
"ريو سيتي" اللبنانية العالمية: القيادة في الصغر كالنقش في الحجر
منذ أن أبصرت النور عام 2010، لم تكن "ريو سيتي" تجربةً عابرة. كانت، منذ البداية، مشروعاً فيه من الحُلم بقدر ما فيه من التخطيط. مدينة كاملة بملامح مصغّرة، تتّسع لبسمة، وتُعيد إلينا المعنى الذي خسرناه: أنّ التربية لا تبدأ بالكلمة، بل بالتجربة.
الرجل لا يكّن عن الإبداع.. الأفكار تومض في عقله الباطني، فيأتينا بابتكار جديد على الدوام.. إنه المهندس اللبناني العالمي بيار معلوف، الشاب الأوسط لـ 6 أشقاء قدّموا للبنان ولدنيا الاغتراب في الولايات المتحدة العديد من الأفكار الحيوية والمشاريع الجديدة الرائدة.
وبينما أسس الأشقاء جورج وميشال وبيار مدينة "ريو لنتو" المائية الأولى من نوعها في لبنان منذ 26 عاماً، جاء إطلاق أول متحف عالمي من "السيليكون" يضم شخصيات معاصرة متحركة وناطقة، ليشكّل حلقة إبداع ضاهت متحفي "تيسو" و"غرافان" العالميين، أعقبه تأسيس وإطلاق مدينة "ريو سيتي" الآنفة الذكر..
ابتكار لبناني نحو العالمية : "ريو سيتي" القيادة في الصغر كالنقش في الحجر! تقرير: عبد الله ذبيان #الميادين @DebianAbdalla pic.twitter.com/TnDMrGvfLgتصوير: حسين شعلان / مونتاج: علي سليم
يضجّ رأس "وزير داخلية" مدينة "ريو سيتي" بيار معلوف، كما يحلو لنا تسميته، بالأفكار الخلّاقة، على الرغم من الوضع الصعب في لبنان، ولسان حاله يقول "امنحونا استقراراً، نعدكم بالعطاء والإبداع"!
في مقابلته مع الميادين نت (شاهدوا الفيديو المرفق)، نلحظ أنّ الرجل الذي أسس لنظم السير والقيادة للكبار والصغار، تبحّر لا بل تمحّص في دراسة قوانين السير في لبنان ودول العالم، من هنا تجده يملك ملفات ودراسات وصوراً حول إشارات المرور والشاخصات، وأماكن وضعها "الخطأ" في لبنان وغيره.
تعاقب أكثر من وزير لبناني على زيارة المدينة الفريدة، فبعد افتتاحها من قبل وزير الداخلية اللبناني الأسبق زياد بارود، أجرى معلوف تجربة عالمية جريئة عام 2014 بحضور وزير السياحة آنذاك فادي عبود تمثّلت بإسقاط سيارة رفعت بواسطة الرافعة من ارتفاع شاهق!
عام 2015 رفدت "ريو سيتي" بأكاديمية نظرية IDA افتتحها وزير الأشغال الأسبق غازي زعيتر عام 2015ـ تحوي أجهزة ومجسّمات، وصفوف تعلّم القيادة ونظمها للكبار والصغار، بما فيهم الشركات الخاصة والبلديات والمؤسسات وغيره.
في "ريو سيتي"، كلّ شيء حقيقي.. الشوارع مرسومة بدقّة، الإشارات موزّعة بعناية، السيارات الذكية تُدار وفق نظام يناسب عمر كلّ طفل. لكن ما يُميّز هذه المدينة حقّاً، ليس الشكل، بل الروح:
روح النظام الجميل، المُقنع، القائم على الفهم لا الفرض، على اللعب لا على التلقين.
الطفل هنا لا يتلقّى أمراً، هو يشارك. يدخل المدينة بفضوله، ويخرج منها بسلوك جديد. يعرف متى يقف، متى يتقدّم، وأين عليه أن ينتظر. كلّ حركة تصبح فعلاً تربوياً، وكلّ إشارة حكاية مصغّرة عن معنى المسؤولية.
يقول القائمون على المشروع إنهم استندوا إلى دراسات علمية دامت 12 سنة في الولايات المتحدة، توصّلت إلى نتيجة حاسمة:
التعليم الفعّال لا يبدأ في عمر الرشد، بل في الطفولة. فما يتعلّمه الطفل وهو يلعب، يبقى فيه أكثر مما يُقال له لاحقاً.
وهذا بالضبط ما تفعله "ريو سيتي":
تدريب الطفل على القيادة، لا من باب المهارة فقط، بل من باب الوعي. تجعله يشعر أنه جزء من مدينة، من نظام، من مسار. وتمنحه، في الوقت نفسه، فسحة ليتصرّف، ليختبر، ليخوض مغامرته الصغيرة بثقة.
ربما أجمل ما في "ريو سيتي" أنها لا ترى في الطفل متلقّياً، بل شريكاً. لا تعامل الطفل كزائر عابر، بل كـ"مواطن صغير" له دور، له مسؤولية، وله حدود.
داخل المدينة، إذا خالف الطفل إشارة مرور، يُوقفه "شرطي صغير" ويشرح له السبب. لا يوجد توبيخ، لا يوجد غرامات. بل حوار، ونقاش، ورسالة تربوية تمرّ بسلاسة من قلب التجربة. هكذا يتحوّل اللعب إلى تمرين مدني. والسيارة الصغيرة إلى مساحة لاختبار الذات. والمسؤولية لا تُفرض عليه، بل تنمو معه، مثل بذرة تُسقى كلما مرّ في شارع جديد.
من يتجوّل داخل "ريو سيتي" يشعر أنه في عالم منمّق، دقيق التفاصيل، لكنه دافئ، غير مغلق.
المدينة مزوّدة بكلّ ما يحتاج إليه الطفل ليشعر بأنه يقود في مدينة حقيقية، لكن بنسخة أكثر حناناً.
· إشارات مرور واقعية.
· ممرات مشاة.
· خطوط توقّف وضباب ومرور.
· سيارات ذكية تُراعي العمر والسرعة.
· شرطة ومراقبون داخل العربات، يتابعون المتدرّب بهدوء، يرافقونه في كلّ جولة.
A post shared by Rio City (@riocitylebanon)والأهمّ أنّ التجربة محاطة بجوّ احتفالي، موسيقي، عائلي، العائلة حاضرة، تتابع، تضحك، وتكتشف أنّ القانون ليس نقيضاً للفرح، بل طريقاً إليه.
كثيراً ما يُطرح سؤال: كيف نُعلّم الأطفال القوانين من دون أن نُثقل عليهم؟
"ريو سيتي" تُجيب ببساطة: علّموهم بالقلب، لا بالرأس فقط. حوّلوا القانون إلى لعبة، اللعبة إلى تجربة، والتجربة إلى عادة. كلّ مشهد هنا يُعبّر عن هذه الفلسفة. طفل يتوقّف عند إشارة حمراء، لا لأن أحداً طلب منه التوقّف، بل لأنه تعلّم أنّ الوقوف احترام.
طفل يبتسم بعد أن ركن سيارته في المكان المخصص، لأنه يشعر بالإنجاز. القانون في هذا المكان ليس ورقة، بل سلوك. ليس خوفاً، بل فخر.
إنها ليست مغامرة صغيرة، بل مشروع "طويل النفس"، يمكن أن يتحوّل إلى سياسة تربوية تُدرج في المناهج، وتُعمَّم على مختلف المناطق.
فالتربية، حين تُصاغ من عمر مبكر، تنتج مجتمعاً أكثر وعياً، وأقلّ ارتباكاً، وكذلك هي قيادة السيارة وفق الأصول منذ نعومة الأظافر.
إشارات المرور لا تُضيء فقط… بل تُنير
في نظرة واحدة إلى الشارع المصغّر، نرى إشارات مرورية أكثر وضوحاً ممّا في جونية أو كورنيش المزرعة. إشارات دمج، منع التفاف، خطوط أرضية، أرصفة مرتفعة، ومسارات واضحة، تتلاقى في تقاطع يحكمه نظام إشارات ضوئية، وكأننا أمام مختبر حيّ لما يجب أن تكون عليه شوارع الدولة.
من وسط ضحكات الأطفال، من بين خطوط المشاة، ومن إشارات المرور الصغيرة التي تحترم نفسها، تُولد فكرة كبيرة:
أننا لا نحتاج إلى المعجزات لنصنع مجتمعاً أجمل. نحتاج فقط إلى أن نُصمّم البيئات التي تحتضن الفطرة، وتُرشدها برفق. في "ريو سيتي"، الإشارة الحمراء ليست وقوفاً فقط، بل احترام.
والسيّارة الصغيرة ليست لعبة، بل مسؤولية. والطفل ليس عابراً في مدينة مؤقتة، بل هو قلب مدينة مستمرة… تبدأ فيه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 20 دقائق
- LBCI
حزب الله ينعى زياد الرحباني: قامة فنية وطنية ومقاومة ستبقى منارة للأجيال
صدر عن العلاقات الإعلامية في حزب الله البيان التالي: " تتقدّم العلاقات الإعلامية في حزب الله بأحرّ التعازي إلى عائلة الفنان الكبير الراحل زياد الرحباني وإلى جميع محبيه في لبنان والعالم العربي، برحيل هذه القامة الفنية الوطنية المقاومة بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالعطاءِ والحبِ والإبداع. لقد جسّد الراحل الكبير، من خلال فنه ومواقفه، نموذجًا للفن الهادف في خدمة الوطن والإنسان، ورسم من على مسرحه الصورة الحقيقية للوطن الذي يحلم به كل إنسان، وطن الوحدة والكرامة والعيش المشترك، فأضحى مصدر إلهامٍ لكل الأحرار في الدفاع عن القضايا العادلة. سيبقى زياد الرحباني بإرثه الذي خلّده منارة أملٍ للأجيال القادمة، تنهل من نبع فنه وفكره لتبني وطنًا حرًا مقاومًا."


LBCI
منذ 3 ساعات
- LBCI
باميلا الكيك بعد وفاة زياد الرحباني: "وداعاً يا نابغة ومبدع لبنان"
عبّرت الممثلة اللبنانية باميلا الكيك عن حزنها جرّاء وفاة الفنان اللبناني الكبير زياد الرحباني. وكتبت باميلا الكيك في منشور عبر حسابها على إكس: "وداعاً يا نابغة ومبدع لبنان". وداعاً يا نابغة ومبدع لبنان 😢 #زياد_الرحباني — Pamela الكيك (@Pamela_ElKik) July 26, 2025


LBCI
منذ 3 ساعات
- LBCI
الكونسرفتوار الوطني نعى زياد الرحباني: قامة فنّية وإنسانيّة ووطنيّة لا يكرّرها الزمن
نعت رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى الدكتورة هبة القوّاس، وأعضاء مجلس الإدارة، وأعضاء الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية، وأعضاء الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق - عربية، والهيئتان الإدارية والتعليمية، وأسرة الكونسرفتوار الوطني، القامة الفنية الموسيقية الكبيرة زياد الرحباني. ويتقدّم المعهد الوطني ببالغ الحزن، من السيدة فيروز وعائلة الراحل الكبير ومن جميع اللبنانيين بأحرّ التعازي والمواساة، لأن العزاء بزياد واحد عند كل محبيه وعارفيه وجمهوره الذي تخطى حدود الوطن والجغرافيا الفنية. وهو من أرسى بمسيرته الثريّة نهجًا فنّيًا مختلفًا واستثنائيًا، وكرّس هويّةً فنية وبصمة لا تشبه سواه. فلمعت عبقريته في الموسيقى والمسرح والتأليف والتلحين والكتابة والإذاعة والظُّرف اللمّاح، الذي أصبح مرجعًا في الكوميديا السوداء متناولًا مواجع الوطن منذ بدايات الحرب اللبنانية وحتى اليوم، والتي أظهرت حدسه العميق ورؤيته الوطنية وبعد نظره في أحداث مصيرية غيّرت وجه لبنان الحديث. وبالرغم من غيابه القسري في السنوات الأخيرة بسبب مرضه، كان الحاضر الدائم في أعماله وموسيقاه وفي الأعمال التي غنّتها والدته وسفيرتنا إلى النجوم السيدة فيروز. ليست خسارة زياد الرحباني أمرًا عابرًا، بل هي خسارة وطنية لا تعوّض، لأنّ فرادته الفنية وتجديده في الموسيقى وتحديثه في الأنماط موسيقيًّا وكلامًا، وشخصيته الكاريزماتية المؤثّرة، وفكره التقدّمي، والقضايا الإنسانية التي تبناها وناضل لأجلها من دون أن تغيّره السنوات ولا المغريات ولا المناصب، جعلت منه نموذجًا إنسانيًّا فنيًّا لا يتكرّر، وصوتًا للمقهورين والمهمّشين، ونشيدًا دائمًا للثورة والأرض والحرية. زياد الرحباني، صوتنا، صوت الوطن، صوت الحرية والشعلة الدائمة الاتّقاد، عزاؤنا أنّ ذكره سيبقى مخلّدًا، فأمثاله من المبدعين العظماء نادرًا ما يجود بهم الزمن... وداعًا. وفي المناسبة الحزينة، كتبت رئيسة الكونسرفتوار على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي النص التالي: "زياد في رحلة النور. صمتت الكلمات وامتد جسر الموسيقى كيفنكتب عن رحيل من لا يرحل؟ كيف نودّع من علّمنا أنّ الموسيقى ليست أصواتًا تُعزف، بل كائنات حيّة من نبض وذاكرة، من حبّ وتمرّد، من صمت أشدّ صخبًا من الصوت؟ زياد… أيها المتمرّد الذي جعل من النغمة بيانًا، ومن اللحن وطنًا، ومن الأغنية مرايا تعكس وجوهنا المخبّأة. ستبقى نهجًا في الفن والفكر، وصوتًا للحقيقة مهما كانت جارحة، وأفقًا موسيقيًّا لا يُحدّ". وتابعت هبة القواس: "هناك من يرحلون ولا يتركون فراغًا... بل كونٌ كامل يتجلّى في حضورهم بالرغم من الغياب، في نبرات الصمت بين جُملهم، في موسيقى تفيض من أرواحهم حتى بعد انطفاء أنفاسهم. زياد، أيها الغائب الحاضر… أيها الموجع الذي صار صوته وجدان أمة وأجيال. في عالمك الجديد أصبحت اللحن والصرخة والابتسامة، والوطن والذاكرة، والحرية... كنتُ أهيّئ لك تكريمًا كبيرًا، حلمتُ أن أراك فيه جالسًا بيننا، تبتسم لتلك الألحان التي نُدين لك بها، مع الكونسرفتوار وأوركستراتنا الوطنية التي كانت ولا تزال تنتظرك. تأجّل الموعد… لكن الوعد لم يتأجّل، وسنُقيمه حتمًا، ولو في حضورك غير المرئي، في بعدك الآخر، لأننا نعلم أنّ موسيقاك ستظلّ تعزف معنا، وستقود بعينيك الخفيتين كل نغمة". وختمت هبة القواس كلمتها، قائلة: "يا ابن فيروز وعبقها، يا أيقونة الحقيقة التي لا تموت… أمّك وعائلتك سيفتقدونك، مُحبّوك سيفتقدونك، أنا سأفتقدك… والموسيقى ستفتقدك أكثر من الجميع. زياد في رحلته إلى النور… سكت الكلام وارتفعت موسيقاه جسرًا أبديًا لا ينكسر".