
الصين تبتكر تقنية ثورية تمهد لحياة البشر على سطح القمر
الدراسة التي نشرت في 16 يوليو بمجلة "جول" التابعة لمجلات "سيل"، أوضحت أن هذا الإنجاز العلمي الجديد يمهد الطريق لاستكشاف أعمق في الفضاء عبر توفير حل عملي وفعال لتأمين احتياجات الإنسان الأساسية، وخاصة الماء والهواء والوقود، دون تحمل تكاليف النقل الباهظة.
دمج ذكي لتقنيات متعددة
بحسب الدراسة، فإن تكلفة إرسال جالون واحد من الماء إلى القمر تقدر بنحو 83 ألف دولار، في حين يحتاج كل رائد فضاء إلى نحو أربعة جالونات يوميا للبقاء على قيد الحياة.
هذه الأرقام تعكس التحديات الهائلة التي كانت تواجه حتى الآن أي مشروع طويل الأمد لإنشاء مستعمرة بشرية خارج الأرض، وفقا للمؤلف الرئيسي للدراسة "لو وانغ"، أستاذ علوم المواد المساعد في جامعة هونغ كونغ الصينية بمدينة شينزن.
اعتمدت التقنية الجديدة على مزيج فريد من العمليات الكيميائية والحرارية، حيث نجح الفريق البحثي في الجمع بين استخراج الماء من التربة القمرية وتحويله مباشرة إلى غازات مفيدة باستخدام الطاقة الشمسية المركزة.
"لم نتخيل يوما الإمكانات "السحرية" التي تخبئها تربة القمر" كما قال وانغ، ويضيف في تصريحات لـ"الجزيرة.نت": "أكثر ما فاجأنا هو النجاح الفعلي لهذا النهج المتكامل. لقد تمكنا من دمج عمليتي الاستخراج والتحويل في خطوة واحدة، مما عزز كفاءة استخدام الطاقة وقلل من التكاليف والتعقيدات المرتبطة بتطوير البنية التحتية".
استعان الباحثون بعينات حقيقية من تربة القمر جُمعت خلال مهمة "تشانغ إي-5″، إضافة إلى عينات محاكية في المختبر.
وقد تم تركيز أشعة الشمس باستخدام نظام بصري لإحداث تفاعل حراري يؤدي إلى تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أول أكسيد الكربون وغاز الهيدروجين، وهما غازان يمكن استخدامهما لاحقا لإنتاج الوقود أو الأكسجين.
من المكونات الأساسية التي اعتمدت عليها هذه التجربة كان معدن "الإلمنيت"، وهو معدن ثقيل داكن اللون يحتوي على كميات من الماء، ويعتقد أنه أحد المصادر المهمة للمياه في تربة القمر.
تحديات تقنية وبيئية باقية
رغم النجاح المخبري الكبير، لا تزال البيئة القمرية عائقا أمام تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع، وفقا للباحث الذي يوضح أن سطح القمر يعاني من تقلبات حادة في درجات الحرارة، إلى جانب مستويات عالية من الإشعاع، وانخفاض شديد في الجاذبية، وهي عوامل قد تؤثر سلبا على كفاءة التكنولوجيا الجديدة.
ويلفت المؤلف الرئيسي للدراسة إلى أن التربة القمرية، ليست متجانسة، بل تختلف تركيبتها ومحتواها من موقع إلى آخر، مما يجعل من الصعب الاعتماد على خصائص ثابتة في عملية الاستخراج. ويضاف إلى ذلك أن كميات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تنفس رواد الفضاء قد لا تكون كافية لتغطية كامل احتياجاتهم من الأكسجين والوقود.
ورغم هذه العقبات، يؤمن الباحثون بأن ما تحقق يمثل خطوة فارقة. يقول وانغ: "التغلب على هذه التحديات التقنية، والتكاليف العالية المرتبطة بالتطوير والتشغيل، سيكون أمرا حاسما لتحقيق الاستفادة المستدامة من موارد القمر، ودفع حدود استكشاف الفضاء إلى آفاق أبعد".
في الوقت نفسه، يشير الباحثون إلى أن هذه التقنية لا تمثل فقط حلا لتأمين الحياة على القمر، بل يمكن تكييفها لاحقا لاستخدامها في بيئات فضائية أخرى، مثل المريخ، حيث الموارد شحيحة والتحديات البيئية أكثر قسوة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الوطن
منذ يوم واحد
- جريدة الوطن
الاهتمام بحماية أشجار القرم
أعلنت وزارة البيئة والتغير المناخي في قطر عن استمرار الجهود الوطنية للحفاظ على غابات المانغروف وما تحتويه من أشجار القرم، وهي عنصر حيوي في مكافحة التغير المناخي بفضل قدرتها على امتصاص الكربون. وأبرزت الوزارة الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة لهذه الأشجار، وخاصة نوع «أفيسنيا مارينا»، الذي يدعم الاستدامة البيئية.المنشور، وأكدت الوزارة أن دولة قطر تنفذ برامج ومشاريع لتطوير وحماية المانغروف، بهدف تعزيز دورها في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة. وتشمل هذه الجهود إنشاء مناطق محمية وتشريعات بيئية، وفقًا لدراسات حديثة في «ساينس دايركت» 2024، التي أشارت إلى زيادة التغطية النباتية للمانغروف رغم التحديات العالمية. وتواجه هذه الغابات تحديات مثل التناقض بين التنمية الحضرية، كما في حالة اقتلاع بحيرة الوكرة، والحفاظ البيئي. ومع ذلك، تتميز الأشجار بتكيفات جينية تمكنها من النمو في الظروف الصحراوية المالحة، حسب تقارير «إيكو مينا» 2024، مما يجعلها موردًا استراتيجيًا على المستوى العالمي. ويتماشى ذلك مع استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة، التي تركز على التوازن بين الاقتصاد والبيئة. وتدعو الوزارة، ضمنيًا، إلى تعزيز الشراكات لتطوير أسواق الكربون الأزرق، مؤكدة التزام قطر بتحقيق أهداف اتفاقية باريس. بهذا، تؤسس قطر لنموذج بيئي إقليمي يركز على حماية الموارد الطبيعية لأجيال المستقبل. وغابات المانجروف تمثل مواقع طبيعية نادرة ومدهشة وزاخرة بالأحياء البرية والبحرية، كما أنها تعمل على إنتاج الأكسجين وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات السامة، وهذا ما يساعد بشكل كبير في تقليص الاحتباس الحراري. وتُعد شجرة القرم إحدى أشجار المانجروف وهي شجرة استوائية مدارية، حيث يوجد نوع واحد من أشجار القرم في قطر وهو «الشورى» أو القرم، تنمو أشجاره على امتداد الشاطئ (منطقة المد والجزر) وقد اشتق اسم (منطقة راس القرمة) شرق مدينة الخور من شجرة القرم ومفرده يسمى قرمة. والنظم البيئية بغابات المانجروف عبارة عن أحواض كربون فعالة للغاية تعمل على عزل كميات هائلة من الكربون داخل التربة والأوراق والفروع، حيث يمكن لهكتار واحد من أشجار المانجروف تخزين 3.754 طناً من الكربون. وتوجد معظم غابات المانغروف في دولة قطر، على طول الساحل الشرقي - وأكبر تلك الغابات توجد في منطقة الذخيرة شمال مدينة الخور، وتتكون من أنواع مختلفة مثل مارينا ابن سينا، المعروفة أيضًا باسم المانغروف الرمادي. وتنتمي أشجار المانغروف إلى 2 ٪ من النباتات الموجودة على الأرض والقادرة على العيش في المياه المالحة، ويعود ذلك إلى وجود جذور هوائية متخصصة ترتفع من الطين مما يسمح لها بالتنفس على الرغم من الرواسب الكثيفة المشبعة للمياه حيث تنمو، ولذلك فإنها تصنف من النباتات الملحية (الهالوفايت). وتدل مقاومة أشجار المانغروف للظروف البيئية القاسية على أهميتها وضرورة حمايتها، لكن بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأشجار ذات فائدة كبيرة للإنسان، حيث تخزن كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون في جذورها، وأغصانها وأوراقها وكذلك في ركائز الأنزيمات التي تنمو عليها. وعلى الجانب الآخر من هذه الميزات التي تملكها أشجار المانغروف، فإنها وفي حال تدميرها، تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي مجددًا.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
بايدو وغلوناس ويوروستاك.. العالم يتمرَّد على هيمنة "جي بي إس"
في أواخر يونيو/حزيران الماضي، انتشرت بعض الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي أن إيران أوقفت نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" في أراضيها، وتحوَّلت للاعتماد بالكامل على منظومة أقمار "بايدو" الصينية، بينما لم تصدر أي تصريحات رسمية من الجانب الإيراني بهذا الصدد. اللجوء إلى الصين لا يمكن اعتبار التعاون الصيني الإيراني في مجال التقنيات الفضائية وليد اللحظة، والواقعة الأخيرة وإن كانت غير مؤكدة، فإنها تفتح الباب لتعاون قريب في هذا المجال. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015، منحت بكين إيران حق الوصول إلى معدات تحديد المواقع والملاحة والتوقيت التابعة لنظام بايدو الصيني للملاحة بالأقمار الاصطناعية، وكان الهدف تعزيز قدرات الصواريخ الباليستية والمُسيَّرات الإيرانية. وفي عام 2021، حصلت طهران على حق الوصول الكامل إلى بنية "بايدو" التحتية لاستخدامها في أغراض عسكرية، ووقَّع البلدان معاهدة شراكة إستراتيجية شاملة تنفق بموجبها الدولتان 400 مليار دولار على مدى 25 عاما. وليس من قبيل المصادفة أن مسؤولي القيادة الفضائية الأميركية "سبيس كوم" (SPACECOM) حذروا العام الماضي علنا من تنامي التعاون بين إيران وروسيا وكوريا الشمالية والصين في مجالات التكنولوجيا الناشئة. كانت الصين قد ألغت اعتماد جيشها على نظام تحديد المواقع العالمي الأميركي "جي بي إس"، بعد انتقال الجيش الصيني إلى استخدام نظام "بايدو". ويُعَد هذا التحوُّل جزءا من إستراتيجية أوسع لتعزيز الاستقلال التقني وتقليل الاعتماد على البنى التحتية الغربية، لا سيَّما في المجالات الحيوية مثل الملاحة والاتصالات العسكرية. وتسعى بكين حاليا إلى توسيع نطاق هذا النظام عالميا، عبر تسويقه للدول التي تُبدي مواقف مناهضة للغرب، وُتسوِّقه على أنه بديل إستراتيجي لأنظمة الملاحة الأميركية، وذلك حسب تقرير لمعهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركي. وقد بدأت دول مثل روسيا وإيران وباكستان وفنزويلا بدمج نظام "بايدو" ضمن منظوماتها العسكرية، مما يُسهِم في تقليص نفوذ الولايات المتحدة على قدرات تلك الدول التشغيلية، ويَحِدُّ من فاعلية العقوبات التي تستهدف بنيتها الدفاعية والعسكرية. ويعزز هذا التوجه قدرة تلك الدول على التصرُّف بمرونة أكبر خارج الإطار التقني الغربي، ويوفر لها أدوات مستقلة للملاحة والمراقبة. وتدمج الصين نظام "بايدو" ضمن مشاريع مبادرة الحزام والطريق التي أعلنتها عام 2013، مما يجعل الدول المشاركة أكثر التصاقا بالبنية التحتية الصينية، خاصة في مجالات الملاحة وإدارة البيانات. هذا الاعتماد التقني قد يتحول في أوقات الأزمات إلى أداة ضغط إستراتيجية، خاصة في حال حدوث مواجهة محتملة حول تايوان ، حيث يُمكن لبكين التشويش على إشارات "جي بي إس" في المنطقة، مع الإبقاء على فعالية نظام "بايدو" لقواتها العسكرية، مما يمنحها تفوقا تشغيليا حاسما، كما أشار تقرير معهد أبحاث السياسة الخارجية. حتى منظومة أقمار "بايدو" ليست الوحيدة المنافسة لنظام "جي بي إس"، فعديد من الدول بدأت في إطلاق مشاريعها الخاصة في هذا النطاق. وكان الدافع الأساسي لهذه المشاريع هو الحفاظ على السيادة التقنية وضمان استمرارية الخدمة في حالات الطوارئ أو النزاعات العسكرية، وقد بادرت كل دولة بتطوير نظامها وفق أولوياتها وإستراتيجيتها التكنولوجية. تعدُّد الأقطاب مع تصاعُد التنافس الجيوسياسي وظهور نظام دولي متعدد الأقطاب، بدأت تلك التحوُّلات تنعكس على مجال الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، الذي خضع لهيمنة أميركية طويلة، ويبدو أنه يشهد تحديات حقيقية اليوم، بعد أن بقي نظام "جي بي إس" المعيار شبه الوحيد للملاحة الفضائية طيلة عقود، حتى أن اسمه يُستخدم على أنه مُرادف للتقنية ذاتها. غير أن هذه المركزية بدأت تتآكل تدريجيا في السنوات الأخيرة. لفهم دوافع الدول نحو تطوير أنظمة بديلة للملاحة بالأقمار الاصطناعية، لا بد من التطرُّق إلى خلفية تاريخية بسيطة. لقد نشأ نظام "جي بي إس" بوصفه أداة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية في أثناء الحرب الباردة، ودشَّنته واشنطن عبر مجموعة أقمار "نافستار" التي أُطلقت في السبعينيات. وفي تلك المرحلة، كانت الإشارة الدقيقة حِكرا على الاستخدام العسكري، بينما قُدِّمت نسخة مُنخفضة الجودة للاستخدام المدني. استمر هذا الوضع حتى عام 2000، حين أمر الرئيس الأميركي بيل كلينتون بإزالة التشويش المتعمَّد كي تُتاح الخدمة بدقة مُوحَّدة للجميع. ومع ازدياد عدد الأقمار وانتشار استخدام النظام في مجالات الطيران والملاحة البحرية والتجارة، بدا نظام الملاحة العالمي وكأنه "هدية إستراتيجية" أميركية للعالم، فهو مجاني وموثوق ومُتعدِّد الاستخدامات. ولكن مع ارتفاع حِدة النزاعات والصراعات، تزايدت المخاوف من الاعتماد على المنظومة الأميركية وحدها. لذا، لجأت عدة دول إلى الاعتماد على أنظمتها الخاصة، مثل الاتحاد الأوروبي الذي أطلق نظام غاليليو، وهو مشروع مدني مستقل تحت إشراف وكالة الفضاء الأوروبية. ويتميز النظام الأوروبي بدقة تصل إلى 20 سنتيمترا، ويُعَد الوحيد الذي يوفِّر خاصية التحقُّق من الإشارات في نسخته المدنية، مما يمنحه مقاومة أكبر لمحاولات الخداع. وقد أطلق الاتحاد الأوروبي مشروع غاليليو من أجل امتلاك بنية تحتية لا تخضع لسيطرة طرف خارجي، ولو كان حليفا مثل الولايات المتحدة. في روسيا أعادت موسكو تأهيل نظام غلوناس (GLONASS) الذي بدأ في الثمانينيات بعد أن تراجعت جودته في التسعينيات، وتستخدم الأنظمة العسكرية والمدنية الروسية اليوم نظام غلوناس بوصفه النظام الأساسي للملاحة، في حين يُعَد نظام "جي بي إس" خيارا احتياطيا. ومن اللافت أن عدة دول، مثل الهند وإيران وفنزويلا، تعتمد أيضا على ترددات نظام "غلوناس"، وهو جزء من إستراتيجية روسيا لتعزيز حضورها العالمي ونفوذها الجيوسياسي عبر تقنيات الملاحة الفضائية. من جهتها، طوَّرت الهند نظام نافيك (NavIC) كي يغطي الهند ومحيطها حتى مسافة 1500 كيلومتر. وقد جاءت جهودها ردا على منع حكومة الولايات المتحدة منحها إشارات دقيقة من نظام "جي بي إس" أثناء حرب "كارغيل" مع باكستان عام 1999. أما اليابان فاعتمدت نظام "كيو زد إس إس" (QZSS)، الذي يُكمِّل إشارات "جي بي إس" ويُعززها في منطقة آسيا والمحيط الهادي ، خصوصا في المدن والمناطق الجبلية، وهو مُكوَّن في الأساس من 4 أقمار، وتعمل اليابان على زيادته إلى 7 أقمار. لربما تضع إيران أمامها تلك التجارب السابقة كي تقتدي بها، وتحديدا تجربتي الصين وروسيا، سعيا للفكاك من التقنيات الأميركية وتأسيس نظام ملاحة مستقل، بل ولعلها تتجه إلى الاستعانة بما يفيدها من المنظومات غير الأميركية. ولكن حتى تتسنَّى لها فرصة تأسيس نظام مستقل، كيف يمكن أن تحاول إيران الابتعاد عن التقنيات الأميركية للملاحة بالأقمار الاصطناعية، واستعادة بعض من سيادتها التقنية؟ محاولات إيرانية تُولي إيران اهتماما متزايدا بمسألة الاستقلال في تقنيات الاتصالات والملاحة، بوصفها جزءا من بنيتها الدفاعية السيادية. وقد عبَّر كبار المسؤولين الإيرانيين مرارا عن قلقهم من الاعتماد على أنظمة تديرها الولايات المتحدة، مؤكدين ضرورة تطوير قدرات محلية في البث والملاحة الفضائية، أو البحث عن بدائل من حلفاء آخرين مثل الصين وروسيا. وفي هذا الإطار، تنظر طهران إلى الاعتماد على نظام "جي بي إس" على أنه ثغرة إستراتيجية قد تُستغل في حالات النزاع والحروب، وتخشى أن يؤدي تصاعد التوتر مع واشنطن إلى حجب الإشارات أو تقييد الوصول للنظام، مما يُعرِّض البنية التحتية الحيوية والأمن القومي للخطر. وتُفسِّر هذه المخاوف سعي إيران إلى بناء نظام ملاحة مستقل، يحاكي نظام غلوناس الروسي، الذي تأسس بدوره بديلا عن "جي بي إس" في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد بدأت إيران خطواتها الأولى في هذا المجال عبر تطوير نظام "هُدَى"، وهو نظام تحديد مواقع محلي أعلنت عنه عام 2016. ولكنه لا يزال محدود التغطية، ويقتصر على نطاقات جغرافية معينة داخل البلاد. أما الوصول إلى نظام فضائي وطني شامل، فيتطلب استثمارات ضخمة وتطورا تقنيا مستمرا كي يتمكن من تأمين تغطية موثوقة في كل الأراضي الإيرانية، ثم التوسُّع خارجها لاحقا. في عام 2017، أعلنت وكالة الفضاء الإيرانية نيتها إنشاء مجموعة أقمار اصطناعية وطنية للملاحة، لكنها لم تُطلق أي قمر حتى اليوم. وفي ظل هذه الفجوة، لجأت إيران إلى استيراد الدعم التقني، إذ بدأت أجهزتها العسكرية والمدنية تدعم نظام غلوناس، كما أبرمت اتفاقا مع الصين للحصول على إشارات نظام بايدو. وفي مطلع عام 2021، أكد السفير الإيراني في بكين أن بلاده ستحصل على حق استقبال إشارات بايدو، مما يتيح استخدامه داخل إيران. لكن ذلك لا يعني الاستغناء التام عن "جي بي إس"، بل هو أقرب إلى إستراتيجية تستفيد من أنظمة متعددة دون الاعتماد الحصري على أي منها. وفي حين تواصل إيران تعزيز شراكاتها، فإن خيار التعدد في مصادر إشارات الملاحة يبدو الخيار الواقعي. فالدراسة الجارية لاستخدام بايدو وغلوناس ضمن منظومة أمنية متكاملة لا تعني امتلاك سيطرة على الفضاء أو قدرة على حجب إشارات "جي بي إس"، بل تعني أن إيران، مثل غيرها من الدول التي تتطلع إلى الاستقلال التقني، باتت تعوِّل على تنوُّع المصادر لتقليل الاعتماد على منظومات تقنية أحادية. وقد بدأ هذا التوجه في الانتشار الفترة الماضية، كما يكشف مشروع يوروستاك الأوروبي. الاستقلال التقني بدأت دول أوروبية كثيرة تنظر إلى الاعتماد على التقنيات الأميركية بكثير من الريبة، خاصة بعد التحوُّلات الأخيرة في النظام الدولي، مثل تقلُّبات الموقف الأميركي تحت رئاسة دونالد ترامب ، والصعود التكنولوجي الصيني، والتهديد العسكري الروسي. وقد قلبت تلك التحولات التصورات الأوروبية رأسا على عقب، وجعلت التبعية الرقمية أزمة أمن قومي قد تُهدِّد السيادة الأوروبية، وخطرا أمنيا في نظر كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، الذين يتحدثون عن هذه الأزمة بنبرة القلق نفسها التي يتحدثون بها عن أمن الطاقة والدفاع. لذا، طرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مفهوم "السيادة التكنولوجية" بوصفه محورا رئيسيًّا لإستراتيجية أوروبا المستقبلية. كان الدور المحوري الذي لعبته في أوكرانيا شركة خدمات الإنترنت الفضائي ستارلينك -المملوكة لرجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك- جرس إنذار لأوروبا دفعها إلى الاتجاه نحو تحقيق استقلال رقمي حقيقي عن الولايات المتحدة، كي تنأى بنفسها عن دفع ثمن باهظ في حال تحوَّلت التقنية الأميركية إلى سلاح ضغط على بروكسل من جانب واشنطن إذا ما تباينت رؤاهما تجاه الأمن الأوروبي. من أجل تجاوز هذه التبعية التقنية، تحاول أوروبا رسم معالم مشروع طموح يُعرف باسم يوروستاك. ولا يدَّعي هذا المشروع الانعزال أو الاكتفاء الذاتي الكامل، بل يسعى إلى إعادة هندسة البنية التحتية الرقمية لأوروبا، طبقة تلو الأخرى، بما يضمن وجود خيارات آمنة ومستقلة وغير خاضعة لدول غير أوروبية، كما يشير تقرير في مجلة فورين بوليسي. ويرتكز مشروع يوروستاك على تقسيم البنية التحتية الرقمية الأوروبية إلى 7 طبقات مترابطة، لا يمكن لأي منها أن تعمل بمعزل عن الأخرى. هجمات التشويش والخداع ولمزيد من الفهم التقنيّ، يتكوَّن نظام "جي بي إس" من مجموعة تضم 31 قمرا اصطناعيا في مدار الأرض المتوسط، تمتلكها وتديرها وزارة الدفاع الأميركية. وتبث هذه الأقمار إشارات توقيت باستمرار، وتعتمد أجهزة الاستقبال، مثل تلك الموجودة في هاتفك الذكي أو أنظمة الملاحة البحرية، على التقاط إشارات متعددة من الأقمار، ومقارنة توقيتها لتحديد الموقع الجغرافي بدقة. ولعل إيقاف بث تلك الإشارات بالكامل أمر خارج قدرة أي دولة منفردة، فالأقمار تواصل إرسال إشاراتها بلا انقطاع من مدار الأرض المتوسط. ولكن ما يمكن تنفيذه فعليا، في أوقات الحروب والنزاعات، هو تعطيل استقبال الإشارات في نطاق محلي عبر استخدام تقنيات الحرب الإلكترونية، إما من الأرض أو الجو، في ما تعرف بعمليات التشويش (Jamming) والخداع (Spoofing). تتجه معظم الأجهزة الحديثة إلى دمج إشارات من أنظمة ملاحة متعددة، بما يُحسِّن الدقة ويعزز الموثوقية. ويُعَد هذا التوجه استجابة مباشرة لتنامي تهديدات الحرب الإلكترونية، مثل أنشطة التشويش والخداع، وهي أنشطة رُصِدت في مناطق عدة، منها أوكرانيا ودول البلطيق والخليج العربي. ففي السنوات الأخيرة، تزايدت الهجمات على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" والأنظمة الأوسع نطاقا للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، المعروفة باسم "جي إن إس إس" (GNSS)، بما فيها إشارات أنظمة الملاحة في أوروبا والصين وروسيا. وهناك نوعان من العمليات الهجومية على تلك الأنظمة، أولهما التشويش على نظام "جي بي إس"، الذي يهدف إلى إغراق الإشارات اللاسلكية التي يتكوَّن منها النظام، مما يجعله غير صالح للاستخدام. وثانيهما هجمات الخداع التي يُمكنها استبدال الإشارة الأصلية بإشارة أخرى لموقع جديد. وقد أصبح التشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي من الظواهر الشائعة نسبيا، خاصة في ساحات الحروب والمواقع العسكرية الحساسة، إذ يُستخدم لتفادي وتشتيت الضربات المحتملة من المُسيَّرات أو الصواريخ الموجهة. لذا، ينتبه الطيَّارون إلى تلك المواقع الإقليمية الخطرة، التي يُحتمل أن تقع بها مثل تلك الحوادث، ويلجؤون للاعتماد على وسائل المساعدة الملاحية الأخرى المتاحة على متن الطائرات. أما في حوادث الخداع، فإن هناك إشارات زائفة تُبَث وتتسبَّب بدورها في تضليل المُعِدات الإلكترونية للمركبات، بحيث تحسب موقعها بشكل خطأ، وتعطي توجيهات مُضلِّلة لقائدها، مما يعني خداع جهاز الاستقبال الخاص بنظام "جي بي إس" داخل الطائرة أو السفينة، كي يعتقد الرُبان أنه في منطقة وهو ليس موجودا فيها فعلا. وقد استُخدِمت مثل تلك الأساليب في الحروب العسكرية مؤخرا، مثل حرب روسيا وأوكرانيا، في إطار محاولات عسكرية لإخفاء التحرُّكات أو إرباك الخصوم، إلا أن تأثيرها لا يزال محليا ومحدودا بالمنطقة التي يغطيها الجهاز المشوش أو المزيف. وعند توقف المصدر أو خروجه من النطاق، تعود الإشارات الأصلية للعمل. لذا، يُمكن أن نستنتج من أخبار "إيقاف إيران لخدمة جي بي إس" أنها لا تشير بالضرورة إلى توقف النظام ذاته بالكامل، بل إلى أنشطة التشويش أو الخداع في النطاقات المحيطة بإيران في أثناء الحرب الأخيرة، إذ أشارت تقارير صدرت مؤخرا إلى ارتفاع ملحوظ في تلك الأنشطة، خاصة في مياه الخليج. مثلا، أظهرت بيانات من شركة "ويندوارد" أن نحو ألف سفينة يوميا تعرَّضت لتشويش إشارات نظام الملاحة فيها منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي. وأشارت وكالة رويترز إلى أن بيانات موقع إحدى ناقلات النفط بدت وكأنها قفزت بين مواقع في روسيا وإيران قبل أن تعود إلى مسارها الطبيعي، مما يشير إلى وقوع عملية خداع في المنطقة. في الأخير، لا يمكن لأي دولة الحديث عن سيادة تقنية كاملة في مجال البرمجيات إذا كانت الرقائق الإلكترونية المُستخدمة في الأجهزة مستوردة، ولا عن أمان البيانات إذا كانت شبكات الإنترنت تعتمد على خوادم أو أقمار اصطناعية أجنبية.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
دراسة: استعادة الأراضي الرطبة حل مستدام ضد تغير المناخ
أشارت دراسة جديدة إلى أن الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة تلعب دورا إيجابيا وحاسما في دورة الكربون العالمية، كما توفر وظائف بيئية حيوية أخرى، بما في ذلك دورة المغذيات وإصلاحها، وتوفير الموائل للأنواع الأصلية والمهددة بالانقراض. وكشفت هذه الدراسة أن إعادة الحياة إلى الأراضي الرطبة في السهول الفيضية قللت انبعاثات الكربون بنسبة كبيرة، كما استعادت الأراضي عافيتها بسرعة، محققة فوائد بيئية متعددة. كما ركزت على الأراضي الرطبة النهرية، أو ما يُعرف بالأراضي الرطبة الواقعة بجوار الأنهار والجداول. وقد قارن الباحثون بين 3 أراض رطبة مُستعادة و3 أراضٍ متدهورة على امتداد نهر لودون في ولاية فيكتوريا الأسترالية. وأسفرت عمليات إعادة الري والتشجير في المواقع المستعادة عن خفض انبعاثات الكربون بنسبة 39% خلال عام، في حين ارتفعت الانبعاثات في المواقع المتدهورة بنسبة 169%. كما زادت نسبة الكربون في التربة المحفوظة بالجذور والمادة العضوية بنسبة 12%، بينما انخفضت بنسبة 10% في المواقع المتدهورة. وظلت نسبة الرطوبة في التربة بالمواقع المستعادة حتى بعد جفافها أعلى بنسبة 55%، مما يُشير إلى قدرة كبيرة على الاحتفاظ بالمياه ومقاومة الجفاف. وقال الدكتور لوكاس شوستر من مركز الحلول الطبيعية الإيجابية بجامعة "رميت" الأسترالية وأحد مؤلفي الدراسة "لاحظنا ارتباطا وثيقا بين ديناميكيات الكربون ووظائف النظام البيئي. فالأراضي الرطبة تُعد نظام تنقية طبيعيا، تُزيل النيتروجين من المياه والكربون من الغلاف الجوي". وتغطي الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة، مثل مستنقعات المياه العذبة والمستنقعات والأراضي الخثية أقل من 10% من سطح الأرض، ويصدر منها ما بين 20 و25% من انبعاثات الميثان العالمية. ورغم ذلك، فإن الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة لديها القدرة على أن تكون بمثابة مصارف مهمة للكربون على المدى الطويل، ويشكل الكربون المخزن في تربتها ثلث إجمالي مخزونات الكربون في التربة بالعالم. وحسب الدراسة، فإن أحد المواقع التي خضعت للاستعادة والمراقبة -طوال 6 سنوات بعد إعادة تدفق المياه إليه- سجلت زيادة بنسبة 53% في مخزون الكربون على سطح التربة، مما يدل على فوائد مستدامة طويلة الأجل. حل بيئي متكامل بالإضافة إلى قدرتها على عزل الكربون وتخزينه، تلعب الأراضي الرطبة دورا محوريا في التخفيف من آثار تغير المناخ، مثل الجفاف والفيضانات، كما توفر وظائف بيئية حيوية أخرى، بما في ذلك الحفاظ على دورة المغذيات وإصلاحها، وتوفير الموائل للأنواع الأصلية والمهددة بالانقراض. وفي القرون الأخيرة، فُقد جزء كبير من الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة في العالم بسبب الاستغلال من أجل زراعة الأرز والمحاصيل الأخرى، وتدهور التربة. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن المساحة العالمية للأراضي الرطبة الطبيعية قد انخفضت بمقدار 3.4 مليونات كيلومتر مربع منذ عام 1700، وهو ما يعادل 21% منها. ويمكن أن يؤدي فقدان الأراضي الرطبة الطبيعية إلى إطلاق كميات كبيرة من الكربون المخزن سابقا في تربتها على شكل ثاني أكسيد الكربون، وبدرجة أقل الميثان، مما يحولها فعليا من أحواض للكربون إلى مصادر له. وتشير الدراسة إلى أنه نظرا لأن الكتلة الحيوية النباتية وبقايا الأوراق عنصران أساسيان في استعادة قدرة امتصاص الكربون وتخزينه، بالإضافة إلى تجديد المغذيات، فإن الاستعادة من خلال إعادة الترطيب (ضخ المياه) قد تكون أكثر فعالية عند دمجها مع إعادة التشجير النشط، والذي يتضمن زراعة بذور أو أنابيب من أنواع نباتية محلية. والأهم من ذلك -حسب الدراسة- أن وظائف النظام البيئي يرجح أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بديناميكيات الكربون داخل الأراضي الرطبة، حيث تزداد قدرة التربة على امتصاص وتخزين المياه (أي قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه) بشكل عام مع زيادة محتويات الكربون العضوي في التربة. وبالتالي، فإن إدارة الأراضي الرطبة ذات المياه العذبة المتدهورة لتعظيم فوائد الكربون، وخاصة عزل الكربون وتخزينه في التربة، قد لا تخفف فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ولكن أيضا تسرع عملية إعادة إنشاء وظائف بيئية حيوية أخرى. وتشير الدراسة إلى أنه مع تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري، بات استصلاح الأراضي الرطبة المتدهورة شديد الأهمية في التخفيف من تغير المناخ وآثاره، إذ يقدم حلا بيئيا ومناخيا متكاملا، يشمل حجز الكربون وخفض الانبعاثات، وعادة إنشاء وظائف بيئية حيوية أخرى.