logo
الجوع يفتك بحياة الغزيين واستمرار إغلاق المعابر يعمّق المأساة

الجوع يفتك بحياة الغزيين واستمرار إغلاق المعابر يعمّق المأساة

الجزيرةمنذ 7 أيام

غزة- يخوض الآباء والأمهات في قطاع غزة يوميا معركة صامتة لم تعد تتمحور حول الأمان أو التعليم أو الاستقرار، بل أصبحت تدور بالكامل حول إطعام أبنائهم.
فمنذ إغلاق إسرائيل للمعابر بداية مارس/آذار الماضي ومنع دخول المساعدات والمواد الغذائية الأساسية، دخلت غزة مرحلة حادة من انعدام الأمن الغذائي، حيث شحّ الطعام من الأسواق، وتوقفت برامج الإغاثة والمساعدات، وباتت الأسر اليوم تعيش على فتات التكايا التي لم تعد تصل بانتظام.
وأدى منع إدخال الطعام إلى تفاقم حالات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.
بيوت بلا عشاء
داخل مركز إيواء (غربي مدينة غزة) تشكو ميسون حلّس، وهي أم 3 أطفال، من حالة اكتئاب وهزال جسدي أصابتها بسبب شح الطعام، وصعوبة تأمينه لأولادها.
وتقول ميسون للجزيرة نت "ابني الصغير عمره 5 سنوات، منذ 4 شهور ما ذاق لا الحليب ولا البيض، يعاني من هشاشة في أسنانه وتسوس، وصار يتلعثم بالكلام. وهذا كله من نقص التغذية، الاحتلال يمنع دخول الطعام، ونحن ننام بدون عشاء".
ولفتت إلى أن ابنها الأكبر الطالب في الثانوية العامة بحاجة لغذاء يعينه على التركيز، لكنه يضعف يوما بعد آخر، وصار هزيلا ولم يعد يحفظ دروسه ولا يركز، وذكرت أن ابنتها الوسطى تعاني من الأنيميا، مضيفة "كنت قبل الحرب أطعمها حليبا وبيضا ومكسرات، كانت تقوّي دمها شوي، اليوم ما في شيء، حتى الحليب صار حلما".
وبخصوص حالتها، تتابع ميسون شارحة "أنا نفسي ما عدت مثل ما قبل، هذا الوضع أصابني بالاكتئاب والأزمات النفسية، وأثر بشكل شديد على سلوكي مع أولادي وسلوكهم معي، وأيضا أصابني بالدوخة وانخفاض ضغط الدم، وما عدت أقدر أشتغل زي زمان في الغسيل والطبخ وترتيب البيت".
وتحدثت حول كيفية تمضية يومها باحثة عن طعام لأولادها، فتقول "نبدأ ندوّر على وجبة إفطار، لو لقينا شوية خبز يابس أو رز، نحمد ربنا. زمان كانت التكية تجيب الأكل يوميا. الآن قليل، وإذا جاءت مبكرا نفرح، ونعتمد عليها، وتسكت جوع الأولاد".
وذكرت أن أولادها غالبا ما ينامون دون عشاء، وهو ما يمثل مشكلة لابنها الصغير الذي يبكي طول الوقت لأنه تعوّد أن يشرب كأسا من الحليب، أو أكل "ساندويتش من الجبن" وهو أمر مفقود تماما الآن.
قطعة خبز
"أمس شعرتُ أنني سأسقط من شدة الهزال. كنت سأقع، طلبتُ منهم فقط قطعة خبز حاف، وبعدها تحسنت شوي" بهذه الكلمات بدأت وسام السدودي، وهي أم 7 أطفال، حديثها داخل خيمتها في أحد مراكز الإيواء بغزة.
وسام، مثل غيرها من الأمهات في القطاع، لا تبحث عن الرفاهية أو التنوع في الوجبات، كل همها أن تُشبع أبناءها الجائعين. وتقول للجزيرة نت "أولادي يأكلون وجبة واحدة في اليوم. نعتمد على التكية، لكنها صارت نادرا لما تيجي (تأتي) وحين تحضر لا تكفي كل المركز".
وفي الوضع الطبيعي، كانت وسام تخبز يوميا قرابة 40 رغيفا لأسرتها، لكنها توقفت تماما قبل أسبوع بعد نفاد الطحين لديها، مضيفة "الآن لا يوجد لدينا أي خبز". وتكمل "نسينا طعم الخضار واللحمة، الأسعار نار، ومفيش شيء بالسوق أصلا، إحنا بنعيش تجويع حقيقي، صار الوضع أسوأ بكتير، هزال، ودوخة، وقلة تركيز، والأمراض صارت تنتشر بسرعة بسبب ضعف المناعة".
كان صوت نضال حلّس، مدير مركز إيواء يقع داخل مدرسة في حي الرمال الجنوبي، مليئا بالعجز بعدما انتهى من توزيع كمية من العدس على النازحين. ويقول للجزيرة نت "10 قدور كبيرة من العدس، انتهت خلال 10 دقائق فقط، تتخيل؟ كان هناك الكثير من الناس، والأغلبية لم يحصلوا على شيء".
إعلان
وأشار إلى بوابة المدرسة، وقال "الناس تأتي من مناطق بعيدة، وليس فقط من مركزنا، يمشون كيلو واثنين، من أجل لتر عدس لإشباع أولادهم".
وبكثير من الأسى، ذكر نضال أن التكيات أصبحت نادرة وتقلصت بنسبة تصل إلى 90% بسبب عدم توفر المواد الغذائية في الأسواق، بعد أن كانت تأتي لمركز الإيواء بشكل يومي. ويضيف "يأتي الكثير من الناس يريدون الأكل، وليس عندنا ما نعطيهم.. حاليا نغطي فقط 30% من احتياج الناس".
جوع حقيقي
وبحسب مدير مركز الإيواء، فإن غزة دخلت مرحلة الجوع الحقيقي قبل نحو أسبوعين، مع توقف غالبية التكيات عن العمل، ونفاد غالبية البضائع من الأسواق، وارتفاع أسعارها بشكل فاحش.
ويكمل "الهزال ظاهر على الكل، البعض يسقط والبعض يغمى عليه، الوضع الصحي والنفسي صعب، والناس تحضر قبل أفراد التكية بساعتين، ويمكن أن تذهب بدون أن تأخذ أي أكل".
وتقول المؤسسات الإغاثية المحلية والدولية إن مخزونها من الطعام قد نفد بشكل تام، وهو ما دفع برنامج الأغذية العالمي إلى وقف تشغيل مخابز القطاع، كما توقفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) عن توزيع الطحين على العائلات.
ويكشف إبراهيم إرشي مدير برنامج التغذية في مكتب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (آي إتش إتش) أنهم سيتوقفون، اليوم الاثنين، عن توزيع المكملات الغذائية المخصصة للأطفال والحوامل والمرضعات، بعد نفاد المخزون.
ويضيف للجزيرة نت "في السابق كنا نوزع حليبا للأطفال ومواد غذائية أساسية، وعندما نفدت، حاولنا الصمود على الأقل بتوزيع المكملات، لكن حتى هذه نفدت". وتابع "لم نستطع إدخال أي مساعدات جديدة بسبب استمرار إغلاق المعابر".
وحذر إرشي من أن وقف توزيع المكملات الغذائية على الفئات الضعيفة فيه تهديد مباشر لحياة الأطفال. مؤكدا "سوء التغذية صار واقعا يوميا، والأطفال في غزة الآن يواجهون خطرا حقيقيا على صحتهم، بل على حياتهم".
إعلان

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أجنة مشوهة.. هكذا يتسلل رعب الحرب إلى أرحام الأمهات في غزة
أجنة مشوهة.. هكذا يتسلل رعب الحرب إلى أرحام الأمهات في غزة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

أجنة مشوهة.. هكذا يتسلل رعب الحرب إلى أرحام الأمهات في غزة

غزة- إنها الصورة الأولى للجنين الذي تحمله سارة التي تقطن قطاع غزة في أحشائها منذ 6 شهور، تلمع عيناها وهي تنظر في شاشة التصوير التلفزيوني لفحص (الألتراساوند) لتتعرف على جنس طفلها الأول وتتأكد من سلامته. وبينما تمسك الطبيبة الجهاز بيدها وتمسح به فوق بطن سارة، تبدو مرتابة ومتوترة، ثم تضع الجهاز وتخرج لتنادي الطبيب المشرف الذي أعاد الفحص ثانية. وفي حين بدا الطبيبان في حالة مستغربة ويتحدثان معا بالإنجليزية، لم تستطيع سارة تفسير المشهد، ثم تنَّهد الطبيب قبل أن يصارحها قائلا: "إرادة الله شاءت أن تحملي طفلة بلا رأس"، مما حوَّل لهفة سارة لكابوس، وراحت تهز رأسها رافضة تصديق الخبر، وتوسلت للطبيب وهي تذرف دموعها "أمانة يا دكتور لا، أمانة قل لي إنك تمزح"، ثم انهارت وهي تحتضن بطنها وتقول: "حبيبتي يا ماما والله كنت أنتظرك على نار". بلا جماجم سألت الجزيرة نت، وقد حضرت في العيادة النسائية خلال الفحص، الطبيبة عما إذا كان بالإمكان "الإجهاض في هذه الحالات؟"، فقالت "من الناحية الشرعية لا يمكننا إجهاض الحمل إذا كان الطفل حيّا بعد الأسبوع الـ16، لأن الروح تكون قد نفخت في الجنين، إلا إذا كان وجود الجنين يشكل خطرا على الأم". إعلان وتواصل الطبيبة بعد أن تخلع قفازاتها "هذه الحالة الثانية التي تصلنا اليوم للتشوه نفسه، لقد أصبح الأمر مقلقا للغاية". "أطفال بلا جماجم يولدون بوجه كالضفدع" كما يصفهم الأطباء، حيث نشرت وزارة الصحة الفلسطينية صورة الطفلة ملك القانوع التي ولدت بهذا النوع من التشوه. وتواصلت الجزيرة نت مع والدة ملك التي منعتها حالة الانهيار التي تعيشها من الحديث، فقبل ميلادها بساعات علمت أم ملك أن طفلتها بلا جمجمة، ولم يسعفها الوقت لاستيعاب الصدمة فأجرت مباشرة عملية الولادة القيصرية لطفلتها المشوهة، التي تولت الجدة مسؤولية العناية بها، بعد أن رفضت الأم حملها أو النظر إليها أو حتى تغيير ملابسها. ولا تريد الأم لقلبها أن يتعلق بابنتها التي أخبرها الأطباء أنه يفصلها عن الموت أيام، وتقول الجدة للجزيرة نت: "لم تفتح ملك عينيها، ولم تر النور أو وجه أمها، وليس بمقدورها الرضاعة، فهي بلا فك، وأسقيها الحليب عبر أنابيب موصولة في الأنف". وتعتقد الجدة أنَّ تشوه الطفلة يعود لاستنشاق أمها كمية كبيرة من الغازات المنبعثة من الفسفور الأبيض الذي ألقته إسرائيل بكثافة حيث يقطنون في شمال قطاع غزة، كما لم تتمكن الأم من إجراء الفحوصات الروتينية نظرا لخروج المشافي القريبة عن الخدمة ونزوحهم المتكرر. وفي حين أطلقت ملك صرختها الأولى لتولد على موعد مع الموت، لم يُمنح أطفال كُثر حتى فرصة الصراخ، إذ باغتهم الموت في أرحام أمهاتهم، وخطفهم قبل أن يُولدوا. غياب الرعاية ووسط خيمة النزوح في جنوب القطاع، كان الصحفي سيف السويطي يتشبث بخيط أمل وسط كل هذه المأساة، فهناك أنثى تنمو في رحم زوجته بعد طفلين ذكرين، ويقول للجزيرة نت: "كان خبر ولادتها بارقة أمل وسط كل البؤس الذي نعيشه". ومن ميدان العمل إلى الأسواق ظل سيف يجوب الأسواق بحثا عن علبة فيتامين أو طعام مغذٍّ رغم أثمانه الباهظة، ظنًّا أنه سيحمي زوجته وجنينها من وحش الحرب، لكن لا الطعام ولا الفيتامينات أوقفت الخوف والرعب الذي تسلل إلى قلب زوجته بعد كل قصف، ولا محت آثار النزوح المتكرر وقيامها بمهام تفوق قدرتها، وهي التي كانت تحاول النجاة بنفسها وجنينها في آنٍ واحد. ومع غياب الرعاية الطبية اللازمة، وازدحام المشافي بالجرحى، كانت مواعيد متابعة الحمل تؤجل لأيام وأسابيع، ومع شح الطعام والاعتماد على المعلبات وغياب المكملات والحديد، بدأ الأمل يتآكل بصمت، فرغم أن المؤشرات الطبية كانت مطمئنة بداية الحمل، فإن سيف وزوجته تلقوا قبل الولادة بيومين فقط، خبر توقف نبض الطفلة في أحشاء أمها. "أجهضناها بعد واحدة من أصعب رحلات الحمل التي خضناها"، يقول سيف متحسرا، ويتابع "ما زالت ملابس طفلتي مطوية كما هي، في انتظار من لن يأتي، كنت أتمنى سماع صوت حياة جديدة في مكان لا يعج إلا بالموت". صورة قاتمة وتكررت عمليات الإجهاض وارتفعت معدلاتها خلال الحرب على غزة بنسبة 300%، كما أن أكثر من 180 طفلا ولدوا بتشوه خلقي، حسب وزارة الصحة الفلسطينية. وكشف استشاري أمراض النساء والولادة في جمعية أصدقاء المريض في غزة، الدكتور صلاح الكحلوت، صورة قاتمة لما آلت إليه صحة النساء الحوامل وأجنتهن في ظل حرب تهاجم الأطفال حتى في بطون أمهاتهم. ويقول الكحلوت إن الانفجارات المتكررة، والغازات السامة، والمواد الكيميائية المنبعثة منها، لا تكتفي بتمزيق الأجساد فوق الأرض، بل تخترق بصمت أنسجة الجنين، لتُحدث دمارًا داخليًا في أحشاء الأمهات. وشكّل ذلك، واقعا مأساويا ارتفعت فيه أعداد الإجهاض التلقائي، والولادات المبكرة، وتكررت فيه حالات انفجار جيب المياه قبل الأوان، والتشوهات الدماغية والقلبية والكلوية والطرفية، والاستسقاء الدماغي، وتضخم مياه الرحم، وحتى غياب الجمجمة كليًا، ووجود أكياس على العمود الفقري. ويضيف الكحلوت للجزيرة نت "أصبحنا نرى أجنَّة بلا رؤوس، نكتشفها بعد الشهر الرابع، ولا يمكننا الإجهاض بسبب الخطر على حياة الأم، ولأسباب دينية أيضًا، نضطر أن نُكمل الحمل حتى نهايته المؤلمة". ولم تكن المواد الكيميائية وحدها المتهم في هذه الجريمة الصامتة يشرح الكحلوت، ويقول إن سوء التغذية الحاد، ونقص الفيتامينات الأساسية مثل حمض الفوليك والحديد، وغياب الأغذية المناسبة للحوامل، أضعفت أجساد الأمهات والمواليد على حد سواء، وأسهمت في انهيار عملية النمو الطبيعي داخل الأرحام. ويتابع: "لقد أضحت الولادة الآمنة حلمًا، فعدد كبير من الأطباء غادروا القطاع، ومن بقي يعمل فوق طاقته، كما أن الفحوصات الضرورية لمتابعة الحمل لم تعد متاحة، وإن وُجدت فلا كهرباء لحفظ المواد اللازمة لإجراء التحاليل". أسلحة محظورة ولم تجد الجزيرة نت في غزة أي خبير محلي متخصص في علم الأجنة، ولا مختبرات يمكنها فحص المواد السامة أو الإشعاعات التي قد تكون خلف موجة تشوهات المواليد المتزايدة في القطاع المحاصر. وبعد جهد مضنٍ، تواصلت الشبكة مع المختصة في علم الأجنة الطبيبة آلاء حمد التي تعمل في مشافي قطر ، لتسليط الضوء على الكارثة الصامتة التي لا تظهر في صور المجازر، لكنها تستقر في أحشاء الأمهات. تقول الطبيبة آلاء: إن استخدام أسلحة محظورة دوليًا، تحوي بداخلها مواد السارين والكلور والفوسفور الأبيض، إلى جانب المعادن الثقيلة و اليورانيوم المُنضب ، قد يُحدث تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على صحة الحوامل، بل ويهدد حياة الأجنَّة داخل الأرحام، كما أنها تُحدث طفرات في المادة الوراثية (دي إن إيه)، مما يزيد من احتمالية حدوث تشوهات خلقية لدى الأجنة أو حتى فقدان الحمل بالكامل. وتشرح أن ارتفاع معدلات الإجهاض غالبًا ما يكون نتيجة التعرض لمستويات عالية من التوتر أو المواد السامة التي تطلقها هذه الأسلحة. وحذرت الطبيبة القطرية من أن هذه المواد قد تعرقل تدفق الدم إلى المشيمة، مما يؤخر نمو الجنين داخل الرحم، أو وفاته قبل الولادة، خاصة في حالات التعرض المباشر أو المتكرر لهذه السموم. واختتمت قائلة: إن بعض الغازات الكيميائية تؤثر في تطور الدماغ والجهاز العصبي للجنين، مما يترك آثارًا عصبية قد تلازم الطفل طيلة حياته. وبينما يُولد الأطفال في غزة على موعد مع الفقد، فلا شيء أثقل من هاجس أم لا تعرف إن كانت تحمل داخلها طفلا أم ضحية أخرى للحرب.

تعاني من شهيّة مفتوحة وشرهٍ خارج عن السيطرة؟ إليك الأسباب والحلول
تعاني من شهيّة مفتوحة وشرهٍ خارج عن السيطرة؟ إليك الأسباب والحلول

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

تعاني من شهيّة مفتوحة وشرهٍ خارج عن السيطرة؟ إليك الأسباب والحلول

في زمن يتم فيه الترويج للأطعمة لتكون أكثر جاذبية واستساغة، يجد كثير من الناس أنفسهم في معركة يومية شرسة مع شهية مفتوحة لا تهدأ. وبينما يُعدّ الشعور بالجوع أمرا طبيعيا، فإن استمرار هذا الإحساس على مدار اليوم دون سبب واضح، أو الأكل بكميّات كبيرة لمجرّد الاستمتاع بالطعام يعيق جهود الحفاظ على وزن صحي ويؤثر على الحالة النفسية والصحية بشكل عام. لذلك فإن فهم أسباب زيادة الشهية وتطبيق إستراتيجيات مبنية على أدلة علمية، يعد أمرا ضروريا لتحقيق التوازن والسيطرة. الاختلالات الهرمونية: تلعب الهرمونات دورا رئيسًا في تنظيم الجوع والشبع، وخاصة هرموني الغريلين الذي يُعرف بـ"هرمون الجوع"، يُفرز من المعدة ويرسل إشارات إلى الدماغ تحفّز الشهية، واللبتين الذي يُفرز من الخلايا الدهنية، على إرسال إشارات بالشبع. أي خلل في التوازن بين هذين الهرمونين -نتيجة قلة النوم، أو اضطرابات في التمثيل الغذائي- قد يؤدي إلى شعور دائم بالجوع، حتى بعد تناول الطعام. التوتر والحالة النفسية: يرفع التوتر المزمن من مستوى هرمون الكورتيزول، الذي بدوره يعزّز من الرغبة في تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، خصوصا الدهون والسكريات. كما أن الأكل العاطفي، أي تناول الطعام كرد فعل للمشاعر السلبية مثل الحزن أو القلق أو الغضب، هو سلوك شائع بين الأشخاص الذين يعانون من إجهاد نفسي مستمر. الأطعمة فائقة التصنيع: تناول كميات كبيرة من الأطعمة فائقة التصنيع (Ultra-Processed Foods – UPFs) يؤثر سلبا على مراكز الشبع في الدماغ. ويُشير الدكتور ديفيد أ. كيسلر، المفوض السابق لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، إلى أن هذه الأطعمة -مثل رقائق البطاطس والمقرمشات والمشروبات الغازية والحلويات الصناعية- "تخطف نظام المكافأة" في الدماغ، وتؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام بشكل لاإرادي. حالات طبية وأدوية معينة: بعض الحالات الصحية مثل فرط نشاط الغدة الدرقية، أو مرض السكري، أو متلازمة تكيّس المبايض، تُسهم في زيادة الشهية بشكل ملحوظ. كذلك، هناك بعض الأدوية مثل الستيرويدات أو مضادات الاكتئاب تؤدي إلى تغييرات في الشهية كأحد الأعراض الجانبية المحتملة. كيف تسيطر على شهيتك وتحافظ على وزن صحي؟ التركيز على تناول البروتين والألياف: تناول كميات كافية من البروتين (كالبيض، والبقوليات، والدجاج الخالي من الدهون) والألياف (كالخضراوات، والفواكه، والحبوب الكاملة) يُعزّز من الإحساس بالشبع لفترات أطول، ويقلل من الرغبة في تناول الطعام بين الوجبات. الحفاظ على الترطيب الكافي: أحيانا يُخطئ الجسم في التمييز بين الإحساس بالجوع والعطش. لذا، فإن شرب الماء بانتظام -بمعدل 8 أكواب يوميا على الأقل- يُساعد في تقليل النوبات الكاذبة من الجوع، ويدعم أيضا التمثيل الغذائي الصحي. ممارسة الأكل الواعي: من خلال التمهل أثناء تناول الطعام، والانتباه لطعم ورائحة وقوام كل لقمة، يصبح الفرد أكثر وعيا بإشارات الشبع. يساعد هذا التمرين العقلي في الحد من الأكل التلقائي أو العاطفي، ويُسهم في تحقيق التوازن في استهلاك السعرات. التعامل السليم مع التوتر والضغوط النفسية: من خلال تقنيات مثل التأمل واليوغا، والمشي أو ممارسة الرياضة بانتظام، والتحدث مع متخصص نفسي أو ممارسة الهوايات المفضلة. تُقلل هذه الأنشطة من الحاجة للجوء إلى الطعام كآلية للهروب من التوتر أو الضغط النفسي. التقليل من الأطعمة المصنعة والمحفزة للإدمان الغذائي: فالاعتماد على الأطعمة الطبيعية، الكاملة، وغير المعالجة يساعد الجسم على استعادة آليات الشبع الطبيعية، ويُعيد التوازن لمراكز الجوع في الدماغ. تجنُّب الوجبات السريعة والمقرمشات والحلويات المعلبة قدر الإمكان، يعزز الشعور بالتحكم في الشهية. الحصول على نوم كافٍ وعميق: يرتبط النوم غير الكافي -أقل من 7 ساعات يوميا- مباشرة بزيادة إفراز هرمون الغريلين وانخفاض اللبتين، مما يؤدي إلى شهية مفتوحة، ويدفع لتناول الطعام عالي السعرات. متى يُنصح بالرجوع إلى اختصاصي؟ إذا لاحظ الشخص أن الشعور بالجوع لا ينقطع، أو أنه يترافق مع تغيرات ملحوظة في الوزن أو الحالة النفسية، فقد يكون من المفيد التوجه إلى طبيب مختص في الغدد الصماء، أو أخصائي تغذية علاجية، أو أخصائي في الصحة النفسية. فهم مؤهلون لتحديد الأسباب الجذرية بدقة، وتقديم خطة علاجية مخصصة تشمل النظام الغذائي، والعلاج السلوكي، وربما الفحوصات الهرمونية أو الدوائية اللازمة.

المجاعة تُفقر بنوك الدم في غزة
المجاعة تُفقر بنوك الدم في غزة

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

المجاعة تُفقر بنوك الدم في غزة

غزة – كالمعتاد، عند الثامنة صباحا فتح قسم بنك الدم في مجمع ناصر الطبي ب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أبوابه، ولنحو 4 ساعات، رصدت الجزيرة نت هدوءا تاما ومقاعد فارغة، على وقع أصوات الإنذار الصادرة عن سيارات الإسعاف، التي تتوافد على المجمع محملة بجرحى غارات جوية إسرائيلية مكثفة على المنازل وخيام النازحين. طوال هذه الساعات لم يحضر سوى متبرع واحد، اعتاد على التبرع بالدم منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن يوسف التلاوي يقول للجزيرة نت إنه خلال الشهور الستة الماضية امتنع عن التبرع لشعوره بـ"الهزال والدوخة بسبب المجاعة وسوء التغذية". صبيحة أول أمس الأحد، استيقظ التلاوي وفي نيته التبرع وقد تملّكه الحزن لعدم وجود ما يتناوله من طعام قبل التوجه لبنك الدم، ولولا دعاه صديق له لتناول الإفطار برفقته لما تمكّن من ذلك، ويقول "لا أملك غير دمي للتبرع به للمساعدة في إنقاذ جريح قد تكون قطرة منه تعني الحياة بالنسبة له". المجاعة والعزوف قبل اندلاع الحرب كان التلاوي (25 عاما) معتادا على التبرع بشكل دوري ومستمر، مرة كل 3 شهور، غير أن العدوان لم يمنحه الفرصة سوى 3 مرات فقط للتبرع بالدم، ويُرجع هذا الشاب، المتزوج حديثا والذي رُزق بطفلته الأولى، السبب "ل استهداف المستشفيات والحصار والمجاعة وسوء التغذية". تشير مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة الدكتورة صوفيا زعرب إلى "ظاهرة ملفتة لعزوف الشباب عن التبرع بالدم"، وتقول للجزيرة نت إنها ازدادت على نحو كبير منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في 2 مارس/آذار الماضي، وما تبع ذلك من تفشي المجاعة وسوء التغذية. وحسب زعرب، لم يدخل رصيد بنك الدم في مجمع ناصر الطبي خلال الأيام الثلاثة الماضية سوى 10 وحدات دم فقط، في مقابل صرف 250 وحدة في الفترة ذاتها منذ صباح يوم الجمعة الماضي، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى. من جانبه، يقول شريف إهليل، وهو شاب رياضي في الثلاثين من عمره، للجزيرة نت "أشعر أنني لست بخير"، وكلما عزم على التبرع بالدم يتردد ويعزف عن ذلك. كان إهليل لاعبا لكرة القدم في أندية محلية، ويؤكد أنه لا يعاني من أية أمراض، غير أنه لا يتناول أي طعام صحي منذ إغلاق المعابر واستئناف الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي، حيث لا تتوفر اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق، والخضراوات شحيحة وأسعارها "فلكية"، ويعتمد في غذائه اليومي على ما تبقى لديه من أغذية معلبة حصل عليها في طرود مساعدات إنسانية سابقة. وتقول الدكتورة زعرب إن "المجاعة فتكت بالجميع، وكثيرون من أمثال إهليل في مرحلة الشباب يعانون من سوء التغذية، ويخشون من التبرع بالدم، وبينهم من يتعالى على جوعه ويأتي للتبرع، ولكنه يشعر بالتعب والدوخة ولا يستطيع إكمال الوحدة، ونضطر لإتلاف الكمية التي سُحبت منه". واقع خطير أحد هؤلاء شاب في العشرينيات من عمره، بجسد تبدو عليه الصحة، حضر قبل بضعة أيام للتبرع بالدم، وبعد دقائق معدودة من جلوسه على المقعد المخصص وهو ينظر إلى أنبوب متصل بكيس طبي يُفترض أن يمتلئ بوحدة الدم، ظهرت عليه فجأة علامات التعب الشديد وبدأ يتصبب عرقا وأُصيب بالغثيان والدوخة. لاحظت عليه الموظفة ذلك، وسألته فورا "هل تناولت أي شيء قبل حضورك للتبرع؟ وعندما أخبرها أن آخر ما دخل جوفه "قطعة صغيرة من الخبز تناولها مع القليل من الزعتر الليلة الماضية"، نزعت الأنبوب من يده، ورفضت تبرعه. ووفقا للدكتورة زعرب، فإن مثل هذه الحالة تتكرر مع متبرعين يؤثرون على أنفسهم ويتعالون على آلامهم للتبرع بالدم، تلبية لنداءات متواترة ومستمرة من المستشفيات، للمساهمة في إنقاذ أرواح جرحى، غير أن تداعيات الجوع تظهر عليهم أثناء عملية نقل الدم، التي تتطلب "طاقة وسعرات حرارية وتعويضا سريعا للسوائل والسكريات المفقودة، وهي أشياء رغم بساطتها مفقودة بسبب الحصار والمجاعة". ودرجت العادة على منح العصائر للمتبرع بالدم، لكنها توضح أن بنوك الدم في غزة تفتقر لهذه العصائر بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، و"في أحيان كثيرة لا نجد حتى كوبا من المياه العذبة ليشربه المتبرع". ووصفت المسؤولة الطبية واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، وتقدّر أن رصيد الدم المتوفر حاليا يكفي لأربعة أيام فقط في أحسن الأحوال، ما لم تشهد الاعتداءات الإسرائيلية تصعيدا على نحو أكبر وأوسع. قيود إسرائيلية تعاني بنوك الدم في غزة من عجز كبير في أرصدة الدم، وفي أجهزة نقل الدم والأكياس ومواد للفحص، وتقول الدكتورة زعرب إن الكثير من المواد والمستلزمات "رصيدها صفر"، حيث يمنع الاحتلال إدخالها ووحدات دم من الخارج لتغذية الأرصدة ومواكبة التطورات وإنقاذ الجرحى والمرضى، وآخرها كمية من متبرعين ب الضفة الغربية منع إدخالها قبل استئنافه الحرب. وتؤكد "جراء ذلك، نعمل في ظروف صعبة واستثنائية لا تتناسب مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى يوميا، وبتنا نحتاج لنحو نصف ساعة من أجل تجهيز وحدة دم واحدة بطريقة يدوية، وهي ضعف المدة التي كنا نستغرقها في الوقت الطبيعي". وتضيف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة صوفيا زعرب أن شدة الاعتداءات وما ينجم عنها من جرحى، وما تعانيه بنوك الدم من عجز ونواقص في كل شيء، "يجعل من الالتزام بالمعايير الطبية العالمية أمرا صعبا ومعقدا، ونضطر أحيانا لتجاوزها من حيث قياس نسبة الهيموغلوبين، والوزن، والضغط، والتأكد من سلامة المتبرع وخلوه من الأمراض، وقدرته على التبرع". ونتيجة ضغط الحاجة، تضطر بنوك الدم أحيانا للتعامل مع متبرعين يعانون من سوء التغذية، وهو ما يفسر معاناة الأغلبية في الوقت الحالي من الدوخة والصداع والهزال والغثيان، بعد عملية سحب الدم، وفق زعرب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store