logo
عوني الرجوب يزلزل الساحة السياسية بقرار اعتزاله العمل الحزبي

عوني الرجوب يزلزل الساحة السياسية بقرار اعتزاله العمل الحزبي

وطنا نيوز٠٥-٠٤-٢٠٢٥

وطنا اليوم_في
خطوة غير مسبوقة، أعلن عوني الرجوب، أمين عام حزب الأنصار الأردني، اعتزاله العمل الحزبي بشكل كامل، في موقف يعكس سخطه العميق على الأداء الحزبي العربي وتخاذل القوى السياسية في مواجهة القضايا المصيرية للأمة، وعلى رأسها ما يجري في غزة من مجازر وحصار وقصف يهدد وجودها بالكامل.
وقال الرجوب في بيان شديد اللهجة إن الأحزاب السياسية، التي كان من المفترض أن تكون صوت الشعوب والمدافع الأول عن الحقوق العربية، تحولت إلى كيانات بلا تأثير، منشغلة بالمناصب والانتخابات، بينما تُرتكب الجرائم بحق أهلنا في فلسطين. وغزة التي يتم إبادة شعبها.
وأكد أن صمته عن هذا الواقع سيكون جريمة بحجم الصمت العربي والدولي على الإبادة المستمرة في غزة.
وأضاف الرجوب: 'لقد قضيت أكثر من أربعين عامًا في العمل الحزبي والسياسي، وخدمت وطني بكل الإمكانيات المتاحة، لكنني اليوم أرى أن هذا العمل أصبح شكليًا، بلا قيمة، بلا موقف، بلا تأثير. لذلك، أعلن اعتزالي العمل الحزبي وانسحابي التام من هذا المشهد المشين، لأنني لا أقبل أن أكون جزءًا من مسرحية سياسية لا تخدم الأمة ولا تحرك ساكنًا أمام القضايا المصيرية.'
قرار الرجوب ليس تراجعًا، بل تصعيدًا—فقد أكد أنه لن يتخلى عن دوره في الدفاع عن الأردن وعروبته، ولن يصمت عن قضايا الأمة، لكنه سيخوض معاركه السياسية بأساليب أكثر تأثيرًا، بعيدًا عن القيود الحزبية التي فقدت معناها الحقيقي.
هذا القرار الصادم، بلا شك، سيحدث زلزالًا سياسيًا في الساحة الأردنية والعربية، خاصة أنه يأتي من شخصية لها تاريخ طويل في العمل السياسي والعشائري، حيث ينحدر من عشيرة ذات امتداد واسع ومتجذر في بعض الدول العربية ولها مواقف سياسية وعشائرية واضحة لا تقبل التخاذل أو المساومة.
فهل سيكون لهذا القرار صدى في الأوساط الحزبية؟ أم سيبقى المشهد السياسي على حاله من السكون والتراجع؟
وتاليا نص البيان
بيان صادر عن عوني الرجوب
أمين عام حزب الأنصار الأردني
يعتزل العمل الحزبي
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الأخوة والأخوات والأصدقاء والأحرار في أردن الحشد والرباط،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
والصلاة والسلام على أشرف الخلق، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
إلى أبناء وطني العزيز، إلى كل من آمن بمسيرة النضال في خدمة الأردن والأمة العربية، أوجه إليكم هذا البيان الذي ينبع من ضمير حي لا يقبل التخاذل أو الصمت أمام واقع سياسي ووطني عروبي وإسلامي مؤلم.
تمر أمتنا العربية اليوم بأوقات عصيبة، حيث نواجه مشهدًا ملبدًا بالتحديات الجسيمة. في غزة، تتواصل المأساة اليومية تحت وطأة العدوان الإسرائيلي،
بينما لبنان يواجه عدوانًا إسرائيليًا غاشمًا وصراعات داخلية تدفعه نحو التفكك.
وسوريا ما زالت تعيش في كابوس الحرب والدمار، وتستبيحها إسرائيل ليل نهار.
واليمن يعاني من ويلات الحرب المستمرة من قبل اميركا وإسرائيل .
ومع كل هذه الأزمات، تتصاعد الغطرسة الصهيو أمريكيه التي تمارس استباحة كل فلسطين، ضاربة بعرض الحائط جميع القرارات الدولية، دون أن نجد ردة فعل قوية أو مؤثرة من جانب الكثير من الدول العربية والإسلامية.
يظل الصمت العربي والإسلامي في مواجهة هذه التحديات خطيرًا، ويزداد القلق مع مرور الوقت. فما يجري من استهداف لقضايا الأمة على يد القوى الاستعمارية، وممارسات إسرائيل الوحشية والتوسعية ضد أهلنا في فلسطين، وغزة التي دُمرت عن بكرة أبيها،
وغزة تستغيث ضمائر الامه وليس من مجيب ، ويحتم علينا أن نكون أكثر شجاعة وإصرارًا على مواقفنا.
يجب أن ننتفض من أجل قضايا أمتنا، وأن نرفع الصوت عاليًا في وجه كل من يساوم على حقوقنا ويستهين بمقدساتنا. وان نوقف التغول الإسرائيلي في فلسطين وبعض الدول العربيه بشتى الوسائل
وفي هذا السياق، لا يسعني إلا أن أتقدم بتوجيه خطاب صريح وصادق، كجزء من عملية تأمل واستخلاص للمواقف التي مررنا بها.
لقد قضيت أكثر من أربعة عقود من الزمن في العمل الحزبي والسياسي، مؤمنًا بأن الأحزاب السياسية يجب أن تكون القوة الفاعلة والموجهة نحو خدمة قضايا الأمة، ورفع الظلم عن الشعوب، والدفاع عن حقوق الإنسان.
إلا أن الواقع الذي عشناه خلال هذه السنوات أظهر لي أن معظم الأحزاب العربية أصبحت مجرد هياكل فارغة، منشغلة بمصالحها الضيقة، ومبنية على آليات مناورات سياسية لا تلتفت لاحتياجات شعوبنا الحقيقية.
إذا كانت الآَحزاب لم تؤثر في وقف الانحرافات الأخلاقية والمجتمعية والحكومية في معظم الدول العربيه التي عاثت حكوماتها فسادا في قهر وحرمان المواطن وتضييق العيش عليه حتى اصبح لا يجد قوت يومه وينتظر ان يموت جوعا
حتى ولا يتمكن من حرية التعبير ولو بكلمه يستصرخ بها ضمائر احياء الامه العربيه
وشحذ هممهم في الدفاع عن فلسطين
في كثيرالمواقف
فقد غابت القيم والمبادئ الأساسية عن الكثير من الأحزاب السياسية التي ينبغي أن تمثلها الأحزاب، وتحولت إلى كيانات تبحث عن المناصب والمصالح الذاتية أكثر من اهتمامها بالمصير المشترك للأمة.
البعض من هذه الأحزاب ، اكتفى بالشعارات والبيانات الإعلامية، بينما الأغلبية التزمت الصمت في حين أن قضايا الأمة تتطلب مواقف حقيقية وقرارات عملية. ولا أرى في الأحزاب التقليدية تلك الإرادة الصادقة التي يمكن أن تخلق الفارق في هذا الوضع المعقد.
لقد وصلت إلى قناعة تامة من تجاربي ومتابعتي المستمرة أن العمل الحزبي في صورته الحالية أصبح مضيعة للوقت. لا أرى أن الأحزاب اليوم قادرة على الدفاع عن قضايا الأمة بالطريقة التي تليق بحجم التحديات التي نواجهها.
لذلك، قررت أن أعتزل العمل الحزبي بشكل كامل، بعد أكثر من أربعين عامًا من العطاء والاجتهاد في هذا المجال. كان هذا القرار ناتجًا عن تأمل عميق في الواقع الحالي، وقدرة الأحزاب على صنع التغيير الحقيقي، الذي أصبح بعيدًا عن المأمول.
لكن في الوقت نفسه، لا يعني هذا الاعتزال نهاية المسيرة في خدمة قضايا الأمة. سأظل مخلصًا لقضايا بلدي، وأصطف دائمًا مع كل من يسعى لتحقيق العدل والكرامة لشعوبنا العربية والإسلامية. سأستمر في السعي نحو الدفاع عن الحق والعدل من خلال سبل أخرى، بعيدًا عن قيد العمل الحزبي التقليدي، وسأظل ملتزمًا بالمبادئ الوطنية العليا التي لا تَقبل المساومة.
وأود أن أشكر وأقدر التعاون الكبير الذي تلقيته من قيادات وكوادر الحزب خلال مسيرتي الحزبية، ودعمي المستمر الذي لم ينقطع. لقد كانت مواقفهم وما زالت إلى جانبي على مر السنوات، سواء في التأييد أو في التوجيه، مصدرًا للقوة والعزيمة.
كما أقدر مواقف الزملاء جميعهم الذين لم يرغبوا في اعتزالي العمل الحزبي، فهم يعز عليهم الرفقة ومصلحة الوطن ويسعون إلى خدمة القضايا العادلة. فهم أهل لها بإذن الله.
إلا أن قناعتي، التي نضجت من خلال تجاربي العميقة في هذا المجال، أصبحت لا أستطيع السيطرة عليها، ولذا كان قرار اعتزالي العمل الحزبي قرارًا حتميًا لا رجعة فيه. فليسمحوا لي إخوتي وأحبتي ورفاق المسيرة الحزبية الطويلة قبول هذا القرار، وسأبقى مقدرًا ومحبا وصادقًا وصديقًا للجميع.
وأرجو أن تتوافقوا على شخصية من بينكم قادرة على قيادة الحزب بكفاءة وأمانة، وكلكم من خيرة الخيرة، وأهل للأمانة.
إلا أنني أؤكد لكم جميعًا أنني سأظل، بعون الله، مخلصًا وفيًا للوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة. فالمسؤولية الوطنية هي أولويتي، ولن أتخلى عنها أبدًا، وسأبقى على الدوام في خدمة قضايا أردننا العزيز وأمتنا العربية والإسلامية، من خلال سبل أكثر تأثيرًا وإبداعًا، بعيدًا عن القيود الحزبية التقليدية.
والله ولي التوفيق.
عوني الرجوب
12 / 4 / 2025

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

النص الكامل لكلمة ترمب بعد الضربات على ايران
النص الكامل لكلمة ترمب بعد الضربات على ايران

خبرني

timeمنذ 37 دقائق

  • خبرني

النص الكامل لكلمة ترمب بعد الضربات على ايران

خبرني - وجه الرئيس الاميركي دونالد ترمب خطابا للشعب الاميركي ، بعد الضربات التي نفذتها طائرات اميركية ضد المواقع النووية الإيرانية. تاليا ييعيد موقع خبرني نشر نص كلمة ترمب كاملة : شكرًا جزيلًا. نفذ الجيش الأمريكي قبل وقت قصير ضربات دقيقة وهائلة على ثلاث منشآت نووية رئيسية تابعة للنظام الإيراني: فردو، نطنز، وأصفهان. لقد سمع الجميع بهذه الأسماء لسنوات وهم يبنون هذا المشروع المدمر بشكل مروع. كان هدفنا تدمير قدرة إيران على التخصيب النووي ووقف التهديد النووي الذي تشكله الدولة الراعية الأولى للإرهاب في العالم. يمكنني أن أبلغ العالم هذه الليلة أن الضربات كانت نجاحًا عسكريًا مذهلاً. لقد تم تدمير منشآت التخصيب النووي الرئيسية في إيران بالكامل. يجب على إيران، المتنمرة في الشرق الأوسط، أن تسعى للسلام الان، وإذا لم تفعل، فإن الهجمات المستقبلية ستكون أعظم بكثير وأسهل بكثير. كانت إيران تقول لمدة أربعين عامًا: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل. لقد كانوا يقتلون شعبنا، ويفجرون أذرعهم وأرجلهم بالقنابل المزروعة على جوانب الطرق. كان ذلك تخصصهم. لقد خسرنا أكثر من ألف شخص، ومات مئات الآلاف في الشرق الأوسط وحول العالم نتيجة كراهيتهم المباشرة، وقُتل الكثيرون على يد جنرالهم، قاسم سليماني. لقد قررت منذ زمن طويل أنني لن أسمح بحدوث هذا. لن يستمر. أريد أن أشكر وأهنئ رئيس الوزراء بيبي نتنياهو. لقد عملنا كفريق ربما لم يعمل مثله فريق من قبل، وقد قطعنا شوطًا طويلًا في القضاء على هذا التهديد الرهيب لإسرائيل. أريد أن أشكر الجيش الإسرائيلي على العمل الرائع الذي قاموا به. والأهم من ذلك، أريد أن أهنئ الوطنيين الأمريكيين العظماء الذين قادوا تلك الآلات الرائعة هذه الليلة، وجميع أفراد الجيش الأمريكي على عملية لم يشهد العالم مثلها منذ عقود عديدة. نأمل ألا نحتاج إلى خدماتهم بهذه الطريقة بعد الآن. آمل أن يكون ذلك صحيحًا. أريد أيضًا أن أهنئ رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان "رازين" كين، الجنرال المذهل، وجميع العقول العسكرية اللامعة التي شاركت في هذا الهجوم. مع كل ما قيل، لا يمكن أن يستمر هذا. إما أن يكون هناك سلام، أو ستكون هناك مأساة لإيران، أعظم بكثير مما شهدناه خلال الأيام الثمانية الماضية. تذكروا، هناك العديد من الأهداف المتبقية. كانت هذه الليلة ليلة الأهداف الأصعب على الإطلاق، وربما الأكثر فتكًا. لكن إذا لم يأتِ السلام بسرعة، فسوف نستهدف تلك الأهداف الأخرى بدقة وسرعة ومهارة. يمكن تدمير معظمها في غضون دقائق. لا يوجد جيش في العالم كان بإمكانه فعل ما فعلناه هذه الليلة. ولا حتى قريب من ذلك. لم يكن هناك جيش يمكنه فعل ما حدث قبل قليل. سيعقد الجنرال كين ووزير الدفاع بيت هيغسيث غدًا مؤتمرًا صحفيًا في الساعة الثامنة صباحًا في البنتاغون، وأريد أن أشكر الجميع، وبالأخص، الله. أريد أن أقول، نحن نحبك يا الله، ونحب جيشنا العظيم. احمهم. بارك الله في الشرق الأوسط. بارك الله في إسرائيل وبارك الله في أمريكا.

الشَرْخُ الأوسط المتفجر
الشَرْخُ الأوسط المتفجر

العرب اليوم

timeمنذ 5 ساعات

  • العرب اليوم

الشَرْخُ الأوسط المتفجر

أسماء سياسية أطلقت في الحقبة الاستعمارية، على مناطق جغرافية مختلفة من العالم. الشرق الأقصى والأوسط والأدنى، عناوين كُتبت على خريطة جزء من قارة آسيا. مع الصراعات العسكرية والسياسية التي عاشتها المنطقة العربية، صار تعبير الشرق الأوسط يعني الخريطة العربية كلها، على الرغم من أن منطقة شمال أفريقيا، لا علاقة لها بذلك الوصف الجغرافي. منذ بداية الحرب العالمية الأولى، وانطلاق ما عُرف بالثورة العربية الكبرى، وانهيار الإمبراطورية العثمانية، وإعلان وعد بلفور البريطاني، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، استوطن العنف الدموي في المنطقة التي حملت على أرضها اسم الشرق الأوسط، حتى رسخ في العقل السياسي والإعلامي العالمي، أن هذا الاسم يعني الصراع والقتل والدم المزمن. منذ الحرب التي اشتعلت بين العرب واليهود، سنة 1948 بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، وبعدها حرب السويس 1956 وحرب يونيو (حزيران) 1967 وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، صارت المنطقة كلها بطوناً تلد الحروب ولا شيئاً غيرها. الانقلابات العسكرية التي استولت على كراسي الحكم، في بعض الدول العربية، جعلت من شعار تحرير فلسطين فزاعة وقدَّاحة، وغابت مشاريع التنمية والتطوير. التعنت الإسرائيلي وانتهاج سياسة الحروب والتوسع، ورفض الحلول السياسية السلمية للقضية الفلسطينية، حولت الجرح الفلسطيني غرغارينا مزمنة، أعجزت المطببين الإقليميين والدوليين. تحول ما سُمي الشرق الأوسط، شَرْخاً واسعاً وعميقاً، ينزُّ الدم بلا توقف ويراكم الضحايا. حروب بين دول وحروب أهلية، وصراعات عرقية وطائفية وعنف تؤججه آيديولوجيات دينية متشددة. حرب طويلة دموية بين إيران والعراق، ثم غزو عراق صدام حسين دولة الكويت، الذي انتهى باحتلاله بقوات أميركية. هجوم «القاعدة» على الولايات المتحدة الأميركية، وحرب أفغانستان، والحرب الأهلية الطويلة في لبنان نزيف في برزخ الشرخ. في السودان الذي حباه الله ثروةَ الماء والخصب والموقع، استوطن القتل والدم. بعد حرب طويلة انفصل الشمال عن الجنوب، وحكم الوهم الإسلاموي العنيف الشمال، بعد انقلاب عسكري «إخواني» قاده حسن الترابي. انطلقت مبادرات لحل القضية الفلسطينية، والتحرك في اتجاه السلام مع إسرائيل، وكانت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ثم مع الأردن، كانت بداية واعدة رغم ما غشاها وما تلاها من تعقيد وتصعيد. التنظيمات المتطرفة المسلحة، قفزت إلى صدارة المشهد، وهددت السلام والاستقرار، وأربكت الأنظمة الرسمية، وصار العنف الدموي عقيدة لها مريدون عابرون للحدود. «القاعدة» و«داعش» وما تفرع عنهما من فرق للإرهاب، فرضت واقعاً دامياً مضافاً إلى ما استوطن في المنطقة، من صراع وشروخ متفجرة دموية. حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، حطب ضخم على نار الصراع العربي - الإسرائيلي، لا نعلم حجم وحدود ناره، التي ستشعله في عمق الشرخ الدموي. الحروب الأهلية التي تغرس أنيابها في جسد المنطقة، تفكك ما كان من هويات هشة، ويلوح خلف ألسنة نيرانها، صواعق تنذر بقادم مخيف. في ليبيا، واليمن، والعراق، وسوريا، والسودان ولبنان، لا يستيقظ الفجر المبشر بضوء السلام والاستقرار والنهوض، وينشر شفق الدم غلالته على آفاق أحلام السلام والنهوض والنمو. هل نقول لقد اتسع الخرق على الراتق، وإن يقظة العقل لم يقترب صباحها بعد؟ على الرغم من الغيبوبة الطويلة، التي استمرأها الجاهلون، تبقى قوة العقل كامنة في حشاشة الحياة، وذلك ما تؤكده تجارب الشعوب في مناكب الدنيا. لقد عاشت بلدان في آسيا وأميركا اللاتينية، سنوات طويلة من الحروب وأصبحت اليوم نموراً اقتصادية وعلمية، ترفل في الرفاهية والسلام، بعدما شُفيت من وباء الآيديولوجيات والقهر الديكتاتوري. هذه المنطقة التي أسمتها السياسة الشرق الأوسط، بعد سنين طويلة من الاحتلال والفقر والجهل، نالت بلدانها الاستقلال، وقد وهبها الله موقعاً جغرافياً ذهبياً، وثروات متنوعة هائلة، ومنها انطلقت الأديان السماوية، كيف غبشت عيونها، ووهنت عقولها وغرقت في شرخ القتال والدمار والحروب الطويلة! أمم في قارتي أوروبا وآسيا لا تمتلك، ربع أو حتى ثمن ما فوق أرضنا وتحتها، صعدت درجات عالية من التقدم والسلام الاجتماعي والرفاهية، وصار للإنسان فيها حقوق مقدسة، لا يجرؤ حاكم على المساس بها. العقل كان الثروة التي صنعت معجزات التقدم والنهضة والسلام، ولا يتوقف العقل فيها عن قدح قدراته المنتجة للقيم الحضارية العظيمة. الحرية وسيادة القانون وقاعدة المواطنة والمساواة، صنعت خريطة الحياة التي لم نمتلك نحن أوراقها وأقلامها، لنرسم بها مسار دنيانا الجديدة. قال أمير الشعراء أحمد شوقي: ولا تزد قومه خسفا ولا تسمِ

أ. د. هاني الضمور : في زمن إعادة تشكيل العالم: من أقصى المدينة، من سيأتي يسعى؟
أ. د. هاني الضمور : في زمن إعادة تشكيل العالم: من أقصى المدينة، من سيأتي يسعى؟

أخبارنا

timeمنذ 6 ساعات

  • أخبارنا

أ. د. هاني الضمور : في زمن إعادة تشكيل العالم: من أقصى المدينة، من سيأتي يسعى؟

أخبارنا : في مشهد قرآني عابر، يحمل اختصارًا بالغًا لفكرة جوهرية، يقول الله تعالى: «وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين» (يس: 20). رجل بلا اسم، بلا نفوذ، بلا سند جماهيري، جاء من أقصى نقطة في المدينة لا من مركزها، لكنه كان يملك شيئًا واحدًا تغيّر به كل المعادلة: البصيرة، ثم القرار، ثم الفعل. اليوم، ونحن نشهد إعادة تشكيل واسعة لنظام العالم، ونراقب في صمت كيف يُعاد ترتيب النفوذ والخرائط والتحالفات، يُطرح السؤال: أين هذا «الرجل» في واقعنا؟ من سيأتي يسعى لا لينضم إلى لعبة الأمم، بل ليوقف تيه الذات؟ العالم يتغيّر. الغرب لم يعد يرى في إسرائيل ذلك «الحليف الذهبي» الذي لا يُمس. لقد أصبحت عبئًا متزايدًا سياسيًا، وأخلاقيًا، واستراتيجيًا، مع اتساع جرائمها في فلسطين، وفشلها في فرض حسم أو تسوية. الولايات المتحدة بدأت تدير ظهرها للمنطقة، ليس كليًا، ولكن برؤية مختلفة: مصالحها في آسيا، في التكنولوجيا، في التوازن مع الصين. في المقابل، إيران العدو التاريخي تعود إلى طاولة السياسة الدولية. ليست حبًا بها، ولكن لأن الغرب لا يتحالف بقيم، بل بميزان القوة والبراغماتية. ووسط كل ذلك، تائهون نحن. العرب في أغلبهم يراوحون بين محورين لا يصنعون أياً منهما. هذا المشهد المأزوم يعيدنا إلى تلك الآية، ليس كموعظة، بل كـ نداء سياسي–فكري حادّ. فذلك الرجل، الذي جاء من أقصى المدينة، لم يكن زعيمًا. لم يكن لديه حزب، ولا منصة. لكنه امتلك الوعي، فتحرك، وقال كلمته في وجه الصمت الجماعي. تمامًا كما يجب أن يفعل العقل العربي اليوم، إن كان ما يزال حيًّا. ليست المشكلة اليوم في غياب المعلومات، بل في غياب الموقف. ليست المشكلة في ضعف الإمكانات، بل في الفراغ الأخلاقي والقراري. الغرب يعيد ترتيب أوراقه بمنطق الكلفة والمصلحة. إسرائيل تفقد مكانتها التاريخية الاستثنائية. إيران تدخل اللعبة من باب البراغماتية الغربية. والعرب في موقع الانتظار، كأن التاريخ لا يعنيهم. في مثل هذه اللحظة، يجب أن يظهر من يسعى. لا من يحمل السلاح، بل من يحمل الوعي والاستقلالية. لا من يصرخ بالشعارات، بل من يسأل: ما مصلحتنا؟ ما خياراتنا؟ من يقرر نيابة عنا؟ وما البديل الحقيقي للارتهان؟ «يا قوم، اتبعوا المرسلين» ليست فقط دعوة للإيمان، بل هي دعوة للانحياز إلى الحق، إلى الرؤية، إلى الفكرة التي تُنقذ لا التي تُبرر. إنه نداء يتجاوز الدين والطائفة، ويتوجه إلى الضمير والعقل والسيادة الفكرية. في زمن الهيمنة، الحياد تواطؤ، والصمت شراكة، والانتظار انتحار سياسي. ذلك الرجل في الآية لم يُمهَل. بحسب السرد القرآني، ربما قُتل. لكنه قال. سعى. كتب اسمه في سجل الوعي الإنساني. وفي المقابل، سُجّلت المدينة في التاريخ على أنها صمتت، خانت، أو خافت. إننا اليوم في لحظة اختبار مشابهة، وإن اختلفت التفاصيل. الغرب يغيّر حلفاءه حين يشاء. التحالفات لا تبقى دائمة. العدو لا يُلعن إلى الأبد، والحليف لا يُحصّن إلى الأبد. هذه هي قواعد العالم الجديد: من لا يبادر، يُعاد تشكيله. من لا يملك مشروعه، يُستَخدم في مشاريع غيره. والسؤال العميق الآن ليس: من معنا ومن ضدنا؟ بل: أين نحن أصلًا من كل هذا؟ وهل بقي في المدينة من «يسعى»؟ المطلوب اليوم ليس مواقف انفعالية، ولا صفقات سياسية جزئية، بل موقف مركّب: عقلاني في فهم التحولات، رباني في بوصلته الأخلاقية، عملي في أدواته وأهدافه. نحتاج لمن يعيد بناء الرؤية، لا لمن يناقش الاصطفاف. نحتاج لصوت يربط بين المبادئ والمصالح، بين الوعي والسياسة، بين القيم والاستراتيجية. نحتاج إلى عودة الإنسان العربي إلى دوره الحضاري، لا كطرف عالق بين القوى، بل كفاعل يرسم حدوده ويقرر خياراته. تمامًا كما فعل الرجل الذي جاء من أقصى المدينة فعلها وحده. لكنه صنع أثرًا، بينما كانت المدينة كلها مجرد صدى لا صوت.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store