logo
مركز الملك فيصل يوثق تراث العراق المخطوط

مركز الملك فيصل يوثق تراث العراق المخطوط

الرياضمنذ 2 أيام
في محاضرة احتضنها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالتعاون مع مركز البحوث والتواصل المعرفي، قاد الدكتور غازي حميد موسى، المؤرخ العراقي وعضو اتحاد المؤرخين العرب، الحضور في جولة تاريخية ثرية بعنوان: "خزائن الكتب والمخطوطات – واقع المخطوطات في العراق بين الأمس واليوم". جاءت المحاضرة امتدادًا لاهتمام المركز بتوثيق ذاكرة الأمة، وجزءًا من سعيه الحثيث للحفاظ على إرثها العلمي والثقافي في مواجهة محن الحاضر وتحديات المستقبل، وأدارها الدكتور عبدالرحمن الخنيفر.
استهل الخنيفر اللقاء بتأكيد أن المحاضر سيأخذ الجمهور إلى عمق تاريخي ممتد، يبدأ من العصر العباسي ويمر عبر محطات مزدهرة ونكبات دامية، ليصل في النهاية إلى ما آلت إليه المخطوطات العراقية خلال العقود الأخيرة، خاصة بعد الغزو الأميركي. هذا التأطير الزمني الواسع مهّد لمحاضرة مزجت بين التوثيق التاريخي والهمّ الثقافي المعاصر، مقدّمة صورة بانورامية لحال إرث علمي يُعد من الأثمن في العالم الإسلامي.
ألقى الدكتور غازي موسى في مستهل حديثه تحية تقدير لمركز الملك فيصل، واصفًا إياه بواحد من أبرز الصروح الفكرية في العالم العربي، مستحضرًا رمزية الاسم الذي يحمله ودلالاته في دعم القضايا العربية والإسلامية. ومن هذا التقدير انتقل إلى جذور الكتابة عند العرب والمسلمين، مشيرًا إلى أن المخطوطات التي وصلت إلينا لم تكن مجرد نصوص محفوظة، بل هي ثمار تراكمية لجهود علماء، ووراقين، وناسخين، وحرفيين، كرّسوا حياتهم للعلم والكتابة. وقد اعتبر العرب الكتابة حرفة وصنعة، تمامًا كما اعتبروا القراءة فضيلة أخلاقية وثقافية، وهو ما جعل الكتاب يحظى بمنزلة شبه مقدسة في الحضارة الإسلامية.
تابع المحاضر شرح أدوات الكتابة التي استخدمها العرب قبل شيوع الورق، مثل الجلود والرق والعظام، قبل أن يعمّ استخدام الورق بعد دخوله إلى بغداد في القرن الثاني الهجري، وهو التحوّل الذي دعمه الخليفة العباسي هارون الرشيد وأسهم في ازدهار حركة التدوين والترجمة. ذلك الازدهار بلغ أوجه مع تأسيس مكتبة "بيت الحكمة" التي مثّلت ذروة النضج الثقافي في بغداد، وكانت بحق منارات حضارية استثنائية قبل أن تلتهمها النيران في اجتياح المغول لبغداد سنة 656هـ (1258م).
استعرض الدكتور غازي في هذا السياق أبرز خزائن الكتب التي فُقدت في تلك النكبة التاريخية، وأهمها مكتبة بيت الحكمة، التي ضاعت معها آلاف المخطوطات العلمية والفلسفية. كما ذكر مكتبة المدرسة النظامية، والمكتبة القادرية التي أنشأها القاضي أبو سعيد المبارك المخرمي، وتولى رعايتها لاحقًا الشيخ عبدالقادر الجيلاني. ومن الخزانات اللافتة أيضًا، خزانة المدرسة المستنصرية التي وصفها بأنها من أعاجيب الخزائن الإسلامية، وخزانة دار العلم في الموصل، ومكتبات أخرى في البصرة ومسجد الزيدي ببغداد، والتي لا تزال بعض تفاصيلها مفقودة في المصادر بسبب ضياع الوثائق وعدم التوثيق الكافي.
انتقل المحاضر بعد ذلك إلى الكارثة المعاصرة التي لحقت بالتراث العراقي، مستعرضًا الخسائر الفادحة التي لحقت بالمخطوطات نتيجة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. أشار إلى مكتبة الباب المعظم في بغداد، التي كانت تحتوي على أكثر من 7500 مخطوط نادر باللغات العربية والفارسية والتركية والكردية، وقد تعرّضت للنهب أو الإتلاف ولم يُعرف مصير معظمها حتى اليوم. كذلك تحدّث عن محتويات مكتبة المتحف الوطني العراقي، التي كانت تختزن آثارًا تمثل حضارة بلاد الرافدين منذ آلاف السنين، والتي تعرضت لواحدة من أوسع عمليات النهب الثقافي في العصر الحديث.
كما أضاء الدكتور غازي على فاجعة المجمع العلمي العراقي في حي الوزيرية، الذي كان يضم أكثر من 728 مخطوطًا، فُقد منها ما يقرب من 80 %، إلى جانب سرقة 60 جهاز حاسوب تحتوي على صور رقمية لهذه المخطوطات، ما يجعل الخسارة مزدوجة: نصوص مادية وأرشيف رقمي. وتناول أيضًا المأساة التي أصابت مكتبة جامعة الموصل ذات الإرث الأكاديمي العريق، والمركز القومي للمخطوطات، ودار الوثائق الوطنية ببغداد التي تضم أرشيف الدولة العراقية الحديث، موضحًا أن كل هذه المؤسسات تعرّضت للنهب أو الإحراق أو التهميش الإداري بعد الاحتلال.
وعلى رغم هذه الصورة القاتمة، لم تخلُ المحاضرة من نبرة أمل وتأكيد على ضرورة استعادة ما يمكن استعادته من هذا التراث المهدّد.
وعقب المحاضرة، وإثر جولة سريعة على أقسام المركز، تلقّى الدكتور غازي حميد موسى هدية تذكارية من مركز الملك فيصل، سلّمها له الأستاذ ياسر الزهراني مستشار الأمين العام.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

20 شاحنة سعودية لإغاثة السوريين بالسويداء
20 شاحنة سعودية لإغاثة السوريين بالسويداء

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

20 شاحنة سعودية لإغاثة السوريين بالسويداء

وصلت إلى محافظة السويداء في سورية، أمس 20 شاحنة إغاثية سعودية جديدة تحمل على متنها الاحتياجات الإنسانية الضرورية، التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالتعاون مع وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث السورية. وتعد هذه المساعدات امتدادًا للدعم المتواصل المقدّم من المملكة إلى الأشقاء في سورية، وتأكيدًا للدور الذي تضطلع به في مد يد العون للدول الشقيقة والصديقة في مختلف الأزمات والمحن. أخبار ذات صلة

ختم وتوقيع الملك عبدالعزيز يكشفان أهمية الهوامش في توثيق التاريخ بمركز الملك سلمان للترميم
ختم وتوقيع الملك عبدالعزيز يكشفان أهمية الهوامش في توثيق التاريخ بمركز الملك سلمان للترميم

صحيفة سبق

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة سبق

ختم وتوقيع الملك عبدالعزيز يكشفان أهمية الهوامش في توثيق التاريخ بمركز الملك سلمان للترميم

سلّط مركز الملك سلمان للترميم والمحافظة على المواد التاريخية -أحد مراكز دارة الملك عبدالعزيز- الضوء على الأهمية البالغة للتفاصيل الدقيقة، والهوامش في الوثائق التاريخية، من خلال وثيقة نادرة تحمل ختم وتوقيع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، في منشور توعوي أصدره ضمن مبادرة "وثائق الدارة". وأوضح المركز أن الهوامش التي قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، تُعد عناصر محورية في تأكيد أصالة الوثائق التاريخية، مشيرًا إلى أن وجود التوقيع والختم يُعزّز من موثوقية الوثيقة، ويمنع إعادة استخدامها أو تحريف مضمونها خارج سياقها التاريخي الأصلي، مما يؤكد أن القيمة الوثائقية لا تنحصر في المتن فقط، بل تشمل أيضًا هوامش الوثائق وتفاصيلها الشكلية. ويأتي هذا التوضيح في سياق جهود المركز المتواصلة للعناية بالوثائق والمخطوطات، والمواد التاريخية، مستندًا إلى منهج علمي متكامل، يراعي الخصائص المادية والتاريخية لكل وثيقة، وذلك منذ تأسيس المركز في عام (1425 هـ - 2005 م)؛ ليكون ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الوطنية. ودعا المركز جميع الجهات والأفراد ممّن يملكون وثائق تاريخية تحتاج إلى صيانة أو ترميم، إلى الاستفادة من خدماته المتخصصة المتاحة عبر بوابة دارة الملك عبدالعزيز الإلكترونية، ضمن منظومة رقمية تهدف إلى إتاحة الوصول الآمن والميسر إلى العناية الوثائقية العلمية. وتُعد هذه المبادرة جزءًا من الإستراتيجية الشاملة لدارة الملك عبدالعزيز في قيادة المحتوى التاريخي الوطني، ورفع مستوى الوعي المجتمعي بقيمة الوثائق بصفتها مصادر موثوقة تُسهم في بناء السردية التاريخية للمملكة العربية السعودية.

أمانة المدينة تكمل 60% من حديقة الغروب
أمانة المدينة تكمل 60% من حديقة الغروب

الرياض

timeمنذ 4 ساعات

  • الرياض

أمانة المدينة تكمل 60% من حديقة الغروب

تتواصل أعمال تنفيذ مشروع "حديقة الغروب" في المدينة المنورة، والذي يُعد من أبرز المشاريع التنموية والترفيهية، حيث بلغت نسبة الإنجاز فيه حتى الآن 59.5%، على مساحة تتجاوز 1,000,000 متر مربع. ويأتي هذا المشروع ضمن جهود أمانة منطقة المدينة المنورة الرامية إلى تحسين جودة الحياة، وتعزيز الغطاء النباتي، وتوفير مرافق ترفيهية متكاملة تواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تُولي اهتمامًا خاصًا بتنمية البنية التحتية وتحسين المشهد الحضري. وأوضحت أمانة المنطقة أن المشروع يضم مكونات متنوعة تعكس رؤية شاملة تهدف إلى توفير بيئة ترفيهية وصحية متكاملة لجميع فئات المجتمع، حيث تشمل الحديقة مناطق استثمارية بمساحة تقارب 226 ألف متر مربع، ومسارات مخصصة للمشاة بمساحة يتجاوز 84 ألف متر مربع، وأخرى لقيادة الدراجات الهوائية بمساحة تتجاوز 16 ألف متر مربع، بما يسهم في تعزيز نمط الحياة، وتشجيع السكان والزوار على ممارسة الرياضة في أجواء آمنة ومناسبة، مشيرةً إلى أن الحديقة سيتم زراعة أكثر من 7150 شجرة 243 ألف شجيرة، تغطي مساحة تقدر بـ 540 ألف متر مربع من المسطحات الخضراء، ما يسهم في تحسين جودة الهواء، وخفض درجات الحرارة، وخلق بيئة طبيعية تساعد على الاسترخاء والراحة، إضافة إلى ذلك يتضمن المشروع ثلاث مناطق مخصصة لألعاب الأطفال، موزعة على مساحة 7,288 مترًا مربعًا، صُممت بأساليب حديثة تراعي معايير السلامة والجودة. ولخدمة زوار الحديقة وضمان راحتهم، يضم المشروع بنية خدمية متكاملة تشمل 3497 موقفًا للسيارات، و1228 عمود إنارة لتأمين الإضاءة الليلية، و2478 كرسيًا موزعًا في أنحاء الحديقة، فضلًا عن خمس دورات مياه موزعة بشكل استراتيجي لخدمة مختلف المناطق داخل الموقع. وحرصت الأمانة على أن تتكامل هذه المرافق بما يحقق أعلى مستويات الراحة للزوار، ويُسهم في تعزيز تجربتهم الترفيهية. ويُنتظر أن تُشكّل "حديقة الغروب" عند اكتمالها إضافة نوعية للمشهد الحضري في المدينة المنورة، وذلك بفضل تنوع مرافقها، وتكامل خدماتها، وجاذبية موقعها الجغرافي الذي يُسهل الوصول إليه من مختلف أحياء المدينة. وتُعد الحديقة من أكبر المساحات الترفيهية المفتوحة في المنطقة، ما يجعلها وجهة رئيسية للأنشطة العائلية والاجتماعية، ومتنفسًا طبيعيًا يعزز من صحة المجتمع ورفاهيته. وأكدت أمانة منطقة المدينة المنورة أن العمل في المشروع يسير وفق الجدول الزمني المحدد، وبما يضمن استيفاء أعلى معايير الجودة والاستدامة البيئية، مبينةً أن المشروع يمثل نموذجًا حيًا للتخطيط الحضري الحديث، الذي يجمع بين المرافق الترفيهية والبنية التحتية المتكاملة والمساحات الخضراء في تناغم يعكس تطلعات التنمية المستقبلية للمنطقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store