logo
حرب بلا حدود..

حرب بلا حدود..

إنها حرب بلا حدود تنحَتُ بـ "الحديد والنار" ملامح الشرق الأوسط قيد التشييد. بعدما لامست الأمواج الأولى لـ "طوفان الأقصى" غلاف غزة موجّهة صفعة مؤلمة لإسرائيل بالذراع "الحمساوي"، حوّلت الدولة اليهودية بتخطيطها وتفوّقها التكنولوجي ودعم "العم سام"، تدفق تلك الأمواج بالذات نحو الأذرع الإيرانية ليصل الطوفان في النهاية إلى رأس "محور الممانعة"، فأغرق "العمق الإيراني" وحاصر حكّام طهران. تعلم إسرائيل أن هذه الحرب مكلفة جدّاً على جبهتها الداخلية، وبدأت تتذوّق مرارتها، لكنها اختارت في حساباتها الجيوسياسية الذهاب بعيداً اليوم بدل دفع أكلاف مضاعفة غداً أو التسليم بـ "إيران نووية".تتهاوى "الخطوط الحمر" بين تل أبيب وطهران شيئاً فشيئاً مع استعار تبادل الضربات، وترتفع معها احتمالات خروج المواجهة المفتوحة عن السيطرة أكثر وتدحرجها إلى حرب شاملة لا أحد يستطيع التكهّن بمدّتها أو نطاقها أو تداعياتها.
يُكرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعث رسائل علانية لقادة طهران، يعرض فيها عليهم "فرصة ثانية" لتسوية نووية بشروطه الصارمة وإلّا استمرار تكبّدهم فاتورة باهظة ستضعف نظامهم الهَرِم وتستنزفه، وعندها سيوقّعون مرغمين مع الوقت على صفقة بشروط أصعب أو سينزلقون بالجمهورية الإسلامية في مسار التفكّك والانهيار. لا يريد ترامب توسّع "المنازلة" المحتدمة نحو حرب شاملة سترفع أسعار النفط عالمياً وقد تفرض تدخلاً أميركياً هو بغنى عنه. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس الجمهوري راض بما تحققه إسرائيل. الوسطاء وفاعلو الخير كُثر، من سلطنة عُمان ودول خليجية أخرى إلى قبرص وبلدان طامحة لدخول "نادي صنّاع السلام". المَخرج متوفّر، بيد أنه مذلّ للغاية لصورة الملالي، المتصدّعة أصلاً، داخلياً وخارجياً على السواء. كان من المفترض أن تنعقد "الجولة السادسة" للمحادثات النووية بين واشنطن وطهران في مسقط أمس الأحد، لكنها أُجّلت حتى إشعار آخر، وربّما ذهبت أدراج الرياح.
تمعِن إسرائيل في ضرب مواقع ومنشآت نووية وعسكرية وأمنية وطاقوية... داخل إيران، حيث أضحت المقاتلات الإسرائيلية تسرح وتمرح في أجواء البلاد بحرّية مطلقة، ووصل مدى ضرباتها إلى مطار مشهد في شمال شرق البلاد، علماً أن خلايا "الموساد" ما زالت فعّالة على الأرض وتؤدّي مهامَّ استخباراتية تخريبية نوعية، تربك مراكز القيادة والسيطرة وتضرب القدرات الدفاعية والهجومية للجيش و"الحرس الثوري" الإيرانيَّيْن. في المقابل، تردّ إيران بإطلاق دفعات من الصواريخ والطائرات المسيّرة، وصل بعضها، خصوصاً الصواريخ، إلى الداخل الإسرائيلي، وتسبّب بأضرار جسيمة لم يشهد الإسرائيليون مثيلاً لها سابقاً. عندما نقارن حجم الخسائر وتأثيرها ونتائجها بين البلدين، يظهر أن إيران تتوجّع أكثر من عدوّتها اللدود إسرائيل.
لكن ماذا لو تمكّن صاروخ إيراني واحد من إصابة منشأة نووية أو كيماوية أو غيرها من المواقع الحساسة في إسرائيل وألحق بها خسائر بشرية فادحة؟ كيف ستردّ تل أبيب المسلّحة نووياً؟ وهل ستدخل الولايات المتحدة الحرب بشكل مباشر في مثل هكذا سيناريو؟ إن التصاعد في حدّة تبادل الضربات في الأيام وربّما الأسابيع المقبلة، وفشل "خراطيم الدبلوماسية" في إطفاء النيران المتوهّجة، سيُشرّعان الأبواب أمام دخول الولايات المتحدة الحرب، الأمر الذي سيُسرّع في حسمها. ستتفادى طهران إعطاء واشنطن حجّة دسمة لدخول الحرب ضدّها، فآخر ما ينقصها أن تُمطرها القاذفات الأميركية العملاقة بقنابل خارقة للتحصينات، إنما التقديرات الخاطئة وسط جنون التطورات الدراماتيكية واردة بقوّة.
رغم أن الأذرع الإيرانية غدت مشلولة أو معطوبة أو ملجومة، إلّا أنها قد تحاول مساعدة "الأخ الأكبر" قدر المستطاع. نسّق الحوثيون مع طهران استهداف إسرائيل بشكل متزامن، لكن تأثيرهم، الذي يعتبر مزعجاً لتل أبيب، على مجريات الحرب، يبقى محدوداً إلى حدّ كبير. تحرّرت سوريا من قبضة إيران وبَترت "الهلال الشيعي" الذي كان يربط طهران ببيروت، فيما أصبح "حزب الله" و"حماس" خارج "المعادلة الاستراتيجية". تبقى عيون المراقبين شاخصة نحو الفصائل الولائية في العراق وما إذا كانت ستتحرّك ضدّ إسرائيل أو المصالح الأميركية بطلب من إيران. كما قد تلجأ "طهران الجريحة" إلى "خيارات انتحارية" إذا ما شعرت أنها تخسر "الكباش القاتل" على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي".
لم تركّز إسرائيل في استهدافاتها على البرنامجَين النووي والصاروخي الإيرانيَّيْن أو المواقع العسكرية فحسب، إنما وسّعت مروحة أهدافها في سعيها إلى تحريض الرأي العام ضدّ النظام وخلق ثغرات أمنية وحال من الفوضى العارمة وعدم اليقين، لتمهيد الطريق أمام معارضي الملالي للتحرّك ضدّهم متى توفّرت اللحظة المؤاتية، طالما أن هناك "تربة مجتمعية" مناوئة للنظام القائم. العداء بين الجمهورية الإسلامية والدولة اليهودية له أبعاد دينية وعقائدية تعطّل التفكير بمنطق "خيارات الحدّ الأدنى من الخسائر"، ما يدفع "العقل الإسرائيلي" للعمل على إسقاط النظام الذي يطمح إلى "إزالة إسرائيل من الوجود". لهذا يستقصد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوجّه إلى الإيرانيين بالقول إن نظامهم "عدوّ مشترك" لهم ولإسرائيل. سقوط النظام الإيراني سيضع حدّاً لحروب ما بعد 7 أكتوبر ويُشيّد دعائم نظام إقليمي تكون إسرائيل في صلبه. "العرض القتالي" على أشدّه والمنطقة تحبس أنفاسها بانتظار الضوء في نهاية النفق الحالِك.
جوزيف حبيب -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حتى بوتين راضٍ.. خيار واحد امام ايران: التراجع مقابل بقاء نظامها
حتى بوتين راضٍ.. خيار واحد امام ايران: التراجع مقابل بقاء نظامها

المركزية

timeمنذ ساعة واحدة

  • المركزية

حتى بوتين راضٍ.. خيار واحد امام ايران: التراجع مقابل بقاء نظامها

المركزية- كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، امس الأحد، في منشور على حسابه على منصة "تروث سوشيال" "ينبغي لإيران وإسرائيل أن تتوصلا إلى اتفاق، وسوف تتوصلا إلى اتفاق، تماماً كما تمكنت من إقناع الهند وباكستان بالتوصل إلى اتفاق، في هذه الحالة من خلال استخدام التجارة مع الولايات المتحدة لإضفاء العقلانية والتماسك والعقلانية على المحادثات مع زعيمين ممتازين تمكنا من اتخاذ قرار سريع والتوقف"! أضاف "بالإضافة إلى ذلك، خلال فترة ولايتي الأولى، كانت صربيا وكوسوفو تتصارعان بشدة، كما حدث لعقود عديدة، وكان هذا الصراع الطويل الأمد على وشك أن يتحول إلى حرب. لقد أوقفته (لقد أضر بايدن بالاتفاق على المدى الطويل ببعض القرارات الغبية للغاية، لكنني سأصلح الأمر مرة أخرى!)". وأشار إلى أن "هناك حالة أخرى تتعلق بمصر وإثيوبيا، وصراعهما على سد ضخم يؤثر على نهر النيل الرائع. هناك سلام، على الأقل في الوقت الراهن، بفضل تدخلي، وسيبقى كذلك! وبالمثل، سيكون لدينا السلام قريباً بين إسرائيل وإيران! تجري الآن العديد من المكالمات والاجتماعات. أفعل الكثير، ولا أحصل أبدًا على الفضل في أي شيء، لكن لا بأس، فالناس يفهمون ذلك. اجعل الشرق الأوسط عظيماً مرة أخرى"! ايضا، قال ترامب، امس إنه "منفتح" على أن يؤدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دور وساطة في النزاع بين إيران وإسرائيل. وصرح ترامب في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي نيوز" الأميركية بأن بوتين "مستعد، لقد اتصل وناقشنا الأمر مطولا". وأضاف "من الممكن أن ننخرط" في النزاع بين البلدين، لكن الولايات المتحدة "ليست منخرطة في الوقت الراهن". في السياق، قالت صحيفة "إسرائيل هيوم"، إن الرئيس بوتين نقل بعد محادثته الهاتفية مع ترامب تحذيرا إلى المرشد الإيراني علي خامنئي. وقال المصدر إن بوتين بادر إلى الاتصال بترامب، "بناء على طلب إيران". وأضاف أن "روسيا تشارك بكثافة في التحركات السياسية التي تخص الحرب بين إيران وإسرائيل". وأوضحت الصحيفة: "عُلم أنه عقب المحادثة بين بوتين وترامب، وجّه بوتين تحذيرا إلى خامنئي بأن نظامه في خطر". واضح اذا ان القوى الكبرى متفقة على ضرورة التوصل في نهاية المطاف الى تسوية للحرب في الشرق الاوسط، والواضح ايضا، بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية لـ"المركزية"، ان القوى الكبرى، على تبايناتها الدولية، اتفقت كلها على ان على ايران، لا إسرائيل، التراجع نوويا والتخلي عن التخصيب والذهاب نحو اتفاق سيكون المكسب الوحيد فيه لطهران، بقاء النظام، لا اكثر، اما اذا، لم ترتدع فان نظامها سيطير. التحذير الذي نقله بوتين الى المرشد خير دليل على ان ليس فقط واشنطن ستقبل بسقوط النظام، بل موسكو ايضا ستتخلى عنه. فهل سيبقى النظام يكابر ويهرب الى الامام على قاعدة علي وعلى اعدائي، ام سيقبل الخامنئي بتجرع سم اتفاق مذل له، يحرّم على ايران التخصيب والسلاحَ النووي، مقابل بقاء نظام الملالي؟

حتى بوتين راضٍ.. خيار واحد امام ايران: التراجع مقابل بقاء نظامها
حتى بوتين راضٍ.. خيار واحد امام ايران: التراجع مقابل بقاء نظامها

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 2 ساعات

  • القناة الثالثة والعشرون

حتى بوتين راضٍ.. خيار واحد امام ايران: التراجع مقابل بقاء نظامها

كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، امس الأحد، في منشور على حسابه على منصة "تروث سوشيال" "ينبغي لإيران وإسرائيل أن تتوصلا إلى اتفاق، وسوف تتوصلا إلى اتفاق، تماماً كما تمكنت من إقناع الهند وباكستان بالتوصل إلى اتفاق، في هذه الحالة من خلال استخدام التجارة مع الولايات المتحدة لإضفاء العقلانية والتماسك والعقلانية على المحادثات مع زعيمين ممتازين تمكنا من اتخاذ قرار سريع والتوقف"! أضاف "بالإضافة إلى ذلك، خلال فترة ولايتي الأولى، كانت صربيا وكوسوفو تتصارعان بشدة، كما حدث لعقود عديدة، وكان هذا الصراع الطويل الأمد على وشك أن يتحول إلى حرب. لقد أوقفته (لقد أضر بايدن بالاتفاق على المدى الطويل ببعض القرارات الغبية للغاية، لكنني سأصلح الأمر مرة أخرى!)". وأشار إلى أن "هناك حالة أخرى تتعلق بمصر وإثيوبيا، وصراعهما على سد ضخم يؤثر على نهر النيل الرائع. هناك سلام، على الأقل في الوقت الراهن، بفضل تدخلي، وسيبقى كذلك! وبالمثل، سيكون لدينا السلام قريباً بين إسرائيل وإيران! تجري الآن العديد من المكالمات والاجتماعات. أفعل الكثير، ولا أحصل أبدًا على الفضل في أي شيء، لكن لا بأس، فالناس يفهمون ذلك. اجعل الشرق الأوسط عظيماً مرة أخرى"! ايضا، قال ترامب، امس إنه "منفتح" على أن يؤدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دور وساطة في النزاع بين إيران وإسرائيل. وصرح ترامب في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي نيوز" الأميركية بأن بوتين "مستعد، لقد اتصل وناقشنا الأمر مطولا". وأضاف "من الممكن أن ننخرط" في النزاع بين البلدين، لكن الولايات المتحدة "ليست منخرطة في الوقت الراهن". في السياق، قالت صحيفة "إسرائيل هيوم"، إن الرئيس بوتين نقل بعد محادثته الهاتفية مع ترامب تحذيرا إلى المرشد الإيراني علي خامنئي. وقال المصدر إن بوتين بادر إلى الاتصال بترامب، "بناء على طلب إيران". وأضاف أن "روسيا تشارك بكثافة في التحركات السياسية التي تخص الحرب بين إيران وإسرائيل". وأوضحت الصحيفة: "عُلم أنه عقب المحادثة بين بوتين وترامب، وجّه بوتين تحذيرا إلى خامنئي بأن نظامه في خطر". واضح اذا ان القوى الكبرى متفقة على ضرورة التوصل في نهاية المطاف الى تسوية للحرب في الشرق الاوسط، والواضح ايضا، بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية لـ"المركزية"، ان القوى الكبرى، على تبايناتها الدولية، اتفقت كلها على ان على ايران، لا إسرائيل، التراجع نوويا والتخلي عن التخصيب والذهاب نحو اتفاق سيكون المكسب الوحيد فيه لطهران، بقاء النظام، لا اكثر، اما اذا، لم ترتدع فان نظامها سيطير. التحذير الذي نقله بوتين الى المرشد خير دليل على ان ليس فقط واشنطن ستقبل بسقوط النظام، بل موسكو ايضا ستتخلى عنه. فهل سيبقى النظام يكابر ويهرب الى الامام على قاعدة علي وعلى اعدائي، ام سيقبل الخامنئي بتجرع سم اتفاق مذل له، يحرّم على ايران التخصيب والسلاحَ النووي، مقابل بقاء نظام الملالي؟ لورا يمين - المركزية انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

احتجاجات لوس أنجلوس تهز أميركا.. والانقسام يقترب!
احتجاجات لوس أنجلوس تهز أميركا.. والانقسام يقترب!

النهار

timeمنذ 2 ساعات

  • النهار

احتجاجات لوس أنجلوس تهز أميركا.. والانقسام يقترب!

شهدت الولايات المتحدة احتجاجات آلاف المهاجرين غير الشرعيين منذ يوم الجمعة 6 حزيران (يونيو) 2025، اعتراضاً على المداهمات التي شنتها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) في مناطق متعددة من مقاطعة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا بهدف اعتقال مهاجرين لا يحملون أوراقاً رسمية، فلماذا قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين الآن، وكم يتكبد الاقتصاد الأميركي من خسائر جراء تواجدهم، وما هي خسائر ملاحقتهم واحتجاجاتهم؟ تُعد مقاطعة لوس أنجلوس موطنٌاً لنحو مليون مهاجر غير شرعي، وهو العدد الأكبر في الولايات المتحدة، ويصل إجمالي سكان المقاطعة 10 ملايين نسمة من أصول لاتينية، و16% من أصول آسيوية، وثلثهم وُلدوا خارج الولايات المتحدة. يحتل اقتصاد كاليفورنيا المرتبة الرابعة عالمياً، متقدماً على دول كبرى مثل اليابان، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولاية عام 2024 نحو 4.1 تريليون دولار ، وهو ما يمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وفق بلومبيرغ. حجم خسائر أميركا جراء الهجرة غير الشرعية وأظهرت وثيقة ناقشها مجلس النواب الأميركي في أيار (مايو) 2024، أن التكلفة الإجمالية للهجرة غير الشرعية على دافعي الضرائب الأميركيين تبلغ نحو 150.7 مليار دولار سنويًا، بعد خصم الضرائب المدفوعة من قبل المهاجرين غير الشرعيين. وقدّر مجلس الهجرة الأميركي عدد المهاجرين غير المسجلين في الولايات المتحدة بنحو 11 مليونًا اعتبارًا من عام 2022، أي ما يعادل 3.3% من إجمالي سكان البلاد، وأن عملية واحدة لترحيل هؤلاء المهاجرين ستكلف الولايات المتحدة ما لا يقل عن 315 مليار دولار، مقسمة إلى 89.3 مليار دولار لإجراء اعتقالات كافية، 167.8 مليار دولار لاحتجاز المهاجرين بشكل جماعي، 34.1 مليار دولار على المعالجة القانونية، 24.1 مليار دولار على عمليات الإزالة. ورغم عدم توفر إحصاءات رسمية لحجم الخسائر الناجمة عن احتجاجات لوس أنجلوس، تشير التقديرات الأولية إلى إنفاق نحو 134 مليون دولار فقط على المراقبة العسكرية ونشر الحرس الوطني والمارينز لمدة 60 يوماً، وفق تقديرات وزارة الدفاع الأميركية ، وتقدر خسائر المطاعم بعشرات الآلاف للمطعم الواحد، أما الخسائر الشاملة في المبيعات بسبب الإغلاق والنهب تقدر بالملايين، وثمة خسائر غير مباشرة في اقتصاد أكبر تشمل انخفاض الإنتاج، الإنفاق، وأزمات في سلسلة التوريد. قال عمرو وهيب، خبير أسواق المال، لـ "النهار" إن الخسائر الاقتصادية الناتجة احتجاجات المهاجرين غير النظاميين في لوس أنجلوس تنقسم إلى مباشرة وغير مباشرة، مشيرًا إلى أن مقاطعة لوس أنجلوس تضم نسبة كبيرة من العمالة غير المسجلة، لا سيما في قطاعات حيوية مثل المطاعم والبناء والزراعة والخدمات اللوجستية، وبالتالي فإن غياب هذه القوة العاملة بشكل جماعي ولو ليوم واحد يؤدي إلى تراجع كبير في الإنتاج قد يُقدّر يوميًا بعشرات ملايين الدولارات. وأضاف أن تعطل سلاسل الإمداد المحلية في هذه القطاعات يُعد من أبرز الآثار السلبية، فضلًا عن التكلفة الأمنية الإضافية التي تتحملها السلطات المحلية نتيجة نشر قوات الشرطة وتنظيم المرور في حال وقوع اشتباكات أو أعمال تخريب. أما عن الخسائر غير المباشرة، فقد أشار وهيب إلى أن تصاعد التوترات يرسل إشارات سلبية للمستثمرين، خاصةً إذا بدت الحكومة الفيدرالية عاجزة عن احتواء الاحتجاجات، ما ينعكس سلبًا على صورة لوس أنجلوس كمدينة جاذبة للاستثمار والسياحة، لاسيما في ظل التغطية الإعلامية السلبية المكثفة. وأكد وهيب أن الاقتصاد الأميركي لا يزال ضخمًا ومتماسكًا، ولا يمكن أن تؤدي مثل هذه الاحتجاجات المحلية إلى خسائر هيكلية في المدى القريب، لكنه تساءل عن مدى إمكانية انتقال عدوى الاحتجاجات إلى ولايات أخرى، مشيرًا إلى أن هذا الاحتمال مرجّح على المدى الطويل، في غضون عشر سنوات كحد أقصى. وذكر أن هناك 3 عوامل تُسهم في انتشار الاحتجاجات: تصاعد دور وسائل التواصل الاجتماعي في تنظيم الحشود. الزخم الإعلامي المساند، على غرار ما حدث في موجة "الربيع العربي". تشدد بعض القوانين المحلية ضد المهاجرين في ولايات مثل تكساس أو أريزونا. في المقابل، أشار وهيب إلى أن من العوامل الكابحة لانتشار الاحتجاجات، قوة إنفاذ القانون في بعض الولايات، وأيضاً تجنّب كثير من المهاجرين غير النظاميين الظهور خوفًا من الترحيل. هل تتفكك الولايات المتحدة الأميركية؟ يرى خبير أسواق المال أن التفكك غير مرجح على المدى القريب، لكنه محتمل على المدى الطويل خلال عشر سنوات، مفسرًا ذلك بوجود عدة سيناريوهات تصعيدية قد تؤدي إلى خلخلة البنية الفيدرالية، أبرزها: انفصال بعض الولايات مثل تكساس أو كاليفورنيا، رغم أن ذلك صعب دستوريًا ما لم تحدث حرب أهلية. تصاعد العصيان المدني القانوني، برفض ولايات تطبيق بعض القوانين الفيدرالية (كما حدث في ملفات الهجرة والإجهاض). اضطرابات اجتماعية واسعة نتيجة تأزم ملف الهجرة أو حدوث صدامات عرقية وطبقية، قد تعيد إلى الأذهان مشاهد احتجاجات جورج فلويد (مواطن أسمر البشرة قتل على يد شرطي أميركي) عام 2020. وشدد وهيب على ضرورة التمييز بين الاحتجاجات العابرة والتفكك المؤسسي، موضحًا أن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك مؤسسات قوية نسبيًا مثل القضاء المستقل والإعلام الحر والاقتصاد المتماسك. إلا أنه رجّح أن تشهد الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة قلاقل متكررة تمهّد على المدى البعيد لتفكك تدريجي، قد يؤدي إلى تحول 4 إلى 6 ولايات إلى كيانات مستقلة، لكل منها علم ودستور وحدود منفصلة، على أن ينحصر نفوذ "الولايات المتحدة" في نطاق جغرافي ضيق، مع تراجع القوة العالمية للدولار واقتصارها على الداخل الأميركي فقط.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store