
"الثمالة" و"المغيض".. أبنية زراعية لمقاومة التضاريس الجبلية في عسير
ابتكر الإنسان منذ القدم وسائل مختلفة لتوفير الغذاء والماء حتى في أقسى الظروف الطبيعية والبيئية، وتجلى ذلك في أساليب بناء المدرجات الزراعية والحفاظ عليها لمئات السنين وسط الجبال الشاهقة في منطقة عسير.
ويبدأ بناء المدرج الزراعي بتشييد جدران حجرية تسمى محليًا "الثمايل"، وهي أسوار من الأحجار توضع أساساتها فوق كتل صخرية ثابتة، ثم تتدرج في الارتفاع من مترين حتى تصل في بعض الأحيان إلى ستة أمتار، وتشكّل "الثمايل" ومفردها "ثمالة" العمود الفقري للمدرج الزراعي.
ويصف الباحث في مجال التراث العمراني أحمد مريف البارقي "الثمالة" بأنها أسوار من الحجر تبنى بغرض احتجاز مساحة من الأرض الجبلية المنحدرة، وذلك ببناء السور الحجري على مساحة معينة وبارتفاع من متر إلى عشرة أمتار، وربما زاد عن ذلك بحسب طبيعة الأرض، ثم يردم السور بعد الفراغ منه بالطين والتربة والأحجار، ليصبح بعد ذلك قطعة مستوية من الأرض صالحة لإقامة المساكن والمزارع الجبيلة عليها، ويستخدم هذا النمط في الجبال لعدم توافر الأراضي بمساحات كافية، كما يستخدم في السهول إذا كانت الأرض غير مستوية.
وتظهر بعض المباني في "الثمايل" تنوعًا في الأساليب تبعًا لمكونات البيئة المحيطة، فالبعض يستخدم إضافة إلى الأحجار الضخمة جذوع الأشجار، تحديدًا أشجار العرعر والسدر في تدعيم الأسوار الحجرية وتثبيتها؛ لمنع تداعيها خصوصًا في وقت الأمطار الغزيرة.
وفي الوقت الذي تكون فيه "الثمالة" حاجزًا حجريًا يمنع انهيار التربية والحفاظ على الماء داخل المدرج الزراعي، يبرز نمط معماري آخر ضمن مكوناته الرئيسة وهو "المغيض" الذي يشيد لغرض سقيا الحقول الزراعية، ولتصريف المياه الزائدة عن حاجتها بعد امتلائها بمياه الأمطار.
ويشير الباحث البارقي في كتابه "الآثار والتراث في محافظة بارق" إلى أن البنائين قديمًا كانوا يستخدمون في بداية بناء "المغيض" الحجر المربع أو الطويل، وفي آخر طبقاته العليا يستخدم الحجر المسطح المصقول، حيث يكون مساويًا لأعلى نقطة من سطح الأرض فتمر عليه المياه لتفيض إلى الحقل الآخر.
ويقام "المغيض" في أعلى نسبة ارتفاع من سطح الأرض الزراعية، وذلك بغرض احتجاز أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار مع إمكانية فيضان الماء الزائد عن الحاجة دون أن يتسبب في انهيار العقوم الترابية المقامة على جنبات المزرعة.
ويمثّل "المغيض" نمطًا متحضرًا ومتقدمًا للإنسان الأول لما فيه من براعة هندسية من حيث البناء، وقياس الكميات المستوعبة من المياه المحتبسة التي تحقق إرواء الأرض بالمياه لفترة طويلة، مع احتساب الكمية القصوى التي يمكن أن تتحملها الردوم المحيطة بالمزرعة حتى لا يتسبب الماء في انهيارها.
ووفق عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد الدكتور غيثان بن جريس؛ فإن هذه الأنماط العمرانية والهندسية المتقنة تدل على أن منطقة عسير ضمت منذ آلاف السنين حضارات قديمة استطاعت التكيف والتغلب على ما كان يقابلها من مشاكل طبيعية أو غيرها، كما أن بناء مثل هذه المدرجات يساعد على حفظ تربة المزارع من الضياع والاندثار، إلى جانب الحفاظ على القطعة الزراعية بمعالم وحدود معينة تفصلها عن المزارع الأخرى المجاورة لها.
ولا تقتصر مهمة الأسوار الحجرية على الحفاظ على تربة المزارع وحدودها، بل تتعدى ذلك إلى أن تصبح من أهم محددات الأملاك الخاصة للأسر أو العشائر، وكان يعتد بها في معرفة حدود الأرض لكل فئة من المجتمع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
كلمة الرياضالريادة السعودية
بقدر سقف الطموحات العالي، الذي تميزت به برامج رؤية المملكة 2030، بقدر الإصرار الذي تسلحت به الحكومة، ومن خلفها المواطنون، من أجل تحقيق تطلعات الرؤية، بإعادة صياغة المملكة الحديثة، والعمل على تمكينها، مُنطلقة من مرتكزات صلبة وأسس راسخة، تصل بالبلاد إلى أبعد مدى من التطور والازدهار في جميع المجالات، الأمر الذي جعل الرؤية السعودية، بمثابة تجربة دولية مُلهمة ناجحة، لمن أراد التميز والريادة. وخلال نحو تسع سنوات، مرت من عمر الرؤية، احتلت المملكة موقع الصدارة الدولية في الكثير من المجالات، بل إنها تفوقت على دول كبرى لها باع طويل في مجالات بعينها، واعتاد المواطن أن يقرأ أخباراً شبه يومية، تشير إلى تفوق المملكة دولياً، وتميزها في مجالات عدة، ليس أولها التقنية والعلوم، وليس آخرها الفضاء والذكاء الاصطناعي، في إشارة واضحة إلى استدامة الازدهار السعودي بوتيرة سريعة. وتوجت المملكة تقدمها في المؤشرات الدولية، بحصولها على جوائز عالمية كبرى، تؤكد للجميع أن الرؤية السعودية نجحت، وبامتياز، في تحقيق أهدافها الأساسية، وعلى رأسها تأسيس جيل من السعوديين المبتكرين والمخترعين، القادرين على تحويل أمنيات وأحلام ولاة الأمر والمواطن، إلى واقع ملموس، ووضع البلاد على أعتاب عهد جديد، يواكب كل تطور جديد، يُرفع فيه علم المملكة عالياً في المحافل الدولية، ويبرز أسماء المبدعين السعوديين، ويتردد على الألسن وفي المنتديات العالمية. لم تقتصر الجوائز الدولية التي نالتها المملكة تحت مظلة الرؤية، على فئة دون غيرها، حيث ذهبت إلى الأفراد والطلاب والمؤسسات الحكومية، وباتت هذه الجوائز مؤشراً على ريادة المملكة، وتقدمها الشامل، في مجالات علمية وتقنية عدة، وكان هذا كفيلاً بأن يولّد إعجابًا عالميًا بالمملكة ومبدعيها، ويصنع صورة ذهنية باهرة، تؤكد لمن يهمه الأمر، بأن السعودية في طريقها بأن تصبح مصدراً رئيساً للابتكارات والاختراعات الحديثة، وليست مُستوردة لها. واليوم، تجني المملكة ثمار حصولها على تلك الجوائز، من خلال تكوين سمعة عالمية طيبة، تشير إلى أن البلاد سلكت طريق التقدم في جميع المجالات، وأنها لن تحيد عن هذا الطريق، إلى أن تحقق جميع تطلعاتها وأحلامها، وهذا الأمر كفيل بأن يفتح للمملكة أبواباً جديدة للتعاون والشراكة مع خبراء ومؤسسات من دول أخرى، ما يعزز الحوار بين الثقافات، ويساهم في ربط المجتمع السعودي بالعالم بشكل أكثر إيجابية وتقدماً.


صحيفة سبق
منذ 3 ساعات
- صحيفة سبق
"هيئة تطوير محمية الملك سلمان" تستقبل ضيوف الرحمن بـ"الشقيق" بكل حفاوة وترحيب
استوقفت جهود ومبادرات هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية ضيوف الرحمن القادمين للمملكة عبر المنفذ البري؛ إذ يتعرف ضيوف الرحمن على جهود ومشاريع ومبادرات الهيئة لتعزيز التنوع البيولوجي، وتنمية الغطاء النباتي، وإكثار الكائنات المهددة بالانقراض، وبناء مستقبل أكثر ازدهارًا وطبيعة مستدامة.. كما تُقدم الهيئة مطويات تعريفية وتثقيفية لترسيخ الوعي بأهمية حماية البيئة. وتستقبل هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية ضيوف الرحمن بالشقيق في منطقة الجوف بكل حفاوة وترحيب. وتسعى الهيئة إلى الحفاظ على التنوع الأحيائي من خلال حماية الموائل الطبيعية، وتهيئة بيئة آمنة لازدهار الحياة البرية والنباتية؛ إذ تم زراعة أكثر من 2.4 مليون شجرة بالمحمية، ونثر 4 أطنان من البذور المحلية، وتأهيل 250 ألف هكتار من الموائل المتدهورة. يُشار إلى أن محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية تُعد كبرى المحميات البرية الطبيعية في منطقة الشرق الأوسط بمساحة تقدر بـ (130.700) كيلومتر مربع، وتتقاطع مع أربع مناطق إدارية، هي: الجوف وحائل والحدود الشمالية وتبوك.


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
المملكة تشارك في الاحتفالباليوم العالمي للتنوع البيولوجي
أكدت وزارة البيئة والمياه والزراعة، على أهمية الالتزام بحماية التنوع البيولوجي في المملكة، باعتباره أحد الركائز الأساسية لاستدامة النظم البيئية، وحفظ التوازن البيئي، إضافةً إلى المحافظة على الموارد الطبيعية، وتحقيق التنمية المستدامة؛ وفقًا لمستهدفات رؤية السعودية 2030. ويحتفل العالم في 22 من شهر مايو في كل عام، بمناسبة «اليوم الدولي للتنوع البيولوجي»، ويأتي الاحتفال هذا العام تحت شعار: «الانسجام مع الطبيعة والتنمية المستدامة»؛ للتأكيد على أهمية حفظ التنوع البيولوجي، وضرورة بناء توازنٍ فعّال بين الإنسان والطبيعة؛ لضمان مستقبل مستدام. وأوضحت الوزارة، أن المملكة حققت تقدمًا ملحوظًا في مواءمة سياساتها وخططها الوطنية مع المستجدات العالمية، بالإضافة إلى التوسع الكبير في المناطق المحمية؛ حيث بلغت نسبة المناطق المحمية البرية (18.1 %) من إجمالي مساحة النظم البيئية البرية، فيما بلغت نسبة المناطق المحمية البحرية (6.48 %) من إجمالي مساحة النظم البيئية البحرية، منوّهة باستمرارها في تنفيذ مبادرات متعددة لإعادة تأهيل الموائل الطبيعية المتدهورة، والحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض وإعادتها إلى بيئاتها الطبيعية، بالإضافة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التنوع البيولوجي. ودعت الوزارة، الشركاء في الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والقطاع غير الربحي، إضافةً إلى مؤسسات المجتمع المدني؛ إلى مواصلة العمل التكاملي من أجل تحقيق مستقبل أكثر استدامة وتنوعًا، وتسخير كافة الجهود لضمان التوازن البيئي، وحماية الإرث الطبيعي للأجيال القادمة. يُذكر أن وزارة البيئة والمياه والزراعة، تولي اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على التنوع البيولوجي في المملكة، من خلال وضع الخطط والاستراتيجيات للمساهمة في تطوير الأنظمة الخاصة بتطوير، وحماية، وضمان استدامة كافة موائل وأنواع النظم البرية، والبحرية، والساحلية، بالإضافة إلى تعزيز الإدارة المستدامة للأراضي، وحماية الغطاء النباتي وتنميته.