
رؤساء انهزاميّون أو سَيكوباتيّون
1. "هكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس"
من أجمل ما قاله يسوع الناصريّ فينا:"أنتُم نورُ العالم. فليُضئ نورُكم للناس"... من هنا المسؤوليّة العظيمة المُلقاة على عاتقنا جرّاء تلك النعمة: "أنتم نو ر العالم"!
نحن قادرون أن نُقدّم شيئًا رائعًا وبنّاءً للعالم: النور! فهوَ مصدر الحقيقة والفرَح إذ يُبدِّد الظلمة والخوف والقلق من داخلنا، فنكون أمام إمكانيّة الاختيار، أي الحريّة. وهكذا نكون نافعين للعالم وللآخرين، بفَتح الآفاق أمامهم على إمكاناتٍ مُتاحة تحقيقًا للاستقلاليّة الذاتيّة. إنّها لَرسالة رائعة أوكلنا بها يسوع - "نور العالم.
إيماننا تأكيد على دعوتنا بأنّنا عُمّال في كرْم[ متّى 20: 1-15] الله ومعه. نحن مسؤولون عن إدارة عالمنا على ما علَّمنا يسوع يومًا:"ليأتِ ملكوتك كما في السماء كذلك على الأرض"، و "روحُ الربِّ عليَّ، لأنّه مسحَني لأُبشِّر المساكين"[ لوقا 4: 18]. لذا، علينا تحويل طلباتنا إلى الله برنامجَ عملٍ شخصيّ في عالمنا ولأجله. لنكون "المنارة" و"السِراج"، فـ"أنُضيء لكلّ مَن في البيت، بانيًنا عمارة الحبّ والرحمة والحدمة" [ 1 قورنتُس 10: 23].
ما تقدّم الكلام عنه ليس بالأمر اليَسير، إذ قد أَتحوَّل في غفلةٍ إلى "مِكيال"[ وِحدة قياس. اي يجب أن أحذر من وضع القياس والقواعد والقيود والأحكام كما فعل الفرِّيسيّون ومنهم مُعاصِرونا.] - حذَّر منه يسوع- يَحجب النور والرؤية، أو إلى مُطيعٍ أعمى لمجموعةٍ من القوانين والمُتَطلّبات، فأبتَلي بالتراخي وبالّلامُبالاة وبالكسَل[ السَرير، في النصّ.]، أي غياب الفِعل - مبدأً ونهجًا في الحياة - فأَستهلِك النور فيَّ حتّى النفاد.
2. "أُذكروا مدبِّريكم .. وتأمّلوا في عاقبة تصرِّفهم"...
في زمنِ الانهزاميّة والسَيكوباتيَّا [ الاعتلال أو الاضطراب النفسيّ.] لدى الرؤساء، زمَنيِّين ودينيِّين، يأتي كاتبُ الرسالة إلى العبرانيِّين لِيُلفتنا: "أُذكُروا مُدَبِّريكم الذين كلّموكم بكلمة الله تأمّلوا في عاقبة تصرِّفهم، واقتدوا بإيمانهم"(عب 13: 7). مَن هو الانهزاميّ أو المُعتَل نفسِيًّا؟ وكيف نتعرَّف إلى ذاك النوع من الرؤساء؟
الانهزاميّ ذو شخصية "تُعاني من ضعف العَزيمة وعدَم القُدرة على التخطيط"، جرّاء تربيةٍ تَسطُو عليه ولا تترُك له مجال التعبير عن رأيه صغيرًا، فيَغدو بلَا هُوِّيَّة بالغًا(ةً). هيَ شخصيّة لا طموح لها أو رغبة أو روح نضاليّة. لأنّه يعتقد أنَّ خَيارات الحياة محدودة وفُرصها قليلة جدًا، فَتَنخفض عزيمته، و"يتَحوَّل إلى إنسان روتينيّ وتقليديّ وتابِع أعمى للِظروف والمَوروثات السلبيّة المُعَرقِلة" ...
.. أمَّا المُعتَل أو المُضطرِب نفسيًّا (السَيكوباتيّ)، فهوَ غالِبًا مُتلاعب بالآخَرين لشُعوره بالتفوُّق والغُرور. مُخادع، وعنيف، وغير قادر على تكوين علاقات اجتماعيّة صحِّيِّة أو سَوِيَّة. يفتقر إلى التعاطف ويستغلّ الآخرين دون الشعور بالذَنب. وهوَ يتميَّز "بسُلوكيات مُعادية للمجتمع، وبالإخلال بقَوانين المجتمع ...
2."اذكروا مدبِّريكم"
نبدأ بمَن "كلّمونا بكلمة الله ... "(عبرانيّين 13: 7).
هل من رؤيةٍ لدَيهم نتلمّسها عبر خطٍّ بيانيّ واضح وعبر أفعالٍ تُترجمها عبر الزمن؟
هل يُخطِّطون ويُبرمجون ويُراجِعون ما يقومون به؟
كيف يتعاطون مع الوجود الكَيانيّ لرعيّتهم وكيف يُطوِّرون تمَظهُراته ليكون ذاك الوجود لُبنةً في عمارة الوطن والعالم؟
كيف يُواجهون الخرائط الراهنة لعالم يقتسمه "الوحوش البشريّة" كيفَما يحلو لهُم دون الالنفات إلى المصلحة العامّة؟
هل يُمكن أن تكون انتظاراتنا منهم واقعيّة؟
هؤلاء مُحاطون بأشخاص بِلَا قيَم، يتَحكّمون بمَفاصِل المؤسَّسات التي يُديرون ويَجنُون أموالًا طائلة على حساب "الحقّ والعدالة[ راجعوا، مثَلًا، ما يحصل حاليًّا من مجازر في المدارس حيث يُصرَف معلِّمات ومعلِّمون لأنّ "الربح التجاريّ" هو المِعيار ...] للجميع". هُم يرأسون ولا يَحكمون، يقفون مكتوفي الأيدي أمام ارتكابات الأعوان، ولا يتاثّرون بِما يُعاني منه ناسُهم ... في هذه الحالة،كيف نَذكرهم كمُدَبِّرين وهُم "يعلِكون" كلمة الله التي يحفظونها غيبًا ولا "يعملون[ "أُمّي وإخوتي هم الذيم يسمعون كلمة الله ويعملون بها".
] بها"(لوقا 8: 12). أو كيف "نتأمَّل عاقبة تصرُّفهم" التي لا تنمّ عن مسؤوليّة حقّة تجاه حقوق الناس وعدالة قضاياهم؟ أو كيف "نقتَدي بإيمانهم" وهَم في حالةٍ يصحّ فيها وصفُ إبراهيم أصلان الآتي:"أنا لا يَعنيني ما تُؤمن به، يَعنيني ما الذي يُمكن أن تَفعله بهذا الإيمان؟ تَبني أم تَهدم؟ تَظلم أم تَعدل؟ تَسلب أم تَمنح؟ تُحبّ أم تَكره؟ تُحرِّر أم تَستعبد؟"
يجب أن يُجسِّد رؤساء الكنائس وناسهم هذا التَوصيف الواقعيّ: "الكنيسة ذاتُها هي مجمعيّة[ الأب بوريس بوبرنسكوي، "تعال ايّها الروح الحقّ"، 30 تمّوز 2000.] في طبيعتها العميقة" وعلى كلّ المستَويات "وفي كلّ علاقة إنسانيّة، بقدْر ما يكون الروح القدس رابط المحبّة والسلام" بين أعضائها، وبينهم وبين سائر البشر لأنّها تتألّف منهم جميعًا (يوحنّا 17).
وفي حالة الرؤساء المدَنيِّين، الانهزام أمام "حجّة الأقوى" يسُود أيضًا وأيضًا، لأنّه "الحُكم" (القرار إذا جاز التعبير ) الأسهَل والأقلّ كلفة عليهم كَونهم صنيعة ذاك الأقوى.
أمّا الرؤساء السَيكوباتيّون، فأقوى مثَلٍ عنهم ترامب ونِتِنياهو. وبحسَب باسمة القصّاب[ كاتبة بحرينيّة، عندما تحكم السيكوباتية العالم، الأخبار، 4 تمّوز 2025.] هما "إفراز طبيعي لنظام أكبر منهما: الرأسماليّة ذاتها، في شكلها النِيوليبراليّ المتَوحّش. هذا النظام، الذي قام على نرجسيّة الإنسان الأبيض، وترسيخ أنانيّته وغُروره، ومُراكمة أرباحه، واستِغلاله للآخَر واستِخدامه، وتَشيِيء الإنسان، وتَجريد الفِعل من أيِّ ضميرٍ أخلاقيّ".
أمّا المَخرَج إلى عالمٍ يستحقّه الإنسان، فيَكمُن في تجسيد ما نطَق به الفيلسوف اليَهوديّ الشهير باروخ سْبينُوزا:
لا تَسخَر،
لا تَتحسَر،
لا تكرَه،
بل افهَم .
إنَّ أسمَى نشاط يُمكن للإنسان أن يُحقِّقه
هو التعلُّم من أجل الفَهم،
لأنَّ الفَهم هو الحُرِّيَّة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
خطيب جامع الأزهر: الانسياق وراء الأحاديث غير المجدية يؤدي لصراعات مدمرة
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور حسن الصغير، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، المشرف العام على لجان الفتوى بالجامع الأزهر، والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية للشئون العلمية والبحوث، والتي دار موضوعها حول: الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة: ميزان القول في الإسلام" وقال الدكتور حسن الصغير، إن مفهوم الأمانة في شريعة الإسلام مفهوم عام وشامل لأقوال العبد وأعماله، فكما أنه محاسب على أعماله ومؤتمن عليها؛ فهو كذلك محاسب على الأقوال ومؤتمن عليها، فالكلمة أمانة؛ فإما أن تؤدي كلمة صادقة نافعة مفيدة، فتكتسب بها أجرًا وثوابًا، وإما أن تكون كلمة سيئة، أو خبيثة، أو تدعو إلى باطل، وتؤيد الشر والفساد؛ فتلك كلمة تحاسب عليها، وفي كثير من الأحيان تكون الأقوال أشد خطرًا من الأفعال، فكم من مُسيطِر على نفسه في أعمال جوارحه، لكنَّه أمام لفَظَات اللسان عاجز، يُطلِق للسانه العنان ليقول ما يشاء؛ وهذا الأمر يعد جرمًا عظيمًا. خطيب الجامع الأزهر: أساس التربية في الإسلام يتمثل في التحلي بحسن الخلق وشدد خطيب الجامع الأزهر على أن أساس التربية في الإسلام يتمثل في التحلي بحسن الخلق، هذا الخلق الرفيع لا يتماشى أبدًا مع استخدام الكلمات البذيئة أو المؤذية، ذلك أن هذه الأقوال تتعارض كليًا مع الصورة الحقيقية التي ينبغي أن يظهر بها المسلم، فلا يليق به أن يكون منافقًا، أو مخادعًا، أو مروجًا للشائعات، لهذا السبب، جاء نهي الدين الحنيف عن كل من الغيبة والنميمة، لأن الكلمة الخبيثة قادرة على إحداث شروخ في المجتمع وتعمل على تفكيك العلاقات والروابط الاجتماعية، يقول النبي ﷺ: (إن الجوارح تُكفّر اللسان تقول له: نحن بك؛ إن استقمت استقمنا، وإن اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا). إذًا، فاللسان سبب لاستقامة الجوارح، سبب لاستقامتها وثباتها، أو سبب لانحرافها. وأشار خطيب الجامع الأزهر، إلى أن الكلمة الطيبة أشبه بجواز سفر يفتح القلوب، فتسر بها النفوس وتنشرح لها الصدور، تاركة أثرا طيبا، كما أنها توثق أواصر المودة بين الناس بعضهم البعض، وتقوي الروابط المجتمعية، وقبل هذا كله هي مفتاح لرضوان الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، لهذا فإن من صفات المؤمنين أن يكون كلامهم طيبًا، مبينا أن الكلمة الخبيثة، هي باب من أبواب الشيطان الذي يتسلل من خلالها إلى إفساد العلاقات وإحداث شقاق بين الناس بعضهم البعض، وإصابة المجتمع بحالة من الصراع والعداء بين أفراده، لهذا قال الحق الله سبحانه وتعالى في شانها: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}. وحذر الدكتور حسن الصغير، من انسياق المجتمع وراء الأحاديث غير المجدية والإشاعات المغرضة بين الناس، لأن هذا السلوك سواء في بيئات العمل، أو حتى في مجالسهم العامة، يؤدي إلى صراعات وأحداث مؤلمة ومدمرة، وعلينا أن نتذكر أن كثيرا من الجرائم ، كان جزء منها نتيجة للإشاعات والأكاذيب التي روجها البعض، بهدف تفكيك المجتمع وتقويض أركانه. وفي ختام الخطبة دعا فضيلة الدكتور حسن الصغير الجميع إلى ضرورة الاتحاد والاعتصام بحبل الله المتين لأن فيهما النجاة والنصر، وعلينا أن نتذكر أن هناك أعداء يتربصون بهذه الأمة، ومن هذا الاعتصام هو عدم الانسياق وراء الشائعات، والعمل على توحيد الصوف على كافة المستويات، لأنه لا يمكن لهذه الأمة أن تنتصر مالم تلتزم بالنهج الإسلامي الذي جاء به القرآن الكريم.


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
حكم قطع صلاة الفرض لأمر مهم.. الإفتاء تجيب
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "ما حكم قطع صلاة الفريضة لأمر مهم؟ فإذا رن التليفون أثناء تأدية المرء إحدى الصلوات الخمس وكان منتظرًا مكالمة مهمة جدًّا، فهل يُسمح له بقطع الصلاة ويرد على الهاتف ثم يبدأ بعد ذلك صلاته من جديد؟ وهل يوجد رأي لهذا السؤال في المذاهب الفقهية الإسلامية؟ وقالت دار الإفتاء إن المعيار في هذا الأمر شخصي، وتحقيق المناط فيه مَرَدُّه إلى المصلي نفسه في تحديد ما هو مهمٌّ على جهة الضرورة أو الحاجة، وفي تحديد ما يتأتى إدراكه وما لا يتأتى، فإذا كان منتظرًا لمكالمة مهمة جدًّا لا يمكن له تدارك المصلحة التي تفوت بفواتها أو تجنب الضرر الذي يترتب على عدم الرد عليها -حسب ما يغلب على ظنه-؛ فإنه يجوز له شرعًا قطع الصلاة والرد عليها، مع وجوب أن تقدَّر الضرورة أو الحاجة في ذلك بقدرها، وعليه بعد ذلك قضاء الصلاة وابتداؤها مرة أخرى. وذكرت أنه إذا كانت الصلاة فرضًا فإن قطعها للأمور المهمة والمصالح المعتبرة التي لا يمكن تداركها جائز شرعًا، دينية كانت أم دنيوية؛ بل قد يصل ذلك إلى حد الوجوب إذا تعلق بنحو: إنقاذ غريق أو إغاثة ملهوف، بخلاف ما لو كان أمرًا يسيرًا، أو كان يمكن تداركه ولو بتخفيف الصلاة. وأوضحت أنه من الأدلة على ذلك: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه"، والإمام أحمد في "مسنده"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك": عن الأزْرَق بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: "كُنَّا بِالأهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى حَرْف نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ، وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا، قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ رضي الله عنه، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ! فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم سِتَّ غَزَوَاتٍ، أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَوْ ثَمَانِيَ، وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أرجع مَعَ دَابَّتِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا، فَيَشُقُّ عَلَيَّ".


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
لماذا خلق الله الموت والحياة؟.. خطيب المسجد الحرام: لـ سببين
قال الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الله جلت حكمته لم يخلق عباده هملًا، بل خلق الموت والحياة، ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، فاتقوا الله رحمكم الله، واعملوا في رضاه. لماذا خلق الموت والحياة واستشهد ' المعيقلي' خلال خطبة الجمعة الأخيرة من شهر الله المحرم اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة ، بما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله، فقد فاز فوزًا عظيمًا). وأوضح أن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفًا، فالضعف مبدؤه، وإليه منتهاه قال- تعالى-: (الله الذي خلقكم من ضعف، ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير). وأضاف أن المرء في هذه الحياة الدنيا لا يكاد يسلم من الشدائد والكربات، والمخاوف والمكدرات، فيحتاج فيها إلى سبب يعينه ويقويه، ويجبر ضعفه ويسليه، وإن من أعظم تلك الأسباب الأذكار الواردة في السنة والكتاب. أيسر الأعمال وأشار إلى أن ذكر الله من أيسر الأعمال التي يشغل المسلم بها وقته، ويحيي بها قلبه، ويؤنس بها وحشته، ويرضي بها ربه، فذكر الله لا يسأمه الجليس، ولا يمله الأنيس، وإن من ذخائر الأذكار، كنزًا عظيمًا تحت عرش الجبار. وأفاد بأنه حث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عليه، ورغب أمته فيه، فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله على فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات. ونبه إلى أن من حقق الاستعانة، أعانه الله، وهو معنى قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا حول للمرء عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمعونته، ولا تحول له من مرض إلى صحة، ولا من وهن إلى قوة، ولا من نقص إلى زيادة. إلا بالله وتابع: ولا دفع شر، ولا تحصيل خير، إلا بالله جل جلاله وتقدست أسماؤه، فلا حول ولا قوة إلا بالله نفيًا لأي تحول من حال إلى حال، إلا بالله ذي الجلال والكمال، وهي تطرد الهم والحزن عن صاحبها؛ لأن قائلها يستعين بخالقه، ويفوض الأمر إليه. وأردف: ويبرأ من حوله وقوته وعجزه، ومن حول كل مخلوق مهما بلغت مكانته، إلى حول الله وقوته وجبروته، فمن كان هذا قوله وفعله واعتقاده، كيف يخذله أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، سبحانه من إله كريم رحيم. ونوه بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى أمته بالإكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فمن ما ورد في فضلها، أنها سبب لمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا فمن قالها عند موته، كانت له وقاية من النار. ودلل بما ورد في سنن الترمذي: قال- صلى الله عليه وسلم-: (من قال: لا إله إلا الله والله أكبر، صدقه ربه، فقال: لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده قال: يقول الله: لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال الله: لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله: لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي، وكان يقول- صلى الله عليه وسلم-: من قالها في مرضه، ثم مات لم تطعمه النار. أسباب استجابة الدعاء وأكد أن كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله من أسباب استجابة الدعاء، فمن تعود ذكر الله، واستأنس به غلب عليه حتى يصبح حديث نفسه في نومه ويقظته، ومثل هذا حري بنيل الحسنات، وتكفير الخطيات، وإجابة الدعوات. واستند لما جاء في صحيح البخاري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته). ولفت إلى أن لا حول ولا قوة إلا بالله غرس من غراس الجنة، فيجب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وتربية النفس والأهل عليها، فقد أفلح من قالها، وفاز من تدبرها، ونجا يوم القيامة من داوم عليها، وهي إلى الله من أحب الكلمات، ومن الباقيات الصالحات. واستشهد بما ورد في مسند الإمام أحمد: أن عثمان بن عفان- رضي الله عنه-، سُئل عن الباقيات الصالحات، فقال "أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله"، قال- تعالى-: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا)، وقال (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير مردًا). فيها كمال التوكل وشدد على أن لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة عظيمة مباركة، فيها كمال التوكل على الله، والالتجاء إليه، ويشرع لمن خرج من بيته، لأي مصلحة دينية أو دنيوية، أن يلتجئ إلى ربه، فيقول: (بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قالها، قيل له حينئذ هديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي). واستطرد: كما أن لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استعانة، ولهذا شرع لنا إذا قال المؤذن "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، طالبين بذلك عون الله وتوفيقه، ومدده وتسديده. وواصل: فلذا يخطئ بعض الناس بأن يقولها جزعًا لا صبرًا، فيجعلها في مواضع الاسترجاع، وعند نزول المصائب والأوجاع، وبعضهم يختزلها اختزالًا يخل بمعناها، فيفوت علىه خير عظيم، وأجر جزيل.