logo
في ظلال الأزمة: لبنان ومأزق الأمن الغذائي

في ظلال الأزمة: لبنان ومأزق الأمن الغذائي

النهارمنذ 15 ساعات

في لبنان، لا يبدأ الموت بالحرب ولا ينتهي بالجوع، بل قد يكون كامناً في ما نظنه حياة: في حبة بندورة طازجة، في تفاحة لامعة، في لقمة نتناولها بثقة. المأكولات التي تُعرض بوفرة في الأسواق تخفي خلف ألوانها الزاهية وعودًا كاذبة بالأمان. في بلد تنهك فيه الدولة وتتداعى مؤسساته، يتحول الغذاء إلى معادلة معقدة يتداخل فيها السمّ مع الحاجة، والمبيد مع الإهمال، والفساد مع الجوع.
الأمن الغذائي في لبنان لم يعد مسألة ندرة أو إنتاج فحسب، بل بات أزمة وجودية تهدد صحة الإنسان بشكل مباشر. بين غلاء أسعار المواد الزراعية وانفلات استخدام المبيدات والأسمدة، تتعرض سلسلة الغذاء لانهيار بطيء وصامت. في الحقول، يقف المزارع اللبناني وحيدًا أمام معادلة قاسية: إما استخدام ما يتوافر من مبيدات لحماية محصوله، وإما خسارة كل شيء. تكشف التحقيقات الميدانية أن جزءًا كبيرًا من المواد الزراعية، لا سيما منها المبيدات والأسمدة، يدخل البلاد بطرق غير شرعية أو من دون رقابة كافية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على سلامة الغذاء. إلى جانب التهريب عبر الحدود البرية، خصوصًا مع سوريا، حيث تنقل شحنات عبر معابر غير رسمية أو بتواطؤ جهات محلية. يُسجَّل أيضًا استيراد "نظامي" لمواد مغشوشة تُصنف زائفًا مكملات زراعية أو مواد معالجة بيئية لتفادي التدقيق. وغالبًا ما تمر هذه الشحنات عبر مرفأ بيروت أو مطار رفيق الحريري من دون فحص مخبري فعال بسبب ضعف البنية التحتية وغياب المختبرات المتخصصة.
الأسوأ أن بعض المواد يعاد تعبئته محليًا داخل عبوات تحمل علامات تجارية معروفة، ويباع في مستودعات زراعية من دون التزام معايير الجودة أو فواتير رسمية. هذا الانفلات يُغري المزارعين، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية، من أجل شراء مواد أرخص ولو كانت خطرة، مما يؤدي إلى استخدام عشوائي لمبيدات محظورة دوليًا وتسرب السموم إلى الأسواق من دون علم المستهلك.
في ظل هذا الواقع، تبدو الدولة غائبة عن مشهد الرقابة الزراعية، إذ تعاني وزارة الزراعة من نقص حاد في الموارد، سواء المختبرات القادرة على تحليل بقايا المبيدات أو الكوادر الفنية للتفتيش والمتابعة في الحقول والأسواق. وغياب سياسة وطنية متكاملة للرقابة على استيراد المواد الزراعية وتوزيعها واستخدامها يترك السوق مفتوحًة للعشوائية، ويُجبر المزارع على اتخاذ قرارات تؤثر على صحة ملايين المستهلكين. نتائج هذا الفشل أصبحت ملموسة، إذ تُسجل ارتفاعات مقلقة في نسب الإصابة بأمراض مزمنة في المناطق الزراعية، ولا سيما منها السرطان وأمراض الكبد والجهاز التنفسي، نتيجة التعرض الطويل لمواد سامة في الغذاء والمياه والتربة. وتشير التقارير الطبية، رغم غياب إعلان رسمي، إلى علاقة سببية واضحة بين سوء استخدام المبيدات وتفاقم هذه الأمراض، فيما تبقى الكارثة مستترة بسبب غياب قاعدة بيانات وطنية موثوقة، ويستمر التسمم البطيء من دون إنذار.
في ظل هذه المعطيات، يفقد مفهوم "الأمن الغذائي" معناه الحقيقي. فالأمن الغذائي لا يعني توافر الطعام فحسب، بل سلامته واستدامته. لا يمكن اعتبار بلد آمنًا غذائيًا إذا كان طعامه يهدد صحة شعبه، وإذا كانت الزراعة تقوم على العشوائية والسموم. المطلوب وقف استيراد المبيدات والأسمدة من دون رقابة، وتفعيل المختبرات في المرافئ والمناطق الزراعية، وإعداد لائحة وطنية بالمواد المسموحة والممنوعة بناءً على توصيات دولية لا مصالح تجارية. كما يجب إطلاق برامج تدريب للمزارعين على الاستخدام الآمن والفعال للمواد الزراعية، ودعم الزراعة المستدامة وتشجيع الإنتاج العضوي عبر دعم حقيقي بعيدًا من الوسطاء والزبائنية السياسية.
اللبنانيون نا عادوا يتحملون الانتظار خلف الخطط النظرية أو الشعارات الجوفاء. هم يستحقون طعامًا نظيفًا يحفظ حياتهم، وزراعةً تحمي صحتهم، ودولة تحمي لقمة خبزهم التي تمثل كرامتهم وسيادتهم. عندما يُترك الغذاء بلا حماية، يُترك الوطن بلا حصانة حقيقية. لذلك، يجب أن يكون الأمن الغذائي خط الدفاع الأول الذي لا يُمكن التهاون فيه، لأن
الصحة هي الثروة الحقيقية، والطعام السليم هو مفتاحها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في ظلال الأزمة: لبنان ومأزق الأمن الغذائي
في ظلال الأزمة: لبنان ومأزق الأمن الغذائي

النهار

timeمنذ 15 ساعات

  • النهار

في ظلال الأزمة: لبنان ومأزق الأمن الغذائي

في لبنان، لا يبدأ الموت بالحرب ولا ينتهي بالجوع، بل قد يكون كامناً في ما نظنه حياة: في حبة بندورة طازجة، في تفاحة لامعة، في لقمة نتناولها بثقة. المأكولات التي تُعرض بوفرة في الأسواق تخفي خلف ألوانها الزاهية وعودًا كاذبة بالأمان. في بلد تنهك فيه الدولة وتتداعى مؤسساته، يتحول الغذاء إلى معادلة معقدة يتداخل فيها السمّ مع الحاجة، والمبيد مع الإهمال، والفساد مع الجوع. الأمن الغذائي في لبنان لم يعد مسألة ندرة أو إنتاج فحسب، بل بات أزمة وجودية تهدد صحة الإنسان بشكل مباشر. بين غلاء أسعار المواد الزراعية وانفلات استخدام المبيدات والأسمدة، تتعرض سلسلة الغذاء لانهيار بطيء وصامت. في الحقول، يقف المزارع اللبناني وحيدًا أمام معادلة قاسية: إما استخدام ما يتوافر من مبيدات لحماية محصوله، وإما خسارة كل شيء. تكشف التحقيقات الميدانية أن جزءًا كبيرًا من المواد الزراعية، لا سيما منها المبيدات والأسمدة، يدخل البلاد بطرق غير شرعية أو من دون رقابة كافية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على سلامة الغذاء. إلى جانب التهريب عبر الحدود البرية، خصوصًا مع سوريا، حيث تنقل شحنات عبر معابر غير رسمية أو بتواطؤ جهات محلية. يُسجَّل أيضًا استيراد "نظامي" لمواد مغشوشة تُصنف زائفًا مكملات زراعية أو مواد معالجة بيئية لتفادي التدقيق. وغالبًا ما تمر هذه الشحنات عبر مرفأ بيروت أو مطار رفيق الحريري من دون فحص مخبري فعال بسبب ضعف البنية التحتية وغياب المختبرات المتخصصة. الأسوأ أن بعض المواد يعاد تعبئته محليًا داخل عبوات تحمل علامات تجارية معروفة، ويباع في مستودعات زراعية من دون التزام معايير الجودة أو فواتير رسمية. هذا الانفلات يُغري المزارعين، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية، من أجل شراء مواد أرخص ولو كانت خطرة، مما يؤدي إلى استخدام عشوائي لمبيدات محظورة دوليًا وتسرب السموم إلى الأسواق من دون علم المستهلك. في ظل هذا الواقع، تبدو الدولة غائبة عن مشهد الرقابة الزراعية، إذ تعاني وزارة الزراعة من نقص حاد في الموارد، سواء المختبرات القادرة على تحليل بقايا المبيدات أو الكوادر الفنية للتفتيش والمتابعة في الحقول والأسواق. وغياب سياسة وطنية متكاملة للرقابة على استيراد المواد الزراعية وتوزيعها واستخدامها يترك السوق مفتوحًة للعشوائية، ويُجبر المزارع على اتخاذ قرارات تؤثر على صحة ملايين المستهلكين. نتائج هذا الفشل أصبحت ملموسة، إذ تُسجل ارتفاعات مقلقة في نسب الإصابة بأمراض مزمنة في المناطق الزراعية، ولا سيما منها السرطان وأمراض الكبد والجهاز التنفسي، نتيجة التعرض الطويل لمواد سامة في الغذاء والمياه والتربة. وتشير التقارير الطبية، رغم غياب إعلان رسمي، إلى علاقة سببية واضحة بين سوء استخدام المبيدات وتفاقم هذه الأمراض، فيما تبقى الكارثة مستترة بسبب غياب قاعدة بيانات وطنية موثوقة، ويستمر التسمم البطيء من دون إنذار. في ظل هذه المعطيات، يفقد مفهوم "الأمن الغذائي" معناه الحقيقي. فالأمن الغذائي لا يعني توافر الطعام فحسب، بل سلامته واستدامته. لا يمكن اعتبار بلد آمنًا غذائيًا إذا كان طعامه يهدد صحة شعبه، وإذا كانت الزراعة تقوم على العشوائية والسموم. المطلوب وقف استيراد المبيدات والأسمدة من دون رقابة، وتفعيل المختبرات في المرافئ والمناطق الزراعية، وإعداد لائحة وطنية بالمواد المسموحة والممنوعة بناءً على توصيات دولية لا مصالح تجارية. كما يجب إطلاق برامج تدريب للمزارعين على الاستخدام الآمن والفعال للمواد الزراعية، ودعم الزراعة المستدامة وتشجيع الإنتاج العضوي عبر دعم حقيقي بعيدًا من الوسطاء والزبائنية السياسية. اللبنانيون نا عادوا يتحملون الانتظار خلف الخطط النظرية أو الشعارات الجوفاء. هم يستحقون طعامًا نظيفًا يحفظ حياتهم، وزراعةً تحمي صحتهم، ودولة تحمي لقمة خبزهم التي تمثل كرامتهم وسيادتهم. عندما يُترك الغذاء بلا حماية، يُترك الوطن بلا حصانة حقيقية. لذلك، يجب أن يكون الأمن الغذائي خط الدفاع الأول الذي لا يُمكن التهاون فيه، لأن الصحة هي الثروة الحقيقية، والطعام السليم هو مفتاحها.

يحمى من السرطان والالتهابات .. اكتشف فوائد البرقوق
يحمى من السرطان والالتهابات .. اكتشف فوائد البرقوق

صدى البلد

timeمنذ يوم واحد

  • صدى البلد

يحمى من السرطان والالتهابات .. اكتشف فوائد البرقوق

تمتلك فاكهة البرقوق قدر كبير من الفوائد الصحية وتساعد فى علاج عدد كبير من الأمراض. ووفقا لما جاء فى موقع ' clevelandclinic' تساعد مضادات الأكسدة والعناصر الغذائية الموجودة في البرقوق على الحفاظ على صحتك بعدة طرق. يحمي من السرطان والالتهابات البرقوق غني بالمغذيات النباتية ، التي توفر فوائد وفيرة لمضادات الأكسدة وينطبق هذا بشكل خاص على البرقوق الأرجواني الداكن والأحمر والأزرق، الذي يستمد لونه من الأنثوسيانين ، وهو نوع من الفلافونويد . مضادات الأكسدة هي مواد كيميائية تساعد على حماية الجسم من الجذور الحرة ، التي قد تُلحق الضرر بالخلايا والأنسجة كما تُساعد على تقليل الالتهاب ويخفض البرقوق من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، مثل سرطان الثدي أو سرطان القولون. يحافظ على حركة الأمعاء يشرب الكثير من المصابين بالإمساك عصير البرقوق لتنشيط حركة الأمعاء عند تراكم الفضلات ويحتوي كلٌّ من البرقوق وعصير البرقوق على نسبة عالية من السوربيتول. يسحب هذا الكحول السكري الماء إلى القولون، مما يُليّن البراز ويُعطيه تأثيرًا مُليّنًا و تُظهر الأبحاث أن شرب عصير البرقوق يُمكن أن يكون طريقة آمنة وطبيعية لعلاج الإمساك. ضبط نسبة السكر تحتوي ثمرة البرقوق الواحدة على حوالي 7.5 جرام من الكربوهيدرات و تُشكل السكريات الطبيعية ، بما في ذلك الفركتوز والجلوكوز والسكروز، ستةً منهاو مع ذلك لا يُسبب البرقوق ارتفاعًا حادًا في مستويات السكر في الدم. قد يساعد البرقوق في الواقع على استقرار مستوى السكر في الدم ومنع ارتفاعه المفاجئ ويحقق ذلك من خلال تحسين حساسية الأنسولين وإبطاء عملية الهضم بفضل محتواه من الألياف وتُبطئ الألياف عملية هضم الطعام، وبالتالي يرتفع مستوى السكر في الدم تدريجيًا. و تشير بعض الدراسات إلى أن تناول البرقوق قد يُقلّل من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني . يحمي القلب البرقوق غني بالكيرسيتين، وهو نوع من البوليفينول و هذه المركبات النباتية غنية بمضادات الأكسدة ذات الخصائص المضادة للالتهابات و تشير الدراسات إلى أن البوليفينولات تُحسّن صحة القلب. يحسن الذاكرة كما تُساعد البوليفينولات الموجودة في البرقوق على استرخاء الأوعية الدموية، مما يُحسّن تدفق الدم إلى الدماغ وتُشير الدراسات التي أُجريت على البوليفينولات إلى أن هذه المادة الغذائية قد تُحسّن الذاكرة ووظائف الدماغ. يقوي العظام العناصر الغذائية الموجودة في البرقوق ، مثل فيتامين سي وفيتامين ك والبوتاسيوم ، تُقوي العظام وقد وجدت دراسة أجريت على نساء بعد انقطاع الطمث تناولن البرقوق يوميًا انخفاضًا في معدلات فقدان العظام وتحسّنًا في صحتهن العامة. يساعد البرقوق والخوخ المجفف على تقليل خطر الإصابة بهشاشة العظام.

اعرفها.. أعراض غير متوقعة تكشف السرطان
اعرفها.. أعراض غير متوقعة تكشف السرطان

صدى البلد

timeمنذ 2 أيام

  • صدى البلد

اعرفها.. أعراض غير متوقعة تكشف السرطان

يعد مرض السرطان من أخطر المشكلات الصحية التى تهدد حياة الأشخاص لذا من المهم اكتشافه بشكل مبكر ومعرفة أعراضه. ووفقا لما جاء فى موقع 'مايو كلينك' نكشف لكم أهم أعراض مرض السرطان ومتى يجب إجراء الفحوصات بشكل سريع؟. أعراض السرطان تختلف العلامات والأعراض الناتجة عن السرطان تبعًا للجزء المصاب من الجسم. وتتضمن بعض العلامات والأعراض العامة المرتبطة بالسرطان، ولكنها ليست خاصة به، ما يلي: الإرهاق بدون سبب واضح وجود كتلة أو منطقة سميكة يمكن الشعور بها تحت الجلد تغيّرات في الوزن، ويشمل ذلك زيادة أو فقدان غير مقصود للوزن تغيّرات في الجلد، مثل اصفراره أو اسمراره أو احمراره، أو الإصابة بتقرحات لا تلتئم، أو ظهور تغيّرات في الشامات الموجودة تغيّرات في عادات التبرّز والتبوّل سعال مستمر أو صعوبة في التنفس صعوبة في البلع بحَّة في الصوت عسر الهضم المستمر أو الشعور بالانزعاج بعد الأكل ألم مستمر مجهول السبب في المفاصل أو العضلات حمى أو تعرّق ليلي على نحو مستمر وبلا سبب معروف نزيف أو كدمات بلا سبب معروف. علامات الخطر: حدد موعدًا طبيًا إذا كانت لديك أي مؤشرات أو أعراض السرطان تظهر بصورة مستمرة تثير قلقك. وإذا لم تكن لديك أي مؤشرات أو أعراض ولكنك قلق بشأن خطر إصابتك بالسرطان، فناقش مخاوفك مع الطبيب واسأله عن اختبارات وإجراءات فحص السرطان المناسبة لك.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store