
إطلالة على اليوم العالمي للمسرح
بدأ المسرح طقسا شعائريا روحيا من خلال الشعر وقرر أنّ تكون إرهاصاته الأولى من خلال التراجيديا ذلك السؤال الأزلي الذي بعثه أساطين وعظماء المسرح كـ أسخيليوس وسوفو كليس وأرستو فانيس برفقة الجوقة وجسدوا أدواره ثم غادروا جميعا، حتى جاءت الكوميديا التي أعلنت عن نفسها كحالة تتويج فاخر لديمقراطية المسرح ومعادل موضوعي للرد على الغارة والحقيقة الأولى، وبالتالي ارتبط الشعر بالمسرح وفق ثنائية تأريخية مشهورة وتحديدا على صعيد الكتابة والناظر لهذه العلاقة يجدها ماثلة في كثير من الأعمال الخالدة على أنّه من المؤكد بأن الرهان الذي اتفقا عليه كلا المسارين كان على تعظيم الإله وتقديم القرابين التي كانوا يعتقدونها وما صاحبها من طقوس وممارسات أسطورية خالدة.
أبو الفنون "واحد" واسألوا بقية الفنون السبعة عن ذلك وعن هذا الرقي وكيف حدث مذ لحظة المحاكاة الأولى مرورا بالفراعنة والإغريق والرومان والهنود والعصور الوسطى حتى هذا اليوم الذي مازال يحمل على عاتقه هذه "الأبوة" الحانية ويقدم جميل عطفه ومساعدته واستضافته الفاخرة لهذه الفنون التي تدين بفضل كبير له في أيامها العالمية له التي يكون فيها الرقم الثابت في الحالة الفرجوية المقدمة. إذن ليس المسرح وحده الذي يحتفي بيومه العالمي لكنه الوحيد الذي يتربع على قمة الأيام الاحتفالية العالمية المخصصة للفنون ومن كان عنده شك في ذلك فليبحث عن سبب هذه الفرادة والتسمية الخالدة بـ "أبي الفنون" والمعمار الجمالي الذي رافق هذه الرحلة الطويلة.. وأظن بأن المسرحيين هم الأكثر حضوراً في مهرجاناتهم ولقاءاتهم وأكثرهم حباً لـ يومهم وتقليدهم المسرحي السنوي، هذا الحضور تجده مختلفاً في طرّح الرؤى وفي الاشتغال على القضايا واستنطاق المخبوء المضمر وبما يتصل بها من ممارسات طقوسية ودراسات وأبحاث في المسألة المسرحية بشكل عام بدليل ما يكون في التجمعات الاحتفالية والصالات المسرحية التي تحتضن الكثير من هذه الممارسات الاحتفائية والعروض المسرحية، غير أنّ ما قد يهدد مستقبلا هذه الحميمية التي بين المسرح والإنسان ظهور الذكاء الاصطناعي القادم بقوة في مضمار الفنون بعامة والمسرح بخاصة وربما يؤسس لصورة جديدة للحالة المسرحية فرجويا بما يحمله من رؤى واستشراف لم نعهدها من قبل!
أكثر من ستين عاماً وهذا العرس السنوي يقدم في القاعات المسرحية والفضاءات المفتوحة وحيث ما يكون للمسرح حضوره المتفرد، ولذلك كان قرار الاحتفال الأول في 1962م من خلال المعهد الدولي للمسرح (ITI) وتحديدا حينما كلف الفرنسي جان كوكتو بالكلمة الأولى وصولا للمخرج المسرحي اليوناني "تروزوبولوس" في هذا العام 2025 م وما بين البداية واللحظة الآنية شارك العرب في كتابة هذا التقليد الحولي لخمس مرات مختلفة التاريخ والجغرافيا بدأه المسرحي السوري القدير سعد الله ونوس في 1996،فـالمصرية الفنانة فتحية العسّال في 2005 مروراً بـ سلطان المسرح الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة في 2007م وصولاً لسيدة المسرح العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب عام 2023 وهذا الحضور العربي مقنع وفقا للنسبة والتناسب ولم يكن ذلك من باب المصادفة أو العطف بل يعود الأمر فيه لاعتبارات موضوعية وقدرات كبيرة للفنان المسرحي العربي يستدعي تبريرها الشيء الكثير والتاريخ الممّتد لأهمية المسرح العربي ومشواره الطويل، وأرجو أن تتاح الفرصة لكتّاب المسرح السعودي وفنانيه والمهتمين بالحراك المسرحي لتدوين ونقش كلمة المسرح في دوراته القادمة فهم قادرين على ذلك باعتبار التاريخ لوطني العظيم والمنجز والمكانة والحضور المختلف "وبالتأكيد "في بني عمي رماح.
*كاتب ومخرج مسرحي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
٢٩-٠٣-٢٠٢٥
- الرياض
إطلالة على اليوم العالمي للمسرح
بدأ المسرح طقسا شعائريا روحيا من خلال الشعر وقرر أنّ تكون إرهاصاته الأولى من خلال التراجيديا ذلك السؤال الأزلي الذي بعثه أساطين وعظماء المسرح كـ أسخيليوس وسوفو كليس وأرستو فانيس برفقة الجوقة وجسدوا أدواره ثم غادروا جميعا، حتى جاءت الكوميديا التي أعلنت عن نفسها كحالة تتويج فاخر لديمقراطية المسرح ومعادل موضوعي للرد على الغارة والحقيقة الأولى، وبالتالي ارتبط الشعر بالمسرح وفق ثنائية تأريخية مشهورة وتحديدا على صعيد الكتابة والناظر لهذه العلاقة يجدها ماثلة في كثير من الأعمال الخالدة على أنّه من المؤكد بأن الرهان الذي اتفقا عليه كلا المسارين كان على تعظيم الإله وتقديم القرابين التي كانوا يعتقدونها وما صاحبها من طقوس وممارسات أسطورية خالدة. أبو الفنون "واحد" واسألوا بقية الفنون السبعة عن ذلك وعن هذا الرقي وكيف حدث مذ لحظة المحاكاة الأولى مرورا بالفراعنة والإغريق والرومان والهنود والعصور الوسطى حتى هذا اليوم الذي مازال يحمل على عاتقه هذه "الأبوة" الحانية ويقدم جميل عطفه ومساعدته واستضافته الفاخرة لهذه الفنون التي تدين بفضل كبير له في أيامها العالمية له التي يكون فيها الرقم الثابت في الحالة الفرجوية المقدمة. إذن ليس المسرح وحده الذي يحتفي بيومه العالمي لكنه الوحيد الذي يتربع على قمة الأيام الاحتفالية العالمية المخصصة للفنون ومن كان عنده شك في ذلك فليبحث عن سبب هذه الفرادة والتسمية الخالدة بـ "أبي الفنون" والمعمار الجمالي الذي رافق هذه الرحلة الطويلة.. وأظن بأن المسرحيين هم الأكثر حضوراً في مهرجاناتهم ولقاءاتهم وأكثرهم حباً لـ يومهم وتقليدهم المسرحي السنوي، هذا الحضور تجده مختلفاً في طرّح الرؤى وفي الاشتغال على القضايا واستنطاق المخبوء المضمر وبما يتصل بها من ممارسات طقوسية ودراسات وأبحاث في المسألة المسرحية بشكل عام بدليل ما يكون في التجمعات الاحتفالية والصالات المسرحية التي تحتضن الكثير من هذه الممارسات الاحتفائية والعروض المسرحية، غير أنّ ما قد يهدد مستقبلا هذه الحميمية التي بين المسرح والإنسان ظهور الذكاء الاصطناعي القادم بقوة في مضمار الفنون بعامة والمسرح بخاصة وربما يؤسس لصورة جديدة للحالة المسرحية فرجويا بما يحمله من رؤى واستشراف لم نعهدها من قبل! أكثر من ستين عاماً وهذا العرس السنوي يقدم في القاعات المسرحية والفضاءات المفتوحة وحيث ما يكون للمسرح حضوره المتفرد، ولذلك كان قرار الاحتفال الأول في 1962م من خلال المعهد الدولي للمسرح (ITI) وتحديدا حينما كلف الفرنسي جان كوكتو بالكلمة الأولى وصولا للمخرج المسرحي اليوناني "تروزوبولوس" في هذا العام 2025 م وما بين البداية واللحظة الآنية شارك العرب في كتابة هذا التقليد الحولي لخمس مرات مختلفة التاريخ والجغرافيا بدأه المسرحي السوري القدير سعد الله ونوس في 1996،فـالمصرية الفنانة فتحية العسّال في 2005 مروراً بـ سلطان المسرح الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة في 2007م وصولاً لسيدة المسرح العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب عام 2023 وهذا الحضور العربي مقنع وفقا للنسبة والتناسب ولم يكن ذلك من باب المصادفة أو العطف بل يعود الأمر فيه لاعتبارات موضوعية وقدرات كبيرة للفنان المسرحي العربي يستدعي تبريرها الشيء الكثير والتاريخ الممّتد لأهمية المسرح العربي ومشواره الطويل، وأرجو أن تتاح الفرصة لكتّاب المسرح السعودي وفنانيه والمهتمين بالحراك المسرحي لتدوين ونقش كلمة المسرح في دوراته القادمة فهم قادرين على ذلك باعتبار التاريخ لوطني العظيم والمنجز والمكانة والحضور المختلف "وبالتأكيد "في بني عمي رماح. *كاتب ومخرج مسرحي

سعورس
٢٩-٠٣-٢٠٢٥
- سعورس
إطلالة على اليوم العالمي للمسرح
* أبو الفنون "واحد" واسألوا بقية الفنون السبعة عن ذلك وعن هذا الرقي وكيف حدث مذ لحظة المحاكاة الأولى مرورا بالفراعنة والإغريق والرومان والهنود والعصور الوسطى حتى هذا اليوم الذي مازال يحمل على عاتقه هذه "الأبوة" الحانية ويقدم جميل عطفه ومساعدته واستضافته الفاخرة لهذه الفنون التي تدين بفضل كبير له في أيامها العالمية له التي يكون فيها الرقم الثابت في الحالة الفرجوية المقدمة. إذن ليس المسرح وحده الذي يحتفي بيومه العالمي لكنه الوحيد الذي يتربع على قمة الأيام الاحتفالية العالمية المخصصة للفنون ومن كان عنده شك في ذلك فليبحث عن سبب هذه الفرادة والتسمية الخالدة ب "أبي الفنون" والمعمار الجمالي الذي رافق هذه الرحلة الطويلة.. وأظن بأن المسرحيين هم الأكثر حضوراً في مهرجاناتهم ولقاءاتهم وأكثرهم حباً ل يومهم وتقليدهم المسرحي السنوي، هذا الحضور تجده مختلفاً في طرّح الرؤى وفي الاشتغال على القضايا واستنطاق المخبوء المضمر وبما يتصل بها من ممارسات طقوسية ودراسات وأبحاث في المسألة المسرحية بشكل عام بدليل ما يكون في التجمعات الاحتفالية والصالات المسرحية التي تحتضن الكثير من هذه الممارسات الاحتفائية والعروض المسرحية، غير أنّ ما قد يهدد مستقبلا هذه الحميمية التي بين المسرح والإنسان ظهور الذكاء الاصطناعي القادم بقوة في مضمار الفنون بعامة والمسرح بخاصة وربما يؤسس لصورة جديدة للحالة المسرحية فرجويا بما يحمله من رؤى واستشراف لم نعهدها من قبل! * أكثر من ستين عاماً وهذا العرس السنوي يقدم في القاعات المسرحية والفضاءات المفتوحة وحيث ما يكون للمسرح حضوره المتفرد، ولذلك كان قرار الاحتفال الأول في 1962م من خلال المعهد الدولي للمسرح (ITI) وتحديدا حينما كلف الفرنسي جان كوكتو بالكلمة الأولى وصولا للمخرج المسرحي اليوناني "تروزوبولوس" في هذا العام 2025 م وما بين البداية واللحظة الآنية شارك العرب في كتابة هذا التقليد الحولي لخمس مرات مختلفة التاريخ والجغرافيا بدأه المسرحي السوري القدير سعد الله ونوس في 1996،فالمصرية الفنانة فتحية العسّال في 2005 مروراً ب سلطان المسرح الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة في 2007م وصولاً لسيدة المسرح العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب عام 2023 وهذا الحضور العربي مقنع وفقا للنسبة والتناسب ولم يكن ذلك من باب المصادفة أو العطف بل يعود الأمر فيه لاعتبارات موضوعية وقدرات كبيرة للفنان المسرحي العربي يستدعي تبريرها الشيء الكثير والتاريخ الممّتد لأهمية المسرح العربي ومشواره الطويل، وأرجو أن تتاح الفرصة لكتّاب المسرح السعودي وفنانيه والمهتمين بالحراك المسرحي لتدوين ونقش كلمة المسرح في دوراته القادمة فهم قادرين على ذلك باعتبار التاريخ لوطني العظيم والمنجز والمكانة والحضور المختلف "وبالتأكيد "في بني عمي رماح. *كاتب ومخرج مسرحي


Independent عربية
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- Independent عربية
هل يستطيع المسرح أن ينقذ البشر من آفات العصر؟
في هذا اليوم من كل عام يعهد المعهد الدولي إلى كاتب أو مخرج أو ممثل مهمة أن يوجه كلمة في المناسبة توزع على مسارح العالم والمؤسسات والنوادي وكليات الفنون. وهذا العام كتب الرسالة المخرج اليوناني يودوروس تيزوبولوس ووزع المعهد الكلمة مترجمة إلى لغات عدة، والترجمة العربية قام بها الإعلامي والمسرحي التونسي لطفي العربي السنوسي، وهنا نصها. "هل يستطيع المسرح أن يصغي إلى نداء الاستغاثة الذي تطلقه أزمنتنا في عالم يجد فيه المواطنون أنفسهم مفقرين، محبوسين داخل زنازين الواقع الافتراضي ومنغلقين على ذواتهم في عزلة خانقة؟ في عالم يتحول فيه البشر إلى روبوتات تحت وطأة نظام شمولي يقوم على السيطرة من طريق الرقابة والقمع، باسطاً ظله على كل جانب من جوانب الحياة؟ "المعهد الدولي للمسرح" يحتفي باليوم العالمي (صفحة المعهد - فيسبوك) هل يكترث المسرح للدمار البيئي، للاحتباس الحراري، للفقدان الهائل للتنوع البيولوجي، لتلوث المحيطات، لذوبان القمم الجليدية، لزيادة حرائق الغابات والظواهر المناخية المتطرفة؟ هل يمكن للمسرح أن يصبح طرفاً فاعلاً في النظام البيئي؟ لقد راقب المسرح تأثير الإنسان على الكوكب لأعوام طويلة لكنه يجد صعوبة في التعامل مع هذه الأزمة. هل يشعر المسرح بالقلق إزاء الوضع الإنساني كما يتشكل خلال القرن الـ21، حين يصبح المواطن لعبة تحركها المصالح السياسية والاقتصادية، وشبكات الإعلام وشركات صناعة الرأي العام؟ حين تتحول وسائل التواصل الاجتماعي، على رغم دورها الكبير في تسهيل التواصل، إلى ذريعة قوية للابتعاد، فهي تمنحنا مسافة الأمان المطلوبة بيننا وبين الآخر؟ إن شعور الخوف من الآخر المختلف والغريب يسيطر على أفكارنا ويوجه أفعالنا. هل يمكن أن يصبح المسرح مختبراً للتعايش بين الاختلافات من دون أن يتجاهل الجراح النازفة؟ الاحفتاء في مراكش (صفحة المسرح المغربي - فيسبوك) إن الجراح النازفة تدعونا إلى إعادة بناء الأسطورة. وكما قال هاينر مولر "الأسطورة هي التراكم، آلة يمكن دائماً ربط آلات جديدة ومختلفة بها. إنها تنقل الطاقة حتى يصل التسارع المتزايد إلى تفجير دائرة الحضارة" وأضيف إلى ذلك، دائرة الوحشية. هل يمكن لأضواء المسرح أن تسلط الضوء على الجراح الاجتماعية، بدلاً من تسليط الضوء على المسرح بصورة مضللة؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) إنها أسئلة لا تقبل إجابات نهائية، لأن المسرح يستمر في الوجود بفضل الأسئلة التي تظل بلا إجابات. أسئلة آثارها ديونيزوس وهو يعبر مكان مولده، أوركسترا المسرح الإغريقي القديم، ليواصل رحلته الصامتة كلاجئ عبر مشاهد الحروب، اليوم، في اليوم العالمي للمسرح.لننظر في عيني ديونيزوس إله المسرح والأسطورة المنتشي الذي يوحد الماضي والحاضر والمستقبل معاً، ابن الولادتين، ابن زيوس وسيميلي، رمز الهويات المرنة الأنثوية والذكورية، الغاضبة والوديعة، الإلهية والحيوانية، المتأرجح على حافة الجنون والعقل، بين النظام والفوضى، البهلوان الراقص على الخط الفاصل بين الحياة والموت. ويطرح ديونيزوس السؤال الوجودي الجوهري "ما معنى كل هذا؟" سؤال يدفع المبدع نحو بحث أعمق في جذور الأسطورة وأبعاد اللغز الإنساني المتعددة. نحن في حاجة إلى أساليب سردية جديدة تهدف إلى إحياء الذاكرة وصياغة مسؤولية أخلاقية وسياسية جديدة، للخروج من الديكتاتورية متعددة الأوجه لعصور الظلمات الحديثة".