logo
الموت جوعاً وعاراً

الموت جوعاً وعاراً

إيطاليا تلغراف نشر في 5 يونيو 2025 الساعة 1 و 04 دقيقة
إيطاليا تلغراف
سهيل كيوان
كاتب فلسطيني
لا شكَّ أنَّ كلَّ من يملك الحد الأدنى من القِيَم الإنسانية، يشعر بالقهر عندما يرى جموع الفلسطينيين متصارعة للحصول على وجبة طعام، أو كرتونة مساعدات غذائية. أكثرنا لا يحبُّ النظر إلى هذا المشهد، وعندما يراه على موقع ما، فإنّه يقلب الصّفحة، كي يحجب عن نفسه الشّعور بالعار والعجز. كيف تحوّل هؤلاء الناس الشّرفاء الصّابرون، الذين واجهوا الإبادة والفقد بالاحتساب، وتسليم أمرهم إلى الله، إلى متصارعين للحصول على الطحين! تشعر بالعار لتقصيرك وعجزك، ولعجز الأمّة العربية كلها، عن مدّ يد العون والمدد لضحايا همجية لم يسجّل التاريخ الحديث مثيلا لها.
هذه الصورة الوحشية التي سعت الصهيونية إلى إلصاقها بالفلسطيني، حاربها الفلسطينيون على مدار عقود، وحاولوا دائما إبراز الحقيقة بأنّهم ضحايا يطلبون حقوقهم وإنصافهم، وليسوا دعاة قتل وخراب، بل دعاة تعايش وسلام.
تجلّى هذا الدّفاع عن صورة الفلسطيني في المعاملة الإنسانية، التي أظهرتها المقاومة للأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، وهذا بدا واضحا على ردود الأسرى خلال عملية إطلاق سراحهم وبعدها، لدرجة أنّ أحد هؤلاء الأسرى قبّل رأسيّ رجلين من رجال المقاومة، خلال عملية التبادل في شباط /فبراير الماضي، وهو مشهد غير مسبوق، رآه مئات الملايين عبر العالم، وهذا شكّل فخراً للمقاومة من جهة، وضربة إعلامية قوية استفزّت مشاعر حكومة الاحتلال الأشدّ تطرّفا، التي تعدّت الفاشية في وحشيتها بدرجات.
عندما يجوع مئات الآلاف من البشر لفترة طويلة ويشعرون بخطر الفناء، فإن المحرّك الغريزي للبقاء يتغلّب على الاعتبارات الأخرى. تتضاءل مساحة التفكير، وتتراجع العواطف، وتختفي الرحمة، ويشعر الجائع قسراً بظلم العالم له، وتتراجع كل القيم المكتسبة التي راكمها الإنسان عبر آلاف السنين، مثل القيمة البسيطة، وهي الوقوف بالدّور من غير تدافع، أو السّماح لمن هو أضعف منك كامرأة حامل مثلاً، أو رجلٍ مُسنٍ أو لمريض أو حتى لإنسان عادي مُستعجل في أمره، بأن يتقدّم عليك في الطابور. هنالك نماذج كثيرة من المجاعات التي عرفتها البشرية لأسباب جفاف، أو أوبئة، منها أيرلندا وأوكرانيا والصين والبنغال وافريقيا، وخلال الحروب كما في أيام السّفر برلك (النّفير العام) في الحرب العالمية الأولى، التي صوّرها توفيق يوسف عواد في رواية «الرغيف»، كذلك حصار ستالينغراد خلال الحرب العالمية الثانية، وحصار تلِّ الزّعتر عام 1976 في الحرب الأهلية اللبنانية. في المجاعات أكل الناس الحيوانات المنزلية، والجِيف ولحاء وأوراق الشّجر والأعشاب، والأحذية المصنوعة من الجلد، وباعت بعض العائلات ممتلكاتها وحتى أطفالها، وهاجر من استطاع إلى الأمكنة التي ظنّ أن يجد فيها طعاماً. وتم إخفاء حالات وفاة أحد أبناء الأسرة للحصول على حصة المتوفى من طعام مقنّن، وانتشرت السرقات والنهب، وأخفى الناس الطعام عن أقرب الناس إليهم، بل إنهم في بعض الحالات أكلوا لحم البشر. ما يفعله الاحتلال حصار طويل وتجويع، إضافة لاحتمال القصف المفاجئ من طَرفه، أو من قبل عصابات يحميها ويسلّحها، وعملياً فإن فرصة الحصول على الطعام من المساعدات المعروضة غير مضمونة والناس في سباق مع الوقت.
لا ضمانة لنظام منهجي في الأسابيع المقبلة، لأنّ الوضع يزداد سوءا، ويمكن للاحتلال إطلاق الرصاص، أو القذائف ليس بهدف القتل وإشاعة الفوضى وإظهار عجز المقاومة عن السيطرة فقط، بل قد يكون للتّسلية. هذا ما قاله رئيس حزب الديمقراطيين المعارض يائير غولان، بأنّ الجنود يقتلون الأطفال في غزّة كهواية. أمام مشهد الصّراع للحصول على كرتونة المساعدات ينظر الصهيوني المُحتل بشماتة ويصف هؤلاء الناس بالمتوحّشين، وإذا كانوا متوحّشين فهذا يعني إخراجهم من دائرة المعايير الإنسانية، ويصبح الإضرار بهم وبممتلكاتهم وحتى قتلهم أمراً يمكن غضّ الطّرف عنه، أو استنكاره، بعبارة «غير مقبول» مثل علامة يكاد يكفي، التي كانت تسجّل في زماننا أيام الابتدائية. هذا المنطق الصهيوني هو منطق العرق الأبيض، الذي غزا أمريكا وقتل عشرات ملايين الهنود الحمر
«المتوحشين»، وهو منطق الأوروبيين في افريقيا ومختلف بقاع الأرض عندما استعمروها. اهتمّت الحركة الصهيونية منذ بدء صراعها للسّيطرة على فلسطين، بتصوير الفلسطيني كمتوحّش، وذلك لتبرير جريمتها بسلب أرضه ووطنه، مع إبقائه مواطنا من درجة ثالثة، وإمّا تهجيره بضغط مباشر أو غير مباشر، أو تبرير قتله أو أسره وسجنه لفترات طويلة، إذا قاوم. الهدف من تصوير الفلسطيني كمتوحّش، هم الصهاينة أنفسهم، خصوصاً الأجيال الصاعدة التي ستخدم في الجيش، والتي ستقوم بمهمة حماية الاستيطان وممارسته، بأن لا تأخذهم رأفة بهذا الفلسطيني لأنّه أقل من إنسان، وعليه فلا يعامل بالمعايير الإنسانية المعروفة، ثم إنّ هذه رسالة موجّهة إلى الفلسطيني والعربي نفسه، ليشعر بأنّه أقل درجات من الصّهيوني، وكثيراً ما يتحقّق هذا الشعور لدى ضعفاء نفوس، فيقرّون أنّ الصهيوني ابن الشّعب المختار أفضل منهم، وأنهم كعرب يستحقون ما يجري لهم من قتل وإذلال وسجن وتهجير.
ثم هي رسالة إلى العالم كلّه، كي يتفهّم ما تقوم به الصهيونية، فهذه ليست جرائم ضد بشر عاديين، يتألّمون عندما يجرحون، أو عندما يموت أحباءهم، بل هي ضد مجموعات دون البشر، وهذا في المحصّلة دفاع عن الحضارة في مواجهة الوحشية. على الرغم من الاحتجاجات الشّعبية في بعض الدّول الغربية وفي أمريكا، إلا أنّ المستويات الرّسمية ما زالت في غالبيتها تنظر إلى الضحايا الفلسطينيين على أنّهم أقلُّ قيمة من غيرهم، فكيف نفسّر السّكوت، أو التعبير باحتجاج سطحي جداً مثل، «إن ما يجري في قطاع غزّة غير مقبول؟»، تصوروا ماذا سيكون موقف أمريكا والدّول الأوروبية لو حوصرت مدينة يهودية ومُنع عن سكانها الطعام والشراب والدواء لأشهر، من دون أن نتحدّث عن القصف! لا ننسى وهذا واجبنا أن نذكّر بأنّ الأنظمة العربية، أسهمت في تعزيز الدّعاية الصهيونية، وذلك من خلال النّماذج التي قدمتها وتقدمها في تعاملها مع شعوبها، خصوصاً مع المعارضين السياسيين في بلدانها، فهي تصف بعضهم في كثير من الحالات بالإرهاب! كذلك من خلال تعامل هذه الأنظمة وردود أفعالها على الإبادة والتّهجير في قطاع غزّة، التي لا ترتقي إلى الحد الأدنى المطلوب أمام حدث مفصلي من تاريخ صراع مثل هذا.
كذلك يجب أن نذكّر بأنّ جزءا من الفلسطينيين أنفسهم، يحمّل الضحايا المسؤولية بأنّهم سبب الكوارث التي ينزلها الاحتلال بالناس، وهذا يزرع الفتنة بين الضحايا أنفسهم، ويخدم دعاية الاحتلال. قد ترتكب المقاومة، أية مقاومة، أخطاءً خلال مسيرتها للتحرّر من الاحتلال، وقد تكون أخطاء كارثية، ولكن في السّطر الأخير فإن الاحتلال هو أساس كلِّ الكوارث التي وقعت وما زالت تقع على شعبنا وشعوب المنطقة.
التالي
قصة إسماعيل تتحقق من جديد في غزة

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الموت جوعاً وعاراً
الموت جوعاً وعاراً

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 3 أيام

  • إيطاليا تلغراف

الموت جوعاً وعاراً

إيطاليا تلغراف نشر في 5 يونيو 2025 الساعة 1 و 04 دقيقة إيطاليا تلغراف سهيل كيوان كاتب فلسطيني لا شكَّ أنَّ كلَّ من يملك الحد الأدنى من القِيَم الإنسانية، يشعر بالقهر عندما يرى جموع الفلسطينيين متصارعة للحصول على وجبة طعام، أو كرتونة مساعدات غذائية. أكثرنا لا يحبُّ النظر إلى هذا المشهد، وعندما يراه على موقع ما، فإنّه يقلب الصّفحة، كي يحجب عن نفسه الشّعور بالعار والعجز. كيف تحوّل هؤلاء الناس الشّرفاء الصّابرون، الذين واجهوا الإبادة والفقد بالاحتساب، وتسليم أمرهم إلى الله، إلى متصارعين للحصول على الطحين! تشعر بالعار لتقصيرك وعجزك، ولعجز الأمّة العربية كلها، عن مدّ يد العون والمدد لضحايا همجية لم يسجّل التاريخ الحديث مثيلا لها. هذه الصورة الوحشية التي سعت الصهيونية إلى إلصاقها بالفلسطيني، حاربها الفلسطينيون على مدار عقود، وحاولوا دائما إبراز الحقيقة بأنّهم ضحايا يطلبون حقوقهم وإنصافهم، وليسوا دعاة قتل وخراب، بل دعاة تعايش وسلام. تجلّى هذا الدّفاع عن صورة الفلسطيني في المعاملة الإنسانية، التي أظهرتها المقاومة للأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، وهذا بدا واضحا على ردود الأسرى خلال عملية إطلاق سراحهم وبعدها، لدرجة أنّ أحد هؤلاء الأسرى قبّل رأسيّ رجلين من رجال المقاومة، خلال عملية التبادل في شباط /فبراير الماضي، وهو مشهد غير مسبوق، رآه مئات الملايين عبر العالم، وهذا شكّل فخراً للمقاومة من جهة، وضربة إعلامية قوية استفزّت مشاعر حكومة الاحتلال الأشدّ تطرّفا، التي تعدّت الفاشية في وحشيتها بدرجات. عندما يجوع مئات الآلاف من البشر لفترة طويلة ويشعرون بخطر الفناء، فإن المحرّك الغريزي للبقاء يتغلّب على الاعتبارات الأخرى. تتضاءل مساحة التفكير، وتتراجع العواطف، وتختفي الرحمة، ويشعر الجائع قسراً بظلم العالم له، وتتراجع كل القيم المكتسبة التي راكمها الإنسان عبر آلاف السنين، مثل القيمة البسيطة، وهي الوقوف بالدّور من غير تدافع، أو السّماح لمن هو أضعف منك كامرأة حامل مثلاً، أو رجلٍ مُسنٍ أو لمريض أو حتى لإنسان عادي مُستعجل في أمره، بأن يتقدّم عليك في الطابور. هنالك نماذج كثيرة من المجاعات التي عرفتها البشرية لأسباب جفاف، أو أوبئة، منها أيرلندا وأوكرانيا والصين والبنغال وافريقيا، وخلال الحروب كما في أيام السّفر برلك (النّفير العام) في الحرب العالمية الأولى، التي صوّرها توفيق يوسف عواد في رواية «الرغيف»، كذلك حصار ستالينغراد خلال الحرب العالمية الثانية، وحصار تلِّ الزّعتر عام 1976 في الحرب الأهلية اللبنانية. في المجاعات أكل الناس الحيوانات المنزلية، والجِيف ولحاء وأوراق الشّجر والأعشاب، والأحذية المصنوعة من الجلد، وباعت بعض العائلات ممتلكاتها وحتى أطفالها، وهاجر من استطاع إلى الأمكنة التي ظنّ أن يجد فيها طعاماً. وتم إخفاء حالات وفاة أحد أبناء الأسرة للحصول على حصة المتوفى من طعام مقنّن، وانتشرت السرقات والنهب، وأخفى الناس الطعام عن أقرب الناس إليهم، بل إنهم في بعض الحالات أكلوا لحم البشر. ما يفعله الاحتلال حصار طويل وتجويع، إضافة لاحتمال القصف المفاجئ من طَرفه، أو من قبل عصابات يحميها ويسلّحها، وعملياً فإن فرصة الحصول على الطعام من المساعدات المعروضة غير مضمونة والناس في سباق مع الوقت. لا ضمانة لنظام منهجي في الأسابيع المقبلة، لأنّ الوضع يزداد سوءا، ويمكن للاحتلال إطلاق الرصاص، أو القذائف ليس بهدف القتل وإشاعة الفوضى وإظهار عجز المقاومة عن السيطرة فقط، بل قد يكون للتّسلية. هذا ما قاله رئيس حزب الديمقراطيين المعارض يائير غولان، بأنّ الجنود يقتلون الأطفال في غزّة كهواية. أمام مشهد الصّراع للحصول على كرتونة المساعدات ينظر الصهيوني المُحتل بشماتة ويصف هؤلاء الناس بالمتوحّشين، وإذا كانوا متوحّشين فهذا يعني إخراجهم من دائرة المعايير الإنسانية، ويصبح الإضرار بهم وبممتلكاتهم وحتى قتلهم أمراً يمكن غضّ الطّرف عنه، أو استنكاره، بعبارة «غير مقبول» مثل علامة يكاد يكفي، التي كانت تسجّل في زماننا أيام الابتدائية. هذا المنطق الصهيوني هو منطق العرق الأبيض، الذي غزا أمريكا وقتل عشرات ملايين الهنود الحمر «المتوحشين»، وهو منطق الأوروبيين في افريقيا ومختلف بقاع الأرض عندما استعمروها. اهتمّت الحركة الصهيونية منذ بدء صراعها للسّيطرة على فلسطين، بتصوير الفلسطيني كمتوحّش، وذلك لتبرير جريمتها بسلب أرضه ووطنه، مع إبقائه مواطنا من درجة ثالثة، وإمّا تهجيره بضغط مباشر أو غير مباشر، أو تبرير قتله أو أسره وسجنه لفترات طويلة، إذا قاوم. الهدف من تصوير الفلسطيني كمتوحّش، هم الصهاينة أنفسهم، خصوصاً الأجيال الصاعدة التي ستخدم في الجيش، والتي ستقوم بمهمة حماية الاستيطان وممارسته، بأن لا تأخذهم رأفة بهذا الفلسطيني لأنّه أقل من إنسان، وعليه فلا يعامل بالمعايير الإنسانية المعروفة، ثم إنّ هذه رسالة موجّهة إلى الفلسطيني والعربي نفسه، ليشعر بأنّه أقل درجات من الصّهيوني، وكثيراً ما يتحقّق هذا الشعور لدى ضعفاء نفوس، فيقرّون أنّ الصهيوني ابن الشّعب المختار أفضل منهم، وأنهم كعرب يستحقون ما يجري لهم من قتل وإذلال وسجن وتهجير. ثم هي رسالة إلى العالم كلّه، كي يتفهّم ما تقوم به الصهيونية، فهذه ليست جرائم ضد بشر عاديين، يتألّمون عندما يجرحون، أو عندما يموت أحباءهم، بل هي ضد مجموعات دون البشر، وهذا في المحصّلة دفاع عن الحضارة في مواجهة الوحشية. على الرغم من الاحتجاجات الشّعبية في بعض الدّول الغربية وفي أمريكا، إلا أنّ المستويات الرّسمية ما زالت في غالبيتها تنظر إلى الضحايا الفلسطينيين على أنّهم أقلُّ قيمة من غيرهم، فكيف نفسّر السّكوت، أو التعبير باحتجاج سطحي جداً مثل، «إن ما يجري في قطاع غزّة غير مقبول؟»، تصوروا ماذا سيكون موقف أمريكا والدّول الأوروبية لو حوصرت مدينة يهودية ومُنع عن سكانها الطعام والشراب والدواء لأشهر، من دون أن نتحدّث عن القصف! لا ننسى وهذا واجبنا أن نذكّر بأنّ الأنظمة العربية، أسهمت في تعزيز الدّعاية الصهيونية، وذلك من خلال النّماذج التي قدمتها وتقدمها في تعاملها مع شعوبها، خصوصاً مع المعارضين السياسيين في بلدانها، فهي تصف بعضهم في كثير من الحالات بالإرهاب! كذلك من خلال تعامل هذه الأنظمة وردود أفعالها على الإبادة والتّهجير في قطاع غزّة، التي لا ترتقي إلى الحد الأدنى المطلوب أمام حدث مفصلي من تاريخ صراع مثل هذا. كذلك يجب أن نذكّر بأنّ جزءا من الفلسطينيين أنفسهم، يحمّل الضحايا المسؤولية بأنّهم سبب الكوارث التي ينزلها الاحتلال بالناس، وهذا يزرع الفتنة بين الضحايا أنفسهم، ويخدم دعاية الاحتلال. قد ترتكب المقاومة، أية مقاومة، أخطاءً خلال مسيرتها للتحرّر من الاحتلال، وقد تكون أخطاء كارثية، ولكن في السّطر الأخير فإن الاحتلال هو أساس كلِّ الكوارث التي وقعت وما زالت تقع على شعبنا وشعوب المنطقة. التالي قصة إسماعيل تتحقق من جديد في غزة

التقارير المتحيزة !.. من اسباب فشل مجلس الأمن في حل موضوع الصحراء المغربية
التقارير المتحيزة !.. من اسباب فشل مجلس الأمن في حل موضوع الصحراء المغربية

حدث كم

timeمنذ 4 أيام

  • حدث كم

التقارير المتحيزة !.. من اسباب فشل مجلس الأمن في حل موضوع الصحراء المغربية

د.الحسن عبيابة: يبدو أن النظام الدولي الذي ترسخ بعد الحرب العالمية الثانية ، وتجسد في مؤسسات الأمم المتحدة ، بما فيها مجلس الأمن، لم يعد مناسبا اليوم في حل العديد من القضايا الدولية والإقليمية، وذلك بسبب غياب الحياد والموضوعية ، وهذا ما جعل العديد من القضايا الدولية والإقليمية عالقة بدون حل لمدة عقود . والمناسبة في هذا الحديث هو صدورتقرير عن مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية، إعتمد فيه صيغة 'الطرفين' في الفقرة المتعلقة بالصحراء المغربية، في إشارة إلى المغرب وجبهة البوليساريو، والتي تعتبر خروجا عن السياق الدولي لموضوع الصحراء المغربية، وبعيدا كل البعث الحياد والموضوعية ، ولا يمكن لمجلس الأمن كمؤسسة أممية مختصة لبث النزاع في القضايا الدولية أن تقع في خطأ مثل هذا ، لأنه أصلا يخالف مبادىء وميثاق الأمم المتحدة. فكيف يمكن لطرف إنفصالي قريب من تصنيفه منظمة إرهابية وفق قناعات العديد من الدول ، وليس له أي إعتراف دولي رسمي أن يصبح طرفا لوحده وإستبعاد الطرف الجزائري الداعم والحاضن والممول ماليا وعسكريا، مع العلم أن كل التقارير السابقة كانت تنص على أن العملية السياسية في الصحراء المغربية تشمل أربعة أطراف، وليس 'طرفين' فقط وهذا ما ينطبق في النزاعات الدولية، فمثلا روسيا لا تتهم أكرانيا فقط كطرف وإنما تعتبر الحلف الأطلنطي كله طرفا رئيسيا في الحرب والسلم ، كما أن الصين في نزاعها مع جراتها تايوان تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية طرفا رئيسيا ، لأنها تدافع عن هذه الآخيرة ، والنزاع في الشرق الأوسط، تعتبر فيه الأمم المتحدة كل دول المنطقة المعنية أطراف ( فتركيا طرف ودول الخليج طرف ومصر طرف وسوريا طرف ولبنان طرف وإسرائيل طرف ) ، وتتفاوض مع الجميع ، وهي حالات مشابهة تماما مع موضوع الصحراء المغربية، فأين المنطق الأممي من قضية الصحراء المغربية ، نحن نعلم بأن هذا ( تقرير وليس قرار ) ، ولكن التصور الأممي المفضي للحل منحرف تماما، ولذلك عارضته عدة دول إفريقية وأوروبية، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وسيراليون، بسبب ما وصف بأنه 'تحريف سياسي' لموقف الأمم المتحدة تجاه النزاع الإقليمي، لأن كلمة الطرفين ( جملة سياسية من أطراف داخل مجلس الأمن وليس جملة قانونية أممية ) ونحن مع الرفض التام لمثل هذه التقارير المشبوهة الذي عبر سفير المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة السيد عمر هلال، والذي أكد فيه أن التقرير أغفل المواقف المعلنة لغالبية أعضاء المجلس واعتمد على وجهة نظر أحادية، تخدم أطرافًا معلومة ومشبوهة ، في إشارة ضمنية إلى الجزائر والبوليساريو ، إذا كان البعض يعتقد بأن وجود في تقرير عابر وغير ملزم قد يثني المغرب في مساره الدبلوماسي القوي وفي الحصول على المزيد من المكتسبات لصالح الوحدة الترابية فهو مخطئ، فقرار مغربية الصحراء قرار سيادي للمغارلة لارجعة فيه. د. الحسن عبيابة.. رئيس مركز إبن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والإستراتيجية

غزة ونهاية اللبرالية الغربية
غزة ونهاية اللبرالية الغربية

الشروق

timeمنذ 4 أيام

  • الشروق

غزة ونهاية اللبرالية الغربية

عندما خرجت اللبرالية من تحت معطف الثورة الفرنسية وقرن أنوار النهضة في أوروبا، مركز العالم المعاصر.. وقتها، لم تكن تعرف أنها قد تتحول بعد نحو ثلاثة قرون، من الدفاع إلى الهجوم: من الدفاع عن القيم الفولتيرية وفلسفة الحق والحريات، إلى التنكر لهذا الإرث الذي أنتج أكبر نظام رأسمالي على أنقاض الإقطاعية المتهالكة من الداخل. كانت اللبرالية، كفلسفة اجتماعية، تعمل ضمن مشتلة العقل العلمي والعملي، بعيدا عن اللاهوت وطغيان 'الحق الإلهي'، منذ العصور الرومانية، وتغرس بذور الفكر الحر المستقل والنقدي، والمنطق السليم في الدفاع عن حرية الفرد والجماعات ووضع حدود لها، وضبط عمل المؤسسات واستقلالها وتفعيل العقلانية والعلمانية كسبيل لفصل السلطات، من أجل تثبيت حق المواطنة وحقوق المواطنين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم. هذا الاتجاه، سينمو خلال قرنين تقريبا ضمن رحم الرأسمالية الناشئة، التي حرّرت العالم الغربي من قيود عهد الظلمات الكنسية والإقطاع وسلطة الملكية والنبلاء، لكن قليلا منهم كان يتصور أن هذه الموجة وهذه النخب قد تتحول مع الوقت، بل وتنقسم إلى لبراليتين: لبرالية رأسمالية مدافعة عن الرأسمالية كنظام اقتصادي وسياسي ضمن ما تسميه 'الديمقراطية'، التي هي حكم الشعب بالأغلبية، إما النسبية أو المطلقة، وهو نظامٌ إغريقي روماني وليد أثينا وديمقراطيتها الأولى، أو لبرالية يسارية، نمت في أتون الحرب العالمية الأولى، بعد أن انبثقت من فلسفة الثورة على الرأسمالية، التي تحوّلت من رأسمالية ناشئة إلى رأسمالية متوحشة، كانت تسير في توجُّه استعماري، قال بشأنها لينين في ما بعد: 'الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية'. هذا التوجُّه، هو السائد اليوم، بعد شبه أفول لليسار في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي أمام الغرب الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ما نشهده اليوم، منذ نحو 40 سنة، هو هيمنة النظام الرأسمالي العالمي على العالم. ولمّا نتحدث عن الرأسمالية العالمية، نتحدث عن إمبراطورية المال وكبريات الشركات العالمية التي تسيطر حفنة منها، تُعدّ على أصابع اليدين، على الاقتصاد العالمي، بدءا من القطاع البنكي المالي الربوي، مرورا بالخدمات والاتصالات، وانتهاء بشركات تجارة السلاح والجنس الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد السلاح عالميا. النتيجة أن الأخلاق الكلاسيكية لم تعد تلبي متطلبات الرأسمالية الجديدة، ومن ثمّ، فالنخب لم تعد هي الأخرى تجد في هذه المفردات الفلسفية الناعمة، مجالا خصبا لتغذية العقول الجائعة التواقة إلى 'استهلاك بلا حدود' وشهوة 'حاجات' بلا ضوابط. انهيار منظومة الأخلاق، وإن لم يحدث كليا، ولا يزال حاضرا، لكن مسيطر عليها في العموم من طرف القوى والنخب المهيمنة، هو ما يفسِّر السكوت شبه المطلق لكثير من النخب السلطوية إزاء رؤية الفظائع التي تحدث أمام الأعين، وعلى المباشر، وبشكل يومي، وعلى مدار الساعة، من تقتيل وتجويع ونسف وترويع وتهجير وإبادة في غزة والضفة، وإن تحدّثت، فبصوت خافت، وخجول، لا يصل إلى المسامع. يبدو كل هذا كما لو كان الأمر تواطؤا، وهو فعلا كذلك، إنما من باب الرغبة في الظهور بمظهر الإنسانية، تنبري بعض الأصوات هنا وهناك، من بيدها الحل والربط، متباكية، متأسفة، من دون الذهاب إلى أبعد من ذلك. هذا في الوقت الذي تزخر فيه مشاتل الشباب الرافض للهيمنة الرأسمالية المتوحِّشة، المفترسة، في كل بقاع العالم، في الغرب الأمريكي والأوروبي على حد سواء، ما يجعلنا نعتقد أن الـ40 سنة المقبلة ستزرع بذور تغيرات جديدة كبيرة في العالم، انطلاقا من تغير الأخلاق العالمية وانهيار المنظومة القانونية التي كانت تسيِّر العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store