
محمد رفيع : «توظيفُ التاريخ.. والجهلُ به»
كثير من ممثلي الإدارة الأمريكية الحالية يحرصون على الإشارة إلى عدم إلمام الرئيس الحالي دونالد ترامب بالتاريخ، وذلك تفاديا للهفوات الفادحة التي وقع فيها في رئاسته الأولى..! ولكن هل يخفف هذا التنويه، فعلاً، من خطورة جهل السياسي بالتاريخ؟ وما أهمية وعلاقة ذلك بالسياسة، وخصوصا السياسة الخارجية، التي تخص بلدانا وشعوبا أخرى؟
(..)
المكان: مقهى في نيويورك.
الزمان: مساء يوم 11 أيلول/سبتمبر 2001.
الحضور: مواطنان أميركيان.
الأول: ‹›ما جرى شبيه ببيرل هاربر››. (والمقصود هنا ذلك الهجوم الانتحاري الذي شنه اليابانيون على القاعدة الأميركية في جزيرة بيرل هاربر، الواقعة في المحيط الهادي، في الحرب العالمية الثانية، والذي استخدمت بعده الولايات المتحدة القنابل الذرية، في قصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين).
الثاني: ‹›ما هو بيرل هاربر؟››
الأول: ‹›هذا يدل على إلقاء الفيتناميين لقنابل في أحد المرافئ، لتبدأ بعدها حرب فيتنام››..!
بهذا الحوار الغريب، والفاضح في آن معا، تحاول الكاتبة الإنجليزية مرغريت مكميلان نقل خطورة ‹›استخدام التاريخ››، من قبل الساسة، وما يترتب على ذلك من أخطار في تشويه طبيعة الماضي، في أذهان الناس العاديين، الذين يعانون من جهل كبير بأحداثه.
المؤرخة البريطانية مكميلان، وصاحبة الكتاب الشهير ‹›باريس 1919››، وفي كتابها ‹›ألعاب خطيرة››، تلفت الانتباه إلى مفارقة مهمة. وهي أنه عندما بدأ ‹›التاريخ›› يحظى بمكانة أكبر وأهم، في الحوارات والنقاشات العامة، فإن المؤرخين المحترفين تخلّوا أو تراجعوا كثيرا عن دورهم، مُفسحين المجال، بهذا التخلّي، للهواة من كتبة التاريخ. ما أتاح الفرصة لـ››خفة›› لافتة في التعامل مع التاريخ، مكّنت العديد من القادة والسياسيين والحكومات من استخدام التاريخ لصالحهم، بلي عنقه أو اختراعه على هواهم، وبما يناسب مصالحهم الحالية. وهكذا، اكتظّت رفوف المكتبات بعدد ضخم من كتب السيرة الذاتية، في ‹›عالم يعيش حالة بحث دائمة عن أبطال››..!
الوجه الآخر للجهل بالتاريخ هو إمكانية ايجاد الحجج والبراهين، التي تخدم بعض السياسات. فالمواطنون العاديون، وخصوصا في الولايات المتحدة، لا يفهمون ‹›سياق الأمن الحاضر››، ولا يملكون سوى معلومات سطحية وضحلة عن الماضي، ولهذا فإنهم يصدقون بسهولة قصص أولئك الذين يزعمون أنهم عارفون بالتاريخ ودروسه.
والمسافة بين ‹›الاحتراف›› وبين ‹›الهواية››، في التعامل مع التاريخ، لا تحدّدها شهادة جامعية في ‹›التاريخ››. ذلك أن التعامل مع التاريخ يشمل: كتابته وروايته وتعليمه، ورؤيته وقراءته، والاستفادة منه، وتوظيفه، وصناعته، وتحصينه من المحاولات الدائمة لتشويهه.. وهو ما يشكل في المحصلة العنصر الأهم في صناعة ‹›الثقافة العامة›› للشعب أو للأمة.
وبحسب ‹›الألعاب الخطيرة›› لمكميلان، فإن التاريخ يساعدنا على فهم ‹›الذين ينبغي علينا التعامل معهم››، وكذلك يساعدنا على ‹›فهم أنفسنا››. فلو تم فهم ‹›الفرق بين أمة تشن حربا، وبين مجموعة تمارس الإرهاب››، لكان من الصعب قبول حجج الإدارة الأميركية، التي ساقتها لبدء الـ ‹›حرب ضد الإرهاب››، ولغزوها للعراق وغيره. وذلك لأن ‹›الحروب تشن ضد الأعداء، وليس ضد الأفكار››.
ومن مخاطر جهل المسؤولين بالتاريخ، كما حدث أكثر من مرة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، هو حدوث ‹›تشويه للتاريخ››، سواء بطريقة إرادية، أو بسبب غياب المعرفة. الأمر الذي يوفر الفرصة لاستخدام التاريخ كسلاح، من أجل ‹›تصنيف الخصوم أو التقليل من شأنهم››، وهو ما يعني تشويه التاريخ والعمل على المتاجرة به، وبيعه للسياسيين..!
ولعلّ أفدح الأمثلة الراهنة، ما شهدناه وسمعناه على لسان رئيس الإدارة الأمريكية الحالية من مشاريع حول غزة وتحويلها إلى ريفيرا، متعددة الجنسيات، وخالية من سكانها، بإدارة أمريكية، بكل ما في ذلك من جهل واستهتار بتاريخ الشعوب والأمم وتجاربها..!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جهينة نيوز
منذ 40 دقائق
- جهينة نيوز
السلك المشدود، ما يبدأ فكرة ينتهي واقعا ...
تاريخ النشر : 2025-08-20 - 04:24 pm السلك المشدود، ما يبدأ فكرة ينتهي واقعا ... تقول هيلاري كلينتون في مذكراتها: "إن السياسة الأمريكية الخارجية هي سلك مشدود مرتفع في ساحة دولية صاخبة"، بين السعي لتحقيق الأنسب وبين التغيرات التي تطرأ على الساحة الدولية، بين تلك النقطة التي استطاعت فيها إدارة ترومان ما بعد الحرب العالمية الثانية خلق عالم جديد وتوازنات جديدة وفرض تحالفات جديدة، وتغيير إيقاع العالم. كما يقول مارشال وزير الخارجية ووزير الدفاع في عهد ترومان: هذه التحالفات القائمة على تحقيق مصالح أمريكا عبر التحالفات والتجارة وشراء منتجاتنا، وهذا ما يحقق مصالحها ويجعل أمريكا قادرة على قيادة العالم. لا تزال هذه التحالفات هي القوى الأساسية في جعل أمريكا قادرة على قيادة العالم، كيف استطاعت السياسة الأمريكية إقناع الصديق والعدو على اللعب وفق نفس القواعد وفي نفس الساحة التي تحقق مصالحها هي أولاً؟ لكن مهلاً، هذا لم يكن ليتحقق لولا أن أمريكا استطاعت أن تحقق مصالح لهؤلاء. ما الذي دفع مصر إلى أن تتخلى عن الاتحاد السوفياتي واللجوء إلى أمريكا؟ ما الذي دفع الملك فيصل إلى توقيع اتفاقية بيع وشراء النفط بالدولار في فترة تاريخية من تاريخ الأمة، وكانت الأمة على قلب رجل واحد في مناصبة الكيان ومن خلفه العداء؟ بل إن الملك فيصل نفسه كان له موقف واضح من هذا الكيان، وهذه الاتفاقية تساهم ليومنا هذا في منح الدولار قيمة عالمية في عمليات الشراء والبيع. وما الذي دفع العالم، وليس العرب وحدهم، إلى الخضوع لهذه الإدارة؟ فما قامت به أمريكا مع أوروبا هو ضمان خضوعها بعد الحرب وما زالت خاضعة لهيمنة الولايات المتحدة. اتفق العرب في مرحلة ما على العداء للولايات المتحدة لموقفها من هذا الكيان المارق، ودعمها المطلق له في كل صراعاته، وهذا ما زال واضحاً إلى يومنا هذا. بل كان للعرب موقف قوي بقيادة الجزائر والسعودية في خفض إنتاج النفط خمسة بالمائة دورياً، وإدخال العالم وأمريكا في أزمة بسبب المصالح العربية. ولكن نجحت السياسة الأمريكية في تحييد الموقف العربي وتفتيته، بل حتى في تحييد موقف الكثير من الدول مثل اليابان والهند والصين. نعم، بقيت بعض الدول صامدة ولكن المواقف تتغير، حتى تركيا التي نعرف لم تستطع الصمود في ظل حكم أردوغان الذي يتصلب بمواقفه مع قضايا الأمة أحياناً، ولكن في الحقيقة هذه المواقف لم تستطع الصمود لاحقاً. نعم، لقد سعى تشرشل بكل قوته لجر الولايات المتحدة، هذا العملاق النائم، للحرب العالمية. هل كان يدرك أن أوروبا لن تستطيع الصمود في وجه ألمانيا بدون أمريكا؟ هل كان يدرك قوة هذا العملاق والذي ستخضع له بريطانيا بعد ذلك، وأن هذا الخضوع لبريطانيا هو أفضل ألف مرة من الوقوع تحت مخالب هتلر ربما؟ وكيف لا وأمه أمريكية وقد عاش فترة من حياته هناك، وهو من هو في الدهاء والسياسة ويدرك تماماً مصالح بريطانيا ومتى يرفع رأسه ومتى يخفضه. ما تقوم به السياسة الخارجية في الولايات المتحدة عبر وزارة الخارجية بعدد يصل إلى حوالي سبعين ألف موظف، ووزارة الدفاع بعدد يصل إلى ثلاثة ملايين موظف حسب ما جاء في مذكرات هيلاري، هو في الحقيقة السيطرة على العالم. لقد صدق الصحفي الأمريكي مايلز كوبلاند عندما قال: "إن الولايات المتحدة لن يحدث فيها انقلاب لأنه لا يوجد فيها سفارة أمريكية". ولك أن تتخيل أن المختصين الدبلوماسيين في وزارة الخارجية يدرسون ويبحثون ويناقشون ويتدخلون ويختصون بسياسة كل بلد في العالم. كما أنه يوجد سبعمائة وخمسون قاعدة للولايات المتحدة خارج أمريكا، هذه طبعاً تهدف إلى نشر المحبة والسلام في هذا العالم. ومع ذلك، هذا النظام العالمي الذي تقوده أمريكا استطاع توظيف وصناعة وخلق ولاءات وانتماءات في كل بقعة في هذه الأرض. وهناك معجبون ومؤيدون ومناصرون له، ويعتمد سياسة العصا والجزرة بشكل واضح وعلني. ولذلك عندما تتعارض مصالح أمريكا مع مصالح الدول الأخرى كما حدث في روسيا والصين والعالم العربي والإسلامي، ما الذي يحدث؟ باعتقادي المواجهة حتمية لأن المصالح تتقاطع وتتعارض. وما تنادي به أمريكا في الصين من احترام لحقوق الإنسان وحريته، تغض الطرف عنه في فلسطين والعراق وليبيا وأفغانستان وأمريكا الجنوبية وحتى في بلادها نفسها. ولذلك هذه الازدواجية تجلب معها مشاكلها، وتخشى السياسة الخارجية الأمريكية من الصين تحديداً، ولكن الموقف الأخير من الحرب في غزة كشف السياسة الأمريكية على حقيقتها عبر العالم شرقَه وغربه. بل إن هناك أصواتاً تخرج من قلب الولايات المتحدة كنعوم تشومسكي وهاورد زين وكريس هيدجز وغيرهم الكثيرون، تعارض هذه السياسة القائمة على الظلم والقوة والمصالح وفرض واقع على العالم تقوده الأحادية الأمريكية. وما يبدأ فكرة ينتهي واقعاً. إبراهيم أبو حويله. تابعو جهينة نيوز على

عمون
منذ 3 ساعات
- عمون
قمة البحث عن الكنوز القطبية
الاستنفار الديبلوماسي الأوروبي لمواكبة ما حصل في قمة ألاسكا له ما يبرره، سواء في ما يتعلق بالملف الأوكراني الذي يعني أوروبا بالدرجة الأولى، أو لناحية المواضيع التجارية المهمة التي طُرحت... سرقت الحرب في أوكرانيا غالبية أضواء قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين التي عقدت في ألاسكا، لكن مرامي القمة وأهدافها لم تقتصر على إنهاء هذه الحرب، وتبين من تسريبات ومعلومات متعددة المصدر، أن البحث عن كنوز المناطق القطبية الشمالية، كان طبقاً ديبلوماسياً رئيسياً على طاولة النقاش، إضافة إلى المواضيع التي تتعلَّق بمستقبل العلاقات التجارية والسياسية بين الدولتين الكبيرتين. والبحث عن الكنوز القطبية يشمل التنقيب عن المواد الأولية الغالية الثمن المدفونة تحت الجليد على مساحة السهوب الواسعة في أقاصي الشمال الروسي ومحيط ولاية ألاسكا الأميركية، وقرب مضيق بيرينغ الذي يفصل أراضي البلدين. واختيار عقد القمة في قاعدة إيلمندورف – ريتشاردسون العسكرية الأميركية في ألاسكا ليس عفوياً على الإطلاق، بل يحمل دلالات واضحة على أهمية المناطق القطبية المنسية، ويؤشر على واقعية بيع الأراضي أو استبدالها بين الدول، كما حصل مع مقاطعة ألاسكا التي اشترتها الولايات المتحدة الأميركية من قياصرة روسيا عام 1867 بمبلغ 7 ملايين دولار. ومقاربة شراء الأراضي الشاسعة المتروكة، مطروحة من جديد، والعرض يشمل شراء جزيرة غرينلاند الدانماركية العملاقة، وتبادل الأراضي مطروح أيضاً بمناسبة البحث عن حلول للحرب الدائرة في أوكرانيا. والمحادثات الأبرز التي أجريت في قمة ألاسكا، تمحورت حول التعاون لإيجاد ممرات بحرية توصِل بين القارة الأميركية وشرق آسيا، عبر المياه القطبية، وتؤدي لاحقاً الى الاستغناء عن بعض المعابر الأوروبية، وتقلِّل من أهمية بحر الصين الجنوبي في التجارة الدولية. ومحاصرة الصين جزء أساسي من أهداف الحراك الأميركي، وبطبيعة الحال فإن مقاصد الغَزَل الأميركي لروسيا يهدف الى تخفيف روابطها مع الصين، ولو كان الأمر غير مُعلن، نظراً للعلاقات الوطيدة التي تربط بين بكين وموسكو. قبل انعقاد القمة، تفاجأ مراقبون من مراكز أبحاث استراتيجية، ومتابعون للعلاقات الدولية، بطبيعة تركيبة الوفدين اللذين رافقا الرئيسين، إذ ضمَّ كلاً منهما وزيري تجارة البلدين ووزيري المال إضافة الى وزيري الخارجية ورئيس صندوق الاستثمار الروسي ومبعوث الرئيس الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، ولم يحضر أي من الخبراء الأمنيين والعسكريين ولا وزراء الدفاع، كما كان منُتظراً، كون أولوية القمة إيقاف الحرب في أوكرانيا كما أعلن الجانب الأميركي. ويبدو واضحاً أن هناك ما هو مُعلن حول القمة، وما هو مخفي كما عنونت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية صبيحة اليوم الذي تلا انعقاد القمة. وزير التجارة الروسي يوري أوشاكوف الذي حضر القمة، أشار إلى تشكيل لجان مشتركة لمتابعة تفاصيل المواضيع التي تمَّ طرحها، ولم يخفِ إمكان الاتفاق بين الجانبين على إقامة مشاريع واسعة النطاق ذات منفعة متبادلة. وأضاف "أن المصالح الاقتصادية لبلدينا تلتقي في ألاسكا والقطب الشمالي"، والفريقان قد يوقعان على معاهدة بشأن استثمار المعادن النادرة، وكل ذلك يؤكد أن لقاء ألاسكا لم يكُن مخصصاً للملف الأوكراني فحسب، رغم أن إنهاء الحرب هناك هدف رئيسي للرئيس ترامب، كونه مدخلاً إلزامياً للوصول إلى طموحه الحصول على جائزة نوبل للسلام لهذا العام، وباعتبار أن انهاء الحرب يُحرِّر الإدارة الأميركية من القيود التي تُلزمها فرض عقوبات على الجانب الروسي، والتعاون التجاري والاستثماري يحتاج الى رفع العقوبات عن موسكو بالدرجة الأولى. ولعلَّ الأهم في سياق البحث عن كنوز القطب الشمالي، هو الولوج إلى مرحلة متقدمة من التعاون في مجال انتاج السفن العملاقة القادرة على مواجهة المناخ القارس في المناطق الباردة والمتجمدة. وبالفعل فإن المعلومات المُسرَّبة تؤكد أن عملاً منتظراً يخطط له الطرفان في هذا السياق، بما في ذلك إنشاء مصانع كبيرة لإنتاج القاطرات والبوارج القادرة على العبور فوق الجليد ومواجهة المناخ الشديد البرودة، عن طريق الاستفادة من الخبرات الروسية المتقدمة في هذا المجال، وتوظيف الإمكانات التمويلية الأميركية الوازنة. وفتح خط تجاري عبر البحار القطبية الشمالية، سيشكل حدثاً بالغ الأهمية في مجرى التجارة الدولية، كما ستكون له انعكاسات متعددة على التعاون الدولي في هذا السياق. ولم تغفُل المعلومات التي تسربت عن محادثات القمة إمكان التعاون الروسي - الأميركي في التنقيب عن المعادن الثمينة على الأراضي الأوكرانية التي دخلتها روسيا منذ بداية الحرب في شباط/ فبراير 2022، والمعطيات تؤكد أن السهوب الشرقية لأوكرانيا غنية بالمواد الأولية الثمينة. الاستنفار الديبلوماسي الأوروبي لمواكبة ما حصل في قمة ألاسكا له ما يبرره، سواء في ما يتعلق بالملف الأوكراني الذي يعني أوروبا بالدرجة الأولى، أو لناحية المواضيع التجارية المهمة التي طُرحت. وتجاوب الجانب الأوروبي السريع مع طلب الإدارة الأميركية حضور القادة الأوروبيين للقمة التي حصلت بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي بعد مرور يومين على اجتماع قاعدة إيلمندورف، لم يُبن من فراغٍ سياسي، فالدول الأوروبية يهمها معرفة الكيفية التي ستنتهي فيها الحرب الأوكرانية، وتجهد حتى لا تشكل النهاية انتصاراً لروسيا، ويهمها أيضاً معرفة تفاصيل التعاون المستقبلي الذي سيحصل بين واشنطن وموسكو، خصوصاً في المجال التجاري القطبي، وهو سيقوِّض المجال الحيوي الأوروبي إذا ما حصل. واضح أن الرئيس ترامب أقنع شركاءها الأوروبيين بالتعاون لإعطاء ضمانات أمنية لكييف لكي تتجاوب مع مساعي إنهاء الحرب. وواضح أيضاً أن ترامب أرضى حلفاءه - ديبلوماسياً على الأقل – بتأكيده أن مسار التعاون المستقبلي بين بلاده وروسيا لن يكون على حساب أوروبا، وهو لم يقل في العلن أن التعاون موجه ضد الصين.


أخبارنا
منذ 4 ساعات
- أخبارنا
محمد رفيع : «توظيفُ التاريخ.. والجهلُ به»
أخبارنا : كثير من ممثلي الإدارة الأمريكية الحالية يحرصون على الإشارة إلى عدم إلمام الرئيس الحالي دونالد ترامب بالتاريخ، وذلك تفاديا للهفوات الفادحة التي وقع فيها في رئاسته الأولى..! ولكن هل يخفف هذا التنويه، فعلاً، من خطورة جهل السياسي بالتاريخ؟ وما أهمية وعلاقة ذلك بالسياسة، وخصوصا السياسة الخارجية، التي تخص بلدانا وشعوبا أخرى؟ (..) المكان: مقهى في نيويورك. الزمان: مساء يوم 11 أيلول/سبتمبر 2001. الحضور: مواطنان أميركيان. الأول: ‹›ما جرى شبيه ببيرل هاربر››. (والمقصود هنا ذلك الهجوم الانتحاري الذي شنه اليابانيون على القاعدة الأميركية في جزيرة بيرل هاربر، الواقعة في المحيط الهادي، في الحرب العالمية الثانية، والذي استخدمت بعده الولايات المتحدة القنابل الذرية، في قصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين). الثاني: ‹›ما هو بيرل هاربر؟›› الأول: ‹›هذا يدل على إلقاء الفيتناميين لقنابل في أحد المرافئ، لتبدأ بعدها حرب فيتنام››..! بهذا الحوار الغريب، والفاضح في آن معا، تحاول الكاتبة الإنجليزية مرغريت مكميلان نقل خطورة ‹›استخدام التاريخ››، من قبل الساسة، وما يترتب على ذلك من أخطار في تشويه طبيعة الماضي، في أذهان الناس العاديين، الذين يعانون من جهل كبير بأحداثه. المؤرخة البريطانية مكميلان، وصاحبة الكتاب الشهير ‹›باريس 1919››، وفي كتابها ‹›ألعاب خطيرة››، تلفت الانتباه إلى مفارقة مهمة. وهي أنه عندما بدأ ‹›التاريخ›› يحظى بمكانة أكبر وأهم، في الحوارات والنقاشات العامة، فإن المؤرخين المحترفين تخلّوا أو تراجعوا كثيرا عن دورهم، مُفسحين المجال، بهذا التخلّي، للهواة من كتبة التاريخ. ما أتاح الفرصة لـ››خفة›› لافتة في التعامل مع التاريخ، مكّنت العديد من القادة والسياسيين والحكومات من استخدام التاريخ لصالحهم، بلي عنقه أو اختراعه على هواهم، وبما يناسب مصالحهم الحالية. وهكذا، اكتظّت رفوف المكتبات بعدد ضخم من كتب السيرة الذاتية، في ‹›عالم يعيش حالة بحث دائمة عن أبطال››..! الوجه الآخر للجهل بالتاريخ هو إمكانية ايجاد الحجج والبراهين، التي تخدم بعض السياسات. فالمواطنون العاديون، وخصوصا في الولايات المتحدة، لا يفهمون ‹›سياق الأمن الحاضر››، ولا يملكون سوى معلومات سطحية وضحلة عن الماضي، ولهذا فإنهم يصدقون بسهولة قصص أولئك الذين يزعمون أنهم عارفون بالتاريخ ودروسه. والمسافة بين ‹›الاحتراف›› وبين ‹›الهواية››، في التعامل مع التاريخ، لا تحدّدها شهادة جامعية في ‹›التاريخ››. ذلك أن التعامل مع التاريخ يشمل: كتابته وروايته وتعليمه، ورؤيته وقراءته، والاستفادة منه، وتوظيفه، وصناعته، وتحصينه من المحاولات الدائمة لتشويهه.. وهو ما يشكل في المحصلة العنصر الأهم في صناعة ‹›الثقافة العامة›› للشعب أو للأمة. وبحسب ‹›الألعاب الخطيرة›› لمكميلان، فإن التاريخ يساعدنا على فهم ‹›الذين ينبغي علينا التعامل معهم››، وكذلك يساعدنا على ‹›فهم أنفسنا››. فلو تم فهم ‹›الفرق بين أمة تشن حربا، وبين مجموعة تمارس الإرهاب››، لكان من الصعب قبول حجج الإدارة الأميركية، التي ساقتها لبدء الـ ‹›حرب ضد الإرهاب››، ولغزوها للعراق وغيره. وذلك لأن ‹›الحروب تشن ضد الأعداء، وليس ضد الأفكار››. ومن مخاطر جهل المسؤولين بالتاريخ، كما حدث أكثر من مرة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، هو حدوث ‹›تشويه للتاريخ››، سواء بطريقة إرادية، أو بسبب غياب المعرفة. الأمر الذي يوفر الفرصة لاستخدام التاريخ كسلاح، من أجل ‹›تصنيف الخصوم أو التقليل من شأنهم››، وهو ما يعني تشويه التاريخ والعمل على المتاجرة به، وبيعه للسياسيين..! ولعلّ أفدح الأمثلة الراهنة، ما شهدناه وسمعناه على لسان رئيس الإدارة الأمريكية الحالية من مشاريع حول غزة وتحويلها إلى ريفيرا، متعددة الجنسيات، وخالية من سكانها، بإدارة أمريكية، بكل ما في ذلك من جهل واستهتار بتاريخ الشعوب والأمم وتجاربها..!