رضا هلال يكتب: من الاتفاق إلى الإجلاء.. سياسة الرسول ﷺ في مواجهة أطماع اليهود
فأبرم وثيقة المدينة، التي عُرفت بـ صحيفة المدينة، وهي دستور مدني متقدّم أقرّ لليهود بحقوقهم الدينية والاقتصادية، وجعلهم جزءًا من الجبهة الداخلية للدفاع عن المدينة، بشرط الالتزام بعدم الخيانة أو موالاة الأعداء.
لكن التاريخ سجّل أن أطماع اليهود في النفوذ والسيطرة لم تنقطع، وأنهم سرعان ما نقضوا العهود واحدًا تلو الآخر، وكان تعامل النبي ﷺ معهم قائمًا على قاعدة قرآنية راسخة، الوفاء مع من وفى، والحزم مع من غدر.
بنو قينقاع كانوا أول من خان العهد، بعد غزوة بدر مباشرة، حين اعتدوا على امرأة مسلمة في سوقهم، فصاحت مستغيثة، فقتل مسلمٌ أحد اليهود، فاجتمعوا على قتله، فجاء الرد النبوي حاسمًا: حصار استمر خمسة عشر يومًا انتهى باستسلامهم وإجلائهم عن المدينة، تطبيقًا لحق الدولة في حفظ الأمن.
أما بنو النضير، فكانت خيانتهم أخطر، إذ تآمروا على اغتيال النبي ﷺ أثناء زيارته لهم لطلب المساعدة في دية قتيلين، فأوحى الله إليه بما دبّروه، فعاد إلى المدينة وأمرهم بالخروج.
رفضوا الامتثال، فتحصنوا في حصونهم، فحاصرهم المسلمون حتى سلّموا وخرجوا، تاركين وراءهم نخيلهم وأراضيهم. وقد خلّد القرآن هذه الحادثة في سورة الحشر {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ…} [الحشر: 2]
ثم جاء غدر بني قريظة في أحلك لحظات الخطر، أثناء غزوة الأحزاب، حين انضموا إلى قريش وغطفان لاقتحام المدينة من الداخل.
هذا الموقف كاد أن يقلب موازين المعركة، لكن الله رد كيد الأحزاب. وبعد انقشاع الخطر، حوصروا حتى استسلموا، فارتضوا حكم سعد بن معاذ، الذي قضى بقتل المقاتلين وسبي الذرية، وهو حكم يوافق شريعة العهد القديم التي يؤمنون بها هم أنفسهم.
لقد أظهر النبي ﷺ في هذه المواقف ثلاث رسائل واضحة، أهمها أن السلام أساس العلاقة فمن التزم العهد عاش آمنًا، والخيانة لا تُترك بلا رد لأن التهاون فيها يفتح باب الفوضى.
وثالثها أن الحزم ليس غلظة بل حماية وهو ما أكدته الآيات القرآنية من قوله تعالى {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57]
إن هذه السياسة النبوية ليست مجرد أحداث تاريخية، بل هي منهجٌ في إدارة العلاقات الدولية والصراعات الداخلية، فهي تُعلمنا أن العهود والمواثيق لا قيمة لها إن لم تصنها قوة تردع الغادر وتحمي الملتزم. وأن التساهل في الخيانة يفتح الباب لانهيار الأمن، بينما الحزم المدروس يعيد التوازن ويحفظ الاستقرار.
وفي عالم اليوم، حيث تتشابك التحالفات وتكثر الأطماع، نحن أحوج ما نكون إلى قراءة هذه المواقف بعيون واعية، تدرك أن العدل لا ينفصل عن القوة، وأن الحفاظ على السلم يتطلب يقظة دائمة وقدرة على الردع، تمامًا كما فعل رسول الله ﷺ مع من خانوا عهده.
(من أراد الاستزادة فعليه بالطبري وابن هشام «السيرة النبوية» وكتاب لمحمد بن عبد الوهاب العقيل بعنوان يهود المدينة في عهد الرسول ﷺ)، وغيرها من الكتب والمراجع التي أخبرتنا بسمات اليهود وطرق التعامل معهم.
redahelal@gmail.com
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يمني برس
منذ ساعة واحدة
- يمني برس
الرئيس المشاط يعزي الرئيس الباكستاني في ضحايا الفيضانات
بعث فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، برقية عزاء ومواساة إلى رئيس جمهورية باكستان الإسلامية آصف زرداري، في ضحايا الفيضانات والأمطار الغزيرة التي ضربت عدداً من الأقاليم وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى وتضرر البنية التحتية. وعبر الرئيس المشاط في البرقية عن خالص التعازي وصادق المواساة للرئيس زرداري وأسر الضحايا والشعب الباكستاني الشقيق، سائلاً الله تعالى أن يتغمد المتوفين بواسع رحمته، ويمن على الجرحى بالشفاء العاجل، وأن يحفظ باكستان وشعبها من كل سوء ومكروه.


الجمهورية
منذ ساعة واحدة
- الجمهورية
د.عبد الفتاح العواري: الوحدة هي الأمن وسبب أمان المجتمع من أعدائه
وحذر خطيب الأزهر &Search=" target="_blank">الجامع الأزهر من الفرقة، لأن التشتت والتمزق لا يعود بالخير على الأمة ، لأن ديننا الحنيف لا يريد لنا أن نكون فرقاء ولا أحزاب متقطعة الأوصال، إنما يريد أمة وجماعة وصفاً واحداً على قلب رجل واحد، كما يحثنا على الوحدة والاستقامة حتى نكون عصا قوية لا يمكن لأي عدو أن يفكر في كسرها، يقول تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، أمر من الله باتباع الصراط المستقيم ، وليس هناك صراط مستقيم إلا في هدي النبي ﷺ، فلماذا نغفل ولا نتمسك بهذه الوصية يقول ﷺ: (الوحدة رحمة والفرقة عذاب)، فالوحدة هي الأمن وال استقرار والطمأنينة، وهي السبب في أمان المجتمع من أعدائه. وأكد خطيب الأزهر &Search=" target="_blank">الجامع الأزهر على أن يد الله مع الجماعة، كما أن تدبر القرآن الكريم سبب في تحقيق الوحدة لما فيه من الآيات والعبر الدالة على الوحدة، لتعيش الأمة في أمان و استقرار ، وعلى أمة الإسلام أن تتوحد في مبادئها وغايتها وأهدافها، مبينا أن الفرقة استهدفت الأمة الإسلام ية، في الوقت الذي توحدت فيه "أمم الباطل" عسكريًا واقتصاديًا وعسكريًا. وفي ختام الخطبة دعا خطيب الجامع الازهر إلى ضرورة العودة إلى مبادئ الإسلام ، محذرًا من الاستسلام للخوف كما جاء في الآية: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾، لأن التمسك ب الإسلام هو الطريق الوحيد للنجاة و الفلاح في الدنيا والأخرة.


الدستور
منذ 2 ساعات
- الدستور
رئيس القطاع الديني بـ"المتحدة": "مصر قرآن كريم" يرسخ دور مصر كدولة رائدة في التلاوة
قال الدكتور يوسف عامر، رئيس القطاع الديني بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، إن إطلاق تطبيق "مصر قرآن كريم" يأتي في إطار ترسيخ دور مصر التاريخي كدولة رائدة في تلاوة القرآن الكريم وتجويده وحفظه وتفسيره. وأكد الدكتور يوسف عامر، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج ' الستات مايعرفوش يكدبوا' المذاع عبر فضائية 'سي بي سي'، أن التطبيق له الكثير من المميزات، حيث إنه يجمع بين روح الإيمان وأحدث التقنيات الرقمية. وتابع: هذا التطبيق سيكون بمثابة خدمة شاملة ومتكاملة يتم تقديمها للمسلمين في مصر وحول العالم، وتعتبر وسيلة من وسائل حفظ القرآن الكريم التي تكفل الله بها. وواصل: هذا التطبيق سيضمن للدين الإسلامي عدم التحريف، كما أنه سيوفر قراءة صحيحة للقرآن الكريم. وأشار إلى أن التطبيق أدمج خدمة "اسأل دار الإفتاء"، التي تتيح للمستخدمين إرسال أسئلتهم مباشرة إلى دار الإفتاء المصرية وتلقي إجابات موثوقة، مما يساهم في ضبط الفتوى وحماية الناس من الفتاوى الشاذة والمضللة المنتشرة عبر الإنترنت. وأكد: هذا التطبيق يوفر قسمًا متخصصًا لأحكام ومناسك الحج والعمرة يتم تحديثه باستمرار، مما يجعله مرجعًا دينيًا شاملًا يلبي احتياجات الأسرة المسلمة في مختلف جوانب حياتها. واستكمل: أعمل الآن مع فريق عمل ضخم على مشروع مستقبلي يهدف تقديم "المعنى المجمل لآيات القرآن الكريم" بلغة عربية بسيطة وميسرة يفهمها الجميع.