
أيام نتنياهو الأخيرة: هل تكتُب الحرب نهايته السياسية؟
في خضمّ أعنف موجة تصعيد تشهدها المنطقة منذ عقود، يقف رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو أمام مفترق حاسم.. فالرجل الذي وعد الإسرائيليين بضمان الأمن داخل الأراضي المحتلة، والتمدّد خارج فلسطين، إما عبر دَرب التطبيع أو بالقوة العسكرية، بات اليوم يواجه لحظات مفصلية تبدو فيها "أيامه الأخيرة" في الحكم أقرب من أيّ وقتٍ مضى.
اليوم تلوح في الأفق نهاية مرحلة كاملة من اليمين الإسرائيلي المتطرّف، ارتبطت اسمياً وفعلياً، بزعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو؛ فالضغوط الداخلية تتراكم مع نمو الأصوات المعارِضة، وبداية تفكّك تحالف قوى اليمين بشقّيه القومي والحريديمي، أما على المستوى الخارجي، فالعاصمة "تل أبيب" باتت شوارعها صورة مصغّرة من شوارع قطاع غزة، بعد أن أنهكتها الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهو المسار العسكري الذي لجأت إليه طهران رداً على الضربة الغادرة التي اغتالت عبرها "إسرائيل" علماء وقادة عسكريين إيرانيين في صباح الثالث عشر من حزيران/يونيو.
في آنٍ واحد، يُقاتل "جيش" الاحتلال على جبهتين؛ واحدة في قطاع غزة حيث تواصل آلة القتل الإسرائيلية حصد أرواح الفلسطينيين، من دون أن يمنع ذلك فصائل المقاومة من مواصلة عملياتها؛ وأخرى أشدّ خطورة ضدّ إيران، وقد اندلعت بعد عملية "الأسد الصاعد"، والتي صارت في نظر الشارع الإسرائيلي اليوم بمثابة مغامرة غير محسوبة، كانت لخدمة أجندة نتنياهو الشخصية، وجلبت دماراً واسعاً على المدن والبلدات الإسرائيلية.
قليلون من يدركون حجم ما يعنيه قصف "تل أبيب" بالصواريخ، فمنذ النكبة الفلسطينية، كانت "إسرائيل" تحارب خصومها على أراضيهم تقريباً، فمثلاً، حرب السادس من أكتوبر 1973، والتي كان النصر فيها من نصيب العرب، كانت تدور في سيناء المصرية والجولان السورية، أي خارج "إسرائيل" عملياً، لكن اليوم، بات الأمر مختلفاً كلياً.
الصواريخ الباليستية التي حملت اسمي الشهيدين "قاسم سليماني" و"عماد مغنية"، تسقط الآن في حيفا المحتلة و"تل أبيب"، والإسرائيليون بالملايين يبيتون ليلهم ويقضون نهارهم في الملاجئ. كلّ ذلك يجري في "بلدٍ" تمّ تسويقه لليهود الأوروبيين باعتباره "الملاذ الآمن"، الذي سيحميهم من "الاضطهاد" و"العنف". الكيان الإسرائيلي، حرفيّاً، أصابه الشلل، وقطاعات كاملة باتت خارج الخدمة، من السياحة، التي هي أكثر المجالات حساسية للاضطراب الأمني، وحتى الزراعة، التي هي أقدم المهن البشرية، مروراً بالصناعة والتجارة، بطبيعة الحال.
تسبّبت الصواريخ الإيرانية في خسائر بشرية مؤثّرة، من جرحى ومصابين، بالإضافة إلى تفجيرات ضخمة كما حدث مع استهداف مصافي نفط وشبكات للكهرباء، ذلك مع الأخذ في الاعتبار، أنّ الأخبار المنشورة في الإعلام العبري عن الخسائر تخضع للرقابة العسكرية، وهناك دعوة صريحة أطلقها المتحدّث العسكري الإسرائيلي يوم 14/6/2025/، طالب فيها بعدم تصوير الأماكن التي تضرّرت بفعل الصواريخ الإيرانية.
واقع الحال داخل الأراضي المحتلة على مدار الأيام القليلة الماضية، يؤكّد أنّ نتنياهو قد مرّغ وجه "إسرائيل" في التراب، وأنّ اندفاعه وتهوّره، واستجابته لإلحاح بن غفير وسموتريتش، قد ورّطه في معركة مع خصم، لم يكن يعرفه جيداً، أو على الأقلّ كان يعرف ما لديه من سلاح، لكنه كان جاهلاً بما لديه من عقيدة صلبة.
قلّل الإسرائيليون من قدرة إيران على إعادة تنظيم صفوفها بعد أن استهدفوا القيادة العليا للجيش الإيراني وحرس الثورة، وتمكّنوا من اغتيال عدد منهم، حينها توهّموا أنّ الأمور قد دانت لهم، وأنهم نجحوا في تعطيل القيادة والسيطرة داخل طهران، لكنّ الدولة الإيرانية أثبتت صلابة مؤسساتها في ذلك الاختبار.
على الفور تمّ امتصاص الصدمة، وترتيب البيت من الداخل، وتصعيد قيادات من الصف الثاني، فانقلبت المعادلة 180 درجة، وجلس الملايين أمام الشاشات، يتابعون الصواريخ الباليستية، وهي تنجح في اختراق جميع طبقات أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بالضبط كلاعب الكرة الماهر، الذي يُوصل كرته إلى مرمى خصمه.
"هآرتس" العبرية، والتي تتخذ خطاً معارضاً لسياسيات اليمين بشكل عامّ، باتت تحذّر من فرار الإسرائيليين والأجانب عبر اليخوت إلى قبرص، وتشير إلى أنّ آلاف الدولارات يتمّ دفعها بغرض نقل مجموعات لا يتجاوز عددها عشرة أشخاص من موانئ هرتسيليا وحيفا وعسقلان. المفارقة هنا، أنّ اليمين الإسرائيلي الذي كان يُصارع من أجل تهجير الغزيّين من أراضيهم، سيكون قريباً أمام مهمة إقناع الإسرائيليين أو المقيمين في "إسرائيل" بعدم تركها، والفرار منها! اليوم 00:01
19 حزيران 10:59
المخاطر المتعلّقة بالهجرة العكسية، لطالما أثارت قلق الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أما اليوم، ومع وصول الصواريخ إلى قلب "إسرائيل"، بات فرار الإسرائيليين باتجاه دولٍ أخرى (أكثر غنى واستقراراً) كابوساً حقيقياً، سيطارد نتنياهو على مدار الساعات الأربع والعشرين، وسيعجز عن التعامل معه، ما يتسبّب في خسارته مزيداً من الأنصار. وقد طلبت الحكومة، بالفعل، من شركات الطيران عدم السماح للإسرائيليين بالسفر إلى الخارج، في حال عادت خطوط الطيران إلى العمل.
قبل اندلاع الحرب، بيوم واحد تقريباً، كان الكنيست الإسرائيلي يصوّت على حلّ نفسه، بطلبٍ من المعارضة ممثّلة في حزبَي "هناك مستقبل" برئاسة يائير لابيد، و"إسرائيل بيتنا" بقيادة وزير الحرب الأسبق أفيغدور ليبرما، ذلك عقب تنامي النزاع حول مشروع قانون لتجنيد المزيد من اليهود المتشدّدين (الحريديم) في "الجيش".
لم ينحلّ الكنيست، وضاعت فرصة عقد انتخابات تشريعية مبكرة تُفضي لتشكيل حكومة جديدة، لكن جاءت النتائج لتكشف أنّ 53 نائباً، قد أيّدوا حلّ المجلس، بفارق 8 أصوات فقط عن الرافضين، وما كان هذا ليحصل لولا تكثيف نتنياهو محاولاته للضغط على حزبيّ "شاس"، و"يهدوت هتوراه" من جهة، ورئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين من جهة أخرى، بالإضافة إلى الجهد الذي بذله السفير الأميركي، لدى "إسرائيل"، مايك هاكابي، مع قادة من الحريديم للحيلولة دون حلّ الكنيست وإسقاط الحكومة، تخوّفاً من حدوث فراغ في القيادة الإسرائيلية.
الأوضاع الاجتماعية والسياسية داخل "إسرائيل"، تؤكّد وجود مشكلة متعلّقة بـ "الحريديم"، فعددهم آخذ في الازدياد، إذ يمثّلون 13% من الإسرائيليين، لكنهم فعلياً 20% من يهود "إسرائيل"، هذا يعني أنّ واحداً من كلّ خمسة "إسرائيليين فعليّين"، لن يخدم في "الجيش"، كما أنّ معتقده بالأساس لا يعترف بالصهيونية، لأنه يربط "عودة اليهود إلى فلسطين، وقيام دولتهم، بظهور المسيح"، كلّ ذلك بالإضافة إلى أفكار الحريديم المناهضة للعصرنة والمدنية والعلم الحديث.
تتفاعل تجمّعات الحريديم السياسية مع جهاز "الدولة" الإسرائيلي بنوع من البراغماتية، وتشارك في الكنيست والحكومات، من دون أن تكون معنية بأيّ شيء يتعلّق بالسياسة الداخلية أو الخارجية، فهي، فقط، تهدف إلى الحفاظ على تمويل المدارس الدينية (اليشيفوت)، وضمان الإعفاء من الخدمة العسكرية لطلاب التوراة؛ وعندما يشعر زعماء الحريديم السياسيين أنّ اليمين الصهيوني، والممثّل في "الليكود" و"الصهيونية الدينية" و"العظمة اليهودية"، قد يهادن التيار العلماني، على حساب مكتسباتهم، يصبحون على استعداد لفضّ التحالف، وبالتالي تنفصم عرى اليمين الإسرائيلي، وهو ما كان متوقّعاً أن يحدث قبل أيام، ولا يزال مرشّحاً للحدوث.
من جهة أخرى، فإنّ تصاعد الحرب، والأضرار التي سبّبتها الصواريخ الإيرانية، ستسمح لأصوات اليساريين الإسرائيليين بالعلو مجدّداً، فهؤلاء لطالما طالبوا بعقد صفقة مع حركة حماس، لوقف الحرب واستعادة الأسرى، واتهموا نتنياهو بأنه دمّر صورة "إسرائيل" في العالم، وتمادى في جرائمه، ما دفع مختلف المنظّمات الدولية لنبذ الحكومة الإسرائيلية والتعامل معها كنظير معاصر لألمانيا النازية؛ واليوم، ستُضاف تهمة جديدة لنتنياهو، وهو أنه جلب لـ "إسرائيل" الهزيمة على أيادي الإيرانيين، بمعنى آخر سيكون التنكيل السياسي بـ "الملك بيبي" يسيراً للغاية.
الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رجل أعمال في نهاية المطاف، وقد بنى مشروعه الانتخابي على تحسين دخل المواطن الأميركي، عبر حمايته من "المهاجرين" الذين يستفيدون من برامج الدعم الاجتماعي، ويسلبونه وظائفه، بالإضافة إلى تقليل الإنفاق على المجهود العسكري خارج الولايات المتحدة.
لهذا تلاسن ترامب أكثر من مرة مع زيلينسكي رئيس أوكرانيا، والذي يطالب بزيادة الدعم الأميركي، كما قرّر سحب قواته من سوريا، وحتى عندما حشد قواته باتجاه باب المندب، وشنّ حرباً على حركة أنصار الله في اليمن، لم يصمد سوى أسابيع معدودة، وسحب قواته، من دون تحقيق أيّ هدف يذكر.
هذا لا يعني أنّ واشنطن في معرض التخلّي عن "تل أبيب"، فكلّ ما جرى من وقت اغتيالات طهران، والضربات التي طالت مواقع نووية، كان البيت الأبيض على علم به، لكن ربما الأهداف مختلفة، فإدارة ترامب تريد كسر شوكة الإيرانيين عبر "إسرائيل"، وإرغامهم على القبول بالتوقيع على اتفاق يحظر عليهم تخصيب اليورانيوم، مع القبول ببقاء العقوبات الاقتصادية على حالها.
في المقابل تريد "تل أبيب" ما هو أكثر، فهي تدرك أنّ طهران، بمثابة عمود خيمة محور كامل، تنخرط ساحاته في الصراع مع "إسرائيل" بشكل متكرّر من جنوب لبنان إلى العراق إلى صنعاء، وأنها إذا أرغمت إيران على تغيير سياساتها، والتخلّي عن دورها المناصر للحقّ الفلسطيني، فهذا يعني انفراط عقد المحور، ويثمر ذلك خلو منطقة الشرق الأوسط من الأعداء، فتكون الحقبة الإسرائيلية قد بدأت، ويمكن لحكومة الاحتلال لها أن تسود وتسوس كيفما تشاء.
الطموح الإسرائيلي، من حيث المبدأ، لا يحظى بمعارضة أميركية، فواشنطن أيضاً تريد تغيير كلّ ما ترتّب على الثورة الإيرانية منذ عام 1979، لكنّ إدارة ترامب، تدرك جيداً أنّ تلك المحاولة، تعني وضع القيادة الإيرانية أمام تهديد وجودي، سيُرغمها على الإضرار بالمصالح الأميركية على نحوٍ غير مسبوق، ولدى إيران القدرة على فعل ذلك وأكثر، سواء عبر خلاياها الاستخباراتية ومؤيّديها خارج حدودها، أو عبر ترسانتها الصاروخية، التي هي الأكبر والأكثر تنوّعاً في الشرق الأوسط، مع الآلاف من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، التي تمّ تطويرها بالاعتماد على النماذج السوفياتية، وبقدرات ذاتية، وبالتعاون مع دولٍ تتبنّى نهجاً معارضاً للهيمنة الأميركية، مثل كوريا الشمالية، ذلك وفقاً لتقرير صدر عام 2021 عن مشروع Missile Threat التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - CSIS.
وتملك القوات الإيرانية أنواعاً متقدّمة من الصواريخ، مثل "فتّاح 2" و"سجيل" و"خرمشهر" التي يصل وزنها إلى 2 طن، وبعضها مُجهّز بمركبات قابلة للمناورة، ومزوّد بزعانف تحكّم ونظام ملاحة دقيق عبر الأقمار الاصطناعية. والمؤكّد، باعتراف الخبراء العسكريين الإسرائيليين أنفسهم، أنّ إيران لم تستخدم بعد أسلحتها الأكثر تطوّراً، ومن المرجّح أنها تدخّرها لمراحل لاحقة أو لضربة قاضية.
المعلومات المتعلّقة بالإمكانات العسكرية الإيرانية، تعني أنّ التصعيد الأميركي، والدخول المباشر في حرب، على طريقة جورج بوش، سيُفضي، من دون شكّ، إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة، ثم عالمية، ستنخرط فيها كلّ الدول الكبرى، حتى تلك التي تحاول النأي بنفسها عنها. والواضح، بمراقبة طريقة عمل الإدارة الأميركية الحالية، أنه سيكون من الصعب عليها أن تستجيب للمتطرّفين الإسرائيليين، وأفكارهم الانتحارية، التي تنشد النصر حتى لو استدعى الأمر "هدم المعبد على رؤوسهم ورؤوس أعدائهم على طريقة شمشون".
ضاق العالم بالحكومة الإسرائيلية الحالية، ولم يعد هناك استعداد لتحمّل بقائها حتى انتهاء فترة ولايتها نهاية العام المقبل، والتصريحات الصادرة عن العواصم الأوروبية أكدت ذلك طوال الشهور الماضية، فهناك رؤية عامّة تؤكّد أنّ عودة الهدوء إلى المنطقة، بات مرهوناً بتحجيم نشاط اليمين الصهيوني داخل "إسرائيل"، إذ لم تقتصر صراعات قياداته على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، مع خصوم الكيان التقليديّين، بل امتدت إلى دول "الاعتدال العربي"، والتي لديها اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، منها مصر والأردن، خاصة مع تصاعد الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، خلال العام الفائت.
إنّ سقوط حكومة نتنياهو، ووقف الحرب في غزة، بالإضافة إلى ضمان حقّ إيران في استكمال مشروعها النووي السلمي، وعدم الرضوخ للشروط الأميركية، سيكون بمثابة انتصار كبير لمحور المقاومة، فرضته صواريخ طهران الباليستية، التي عبرت لمسافة أكثر من ألف كيلومتر، وهبطت في الأراضي المحتلة، فأصبحت للمرة الأولى، صور الدمار تُنقل من "تل أبيب"، لا غزة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 44 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
هل يدمّر نتنياهو النّوويّ بالنّوويّ؟
أولى النتائج السياسية للحرب الإسرائيلية على إيران هي عودة حزب بنيامين نتنياهو إلى المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي، متقدّماً على حزب منافسه نفتالي بينيت. الإسرائيليون توّاقون إلى التخلّص من التهديد النووي والبالستي الإيراني. أظهر استطلاع جديد أجرته القناة 13 الإسرائيلية، ونشرت نتائجه مساء الأربعاء، أنّ حزب الليكود عاد ليكون الحزب الأكبر في إسرائيل في ظلّ الحرب، وذلك للمرّة الأولى منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. وبحسب النتائج، حصل حزب نتنياهو على 27 مقعداً، مرتفعاً بثلاثة مقاعد مقارنة بالاستطلاع السابق الذي نُشر قبل أسبوع. في المقابل، تراجع حزب 'بينيت 2026″، من 27 إلى 24 مقعداً. الأهم في نتائج الاستطلاع أن 75% من المستطلعين يدعمون إكمال المهمة الحربية حتى النهاية. لا غرابة في نتائج كهذه، ذلك أنّ حروب الإبادة في غزّة والجموح الجنوني في لبنان وسوريا وإيران بيّنت كم مثقلة غالبيّة المجتمع الإسرائيلي بالحقد والكراهية وتعاني من 'انفصام سياسي' عن الواقع، وأنّ شخصيّة عدوانيّة نرجسية براغماتيّة مثل نتنياهو خير من يمثّلها. ضرب إيران معبرٌ إلى التّاريخ يحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى بقاء حالة الحرب والطوارئ لضمان بقاء ائتلافه الحاكم. يسعى بكلّ قوّة إلى طمس صورة الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر ومحو عاره، ولا يريد أن يُذكَر في كتب التاريخ باعتباره المسؤول عن أكبر فشل أمنيّ في تاريخ إسرائيل. بل يطمح لأن يُذكَر اسمه بوصفه القائد الذي قضى على المشروع النووي الإيراني، وحمى إسرائيل من أكبر تهديد وجوديّ لطالما حذّر منه منذ نحو عقدين. تحرِف الحرب الكبرى مع إيران الأنظار عن محرقة غزّة، والمشكلات الداخلية في إسرائيل، وتضعف الاهتمام بقضيّة الأسرى والمخطوفين. ضرب إيران هو المعبر إلى التاريخ، وهو الإنجاز الإسرائيلي الذي سيسجَّل إلى الأبد، ويؤدّي إلى امتلاك مفاتيح الشرق الأوسط إلى أجل غير منظور. كسر إيران مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج تماماً. تمتلك إسرائيل تفوّقاً جوّيّاً واستخباريّاً واضحاً، ونجحت خدعتها الأولى وفاجأت الإيرانيين بضربات قاسية لقدراتهم العسكرية والمنشآت النووية. لكنّ نشوة الساعات الأولى قد تتحوّل إلى عبء سياسي وأمنيّ إذا تمكّنت طهران من امتصاص الضربة وتوجيه ردّ مؤلم. صحيح أنّ الحرب خدعة، لكنّ الحسم في الحالة الإيرانية لا يكون إلّا بالتدمير الشامل للمشروع النووي الإيراني، وإلّا فإنّ فشله سيكون فرصة للإيرانيين لتسريع المشروع وامتلاك القنبلة. يحتاج الأمر إلى المساعدة الأميركية أو اللجوء إلى الخيار الياباني أو ما تسمّيه إسرائيل 'خيار شمشون'، أي 'عليّ وعلى أعدائي'. لبّ المشروع النووي الإيراني منشأة 'فوردو' المدفونة قرب قم في جرف جبليّ تحت 'سابع أرض'. لا ينفكّ رئيس مجلس الأمن القوميّ تساحي هانغبي يردّد أنّ 'الحرب لن تنتهي من دون ضرب منشأة فوردو النووية'. وحدها قاذفات 'بي-2' والقنابل من زنة 13 طنّاً الأميركية قادرة على تدميرها. وهي الطائرات والقنابل التي رفض الرؤساء الأميركيون، جورج بوش الابن وباراك أوباما وجو بايدن، إعارتها لإسرائيل لتنفيذ مأربها، فهل يفعلها ترامب؟ متقلّب ومتناقض ترامب حائر ومتقلّب ومتناقض في تصريحاته وآرائه وتوجّهاته. مرّة يتحمّس للمشاركة وحسم المسألة الإيرانية للتفرّغ للهدف الصيني، ومرّة يخشى تورّطاً في الشرق الأوسط يعيد إلى أذهان الأميركيين الذكريات المريرة لأفغانستان والعراق. ويراوده دائماً حلم حمْل جائزة 'نوبل' للسلام تماهياً بخصمه اللدود أوباما. توحي تصريحاته الأخيرة بأنّه لا يزال يأمل تجنّب خوض الحرب، وأن ترغم الضربات الإسرائيلية المؤلمة إيران على الرضوخ والعودة إلى المفاوضات والقبول بما لم تقبل به بالسابق، أي الاستسلام. وطهران التي لا تمانع العودة إلى الطاولة بعد وقف الهجوم الإسرائيلي، ترفض الاستسلام وتصرّ على العودة إلى المفاوضات من النقطة التي انتهت إليها وعدم تجاوزها إلى تفكيك كامل مشروعها النووي. ولا تزال تطلق المزيد من صواريخها الفرط-صوتية إلى عمق إسرائيل على الرغم من التباين الفاضح في ميزان القوى. وتتجنّب المغامرات الخطيرة على غرار إغلاق هرمز وضرب المنشآت النفطية العالمية والقواعد العسكرية الأميركية خشية استفزاز واشنطن، على الرغم من اتّهامها إيّاها بالانحياز الكامل لإسرائيل. إزالة تهديد 'فوردو' في المقابل، يصرّ نتنياهو على استسلام إيراني غير مشروط وتفكيك كامل للمشروعين النووي والبالستي الإيرانيَّين، وهو مصمّم على 'إزالة تهديد فوردو'، وقال إنّ 'هذا التزام شخصيّ منّي ومن المؤسّسة الأمنيّة. سننفّذ ذلك، ولن نتراجع عنه'، أيّاً كانت المخاطر الإنسانية والبيئية الجسيمة التي ستنطوي عليه. في حال لم تستجب واشنطن لطلبه، ولم تتراجع إيران عن إطلاق صواريخها واختراق الجبهة الداخلية لإسرائيل، هل يقوده الهوس وجنون العظمة وجشع السيطرة والانتصار إلى الخيار 'الأبوكاليبسي'؟* بات كلّ شيء وارداً مع كيان دخل في عداوة مع البشرية جمعاء، وتشوّهت بنيته النفسية والإنسانية، وبات قادراً على اقتراف كل الموبقات. ثمّة سوابق موثّقة لاحتمال مجنون كهذا. في حرب 1973، أمرت رئيسة الوزراء غولدا مائير رئيس أركان جيشها موشي دايان بتجهيز 'أسلحة يوم القيامة' والاستعداد لشنّ هجوم نوويّ مضادّ، وهو قرار يائس صدر بعدما تمكّنت القوّات المصريّة من عبور قناة السويس واختراق خطّ بارليف والتقدّم نحو 12 كيلومتراً في قلب سيناء وسط تراجع القوّات الإسرائيلية وذهولها. لكنّ الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون حال دون تنفيذ الأمر بتعويض إسرائيل بجسر جوّيّ مكثّف لردّ الهجومين المصري والسوري في الجولان وتشكيل مجلس أمن قومي أميركي برئاسة وزير الخارجية هنري كيسنجر لمساعدة إسرائيل. ونفّذت طائرات النقل الأميركية 565 رحلة جوّية حملت 22,400 طن معدّات قتال، إضافة إلى 59 طائرة مقاتلة، وإمدادات نقلتها طائرات 'العال' الإسرائيلية، الأمر الذي أدّى إلى اختلال التوازن العسكري لمصلحة إسرائيل اعتباراً من 14 تشرين الأوّل 1973. مرّة أخرى لوّحت إسرائيل بالخيار النووي في حرب الخليج، عندما تساقطت صواريخ 'السكود' العراقية في أراضيها، وكان ثمن إحجامها عن الردّ زيادة هائلة في المساعدات العسكرية والماليّة الأميركية. يقع الخيار النووي في صميم العقيدة العسكرية والسياسية الإسرائيلية. حدّد رئيس وزرائها المؤسّس ديفيد بن غوريون في رؤيته أنّ إسرائيل لا تستطيع أن تتحمّل الخسارة في حروبها مع أعدائها العرب وغير العرب. ذلك أنّ خسائر جيرانها ستكون دائماً هامشية، في حين أنّ الهزيمة الإسرائيلية ستؤدّي إلى التفكّك الكامل للدولة والمجتمع الإسرائيليَّين، ولذلك الضمانة الوحيدة ضدّ الهزيمة هي أن يكون الخيار النوويّ رادعاً وملاذاً أخيراً. لا تزال الحرب في بدايتها، ومساراتها مفتوحة على كلّ الاحتمالات، ولا سيما أخطرها. ونتنياهو الذي يتقمّص برداءةٍ شخصيّة شمشون الأسطورية المخلّصة لليهود والإسرائيليين، هل يعمد في حال تواصل سقوط الصواريخ الإيرانية في قلب المدن الإسرائيلية وتبدّل المزاج الشعبي الإسرائيلي ضدّه إلى الخيار الأخير، وهو هدم الهيكل على من فيه بإلقاء إحدى قنابله النووية التكتيكية المخبّأة على 'فوردو' من أجل 'تحقيق نصره الكبير'، حتّى لو كلّف الأمر زجّ العالم برمّته في كوابيس مرعبة؟ أمين قمورية - اساس ميديا انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


الميادين
منذ ساعة واحدة
- الميادين
رضائي: استخدمنا أقل من 5% من طاقتنا الكامنة ولدينا أوراق كثيرة...
أعلن عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي أنّ بلاده أطلقت 400 صاروخ و600 طائرة مسيّرة حتى الآن في اتجاه الكيان الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّ ذلك أدى إلى سقوط 50 قتيلاً وأكثر من 2000 جريح.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
وسائل إعلام إسرائيلية: دوي صفارات الإنذار مجدداً بعد رصد تسلل طائرة مسيرة في منطقة البحر الميت
وسائل إعلام إسرائيلية: دوي صفارات الإنذار مجدداً بعد رصد تسلل طائرة مسيرة في منطقة البحر الميت