
المحطات النووية.. طاقة المستقبل
تحرص الدول على الانتفاع الكامل بحقوقها السيادية، والاستفادة من مواردها واستغلالها بما يضمن تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية، وذلك من خلال طرائق عدة منها على سبيل المثال إنشاء البرامج والمشروعات الوطنية النوعية في تقنيات التنمية الأساس للبنية التحتية كبرامج قطاع الطاقة بمجالاته وتقنياته المختلفة.
هذا المقال يسلط الضوء على تقنية المفاعلات النووية للتطبيقات السلمية كأحد أهم مصادر الطاقة الكهربائية في العالم.
تُعد محطات المفاعلات النووية أحد أهم مصادر الطاقة الكهربائية الموثوقة والنظيفة وذات الكفاءة. فمن الناحية النظرية فإن فكرة مبدأ عمل محطة المفاعل النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية ليس معقد. فإنتاج الطاقة الكهربائية من محطة المفاعل النووي يتم من خلال تحويل جزيئات مركب الماء الساخن إلى بخار وهذا البخار المنتج يمر من خلال توربين (Turbine) ليتم من خلال هذه التوربينات إنتاج طاقة حركية هائلة قادرة على إنتاج طاقة ميكانيكية من خلال مرورها بمولدات الطاقة الميكانيكية (Alternator) المرتبطة بمولدات (Transformer) الطاقة الكهربائية ومن ثم إنتاج الطاقة الكهربائية الصالحة للاستخدام المدني. ولعل لسان القارئ الكريم يقول: هكذا إذاً.. الأمر في غاية السهولة!
إلا أن الأمر الأكثر تعقيداً في هذه التقنية يكمن في عملية وآلية إدارة دورة الوقود النووي (Nuclear Fuel Cycle) المستخدم في عملية تسخين جزيئات الماء لإنتاج بخاره المستخدم في مرحلة إنتاج الطاقة الحركية. وبشكل آخر فإن عملية تحويل مركب الماء إلى بخاره ذو الضغط المرتفع جداً يتم عادة عن طريق استخدام الحرارة الناتجة من عمليات تفاعلات الانشطارات النووية التسلسلية (Nuclear Fission Chain Reactions) لأكسيد اليورانيوم الانشطاري (UO2) المستخدم كأحد أنواع الوقود النووي، حيث تحدث هذه التفاعلات (الانشطارات النووية التسلسلية) داخل مفاعل يطلق عليه اسم المفاعل النووي (Nuclear Reactor).
يعود تاريخ بدأ استخدام المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية إلى عام 1951 ميلادي في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى مدى السنوات الأربع التالية لهذا التاريخ بدأت الدول العظمى آنذاك كالاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة، وجمهورية فرنسا في تطوير هذه التقنية الناشئة. واليوم وبعد مرور 75 عاماً من تاريخ بدأ إنتاج الطاقة الكهربائية من محطات المفاعلات النووية توجد تقريباً 411 محطة نووية عاملة بإصداراتها ونماذجها المختلفة (عادة يطلق عليها مصطلح الجيل) في 31 دولة حول العالم. ويجري حالياً بناء حوالي 65 محطة نووية للطاقة في 15 دولة. ففي عام 2024 ميلادي كانت محطات المفاعلات النووية مصدراً لـ25 % من احتياج الطاقة الكهربائية في دول الاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال نجد أن 65 % من الطاقة الكهربائية المستهلكة في دولة فرنسا مُنتجة من محطات المفاعلات النووية البالغ عددها حتى نهاية عام 2024 ميلادي 57 مفاعلاً نووياً عاملاً. وفي دولة الإمارات الشقيقة فإن 20 % من الطاقة الكهربائية يتم توفيرها من محطاتها النووية الأربع الحديثة. و30 % في كوريا الجنوبية، و15 % في كندا. وفي عام 2023 ميلادي بلغت حصة الطاقة الكهربائية المنتجة من محطات المفاعلات النووية ما يقارب 9 % من إجمالي مزيج مصادر الطاقات المختلفة في العالم.
تمتاز الطاقة الكهربائية المنتجة من محطات المفاعلات النووية مقارنة ببعض مصادر الطاقة الكهربائية التقليدية غير المتجددة كالفحم أو النفط أو الغاز (الوقود الاحفوري) بأنها أكثر أماناً واستدامة وكفاءة، وليس لها أثر سلبي على الغلاف الجوي لتسهم بذلك في تحقيق الأهداف المتعلقة بتغير المناخ، فبحسب الجمعية الفرنسية للطاقة النووية فإن كمية الطاقة المنتجة من 100 جرام من اليورانيوم تعادل نفس كمية الطاقة المنتجة من 1000 كيلوجرام من البترول أي عشرة آلاف ضعف. كما أنها تُعزز دعم الحمل الأساسي في الشبكة الكهربائية على مدار الساعة دون توقف، فضلاً عن دعم الاستقلالية وتحقيق الاكتفاء الوطني في مزيج مصادر الطاقة المختلفة. كما تتميز محطات المفاعلات النووية بالكفاءة والقدرة العالية على إنتاج الطاقة الكهربائية بتكلفة تشغيلية منخفضة نسبياً. كما ويحظى استخدام هذه التقنية للأغراض السلمية بتأييد دولي، ومدعومة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) والمنظمات الأخرى ذات العلاقة. ولا ننس أن امتلاك هذه التقنية يؤدي إلى تعزيز الثقل السيادي للدولة من خلال توطين صناعة أحد أهم مصادر الطاقة، ودعمها لنمو القطاع الاستثماري. فضلاً عن الاستفادة من التطبيقات الأخرى المختلفة السلمية للمفاعلات النووية غير إنتاج الطاقة الكهربائية. ولعل أبرز تحدٍ لاستخدام المفاعلات النووية للأغراض السلمية يكمن في عملية إدارة دورة الوقود النووي بدءاً من التنقيب عن اليورانيوم وانتهاء بتخزين المخلفات الإشعاعية في هذه الدورة. إلا أن التطور الكبير في الصناعات النووية أدى إلى إصدار أجيال جديدة وتصاميم مبتكرة أكثر أماناً وكفاءةً. حيث تعرف هذه الإصدارات باسم المفاعلات النووية المتقدمة الابتكارية، حيث من شأنها إنتاج نفايات نووية أقل من مفاعلات اليوم. كما أن مخافة فرصة احتمال وقوع حادثة نووية في محطة المفاعل النووي تحدٍ آخر لانتشار استخدام هذه التقنية، ولكن لابد من إعادة التأكيد بأن فرصة وقوع هذا الاحتمال - بحول الله - ضئيلة وذلك بفضل التطور الكبير والابتكارات في أنواع الاصدارات المختلفة من صناعة المفاعلات النووية وأنظمة الأمان والسلامة المطبقة عليها. كما تجدر الإشارة إلى أن التكلفة المادية لإنشاء محطة مفاعل نووي والمدة اللازمة للانتهاء من المشروع تعتبر تحدياً آخر في صناعة محطات المفاعلات النووية. ومن الجدير بذكره أن موارد اليورانيوم الطبيعي (وقود المفاعل النووي) واستخلاصه ثم معالجته وتخصيبه يُعتبر أحد تحديات ومعوقات استخدام هذه التقنية لاسيماً في حال وقوع مشاكل جيوسياسية أو عدم اتفاق في الرأي المشترك بين الدولة المصدرة والمستوردة لهذا الوقود (اليورانيوم). علاوة على حتمية الالتزام الدولي التام بالضمانات والتعهدات والشروط المصاحبة لإنشاء مشاريع محطات المفاعلات النووية للأغراض السلمية بجميع مكوناته منها استخلاص اليورانيوم ومعالجته.
وبهذا الشأن، فبحسب تقرير حديث (2024 م) صادر عن المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية فإن خمس دول تمتلك حالياً أكثر من 60 % من احتياطيات اليورانيوم المكتشف والقابل للاستغلال في العالم والذي يمكن استخلاصه بأسعار سوقية تنافسية تقل عن 260 دولاراً أمريكياً للكيلوغرام. ومن الدول التي تمتلك أكبر الاحتياطيات من خام اليورانيوم هي أستراليا بنسبة 29.2 % من المخزون المكتشف في العالم (أكثر من 1.7 مليون طن من اليورانيوم)، تليها روسيا بنسبة 9.5 %، وكندا بنسبة 8.7 %، وكازاخستان بنسبة 8.3 %، وناميبيا بنسبة 7.4 %.
اليوم ولله الفضل والحمد، تشهد بلادي المباركة المملكة العربية السعودية نمواً شاملاً غير مسبوق في جميع المجالات والقطاعات؛ مما أدى إلى التزايد المطرد الهائل في كميات استهلاك الطاقة الكهربائية وذلك على الرغم من الجهود الوطنية الجبارة المبذولة من الشركة السعودية للكهرباء - مشكورة على ذلك - بهدف تحقيق أمن إمدادات الطاقة وضمان كفاءة وجودة الخدمة الكهربائية وموثوقيتها في وطننا الغالي.
ونتيجة لذلك الاستهلاك المتزايد على الحمل الكهربائي فإن واقعنا الحالي والمستقبلي - بعون الله - يتطلب تعزيز موارد قطاع الطاقة وخلق مصادر أخرى جديدة للطاقة الكهربائية تكون داعمه لمزيجها وتُسهم في دعم الحمل الأساسي في الشبكة الكهربائية؛ وبالتالي ضمان استقرار الطاقة الكهربائية في بلادنا المباركة والوفاء بسد احتياجاتها المتزايدة وتعزيز أمن الطاقة في وطننا المعطاء. لذلك واستشعاراً من ولاة أمرنا في بلادنا المباركة - وفقهم الله - لأهمية الاستفادة من المنافع والتطبيقات المختلفة السلمية لمحطات المفاعلات النووية لا سيماً تلك المتعلقة بإنتاج الطاقة الكهربائية فقد اتخذت بلادي المباركة موقفاً مؤيداً للاستخدام السلمي للمفاعلات النووية حيث تَمثّل هذا الموقف من خلال الاستثمار في المواطن السعودي الكريم بتأهيله من خلال برامج الابتعاث والتدريب التي قدمتها دولتنا الكريمة لأبنائها وبناتها في مجال التخصصات المختلفة للهندسة النووية وعلومها ليكون المواطن السعودي هو النواة الحقيقية لمحطات المفاعلات النووية السلمية في مملكتنا الغالية. وتماشياً مع هذا الإدراك الحكيم فقد تم إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة وذلك بهدف بناء مستقبل مستدام لوطننا المبارك من خلال إدراج مصادر الطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة مصادر الطاقة المحلية، وأيضاً تم إنشاء هيئة الرقابة النووية والإشعاعية حيث تهدف هذه الهيئة بتنظيم الأنشطة والممارسات والمرافق التي تنطوي على الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والإشعاعات المؤينة، ومراقبة وضمان الأمان والأمن والضمانات النووية. كما يتضمن الهيكل التنظيمي لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على 32 معهداً وأحد هذه المعاهد هو معهد التقنيات النووية وما يتضمنه من نخبة من الكفاءات الوطنية المؤهلة تأهيلاً عالي المستوى يعملون في المراحل الأخيرة على مشروع مختبر مفاعل الأبحاث منخفض الطاقة (LPRR-100 kWt) المستخدم لأغراض البحث والتطوير والتعليم والتدريب حيث من المتوقع الانتهاء منه ودخوله حيز التشغيل قريباً إن شاء الله تعالى.
وبهذا الخصوص نستذكر تصريح وزير الطاقة سمو سيدي الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود - حفظه الله - في كلمة المملكة العربية السعودية في الدورة (68 - 2024) للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقد في العاصمة النمساوية فيينا حيث قال وفقه الله: 'إن بلادنا المباركة تتجه نحو الاستفادة من الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية، وإن المملكة تواصل تنفيذ مشروعها الوطني للطاقة النووية بجميع مكوناته'. ولقد بلغت الحكمة الدبلوماسية والرصافة لسمو وزير الطاقة - وفقه الله - ذروة مبلغها عندما قال عبارة "بجميع مكوناته" واللبيب بالإشارة يفهم.
ثم أختم هذا المقال باقتباس قاله عرّاب النهضة السعودية الشاملة صانع المجد وصاحب رؤية 2030 سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حيث قال حفظه الله: 'طموحنا أن نبني وطنًا أكثر ازدهارًا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معًا لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم'.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 8 ساعات
- الرياض
المحطات النووية.. طاقة المستقبل
تحرص الدول على الانتفاع الكامل بحقوقها السيادية، والاستفادة من مواردها واستغلالها بما يضمن تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية، وذلك من خلال طرائق عدة منها على سبيل المثال إنشاء البرامج والمشروعات الوطنية النوعية في تقنيات التنمية الأساس للبنية التحتية كبرامج قطاع الطاقة بمجالاته وتقنياته المختلفة. هذا المقال يسلط الضوء على تقنية المفاعلات النووية للتطبيقات السلمية كأحد أهم مصادر الطاقة الكهربائية في العالم. تُعد محطات المفاعلات النووية أحد أهم مصادر الطاقة الكهربائية الموثوقة والنظيفة وذات الكفاءة. فمن الناحية النظرية فإن فكرة مبدأ عمل محطة المفاعل النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية ليس معقد. فإنتاج الطاقة الكهربائية من محطة المفاعل النووي يتم من خلال تحويل جزيئات مركب الماء الساخن إلى بخار وهذا البخار المنتج يمر من خلال توربين (Turbine) ليتم من خلال هذه التوربينات إنتاج طاقة حركية هائلة قادرة على إنتاج طاقة ميكانيكية من خلال مرورها بمولدات الطاقة الميكانيكية (Alternator) المرتبطة بمولدات (Transformer) الطاقة الكهربائية ومن ثم إنتاج الطاقة الكهربائية الصالحة للاستخدام المدني. ولعل لسان القارئ الكريم يقول: هكذا إذاً.. الأمر في غاية السهولة! إلا أن الأمر الأكثر تعقيداً في هذه التقنية يكمن في عملية وآلية إدارة دورة الوقود النووي (Nuclear Fuel Cycle) المستخدم في عملية تسخين جزيئات الماء لإنتاج بخاره المستخدم في مرحلة إنتاج الطاقة الحركية. وبشكل آخر فإن عملية تحويل مركب الماء إلى بخاره ذو الضغط المرتفع جداً يتم عادة عن طريق استخدام الحرارة الناتجة من عمليات تفاعلات الانشطارات النووية التسلسلية (Nuclear Fission Chain Reactions) لأكسيد اليورانيوم الانشطاري (UO2) المستخدم كأحد أنواع الوقود النووي، حيث تحدث هذه التفاعلات (الانشطارات النووية التسلسلية) داخل مفاعل يطلق عليه اسم المفاعل النووي (Nuclear Reactor). يعود تاريخ بدأ استخدام المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية إلى عام 1951 ميلادي في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى مدى السنوات الأربع التالية لهذا التاريخ بدأت الدول العظمى آنذاك كالاتحاد السوفيتي، والمملكة المتحدة، وجمهورية فرنسا في تطوير هذه التقنية الناشئة. واليوم وبعد مرور 75 عاماً من تاريخ بدأ إنتاج الطاقة الكهربائية من محطات المفاعلات النووية توجد تقريباً 411 محطة نووية عاملة بإصداراتها ونماذجها المختلفة (عادة يطلق عليها مصطلح الجيل) في 31 دولة حول العالم. ويجري حالياً بناء حوالي 65 محطة نووية للطاقة في 15 دولة. ففي عام 2024 ميلادي كانت محطات المفاعلات النووية مصدراً لـ25 % من احتياج الطاقة الكهربائية في دول الاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال نجد أن 65 % من الطاقة الكهربائية المستهلكة في دولة فرنسا مُنتجة من محطات المفاعلات النووية البالغ عددها حتى نهاية عام 2024 ميلادي 57 مفاعلاً نووياً عاملاً. وفي دولة الإمارات الشقيقة فإن 20 % من الطاقة الكهربائية يتم توفيرها من محطاتها النووية الأربع الحديثة. و30 % في كوريا الجنوبية، و15 % في كندا. وفي عام 2023 ميلادي بلغت حصة الطاقة الكهربائية المنتجة من محطات المفاعلات النووية ما يقارب 9 % من إجمالي مزيج مصادر الطاقات المختلفة في العالم. تمتاز الطاقة الكهربائية المنتجة من محطات المفاعلات النووية مقارنة ببعض مصادر الطاقة الكهربائية التقليدية غير المتجددة كالفحم أو النفط أو الغاز (الوقود الاحفوري) بأنها أكثر أماناً واستدامة وكفاءة، وليس لها أثر سلبي على الغلاف الجوي لتسهم بذلك في تحقيق الأهداف المتعلقة بتغير المناخ، فبحسب الجمعية الفرنسية للطاقة النووية فإن كمية الطاقة المنتجة من 100 جرام من اليورانيوم تعادل نفس كمية الطاقة المنتجة من 1000 كيلوجرام من البترول أي عشرة آلاف ضعف. كما أنها تُعزز دعم الحمل الأساسي في الشبكة الكهربائية على مدار الساعة دون توقف، فضلاً عن دعم الاستقلالية وتحقيق الاكتفاء الوطني في مزيج مصادر الطاقة المختلفة. كما تتميز محطات المفاعلات النووية بالكفاءة والقدرة العالية على إنتاج الطاقة الكهربائية بتكلفة تشغيلية منخفضة نسبياً. كما ويحظى استخدام هذه التقنية للأغراض السلمية بتأييد دولي، ومدعومة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) والمنظمات الأخرى ذات العلاقة. ولا ننس أن امتلاك هذه التقنية يؤدي إلى تعزيز الثقل السيادي للدولة من خلال توطين صناعة أحد أهم مصادر الطاقة، ودعمها لنمو القطاع الاستثماري. فضلاً عن الاستفادة من التطبيقات الأخرى المختلفة السلمية للمفاعلات النووية غير إنتاج الطاقة الكهربائية. ولعل أبرز تحدٍ لاستخدام المفاعلات النووية للأغراض السلمية يكمن في عملية إدارة دورة الوقود النووي بدءاً من التنقيب عن اليورانيوم وانتهاء بتخزين المخلفات الإشعاعية في هذه الدورة. إلا أن التطور الكبير في الصناعات النووية أدى إلى إصدار أجيال جديدة وتصاميم مبتكرة أكثر أماناً وكفاءةً. حيث تعرف هذه الإصدارات باسم المفاعلات النووية المتقدمة الابتكارية، حيث من شأنها إنتاج نفايات نووية أقل من مفاعلات اليوم. كما أن مخافة فرصة احتمال وقوع حادثة نووية في محطة المفاعل النووي تحدٍ آخر لانتشار استخدام هذه التقنية، ولكن لابد من إعادة التأكيد بأن فرصة وقوع هذا الاحتمال - بحول الله - ضئيلة وذلك بفضل التطور الكبير والابتكارات في أنواع الاصدارات المختلفة من صناعة المفاعلات النووية وأنظمة الأمان والسلامة المطبقة عليها. كما تجدر الإشارة إلى أن التكلفة المادية لإنشاء محطة مفاعل نووي والمدة اللازمة للانتهاء من المشروع تعتبر تحدياً آخر في صناعة محطات المفاعلات النووية. ومن الجدير بذكره أن موارد اليورانيوم الطبيعي (وقود المفاعل النووي) واستخلاصه ثم معالجته وتخصيبه يُعتبر أحد تحديات ومعوقات استخدام هذه التقنية لاسيماً في حال وقوع مشاكل جيوسياسية أو عدم اتفاق في الرأي المشترك بين الدولة المصدرة والمستوردة لهذا الوقود (اليورانيوم). علاوة على حتمية الالتزام الدولي التام بالضمانات والتعهدات والشروط المصاحبة لإنشاء مشاريع محطات المفاعلات النووية للأغراض السلمية بجميع مكوناته منها استخلاص اليورانيوم ومعالجته. وبهذا الشأن، فبحسب تقرير حديث (2024 م) صادر عن المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية فإن خمس دول تمتلك حالياً أكثر من 60 % من احتياطيات اليورانيوم المكتشف والقابل للاستغلال في العالم والذي يمكن استخلاصه بأسعار سوقية تنافسية تقل عن 260 دولاراً أمريكياً للكيلوغرام. ومن الدول التي تمتلك أكبر الاحتياطيات من خام اليورانيوم هي أستراليا بنسبة 29.2 % من المخزون المكتشف في العالم (أكثر من 1.7 مليون طن من اليورانيوم)، تليها روسيا بنسبة 9.5 %، وكندا بنسبة 8.7 %، وكازاخستان بنسبة 8.3 %، وناميبيا بنسبة 7.4 %. اليوم ولله الفضل والحمد، تشهد بلادي المباركة المملكة العربية السعودية نمواً شاملاً غير مسبوق في جميع المجالات والقطاعات؛ مما أدى إلى التزايد المطرد الهائل في كميات استهلاك الطاقة الكهربائية وذلك على الرغم من الجهود الوطنية الجبارة المبذولة من الشركة السعودية للكهرباء - مشكورة على ذلك - بهدف تحقيق أمن إمدادات الطاقة وضمان كفاءة وجودة الخدمة الكهربائية وموثوقيتها في وطننا الغالي. ونتيجة لذلك الاستهلاك المتزايد على الحمل الكهربائي فإن واقعنا الحالي والمستقبلي - بعون الله - يتطلب تعزيز موارد قطاع الطاقة وخلق مصادر أخرى جديدة للطاقة الكهربائية تكون داعمه لمزيجها وتُسهم في دعم الحمل الأساسي في الشبكة الكهربائية؛ وبالتالي ضمان استقرار الطاقة الكهربائية في بلادنا المباركة والوفاء بسد احتياجاتها المتزايدة وتعزيز أمن الطاقة في وطننا المعطاء. لذلك واستشعاراً من ولاة أمرنا في بلادنا المباركة - وفقهم الله - لأهمية الاستفادة من المنافع والتطبيقات المختلفة السلمية لمحطات المفاعلات النووية لا سيماً تلك المتعلقة بإنتاج الطاقة الكهربائية فقد اتخذت بلادي المباركة موقفاً مؤيداً للاستخدام السلمي للمفاعلات النووية حيث تَمثّل هذا الموقف من خلال الاستثمار في المواطن السعودي الكريم بتأهيله من خلال برامج الابتعاث والتدريب التي قدمتها دولتنا الكريمة لأبنائها وبناتها في مجال التخصصات المختلفة للهندسة النووية وعلومها ليكون المواطن السعودي هو النواة الحقيقية لمحطات المفاعلات النووية السلمية في مملكتنا الغالية. وتماشياً مع هذا الإدراك الحكيم فقد تم إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة وذلك بهدف بناء مستقبل مستدام لوطننا المبارك من خلال إدراج مصادر الطاقة الذرية والمتجددة ضمن منظومة مصادر الطاقة المحلية، وأيضاً تم إنشاء هيئة الرقابة النووية والإشعاعية حيث تهدف هذه الهيئة بتنظيم الأنشطة والممارسات والمرافق التي تنطوي على الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والإشعاعات المؤينة، ومراقبة وضمان الأمان والأمن والضمانات النووية. كما يتضمن الهيكل التنظيمي لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على 32 معهداً وأحد هذه المعاهد هو معهد التقنيات النووية وما يتضمنه من نخبة من الكفاءات الوطنية المؤهلة تأهيلاً عالي المستوى يعملون في المراحل الأخيرة على مشروع مختبر مفاعل الأبحاث منخفض الطاقة (LPRR-100 kWt) المستخدم لأغراض البحث والتطوير والتعليم والتدريب حيث من المتوقع الانتهاء منه ودخوله حيز التشغيل قريباً إن شاء الله تعالى. وبهذا الخصوص نستذكر تصريح وزير الطاقة سمو سيدي الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود - حفظه الله - في كلمة المملكة العربية السعودية في الدورة (68 - 2024) للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنعقد في العاصمة النمساوية فيينا حيث قال وفقه الله: 'إن بلادنا المباركة تتجه نحو الاستفادة من الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية، وإن المملكة تواصل تنفيذ مشروعها الوطني للطاقة النووية بجميع مكوناته'. ولقد بلغت الحكمة الدبلوماسية والرصافة لسمو وزير الطاقة - وفقه الله - ذروة مبلغها عندما قال عبارة "بجميع مكوناته" واللبيب بالإشارة يفهم. ثم أختم هذا المقال باقتباس قاله عرّاب النهضة السعودية الشاملة صانع المجد وصاحب رؤية 2030 سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حيث قال حفظه الله: 'طموحنا أن نبني وطنًا أكثر ازدهارًا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معًا لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم'.


صحيفة سبق
منذ يوم واحد
- صحيفة سبق
الصين تطلق مجموعة أقمار صناعية للإنترنت
أطلقت الصين أمس، مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، وذلك من مركز "تايوان" لإطلاق الأقمار الصناعية في مقاطعة شانشي شمال الصين. وتم إطلاق مجموعة الأقمار الصناعية، وهي الرابعة من نوعها التي ستشكّل كوكبة أقمار صناعية للإنترنت في الساعة 4:45 صباحًا (بتوقيت بكين) على متن صاروخ حامل معدل من طراز "لونغ مارش -6"، حيث دخلت الأقمار الصناعية مدارها المحدد مسبقًا بنجاح، وتُعدُّ هذه المهمة هي الـ580 لسلسلة الصواريخ الحاملة "لونغ مارش".


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- الشرق الأوسط
تأهب في «ناسا» والبنتاغون لإلغاء «عقود ماسك»
لم يتوقّع أحد الانهيار السريع والشرس في علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومستشاره المقرّب إيلون ماسك، بعد أيّام من حفل توديع الأخير في البيت الأبيض إثر انتهاء عقده في إدارة كفاءة الحكومة (دوج). وبعدما هدّد ترمب بفسخ العقود الحكومية لشركتي ماسك، «سبيس إكس» و«تسلا»، هدّد الأخير - قبل أن يتراجع لاحقاً - بسحب مركبته «كرو دراغون»، التي تعد الوسيلة الوحيدة الموثوقة لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا» للوصول إلى محطة الفضاء الدولية. وكتبت بيثاني ستيفنز، المتحدثة باسم «ناسا»، على موقع «إكس» في وقت متأخر من بعد ظهر الخميس: «ستواصل ناسا تنفيذ رؤية الرئيس لمستقبل الفضاء. سنواصل العمل مع شركائنا في الصناعة لضمان تحقيق أهداف الرئيس في الفضاء». ويُهدّد تفاقم الخلاف بين إدارة ترمب وماسك بالحدّ من قدرة كلّ من وزارة الدفاع (البنتاغون) و«ناسا»، على تحقيق العديد من الأهداف المتعلقة بالفضاء، والعمليات العسكرية والأمنية، التي تُسهّلها شركة «سبيس إكس». فما طبيعة الأضرار التي تتأهب لها الحكومة الأميركية في حال مضى الرئيس ترمب في تنفيذ تهديده بحق «عقود ماسك»؟ في عام 2006، فازت شركة صغيرة غير معروفة تُدعى شركة تقنيات استكشاف الفضاء «سبيس إكس»، وهي التي أسّسها إيلون ماسك، بعقد من «ناسا» لنقل البضائع والإمدادات إلى محطة الفضاء الدولية. في ذلك الوقت، لم تكن «سبيس إكس» قد أطلقت أي مركبة إلى المدار بعد، ولم تنجح في ذلك إلا بعد عامين، حين أطلقت صاروخها الصغير «فالكون 1». ولكن منذ ذلك الحين، أصبحت الشركة ركيزة أساسية لجميع رحلات الفضاء الأميركية؛ المدنية منها والعسكرية. أميركيون يتابعون إطلاق صاروخ «ستارشيب» التابع لـ«سبيس إكس» في تكساس يوم 27 مايو (أ.ف.ب) وفي عام 2010، بدأت الشركة بإطلاق أول صاروخ من طراز «فالكون 9». وبحلول عام 2012، كان الصاروخ يُرسل البضائع إلى محطة الفضاء الدولية. وساعدت «ناسا» في تمويل تطوير الصاروخ، لتستغل شركة «سبيس إكس» موافقة الوكالة الحكومية على توقيع عقود مع شركات محلية وخارجية ترغب بإطلاق أقمارها الاصطناعية. ومنذ ذلك الحين، تحولت «سبيس إكس» إلى أهم ناقل للأقمار الاصطناعية، وبأقلّ سعر من أي منافس آخر. كما فازت خلال إدارتي باراك أوباما، ولاحقاً دونالد ترمب، بعقد لنقل رواد الفضاء إلى المحطة الدولية. وتذكر صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترمب ألقى خطاباً في «مركز كيندي للفضاء»، بولاية فلوريدا في مايو (أيار) 2020، قائلاً إن «الشراكة الرائدة بين (ناسا) و(سبيس إكس) اليوم، منحت أمتنا هدية قوة لا مثيل لها، مركبة فضائية متطورة لوضع رواد فضاءنا في المدار بجزء بسيط من تكلفة مكوك الفضاء». وما عزز موقع «سبيس إكس» هو تعثر منافسيها، مما مكنها من الهيمنة على صناعة الفضاء، حيث تعتمد عليها الحكومة الفيدرالية الآن اعتماداً كبيراً. وعلى المدى القريب، لا تملك الحكومة خيارات أخرى تُذكر لإرسال البشر والحمولات إلى المدار وما بعده. وتعد كبسولات «كرو دراغون» الناقل الوحيد الموثوق لرواد الفضاء، والحمولات، إلى محطة الفضاء الدولية لصالح «ناسا». وفي حال توقفها، ستتزايد الشكوك بمستقبل المحطة المتهالكة، التي ستتولى «سبيس إكس» نفسها بناء مركبة لدفعها إلى مدار فوق المحيط الهادئ لتأمين سقوطها بشكل آمن عام 2030، بعد انتهاء مدّة عملها. ورغم أن ماسك قد تراجع عن تهديده بسحب المركبة الراسية الآن في المحطة الدولية، لكن في حال نفّذه، فستكون «ناسا» مجبرة على إعادة رواد الفضاء الأربعة الذين يعتمدون على «كرو دراغون» في رحلة العودة إلى الأرض، من دون أن يكون لديها وسيلة موثوقة أخرى سواها لإرسال رواد فضاء جدد. In light of the President's statement about cancellation of my government contracts, @SpaceX will begin decommissioning its Dragon spacecraft immediately — Elon Musk (@elonmusk) June 5, 2025 وكانت «ناسا» قد استعانت بشركات أخرى لتقديم هذه الخدمات، كبديل في حال حدوث أي مشكلة، بينها شركة «بوينغ»، التي تعاقدت معها لنقل رواد الفضاء إلى المدار. لكن كبسولتها «ستارلاينر» تعرّضت لمشكلات لم تتمكن الشركة من إصلاحها حتى الآن، ما أدى إلى بقاء رائدي فضاء، كانت نقلتهم الكبسولة، في المحطة الدولية لمدة 9 أشهر بدلاً من بضعة أيام، ولم يعودوا إلى الأرض إلّا على متن المركبة «كرو دراغون». وفي غياب أي إعلان من «بوينغ» و«ناسا» عن الموعد الجديد لإطلاق «ستارلاينر» التالي، من غير المتوقع أن يتم تدشين كبسولة جديدة قبل العام المقبل. كما لدى شركة «نورثروب غرومان» للطيران والفضاء عقد مع «ناسا» لنقل البضائع إلى محطة الفضاء الدولية باستخدام مركبتها الفضائية «سيغنوس». لكن العملية ألغيت بعدما تعرضت المركبة لأضرار خلال شحنها إلى قاعدة الإطلاق في فلوريدا. وتعاقدت «ناسا» مع شركة ثالثة، وهي «سييرا سبيس» بولاية كولورادو، لتسليم البضائع. ولكن مركبتها «دريم تشيسر» الفضائية لم تُجرِ رحلتها الأولى بعد. سيكون على «ناسا» مواجهة العديد من التحديات، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة العودة بقوة إلى الفضاء في مواجهة منافسين على رأسهم الصين، ومواجهة أخطار انتقال سباق التسلح إلى الفضاء، مع نشر بكين وموسكو أقماراً صناعية مسلحة. جانب من إطلاق صاروخ «فالكون 9» في فلوريدا يناير 2025 (أ.ف.ب) وعلى المدى القصير، قد تضطر «ناسا» إلى تقليص عدد طاقم محطة الفضاء إلى ثلاثة، في حال قررت العودة للاستعانة بكبسولة «سويوز» الروسية، كما جرى في وقت سابق بعد تقاعد مكوكات الفضاء الأميركية وقبيل بدء رحلات «كرو دراغون». وهو ما قد يسبب إحراجاً سياسياً كبيراً، في ظل الخلافات القائمة بسبب الحرب في أوكرانيا. ومن دون «سبيس إكس»، ستنهار الخطة الحالية لهبوط رواد فضاء أميركيين على سطح القمر في السنوات المقبلة، على متن صاروخ «ستارشيب» العملاق الجديد الذي سينقل رائدي فضاء إلى سطح القمر خلال المهمة الثالثة في برنامج «أرتميس». ومع أن «ناسا» لديها عقد مع شركة «بلو أوريجين» للصواريخ، وهي الشركة التي أسّسها جيف بيزوس، لإطلاق مركبة هبوط على سطح القمر، فإنه لن يتم ذلك إلّا بعد سنوات عدة خلال مهمة «أرتميس 5». وقد يؤدي إلغاء جميع عقود «سبيس إكس»، كما هدّد ترمب، إلى ترك العديد من الحمولات والمعدات العلمية والمدنية والعسكرية للحكومة عالقة على الأرض. فقد تعاقدت وزارة الدفاع مع «سبيس إكس» لبناء نسخة أكثر أماناً من أقمار «ستارلينك» للإنترنت، لأغراض الاتصالات العسكرية. كما أن خططها لإطلاق أقمار صناعية عسكرية في مواجهة الصين وروسيا قد تتأثر أيضاً، حيث إنها تعتمد على «سبيس إكس» التي تطلق بشكل روتيني أقماراً صناعية عسكرية واستخباراتية أميركية سرية تدور حول الأرض. وفازت «سبيس إكس» بعقود لإطلاق مهمات علمية تابعة لـ«ناسا»، مثل «دراغون فلاي»، وهي مركبة تعمل بالطاقة النووية، ومن المقرر أن تحلّق حول قمر تيتان التابع لكوكب زحل.