
تضامن دولي رفضا لتجويع غزة ومغردون: نعيش في عالم بلا ضمير
تتصاعد أصوات المحتجين في مدن وعواصم العالم وعلى المنصات الرقمية مطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة، وإنهاء تجويع الفلسطينيين وإدخال المساعدات الإنسانية وكسر الحصار الخانق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 26 دقائق
- الجزيرة
مواقع إسرائيلية: مسلحون من حماس حاولوا أسر جنود إسرائيليين خلال الهجوم على موقع لواء كفير في رفح
مواقع إسرائيلية: مسلحون من حماس حاولوا أسر جنود إسرائيليين خلال الهجوم على موقع لواء كفير في رفح مسلحون يهاجمون نقطة تمركز للواء كفير في رفح ومروحيات الجيش تجلي مصابين


الجزيرة
منذ 26 دقائق
- الجزيرة
"فتيات التلال".. مجموعة إسرائيلية نسائية تروج للاستيطان "الناعم" في الضفة الغربية
دينا أحمد + مؤمن مقداد على تلال الضفة الغربية، لا تتوقف حكايات الاستيطان عن إعادة إنتاج نفسها بأشكال متجددة، فبعد أن مزّقت الجرافات وجه الأرض، وأحاطت البؤر المسلحة القرى الفلسطينية بسياج من الخوف والتهجير، برزت في السنوات الأخيرة موجة أخرى من الاستيطان أكثر هدوءا في ظاهرها، لكنها لا تقل خطورة في جوهرها. فبعد بروز مجموعة "فتية التلال" عام 1998، التي أسسها مستوطنون متطرفون بتشجيع مباشر من وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون -حين دعاهم إلى اعتلاء قمم الجبال وفرض السيطرة بالقوة- ظهرت نسخة جديدة بوجه أنثوي تحت اسم "فتيات التلال". هذه المجموعات تقدم الاستيطان بوجه مغاير: لا أسلحة بارزة ولا دوريات عسكرية، بل فتيات يتركن التعليم والحياة المدنية ليعشن في خيام ومساكن بدائية، يروجن لهذا النمط المصطنع باعتباره تضحية من أجل "الأرض الموعودة". لكن خلف هذا المظهر "الناعم"، يتواصل سلب الأرض من الفلسطينيين في فصل جديد من فصول الاحتلال القسري. في هذا التقرير، يتتبع فريق "الجزيرة تحقق" الواقع الحقيقي وراء حملة "فتيات التلال"، محاولا الإجابة عن أسئلة محورية: ما أهداف هذه المجموعة؟ كيف تستخدم أدوات الترويج الرقمي لتسويق مشروعها الاستيطاني؟ ما طبيعة الدعم الذي تحظى به من الحكومة والشرطة الإسرائيلية؟ وكيف تواصل التوسع في الضفة رغم الإدانات الدولية؟ حلم "إسرائيل الكبرى" لم يعد الاستيطان مقتصرا على الذكور وحدهم، كما صعد "فتية التلال" في أواخر التسعينيات بدعم رسمي لتثبيت البؤر على المرتفعات، جاءت "فتيات التلال" لتقدم الاستيطان كخيار "ناعم"، لكنه يستهدف الهدف ذاته وهو الوصول إلى ما يسمونه "إسرائيل الكاملة"، التي لا تقف جغرافيتها -وفق عقيدتهم- عند حدود فلسطين، بل تمتد إلى مصر والأردن ولبنان وسوريا. خيام على رؤوس الجبال، مساكن مؤقتة، حياة قاسية تعتمد على الرعي والتنقل، عزلة عن المجتمع وقطيعة مع مظاهر التمدن.. هذه هي البيئة التي يقدّمها المستوطنون من الذكور والإناث معا كقالب "تضحية"، بينما في حقيقتها وسيلة لترسيخ السيطرة على أراض فلسطينية خاصة، وتحويلها إلى بؤر استيطانية جديدة. إعلان ومن أبرز النماذج التي تكشف دور "فتيات التلال" في توسيع الاستيطان، بؤرتا "ماعوز إستير" و"أور أهوفيا" قرب رام الله، حيث اختارت مجموعات من الفتيات الانسحاب من التعليم والحياة المدنية، والتفرغ كليا لمشروع الاستيطان، بهدف فرض السيطرة الكاملة على الأرض، وتحويل نقاط رعوية بدائية إلى مستوطنات إسرائيلية متكاملة، بغض النظر عن قانونيتها أو عدمها. تلة الفتيات قبل نحو 17 عاما، أُقيمت بؤرة "ماعوز إستير" شمال شرق رام الله كنقطة استيطانية شبابية صغيرة، لكن هذه البؤرة سرعان ما تحولت مع مرور السنوات إلى ما يشبه مستوطنة متكاملة، تسكنها اليوم 17 عائلة ويعيش فيها أكثر من 50 طفلا، حتى باتت تُعرف باسم "تلة الفتيات". وفي أواخر مايو/أيار الماضي، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن البؤرة شهدت توسعا غير مسبوق خلال أسابيع قليلة، لتصبح مساحتها ضعف مساحة مستوطنة "كوخاف هشاحر" المجاورة، التي تبلغ نحو 950 دونمًا. ويأتي هذا التوسع بعد 6 سنوات فقط على عودة مجموعات من المستوطنات الإسرائيليات لإحياء تلك البؤرة. ومع وجود منازل جديدة قيد البناء، يجري التحضير لاستقبال مزيد من السكان، حيث يعمل معظمهم في مجالات التعليم والزراعة، كما أنشأت الفتيات فرعا محليا للأطفال، فيما يظهر أن المستوطنين هناك يسعون إلى تحويل البؤرة إلى تجمع استيطاني كبير يستوعب آلاف العائلات في المستقبل. ولم يقتصر الأمر على البناء فقط، بل حمل أيضا بعدا رمزيا ودينيا، إذ شهدت البؤرة مطلع العام الجاري مراسم إدخال سفر توراة وتدشين كنيس باسم "شيرات يونداف"، تخليدا للمستوطن يونداف هيرشفيلد الذي قُتل في عملية استهدفت مدرسة "مركاز هراف" في القدس "حسبما نشرت منصات إسرائيلية". من داخل بؤرة ماعوز إستير، تعكس كلمات المستوطِنة أورا عوديا عقلية "فتيات التلال" وتصورهن لمشروع الاستيطان، فهي واحدة من مجموعة فتيات تتراوح أعمارهن بين 13 و18 عاما، تركن منازلهن والمدارس الدينية لينتقلن إلى بيت جماعي على التلة. وقالت أورا لهيئة البث الإسرائيلية "تركت المدرسة الدينية للبنات كي أذهب إلى التلة. الآن أنا جندية، وأين يحتاجونني؟ في التلة؟ تمام، إذن أترك وأذهب إلى التلة". لكن خطابها امتد إلى رسم خريطة جغرافية أوسع لما تصفه بـ"أرض إسرائيل الكاملة": "الأرض تمر من هنا، هنا يوجد الأردن، سيناء، لبنان، سوريا، العراق، شبه الجزيرة العربية.. في الواقع كل هذه المنطقة، وأنا مدركة أنه من الناحية المبدئية قد يحدث هنا هجوم، لكننا هنا في حرب على الأرض، وفي الحرب كما في الحرب يمكن أن يكون هناك ضحايا". وختمت حديثها قائلة: "القانون حاليا لا يسمح بالبناء في كل أرض إسرائيل. من الواضح أن هذه قوانين بلا منطق، أرض إسرائيل تعود لشعب إسرائيل، ويجب أن نستقر في كل مكان فيها". هذه الشهادة تكشف كيف يتحول الاستيطان في "ماعوز إستير" من ممارسة ميدانية إلى عقيدة أيديولوجية متكاملة، ترى أن الضفة ليست سوى جزء صغير من مشروع أوسع يسعى لابتلاع المنطقة بأكملها. أما شالفيت غولدشتاين، وهي واحدة من بين مستوطنات ماعوز إستير -اللاتي يصفن أنفسهن بأنهن امتداد معاصر للصهاينة الأوائل- فقالت: لسنا هنا لتشجيع النشاط النسائي، ولكن إذا كانت النساء يعتقدن أن لا دور لهن في بناء الأرض، فقد أخطأن خطأ فادحا". فيما صرح أحد سكان البؤرة: "الدونمات ليست مجرد أرض، بل خطوة صهيونية حلم بها آباؤنا آلاف السنين في المنفى". أور أهوفيا وبعد أن عملن على تحويل بؤرة ماعوز إستير من نقطة رعوية صغيرة إلى مستوطنة قائمة، خطت "فتيات التلال" خطوة أخرى عام 2023، حيث أسسن بؤرة استيطانية جديدة حملت اسم "أور أهوفيا"، أقيمت على تلال قريبة من مستوطنة عوفرا غير القانونية شمال شرق رام الله. View this post on Instagram A post shared by גבעת אור אהוביה (@ View this post on Instagram A post shared by גבעת אור אהוביה (@ من التلة للمنصات في المقابل، رصد فريق "الجزيرة تحقق" نشاطا رقميا للمستوطنات الإسرائيليات عبر حسابات بأسماء البؤر الاستيطانية عبر منصات التواصل الاجتماعي، من أجل استقطاب المزيد من الفتيات والعائلات للسكن في البؤر وتوسيعها، حتى تحقيق حلم "أرض إسرائيل الكاملة". ونشر حساب "أور أهوفيا" على فيسبوك وتويتر مقطع فيديو يشمل ما أنجزته فتيات التلال من أعمال في البؤرة وتوسيعها، وكتب في توصيف المشهد: "مر عامٌ منذ أن تسلقنا الجبل قرب عوفرا واخترنا إقامة جفعات أور أهوفيا هناك، يسعدنا أن نشارككم ما نجحنا في الترويج له هذا العام، شكرا لكلِ من تبرع وساهم في بناء الوطن". إعلان كما نشر صورة عائلات تسكن بؤرة أور أهوفيا وكتبت عليها: "نصنع النصر"، وتابع تشجيعا للاستيطان: "بعد 5 سنوات تستطيعون أنتم أيضا أن تقولوا إنكم أسستم مستوطنة. أجمل منظر في العالم ينتظركم – تعالوا واسكنوا معنا في "جفعات أور أهوفيا". وظهرت فتيات التلال في فيديو على "إنستغرام" تحدثن فيه عن إصرارهن للبقاء في البؤر وتوسيعها، بالقول "من الضروري أن نرسخ وجودنا في الأرض، يجب أن نأتي ونقيم بؤرا جديدة، ونأخذ دورنا في هذه المسيرة العظيمة للاستيطان في كل أنحاء أرض إسرائيل". View this post on Instagram A post shared by גבעת אור אהוביה (@ وفي محاولة لتحسين صورة الاستيطان، نشرت "فتيات التلال" فيديو ساخرا بعنوان: "تعالوا نكسر لكم كل الصور النمطية عن فتيات التلال"، حيث ادّعت المستوطنات أنهن لا يقتلن العرب ولا يضربن أصحاب الأرض، بل يطبخن ويمسحن الأرض وينشرن الغسيل كأي نساء في أي بقعة من الأرض، في محاولة لإضفاء الشرعية على مشاريع الاستيطان التي يقمن بها. بهذا الخطاب، تحاول الفتيات تصوير الاستيطان كمشروع عائلي وبيئة اجتماعية قابلة للنمو، بعيدا عن صور العنف والهدم والتهجير التي ارتبطت تاريخيا بالمستوطنين. لكنه في جوهره يظل أداة لشرعنة الاحتلال وتوسيع المستوطنات على حساب الفلسطينيين. نتنياهو وتكريس الاستيطان وفي 17 أغسطس/آب الجاري، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مستوطنة "عوفرا" شمال شرق رام الله، المجاورة لبؤرة "أور أهوفيا"، للاحتفال بمرور 50 عاما على إقامتها، وقال: "مؤثر جدا أن أكون هنا، جئت قبل 25 عاما في احتفالات اليوبيل الفضي لأغرس جذورا في مكان لنا فيه جذور منذ آلاف السنين". وأدانت وزارة الخارجية الفلسطينية ما وصفته بـ"الاقتحام الاستعماري الاستفزازي" للمستوطنة، وكذلك التصريحات التي أدلى بها نتنياهو بشأن التمسك بالأرض وتفاخره بدوره في رفض الدولة الفلسطينية، معتبرة أنها تمعن في تكريس الاحتلال الاستيطاني الإحلالي والعنصري كحلقة في جرائم الإبادة والتهجير والضم. وفي أحدث تعقيب أممي على توسيع المستوطنات، أصدر المتحدث باسم الأمم المتحدة بيانا في 14 أغسطس/آب الجاري على خلفية مخطط (E1) الاستيطاني، وخطط التوسيع الإسرائيلية، قال فيه: "موقفنا واضح، المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية -والنظام المرتبط بها- أقيمت في انتهاك للقانون الدولي". قوانين تشرعن الاستيطان لم تكتف حكومة الاحتلال بالدعم العسكري والمالي للبؤر الاستيطانية، بل سعت أيضا إلى توفير غطاء قانوني لها عبر الكنيست، فقد تقدم نواب إسرائيليون خلال الأعوام الأخيرة بعدة مشاريع قوانين تهدف إلى إضفاء الشرعية على البؤر العشوائية وتحويلها إلى مستوطنات معترف بها رسميا، في تحد مباشر للقانون الدولي الذي يحظر إقامة أي مستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي مطلع العام الجاري، أقرت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية مشروع قانون تقدم به لوبي "أرض إسرائيل"، ويهدف إلى إلغاء ما يسمى "التمييز" والسماح لليهود بشراء الأراضي في الضفة الغربية بحرية تامة. ينص المشروع على أن عمليات الشراء ستظل محمية حتى في حال أي اتفاقيات سياسية مستقبلية، بحيث لا يمكن نزع الأراضي من المشترين اليهود، مما يعني عمليًا ترسيخ الاستيطان كأمر واقع لا رجعة فيه. ويقف خلف المشروع عدد من أبرز رموز اليمين الإسرائيلي، بينهم: ليمور سون هار ميلخ، ويولي إدلشتاين، وسمحا روتمان، وموشيه سلومون، الذين يرون في القانون خطوة "طبيعية" لاستعادة ما يعتبرونه "أرض الأجداد". مسرحية التفكيك رغم أن الشرطة الإسرائيلية تحاول الظهور أمام العالم وكأنها تفرض القانون عبر تفكيك بعض البؤر الاستيطانية، فإن هذه العمليات غالبا ما وصفت بأنها مجرد "مسرحية متفق عليها". فحكومة الاحتلال من جهة تدعم إنشاء البؤر وتمول بنيتها التحتية، ومن جهة أخرى تبث لقطات هدمها أمام الكاميرات في مشهد يوحي بالالتزام بالقانون. بؤرتا ماعوز إستير وأور أهوفيا تمثلان أوضح الأمثلة على هذه المفارقة، فقد تعرضت منشآتهما للهدم عشرات المرات، بدعوى أنها مقامة على أراض زراعية خاصة تعود للقرى الفلسطينية القريبة، لكن ما إن تغادر قوات الشرطة الموقع حتى تسارع "فتيات التلال" إلى إعادة البناء من جديد، في دورة متكررة تكشف عن تواطؤ منظم أكثر من كونه إنفاذا للقانون. هذا التناقض عبّر عنه صراحة أبراهام ساندك، والد المستوطن أهوفيا الذي تحمل إحدى البؤر اسمه، إذ قال: "قبل نحو شهر أقامت الفتيات من ماعوز إستير التلة القريبة من مستوطنة عوفرا. في الأسبوع الماضي وصلت قوات الهدم ودمرت البيت، لكن الفتيات أعَدْن بناءه من جديد، وهن الآن بحاجة إلى دعم شعبي لمواصلة البناء والتطوير". رد حقوقي وفي تعقيب على محاولات الشرطة الإسرائيلية تفكيك البؤر الاستيطانية، تواصل "الجزيرة تحقق" مع مدير البحث الميداني في منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية، كريم جبران، الذي وصف ما يحدث بأنه "لعبة لمحاولة ذر الرماد في العيون". وقال جبران للجزيرة: "معظم البؤر الرعوية والاستيطانية التي تقام مدعومة من قبل الدولة والجيش"، مضيفا: "حتى الإدارة المدنية تقدم لها الخدمات، وجميع البؤر تزود بالماء والكهرباء وشبكة طرق خاصة بها، إضافة لتأمين الحماية اللازمة لها". وحول ما تقوم به الشرطة الإسرائيلية في هذا الشأن، رد جبران قائلا:"عمليات الهدم لا بد منها، لأن هناك مئات البؤر التي تزداد بشكل يومي، ولا يمكن السكوت عنها لأنها معظمها في أراض فلسطينية خاصة". واختتم: "الشرطة تعمل كمحاولة ذر الرماد في العيون بتفكيك بؤرة هنا أو هناك، ولكن في نفس اليوم يتم العودة لهذه البؤر وإقامتها من جديد، فكل ما يحدث مجرد لعبة"، وفق تعبيره. وبما سردناه سابقا فإن "فتيات التلال" لم يعدن مجرد مجموعة هامشية، بل تحولن إلى ذراع متكاملة للاحتلال، يجمعن بين البساطة المصطنعة في الميدان، والدعاية الناعمة عبر المنصات الرقمية، والدعم الأمني والتشريعي من الدولة. في ظاهر الأمر، صورة لفتيات يعشن حياة "بدائية" فوق التلال، وفي جوهرها مشروع ممنهج يبتلع الأرض ويعيد رسم الجغرافيا على مقاس "إسرائيل الكبرى"، وترسيخ واقع جديد بـ"استيطان ناعم".


الجزيرة
منذ 26 دقائق
- الجزيرة
كيف تخدع إسرائيل الجميع؟
منذ قيامها، اعتمدت إسرائيل على منهجية الخداع كأداة لإدارة الصراع: وعود بالسلام يقابلها تمدد الاستيطان، انسحابات شكلية تتحول إلى حصار خانق، وهدن إنسانية تُستغل لشراء الوقت والمضي قدما بالخطط المرسومة. هذا النهج لم يكن يوما عارضا، بل سياسة ثابتة هدفها تزييف الواقع أمام العالم، وتبرير مشروع السيطرة على الأرض. واليوم، في ظل القبول الفلسطيني بمقترح هدنة لمدة ستين يوما بوساطة مصرية- قطرية، وما رافقه من رفض إسرائيلي جزئي ومناورات سياسية، يعود المشهد ليذكرنا بالمنهج ذاته: اتفاقات تُعلن ثم تُفرغ من مضمونها، بينما تتواصل معاناة المدنيين وسط تحذيرات من مجاعة وتهديد للبقاء. وعلى وقع انتفاضة احتجاجية غير مسبوقة داخل إسرائيل نفسها، ومع اتساع الحراك الدولي المطالب بوقف الحرب، يظل السؤال مطروحا: هل تمضي هذه الجولة نحو تغيير حقيقي، أم إن السياق يعيد إنتاج ذاته، لتتكرر اللعبة القديمة من جديد؟ ومن هنا، يسعى هذا المقال إلى تفكيك أنماط الخداع الإسرائيلية وأشكالها المتجددة في سياق الحرب الراهنة، وتحليل حدود هذه الإستراتيجية التي تحولت من أداة ناجحة ظاهريا إلى فخ سياسي وأخلاقي يطارد الاحتلال نفسه، وصولا إلى استشراف دور الحراك الشعبي والدولي الحالي- من الشارع الإسرائيلي إلى العواصم الغربية والوسطاء الإقليميين- في كسر الحلقة المفرغة وفتح أفق مختلف لوقف نزيف الدم والمعاناة. من أوسلو إلى كذبة الانسحاب من القطاع: وعود سلام زائفة منذ عقود، استخدمت إسرائيل المفاوضات واتفاقيات السلام كواجهة دبلوماسية تخفي وراءها سياسات التوسع والتهجير على الأرض. ففي اتفاقية أوسلو 1993، وُعد الفلسطينيون بحق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة بعد خمس سنوات، لكن على الأرض استغلت تل أبيب الاتفاق لتكريس الأمر الواقع. فقد تضاعف الاستيطان نحو أربع مرات منذ أوسلو؛ إذ كان في 1992 حوالي 172 مستوطنة يقطنها قرابة 248 ألف مستوطن، ليقفز بحلول 2023 إلى نحو 444 مستوطنة وبؤرة يقطنها حوالي 950 ألف مستوطن. ويقر الخبراء بأن أكبر أخطاء أوسلو كان غياب نص صريح يُلزم إسرائيل بوقف الاستيطان، ما أتاح لها فرض حقائق جديدة على الأرض. وفوق ذلك، جرى ترحيل القضايا الجوهرية إلى مفاوضات الحل النهائي، مثل القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والأمن، وهو ما منح إسرائيل فسحة زمنية لتكريس سيطرتها. فبدلا من معالجة قضية اللاجئين بجدية، جرى الالتفاف عليها عبر استهداف وكالة الأونروا وتصويرها كمنظمة "محظورة"، في محاولة لشطب صفة اللاجئ وحق العودة من المعادلة، فيما تسارع التهويد في القدس، واحتُكرت مصادر المياه، وأُبقيت الحدود والمعابر تحت السيطرة الإسرائيلية. وهكذا تحولت الملفات التي كان يُفترض أن تفتح أفقا لحل عادل، إلى أدوات مماطلة ضاعفت من اختلال ميزان القوى ورسخت مشروع الضم والهيمنة. وفي السياق ذاته، جاء انسحاب غزة 2005 كواحد من أبرز مسرحيات الخداع. فقد قدمته إسرائيل للعالم كخطوة "نحو السلام" أو "فك ارتباط"، بينما كان الهدف الحقيقي إعادة صياغة السيطرة: انسحاب الجيش من داخل القطاع مقابل إحكام الطوق من خارجه، بالسيطرة على المعابر والجو والبحر، وفرض حصار خانق جعل غزة أكبر سجن مفتوح في العالم. وبعد فوز حركة حماس بالانتخابات 2006 وتوليها الحكم، تحول هذا "الانسحاب" إلى حصار كامل منذ 2007، استُخدم كعقاب جماعي للسكان وأداة ضغط سياسي تحت ذرائع أمنية. الخداع العسكري: مناطق آمنة تتحول إلى مصائد موت على الصعيد الميداني، اتبعت إسرائيل تكتيكات خداع عسكرية تقوم على إيهام السكان بوجود "مناطق آمنة" ثم قصفها، أو الدعوة إلى الإخلاء نحو الجنوب ليُكتشف لاحقا أن القصف يلاحق النازحين حيثما ذهبوا. كما استُخدمت سياسة الأرض المحروقة لنسف أحياء كاملة، ثم جرى الترويج لفتح "ممرات إنسانية" لا تلبث أن تتحول إلى مساحات مستهدفة. بهذا، يصبح الحديث عن حماية المدنيين جزءا من أدوات الحرب نفسها، وسلاحا دعائيا يُضاف إلى ترسانة الاحتلال. خطة احتلال غزة تحت ستار المساعدات الإنسانية في الأيام الأخيرة، ومع الهجوم المدمر على حي الزيتون، برزت فكرة "مدينة الخيام" قرب رفح كخطة جديدة تُسوَق كإغاثة إنسانية، لكنها في الواقع تمهيد لتهجير جماعي منظم. وقد صرح نتنياهو بأن هدفه إعادة رسم المشهد الديمغرافي لغزة بما يخدم مشروع "إسرائيل الكبرى"، وهو ما يتقاطع مباشرة مع خطة الخيام التي تهدف إلى حشر مئات الآلاف في الجنوب؛ تمهيدا لإفراغ الشمال والسيطرة عليه. وهكذا، يتضح أن ما يُقدم على أنه مبادرة إنسانية ليس إلا حلقة إضافية في مسلسل الخداع الإسرائيلي الذي يستخدم أدوات الإغاثة لتغطية مشاريع توسعية واستيطانية أعمق. شعار "تحرير غزة من حماس" لتبرير التهجير روجت القيادة الإسرائيلية لرواية إعلامية مفادها أن هدف الحرب هو "تحرير غزة من حكم حماس" وليس إعادة احتلالها. فقد كرر نتنياهو أن إسرائيل لا تسعى لاحتلال القطاع بل لإنهاء حكم حماس وتحرير السكان من "إرهابها"، زاعما أن الحرب ستتوقف فور استسلام الحركة وإفراجها عن الأسرى والمحتجزين. هذا الخطاب صُمم لتجميل صورة الحرب أمام الرأي العام الدولي، وإظهار الجيش كأنه يقاتل من أجل الفلسطينيين أنفسهم. غير أن الحقيقة في هذا الخطاب هي ذروة التضليل. فحركة حماس ردت بأن الحديث عن "التحرير" ليس إلا خداعا مفضوحا يهدف إلى إخفاء النوايا الحقيقية: التهجير القسري، تدمير مقومات الحياة في غزة، وتنصيب سلطة تابعة لإسرائيل. وأكدت أن استخدام مصطلح "التحرير" محاولة لقلب حقيقة الاحتلال وفق القانون الدولي، وأن جرائم الإبادة والتجويع الممنهجة تكشف زيف هذه الرواية. وتتضح التناقضات أكثر من خلال تصريحات نتنياهو نفسه، حين أقر أن خطته تتضمن إقامة إدارة مدنية جديدة في غزة بعد هزيمة حماس، شرط ألا تكون تابعة للحركة أو حتى للسلطة الفلسطينية. وهذا يعني عمليا فرض ترتيب سياسي يخضع لسيطرة إسرائيل غير المباشرة، أي احتلال بحلة جديدة. وعلى الأرض، استُهدف المدنيون، المستشفيات، المدارس والأسواق بذريعة ملاحقة المقاومة، ما جعل شعار "التحرير" مجرد ستار لفظي للتغطية على حقيقة المشروع الإسرائيلي: إزالة حكم حماس وفرض وصاية أمنية طويلة الأمد على غزة، من دون تحمل تبعات الاحتلال المباشر. مسرحيات إنسانية تحت الضغط الدولي مع تفاقم صور الدمار في غزة وتصاعد المظاهرات والانتقادات الدولية، وجدت إسرائيل نفسها في عزلة نسبية غير مسبوقة. وتحت هذا الضغط، لجأت إلى خطوات شكلية كإعلان "هدن إنسانية" أو فتح ممرات آمنة، لكنها كثيرا ما قصفتها أو جعلت المرور عبرها شبه مستحيل. كما سمحت بدخول مساعدات محدودة، بينما أكدت تقارير أممية استمرار النقص الحاد وانتشار الجوع، في وقت أُلقيت فيه بعض المساعدات عمدا في مناطق خطرة أو في البحر. ومن أبرز هذه "المسرحيات" الإنزال الجوي لمؤن غذائية محدودة، التي رُوجت كدليل على الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تكن سوى دعاية: كمية هزيلة وخطورة أوقعت إصابات بين المدنيين. هكذا يتضح أن إسرائيل تتعامل مع الضغط الدولي بمنطق العلاقات العامة لا بتغيير السياسات، فهي تُكثِر من التصريحات واللجان والوعود أمام الكاميرات، بينما تواصل حربها بلا توقف. وما إن يخفت الضغط حتى تعود آلة الحرب إلى أقصى قوتها، وقد صرح نتنياهو بوضوح أن الحرب لن تنتهي قبل "هزيمة حماس" كاملة، لتتحول الهدن والمساعدات إلى أدوات تكتيكية لكسب الوقت وتخفيف الضغط، فيما يبقى الهدف الإستراتيجي ثابتا: مواصلة العمليات حتى تحقيق المشروع الإسرائيلي. الخداع القانوني: قلب الحقائق وتزييف الخطاب لم يقتصر التضليل الإسرائيلي على الميدان، بل امتد إلى الساحة القانونية والإعلامية. فباسم "الدفاع عن النفس" جرى تبرير عمليات إبادة وتهجير قسري، وبشعار "التحرير" جرى قلب حقيقة الاحتلال رأسا على عقب. وقد سعت الحكومة الإسرائيلية إلى إخفاء جرائمها عبر خطاب مزدوج: إنساني أمام العالم، وعدواني في الميدان، لتبدو وكأنها الضحية، بينما تمارس أوسع الانتهاكات ضد المدنيين. هذا الاستخدام المتعمد للغة القانون الدولي، وتحويلها إلى أداة تضليل، يشكل أحد أبرز مظاهر الخداع. وحتى في تسمية جيشها بـ"جيش الدفاع"، تحاول إسرائيل أن تضفي على نفسها غطاء قانونيا، مستندة إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بحق الدفاع عن النفس، في حين أن ممارساتها تمثل في جوهرها اعتداء واحتلالا مستمرين. والمفارقة الصارخة أن داني دانون، مندوبها السابق في الأمم المتحدة، لم يتردد في تمزيق نسخة من الميثاق الأممي ذاته أمام قاعة المنظمة الدولية، في مشهد يجسد الاستخفاف بأبسط قواعد الشرعية الدولية، ويكشف حقيقة الخطاب الإسرائيلي: احترام شكلي للميثاق حين يخدم مصالحها، وازدراء علني له حين يُقيدها. الضغط الداخلي وصفقات الأسرى والمحتجزين المؤجَلة يواجه نتنياهو أزمة داخلية متصاعدة تتعلق بخسائر الحرب البشرية وملف الأسرى والمحتجزين لدى حماس. ورغم الدعم الشعبي الواسع عقب عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن طول أمد الحرب وكلفتها العالية أحدثا شرخا في الإجماع الداخلي، تجلى خصوصا في حراك عائلات الأسرى والمحتجزين الذين انتقدوا تباطؤ الحكومة ونظموا اعتصامات للضغط باتجاه صفقات تبادل. تحت هذا الضغط، بدت الحكومة أحيانا مستعدة لتليين موقفها، كما حدث في هدنة نهاية 2023 التي أُطلق خلالها سراح أسرى من الجانبين. لكن هذه الصفقة ظلت محدودة وسرعان ما تلتها عودة القتال بإجرام أشد. ومنذ ذلك الحين، تكررت الأنباء عن مفاوضات متقطعة عبر وسطاء، لكنها كانت تنتهي بتراجع مفاجئ من جانب نتنياهو. إعلان ويرى مراقبون أن نتنياهو يتعامل مع ملف الأسرى والمحتجزين كورقة سياسية لا إنسانية، معتمدا المماطلة والمراوغة لأسباب متعددة: تفادي المحاسبة على إخفاقات حكومته، الحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني المتشدد الرافض أي تنازل، السعي وراء صورة نصر عسكري قبل أي صفقة، واستغلال المفاوضات كغطاء لانتزاع تنازلات أو لكسب الوقت. كما أن استمرار الحرب يجمد الحياة السياسية الداخلية ويؤجل المطالب بانتخابات مبكرة أو لجان تحقيق. نتيجة لهذه العوامل، رأينا نتنياهو مرارا يلوح باقتراب صفقة ثم يتراجع عنها في اللحظة الأخيرة. هذا النهج أثار غضب عائلات الأسرى والمحتجزين التي اتهمت الحكومة بالتضحية بأبنائهم لحسابات سياسية. وبرغم السخط الشعبي، يحاول نتنياهو إقناع الإسرائيليين بأن التصعيد العسكري وحده كفيل بإعادة الأسرى والمحتجزين وتأمين المستقبل. إنها مقامرة سياسية يخوضها للهروب من أزماته الداخلية، لكنه يغامر في الوقت نفسه بثقة جمهوره وبحياة الأسرى والمحتجزين عبر عرقلة الحلول التفاوضية الممكنة. هل تستمر منهجية الخداع؟ مع دخول الحرب على غزة شهرها الثاني والعشرين، بات واضحا أن منهجية الخداع الإسرائيلية تواجه اختبارات صعبة على كل المستويات. فعلى الصعيد الدولي، بدأ صبر العالم ينفد أمام صور الدمار والمجازر، وصدرَت قرارات أممية تطالب بوقف إطلاق النار ورفع الحصار، فيما باتت التحقيقات الدولية في جرائم الحرب قيدا متزايدا على قادة إسرائيل. داخليا، لم يعد الوضع مريحا لنتنياهو. فبينما تهيمن الأجواء المتطرفة، برزت أصوات عسكرية وسياسية تحذر من مخاطر التورط في احتلال طويل الأمد وما يترتب عليه من مسؤوليات إنسانية وخسائر فادحة بلا نصر حاسم. اقتصاديا واجتماعيا، تتعرض إسرائيل لاستنزاف متزايد: تضخمت ميزانية الدفاع على حساب الخدمات، وتراجع الاستثمار والسياحة، فيما يعيش جزء من السكان في الملاجئ تحت تهديد الصواريخ. ومع طول أمد الحرب، قد يتحول الالتفاف الشعبي إلى مساءلة قاسية إذا تبين أن الوعود بالنصر السريع لم تتحقق. أما على الجانب الفلسطيني، فقد أحبط الصمود الشعبي والميداني الرهان الإسرائيلي على النزوح الجماعي. ورغم الفارق الكبير في القدرات، واصل الفلسطينيون تسطير معاني الصبر والصمود ما حال دون تحقيق إسرائيل إنجازاتها الموعودة. في المحصلة، تبدو هذه المنهجية الإسرائيلية في مأزق عميق. قد تمنح قادتها مكاسب تكتيكية آنية، لكنها عاجزة عن صياغة حل إستراتيجي للصراع. فالمجتمع الدولي لم يعد يبتلع روايات الاحتلال، والفلسطينيون لم ينصاعوا لمخططات التهجير، والجبهة الداخلية الإسرائيلية نفسها تهتز تحت وطأة الخسائر وتراجع الثقة بقيادتها. إن الإيهام بالمساعدات أو التلويح بصفقات واهية قد يخدع مرة أو مرتين، لكن الحقيقة سرعان ما تنكشف مع استمرار القصف والحصار. إن المضي في هذا النهج لا يقود إلا إلى مزيد من العزلة الدولية، وتصدع الداخل الإسرائيلي، وإلى صعود مقاومة أكثر صلابة وإصرارا. وكما أثبت التاريخ، لا يمكن لمنهجية قائمة على الخداع أن تصنع أمنا أو نصرا، بل تفتح الباب أمام أجيال أشد قوة وأرسخ تمسكا بحقوقها. جيل يكتب بدمه وفدائه استمرار مسيرة التحرر. إن التاريخ يعيد نفسه، لكنه في كل مرة يضيف إلى الشعب الفلسطيني صلابة جديدة وإيمانا أعمق بعدالة قضيته، فيما يخسر الاحتلال آخر ما تبقى من شرعية وزيف روايته. ومن هنا، يصبح مطلوبا تركيز الجهود على ثلاثة مسارات متوازية: تعزيز التوثيق القانوني لجرائم الاحتلال، تكثيف الضغط الشعبي والدبلوماسي لعزله، والاستثمار في وحدة الصف الفلسطيني كحائط صد أمام مشاريع التهجير والتضليل.