
نظام الحصص والقرعة في الحج: كيف يُحدد من يحجّ ومن ينتظر؟
Getty Images
الرغبة حاضرة، والقدرة ممكنة، لكن الحظ وحده يفتح باب الحج ضمن نظام الحصص والقرعة.
في كل موسم حج، تتكرر المشاهد ذاتها: آلافٌ يتقدّمون، قلة تقبل، وكثيرون ينتظرون فرصةً أخرى. فرغم الرغبة والقدرة، لا يُتاح للجميع أداء الفريضة، إذ تخضع عملية تنظيم الحج لنظام دولي دقيق يعرف بـ"نظام الحصص".
تُحدّد المملكة العربية السعودية لكل دولة عدداً ثابتاً من الحجاج يُحسب وفق قاعدة "حاج واحد لكل ألف مسلم من السكان"، وذلك بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي.
وداخل دول كثيرة، تُجرى قرعةٌ لاختيار الأسماء المقبولة من بين المتقدمين، وفق معايير عمرية وزمنية تختلف من بلد إلى آخر.
ما قبل النظام: ازدحامٌ بلا سقف عددي
Getty Images
قبل نظام الحصص، الحج كان مفتوحاً بلا قيود عددية، حتى فرضت الكوارث والازدحام الحاجة إلى تنظيم صارم.
حين أُقرّ نظام الحصص رسمياً عام 1987، لم يكن ذلك قراراً إدارياً فحسب، بل استجابة ضرورية لتزايد سكاني في أوساط المسلمين حول العالم، وبالتالي ارتفاع متزايد في أعداد الراغبين بأداء الفريضة. الهدف كان واضحاً: الحد من مخاطر الازدحام والتدافع وضبط موسم الحج ضمن قدرات البنية التحتية المتاحة.
لكن كيف كانت الأمور تُدار قبل هذا النظام؟ وماذا حصل حتى أصبح ضبط الأعداد حاجة ملحة؟
في مقابلة مع بي بي سي عربي، يوضح أحمد الحلبي، المختص بشؤون الحج والعمرة، أن التنظيم لم يكن قائماً على نسب أو أرقام، بل كان مفتوحاً أمام من استطاع إليه سبيلاً.
"في السابق لم تكن هناك نسبةٌ محددة لأعداد الحجاج القادمين إلى مكة كل عام، ولكن مع تزايد الأعداد ومحدودية القدرة الاستيعابية للشعائر المقدسة، كان لا بدَّ من تنظيم لهذه الأعداد"، يقول الحلبي، مضيفًا: "لو عدنا قليلاً للسنوات التي سبقت القرار، لوجدنا أن أعداد الحجاج الذين قدموا تجاوزت المليون. محدودية المساحة هي التي فرضت الحاجة إلى التنظيم. مساحة مشعر منى أقل من 8 كيلومترات، والمستغل منها هو 61% فقط أي أقل من 5 كيلومترات بقليل، وذلك لأن بقية المناطق في منى جغرافيتها صعبة، وهناك حدود شرعية لمشعر منى، ولا يمكن الطلب من الحجاج المكوث خارج هذه المساحة بسبب ضوابط شرعية تتطلب وجودهم هناك في وقت معيَّن لإكمال حجهم".
ومع ازدياد الضغط على المشاعر المقدسة في السبعينيات، بدأت المملكة محاولات لتنظيم الحشود. لكن لم يكن ذلك كافياً لتجنّب الكارثة التي ستأتي لاحقاً.
في صباح يوم العاشر من ذي الحجة، الموافق 2 تموز/يوليو 1990، شهد الحج إحدى أفظع الكوارث في تاريخه الحديث.
داخل نفق المعيصم — نفق مشاة يبلغ طوله نحو 550 متراً ويربط مكة بمنطقة منى — وقع حادث تدافع مروّع.
أثناء توجه الحجاج لأداء شعيرة رمي الجمرات، تسبّب انهيار حاجزٍ على جسر فوق النفق في سقوط عدد من الحجاج، ما أدى إلى إغلاق مخرجه واحتجاز آلاف الأشخاص في داخله.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وتعطل نظام التهوية، تحوّل النفق إلى مصيدة قاتلة، أسفرت عن وفاة 1,426 حاجاً، معظمهم من دول جنوب وجنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان.
يرى الحلبي أن الحادثة كشفت بوضوح حجم الخلل في إدارة الحشود، قائلاً: "الحوادث عادةً تحصل في منطقة الجمرات، والسبب هو غياب التوعية من قبل مكاتب شؤون الحجاج في دولهم. مجموعة من الحجاج يريدون التوجه إلى جسر الجمرات في وقت واحد فتحدث الحوادث. بعدها بدأت عملية تفويج الحجاج، أي تقسيمهم على أفواج لأداء هذا الجزء من المناسك. لم تنظر الحكومة السعودية إلى هذا الأمر من منطلق تنظيمي فقط، بل راعت فيه المذاهب الفقهية للحجاج، وجاء ذلك بعد اجتماعات مع مكاتب الحجاج وهيئات الحج".
السياسة تتسلل إلى تفاصيل التنظيم
Getty Images
إيرانيون يشيّعون جثامين عدد من الحجاج الإيرانيين الذين قضوا في حادث التدافع خلال موسم الحج، وذلك خلال موكب جنائزي في العاصمة طهران، 4 تشرين الأول/أكتوبر 2015.
ومنذ ذلك الحين، بات نظام الحصص أداةً أساسية لإدارة موسم الحج وضمان سلامة الملايين. ورغم أن النظام يُحسب نظرياً بمعادلة بسيطة، فإن الواقع أكثر تعقيداً، إذ تتداخل السياسة والظروف الطارئة مع تفاصيل التنظيم.
في عام 2016، غابت بعثة الحجاج الإيرانيين بالكامل بعد توتر دبلوماسي كبير بين طهران والرياض على خلفية حادثة منى عام 2015، حين تُوفي المئات في تدافعٍ مأساوي قرب الجمرات، من بينهم عددٌ كبير من الإيرانيين. عجز الطرفان عن التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات أدى إلى غياب الإيرانيين عن موسم الحج في ذلك العام.
أما في صيف 2017، فقد تزامنت بداية موسم الحج مع اندلاع أزمة الخليج، وقطع العلاقات بين السعودية وقطر. ورغم إعلان الرياض أن الحصة القطرية محفوظة، فإن غياب البعثة الرسمية القطرية وقيود السفر التي فُرضت عملياً صعبت مشاركة الحجاج القطريين، ما انعكس بتراجع كبير في أعدادهم.
وفي عامي 2020 و2021، واجه موسم الحج ظرفاً استثنائياً تمثل في جائحة فيروس كورونا. ولأول مرة منذ قرون، أُغلقت أبواب الحج أمام الحجاج من خارج المملكة، واقتصر على أعداد محدودة من داخلها، التزاماً بالتدابير الصحية ولمنع تفشي الوباء.
وفي حالات أخرى، تنعكس الأزمات السياسية الداخلية على ترتيبات الحج.
ففي سوريا، وبعد قطع العلاقات بين الرياض ودمشق عام 2012، أُسند تنظيم حصة الحج إلى "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، ما أثار جدلاً سياسياً ودينياً واسعاً حول الجهة المخولة بتمثيل السوريين.
وفي ليبيا، أدى الانقسام بين حكومتين متنافستين إلى إرباك في توحيد القوائم وتوزيع الحصص بين شرق البلاد وغربها.
كيف تُجرى القرعة؟ ومن يُشرف عليها؟
Getty Images
قرعة الحج تُنظم محلياً وفق معايير تختلف بين الدول، كالسن وسنوات الانتظار، وسط التزام بالشروط السعودية.
بمجرد أن تُحدّد المملكة العربية السعودية حصة كل دولة من الحجاج، تنتقل مسؤولية التنفيذ إلى الحكومات والهيئات المحلية في تلك الدول، حيث تختلف الآليات التنظيمية باختلاف الأنظمة والممارسات.
ويوضح أحمد الحلبي أن لكل دولة حرية مطلقة في تنظيم قوائم حجاجها، شرط التزامها بالمعايير السعودية. ويقول: "كل دولة لديها نظام مختلف، ولديها الحرية في تحديد من هم الحجاج من المتقدمين، ولكن يجب على كل حاج أن يكون مستوفياً للشروط. لا يمكن أن يحصل أي شخص على تأشيرة الحج ما لم يكن مستوفياً كافة الاشتراطات المطلوبة، أهمها ارتباطه بهيئة تنظيمية كمكاتب الحج وارتباطه بسكن محدد في المدينة ومكة".
ولتحديد من سيُمنح فرصة أداء الفريضة، تلجأ معظم الدول إلى نظام القرعة. وتختلف طريقة تطبيق هذا النظام من بلد إلى آخر، لكن الهدف يبقى واحدًا: إرساء شكل من العدالة في توزيع الفرص.
ويشرح الحلبي كيف يطبّق هذا النظام في بعض الدول، قائلاً: "نأخذ مثلاً حجاج تركيا، يتم تسجيل الحاج الراغب بأداء الفريضة على موقعٍ تابع لرئاسة الشؤون الدينية. في حال ظهر اسمه في القرعة يمضي في إنجاز أوراقه، وفي حال لم يظهر، يبقى اسمه فيها للسنة المقبلة. ومصر أيضاً تعتمد نظام القرعة منذ زمن".
هكذا، لا يعدّ الحصول على موافقة لأداء الحج مسألة إمكانيات مالية أو لوجستية فقط، بل هو أيضاً مسألة انتظار، ومعايير، ونظم بيروقراطية قد تستمر لسنوات، لا سيما في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة.
في مصر، تشرف وزارة الداخلية على تنظيم قرعة الحج، وتنقل وقائعها على الهواء مباشرة في كل محافظة، وسط حضور رسمي وشعبي يؤكد الشفافية. يشترط على المتقدم ألا يقل عمره عن 25 عاماً، وألا يكون قد أدى الفريضة سابقاً، مع تقديم كشوفات طبية تثبت أهليته الجسدية.
أما في المغرب، فتتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الملف، حيث يفتح باب التسجيل الإلكتروني سنوياً، مع إعطاء الأولوية لمن لم يسبق له الحج خلال السنوات العشر الأخيرة.
في العراق، تشرف الهيئة العليا للحج والعمرة على قرعة إلكترونية تشمل جميع المحافظات. ويُشترط أن يكون المتقدم لم يؤدِ الفريضة سابقاً والأولوية لكبار السن، وتُعتمد قرعة مركزية تُعلن نتائجها عبر الموقع الرسمي، وسط متابعة إعلامية واسعة.
في لبنان، تتولى هيئة شؤون الحج والعمرة تنظيم القرعة من خلال آلية تعتمد معيارين أساسيين: السن، وعدد المواسم السابقة التي لم يحج فيها المتقدم. تعطى الأولوية لمن لم يؤدِ الفريضة منذ عشرين موسماً هجرياً (2004–2024) ، وفي حال عدم اكتمال العدد، تفتح الدفعة تدريجياً لمن لم يحج منذ تسعة عشر موسماً، فثمانية عشر، وهكذا.
أما في إندونيسيا، وهي الدولة ذات الحصة الأكبر عالمياً، فقد يصل الانتظار إلى 15 عاماً أو أكثر بسبب الإقبال الكثيف. وفي إقليم جنوب سولاويزي وحده، قد تمتد قائمة الانتظار حتى 43 عاماً، بحسب حكومية إندونيسية لوسائل إعلام محلية. فرغم نظام التسجيل المبكر والرقابة الإلكترونية، تبقى القوائم طويلة، ما يجعل أداء الفريضة هناك حلماً مؤجلاً لملايين المسلمين.
أما عن دور مكاتب الحج والسياحة الدينية، فيوضح الحلبي: "لا علاقة للمكاتب بتحديد الحصص أو في عملية القرعة. عادةً الهيئات الحكومية للحج في الدول هي من تقوم بالقرعة، ومن يَظهر اسمه فيها يتعامل مع مكتب للحج لتنظيم الأمور اللوجستية من حجوزات وأوراق رسمية وغيرها. كما يكون دورهم توعية الحجاج حول كيفية القيام بمناسك الحج وتدريبهم وتعريف كل مشعر من الشعائر المقدسة لهم".
توسّعاتٌ تفتح نقاشاً جديداً
Getty Images
منذ 2011، توسّع السعودية الحرم لرفع طاقته، وتهدف ضمن رؤية 2030 لاستقبال 30 مليون معتمر و5 ملايين حاج سنوياً.
وفي خضم هذه التحديات، تواصل المملكة العربية السعودية التوسع في البنية التحتية للحرم والمشاعر المقدسة.
منذ العام 2011، ومع بدء التوسعة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد الله، ومروراً باستكمالها في عهد الملك سلمان، زادت القدرة الاستيعابية للحرم إلى أكثر من 1.8 مليون مصل.
يؤكد الحلبي: "عدد الحجاج والمعتمرين يصل إلى 15 مليوناً عام 2025، وفي عام 2030 ضمن رؤية السعودية يصل إلى 30 مليوناً. أما بالنسبة للحجاج، فتسعى المملكة لأن يصل العدد السنوي إلى 5 ملايين حاجٍ عام 2030. جاء رفع العدد السنوي بعد عمليات التوسعة التي لم تنتهِ بعد، وهناك دراسات تقوم بها الجهات المعنية اليوم للمزيد من التوسعات للشعائر المقدسة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 6 أيام
- الوسط
كيف يغيّر اختيار باباوات الفاتيكان ملامح مدنهم الأصلية وتصبح مقاصد سياحية مميزة؟
Getty Images تكتسب الأماكن التي ينحدر منها باباوات الفاتيكان ملامح جديدة بعد اختيارهم لقيادة رأس الكنيسة الكاثوليكية، ومع الإعلان عن اختيار أول بابا أمريكي، هو البابا ليو الرابع عشر، الشهر الجاري، هل تصبح مدينة شيكاغو مرشحة لتصبح منطقة جذب سياحي؟ عندما انطلقت أعمدة الدخان الأبيض في سماء العاصمة الإيطالية روما، الأسبوع الماضي، معلنةً انتخاب البابا الجديد، توجّهت أنظار العالم نحو مدينة الفاتيكان، بيد أن قصة البابا الذي يرأس الكنيسة الكاثوليكية لم تبدأ من ساحة القديس بطرس، بل من مكان بعيد عن ذلك، وفي سابقة تاريخية، تولى منصب البابا شخص أمريكي. خرج البابا ليو الرابع عشر، الذي وُلد على بُعد 4800 ميل في "ساوث سايد" بمدينة شيكاغو، إلى شرفة كاتدرائية القديس بطرس في الثامن من مايو/أيار ليلقي كلمته الأولى أمام حشد يزيد على أربعين ألف شخص. ويقول مايلز باتيندن، محاضر في جامعة أوكسفورد ومتخصص في شؤون الكنيسة الكاثوليكية: "عم الفرح الحشد المجتمع في الساحة، وساد جو من الحماسة، لكن رافقت تلك اللحظات أيضاً شهقات من الدهشة، إذ لم يكن كثيرون يتوقعون اختيار هذا الاسم، وكانت فكرة اختيار بابا أمريكي بعيدة المنال على مدى النصف الثاني من القرن الماضي، ولهذا عمّ شعور بالدهشة". لم تكن الكلمات الأولى التي وجهها البابا ليو للجموع باللغة الإنجليزية، بل اختار أن يتحدث بمزيج من الإيطالية والإسبانية، في لفتة ترمز إلى مسيرته التي امتدت لما يزيد على عشرين عاماً في بيرو، في رمزية على أن هويته تتخطى حدود الوطن الواحد. ويثير ذلك تساؤلاً مهماً: كيف يُشكل موطن البابا الأصلي ملامح قيادته؟ وكيف تتغيّر تلك المواطن في المقابل نتيجةً لتلك العلاقة؟ يقول نيك سبنسر، زميل بارز في مركز "ثيوس" للأبحاث: "لا تنفصم العلاقة بين البابا وموطنه على الإطلاق. فعلى الرغم من كاثوليكية الكنيسة بالمعنى الشامل، إلا أن الباباوات ينحدرون من أماكن بعينها، وتتكوَّن شخصياتهم عبر تجارب محددة". Getty Images تحوّل منزل عائلة البابا يوحنا الثاني متحفاً ومعلماً سياحياً شهيراً كان ذلك واضحاً في شخصية البابا يوحنا بولس الثاني، المولود في مدينة وادوفيتسه البولندية، بحسب قول سبنسر، مضيفاً: "لا يمكن تصور فترة توليه بابا الفاتيكان دون الإقرار بنشأته البولندية وحياته تحت ظل نظامين دكتاتوريين مختلفين في بولندا". تعد وادوفيتسه مدينة صغيرة تقع في جنوب كراكوف، كانت ذات يوم منطقة هادئة ومتعددة الثقافات ضمن إقليم جاليسيا، ولكن بعد اعتلاء البابا يوحنا بولس الثاني الكرسي البابوي، كأول بابا غير إيطالي على كرسي القديس بطرس خلال 455 عاماً، وامتدت فترته من عام 1978 حتى عام 2005، تحولت المدينة إلى مقصد رئيسي للزائرين الكاثوليك. ويقول سبنسر: "في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كانت بولندا بلداً تتسم بطابع كاثوليكي صارم، لكن حقيقة وجود بابا بولندي أشعل الحماسة بشكل كبير"، في انعكاس واضح لتأثير الباباوية على موطن البابا يوحنا بولس الثاني. وفي الوقت الحاضر، يتوافد الزائرون إلى منزل العائلة البسيط الذي وُلد فيه البابا يوحنا بولس الثاني، والذي تحوّل إلى متحف، كما يتوافدون على كنيسة الرعية التي كان يخدم فيها والساحة التي كان يلهو فيها أثناء فترة طفولته. وخلال الفترة بين 1996 و2019، سجل عدد السائحين الدوليين الذين زاروا المتحف زيادة تجاوزت الضعف، وفقاً لدراسات لجنة الجغرافيا الصناعية التابعة للجمعية الجغرافية البولندية، مع تسجيل ذروة ملحوظة في عام 2005، وهو عام وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، وفي عام 2018، احتفى المتحف باستقبال زائره المليون. ويلفت باتيندن إلى أن ذلك يدل على جاذبية المكان، مضيفاً أن "الزيارات الدينية تحتل أهمية كبيرة بالنسبة للكاثوليك، لأنهم يؤمنون بسحر الأشياء المادية، بما في ذلك أجساد ورفات القديسين، والأدوات التي لمسوها. ولهذا السبب يلجأون إلى زيارة مسقط رأس القديس، ليتبرّكوا بقربهم من هذه المقدسات". وعلى الرغم من ذلك، ليست كل مدينة ينحدر منها بابا الفاتيكان تُدرج ضمن دائرة الاحتفاء، فعلى الرغم من شغله منصب رئيس أساقفة بوينس آيرس لأكثر من عشر سنوات، قام البابا فرنسيس، الذي تُوفي في أبريل/نيسان الماضي، بجولات عبر عدة قارات، وزار 68 دولة خلال اثني عشر عاماً من توليه الباباوية، لكنه لم يُقم بزيارة عودة إلى الأرجنتين. Getty Images قصر الباباوات في أفينيون هو أكبر قصر على الطراز القوطي على الإطلاق وسواء أُعتبرت تلك خطوة حيادية في ظل السياسة المتوترة في بلاده، أو إعلاناً صامتاً يهدف إلى التركيزه على الشأن العالمي، فقد كان غيابه ملحوظاً. وعلى النقيض من نشاط الزيارات السياحية في أماكن مثل مدينة وادوفيتسه، لا يزال مسقط رأس البابا فرنسيس حتى الآن موطناً أكثر منه للعبادة. وعلى الرغم من ذلك، أثّرت أصوله الأرجنتينية في كيفية تصوّر الناس له، إذ عُرف البابا فرنسيس بلقب "بابا الشعب"، وهو لقب استمده من نمط حياته المتواضع، وعمله في الأحياء الفقيرة في بوينس آيرس، وتواصله السلس مع عموم الناس، كما ساهمت خلفيته في تعزيز صورة عامة جسدت التواضع، والقرب من الناس، والاهتمام بالطبقة العاملة. وكان لمولد البابا يوحنا بولس الثاني في بولندا تأثير بالغ على رؤيته العالمية، إذ نشأ وعايش فترة حكم نظامين قمعيين: الاحتلال النازي أولاً، ثم النظام الشيوعي المدعوم من الاتحاد السوفيتي ثانياً، كما تميزت فترة باباويته بالتزامه بحقوق الإنسان، وحرية المعتقد، والمقاومة الأخلاقية، وأصبح صوتاً بارزاً ضد الطغيان الشمولي. وخلال زيارة تاريخية إلى بولندا في عام 1979، كان نداءه، "لا تخافوا"، يحمل أثراً عميقاً في نفوس أبناء بلاده، مما ساعد على تحفيز حركة التضامن التي أسهمت في نهاية المطاف في انهيار الحكم الشيوعي. وفي الوقت الذي نجحت فيه مدينة وادوفيتسه في تحويل الورع إلى رحلة دينية، احتفظت أماكن باباوية أخرى بإرث أكثر تميزاً. ففي قرية شاتونوف-دو-باب، وهي قرية تقع في كروم جنوب فرنسا، لا تزال بصمات باباوات العصور الوسطى تظهر جلياً في النبيذ المحلي للمنطقة. ففي مطلع القرن الرابع عشر، شهدت الباباوية انتقالاً مؤقتاً من روما إلى أفينيون في جنوب فرنسا، وهو حدث شكّل تحولاً بارزاً في تاريخ الكنيسة، إذ أقام سبعة باباوات فرنسيين على التوالي في المدينة خلال الفترة من عام 1309 حتى 1377، هرباً من الاضطرابات السياسية في روما وجذباً لنفوذ التاج الفرنسي. ويُطلق غالبا على هذه الفترة اسم "باباوية أفينيون"، إذ شهد البلاط الباباوي ازدهاراً من حيث مظاهر العظمة، ولا يزال إرثها قائماً في قصر الباباوات، وهو حصن قوطي كان في يوم من الأيام مركزاً روحانياً للكنيسة الكاثوليكية، وعلى الرغم ذلك، أثارت تلك الفترة جدلاً واسعاً، ووُجهت لها اتهامات بالفساد وسيطرة فرنسا المفرطة. كان أحد الباباوات، وهو البابا يوحنا الثاني والعشرون، الذي ينحدر من مدينة كاهور جنوب فرنسا، قد أمر ببناء مقر صيفي جديد في قرية مجاورة، تُعرف اليوم باسم شاتونوف-دو-باب، أو "القلعة الجديدة للبابا"، استُخدم هذا القصر كملجأ حصين وضيعة للكروم، مستفيداً من الموقع المرتفع للمنطقة والظروف الملائمة لزراعة الكروم. Getty Images لا يزال النبيذ المُنتَج في شاتونوف دو باب يحمل شعار البابوية على الزجاجات ولا يزال النبيذ المنتج يحمل شعار الباباوية، المتمثل في مفتاحي القديس بطرس المتقابلين والتيجان الباباوية، كما يمكن للسائحين المشاركة في جولات تجمع بين هذا التاريخ الباباوي العريق وتذوق النبيذ المصنوع من كروم تعود إلى قرون مضت. وعقب انتخاب البابا ليو الرابع عشر مؤخراً، تحوّلت أنظار العالم إلى أصوله في مدينة شيكاغو، وكما هو الحال في الولايات المتحدة، أثارت ولاءاته الرياضية جدلاً واسعاً، حيث دارت مناقشات بشأن إذا كان من مشجعي فريق الكابز أم الوايت سوكس (وقد أكد شقيقه أنه من مشجعي الوايت سوكس)، بيد أن الخبراء يشيرون إلى أن مسيرته قد تختلف عن التوقعات التقليدية. ويقول باتيندن: "إنه (البابا الجديد) أمريكي، لكنه قضى الجزء الأكبر من حياته في أمريكا اللاتينية، ومن اللافت أنه لم يتحدث الإنجليزية أثناء تحيته الأولى، ويشير كل ذلك، بحسب وجهة نظري، إلى أنه يحاول الابتعاد عن هويته الأمريكية". ويضيف سبنسر: "فضلاً عن كونه بابا أمريكياً، فإن ليو يُعد بابا بيروفياً بصورة عميقة جداً، ومن المتوقع أن تكون الروح الدولية متأصلة فيه، وسيكون من المثير متابعة إذا كان لهذا الأمر أي أثر ملموس". والسؤال هل ستحتضن شيكاغو مثل هذه اللحظات الروحية؟ سنرى، إذ من المحتمل أن تستجيب رعايا المدينة والجماعات المهاجرة لهذا التركيز الروحي الجديد، وقد يتوافد السائحون يوماً ما على شوارع ساوث سايد، كما يفعلون الآن في مدينة وادوفيتسه البولندية، أو ربما تظل مركزاً هادئاً يُحترم دون تبجيل، كما هو الحال مع مدينة بوينس آيرس الخاصة بالبابا فرنسيس. ويبدو واضحاً أن الصلة التي تربط بين البابا والمكان تبقى لفترة أطول من تلاشي الدخان الأبيض، الذي يعلن اختياره لتولي منصب البابا، هذه الصلة عدسة يُعاد من خلالها تفسير إرث البابا وإعادة تصوّره. فمن ملصقات النبيذ في جنوب فرنسا إلى الرحلات المدرسية في بولندا، تتغير هذه الأماكن بفعل قربها من السلطة، وبحكم وظيفة البابا، وبحضور المؤمنين الباحثين عما هو أكثر من مجرد مسقط رأس هذا البابا.


الوسط
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- الوسط
ليو الرابع عشر: ماذا وراء الأسماء التي يختارها باباوات الفاتيكان بعد انتخابهم؟
Reuters انتُخب الكاردينال روبرت بريفوست بابا للفاتيكان، وسيُعرف باسم البابا ليو الرابع عشر، يُعدّ هذا الرجل، البالغ من العمر 69 عاماً، أول أمريكي يتولى هذا المنصب، وسيقود كاثوليك العالم الذين يبلغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة. وُلد بريفوست في شيكاغو، ويُنظر إليه على أنه مُصلح، إذ عمل لسنوات عديدة مُبشراً في بيرو قبل أن يُعيّن رئيساً للأساقفة هناك. كما يحمل بريفوست الجنسية البيروفية، وعُرف عن شخصيته المودة، إذ عمل مع المجتمعات المهمّشة وساهم في بناء جسور التواصل في الكنيسة. لماذا اختار البابا اسماً مختلفاً؟ أول ما يقوم به البابا الجديد عقب انتخابه، اختيار اسم جديد، أي تغيير اسم معموديته. ويُعد هذا الإجراء جزءاً من تقليد عريق، على الرغم من عدم الالتزام به في بعض الأحيان. لأكثر من 500 عام، استخدم الباباوات أسماءهم الخاصة، ثم تغيّرت هذه الأسماء إلى أسماء رمزية لتبسيطها أو للإشارة إليهم كباباوات سابقين. وعلى مر السنين، اختار الباباوات في الغالب أسماء أسلافهم سواءً المباشرين أو البعيدين، بدافع الاحترام أو الإعجاب، أو للإشارة إلى رغبتهم في السير على خطاهم ومواصلة البابويات التي اعتبروها مهمة. على سبيل المثال، قال البابا فرنسيس إنه اختار اسمه تكريماً للقديس فرنسيس الأسيزي، وأوضح أنه استلهم هذا الاسم من صديقه البرازيلي الكاردينال كلاوديو هومز. Reuters أبدى الأمريكيون فرحتهم بانتخاب أول بابا من الولايات المتحدة لماذا اختار البابا الجديد "ليو الرابع عشر" إسماً له؟ Reuters لم يُحدد البابا الجديد بعد سبب اختياره لاسم ليو الرابع عشر، لكن العديد من الباباوات على مر السنين استخدموا اسم ليو. إذ كان أول من استخدم الاسم البابا ليو الأول، المعروف أيضاً باسم القديس ليو الكبير، الذي تولى منصب البابا بين عامي 440 و461 ميلادياً. وكان البابا ليو الأول، هو البابا الخامس والأربعين في التاريخ، واشتهر بالتزامه بالسلام. فبحسب الأسطورة، حدثت معجزة ظهور القديسين بطرس وبولس خلال لقاء البابا ليو الأول وملك الهون أتيلا عام 452 ميلادياً، وحينها تراجع الملك عن غزو إيطاليا. وهو ما صورته اللوحة الجدارية للفنان الإيطالي رافاييل في "ستانزا دي رافائيلو" داخل القصر الرسولي في الفاتيكان. من هو أخر بابا اختار اسم ليو؟ Getty Images عُرف الملك ليو الثالث عشر بتفانيه في سبيل العدالة الاجتماعية أما أخر بابا اختار اسم ليو فكان البابا ليو الثالث عشر، وهو البابا الإيطالي فينتشنزو جيواكينو بيتشي. انتُخب ليو الثالث عشر عام 1878، وكان البابا السادس والخمسين بعد المائتين على عرش القديس بطرس، وقاد الكنيسة الكاثوليكية حتى وفاته عام 1903. عُرف البابا ليو الثالث عشر بتكريسه للسياسات والعدالة الاجتماعية، إذ أصدر رسالة عامة بعنوان "Rerum Novarum" - وهي عبارة لاتينية تعني "الجديد". وتضمنت تلك الرسالة مواضيع مثل حقوق العمال والعدالة الاجتماعية. ما هي أشهر الأسماء البابوية استخداماً؟ على الرغم من أن اسم ليو من بين أكثر الأسماء البابوية شيوعاً، إلا أن اسم يوحنا هو الأكثر استخداماً بين الباباوات. وتم اختيار هذا الاسم أول مرة عام 523 من البابا القديس يوحنا الأول. بينما كان آخر بابا يختار هذا الاسم هو الإيطالي أنجيلو جوزيبي رونكالي، الذي انتُخب بابا للفاتيكان وحمل اسم يوحنا الثالث والعشرون عام 1958. وفي عام 2014، أعلن البابا فرنسيس، أن يوحنا الثالث والعشرون يُعدّ قديساً.


الوسط
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- الوسط
انتخاب الأمريكي روبرت فرنسيس بريفوست "الحبر الأعظم" الجديد
Reuters الأمريكي روبرت فرنسيس بريفوست "الحبر الأعظم الجديد" اختار الكرادلة المنتخبون بابا جديداً هو الأمريكي روبرت فرنسيس بريفوست، الذي اختار الاسم الجديد "ليو الرابع عشر" وذلك بعد ظهور الدخان الأبيض في إشارة إلى انتهاء عملية التصويت. البابا الجديد مولود في شيكاغو، وكان مساعداً مقرباً من البابا الراحل فرنسيس. ويعرف في أوساط حكومة الفاتيكان بأنه "شخصية معتدلة" قادرة على التوفيق بين وجهات النظر المتباينة. وظهر البابا الجديد على الشرفة المطلة على ساحة القديس بطرس خلال الساعة القادمة، خليفةً للبابا فرنسيس، الذي توفي عن عمر ناهز 88 عاماً. وأكد كبير الكرادلة القرار قريباً بعبارة "Habemus Papam" - وهي كلمة لاتينية تعني "لدينا بابا" - ويُعرّف البابا الجديد باسمه البابوي المختار. ماذا حدث؟ Reuters الحشود في انتظار ظهور البابا الجديد في ساحة القديس بطرس توجهت أنظار العالم إلى الشرفة لرؤية البابا المنتخب من شرفة بازيليك القديس بطرس، بعد أن توجه إلى السكرستيا أو كما تسمى "غرفة الدموع"، حيث خلع حُلّة الكاردينال وارتدي واحدة من ثلاث حُلل بيضاء كانت أُعدّت مسبقاً ثم صلى لبضع دقائق. ثم عاد إلى كنيسة سيستين، وجلس على الكرسي البابوي وبدأ طقوس مختصرة استهلها الكاردينال الأول من رتبة الأساقفة بكلمة ترحيب، عقبه الكاردينال الأول من رتبة الكهنة، الذي تلا مقطعاً من الإنجيل، غالباً يكون: "أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي"، أو مقطع: "ارع خرافي". ثم تلى الكاردينال دومينيك مامبيرتي صلاة من أجل خليفة بطرس الجديد، بعد ذلك، وتقدم الكرادلة الواحد تلو الآخر بحسب ترتيبهم، ليعربوا عن ولائهم وطاعتهم للبابا المنتخب، واختتم هذا الطقس بإنشاد جماعي لنشيد الشكر الـ "Te Deum"، يبدأ بتلاوته الحبر الأعظم الجديد نفسه. ثم توجه بعدها الكاردينال مامبيرتي، إلى شرفة البركات وخاطب الجموع المحتشدة والعالم بأسره بالعبارة الشهيرة: "أبشّركم بفرح عظيم: لدينا حبر أعظم"، في غضون ذلك، توجه البابا الجديد إلى بازيليك القديس بطرس، وتوقف للحظات في صلاة صامتة أمام القربان الأقدس، قبل أن يتوجّه إلى الشرفة، ويُلقي كلمته الأولى، ثم يمنح بركته الرسولية الأولى إلى مدينة روما والعالم. "يُنظر إلى البابا ليو على أنه شخصٌ قادرٌ على بناء جسورٍ بين مختلف العوالم" عليم مقبول، محرر الشؤون الدينية في بي بي سي، من الفاتيكان يفيد بأن كان هناك حديثٌ عن أن الكرادلة رأوا أن البابا الجديد يجب أن يكون شخصاً يُواصل إرث البابا فرنسيس في التواصل مع المهمشين، وأن يجمع معه أيضاً طيفاً واسعاً من أعضاء الكنيسة، بمن فيهم أولئك الذين كان البابا فرنسيس على خلافٍ معهم أحياناً. عند بدء المجمع المغلق، اعتبر المراقبون الكاردينال روبرت بريفوست مرشحاً قادراً على أداء هذا الدور - شخصاً يُمكن أن يكون جسراً بين مختلف العوالم. إن حقيقة أن المجمع المغلق توصل إلى قرار في أربع جولات تصويت فقط تُشير إلى موافقة الكرادلة على هذا التصويت.