logo
الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي: "الشرق يبدأ من القاهرة"

الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي: "الشرق يبدأ من القاهرة"

Independent عربيةمنذ 3 أيام
لم يكن الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي (1958) خلال شهرين قضاهما في مصر (ديسمبر 1999 ويناير 2000)، مسافراً عادياً داخل حيزي الزمان والمكان، فعبر قراءته تجهَّز جيداً للرحلة – أو هكذا ظنَّ – وعلى أرض الواقع لمس الخلاف بين القاهرة (أو مصر عموماً) التي قرأ عنها وتشكَّلت لها صورة معينة في مخيلته، وتلك التي زارها واحتك بأهلها، بحسب ما أورده محمد الفولي في مقدمة ترجمته لكتاب "الشرق يبدأ من القاهرة" (دار صفصافة).
ومع ذلك، خالف فاسيولينسي الواقع، بأن أورد معلومات مغلوطة، مثل أنه "لكي يُنشر لك عمل أدبي في مصر لا بد وأن يمر عبر رقابة شيوخ الأزهر"، أو أن بعض كتب نجيب محفوظ ممنوع من التداول، أو أن أهم جائزة أدبية في مصر وأكبرها من الناحية المادية لا تُمنح لمؤلف رواية أو ديوان شعر، بل لأفضل شخص يتلو آيات القرآن. وربما استناداً إلى ذلك وغيره من تعميمات غير موضوعية، توقع فاسيولينسي بأن كتابه هذا "لن يترجم بالتأكيد إلى العربية" ص 234. ومعروف أن العمل الوحيد لمحفوظ الذي منع في مصر هو روايته "أولاد حارتنا"، عقب نشر فصول منها في جريدة "الأهرام"، لكن بعد محاولة اغتياله في 1994، بادرت جريدة "الأهالي" القاهرية بنشرها في ملحق طبعت منه آلاف النسخ، ثم نشرتها دار الشروق" عام القاهرية، عام 2006، علما أن طبعتها الأولى صدرت عام 1962 عن دار "الآداب" البيروتية.
أدب الرحلات
اطلع فاسيولينسي على ما كتبه هيرودوت عن مصر القديمة وعلى ما دوَّنه جوستاف فلوبير، في كتابه "رحلة إلى مصر"، المعزَّز بلوحات وصور ماكسيم دوكا، وعلى "روائح الرحلات" لروديارد كيبلينغ، ورواية "أُم" للفرنسي من أصل لبناني سليم نصيب، والتي ترجمها بسام حجَّار إلى العربية تحت عنوان "كان صرحاً من خيال"، وتتناول علاقة أم كلثوم بالشاعر أحمد رامي. وتشمل قائمة المراجع الواردة في نهاية الكتاب أعمالاً أخرى، قرأها إكتور آباد فاسيولينسي، سواء قبل أن يبدأ زيارته للقاهرة، أو خلال عمله على كتابه الذي يندرج في فئة أدب الرحلات والذي صدرت نسخته الإسبانية عام 2002 تحت العنوان التالي Oriente empieza EL CAIRO، ومنها "تاريخ المصريين" لإسحق عظيموف، "رسائل من مصر" لهانز حورج بيرغر وهرفي بيرغر، "المسلم" لباولو برانكا، "الأدب والشعر في مصر القديمة"، و"على ضفاف النيل" و"مصر في زمن الفراعنة" لإدا بيرسياني، و"القلب السري للساعة" لإلياس كانيتي، و"المومياوات، رحلة نحو الخلود" لفرانسواز دينو وروجر ليكتنبرغ.
واتكأ كذلك على كتاب جيرار دي نرفال "رحلة إلى الشرق"، وكتاب ويليام ثاكيراي "رحلة من كوين هيل إلى القاهرة"، وكتاب الأميركي ماكس رودنبيك "القاهرة المدينة المنتصرة". لكن الغريب هو أنه لم يرجع إلى أي من روايات نجيب محفوظ وغالبيتها كما هو معروف تدور أحداثها في القاهرة، وخصوصا في منطقة خلن الخليلي ومحيطها، الذي عبر فاسيولينسي في غير موضع من كتابه عن ولعه بأجوائها.
البوابة الافتراضية
وكما يقول الفولي فإن فاسيولينسي الحاصل على الجنسية الإسبانية، حرص على أن تتكئ رحلته عبر المكان، وهو في هذه الحالة القاهرة، على تجربته الشخصية، وأن يعزّزها برحلة زمنية تمتد من أيام مصر القديمة، وحتى نهاية القرن العشرين، متكئاً على حيز واسع من القراءة، جعله على قناعة بأن هذا البلد هو "البوابة الافتراضية للشرق". من الطائرة وهي تستعد للهبوط، رأى، "رداءاً سميكاً وقاتماً من الغبار يخفي القاهرة"، فقرر – بمخيلة روائي - أن عليه أن ينزع أحجبة "أم المدن" تلك، بتعبير ابن بطوطة، "واحداً تلو الآخر" ص 33. وهو هنا يتذكر قول ابن بطوطة عن القاهرة في زمنه: "تمتد كموج من البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم"، ويعلق بأن "ثناء الأمس ربما يصبح رثاء اليوم؛ أو بالأصح أن أم الدنيا تحولت إلى زوجة أب عجوز منفرة". ويضيف جازماً: "روعة هذه الأرض هي أنها في انهيار منذ خمسة آلاف عام إلا أنها لا تتوقف عن الإبهار".
وعند زيارته لمقياس النيل في جزيرة الروضة، يستدعي "نشيد النيل"، الذي كُتِب قبل أكثر من 3 آلاف عام: "رسول الطعام وميسر الأغذية، خالق كل شيء جميل، السيد الكريم طيب المياه، تباركتَ كلما جئت" ص 40، ويغلق مسترجعاً النظرة الأولى إلى النيل "من بين غمامة القاهرة المدخنة": "ليس هو نهر الكتب الرائع"، ويذكر أنه ما إن وصل فلوبير إلى القاهرة "حتى شعر بالرغبة في العودة إلى نورماندي"، بحسب ما قاله رفيق رحلته صديقه المصور ماكسيم دو كامب. ويقول إن فلوبير وصف القاهرة أيضاً بأنها "لا ترحم الأعين"، ثم لاحقاً كتب لوالدته: "ترغبين في معرفة إذا ما كان الشرق على مستوى توقعاتي؟ هو على هذا المستوى وتخطى سعة افتراضاتي، وجدتُ ما كان بالنسبة لي أموراً ضبابية مرسوماً بكل وضوح، الأفعال التي حلت محل الأفكار، لدرجة أنه في بعض الأحيان يبدو الأمر كأنني وجدتُ نفسي مجدداً مع أحلامي القديمة" ص 51.
أكثر أمناً
وعلى أية حال يقر فاسيولينسي بأنه وجد القاهرة "أكثر أمناً من باريس ومدريد ونيويورك". ويضيف: "ربما يعد أكثر شيء لا يمكن تفسيره في أحياء القاهرة الفقيرة، هو أن سكانها ىتسمون بالمرح واللطف"، وهو الأمر الذي لاحظه كفافيس في الإسكندرية حين قال: "الشمس تحرق مصرنا الذابلة بسهامها المرة البغيضة تحرق مصرنا العطشى لكن هناك مصر أخرى، تتحدى بسعادةِ أسواقها طغيان الشمس، تبيع ببهجة لتشتري الزينة وتنسى لعنتها" ص 253. ولاحظ الكاتب الكولومبي كذلك أن القاهريين؛ "يعيشون بحالة مزاجية جيدة للغاية، كما لو أن أياً من كل الأشياء التي تضايقنا من حر وصخب وتلوث، لا تؤثر فيهم، فهم يلقون التحية ويبتسمون ويلعبون كأنهم يحتفظون داخل أنفسهم بسرٍ ما، جين سعادة لا يقبل التحول ومحصَّن ضد هجمات الواقع. الكُرات التي تقفز وترتد بين المقابر هي أفضل صورة لانتصار هذه السعادة في مساحة مخصصة في الأساس للموت".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف: "في بلادي المليئة بالمهربين وررجال المافيا، نحن خبراء في حداثة النعمة، نحن أشقاء مصر في هذا، وأيضاً في مسألة الانتماء للعالم الثالث. فقر القاهرة مثل فقر ميديين، وإن كان ما يخصها أكثر كرامة ولا يزال يحتفظ حتى في أكثر حالاته مأساوية بنوع من الاحترام. ما لا يصب في صالحنا هو مسألة العنف، إذا ما كانت الأبواق في القاهرة لا تتوقف (وهذا أمر يصيب أكثر العقول حكمة بالجنون) فإنها في ميديين لا تسمع لسبب أسوأ: الخوف من أن يقدم مجنون غاضب على قتلك إذا ما استخدمت بوق سيارتك معه". في مديين: "عمليات السرقة بالإكراه والقتل، هي الخبز اليومي الذي نتناوله". أما المراكز التجارية الحديثة في القاهرة فهي كما في أي مكان آخر في العالم، جزء من عالم يميل نحو التحول إلى مقبرة للبضائع المتماثلة الباردة.
صدمة الواقع
لكن داخل إطار تلك الحملة الجديدة المدبرة التي تحدث عنها ساراماغو، يقول فاسيولينس هناك أيضا المراكز التجارية العتيقة، في منطقة القاهرة الفاطمية، مثل خان الخليلي، حيث مقهى الفيشاوي، وسوق الصاغة، ومتاهات بائعي الملابس القديمة، وأصوات سكاكين الحرفيين. لكنه يعترف بأنه مارس عملية خداع عندما تعمد شراء عمل نحتي يجسد هيئة امرأة حزينة في قلب شجرة أبنوس "لا بد أنها قديمة للغاية"، من سوق خان الخليلي بثمن بخس. لكنه شعر بعد عودته إلى الفندق بتأنيب الضمير فأعادها في اليوم التالي لصاحبها واسترد المبلغ الذي كان قد دفعه له.
ومن محصلة جولة نيلية من الأقصر إلى أسوان، تتأكد قناعة فاسيولينسي بأن "ما يطلق عليه اليوم مصر، لا تربطه صلة بمصر الكتب أو مصر التي يبحث عنها الغرب ويحلم بها منذ حملة نابليون في 1798 أو إعلان جان فرانسوا شامبليون في سبتمبر 1833 أنه تمكن من فك شفرات الهيروغليفية، تلك الكتابة التي ظلت لا تنطق ولا تسمع منذ أكثر من 1500 عام. هي ليست أيضاً تلك الدولة القابعة في مخيلتنا منذ ترجمة بيرتون لـ "ألف ليلة وليلة" في 1855. لم تعد هي هذا البلد المقارب للخيال أكثر من الواقع والذي ولدت فيه الفنون والتقييمات وصنعت فيه آلهة الإغريق، وحدثت فيه معجزات موسى، وتحققت فيه نبوءات يوسف. علاقة مصر الحديثة بتلك القديمة هي مثل تلك التي تجمع إسبانيا اليوم بالحضارة التي رسمت كهف ألتاميرا، أو كولومبيا الحالية بالحضارة التي صنعت مقابر تييرادينترو". ويضيف: "نحن جميعاً نخلط الثقافة بالأرض... أروع ما في مصر هو ماضيها. كيف ستشعر بالعظمة وبائعو أوراق البردي الزائف يطاردونك ويهجمون عليك أيضاً بأهرام بلاستيكية صغيرة".
يذكر أن إكتور آباد فاسيولينسي اشتهر بكتابه "النسيان" وهو عن حياة والده إكتور آباد غوميز. وحصل على جائزة الصين لأفضل رواية أجنبية عام 2005 عن رواية "أنغوستا"، وجائزة بيت أميركا في البرتغال عن "النسيان" والجائزة الوطنية الكولومبية للقصة. قررت إسبانيا منحه جنسيتها عام 2017 لكونه "أحد أفضل المؤلفين باللغة الإسبانية".
...
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عبد الحسين عبد الرضا.. الذكرى الثامنة لوفاة فنان لا يشبه أحداً وإليكم أبرز محطاته الفنية
عبد الحسين عبد الرضا.. الذكرى الثامنة لوفاة فنان لا يشبه أحداً وإليكم أبرز محطاته الفنية

مجلة سيدتي

timeمنذ 2 أيام

  • مجلة سيدتي

عبد الحسين عبد الرضا.. الذكرى الثامنة لوفاة فنان لا يشبه أحداً وإليكم أبرز محطاته الفنية

تحل اليوم الذكرى الثامنة لرحيل الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا ، حيث توفي في مثل هذا اليوم 11 أغسطس من عام 2017، تحديداً بمستشفى رويال برومبتون، لندن، المملكة المتحدة، بعد معاناة مع المرض، ودُفن بموطنه الكويت. مسيرة فنية بدأت بالمسرح ويُعد عبد الحسين من أبرز الفنانين الكويتيين الذي بدأ مسيرته من خلال المسرح، ومن ثم انتقل إلى الدراما، كما شارك بعدد من السهرات التلفزيونية ومسلسلات إذاعية، إضافةً إلى السينما وتقديم عدد من الأوبريتات، كذلك قام بتأليف عدد من الأعمال. امتازت شخصيته الفنية عن بقية الفنانين، فهو لم يكن يشبه أحداً من قبله وامتاز بالشخصية المرحة وكذلك الساخرة والكوميدية، كما قام بتأسيس فرقة المسرح العربي، وفرقة المسرح الوطني، ومسرح الفنون، وشركة مركز الفنون للإنتاج الفني والتوزيع، وشركة مطابع الأهرام، كما قام الراحل بتأسيس قناة "فنون"، وهي أول قناة متخصصة بالكوميديا على مستوى الخليج وكذلك الوطن العربي. وتقلد عدداً من المناصب كان منها مالك ورئيس مركز الفنون للإنتاج الفني التلفزيوني والمسرحي، الرئيس الفني والمالي في مجلس إدارة المسرح العربي، مؤسس قناة فنون الفضائية، ونقيب الفنانين والإعلاميين الكويتيين. بدايات عبد الحسين عبد الرضا بدأ الفنان عبد الحسين عبد الرضا من خلال المسرح وتحديداً مسرحية "صقر قريش" للمخرج زكي طليمات، بعدها عمل عدداً من المسرحيات كان من أبرزها مسرحية "ابن جلا"، "فاتها القطار"، "عمارة المعلم كندور"، "استارثوني وأنا حي"، "المنقذة"، "آدم وحواء"، "اغنم زمانك"، "الكويت سنة 2000"، "24 ساعة"، "حط حيلهم بينهم"، "من سبق لبق"، "القاضي راضي"، "حط الطير طار الطير"، "عالم نساء ورجل"، "30 يوم حب"، "بني صامت"، "ضحية بيت العز"، "على هامان يا فرعون"، "عزوبي السالمية"، "باي باي لندن"، "فرسان المناخ"، "فرحة أمة"، "باي باي عرب"، "هذا سيفوه"، "سيف العرب"، "مراهق في الخمسين"، "قناص خيطان"، و"على الطاير". كما برع بتقديم الأوبريتات، حيث كان يتمتع بصوت جميل وأداء أحبه الجمهور، وقدم عدداً من الأوبريتات كان منها "مداعبات قبل الزواج"، "شهر العسل"، "بساط الفقر" مع الفنانة سعاد عبد الله ، "والله زمن" مع الفنان إبراهيم الصلال، و"دورة كأس الخليج 17". أعمال عبد الحسين عبد الرضا بالدراما وعمل الراحل عدداً من المسلسلات كان من أبرزها مسلسل "مملكة الحارة"،"مذكرات بو عليوي"،"لعبة الأيام"، "القلب الكبير"، "محكمة الفريج"، "الصبر مفتاح الفرج"، "قحصة ملحة"، "أجلح وأملح أجلح"، "الخادم"، "حاور زاور"، "شرباكة"، "الملقوف"، "صاحي"، "درب الزلق"، الأقدار"، "العتاوية"، "درس خصوصي"، "قاصد خير"، "لن أمشي طريق الأمس"، "مرمر زماني"، "زمان الإسكافي"، "سوق المقاصيص"، "ديوان السبيل"، "الحيالة"، "حبل المودة"، "التنديل"، "أبو الملايين"، "العافور"، و"سيلفي 3". التكريمات والجوائز حصل الفنان عبد الحسين عبد الرضا على عدد من التكريمات والجوائز والدروع التقديرية؛ كان منها: تكريمه في مهرجان أيام الشارقة المسرحية، جائزة نجم المسرح الأول، الجائزة التقديرية من قاعدة الملك عبد العزيز الجوية، تكريم من مهرجان قرطاج المسرحي، جائزة رائد المسرح العربي، جائزة سلطان العويس للإبداع الفني العربي، جائزة التقدير من مهرجان الخليج للإنتاج التلفزيوني، جائزة الدولة التقديرية، جائزة تقدير من وزارة الثقافة الأردنية بمهرجان المسرح الأردني التاسع، شهادة تكريم الرواد في مهرجان المسرح الخليجي، جائزة تكريم للعمالقة الذين أثروا الفن العربي، تكريم من مهرجان أيام دمشق المسرحية، جائزة تكريم من مهرجان الشهيد فهد الأحمد للدراما التلفزيونية، تكريم من المعهد العالي للفنون المسرحية بمناسبة يوم المسرح العالمي، تكريم من بيت الكويت للأعمال الوطنية عن مسلسل التنديل، تكريم من مهرجان ليالي فبراير، تكريم من معهد الأكاديمية الدولية للإعلام، تكريم من مهرجان مسقط السينمائي، تكريم من مهرجان الأردن للإعلام العربي، تكريم من مهرجان الشارقة المسرحي، درع تقدير من حفل تكريم رواد الفن الكويتي، جائزة فنان العام من مهرجان الفجيرة الدولي للمنودراما، جائزة المشوار الفني من جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا، درع وزارة الشباب والرياضة العراقية، وجائزة خلف الحبتور للإنجاز. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي » وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي » ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن »

الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي: "الشرق يبدأ من القاهرة"
الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي: "الشرق يبدأ من القاهرة"

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي: "الشرق يبدأ من القاهرة"

لم يكن الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي (1958) خلال شهرين قضاهما في مصر (ديسمبر 1999 ويناير 2000)، مسافراً عادياً داخل حيزي الزمان والمكان، فعبر قراءته تجهَّز جيداً للرحلة – أو هكذا ظنَّ – وعلى أرض الواقع لمس الخلاف بين القاهرة (أو مصر عموماً) التي قرأ عنها وتشكَّلت لها صورة معينة في مخيلته، وتلك التي زارها واحتك بأهلها، بحسب ما أورده محمد الفولي في مقدمة ترجمته لكتاب "الشرق يبدأ من القاهرة" (دار صفصافة). ومع ذلك، خالف فاسيولينسي الواقع، بأن أورد معلومات مغلوطة، مثل أنه "لكي يُنشر لك عمل أدبي في مصر لا بد وأن يمر عبر رقابة شيوخ الأزهر"، أو أن بعض كتب نجيب محفوظ ممنوع من التداول، أو أن أهم جائزة أدبية في مصر وأكبرها من الناحية المادية لا تُمنح لمؤلف رواية أو ديوان شعر، بل لأفضل شخص يتلو آيات القرآن. وربما استناداً إلى ذلك وغيره من تعميمات غير موضوعية، توقع فاسيولينسي بأن كتابه هذا "لن يترجم بالتأكيد إلى العربية" ص 234. ومعروف أن العمل الوحيد لمحفوظ الذي منع في مصر هو روايته "أولاد حارتنا"، عقب نشر فصول منها في جريدة "الأهرام"، لكن بعد محاولة اغتياله في 1994، بادرت جريدة "الأهالي" القاهرية بنشرها في ملحق طبعت منه آلاف النسخ، ثم نشرتها دار الشروق" عام القاهرية، عام 2006، علما أن طبعتها الأولى صدرت عام 1962 عن دار "الآداب" البيروتية. أدب الرحلات اطلع فاسيولينسي على ما كتبه هيرودوت عن مصر القديمة وعلى ما دوَّنه جوستاف فلوبير، في كتابه "رحلة إلى مصر"، المعزَّز بلوحات وصور ماكسيم دوكا، وعلى "روائح الرحلات" لروديارد كيبلينغ، ورواية "أُم" للفرنسي من أصل لبناني سليم نصيب، والتي ترجمها بسام حجَّار إلى العربية تحت عنوان "كان صرحاً من خيال"، وتتناول علاقة أم كلثوم بالشاعر أحمد رامي. وتشمل قائمة المراجع الواردة في نهاية الكتاب أعمالاً أخرى، قرأها إكتور آباد فاسيولينسي، سواء قبل أن يبدأ زيارته للقاهرة، أو خلال عمله على كتابه الذي يندرج في فئة أدب الرحلات والذي صدرت نسخته الإسبانية عام 2002 تحت العنوان التالي Oriente empieza EL CAIRO، ومنها "تاريخ المصريين" لإسحق عظيموف، "رسائل من مصر" لهانز حورج بيرغر وهرفي بيرغر، "المسلم" لباولو برانكا، "الأدب والشعر في مصر القديمة"، و"على ضفاف النيل" و"مصر في زمن الفراعنة" لإدا بيرسياني، و"القلب السري للساعة" لإلياس كانيتي، و"المومياوات، رحلة نحو الخلود" لفرانسواز دينو وروجر ليكتنبرغ. واتكأ كذلك على كتاب جيرار دي نرفال "رحلة إلى الشرق"، وكتاب ويليام ثاكيراي "رحلة من كوين هيل إلى القاهرة"، وكتاب الأميركي ماكس رودنبيك "القاهرة المدينة المنتصرة". لكن الغريب هو أنه لم يرجع إلى أي من روايات نجيب محفوظ وغالبيتها كما هو معروف تدور أحداثها في القاهرة، وخصوصا في منطقة خلن الخليلي ومحيطها، الذي عبر فاسيولينسي في غير موضع من كتابه عن ولعه بأجوائها. البوابة الافتراضية وكما يقول الفولي فإن فاسيولينسي الحاصل على الجنسية الإسبانية، حرص على أن تتكئ رحلته عبر المكان، وهو في هذه الحالة القاهرة، على تجربته الشخصية، وأن يعزّزها برحلة زمنية تمتد من أيام مصر القديمة، وحتى نهاية القرن العشرين، متكئاً على حيز واسع من القراءة، جعله على قناعة بأن هذا البلد هو "البوابة الافتراضية للشرق". من الطائرة وهي تستعد للهبوط، رأى، "رداءاً سميكاً وقاتماً من الغبار يخفي القاهرة"، فقرر – بمخيلة روائي - أن عليه أن ينزع أحجبة "أم المدن" تلك، بتعبير ابن بطوطة، "واحداً تلو الآخر" ص 33. وهو هنا يتذكر قول ابن بطوطة عن القاهرة في زمنه: "تمتد كموج من البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم"، ويعلق بأن "ثناء الأمس ربما يصبح رثاء اليوم؛ أو بالأصح أن أم الدنيا تحولت إلى زوجة أب عجوز منفرة". ويضيف جازماً: "روعة هذه الأرض هي أنها في انهيار منذ خمسة آلاف عام إلا أنها لا تتوقف عن الإبهار". وعند زيارته لمقياس النيل في جزيرة الروضة، يستدعي "نشيد النيل"، الذي كُتِب قبل أكثر من 3 آلاف عام: "رسول الطعام وميسر الأغذية، خالق كل شيء جميل، السيد الكريم طيب المياه، تباركتَ كلما جئت" ص 40، ويغلق مسترجعاً النظرة الأولى إلى النيل "من بين غمامة القاهرة المدخنة": "ليس هو نهر الكتب الرائع"، ويذكر أنه ما إن وصل فلوبير إلى القاهرة "حتى شعر بالرغبة في العودة إلى نورماندي"، بحسب ما قاله رفيق رحلته صديقه المصور ماكسيم دو كامب. ويقول إن فلوبير وصف القاهرة أيضاً بأنها "لا ترحم الأعين"، ثم لاحقاً كتب لوالدته: "ترغبين في معرفة إذا ما كان الشرق على مستوى توقعاتي؟ هو على هذا المستوى وتخطى سعة افتراضاتي، وجدتُ ما كان بالنسبة لي أموراً ضبابية مرسوماً بكل وضوح، الأفعال التي حلت محل الأفكار، لدرجة أنه في بعض الأحيان يبدو الأمر كأنني وجدتُ نفسي مجدداً مع أحلامي القديمة" ص 51. أكثر أمناً وعلى أية حال يقر فاسيولينسي بأنه وجد القاهرة "أكثر أمناً من باريس ومدريد ونيويورك". ويضيف: "ربما يعد أكثر شيء لا يمكن تفسيره في أحياء القاهرة الفقيرة، هو أن سكانها ىتسمون بالمرح واللطف"، وهو الأمر الذي لاحظه كفافيس في الإسكندرية حين قال: "الشمس تحرق مصرنا الذابلة بسهامها المرة البغيضة تحرق مصرنا العطشى لكن هناك مصر أخرى، تتحدى بسعادةِ أسواقها طغيان الشمس، تبيع ببهجة لتشتري الزينة وتنسى لعنتها" ص 253. ولاحظ الكاتب الكولومبي كذلك أن القاهريين؛ "يعيشون بحالة مزاجية جيدة للغاية، كما لو أن أياً من كل الأشياء التي تضايقنا من حر وصخب وتلوث، لا تؤثر فيهم، فهم يلقون التحية ويبتسمون ويلعبون كأنهم يحتفظون داخل أنفسهم بسرٍ ما، جين سعادة لا يقبل التحول ومحصَّن ضد هجمات الواقع. الكُرات التي تقفز وترتد بين المقابر هي أفضل صورة لانتصار هذه السعادة في مساحة مخصصة في الأساس للموت". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويضيف: "في بلادي المليئة بالمهربين وررجال المافيا، نحن خبراء في حداثة النعمة، نحن أشقاء مصر في هذا، وأيضاً في مسألة الانتماء للعالم الثالث. فقر القاهرة مثل فقر ميديين، وإن كان ما يخصها أكثر كرامة ولا يزال يحتفظ حتى في أكثر حالاته مأساوية بنوع من الاحترام. ما لا يصب في صالحنا هو مسألة العنف، إذا ما كانت الأبواق في القاهرة لا تتوقف (وهذا أمر يصيب أكثر العقول حكمة بالجنون) فإنها في ميديين لا تسمع لسبب أسوأ: الخوف من أن يقدم مجنون غاضب على قتلك إذا ما استخدمت بوق سيارتك معه". في مديين: "عمليات السرقة بالإكراه والقتل، هي الخبز اليومي الذي نتناوله". أما المراكز التجارية الحديثة في القاهرة فهي كما في أي مكان آخر في العالم، جزء من عالم يميل نحو التحول إلى مقبرة للبضائع المتماثلة الباردة. صدمة الواقع لكن داخل إطار تلك الحملة الجديدة المدبرة التي تحدث عنها ساراماغو، يقول فاسيولينس هناك أيضا المراكز التجارية العتيقة، في منطقة القاهرة الفاطمية، مثل خان الخليلي، حيث مقهى الفيشاوي، وسوق الصاغة، ومتاهات بائعي الملابس القديمة، وأصوات سكاكين الحرفيين. لكنه يعترف بأنه مارس عملية خداع عندما تعمد شراء عمل نحتي يجسد هيئة امرأة حزينة في قلب شجرة أبنوس "لا بد أنها قديمة للغاية"، من سوق خان الخليلي بثمن بخس. لكنه شعر بعد عودته إلى الفندق بتأنيب الضمير فأعادها في اليوم التالي لصاحبها واسترد المبلغ الذي كان قد دفعه له. ومن محصلة جولة نيلية من الأقصر إلى أسوان، تتأكد قناعة فاسيولينسي بأن "ما يطلق عليه اليوم مصر، لا تربطه صلة بمصر الكتب أو مصر التي يبحث عنها الغرب ويحلم بها منذ حملة نابليون في 1798 أو إعلان جان فرانسوا شامبليون في سبتمبر 1833 أنه تمكن من فك شفرات الهيروغليفية، تلك الكتابة التي ظلت لا تنطق ولا تسمع منذ أكثر من 1500 عام. هي ليست أيضاً تلك الدولة القابعة في مخيلتنا منذ ترجمة بيرتون لـ "ألف ليلة وليلة" في 1855. لم تعد هي هذا البلد المقارب للخيال أكثر من الواقع والذي ولدت فيه الفنون والتقييمات وصنعت فيه آلهة الإغريق، وحدثت فيه معجزات موسى، وتحققت فيه نبوءات يوسف. علاقة مصر الحديثة بتلك القديمة هي مثل تلك التي تجمع إسبانيا اليوم بالحضارة التي رسمت كهف ألتاميرا، أو كولومبيا الحالية بالحضارة التي صنعت مقابر تييرادينترو". ويضيف: "نحن جميعاً نخلط الثقافة بالأرض... أروع ما في مصر هو ماضيها. كيف ستشعر بالعظمة وبائعو أوراق البردي الزائف يطاردونك ويهجمون عليك أيضاً بأهرام بلاستيكية صغيرة". يذكر أن إكتور آباد فاسيولينسي اشتهر بكتابه "النسيان" وهو عن حياة والده إكتور آباد غوميز. وحصل على جائزة الصين لأفضل رواية أجنبية عام 2005 عن رواية "أنغوستا"، وجائزة بيت أميركا في البرتغال عن "النسيان" والجائزة الوطنية الكولومبية للقصة. قررت إسبانيا منحه جنسيتها عام 2017 لكونه "أحد أفضل المؤلفين باللغة الإسبانية". ...

صيدصدق أو لا تصدق!
صيدصدق أو لا تصدق!

الرياض

time٠٢-٠٨-٢٠٢٥

  • الرياض

صيدصدق أو لا تصدق!

وأخيراً تجاوزت ترددي، وزرت إحدى سلسلة متاحف "صدق أو لا تصدق!"، وتحديداً في مدينة "غاتلينبرغ" بولاية تينيسي الأميركية، معرضٌ حيّ للقصص المستحيلة، بدا كما لو كان مسرحاً للدهشة، ومتحفٌ يروي قصة رجل آمن أن الغرابة تستحق أن تُروى. "روبرت ريبلي"، رسّام الكاريكاتير الأميركي، الذي حوّل الفضول البشري إلى علامة تجارية تدر الملايين، بدأت قصته دون تخطيط عام 1918، إذ كان يرسم الكاريكاتير، ويغطي الأحداث الرياضية في صحيفة "نيويورك غلوب"، عندما خطرت له فكرة زاوية أسبوعية يعرض فيها حقائق غريبة لأشياء قد لا تُصدق لفرط غرابتها، من رجل يعيش بلا قلب حقيقي، مروراً بخضروات ذات أشكال عجيبة، إلى عادات وتقاليد شعوب لا يتقبلها المنطق! أطلق عليها مسمى "صدق أو تصدق". لم تكن الفكرة سهلة القبول، ذلك أن الصحيفة نفسها لم تُعِرها الاهتمام، ناهيك عن ردات التكذيب والتجاهل، إلا أن "ريبلي" لم يتوقف، كان يؤمن أن للبشر شغفاً بالغرابة، وأنهم لا يملّون من القصص الخارجة عن المألوف، استمر في جمع أغرب الحكايات ونشرها، وبعد انتقاله إلى صحيفة "نيويورك بوست"، امتدت حقوق نشر الزاوية إلى 360 صحيفة حول العالم، بسبع عشرة لغة! منها "الأهرام" العربية. وتعد قصة إقرار النشيد الوطني لأميركا إحدى أهم تأثيراته، إذ نشر في زاويته عام 1929م: "صدق أو لا تصدق، أميركا ليس لها نشيد وطني"! رغم الاعتقاد السائد أن أغنية "الراية المرصعة بالنجوم" هي النشيد الوطني الأميركي، ليوقع لاحقاً الرئيس الأميركي "هوبرت هوفر" عام 1931 قانوناً يعتمد تلك الأغنية نشيداً وطنياً لأميركا! ناهيك عن العديد من الحقائق الصادمة التي لم تكن معروفة. وظّف فريقاً من الباحثين للتوثيق والرد على المشككين في قصصه، وزار أكثر من مئتي دولة بحثاً عن العجائب، وأضحى يتلقى مئات الآلاف من الرسائل والقصص سنوياً من معجبيه، وأسّس إذاعة وبرنامج تلفزيونياً من تقديمه، وبعد تراكم آلاف المعروضات الغريبة، افتح أول معرض لغرائبه في شيكاغو عام 1933م، لتتطور الفكرة إلى متحف "صدق أو لا تصدق"، وتنتشر السلسلة في 32 دولة، ويزورها أكثر من مئة مليون شخص، منها المتحف الذي زرته برفقة عائلتي في "غاتلينبرغ"، وكان أكثر من مجرد مجموعة معروضات لافتة، بل كان مساحة للاكتشاف والتعلّم، وسرداً لقصة نجاح بدأت برسم بسيط، وتضخمت إلى ظاهرة عالمية. ما بدأ كزاوية صغيرة في صحيفة واحدة، أمسى خلال سنوات مؤسسة متكاملة تضم مؤسسة ومتاحف وعروضاً حية ومنتجات إعلامية متنوعة، لكن الأعظم من ذلك، أن "ريبلي" لم يقدّم الغرابة لأجل الغرابة، بل استغلها كوسيلة لطرح أسئلة عن الإنسان والحدود التي يتجاوزها. خرجت من المتحف متسائلاً: كم من الأفكار البسيطة تجاهلناها؟ وكم من فرصة غريبه لم نصدقها وهي تحمل بذور النجاح؟ يؤكد لنا نجاح "ريبلي" أن الإيمان المتواصل بفكرتك التي قد يراها الآخرون جنوناً.. ربما تتحوّل يوماً إلى شيء يُصدق!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store