
هل أجبروا كريم خان على التنحي؟
في منعطف حرج من عمر العدالة الجنائية الدولية، يبرز اسم كريم خان لا كمدّعٍ عام تقليدي، بل كعنوان لمرحلة تصادمية بين القانون والسياسة، بين ما يجب أن يكون وما يُسمح له أن يكون. منذ توليه منصبه في يونيو/ حزيران 2021، خاض خان مواجهات قضائية ضد رؤساء دول نافذين، من بوتين إلى نتنياهو، واضعًا المحكمة في صلب صراع الإرادات الدولية. لكن هل كان يدفع ثمن هذه الجرأة؟ وهل تنحيه المؤقت، بذريعة تحقيق داخلي، هو فعل طوعي أم نتيجة ضغوط سياسية خانقة؟
تتناول السطور التالية أبعاد هذا الحدث غير المسبوق، وتستعرض الملابسات القانونية والدبلوماسية والتنظيمية التي أحاطت به. كما تحاول أن تجيب عن السؤال الجوهري: إلى أي مدى تستطيع المحكمة الجنائية الدولية أن تصون استقلالها، وتُنجز ولايتها في عالم تتداخل فيه المصالح السياسية مع ميزان العدالة؟
من هو كريم خان
يُعد كريم خان، المولود في 30 مارس/ آذار 1970 في إدنبره – أسكتلندا، أحد أبرز الأسماء القانونية في مجال العدالة الجنائية الدولية. هو محامٍ بريطاني مخضرم يتمتع بخبرة تمتد لأكثر من ثلاثين عامًا في مجالي الدفاع والادعاء أمام عدد من المحاكم الدولية، من بينها المحكمة الخاصة بلبنان، والمحكمة الخاصة بسيراليون، وآليات الأمم المتحدة الخاصة بجرائم رواندا ويوغسلافيا.
في فبراير/ شباط 2021، انتُخب مدعيًا عامًا للمحكمة الجنائية الدولية من قبل جمعية الدول الأطراف، وتسلّم مهامه رسميًا في يونيو/ حزيران من العام نفسه، خلفًا للقاضية الغامبية فاتو بنسودا، التي أنهت ولايتها وسط تحديات كبيرة تتعلق بمحدودية فاعلية المحكمة وتراجع ثقة بعض الدول بها.
وقد ورث خان مؤسّسة مثقلة بأزمات تمويلية وهيكلية، واتهامات متكررة بازدواجيّة المعايير، ما جعل انتخابه جزءًا من محاولة لإعادة الاعتبار للمحكمة وتعزيز مصداقيتها، خصوصًا في ظلّ انتقادات حادّة طالت أداء سلفه في ملفات حسّاسة مثل فلسطين، وأفغانستان.
ملابسات وتفاصيل تنحّي كريم خان مؤقتًا
في 16 مايو/ أيار 2025، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن المدّعي العام كريم خان قرّر التنحي مؤقتًا عن مهامه، بانتظار استكمال تحقيق خارجي في مزاعم تتعلق بسوء سلوك جنسي.
وتعود القضية إلى شكوى قُدّمت في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، اتهمته بإجراء سلوك غير مرغوب تجاه إحدى الموظفات وممارسة ضغوط لإقامة علاقة معها. خان نفى المزاعم بشدّة، واعتبر أن تسريبها محاولة لتقويض عمله في لحظة حسّاسة، لكنه أعلن لاحقًا تنحّيه مؤقتًا حفاظًا على مصداقية المحكمة ونزاهة التحقيق.
في البداية، طلب خان بنفسه فتح تحقيق داخلي، لكن الضغوط من منظمات حقوقية وبعض الدول الأعضاء دفعت المحكمة إلى إحالة الملف إلى مكتب الرقابة الداخلية في الأمم المتحدة (OIOS)؛ لضمان الحياد والشفافية. وقد استُجوب خان في مطلع مايو/ أيار 2025 ضمن المرحلة النهائية للتحقيق، وسط تصاعد الأصوات المطالبة بإبعاده مؤقتًا.
ورغم أنّ نظام روما الأساسي لا ينصّ بوضوح على آلية التعامل مع غياب المدّعي العام في مثل هذه الحالات، أكدت المحكمة أن نائبي المدعي العام سيتوليان مهامه إلى حين صدور نتائج التحقيق. وتُعد هذه الخطوة غير مسبوقة في تاريخ المحكمة، وتعكس تعقيد التوازن بين مبدأ المحاسبة وضمان استمرارية عمل المؤسّسة القضائية.
وراء الكواليس: هل أُجبر خان على التنحّي؟
أثار تنحّي كريم خان المؤقت عن منصبه موجة تساؤلات حول خلفيات القرار، وهل كان فعلًا استجابة داخلية لضمان نزاهة التحقيق في مزاعم سوء السلوك، أم نتيجة لضغوط سياسية خارجية آخذة بالتصاعد.
في ظاهر الأمر، جاء التنحّي لضمان حياد التحقيق، وقد رُحّب به من قبل منظمات حقوقية دولية رأت فيه تأكيدًا على أن مبادئ المساءلة تشمل حتى رأس الهرم القضائي في المحكمة. لكن السياق المحيط بالقرار يُشير إلى أبعاد تتجاوز الجانب الإجرائي.
فقد جاء التنحي بعد أشهر من تحركات جريئة قادها خان ضد قادة دوليين نافذين، أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما دفع روسيا وإسرائيل إلى شنّ حملات علنية ضد المحكمة، متهمةً إياها بالتحيز وتجاوز صلاحياتها.
لكن الأخطر كان الموقف الأميركي، حيث قامت إدارة ترامب في فبراير/ شباط 2025 بفرض عقوبات مباشرة على خان ومسؤولين آخرين في المحكمة، شملت تجميد حساباتهم البنكية داخل النظام المالي الأميركي، وحظر السفر إلى الولايات المتحدة، وتقييد أي معاملات مالية أو قانونية ذات صلة. وقد أُدرج اسم خان ضمن قائمة العقوبات بموجب قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA)، وهو ما مثّل سابقة خطيرة تُهدد استقلال القضاء الدولي.
إلى جانب هذه التدابير العقابية، مارست الولايات المتحدة ضغوطًا سياسية على عددٍ من الدول الحليفة للمحكمة، ملوّحة بتخفيض مساهماتها المالية، أو مراجعة تعاونها الأمني والقضائي، في حال استمر مسار المحكمة في مساءلة مسؤولين إسرائيليين.
كما كشفت تقارير دبلوماسية أن بعض السفراء الغربيين أعربوا لمسؤولي المحكمة عن "القلق العميق" من تحركات خان، مشيرين إلى أنها قد تُعرّض المحكمة للعزلة، أو تقطع عنها سبل التمويل.
هذه الإجراءات السياسية والمالية، التي اقترنت بتغطية إعلامية مسيّسة في الصحافة الغربية والإسرائيلية، وضعت المحكمة في حالة دفاع مستمرة.
وفي هذا المناخ الضاغط، يبدو أن تنحي خان لم يكن فقط مسألة احترام آليات المساءلة، بل أيضًا محاولة استباقية لحماية المحكمة من مزيد من التصعيد، وتحصين القضايا التي يعمل عليها من التشويش. فالتنحي المؤقت، في هذا السياق، يُفهم أيضًا كخطوة تكتيكية لامتصاص الضغط لا لإقرار التهم، ومحاولة لإبقاء الملفات الحساسة – كملف فلسطين – خارج دوامة الابتزاز السياسي العلني.
اللافت أنّ الدول التي هاجمت خان بسبب ملاحقته مسؤولين إسرائيليين، هي نفسها التي أشادت به عند ملاحقته بوتين. هذه الازدواجية تكشف المعضلة الأساسية: هل يمكن لمحكمة دولية أن تحقق العدالة في عالم تحكمه موازين القوى؟
محطات ساخنة: القضايا التي صعدت بالمحكمة إلى واجهة الصراع الدولي
جاء تنحّي كريم خان في توقيتٍ حسّاس، فيما تشرف المحكمة الجنائيّة الدولية على عددٍ من أبرز القضايا الدوليّة، وعلى رأسها أوكرانيا، فلسطين، والسودان.
في الملف الأوكراني، يواصل فريق خاص متابعة الجرائم المرتكبة منذ الغزو الروسي، بما فيها مذكرة التوقيف الصادرة ضد الرئيس فلاديمير بوتين عام 2023. ورغم أن خان لعب دورًا محوريًا في هذا المسار، فإن العمل القضائي يستمر بقيادة نائبيه، مع احتمالية تأجيل قرارات إستراتيجية إلى حين استقرار القيادة.
أما في الملف الفلسطيني، الذي يُعدّ الأكثر حيوية من الناحية السياسية، فقد بلغ تحرك خان ذروته حين طلب من الدائرة التمهيدية إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، على خلفية الجرائم المرتكبة خلال العدوان على غزة.
هذا التحرك فجّر عاصفة من الضغوط والتهديدات، خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل، في حين أعلنت دول مثل هنغاريا انسحابها من نظام روما احتجاجًا على ما اعتبرته تسييسًا لعمل المحكمة.
لكن خان، ورغم هذا التصعيد، سمع انتقادات من الجانبين: من الحكومات الغربية التي رأت في تحركاته تهديدًا لحلفائها، ومن منظمات حقوقية فلسطينية ودولية اتهمته بالتباطؤ والمماطلة، خاصة في السنوات الأولى من ولايته، حيث امتنع عن إصدار أي مذكرات توقيف رغم تراكم الأدلة ووضوح الجرائم. وقد وُجّه له اللوم بتأجيل العدالة للفلسطينيين، مقارنة بسرعة استجابته في ملف أوكرانيا.
في هذا السياق، يُنظر إلى تنحّيه المؤقت على أنه فرصة قد تستغلها أطراف نافذة لإبطاء التحقيق أو إعادة توجيهه، ما يضع الملف الفلسطيني أمام لحظة اختبار حقيقي لاستقلال المحكمة وجرأتها.
ورغم استمرار عمل المكتب من الناحية المؤسسية، فإن الزخم السياسي والقانوني للملف يبقى مهددًا، ما لم تُثبت المحكمة أن العدالة لا تُفرّق بين الضحايا، مهما كان الجاني.
في السودان، أحيا خان ملف دارفور، وصرّح مطلع عام 2025 بأنه يسعى لمذكرات توقيف جديدة بحق متورطين في فظائع ارتُكبت خلال النزاع المتجدد. وقد يؤدي غيابه إلى تراجع مؤقت في الزخم، لا سيما أن حضوره الشخصي أعاد تسليط الضوء على الجرائم المستمرة. لكن يُتوقّع أن يبقى المسار القضائي قائمًا، وإن بوتيرة أبطأ.
أما بقية القضايا -كأفغانستان، الفلبين، ليبيا، وميانمار- فتمضي في مسارها، بحكم مؤسسية المكتب. لكن غياب خان قد يؤثر على توازن الأولويات، أو يُؤخّر البتّ في ملفات كانت تنتظر تدخله المباشر. ويرى بعض الخبراء أن المرحلة الحالية قد تكون فرصة لترتيب البيت الداخلي في مكتب الادعاء، وضبط بيئة العمل التي أثارت كثيرًا من الجدل في الآونة الأخيرة.
إلى أين تتجه المحكمة بعد خان؟ مسؤوليات المرحلة الانتقالية
يمثّل تنحي كريم خان المؤقت لحظة مفصلية في مسار المحكمة الجنائية الدولية، يكشف من جهة عن التزام المؤسسة بمبدأ المحاسبة الذاتية، ومن جهة أخرى يضع استقلالها في مواجهة اختبار سياسي غير مسبوق.
صحيح أن قرار التنحي أظهر أن لا أحد فوق المساءلة، لكنه أيضًا سلّط الضوء على هشاشة المحكمة أمام الضغوط السياسية، خاصة حين تمسّ قراراتها قادة دول كبرى، وشبكة التحالفات الدولية، خصوصًا مع إسرائيل.
إجرائيًا، لا ينص نظام روما الأساسي بشكل تفصيلي على آلية التعامل مع الغياب المؤقت للمدعي العام، لكن وفق المادة 42 (5)، فإن أحد نائبي المدعي العام يتولى المهام المنوطة به خلال فترات الغياب أو العجز المؤقت. وفي حالة خان، أُعلن أن نائبيه سيتقاسمان المسؤوليات إلى حين صدور نتائج التحقيق، مما يضمن استمرارية العمل المؤسسي وإن بشكل انتقالي.
ما ستؤول إليه التحقيقات سيحدد كثيرًا من ملامح المرحلة المقبلة: فإن ثبتت براءة خان، فستخرج المحكمة أقوى وأكثر مصداقية؛ أما إذا تبيّن أن ضغوطًا خارجية أطاحت به، فسيُطرح السؤال الجوهري حول قدرة العدالة الدولية على الصمود في وجه المصالح السياسية.
في المدى القريب، تقع على عاتق القيادة المؤقتة لمكتب الادعاء مسؤولية كبرى لضمان استمرار العمل بحياد وفاعلية، دون تراجع أو تباطؤ في القضايا المفتوحة.
أما على المدى الأبعد، فقد تدفع هذه الأزمة المحكمة إلى مراجعة منظومتها الداخلية، وتعزيز معايير الشفافية والاستقلال، لتظل وفيّة لمهمتها الأساسية: حماية العدالة من التسييس والانحياز، وإنصاف الضحايا في وجه الإفلات من العقاب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 37 دقائق
- الجزيرة
نتنياهو يسحب وفد التفاوض من الدوحة وحماس تتهمه بخداع العالم
قرر رئيس الوزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادة فريق التفاوض بالدوحة إلى تل أبيب، في حين اتهمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسرائيل بخداع العالم وعدم الجدية في التوصل لاتفاق لوقف الحرب في غزة. وقال مكتب نتنياهو إن "فريق التفاوض رفيع المستوى سيعود إلى إسرائيل للتشاور ويبقى الفريق الفني، وذلك بعد نحو أسبوع من الاتصالات بالدوحة". وأضاف مكتب نتنياهو أن إسرائيل وافقت على مقترح المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف لإعادة المحتجزين بناء على خطة ويتكوف، لكن حماس لا تزال متمسكة برفضه حتى الآن. من جهته قال رئيس الأركان الإسرائيلي أيال زامير إن لدى حماس خيار واحد فقط هو الإفراج عن المحتجزين، متوعدا الحركة بدفع ثمن ما وصفه بتعنتها ومواجهة نيران كثيفة. كما هدد زامير بتوسيع العملية البرية والسيطرة على مناطق وتدمير البنية التحتية لما سماه الإرهاب، مشيرا إلى أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق فإن الجيش الإسرائيلي يعرف كيفية تعديل أنشطته وفقا لذلك وفي أول رد فعل من جانبها، قالت عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة إن "إعادة فريق المفاوضات من الدوحة يؤكد أنه ليس لدى الحكومة خطة حقيقية لوقف الحرب، كما يعني خسارة الأسرى والغرق بوحل غزة ودفْع الجنودِ ثمنا كبيرا". إعلان وأضافت عائلات الأسرى الإسرائيليين في بيان أن غالبية الشعب تؤيد عودة جميع الأسرى حتى لو كان ذلك على حساب وقف القتال في غزة. في حين كشف استطلاع للقناة 13 الإسرائيلية أن 67% من الإسرائيليين يؤيدون صفقة تنهي الحرب وتعيد جميع الأسرى، بينما يرفض 22% فقط من الإسرائيليين صفقة تنهي الحرب. خداع العالم في المقابل، اتهمت حركة حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتضليل الرأي العام العالمي عبر ما وصفته بالتظاهر الكاذب بمشاركة وفد إسرائيلي في مفاوضات الدوحة لا يملك صلاحية التوصل إلى اتفاق، ومن دون الدخول في أية مفاوضات جادة أو حقيقية منذ يوم السبت الماضي. وأضافت حماس في بيان أن تصريحات نتنياهو بشأن إدخال مساعدات إلى قطاع غزة، محاولة لذر الرماد في العيون، وخداع المجتمع الدولي ، حيث لم تدخل أي شاحنة إلى القطاع حتى الآن، بما فيها تلك التي وصلت معبر كرم أبو سالم ولم تتسلّمها أي جهة دولية. وأكدت الحركة أن تصعيد العدوان والقصف المتعمد للبنية التحتية المدنية، وارتكاب المجازر الوحشية يفضح نيات نتنياهو الرافضة لأي تسوية ويكشف تمسّكه بخيار الحرب والدمار. وحملت حماس حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن إفشال مساعي التوصل لاتفاق، في ضوء تصريحات مسؤوليها بعزمهم مواصلة العدوان وتهجير الفلسطينيين من أرضهم. وثمنت الحركة جهود الوسطاء مؤكدة استمرارها في التعامل الإيجابي والمسؤول مع أي مبادرة توقف العدوان. وكان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ، قال في وقت سابق اليوم الثلاثاء إن "قطر تواصل مع مصر والولايات المتحدة جهود التوصل لوقف إطلاق النار بغزة". وأضاف رئيس الوزراء القطري في كلمته أمام منتدى قطر الاقتصادي المنعقد في الدوحة أنه بعد الإفراج عن عيدان ألكسندر ساد اعتقاد بأن ذلك سينهي مأساة غزة لكن الرد كان قصفا عنيفا. إعلان كما كشف عن هوة أساسية بين طرفي المحادثات تحول دون التوصل الى اتفاق في المحادثات الجارية في الدوحة. وردا على سؤال خلال جلسة في منتدى قطر الاقتصادي المنعقد في الدوحة اليوم حول بدء إسرائيل عمليةً برية في مناطق عدة داخل قطاع غزة، شدد رئيس الوزراء القطري، على أن إنهاء حرب إسرائيل على غزة يكون عبر الدبلوماسية. من جانبها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد وقفا لإطلاق النار في غزة، وإفراجا عن جميع الأسرى. وأضافت ليفيت، في مؤتمر صحفي، أن الإدارة الأميركية تتواصل مع طرفي الصراع في غزة، وأن ترامب أوضح لحركة حماس أن عليها إطلاق سراح الأسرى. وفي وقت سابق، قال المبعوث الأميركي للرهائن آدم بولر"إننا نقترب أكثر فأكثر من التوصل إلى اتفاق في غزة"، كما أكد البيت الأبيض ضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، في الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل في العاصمة القطرية الدوحة. ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن بولر قوله إنه "إذا أرادت حماس الحضور وتقديم عرض مشروع وإذا كانت مستعدة للإفراج عن الرهائن فنحن دائما منفتحون على ذلك". وذكرت صحيفة واشنطن بوست، أمس الاثنين، أن الضغوط الأميركية على إسرائيل أصبحت أكثر شدة، حيث حذر مسؤولون مقربون من الرئيس ترامب القيادة الإسرائيلية من أن الولايات المتحدة قد توقف دعمها لتل أبيب إذا لم تنهِ الحرب في قطاع غزة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
رسالة غارقة في الدماء من أميركا
الإبادة الجماعية في غزة ليست أمرًا غريبًا. إنها توضح شيئًا أساسيًا عن الطبيعة البشرية، وهو نذير مرعب للمكان الذي يتجه إليه العالم. يبعد معبر رفح الحدودي إلى غزة، حوالي 200 ميل عن مكاني الحالي في القاهرة. ترقد في الرمال القاحلة لشمال سيناء بمصر نحو 2000 شاحنة، محملة بأكياس الطحين، وخزانات المياه، والطعام المعلّب، والإمدادات الطبية، والأغطية البلاستيكية، والوقود. تقف هذه الشاحنات خاملة تحت الشمس الحارقة. على بعد أميال قليلة في غزة، يُذبح عشرات الرجال والنساء والأطفال يوميًا بالرصاص والقنابل، والغارات الصاروخية، وقذائف الدبابات، والأمراض المعدية، وذلك السلاح الأقدم في الحصار: المجاعة. واحد من كل خمسة أشخاص يواجه خطر المجاعة بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحصار الإسرائيلي على الغذاء والمساعدات الإنسانية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أطلق هجومًا جديدًا يقتل أكثر من 100 شخص يوميًا، أعلن أن لا شيء سيعيق هذه "الضربة النهائية" التي أطلق عليها اسم "عربات جدعون". وقال إنّه "لا يوجد أي سبيل" لوقف الحرب، حتى لو أُعيد الرهائن الإسرائيليون المتبقون. وأضاف: "إسرائيل تدمر المزيد والمزيد من المنازل" في غزة. والفلسطينيون "ليس لديهم مكان يعودون إليه". وفي اجتماع مغلق تم تسريبه مع مشرعين، قال نتنياهو: "النتيجة الحتمية الوحيدة ستكون رغبة الغزيين في الهجرة خارج قطاع غزة. لكن مشكلتنا الرئيسية تكمن في إيجاد دول تقبلهم". لقد تحوّل الشريط الحدودي البالغ طوله تسعة أميال بين مصر وغزة إلى خط فاصل بين الجنوب العالمي والشمال العالمي، خط يقسم بين عالم عنف صناعي وحشي، وصراع يائس يخوضه من تخلّت عنهم الأمم الأغنى. يمثل هذا الخط نهاية عالم تُحترم فيه القوانين الإنسانية، والاتفاقيات التي تحمي المدنيين، وأبسط الحقوق الأساسية. لقد دخلنا كابوس هوبزي (نسبة إلى توماس هوبز)، حيث يسحق الأقوياء الضعفاء، ولا يُستبعد فيه أي فظاعة، حتى الإبادة الجماعية، حيث تعود العرقية البيضاء في الشمال العالمي إلى وحشية استعمارية منفلتة من كل قيد، تكرس قرونًا من النهب والاستغلال. إننا نعود زاحفين إلى أصولنا، الأصول التي لم تغادرنا قط، بل اختبأت خلف وعود جوفاء عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. النازيون هم كبش الفداء المريح لتراثنا الأوروبي والأميركي المشترك من المجازر الجماعية، كما لو أن الإبادات الجماعية التي نفذناها في الأميركتين وأفريقيا والهند لم تحدث قط، مجرد هوامش غير مهمة في تاريخنا الجماعي. في الواقع، الإبادة الجماعية هي عملة الهيمنة الغربية. بين عامي 1490 و1890، كانت الاستعمارية الأوروبية، بما في ذلك أعمال الإبادة الجماعية، مسؤولة عن مقتل ما يصل إلى 100 مليون من السكان الأصليين، وفقًا للمؤرخ ديفيد إي. ستانارد. ومنذ عام 1950، وقعت قرابة عشرين إبادة جماعية، بما في ذلك في بنغلاديش، وكمبوديا، ورواندا. الإبادة الجماعية في غزة ليست استثناء، بل هي جزء من نمط متكرر. إنها نذير لإبادات جماعية قادمة، خاصة مع انهيار المناخ واضطرار مئات الملايين إلى الهرب من الجفاف والحرائق والفيضانات، وتراجع المحاصيل، وانهيار الدول والموت الجماعي. إنها رسالة غارقة في الدماء منّا إلى بقية العالم: لدينا كل شيء، وإذا حاولتم أخذه منا، فسوف نقتلكم. غزة تدفن كذبة التقدم البشري، وتدحض الأسطورة القائلة إننا نتطور أخلاقيًا. وحدها الأدوات تتغير. حيث كنا نضرب الضحايا حتى الموت، أو نمزقهم بالسيوف، نحن اليوم نُسقط قنابل تزن 2000 رطل على مخيمات اللاجئين، نرشّ العائلات بالرصاص من طائرات مسيّرة عسكرية، أو نسحقهم بقذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة والصواريخ. الاشتراكي في القرن التاسع عشر لويس أوغست بلانكي، على عكس معظم معاصريه، رفض الفكرة المحورية لدى هيغل وماركس بأن التاريخ البشري يسير في خط تصاعدي نحو المساواة والأخلاق الأعلى. حذّر من أن هذه "الإيجابية الساذجة" تُستخدم من قبل الظالمين لسحق المظلومين. وقال بلانكي: "جميع فظائع المنتصر، وسلسلة هجماته الطويلة، تتحوّل ببرود إلى تطور دائم وحتمي، كما لو كان تطورًا طبيعيًا. لكن تسلسل الأمور البشريّة ليس حتميًا كالعالم الطبيعي. يمكن تغييره في أي لحظة". وحذّر من أن التقدم العلمي والتكنولوجي، بدل أن يكون دليلًا على التقدم، يمكن أن يتحوّل إلى "سلاح رهيب في يد رأس المال ضد العمل والفكر". وكتب: "الإنسانية لا تقف في مكانها أبدًا. إما أن تتقدم أو تتراجع. إذا تقدمت، تتجه نحو المساواة. وإذا تراجعت، فإنها تمرّ بكل مراحل الامتياز حتى تصل إلى العبودية، الكلمة الأخيرة في حق الملكية". وأضاف: "لست من أولئك الذين يزعمون أن التقدم أمر مفروغ منه، أو أن البشرية لا يمكن أن تتراجع". يُعرف التاريخ الإنساني بفترات طويلة من الجفاف الثقافي والقمع الوحشي. سقوط الإمبراطورية الرومانية أدّى إلى بؤس وقمع في أوروبا خلال العصور المظلمة، من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر. ضاعت المعرفة التقنية، بما في ذلك كيفية بناء وصيانة القنوات المائية. قاد الفقر الثقافي والفكري إلى فقدان جماعي للذاكرة. طُمست أفكار العلماء والفنانين القدماء. ولم تبدأ النهضة إلا في القرن الرابع عشر، وكانت إلى حد كبير بفضل ازدهار الثقافة الإسلامية التي، عبر ترجمة أرسطو للغة العربية وسواها، حفظت حكمة الماضي من الزوال. كان بلانكي يعرف ارتدادات التاريخ المأساوية. شارك في سلسلة من الانتفاضات الفرنسية، منها محاولة تمرد مسلح في مايو/ أيار 1839، وانتفاضة 1848، وكومونة باريس – الانتفاضة الاشتراكية التي سيطرت على العاصمة الفرنسية من 18 مارس/ آذار إلى 28 مايو/ أيار 1871. حاول العمّال في مدن مثل مارسيليا وليون تنظيم كومونات مشابهة، لكنها فشلت قبل أن تُسحق كومونة باريس عسكريًا. نحن ندخل عصرًا مظلمًا جديدًا. لكن هذا العصر المظلم يستخدم أدوات العصر الحديث من مراقبة جماعية، وتعرّف على الوجوه، وذكاء اصطناعي، وطائرات بدون طيار، وشرطة مُعسكرة، وحرمان من الإجراءات القانونية، واعتداء على الحريات المدنية، ليفرض حكمًا تعسفيًا، وحروبًا لا تتوقف- ولا أمان- وفوضى، ورعبًا، وهي السمات المشتركة للعصور المظلمة. الثقة في خرافة "التقدم الإنساني" لإنقاذنا تعني الخضوع للقوة الاستبدادية. وحدها المقاومة – من خلال الحشد الجماهيري، وتعطيل ممارسة السلطة، خاصة في وجه الإبادة الجماعية – قادرة على إنقاذنا. تطلق حملات القتل الجماعي الصفات الوحشية الكامنة في كل البشر. فالمجتمع المنظم، بقوانينه وآدابه وشرطته وسجونه وتنظيماته، هي أدوات قسرية تحاصر هذه الوحشية الكامنة. لكن إذا أزيلت هذه العوائق، يصبح الإنسان- كما نرى مع الإسرائيليين في غزة- حيوانًا قاتلًا مفترسًا، يفرح بنشوة الدمار، حتى لو شمل النساء والأطفال. ليت هذا مجرد افتراض. لكنه ليس كذلك. هذا ما شهدته في كل حرب غطيتها. نادرون من يكونون بمنأى عنه. الملك البلجيكي ليوبولد، في أواخر القرن التاسع عشر، احتل الكونغو باسم "التحضر" و"مكافحة العبودية"، لكنه نهب البلاد، متسببًا بموت نحو 10 ملايين كونغولي نتيجة الأمراض والمجاعة والقتل. جوزيف كونراد التقط هذا التناقض بين ما نحن عليه وما نزعم أننا عليه، في روايته "قلب الظلام" وقصته "موقع للتقدم". في "موقع للتقدم"، يروي قصة تاجرين أوروبيين، كايرتس وكارلييه، أُرسلا إلى الكونغو. يدّعيان أنهما في أفريقيا لنشر الحضارة الأوروبية. لكن الملل، والروتين الخانق، والأهم غياب أي ضوابط خارجية، يحوّلهما إلى وحوش. يتاجران بالعبيد مقابل العاج ويتشاجران على الطعام والمؤن القليلة. في النهاية، يقتل كايرتس رفيقه الأعزل كارلييه. كتب كونراد عن كايرتس وكارلييه: "كانا شخصين تافهين وعاجزين تمامًا، لا تستقيم حياتهما إلا بفضل التنظيم العالي لحشود المجتمعات المتحضرة. قليلون من يدركون أن حياتهم، وجوهر شخصيتهم، وقدراتهم وجرأتهم، ليست سوى تعبير عن إيمانهم بأمان محيطهم. الشجاعة، والاتزان، والثقة؛ المشاعر والمبادئ؛ كل فكرة كبيرة أو تافهة لا تنتمي للفرد، بل للحشد: الحشد الذي يؤمن أعمى بقوة مؤسساته وأخلاقه، بسلطة شرطته ورأيه العام. لكن التماس مع الوحشية الصافية، والطبيعة البدائية والإنسان البدائي، يزرع اضطرابًا عميقًا ومفاجئًا في القلب. فمع شعور المرء بأنه وحيد في نوعه، ومع إدراكه وحدة أفكاره ومشاعره، ومع نفي المألوف الذي يمنحه الأمان، يبرز حضور غير المعتاد -المجهول والخطير- باقتحام يربك الخيال ويختبر أعصاب المتحضّر، أكان ساذجًا أم حكيمًا". لقد فجّرت الإبادة الجماعية في غزة كل الأقنعة التي نخدع بها أنفسنا ونحاول بها خداع الآخرين. تسخر من كل قيمة ندّعي التمسك بها، بما في ذلك حرية التعبير. إنها شهادة على نفاقنا وقسوتنا وعنصريتنا. لا يمكننا، بعد تقديمنا مليارات الدولارات من الأسلحة، واضطهادنا من يعترضون على الإبادة الجماعية، أن نواصل إطلاق مزاعم أخلاقية يمكن أخذها على محمل الجد. من الآن فصاعدًا، ستكون لغتنا هي لغة العنف، ولغة الإبادة، وعواء الوحشية في هذا العصر المظلم الجديد، عصر تجوب فيه الأرض قوة مطلقة، وطمع لا حدود له، وهمجية لا رادع لها.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يفرضان عقوبات جديدة على روسيا
فرض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا اليوم الثلاثاء عقوبات جديدة على روسيا، وسط اتهامات غربية لموسكو برفض المبادرات الرامية لإنهاء الصراع في أوكرانيا. فقد اعتمد الاتحاد الأوروبي اليوم الحزمة الـ17 من العقوبات ضد روسيا، في خطوة هي الأوسع منذ بداية حربها مع أوكرانيا أواخر فبراير/شباط 2022. وتستهدف هذه الحزمة بشكل خاص 200 من سفن "أسطول الظل" الروسي لنقل النفط، بالإضافة إلى فرض عقوبات على شركات النفط، بهدف تقليص عائدات روسيا التي تمول حربها على أوكرانيا. كما فرضت الحزمة الجديدة قيودا على أكثر من 45 شركة وفردا يدعمون الجيش الروسي، بما في ذلك شركات من روسيا والصين وبيلاروسيا وإسرائيل، إضافة إلى إدراج 31 كيانا جديدا ضمن قيود تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج. وقالت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس عبر منصة "إكس" إنه يجري الإعداد لفرض المزيد من العقوبات على روسيا، مضيفة أنه كلما أطالت روسيا أمد الحرب ازداد الرد الأوروبي صرامة. وكانت بروكسل أقرت في فبراير/شباط الماضي الحزمة الـ16 من العقوبات على روسيا، وقد استهدفت أيضا عددا من سفن أسطول الظل الروسي لنقل النفط، بالإضافة إلى حظر على واردات الألمنيوم الروسي إلى الاتحاد الأوروبي. وهدد القادة الأوروبيون روسيا بعقوبات شاملة بسبب ما اعتبروها مماطلة من جانبها في الاستجابة لجهود تسوية الصراع مع أوكرانيا. 100 عقوبة إضافية من جهتها، أعلنت الخارجية البريطانية اليوم الثلاثاء عن 100 عقوبة جديدة ضد روسيا تستهدف "كيانات تدعم الآلة العسكرية الروسية، وصادرات الطاقة، وحرب المعلومات". وقالت الوزارة -في بيان- إن هذه العقوبات تعتبر جزءا من الجهود الدولية الرامية لإحلال سلام دائم في أوكرانيا. وكانت بريطانيا أعلنت أواخر فبراير/شباط الماضي عن فرض أكبر حزمة عقوبات ضد موسكو منذ عام 2022. وشملت تلك الحزمة شخصيات روسية بارزة توصف بأنها موالية للكرملين، والموارد المالية التي تدعم اقتصاد الحرب، وسلاسل إمداد الجيش الروسي. في غضون ذلك، قالت الخارجية الروسية اليوم تعليقا على عقوبات أميركية محتملة إن واشنطن تدرك عدم جدوى الضغط على روسيا. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أجرى محادثات هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ولا يزال يأمل في اتفاق ينهي الحرب فإنه كان هدد الشهر الماضي بفرض عقوبات جديدة على موسكو، كما هد بالانسحاب من الوساطة في حال عدم إحراز تقدم. من جانبها، دعت كييف مرارا إلى فرض عقوبات مشددة على روسيا في حال رفضت مقترحات التسوية، ومنها إرساء وقف لإطلاق النار يمهد لمفاوضات سلام.