
ترامب يعيد الإمبراطورية.. بوجه ناعم
تاريخ النشر : 2025-05-20 - 11:21 am
د.منذر الحوارات
جاءت فخامة استقبال الرئيس ترامب وهيبته في السعودية وقطر والإمارات، مخالفة تماماً للطريقة الفظة التي يستقبل بها قادة ورؤساء الدول الذين يزورون المكتب البيضاوي، فهناك يتعرضون لشتى أنواع الابتزاز والتعنيف، أما في الخليج، فقد كانت الأناقة والفخامة عنوان اللحظة، من ناحية الشكل على الأقل في انعكاس صارخ للتناقض الجوهري بين ثقافتين، لكن، إذا تعمقنا في تفاصيل الحدث مبتدئين من عنوانه الذي طرحه ترامب، نراه يبشر بعهد جديد ينهي الحروب والمآسي، عنوانه «الاستقرار والاستثمار»، في تجاهل واضح للماضي الأميركي الدموي في المنطقة.
لقد أدركت الولايات المتحدة أهمية المنطقة وحيويتها، منذ الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، فدخلتها تحت عنوان «الاحتواء المزدوج»، ثم عزز الغزو العراقي للكويت وجودها العسكري مع نهاية تلك الحرب، فأطلقت «عاصفة الصحراء» عام 1991، تلتها عملية «ثعلب الصحراء» عام 1998، ثم «حرية العراق» عام 2003، وكل ما تلا ذلك من حملات «الحرب على الإرهاب»، وصولاً إلى «عملية الحارس البحري» التي انتهت قبيل الزيارة، ولا يمكن تجاهل أن الولايات المتحدة كانت منغرسة في معظم الحروب الأهلية العربية التي اندلعت منذ الربيع العربي عام 2011 وحتى اليوم، حوّلت تلك الحروب والصراعات المنطقة إلى مختبر حقيقي للفوضى، وهو ما أدى إلى استنزافها اقتصادياً وتفكيكها سياسياً، برعاية أميركا وحضورها المباشر، ثم فجأة، يقرر ترامب أن هذا الماضي الأميركي ملطخ بالدماء، وأنه أوصل المنطقة إلى هذا الخراب، ليعلن قراره بإعادة تأطيرها وفق عنوانه الخاص، خدمةً لمرحلة أميركية جديدة، دون أي حساب لسيل الدماء والدمار الذي سببه التدخل الأميركي.
لكن، هل يريد ترامب حقا تحويل مصادر الصراع (الدين، الهويات، الفقر) التي ساهمت الولايات المتحدة في تعميقها إلى فرص حقيقية؟ وهل سيحوّل منطقة مسكونة بالقلق، أتعبتها الحروب والموت والتشرد، إلى فضاءٍ للاستقرار والسلام والاستثمار؟ أم أن السيطرة الاقتصادية أصبحت أذكى من القمع العسكري؟ وهل نحن أمام انتقال من الهيمنة الصلبة إلى الهيمنة الناعمة والذكية؟
الواقع أن خطة الهيمنة الأميركية الجديدة تستند إلى «نظرية الليبرالية المؤسسية»، التي تفترض أن التعاون ممكن لكن تحت سقف هيمنة من نوع جديد تتركز فيه المصالح الكبرى بيد الأقوياء، وبالتالي فإن ترامب يفتتح عصرا جديدا في المنطقة والعالم، أركانه الأساسيين أباطرة المال والتكنولوجيا؛ لا يأتي بالدبابات والصواريخ والطائرات، بل بالأسواق والتبادل التجاري؛ لا يفرض لغة جديدة أو نمطاً استهلاكياً معيناً، بل يزرع الخوارزميات؛ لا يرفع أي علم فوق المباني، بل يزرع تطبيقات في كل جهاز، وإلا، كيف يمكن تفسير وجود كل هذا الحشد من أباطرة التقنية والمال ؟ واحد منهم فقط، يمتلك الصواريخ العابرة للفضاء، والعملة المشفرة، ونظاما يخترق خصوصية كل شخص، يتفوق على أي جهاز مخابرات في العالم، ويملك شبكة اتصال عالمية، إنه إيلون ماسك، الذي، بما يملك، أسقط من يد الدول كل مقومات هيبتها: من البنك المركزي إلى السلاح إلى جهاز الأمن.
إن صدق الحدس، فإننا ذاهبون إلى استقطاب عالمي-إقليمي، اقتصادي-تكنولوجي تتركز فيه السيطرة بيد أوليغارشية جديدة، مؤلفة من نخب وشركات ودول، سيزيد هشاشة الدول الفقيرة والضعيفة، بينما الدول التي تملك موارد سيادية واستقراراً أمنياً، فيمكنها أن تكون إحدى منصات وروافع هذا الواقع، ودول الخليج العربي تمتلك هذه المقومات، وبإمكانها دخول هذا النظام العالمي الجديد من بوابته العريضة، أما الدول الفقيرة في المنطقة، فعليها أن تدخل في عملية تكيّف معقدة مع هذا الواقع، إذ لا خيار أمامها سوى إعادة التموضع ضمن أحد احتمالين: إما كشركاء ثانويين، أو كأوراق ضغط.
وهكذا، تطرح عودة ترامب المتأنقة إلى المنطقة تساؤلاً جوهرياً: هل هي محاولة لتصحيح المسار الدموي للولايات المتحدة؟ أم تسوية نهائية لما بقي عالقاً من قضايا الشرق الأوسط؟ إذا تقف المنطقة من جديد على مفترق طرق خطير، مما يعيدنا إلى السؤال الجوهري : ماذا نريد نحن، لا ماذا يريد ترامب؟ فالواضح أنه يسعى إلى «العودة إلى الإمبراطورية بوجه ناعم». أما نحن، فعلينا الإجابة على سؤالنا قبل كل شيء.
أما فيما يتعلق بدول الخليج فقد حررها هاجس «ما بعد النفط» من القيود الأيديولوجية الجامدة، فقررت دخول هذا العالم الجديد من بوابة اللحظة، انطلاقاً من مقولة أساسية ،(إذا كانت النقود المتوفرة حالياً والشحيحة غداً، قادرة على شراء لحظة وموقع مميز في المستقبل، فلمَ لا) كل ذلك على أمل بأنها ستصبح قادرة على تجاوز هزات ما هو آت، عندما تتلاشى مكانة النفط كمحرك للاقتصاد العالمي؟
لقد قامت هذه الدول بعملية تحوط إستراتيجية، في محاولة لوضع أقدامها في المستقبل عبر بوابتين محتملتين: الصين والولايات المتحدة، وكلاهما يبحث عن إمبراطوريته بأسلوب المستقبل المتوقع، ودول الخليج بما تمتلك من أدوات، تحاول الاستفاد من لعبة التحول الكبرى للأستفادة منها والدخول الآمن لمرحلة ما بعد النفط.
تابعو جهينة نيوز على

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جو 24
منذ ساعة واحدة
- جو 24
تحالف المال والسيادة... الخليج يصوغ شرقاً أوسطياً جديداً والكيان الصهيوني خارج الحسابات
أحمد عبدالباسط الرجوب جو 24 : في ظل تحولات جيواستراتيجية واقتصادية عالمية غير مسبوقة، شكّلت الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات (13–16 مايو/أيار 2025) نقطة تحوّل في إعادة تشكيل خارطة النفوذ في الشرق الأوسط. زيارةٌ غاب عنها الكيان الصهيوني بشكل لافت، رغم استمرار الحرب في غزة، ما طرح تساؤلاتٍ عن موقعه في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، في مقابل بروز الخليج كلاعبٍ اقتصادي وسياسي محوري. (1) الخليج مركز الثقل: لماذا تتغير أولويات واشنطن؟ زيارة ترامب لم تكن بروتوكولية، بل حملت رسائل استراتيجية واضحة في اتجاهات عدة: احتواء تداعيات الحرب في غزة من خلال ضغط غير مباشر على الكيان الصهيوني عبر الحلفاء الخليجيين. تمكين دول الخليج من لعب دور الوسيط في المفاوضات الدولية، خصوصاً بين روسيا والغرب. إعادة تعريف التحالفات الأمريكية في المنطقة، بحيث يتحول الخليج إلى الشريك الأول، بدلاً من الاعتماد الأحادي على الكيان الصهيوني. (2) الرسالة الصامتة للكيان الصهيوني: دبلوماسية التجاهل تجاهل ترامب لتل أبيب لم يكن عرضياً، بل فسّرته دوائر دبلوماسية بأنه "صفعة ناعمة" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرافض لوقف الحرب. وتشير تحليلات إلى أن واشنطن تعيد ضبط بوصلة تحالفاتها في المنطقة، مستعيضةً عن التورط في الأزمات الإسرائيلية بتعزيز شراكات اقتصادية واستراتيجية أكثر استقراراً مع دول الخليج. (3) صفقات تريليونية أم أرقام مُضخّمة؟ قراءة في الواقع على الرغم من الإعلان عن صفقات بقيمة 2.1 تريليون دولار، فإن التدقيق في الأرقام يُظهر أن القيمة الفعلية لا تتجاوز 730 مليار دولار، موزعة كما يلي: صفقات عسكرية (250 مليار دولار) أبرزها توريد مقاتلات وأنظمة دفاع جوي للسعودية (142 مليار دولار). دعم القدرات البحرية للإمارات وقطر. استثمارات خليجية في الاقتصاد الأمريكي (180 مليار دولار) موجهة للبنية التحتية، والذكاء الاصطناعي، وشركات التكنولوجيا. مشاريع أمريكية في الخليج (160 مليار دولار) تشمل الطاقة المتجددة والمناطق الاقتصادية، كمدينة "نيوم". مذكرات تفاهم غير ملزمة (140 مليار دولار) الصفقات تعكس تحالف مصالح لا أكثر: الخليج يموّل، وأمريكا تفتح الأسواق والتقنيات، في تبادل يحكمه منطق الربح والمصالح المتبادلة. ويبقى السؤال: هل هذه استثمارات لشراء النفوذ الأمريكي، أم بداية لمرحلة خليجية أكثر استقلالاً عن المحاور التقليدية؟ (4) الخليج على الحبال الدولية: توازن دقيق تلعب دول الخليج دوراً متقدماً في موازنة العلاقات مع القوى الكبرى: أمريكا: شراكة أمنية وتكنولوجية متينة. الصين وروسيا: تعاون استثماري متسارع في الطاقة والبنى التحتية. الورقة الخليجية: تُستخدم للضغط على ملفات مثل حقوق الإنسان والتطبيع، من دون تقديم تنازلات مجانية. هذا التوازن يمنح الخليج موقعاً تفاوضياً غير مسبوق في معادلات السياسة الدولية. (5) ردود الفعل: غضب الكيان الصهيوني وقلق إيراني الكيان الصهيوني: صحف عبرية وصفت الزيارة بأنها "طعنة في الظهر"، بينما دعا محللون نتنياهو إلى مراجعة سياساته. إيران: أدانت الزيارة بوصفها "تحالف خنجر"، معتبرةً أن واشنطن تسعى لتطويق طهران عبر المال الخليجي. الدول العربية: تباين في المواقف بين مرحب (كمصر والعراق)، ومتحفظ (كالأردن)، وسط تنامي القلق من تهميش القضية الفلسطينية. (6) المخاطر والتحديات: ما بعد الوعود اقتصادياً: تراجع أسعار النفط أو أزمات جيوسياسية قد تُجهض الصفقات. سياسياً: ضغوط الكونغرس قد تعرقل صفقات تكنولوجية حساسة. استراتيجياً: أي تفاهم أمريكي–إيراني مستقبلي قد يُربك معادلات الخليج الأمنية. (7) الخلاصة: الخليج يُحدّد مستقبل المنطقة كشفت زيارة ترامب عن مشهد إقليمي جديد تتصدره القوى الخليجية: الخليج لم يعد تابعاً، بل شريكاً مقرِّراً في صياغة السياسات الإقليمية. الكيان الصهيوني خارج الأولويات الأمريكية الحالية، ولو لم يُستبعد كلياً. الدول التقليدية كالأردن ومصر مطالبة بتجديد أدوارها، عبر الاستثمار في الابتكار والدبلوماسية، وإلّا ستُهمّش في النظام الناشئ. في نهاية المطاف، يبدو أن المال الخليجي بات هو البوصلة التي تتحرك على هديها القوى العظمى. أما الكيان الصهيوني، فمضطر لمراجعة حساباته في ظل عزلةٍ متصاعدة. فهل نشهد شرقاً أوسطياً أكثر توازناً، أم مرحلةً جديدة من صراعات النفوذ؟ الخليج يمتلك الإجابة، والزمن سيحكم. باحث ومخطط استراتيجي تابعو الأردن 24 على


العرب اليوم
منذ 2 ساعات
- العرب اليوم
البيت الابيض ينفي صلة ترامب بطائرة قطرية ويؤكد انها مشروع للقوات الجوية
أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض ، كارولين ليفيت، الاثنين، أن الطائرة القطرية التي أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتزامه قبولها هي "مشروع القوات الجوية" وأن ترامب "لا علاقة له بها". ونفت ليفيت التقارير التي تفيد بأن قطر ستهدي إدارة ترامب الطائرة، التي سيتم تعديلها واستخدامها كطائرة رئاسية خلال فترة ولايته الثانية، وفق شبكة "سي إن إن". كما انتقدت وسائل الإعلام ووصفت ما نشرته بـ"التضليل الإعلامي" حول الطائرة. وقالت: "لنكن واضحين تماماً، حكومة قطر، عرضت التبرع بهذه الطائرة للقوات الجوية الأميركية، وسيتم قبول هذا التبرع وفقاً لجميع الالتزامات القانونية والأخلاقية". كذلك أضافت أنه "سيتم تحديث الطائرة وفقاً لأعلى المعايير من قِبل وزارة الدفاع والقوات الجوية الأميركية"، مؤكدة أن "هذه الطائرة ليست تبرعاً شخصياً أو هدية لرئيس الولايات المتحدة، وعلى كل من كتب ذلك الأسبوع الماضي تصحيح أخباره، لأن هذا تبرع لبلدنا وللقوات الجوية الأميركية".


جفرا نيوز
منذ 2 ساعات
- جفرا نيوز
إيران تلقت مقترحا لجولة خامسة من المحادثات النووية
جفرا نيوز - نقلت وسائل إعلام رسمية عن نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي قوله اليوم الثلاثاء إن بلاده تلقت مقترحا لجولة خامسة من المحادثات النووية مع الولايات المتحدة وتدرسه حاليا. كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ذكر قبل أيام أن إبرام اتفاق نووي جديد مع طهران بات قريبا للغاية بعد تقديم مقترح إلى إيران. وأضاف أنه يتعين على الإيرانيين "التحرك بسرعة وإلا سيحدث أمر سيء'. وحذر ترامب طهران مرارا من أنها ستتعرض للقصف وعقوبات قاسية ما لم يتم التوصل إلى تسوية بشأن البرنامج النووي الإيراني. وقال مسؤول إيراني لرويترز إن الجولة المقبلة من المحادثات قد تعقد في مطلع الأسبوع في روما، وإن كان ذلك لم يتأكد بعد. وعلى الرغم من أن المتحدث باسم وزير الخارجية قال إن طهران ستواصل المفاوضات، فإن المحادثات لا تزال على أرض غير صلبة نظرا للخلاف بين إيران والولايات المتحدة بشأن مسألة تخصيب اليورانيوم. وقال مجيد تخت روانجي، وهو نائب آخر لوزير الخارجية الإيراني أمس الاثنين إن المحادثات ستفشل إذا أصرت واشنطن على تخلي إيران عن تخصيب اليورانيوم الذي تقول الولايات المتحدة إنه طريق محتمل لصنع قنابل نووية. وتقول طهران إن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية بحتة. وخلال فترة ولايته الأولى بين 2017 و2021، انسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والقوى العالمية والذي فرض قيودا صارمة على أنشطة تخصيب اليورانيوم في مقابل تخفيف العقوبات الدولية. وأعاد ترامب، الذي وصف اتفاق 2015 بأنه يخدم إيران، فرض عقوبات أمريكية شاملة على طهران التي ردت بزيادة تخصيب اليورانيوم.