
تمكين المرأة وحماية القيم الإنسانية
يُعد الأول من صفر تاريخًا محفورًا في ذاكرة الإسلام، فهو اليوم الذي شهد دخول سبايا آل البيت الأطهار إلى الشام بعد فاجعة كربلاء، في مشهدٍ جسّد أعمق صور العنف والمعاناة التي تعرضت لها النساء والأطفال. هذه الذكرى، التي لا تزال تثير مشاعر الحزن والألم، تتحول اليوم إلى منارة لإحياء قيم الصمود وقوة الإيمان، التي تجلّت في خطاب السيدة زينب (عليها السلام) أمام الطاغية يزيد، حيث قالت كلمتها الخالدة:
"إلى الله المشتكى، وعليه المعول، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا..."
لتصبح رمزًا لكل امرأة معنَّفة.
وقد دعت المؤسسات الدينية المسلمين كافة إلى استحضار هذه القيم، مؤكدة أن العنف ضد المرأة يُعد انتهاكًا للمبادئ الإسلامية السامية. كما حمّلت القوى الدولية والإقليمية المتورطة في الصراع السوري مسؤولية حماية مقدسات المسلمين، وفي طليعتها مرقد السيدة زينب (عليها السلام)، مشددة على أن "ضمائر المسلمين وأحرار العالم لا تسمح أن تُسبى زينب بنت محمد وعلي (عليهما السلام) من جديد".
تتجاوز الرؤية الإسلامية للمرأة مفهوم "نصف المجتمع" لتؤمن بـ"نظرية التكامل" بين الجنسين. فوفقًا للنص القرآني، خُلق الرجل والمرأة من نفسٍ واحدة، ليشكّلا معًا وعاءً للمودة والرحمة الإنسانية. هذا الفهم يجعل من المرأة كيانًا متكاملًا، وشريكًا أساسيًا في بناء المجتمع، وليس عنصرًا ثانويًا أو إضافيًا. فالاختلاف بين الرجل والمرأة يكمن في طبيعة المهام الموكلة إلى كلٍّ منهما، وهو مبدأ "التمايز لا التمييز"، الذي يهدف إلى تعدد الأدوار والمهام، لا إلى تفضيل بعضها على بعض.
لقد كرّم الإسلام المرأة ومنحها مساحة مميزة من خلال الرموز النسوية المؤثرة في جميع الأحداث المفصلية الكبرى في تاريخ البشرية: من آسيا بنت مزاحم مع موسى (عليه السلام)، ومريم العذراء مع عيسى (عليه السلام)، إلى السيدة خديجة (رضي الله عنها) مع الرسول (صلى الله عليه وآله)، والسيدة فاطمة (عليها السلام) مع الإمام علي (عليه السلام)، والسيدة زينب (عليها السلام) مع الإمام الحسين (عليه السلام). لم تكن هذه الرمزية مجرد ثنائية اجتماعية، بل كانت تكاملية ومشاركة في المنهج والمشروع والأهداف، مع اختلاف في الوسائل والأدوار.
وعلى الرغم من المناخ الديمقراطي الذي يعيشه العراق، لا تزال النظرة القاصرة تجاه المرأة سائدة في العديد من الأوساط. إن العنف ضد المرأة لا يقتصر على الممارسات الجسدية أو الإهانات المعنوية فحسب، بل يشمل أيضًا حرمانها من الحقوق التي فرضها الله تعالى لها، مما يؤثر سلبًا على تقدم المجتمع وتكامله.
نحتاج إلى حملة وطنية لإجراء إحصاء خاص بالمرأة لتحديد احتياجاتها وحقوقها بدقة. كما يُفترض بمنظمات المجتمع المدني أن تأخذ زمام المبادرة في هذه الحملة، تأكيدًا على أن بناء المواطن الصالح ينطلق من بناء المرأة الواعية، وأن ترسيخ مفهوم المواطنة يبدأ من ترسيخ العدالة الاجتماعية بإنصاف المرأة.
إن تمكين المرأة ليس أمرًا معزولًا عن مشروع بناء دولة قوية ومستقرة. فالأمن واستعادة هيبة الدولة مسؤولية جماعية، والحكومة مدعوّة إلى الالتزام الكامل ببرنامجها، وتفكيك مافيات الفساد المنتشرة في القطاعات الخدمية. فذلك وحده ما يضمن توفير الخدمات، ويوفر للمرأة مزيدًا من الأمان والفرص والأدوار على جميع المستويات، لتواصل مسيرتها في بناء الأجيال الصالحة، وترسيخ حب الوطن، والمساهمة في صنع المستقبل المنشود.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 19 دقائق
- فلسطين أون لاين
الاحتلال يخطر بهدم منزل الشَّهيد عبد الرؤوف المصري في طوباس
أخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، بهدم منزل عائلة الشهيد عبد الرؤوف المصري في بلدة عقابا شمال محافظة طوباس، وهو أحد منفذي عملية الأغوار التي نُفذت قبل عدة أشهر. وذكرت مصادر محلية، أن قوة من جيش الاحتلال اقتحمت بلدة عقابا الليلة الماضية، وسلّمت عائلة الشهيد إخطارًا بهدم منزلها. وكانت قوات الاحتلال اقتحمت بلدة عقابا، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وأخذت قياسات منزلي الشهيدين القساميين أحمد وليد أبو عرة وعبد الرؤوف المصري، والأسير القسامي أيمن ناجح الياسين، تمهيدًا لهدمها، بتهمة المشاركة في عملية الأغوار الشمالية. واستشهد المصري (٣٧ عامًا)، عقب حصار الاحتلال منزله في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، واشتباكه معه. ونفّذ الشهيد المصري عملية إطلاق نار برفقة الشهيد أحمد أبو عرّة في أغسطس/ آب الماضي قرب مستوطنة "ميحولا" في الأغوار الشمالية، أسفرت عن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخر. وعقب العملية، أعلنت كتائب القسام تبنيها في بيان قالت فيه: "بعون الله وقوته وتوفيقه؛ تمكن مجاهدو القسام في ضفة العياش ظهر الأحد 06 صفر 1446هـ – الموافق 11 أغسطس 2024م؛ من تنفيذ عملية إطلاق نار من المسافة صفر؛ استهدفت مركبة الجندي الصهيوني "يوناتان دويتش" (23 عامًا) قرب مغتصبة ميحولا، وأردوه قتيلًا على الفور." المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ 18 ساعات
- فلسطين أون لاين
بعد ضجة فيديو غزة.. الأردن يفرج عن الناشط أيمن عبلي ومحاميه يوضح التهم
متابعة/ فلسطين أون لاين قرر مدعي عام عمّان قرر إخلاء سبيل الناشط الأردني والممثل أيمن عبلي بكفالة مالية، بعد يومين من توقيفه على ذمة التحقيق، وذلك على خلفية محتوى منشور على حسابه في "إنستغرام" تناول الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. وأوضح محامي الناشط الأردني أحمد عبد الله منكو، عبر حسابه على "الانستجرام"، أن توقيف عبلي جرى يوم الخميس الماضي، بناءً على شكوى وردت إلى وحدة الجرائم الإلكترونية، ووجهت له تهمة "نشر ما من شأنه المساس بالسلم المجتمعي"، بموجب المادة 17 من قانون الجرائم الإلكترونية. وأضاف، أن استدعاء عبلي جاء على خلفية فيديو تم تداوله عبر حسابه على إنستغرام، تحدث فيه عن المجاعة في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه راجع وحدة الجرائم الإلكترونية طواعية ولم يُعتقل من الشارع كما تم تداوله. وأكدت المصادر أن عبلي أدلى بإفادته أمام المدعي العام، والذي قرر توقيفه على ذمة التحقيق، معتبرة أن ما أُثير من شائعات حول القضية "عارٍ عن الصحة ويشوبه اللبس"، وشددت على أن عبلي، كمواطن أردني، له ما له من الحقوق وعليه ما عليه من الواجبات، ويخضع للقانون كأي مواطن آخر. واختتمت محامي الناشط الأردني، بالقول إن فريق الدفاع سيتابع القضية أمام المحكمة المختصة، داعية إلى عدم الانسياق وراء الإشاعات التي قد تسهم في اغتيال شخصية عبلي، مؤكدة في الوقت ذاته ثقتها في نزاهة القضاء الأردني وحرصه على تحقيق العدالة وأوقفت السلطات الأردنية عبلي بعد أيام من تداول فيديو له يتحدث فيه عن الأوضاع الإنسانية في غزة، وهو ما لقي تفاعلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال أيمن عبلي في تسجيله قبل اعتقاله إنه 'في ظل المجاعة والقتل والجوع والدمار الذي يعانيه إخواننا في غزة، نحن قدمنا لهم خدمة أننا حرفيا شبعناهم. أهل غزة شبعانين بس عارف شو شبعانين؟ شبعانين خذلان منا، إحنا خذلناهم بطريقة لا يمكن للبشرية أن تتصورها'. وأضاف المؤثر الأردني الذي يتابعه أكثر من 2 مليون شخص على 'إنستغرام' أن 'الاندفاع الذي حدث في بداية الحرب على غزة من العيب والحرام أن يتراجع. بعض الناس يقولون: أنا مجرد فرد، ماذا يمكنني أن أفعل إذا الحكومات نفسها عاجزة؟' أقول: ليس مطلوبا منك النتائج، أنت مطالب بأن تؤدي واجبك فقط، أن تشكر الله على النعمة التي أنعم بها عليك، سواء كانت متابعين أو منصبا، وأن تستخدم هذه النعمة للحديث عن المظلومين'.


فلسطين أون لاين
منذ 2 أيام
- فلسطين أون لاين
علماء كردستان إيران يصدرون فتوى للجهاد دفاعاً عن غزة
أصدر علماء السنة في محافظة كردستان غربي إيران فتوى تدعو لـ"الجهاد" دفاعاً عن سكان غزة في مواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية وسياسة التجويع التي أدخلت القطاع المحاصر بمرحلة مجاعة قاتلة. جاء ذلك في مؤتمر جماهيري حاشد عُقد داخل مسجد قباء، أكبر مساجد مدينة سنندج عاصمة المحافظة، بحضور عدد كبير من العلماء الكرد ولفيف من الناشطين والجمهور. وأكد العلماء المشاركون أن "الجهاد الدفاعي ضد الكيان الصهيوني المعتدي، الذي يمعن في قتل الأطفال والنساء، هو واجب شرعي على كل الأمة الإسلامية"، معتبرين أن الصمت والتقاعس عن نصرة غزة يبقى "خيانة تاريخية لا تُغتفر". وأضافت فتوى علماء كردستان إيران أن "المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس والمجاهدين الفلسطينيين، سيبقون رمزاً لعزة الأمة وخط الدفاع الأول عن كرامتها". وشدد بيان الفتوى على أن "الصمت واللامبالاة تجاه هذه المجازر يعدان جريمةً لا تغتفر وخيانة تاريخية"، مؤكداً أن "إيمان أهل غزة ومقاوميها وصبرهم وثباتهم يمثل حجة دامغة على الضمائر الغافلة، وإنذاراً لكل المسلمين حول العالم". ودعت الفتوى الأمة الإسلامية إلى "اليقظة والنهوض العاجل، وجعل المساجد منصات لإحياء الوعي ودعم القضية، ورفض التطبيع مع الاحتلال ومقاطعة بضائع الكيان الصهيوني وأعوانه". كما دعت لتوظيف المنابر الدولية والإعلامية في "حشد الشعوب وتحريك الضمائر"، مشددة على أن "دعم فلسطين اختبار إلهي لمدى إخلاص المسلمين للعدالة وبرهان على التضامن الإسلامي". وحذرت الفتوى "الحكام والدول المطبّعة" مع إسرائيل من عواقب "المواقف المرتجفة"، مؤكدة أن "التاريخ سيشهد عليكم، والأمة الإسلامية لن تغفر خيانة القدس الشريف. إن غضب الله وصحوة الشعوب ستطاردكم عاجلاً أم آجلا". وطالب العلماء المنظمات الدولية والأممية والحقوقية، ومنظمة التعاون الإسلامي، بالخروج عن صمتهم "المميت" واتخاذ خطوات عملية وقانونية عاجلة للانتصار لغزة، رافضين الاكتفاء بالبيانات "الفارغة" في مواجهة الإبادة الجماعية التي يشهدها القطاع. وشهد المؤتمر كلمات مؤثرة لعدد من العلماء؛ إذ دعا ماموستا أيوب غنجي إلى "بذل الغالي والنفيس لنصرة غزة"، وأدان صمت الحكام والمجتمعات الإسلامية والعربية، مشيرا إلى أن شعب غزة "يسجل أسمى معاني التضحية والثبات بينما يمعن الاحتلال في جرائمه". وشارك في المؤتمر عبر رسالة مسجّلة من غزة الشيخ فیصل سهیل مزید، عضو رابطة علماء فلسطين وأمين سر المؤسسات العاملة للقدس والمسجد الأقصى، إذ أكد ثبات أهل غزة رغم ما يحيط بهم من جوع ومجازر، داعياً علماء الأمة عامة لقيادة نهضة جماعية نصرة لغزة والقدس. من جانبه، عبّر المستشار علاء الدين العكلوك، رئيس التجمع الوطني للقبائل والعشائر الفلسطينية، عن شكره لعلماء كردستان إيران، مُستذكراً الروابط التاريخية الممتدة بين غزة وكردستان من زمن القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي. وتوجّه العكلوك لعلماء ومفكري الأمة بتساؤل: "أين أنتم مما يجري على أرض فلسطين؟ أطفالنا يُذبحون، نساؤنا تُهان، أرضنا تُغتصب، ومساجدنا تُدنس، والعالم يلوذ بصمته المرير". واختتم المؤتمر بكلمة لخطيب الجمعة في مسجد قباء، ماموستا أحسن حسيني، مزج فيها بين البيان الشعري والوصف الواقعي لمظلومية أهل غزة وجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وسط تفاعل الحضور بالأناشيد التي تمجد المقاومة وتدعو لنصرة فلسطين من كل الأعراق والقوميات الإسلامية. المصدر / وكالات