مع مبادرة 'ازدهار إفريقيا' (Prosper Africa) الأمريكية التي اعتبرت المغرب شريكًا طبيعيًا لتسهيل التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والقارة الإفريقية. ان المتأمل في دلالات البرقية التي بعث بها الرئيس ترامب سواء في نصها الصريح أو ما يُفهم من بين سطورها، يجد فيها استشرافاً لملامح المرحلة المقبلة للعلاقات المغربية-الأمريكية، حيث نصت البرقية على أن الولايات المتحدة 'تولي أهمية كبيرة للشراكة القوية والدائمة'، كما أكدت على التطلع إلى 'مواصلة التعاون من أجل تعزيز الاستقرار والأمن والسلام'، وهذه العبارات المقترنة بتثبيت الموقف من الصحراء تكون قد رسمت مسارًا مستقبليًا يمكننا تحليله من خلال عدة زوايا وسيناريوهات محتملة ومترابطة: أولًا، على الصعيد الدبلوماسي المتعلق بقضية الصحراء، فإن التأكيد على أن مقترح الحكم الذاتي هو 'الأساس الوحيد' للتسوية لم يكن مجرد موقف سياسي، بل إشارة إلى توجه أمريكي مستقبلي أكثر فاعلية داخل مجلس الأمن الدولي، فمن المتوقع أن تترجم واشنطن هذا الموقف إلى ضغط دبلوماسي ملموس على الأطراف الأخرى، لدفعها نحو الانخراط الجدي في المفاوضات على أساس المبادرة المغربية، كما سيتجسد ذلك في صياغة قرارات مجلس الأمن المستقبلية بشكل يركز بشكل حصري على الحكم الذاتي كإطار للحل مع تهميش أي إشارة إلى خيارات أخرى ثبت عدم واقعيتها، وهذا التوجه سيجعل من الصعب على الأطراف الأخرى الاستمرار في استراتيجية إطالة أمد النزاع وقد يدفعهم هذا نحو إعادة تقييم مواقفهم، بناءً على ذلك يتوقف أحد أهم هذه السيناريوهات المستقبلية على الاستجابة المتوقعة للجزائر للواقع الجديد الذي كرسته عبارة 'الأساس الوحيد'. فالتوجه الأول يتمثل في استمرار الجزائر في موقفها التقليدي الرافض لأي حل خارج إطار الاستفتاء، وهو مسار قد يؤدي إلى تعميق عزلتها الدبلوماسية وزيادة التكاليف السياسية والاقتصادية المترتبة على دعمها لجبهة البوليساريو، خاصة في ظل تزايد الاصطفاف الدولي خلف المبادرة المغربية. أما التوجه الثاني وهو الذي يبدو أن السياسة الأمريكية والمغربية تسعى إلى تشجيعه فيتمثل في تحول جزائري تدريجي نحو الانخراط البراغماتي، وهذا المسار لا يعني بالضرورة تخليًا علنيًا وفوريًا عن مواقفها السابقة، بل قد يتخذ شكل القبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات الأممية بنية جديدة تركز على مناقشة تفاصيل الحكم الذاتي بدلاً من مبدأ تقرير المصير، وهذا الانخراط قد يتيح للجزائر أن تكون طرفًا مؤثرًا في صياغة ضمانات تطبيق الحكم الذاتي بما يحفظ مصالحها الأمنية والإقليمية، وينسجم مع مبدأ 'لا غالب ولا مغلوب' الذي طرحه المغرب كقاعدة لحل يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. إن الاختيار بين هذين المسارين يعود في النهاية إلى الجزائر، لكن تكريس مبدأ 'الأساس الوحيد' قد غيّر بشكل جوهري حسابات التكلفة والمنفعة، وجعل من خيار الانخراط البناء المسار الأكثر عقلانية على المدى الطويل. ثانيًا، في المجال الأمني والعسكري، أشارت البرقية إلى مكافحة الإرهاب كأولوية مشتركة، ويُفهم من ذلك أن المرحلة المقبلة قد تشهد على الأرجح تعميقًا للتعاون الاستخباراتي والقدرات التشغيلية لا سيما في مواجهة التهديدات المتصاعدة في منطقة الساحل والصحراء. وقد يتطور هذا التعاون من تبادل المعلومات إلى التخطيط والتنفيذ المشترك لعمليات استباقية ضد الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية، كما قد يشمل توسيع نطاق تمرين 'الأسد الإفريقي' ليشمل مجالات أكثر تعقيدًا، مثل مواجهة الحروب الهجينة واستخدام الطائرات المسيرة، وتدريب قوات دول أخرى من المنطقة داخل المغرب تحت إشراف مشترك مما يرسخ دور المملكة كمنصة للأمن الإقليمي. ثالثًا، على المستوى الاقتصادي، نفهم من عبارة 'توسيع نطاق التعاون التجاري' أنها حملت في طياتها أكثر من مجرد زيادة في حجم المبادلات، فما وراء السطور تبدو هناك إشارة إلى الانتقال نحو شراكة اقتصادية متكاملة تستهدف قطاعات استراتيجية جديدة، وقد تتضمن المرحلة المقبلة توقيع اتفاقيات قطاعية متخصصة في مجالات الطاقة المتجددة، حيث يمتلك المغرب قدرات كبيرة، والاقتصاد الرقمي، والهيدروجين الأخضر. كما أن الاعتراف الاميركي بسيادة المغرب على صحرائه يفتح الباب أمام استثمارات أمريكية كبرى في مشاريع البنية التحتية في الأقاليم الجنوبية بما في ذلك ميناء الداخلة الأطلسي الضخم، ومشاريع تحلية مياه البحر، ومزارع الطاقة الريحية والشمسية، مما سيحول هذه المنطقة إلى قطب اقتصادي يربط المغرب بعمقه الإفريقي وهو ما يخدم المصالح الأمريكية في إطار التنافس الجيواقتصادي القائم في القارة. رابعًا، فيما يتعلق بالهندسة الإقليمية نجد ان الإشارة إلى 'اتفاقات أبراهام' كمرتكز للسلام، تدل على أن واشنطن ستواصل الاعتماد على المغرب كفاعل محوري في توسيع دائرة هذه الاتفاقات وتعميقها، وقد يشمل السيناريو المستقبلي قيام المغرب بدور وساطة نشط لتشجيع دول إفريقية أخرى على الانضمام إلى هذه الدينامية، كما يُتوقع أن يتطور التعاون الثلاثي (المغرب-أمريكا-إسرائيل) ليشمل مشاريع تنموية في إفريقيا، تستفيد من الخبرة الإسرائيلية في التكنولوجيا والزراعة، والتمويل الأمريكي، والشبكة الدبلوماسية والاقتصادية المغربية الراسخة في القارة، مما سيخلق نموذجًا جديدًا للتعاون جنوب-جنوب-شمال. ونستشف من هذه السيناريوهات أن العلاقة المغربية-الأمريكية لم تصل إلى نهايتها بالاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، بل إن هذا الاعتراف شكل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من الشراكة الأكثر عمقًا وتكاملًا حيث أعادت البرقية التذكير بأن الولايات المتحدة لا ترى في المغرب مجرد حليف تكتيكي بل شريك دائم في بناء منظومة الأمن والازدهار الإقليمي. وصفوة القول ان برقية الرئيس ترامب تكون قد أعادت فتح مرحلة جديدة في العلاقات المغربية-الأمريكية. مفادها ان الموقف الأمريكي الثابت من قضية الصحراء، مضافًا إليه التعاون القائم في المجالات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية يعكس متانة وعمق وترابط المصالح بين البلدين، وتشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى استمرارية هذه السياسة من قبل الإدارة الأمريكية مستندة في ذلك إلى تقييم طويل الأمد لدور المغرب في استقرار المنطقة، ولم تكن أبداً مرتبطة بإدارة معينة، وبذلك فإن العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين سوف تتتقل إلى طور الشراكة القائمة على رؤية مشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية وتحقيق المصالح المتبادلة، مع وجود آفاق أكبر لتعميق هذا التعاون في المستقبل القريب.


الأيام
منذ 17 ساعات
- الأيام
ما تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على عشرات الدول؟
Getty Images فرض ترامب تعريفات جمركية هائلة على حوالي 70 دولة بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق تجاري معها بعد الوصول إلى الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتقدم عشرات الدول بعروض لاتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة، وهو الأول من أغسطس/آب الجاري، لم تستجب جميع الدول لما طلبته واشنطن لتخضع لتعريفة جمركية مرتفعة بداية من هذا الشهر. في هذا الصدد نحاول التوصل إلى إجابات على الكثير من الأسئلة التي يطرحها الموقف الراهن لسياسات ترامب التجارية وما قد تخلفه من آثار على الاقتصاد الأمريكي والعالمي واقتصادات المنطقة العربية. وأعلن ترامب في الثاني من إبريل/نيسان الماضي ما يُعرف 'بالتعريفة الجمركية المتبادلة' التي تطال عدداً كبيراً من دول العالم برسوم غير مسبوقة تُفرض على صادرات هذه الدول إلى الولايات المتحدة. لكن الرئيس ترامب عاد في الثامن من نفس الشهر وأمر بتعليق العمل بهذه التعريفة لمدة تسعين يوماً تنتهي في التاسع من يوليو/تموز الماضي، وهو الموعد الذي تم تمديده إلى الأول من أغسطس/آب الجاري. واعتبر كثيرون الموعد النهائي مهلة للشركاء التجاريين للولايات المتحدة للتقدم بعروض لاتفاقات تجارية والعمل على التفاوض بشأنها وإلا تعرضوا للعودة إلى تفعيل التعريفة الجمركية. وجاء قرار التمديد ليلقي الضوء على احتمالات أن تكون الإدارة الأمريكية تستخدم التفاوض في الاتفاقات التجارية كورقة ضغط من أجل تحقيق مكاسب تجارية. ما هي الدول التي توصلت إلى اتفاقات؟ توصلت الإدارة الأمريكية إلى اتفاقات تجارية مع عدد من شركائها التجاريين، أهمهم المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وفيتنام وغيرها من دول الاقتصادات الرئيسية والناشئة على مستوى العالم. على الجانب الآخر، هناك دول هامة على الصعيد التجاري لم تتمكن من التوصل إلى اتفاقات تجارية مع واشنطن، أبرزها كندا، والمكسيك، وتايوان، والهند، وهو ما أدى إلى فرض تعريفة جمركية مرتفعة على صادراتها إلى الولايات المتحدة. وتوصل الجانبان الأمريكي والصيني لما وُصف بالهدنة التجارية التي تتضمن تعليق العمل ببعض التعريفات الجمركية في بعض القطاعات، علاوة على تأجيل تفعيل بعض الرسوم مع سريان بعضها، والذي كان مفروضًا من قبل. 'مصالح واشنطن أولاً' Getty Images من المتوقع أن يعاني المستهلك الأمريكي نفسه من ارتفاع الأسعار الذي قد ينتج عن تعريفة ترامب الجمركية قال مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد والتمويل، لبي بي سي: 'بعد انتهاء المهلة التي حددها ترامب لعقد اتفاقات تجارية جديدة مع الشركاء التجاريين لبلاده، يبدو المشهد العالمي مهيئاً لتغييرات عميقة في قواعد اللعبة التجارية، تتجاوز ما اعتدناه منذ تأسيس النظام التجاري متعدد الأطراف بعد الحرب العالمية الثانية'. وأضاف: 'الوضع الحالي يعكس تصعيداً مُمنهجاً للضغوط الأمريكية على الشركاء التجاريين، من أجل إعادة صياغة الاتفاقات بما يحقق مصالح واشنطن أولاً'. وأشار إلى أن الرئيس ترامب استطاع بالفعل في فترة ولايته الأولى أن يفرض إيقاعاً تفاوضياً جديداً، تُرجم إلى اتفاقيات محدثة مثل اتفاق الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) بدلاً من نافتا. لكن نافع أكد أن هذه النجاحات جاءت بثمنٍ باهظ يتمثل في توتر الأسواق، وازدياد انعدام اليقين، وتقويض الثقة في منظمة التجارة العالمية، وهو ما جعل مناخ الاستثمار العالمي أكثر هشاشة. وأعلن ترامب وضع تعريفة جمركية مرتفعة، كانت معلقة لأكثر من 90 يوماً، حيز التنفيذ على 69 شريكاً تجارياً للولايات المتحدة تتراوح بين 10 في المئة و41 في المئة. ويبدأ تطبيق هذه النسب على أرض الواقع خلال سبعة أيام من هذا الإعلان. وقال الرئيس الأمريكي إنه سوف يتخذ القرار في وقتٍ لاحقٍ بشأن تمديد الهدنة التجارية مع الصين من عدمه، وما إذا كانت الهدنة سوف تستمر من أجل المزيد من التفاوض أو البدء في العمل بالتعريفة الجمركية الأمريكية الهائلة المفروضة على الصين بمجرد انتهاء الهدنة في 12 أغسطس/آب الجاري. وقبل الدخول في مفاوضات تجارية مع الصين، كان الرئيس الأمريكي قد فرض تعريفة جمركية على واردات بلاده من الصين بقيمة 145 في المئة. وقال محمد حسن زيدان، كبير المحللين الاستراتيجيين لأسواق المال لدى شركة كافيو للوساطة المالية لبي بي سي: 'أرى أن الوضع الحالي لسياسات الرئيس ترامب التجارية يعكس نهجاً متشدداً يهدف إلى إعادة تشكيل العلاقات التجارية العالمية تحت شعار 'أمريكا أولاً''. وأضاف: 'نجح ترامب إلى حدٍ ما في فرض هيمنة تجارية عبر اتفاقات ثنائية مع كيانات مثل الاتحاد الأوروبي (تعريفة جمركية بقيمة 15 في المئة)، وبريطانيا، واليابان، لكنه لم يحقق هدفه الطموح بـ '90 صفقة في 90 يوماً''. 'أداة تفاوض وعقاب' وقال نافع: 'أما التأثيرات الاقتصادية المترتبة على النسب الجديدة للتعريفات والاتفاقات، فهي لا تقتصر على الجوانب التجارية المباشرة، بل تمتد إلى آليات التسعير والتضخم'. وأضاف: 'رفع التعريفات يُترجم إلى زيادة في تكلفة الاستيراد، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والوسيطة، وبالتالي الضغط على المستهلك الأمريكي نفسه'. وأكد أن هذا المسار 'يُربك البنوك المركزية ويقيد قدرتها على التوفيق بين استهداف التضخم ودعم النمو، وهو ما قد يدفع ببعض الاقتصادات المتقدمة إلى حافة الركود التقني'. كيف يتأثر الاقتصاد العالمي؟ Getty Images اليابان من أهم الشركاء التجاريين الذين توصلوا إلى اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة قال زيدان: 'التعريفات الجديدة، التي تتراوح بين 10 في المئة و145 في المئة (كما على الصين)، قد تؤجج التضخم عالمياً بسبب ارتفاع تكاليف الواردات، مع تباطؤ محتمل في النمو الاقتصادي نتيجة اضطراب سلاسل التوريد'. وأشار أيضاً إلى إمكانية تفاقم التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركاء تجاريين مهمين، وهو ما يتضح في حالة الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال المشهد على صعيد اتفاقه التجاري مع واشنطن مغلفاً بالكثير من انعدام اليقين. فشروط الاتفاق بين الجانبين الأمريكي والأوروبي لا تزال قيد التفاوض. كما لا نعرف ما الذي يمكن أن تنتهي إليه الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين. وحذر نافع من آثار أخرى للتعريفة الجمركية على الاقتصاد العالمي؛ وهي محدودية الخيارات أمام الدول التي لم توقع اتفاقات تجارية مع واشنطن، إذ أن هذه الدول: 'إما أن تخضع للشروط الأمريكية والدخول في اتفاقات غير متكافئة، أو الدخول في مواجهات تجارية قد تُفضي إلى اضطراب أكبر في سلاسل التوريد العالمية'. المنطقة العربية Getty Images قد تتأثر الاقتصادات العربية بالتعريفة الجمركية لترامب بشكل مباشر وغير مباشر المنطقة العربية، ومصر على وجه الخصوص، ليست في منأى عن تلك التبعات، حتى وإن لم تكن طرفاً مباشراً في هذه الاتفاقات أو الخلافات، وفقًا لنافع. وقال، في تصريحات لبي بي سي: 'فمع تعطل سلاسل التوريد وارتفاع تكلفة النقل، تتأثر اقتصادات المنطقة من خلال قنوات عدة: أبرزها تقلب أسعار السلع الأساسية، وتراجع الطلب العالمي على صادراتها، فضلاً عن احتمالات انكماش تحويلات العاملين بالخارج إذا تباطأ النشاط الاقتصادي في الدول المضيفة، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الخليج'. كما حذر من أن إعادة رسم خريطة الاستثمارات العالمية قد تؤدي إلى تقليص تدفقات رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر، التي تعتمد على استثمارات قصيرة ومتوسطة الأجل لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي وتمويل العجز المالي. وفي السياق ذاته، قد لا تكون اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) بمنأى عن هذه التداعيات، إذ من المحتمل أن تعيد الإدارة الأمريكية النظر في بعض بنودها، مثل نسبة المكوّن الإسرائيلي أو قواعد المنشأ، مما قد يضر بالصادرات المصرية، وفقاً لنافع. وفرضت الإدارة الأمريكية رسوماً جمركية على 69 دولة من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة تتراوح بين 10 في المئة و41 في المئة بعد انتهاء المهلة التي أعطاها الرئيس الأمريكي لتلك الدول من أجل التقدم بعروض للدخول في اتفاقات تجارية مع واشنطن. وفرض ترامب تعريفة جمركية على كندا بقيمة 35 في المئة، وتعريفة جمركية على واردات بلاده من سويسرا بقيمة 39 في المئة، مع فرض تعريفة على الواردات الأمريكية من الهند بقيمة 25 في المئة. ورأى زيدان أن تأثير سياسات ترامب التجارية على الشرق الأوسط لن يكون بسبب التعريفات الجمركية في حد ذاتها، بل بسبب النتائج السلبية الناتجة عنها اذا خرجت الأمور عن السيطرة، فدخول الاقتصاد العالمي في أي مأزق من شانه أن يضر بمصر ودول الشرق الأوسط بشكل مباشر'. وأشار إلى أن الأمر يتطلب من الدول العربية 'تنويع الأسواق ومصادر الاستثمارات، وتعزيز التكامل الإقليمي لتخفيف الصدمات في حال أرادت هذه الدول الخروج من المأزق المُحتمل'. وفرضت إدارة ترامب تعريفة جمركية على دول عربية تتضمن 15 في المئة على الأردن، و25 في المئة على تونس، و30 في المئة على الجزائر وليبيا، و35 في المئة على العراق، و41 في المئة على سوريا. 'أداة سياسية بامتياز' Getty Images ربط ترامب القضايا التجارية بقضايا سياسية أخرى مثل أمن الحدود، كما حدث أثناء المفاوضات التجارية مع كندا وقالت رانيا وجدي، كبيرة استراتيجيي الأسواق في شركة 'أو دبليو ماركتس'، لبي بي سي إن 'ربط ترامب الملفات التجارية بقضايا سيادية، مثل الأمن الحدودي وتهريب المخدرات مع كندا، يمثل سابقة خطيرة في التجارة الدولية. هذا التوسع في نطاق النزاع التجاري إلى ساحات سياسية يعقد التوصل إلى حلول ويرفع احتمال استمرار التوتر لفترة أطول'. وأضافت أن 'وجود تعريفات عالية على دول مثل كندا والهند، حتى مع استمرار المفاوضات، يؤكد أن إدارة ترامب تستخدم التعريفات كأداة ضغط مستمرة وليست مجرد تهديد مؤقت'. ويرى نافع أن 'السياسة التجارية الأمريكية باتت أداة سياسية بامتياز، تتجاوز مقتضيات الاقتصاد الكلي إلى حسابات انتخابية وجيوسياسية'. وأضاف أنه 'على الدول النامية، ومنها مصر، أن تُحسن قراءة هذا التحول، لا عبر التكيّف معه فقط، بل من خلال تنويع شراكاتها التجارية، وتعزيز إنتاجها المحلي، وبناء قدرة تفاوضية جماعية إقليمية تقيها التقلبات القادمة'. وأكدت وجدي أنه على الرغم من نجاح الإدارة الأمريكية في عقد اتفاقيات مع بعض الشركاء كالاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، إلا أن هذه الاتفاقات جاءت مشروطة ومبنية على تنازلات قاسية من الطرف الآخر.


اليوم 24
منذ 19 ساعات
- اليوم 24
تقرير عسكري: إسرائيل تفعل في غزة ما لم تفعله ألمانيا بالحرب العالمية
كشف تقرير صادر عن الجيش البريطاني أن إسرائيل تقصف مستشفيات قطاع غزة بطرق لم تفعلها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وأن هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على هذه المستشفيات تشبه هجمات روسيا في أوكرانيا. وأوضح التقرير أن قلق الجيش البريطاني من سلوك إسرائيل يتناقض مع دفاع الحكومة عن تصدير أسلحة إليها واعتبارها لا ترتكب جرائم في غزة، مدعيا أن قواتها تنتهك معاهدات اتفاقية جنيف التي تحدد حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب والنزاعات المسلحة. وذكرت صحيفة « ديكلاسيفايد » أنه تم السماح بمواصلة صادرات الذخيرة لمقاتلات « إف-35 » الأكثر تقدما في إسرائيل عبر دول وسيطة، كما قامت القوات الجوية الملكية البريطانية بالمئات من رحلات المراقبة فوق قطاع غزة منذ 2023. ولفت التقرير ذاته، إلى أن أفراد الجيش يتحدثون بصراحة أكثر من الوزراء عن جرائم حرب إسرائيل في القطاع، وأنه بات من الشائع أن تجد قلقا عميقا بين القوات البريطانية بشأن سلوك إسرائيل في غزة.