
ترامب يهدد إسرائيل.. لحماية نتنياهو!!
نحن من أشعلنا هذه الحرب وأوقدنا نارها، لكننا لسنا من يتحكم بها، وبالتأكيد لسنا من سيُنهيها.. نهايتها ليست لصالحنا، خصوصًا بعد أن فاجأتنا المدن العربية داخل إسرائيل بانتفاضتها ضدنا، بينما كنا نعتقد أنها فقدت هويتها الفلسطينية.. هذا نذير شؤم لدولة اكتشف سياسيوها أن حساباتهم كانت خاطئة، واستراتيجياتهم قاصرة عن رؤية أبعد مما خططوا له.. أما الفلسطينيون، فهم حقًا أصحاب الأرض.. مَنْ غيرهم يُدافع عنها بروحه وماله وأبنائه بهذه القوة والعزة والتحدي؟.. أنا، كيهودي، أتحدى إسرائيل بأكملها أن تأتي بهذا الانتماء والارتباط العميق بالأرض.
لو كان شعبنا متمسكًا بأرض فلسطين حقًا، لما شاهدنا هذه الأعداد الهائلة من اليهود يهرعون إلى المطارات للهجرة منذ بداية الحرب.. لقد أذقنا الفلسطينيين مرارة القتل والسجن والحصار والفصل، وغمسناهم في المخدرات، وحاولنا غزو عقولهم بأفكار منحرفة تبعدهم عن دينهم، مثل التحرر والإلحاد والشك والفساد والشذوذ.. لكن المدهش، أن تجد من بينهم مدمن مخدرات ينهض ليدافع عن أرضه وأقصاه، صارخًا (الله أكبر) وكأنه شيخ جليل.. بل إنهم، رغم علمهم بما ينتظرهم من إذلال واعتقال، لم يترددوا يومًا في التوجه للصلاة في المسجد الأقصى.. وللمفارقة، لم تجرؤ جيوش دول بكامل قوتها على ما أقدمت عليه المقاومة الفلسطينية في أيام قليلة، حيث سقطت أسطورة الجندي الإسرائيلي الذي لا يُقهر، فأصبح يُقتل ويُخطف.. وبما أن صواريخ المقاومة وصلت إلى تل أبيب، فمن الأفضل أن نترك حلم إسرائيل الكبرى الوهمي.. يجب أن تكون للفلسطينيين دولة جارة نعيش معها بسلام متبادل.. فهذا وحده قد يمد في عمر بقائنا على هذه الأرض بضع سنوات إضافية.. أعتقد أنه حتى لو استمررنا ألف عام ـ هذا إن تمكنا من البقاء عشر سنوات قادمة كدولة يهودية ـ فسيأتي يوم ندفع فيه ثمن كل شيء.. الفلسطيني سيعود من جديد، مرة بعد مرة، وسيأتي هذه المرة على صهوة جواده متجهًا نحو تل أبيب).
ربما كانت مثل هذه الرؤى التي طرحتخا الصحيفة العبرية، وراء الرسالة التي وجهها الجيش الإسرائيلي إلى القيادة السياسية في تل أبيب، وحذر فيها، من أن العمليات العسكرية في قطاع غزة استنفدت أهدافها، واستمرار القتال قد يعرض الأسرى للخطر.. وبحسب مصادر في الجيش، فإن الرسالة التي نقلت إلى المستوى السياسي واضحة وموجزة: (المناورة البرية في قطاع غزة تقترب من نهايتها، ولم تعد هناك أهداف برية ذات أهمية يمكن الوصول إليها، دون تعريض حياة الرهائن للخطر)، في وقت تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطًا شديدة على نتنياهو، للموافقة على وقف إطلاق النار في غزة.. ووفقًا لمصادر مصرية، من المتوقع أن تقدم إدارة ترامب خطةً لتسوية شاملة خلال الأيام المقبلة، بينما صرح الرئيس، دونالد ترامب، نفسه، بأنه يعتقد أن (وقف إطلاق النار سيتحقق خلال أسبوع).. ويطالب الوسطاء بجدول زمني واضح لإنهاء القتال، ووقف مؤقت لأنشطة الجيش الإسرائيلي في غزة للسماح بدخول المساعدات.. وبحسب مصادر أمريكية وإسرائيلية، تتواصل المحادثات مع حماس ـ بوساطة مصرية وقطرية ـ ويجري بحث إمكانية التوصل إلى اتفاق يشمل إطلاق سراح الأسرى، وتُبدي حماس استعدادًا جزئيًا، لكنها تطالب بضمانات لإنهاء الحرب بالفعل.
●●●
ولتحفيز بنيامين نتنياهو على المضي في هذا الاتفاق، وبعيد رفض محكمة إسرائيلية، يوم الجمعة الماضي، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي إرجاء الإدلاء بشهادته، في محاكمته المستمرة منذ مدة طويلة، بحجة أن طلبه (لا يوفر أي أساس أو تبرير مفصل لإلغاء جلسات الاستماع)، علق ترامب على القرار في اليوم التالي، قائلًا، إن الولايات المتحدة (لن تتسامح) مع استمرار محاكمة نتنياهو بتهم فساد.. وكتب على منصته Truth social، (تنفق الولايات المتحدة الأمريكية مليارات الدولارات سنويًا، أكثر بكثير من أي دولة أخرى، على حماية إسرائيل ودعمها.. لن نتسامح مع هذا).. ثم وصف نتنياهو بـ (بطل الحرب)، معتبرًا أن محاكمته قد تشتت انتباهه عن (المفاوضات مع إيران ومع حماس)، دون أن يوضح بالتفصيل ماهية هذه المفاوضات.. وهو ما رد عليه نتنياهو، عبر حسابه على منصة X، وكتب (شكرا مجددًا.. معًا، سنعيد إلى الشرق الأوسط عظمته)!!.
في هذا، يقول الكاتب الأمريكي، توماس فريدمان، إن الإسرائيليين واليهود في الشتات، وأصدقاء إسرائيل في كل مكان، يحتاجون إلى فهم، أن الطريقة التي تقاتل بها إسرائيل الحرب في غزة اليوم، تضع الأساس لإعادة صياغة، للطريقة التي سوف ينظر بها العالم إلى إسرائيل واليهود.. لن يكون الأمر جيدًا.. ستصبح سيارات الشرطة والأمن الخاص في المعابد اليهودية والمؤسسات اليهودية، أمرًا طبيعيًا بشكل متزايد؛ وستُعتبر إسرائيل، بدلًا من أن ينظر إليها اليهود كملاذ آمن من معاداة السامية، مُحركًا جديدًا يُولّدها؛ وسيصطف الإسرائيليون العقلاء للهجرة إلى أستراليا وأمريكا، بدلًا من دعوة إخوانهم اليهود إلى إسرائيل.. لم يأتِ هذا المستقبل البائس بعد، ولكن إن لم تتضح معالمه، فأنت تخدع نفسك.. ولحسن الحظ، يشهد عدد متزايد من طياري سلاح الجو الإسرائيلي المتقاعدين وأفراد الاحتياط، بالإضافة إلى ضباط الجيش والأمن المتقاعدين، هذه العاصفة المتصاعدة، ويعلنون أنهم لن يصمتوا أو يتواطؤوا مع سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، القبيحة والعدمية في غزة.. وقد بدأوا يحثون اليهود في أمريكا وخارجها على رفع أصواتهم ـ نداء استغاثة: أنقذوا سفينتنا ـ قبل أن تتفاقم وصمة العار الأخلاقية، الناجمة عن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى الأبد.
قبل أشهر، قضت إسرائيل على حماس باعتبارها تهديدًا عسكريًا وجوديًا.. بناءً على ذلك، ينبغي لحكومة نتنياهو إبلاغ إدارة ترامب والوسطاء العرب، باستعدادها للانسحاب من غزة تدريجيًا، واستبدالها بقوة حفظ سلام دولية/عربية/فلسطينية، شريطة أن توافق قيادة حماس على إعادة جميع الأسرى الأحياء والأموات المتبقين ومغادرة القطاع.. ولكن، إذا مضت إسرائيل قدمًا في تعهد نتنياهو بإدامة هذه الحرب إلى أجل غير مسمى ـ في محاولة لتحقيق (نصر كامل) على حماس، إلى جانب خيال اليمين المتطرف في تطهير غزة من الفلسطينيين وإعادة توطين الإسرائيليين فيها، فإن اليهود في جميع أنحاء العالم عليهم أن يستعدوا بشكل أفضل، وأطفالهم وأحفادهم، لواقع لم يعرفوه قط: أن يكونوا يهودًا في عالم، حيث الدولة اليهودية دولة منبوذة، ومصدر للعار، وليس للفخر.. لأنه في يوم من الأيام، سيُسمح للمصورين والمراسلين الأجانب بدخول غزة، دون حراسة من الجيش الإسرائيلي.. وعندما يحدث ذلك، ويتضح للجميع هول الدمار هناك، فإن رد الفعل العنيف ضد إسرائيل واليهود في كل مكان، قد يكون عميقًا.
لا تظنوا أن تحذيري لإسرائيل هو مجرد ذرة من التفهم لما فعلته حماس في السابع من أكتوبر 2023.. يستطرد فريدمان.. لقد دعت حماس إسرائيل للردّ بقتلها جماعيًا لآباء إسرائيليين أمام أعين أطفالهم، وأطفالهم أمام آبائهم، من خلال اختطاف الجدات وقتل الأطفال المختطفين.. أي مجتمع في العالم لن يرى قلبه يتجمد أمام هذه الوحشية؟.. حماس تستحق الإبادة؛ فهي كانت وستظل دائمًا سرطانًا في جسد الشعب الفلسطيني، فما بالك بالإسرائيليين؟!.. لكن بصفتي يهوديًا، يؤمن بحق الشعب اليهودي في العيش في دولة آمنة في وطنه التوراتي ـ إلى جانب دولة فلسطينية آمنة ـ فإنني أركز الآن على قبيلتي ـ يقصد الولايات المتحدة.. وإذا لم تقاوم قبيلتي لامبالاة الحكومة الإسرائيلية المطلقة تجاه عدد المدنيين الذين يُقتلون في غزة اليوم ـ فضلًا عن محاولتها دفع إسرائيل نحو الاستبداد في الداخل، من خلال إقالة المدعي العام المستقل ـ فإن اليهود في كل مكان سيدفعون ثمنًا باهظًا.
لا تكتفِ بهذا التحذير فقط.. ففي الأسبوع الماضي، نشر طياران سابقان مرموقان في سلاح الجو الإسرائيلي، العميد أساف أجمون، والعقيد أوري أراد (الذي كان أسير حرب في مصر خلال حرب أكتوبر 1973)، رسالة مفتوحة باللغة العبرية في صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، موجهة إلى زملائهما الذين لا يزالون يخدمون في سلاح الجو.. كلا الرجلين عضوان في (منتدى 555 باتريوت)، وهو مجموعة كبيرة تضم حوالي ألف وسبعمائة طيار في سلاح الجو الإسرائيلي، بعضهم متقاعد وبعضهم لا يزال يخدم في الاحتياط، وقد تشكلت في الأصل لمقاومة مساعي نتنياهو لتقويض الديمقراطية الإسرائيلية بانقلاب قضائي.. أرسل لي قائد (المنتدى ٥٥٥)، يقول فريدمان، طيار المروحيات المتقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي، جاي بوران، رسالة أجمون وأراد، لأرى إن كان بإمكاني نشرها كمقال ضيف في قسم الرأي بصحيفة (التايمز(.. أخبرتهما أنني أرغب في نشر مقتطف منها بنفسي، فكتبا:
(لا نسعى إلى التقليل من بشاعة المجزرة التي ارتكبتها حماس في ذلك السبت الملعون.. نعتقد أن الحرب كانت مبررة تمامًا.. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب في غزة، اتضح أنها فقدت أهدافها الاستراتيجية والأمنية، وأصبحت تخدم في المقام الأول المصالح السياسية والشخصية للحكومة.. وهكذا، أصبحت حربًا لا أخلاقية على الإطلاق، وبدت بشكل متزايد وكأنها حرب انتقام.. لقد أصبح سلاح الجو أداةً في أيدي أولئك، في الحكومة وحتى في الجيش، الذين يدّعون عدم وجود أبرياء في غزة.. حتى أن أحد أعضاء الكنيست تفاخر مؤخرًا، بأن أحد إنجازات الحكومة، هو القدرة على قتل مائة شخص يوميًا في غزة دون أن يُصدم أحد.. وردًا على هذه التصريحات، نقول: على الرغم من بشاعة مذبحة السابع من أكتوبر، إلا أنها لا تُبرر الاستخفاف التام بالاعتبارات الأخلاقية، أو الاستخدام غير المتناسب للقوة المميتة.. لا نريد أن نصبح مثل أسوأ أعدائنا.
بلغت الأمور ذروتها ليلة الثامن عشر من مارس، مع استئناف الحرب، بعد أن اختارت الحكومة الإسرائيلية، عمدًا، انتهاك اتفاق إعادة الرهائن.. وفي غارة جوية قاتلة، استهدفت قتل عدد من قادة حماس (تختلف التقارير حول عدد القتلى بالعشرات أو أقل)، سُجِّل رقم قياسي جديد.. وأسفرت الذخائر التي أسقطها طيارو سلاح الجو على الهدف، عن مقتل ما يقرب من ثلاثثمائة شخص، بينهم العديد من الأطفال.. ولم يُقدَّم حتى الآن أي تفسير مُقنع للنتيجة المروعة لهذا الهجوم.. منذ ذلك الحين، واصلت القوات الجوية غاراتها المتواصلة على غزة.. تُقصف مبانٍ بأكملها، أطفال ونساء ومدنيون، بزعم القضاء على الإرهابيين أو تدمير البنية التحتية للإرهاب.. حتى لو كانت بعض الأهداف مشروعة، لا يمكن إنكار الضرر الجسيم الذي يلحق بالمدنيين غير المتورطين.
هذه لحظة حساب.. لم يفت الأوان.. نناشد زملاءنا الطيارين في الخدمة الفعلية: لا تستمروا في تجنب طرح الأسئلة.. لأنكم ستتحملون العواقب الأخلاقية لأفعالكم لبقية حياتكم.. سيتعين عليكم مواجهة أطفالكم وأحفادكم، وشرح كيف حدث هذا الدمار الهائل في غزة، وكيف هلك هذا العدد الكبير من الأطفال الأبرياء بآلة القتل القاتلة التي قدتموها).
بعد ساعات قليلة من هذه الرسالة، أرسل نمرود نوفيك، كبير مستشاري السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، رسالة مفتوحة أخرى لفريدمان، بتاريخ الثامن من يونيو.. كانت الرسالة من منظمة (قادة من أجل أمن إسرائيل)، تحثّ فيها أصوات الجالية اليهودية في الخارج، على رفع أصواتها ضدّ الجنون في غزة، قبل أن يغرقوا هم أيضًا في دوامة العنف.. وجاء في جزء منها: (بصفتنا قادة من أجل أمن إسرائيل، وهي حركة تضم أكثر من خمسمائة وخمسين مسئولًا كبيرًا متقاعدًا من أجهزة الدفاع والأمن والدبلوماسية الإسرائيلية، كانت مهمتنا مدى الحياة هي تأمين مستقبل إسرائيل كموطن قوي للشعب اليهودي.. أدت الأحداث الأخيرة إلى نقاشات عاطفية ومؤلمة في بعض الأحيان، داخل المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم، وخصوصًا فيما يتعلق بالوضع في غزة.. أعرب الكثيرون في الشتات عن مخاوفهم علنًا.. ونتيجة لذلك، واجه البعض انتقادات لاذعة.. واتهموا بإضعاف إسرائيل أو خيانة صلتهم بالدولة اليهودية، وقيل لهم، إن أولئك الذين يعيشون في الخارج أو لا يخدمون في جيش الدفاع الإسرائيلي، يجب أن يلتزموا الصمت.. نحن نرفض رفضًا قاطعًا، فكرة أن اليهود في الشتات يجب أن يظلوا صامتين بشأن الأمور المتعلقة بإسرائيل.. بالنسبة لأولئك الذين يخشون أن يقوض النقد العام إسرائيل، نقول إن الحوار المفتوح والصادق، لا يؤدي إلا إلى تعزيز ديمقراطيتنا وأمننا).
●●●
كلنا أملٌ أن يصمد وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وأن يمتد ليشمل غزة.. أولًا وقبل كل شيء، لوضع حدٍّ للقتل.. وثانيًا، لأننا نعتقد أن هذه الحرب ستُثير في أعقابها نقاشاتٍ ملحّة في إيران وإسرائيل والمجتمع الفلسطيني.. لن تُطرح هذه الأسئلة صباح اليوم الذي تصمت فيه المدافع، حين يحاول قادة جميع الدول المعنية ادعاء تحقيق نصرٍ ما.. لكن كل ما في داخلنا يُنبئنا بأن هذه المناظرات ستُعقد صباح اليوم التالي، حين تبدأ السياسة الداخلية في الظهور.. هكذا يؤكد فريدمان.
بين الفلسطينيين في غزة، سيُطرح السؤال على قادة حماس: (بماذا كنتم تفكرون في السابع من أكتوبر 2023؟.. لقد بدأتم حربًا مع إسرائيل، عدوٍّ متفوقٍ عسكريًا، بلا نهايةٍ سوى الدمار، مما دفع اليهود للردّ بلا نهايةٍ سوى الدمار.. لقد ضحيتم بعشرات الآلاف من المنازل والأرواح، لكسب تعاطف الجيل القادم من شباب العالم على تيك توك، والآن لم تعد غزة موجودة).. وبين الإسرائيليين، السؤال الذي سيُطرح على الحكومة القومية الدينية المتطرفة في إسرائيل، من قِبل العناصر العلمانية في ذلك المجتمع ـ طيارو سلاح الجو، ومحاربو الإنترنت، وخبراء التكنولوجيا، والعلماء، ومصممو الأسلحة، وعملاء الموساد، الذين هزموا حماس وحزب الله وإيران ـ هو، (إلى أين تعتقدون أنكم تأخذوننا؟.. نحن من انتصرنا في هذه الحرب، ولن نسمح لكم باستغلال هذا النصر للفوز في الانتخابات القادمة، وتنفيذ خطتكم لسحق محكمتنا العليا، وضم الضفة الغربية، وإعفاء المتشددين من الخدمة في الجيش، وإنشاء إسرائيل منبوذة، لن يرغب أبناؤنا في العيش فيها.. مستحيل).
وبين الإيرانيين، السؤال الذي سيُطرح حتمًا على قادتهم الدينيين والحرس الثوري، (أنفقتم مليارات الدولارات في محاولة صنع قنبلة نووية لتهديد إسرائيل، والتحكم عن بُعد في لبنان وسوريا والعراق واليمن.. لكنكم جلبتم الحرب إلى بلادنا.. اضطرت عائلاتنا للفرار من طهران، وقُتل جنرالاتنا بطائرات إسرائيلية مسيرة في أسرّتهم.. كل ما فعلتموه، هو تدمير بعض المباني وقتل بعض المدنيين في إسرائيل، وعندما هاجم دونالد ترامب منشآتنا النووية الرئيسية الثلاث، كان ردكم هو تقديم عرض صوتي وضوئي غير مؤذٍ فوق قاعدة جوية أمريكية في قطر.. كنتم نمورًا من ورق، لا تعرفون إلا كيفية استخدام التكنولوجيا لقمع شعبنا.. في هذه الأثناء، حضارتنا الفارسية العظيمة مُعدمة، مُحطّمة، ومتأخرة أميالًا عن بقية العالم).
قد لا يحدث ذلك بين عشية وضحاها، كما قلنا، لكن يقيني، أن هذه المناقشات قادمة.. لأننا لم نشهد حربًا كهذه في المنطقة من قبل.. أي حرب يقود فيها قوميون متدينون، حماس وحزب الله وإيران وإسرائيل، جميعًا يعتقدون أن الله في صفهم.. حرب جعلت فيها إسرائيل غزة غير صالحة للسكن، بعد أن أذلتها قوات حماس التي قتلت من اليهود في يوم واحد أكثر من أي يوم منذ الهولوكوست.. حرب تمكنت فيها إسرائيل من قطع رأس حزب الله وتدميره إلى حد كبير، كقوة سياسية في لبنان وسوريا، حيث ساعدت الميليشيا الموالية لإيران في سحق براعم الديمقراطية منذ الثمانينيات.. حرب شهدت قصف منشآت نووية إيرانية رئيسية من قبل رئيس أمريكي، وهو أمر لم يعتقد الملالي الإيرانيون أبدًا أنه سيحدث.. باختصار: سار الجميع حتى النهاية، مخترقين حواجز نفسية وعسكرية لم نتخيل يومًا اختراقها.. إن لم يتوقفوا الآن، أو قريبًا، فسيصلون جميعًا إلى حيث هم ذاهبون: إلى حرب أبدية ـ الجميع، في كل مكان، طوال الوقت ـ لن تترك شيئًا أو أحدًا سالمًا.. وولكل هذه الأسباب، فإن نقاشات داخلية كبيرة للغاية سوف تندلع، إذا توقفت الحروب حقًا.
بالنسبة للحركات مثل حماس أو دول مثل إيران، يُعلّمنا التاريخ أن تغيير الأنظمة داخليًا لا يحدث إلا بعد انتهاء الحرب، ودون تدخلات خارجية، كما قال خبير استطلاعات الرأي وعالم السياسة، كريج تشارني.. يجب أن يحدث ذلك تلقائيًا من خلال تغيير في العلاقة بين القادة هناك ومن يقودونهم.. في صربيا عام ٢٠٠٠، سقط الرئيس القومي، سلوبودان ميلوسيفيتش، بعد خسارته حربي البوسنة وكوسوفو، عندما حاول التلاعب بالانتخابات التالية.. كما قال تشارني، (أدت هزيمة العراق في حرب الخليج الأولى إلى ثورة عارمة ضد صدام حسين، اضطر إلى قمعها بوحشية.. وعندما خسر المجلس العسكري الأرجنتيني حرب فوكلاند عام ١٩٨٢، اضطر إلى السماح بعودة الديمقراطية.. وبعد الهدنة التي تُخلّد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، اندلعت ثورة نوفمبر التي أطاحت بالقيصر.. لا يبدو الأقوياء بهذه القوة عندما يكونوا خاسرين).
وأضاف تشارني، أن استطلاعات الرأي المحدودة التي أجريناها من غزة، تشير إلى رد فعل عنيف ضد حماس بسبب الكارثة التي حلّت بالناس هناك.. ولم تُجرَ أي استطلاعات رأي من إيران منذ بدء الصراع الحالي، (ولكن يُقال إن النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي كانت إيجابية، عندما بدأت بضربات ضد شخصيات غير شعبية في النظام، ثم تحولت إلى حشد الدعم مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين)، على حد تعبير تشارني.. لنرَ الآن ما سيحدث إذا صمد وقف إطلاق النار.
كل ما نعرفه يقينًا، هو هذا: إسرائيل هي نوع الديمقراطية التي تأمل النخبة العلمانية المتعلمة في إيران ـ وهي جزء من إرث حضاري فارسي عريق ـ أن تمهد لها هذه الحرب الطريق في طهران.. لكن نظامًا دينيًا على الطراز الإيراني هو تحديدًا ما يريده المحاربون والطيارون والعلماء وخبراء الإنترنت العلمانيون في إسرائيل، لضمان عدم خلق نصر إسرائيل في القدس، إذا أُجريت انتخابات جديدة قريبًا، وحاول ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استغلال هذه الحرب لتحقيق النصر.. وكما أشار الكاتب الإسرائيلي، آري شافيت، إن القطاع من المجتمع الإسرائيلي الذي بذل أكبر جهد للفوز بالحرب ضد إيران، (كان بالضبط نفس القطاع الذي خرج إلى الشوارع كل ليلة سبت لمدة ثمانية أشهر، لمنع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة من تدمير الديمقراطية الليبرالية في إسرائيل).
في عام ١٩٧٠، أشار شافيت، إلى أن المؤرخ الإسرائيلي، شبتاي تيفيت، كتب كتابًا شهيرًا بعنوان (البركة الملعونة: قصة احتلال إسرائيل للضفة الغربية).. زعم الكتاب أن النتيجة غير المقصودة لحرب ١٩٦٧، هي إطلاق العنان لقوى مسيحية في المجتمع الإسرائيلي.. فبمجرد أن عادت الضفة الغربية، قلب إسرائيل التوراتي، إلى أيدي إسرائيل، لم توافق هذه القوى على استعادتها، بل أصرت على الاستيطان فيها.. وها هي الآن ـ لا تزال في أيدي إسرائيل بعد ثمانية وخمسين عامًا ـ تحت احتلال مُستنزِف للروح ومُقوّض للديمقراطية.. ماذا لو، كما حدث مع العواقب غير المقصودة لحرب عام ١٩٦٧، كما خلص شافيت، (سننظر إلى الوراء بعد عشرين عامًا، ونرى أن هذه الحرب جعلت إسرائيل أقرب إلى إيران اليوم، وأقرب إلى إسرائيل التي كانت في السابق.. لأن المتطرفين في إسرائيل تمكنوا من استغلال النصر الذي حققته إسرائيل الليبرالية والديمقراطية والعلمية والمستنيرة، وتحويل هذه الأمة إلى جحيم مظلم).
المجتمع الفلسطيني بحاجة ماسة إلى إعادة نظر.. (لعنة) الفلسطينيين تكمن في أن اليهود هم عدوهم، مما جعل محنتهم تحظى دائمًا بقدر هائل من الاهتمام والدعم الدوليين، وهو ما لم تحظَ به جماعات أخرى، مثل الأكراد الذين علقوا في القتال من أجل دولة ضد صدام حسين وتركيا رجب طيب إردوغان.. لقد كانت لعنة، لأن كل هذا الاهتمام كضحايا، غالبًا ما أضعف إرادة العديد من الفلسطينيين في تولي زمام الأمور، وإجراء نوع من التأمل العميق الذي كان ينبغي أن تُحفّزه الهزائم العسكرية المتكررة.. عندما يدعو الطلاب في الجامعات في مختلف أنحاء أمريكا إلى (عولمة الانتفاضة)، فلماذا إذن نهتم بالدعوة إلى عودة سلام فياض، الزعيم الفلسطيني الأكثر فعالية في بناء الأمة؟!.
هل ستكون هذه المرة مختلفة؟.. هل ستدفع الهزيمة الساحقة التي ألحقها هجوم حماس على غزة في السابع من أكتوبر، الفلسطينيين إلى دعم الإصلاح المؤسسي للسلطة الفلسطينية، والمطالبة بقيادة مهنية ودعم دولة منزوعة السلاح على حدود عام 1967؟.. نأمل ذلك.. هل سيؤدي ذلك إلى ما يتمنى نتنياهو تجنبه بشدة: سلطة فلسطينية كفؤة، متنازلة، وشرعية.. أي شريك حقيقي للسلام؟.. ألا يُعد ذلك مفارقة؟.
باختصار، كانت هذه الحرب الإقليمية بالنسبة للأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط، بمثابة الحرب العالمية الثانية بالنسبة لأوروبا: فهي تُزعزع الوضع الراهن تمامًا، وتُمهّد الطريق لشيء جديد.. وسواء كان هذا الشيء الجديد أفضل أم أسوأ داخل أطراف هذه الحرب وفيما بينها، فهذا ما سيكون أكثر تشويقًا ـ أو حتى أكثر إحباطًا ـ بالنسبة لنا.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البورصة
منذ ساعة واحدة
- البورصة
تباين الأسهم الأمريكية فى أولى جلسات النصف الثانى لهذا العام
تباينت الأسهم الأمريكية عند افتتاح تعاملات أولى جلسات النصف الثاني لهذا العام، مع ترقب مجموعة من البيانات الاقتصادية التي تصدر اليوم، ومتابعة الحرب الكلامية بين الرئيس 'دونالد ترامب' والملياردير 'إيلون ماسك'. وخلال تعاملات الإثنين، استقر مؤشر 'داو جونز' الصناعي عند 44091 نقطة. فيما تراجع مؤشر 'إس آند بي 500″ بنسبة 0.25% أو 15 نقطة إلى 6189 نقطة، و'ناسداك' المركب بنسبة 0.45% أو 91 نقطة إلى 20278 نقطة. وتراجع سهم 'تسلا' بنسبة 7.15% إلى 294.99 دولار، بعدما طالب الرئيس الأمريكي 'دونالد ترامب' عبر منصة 'تروث سوشيال' بفتح تحقيق في الدعم الحكومي الذي تلقته شركات 'إيلون ماسك'. ويتابع المستثمرون خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي 'جيروم باول' اليوم في منتدى البنك المركزي الأوروبي في البرتغال، وسط ترقب لتصريحاته بشأن السياسة النقدية في ظل تأثير الرسوم الجمركية على التضخم. كما يترقب المستثمرون صدور مجموعة من البيانات الاقتصادية، أبرزها قراءة مؤشر مديري المشتريات للقطاع الصناعي في الولايات المتحدة، فضلًا عن بيانات فرص العمل المتاحة للبحث عن إشارات حول مدى مرونة سوق العمل.


المشهد العربي
منذ ساعة واحدة
- المشهد العربي
الأمم المتحدة تتوقع مضاعفة مساعداتها الإنسانية والتنموية لإيران
أعلنت الأمم المتحدة أنها ستضطر إلى مضاعفة ميزانيتها للمساعدات الإنسانية والتنموية المخصصة لإيران بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وفقا لتصريح مسؤول أممي كبير اليوم الثلاثاء. وقال منسق الأمم المتحدة المقيم في إيران، ستيفان بريسنر، خلال مؤتمر صحفي عبر الفيديو من طهران مع الصحفيين في جنيف: "نحن بصدد إعداد الميزانية. هناك زيادة كبيرة في الأرقام". وأضاف "من السابق لأوانه تحديد المبلغ الدقيق الذي نحتاجه، لكننا نتوقع بالتأكيد مضاعفة التمويل المطلوب"، مشيرًا إلى أن ميزانية العام الماضي بلغت نحو 75 مليون دولار (أي ما يعادل 63 مليون يورو).


الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
مشروع "الفاتورة الجميلة".. ماسك يتوعّد بإسقاط مؤيدى ترامب فى الكونجرس
تعهد إيلون ماسك بالإطاحة بأعضاء الكونجرس الذين يدعمون مشروع الميزانية الشامل الذي يطرحه دونالد ترامب، والذي انتقده ماسك بشدة بسبب ما قد يترتب عليه من زيادة في العجز الأمريكي بقيمة 3.3 تريليون دولار. وكتب ماسك على منصته الاجتماعية "إكس": "كل عضو في الكونجرس خاض حملته الانتخابية على وعود بتقليص الإنفاق الحكومي ثم صوت فورًا لصالح أكبر زيادة في الدين العام في التاريخ، عليه أن يشعر بالخزي! وسيفقد مقعده في الانتخابات التمهيدية العام المقبل، حتى لو كان هذا آخر ما أفعله في حياتي". وبعد ساعات قليلة، أضاف أنه "إذا تم تمرير مشروع القانون المجنون هذا، فسيتم تشكيل حزب أمريكا في اليوم التالي". إعادة دائرة الخلاف مع الرئيس الأمريكي وبهذه التصريحات، التي أطلقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أعاد الملياردير التكنولوجي نفسه إلى دائرة الخلاف مع الرئيس الأمريكي الذي كان ذات يوم من داعميه. فمنذ أن غادر ماسك ما أسماه بـ"وزارة كفاءة الحكومة" (Doge)، وجه انتقادات حادة لمشروع قانون ترامب، قائلًا إن الإنفاق الضخم سيقوض جهود الإصلاح التي قادها في تلك الوزارة. كان ماسك قد التزم الصمت لفترة بشأن مشروع القانون بعد الخلاف الكبير الذي نشب بينه وبين ترامب، لكنه عاد إلى دائرة النقاش في عطلة نهاية الأسبوع. الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبيس إكس" دعا مجددًا إلى تشكيل حزب سياسي جديد، وكتب: "مشروع الإنفاق الضخم هذا يثبت أننا نعيش في ظل حزب واحد فقط - حزب بوركي بيغ!!". وأضاف: "حان الوقت لتأسيس حزب سياسي يهتم فعلًا بالشعب". وكان ماسك قد قدم دعمًا ماليًا لحملة ترامب بلغ 277 مليون دولار، ليصبح جزءًا محوريًا في دائرة نفوذ الرئيس وإدارته. وادعت وزارة "Doge"، التي أشرفت على تقليصات مفاجئة وفوضوية في برامج حكومية مختلفة، أنها وفّرت 190 مليار دولار، لكن دراسة صادرة عن "شراكة من أجل الخدمة العامة" - وهي منظمة غير حزبية - قدرت أن تلك الجهود قد كلّفت دافعي الضرائب 135 مليار دولار. وقد توافق ماسك وترامب على تقليص برامج شبكة الأمان الاجتماعي والمبادرات البيئية والصحية والمساعدات الخارجية، لكن ماسك شنّ هجومًا حادًا على اقتراح ترامب البارز الذي يُطلق عليه اسم "مشروعي الكبير والجميل". وتشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أن النسخة التي أقرها مجلس الشيوخ من مشروع القانون ستزيد العجز الأمريكي بنحو 3.3 تريليون دولار خلال العقد المقبل، في حين أن نسخة مجلس النواب ستضيف 2.4 تريليون دولار خلال الفترة ذاتها. وأعرب ماسك عن رفضه لكلتا النسختين، موجهًا انتقادات لاذعة لبنود الإنفاق فيهما، ولا سيما تقليص الدعم المخصص للمركبات الكهربائية، قائلًا إن "مشروع القانون يمنح الهبات للصناعات القديمة بينما يلحق ضررًا بالغًا بصناعات المستقبل".