
التقارب المصري الإيراني
د. عبدالله أحمد آل علي *
يشهد التقارب المتدرج بين القاهرة وطهران بعد 7 أكتوبر 2023 تحولاً لافتاً في سياق التوازنات الإقليمية المتغيرة، إذ دفعت تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة وما خلّفته من استقطابات حادة العديد من العواصم إلى إعادة النظر في تموضعاتها وتحالفاتها. هذا التقارب لا يأتي من فراغ، بل يعكس تحولات عميقة في فهم كل من مصر وإيران لدورهما الإقليمي ومجال حركتهما الاستراتيجية، خاصة في ظل تراجع نفوذ طهران النسبي في الساحات التي اعتُبرت تقليدياً ساحات نفوذها المباشر كلبنان وسوريا والعراق، مقابل سعي القاهرة إلى إعادة تثبيت موقعها كقوة توازن في محيط إقليمي مضطرب ومتداخل.
فرضت حرب غزة مشهداً جديداً اختلط فيه الميداني بالرمزي، والدبلوماسي بالعسكري. ومصر، التي لطالما احتفظت بموقعها كوسيط عقلاني في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وجدت نفسها أمام تصاعد غير مسبوق للصراع، ومعه تراجع في فاعلية الوساطات التقليدية، ما دفعها إلى استكشاف مسارات جديدة للتأثير، لا تقتصر على العمل مع الحلفاء التقليديين فحسب، بل تمتد إلى القوى الإقليمية المؤثرة بما فيها إيران. في المقابل، وجدت طهران نفسها على هامش التفاعلات الميدانية، وسط تراجع قدرتها على استخدام أدواتها التقليدية في المنطقة. فحزب الله بات محكوماً بحسابات داخلية لبنانية، والحشد الشعبي في العراق لم يعد يمتلك نفس الهامش السابق، بينما تقلص الدور الإيراني في سوريا تحت ضغط التوازنات الدولية. من هنا، جاء إرسال طهران لإشارات سياسية هادئة تجاه القاهرة كتعبير عن رغبة استراتيجية في إعادة التموضع، وليس مجرد مناورة تكتيكية.
الانفتاح المصري تجاه طهران لا ينبع من تغير في العقيدة السياسية أو انحراف عن الثوابت، بل من إدراك براغماتي لحجم التحديات وتعقيداتها، خاصة تلك المرتبطة بأمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وهو انفتاح محكوم بضوابط دقيقة، تتعلق بأمن الخليج ومصالح مصر الوطنية في مساحات النزاع العربي-الإيراني.
الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة في يونيو 2025 كانت بمثابة خطوة رمزية ثقيلة الوزن، فتحت الباب أمام حوار منضبط لا يزال في بداياته، لكنه يعكس نوايا مشتركة لاستكشاف فرص التلاقي. هذا المسار لم يمر دون رصد دقيق من القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، التي تنظر بعين الحذر لأي تقارب قد يُفهم كتحوّل في ميزان الاصطفافات الإقليمية. أما إسرائيل، فعبّرت عن انزعاجها غير المعلن من هذا التطور، رغم قناعتها أن القاهرة – بحكم موقعها وثقلها – تحتفظ بخطوطها الحمراء، خاصة في ما يتعلق بدعم الفصائل الفلسطينية المسلحة أو تهديد أمن الملاحة. وفي المقابل، لوحظ من بعض العواصم الخليجية، لا سيما الرياض وأبوظبي، نوع من الترقب الإيجابي الحذر لهذا المسار، مع إدراك متزايد لأهمية تنويع أدوات التهدئة وضبط الإقليم عبر قنوات تواصل غير تقليدية، شرط التزام طهران بعدم توظيف هذه العلاقات للإضرار بالمنظومة الأمنية الخليجية.
وبرغم هذا التقدّم الحذر، لا تزال العديد من العقبات قائمة، لاسيما ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والدور الإيراني في الساحات المتوترة كسوريا واليمن. كما أن المزاج السياسي في البلدين لا يزال مثقلاً بتراث من القطيعة وسوء الفهم.
ومع ذلك، فإن حسابات المصالح لدى الطرفين بدأت تتجاوز الخطاب التقليدي، باتجاه صياغة نهج واقعي قد يسهم في إعادة إنتاج الدور الإقليمي لمصر من جهة، ويخفف من حدة الضغط السياسي على إيران من جهة أخرى. التقارب هنا لا يعني اصطفافاً جديداً، بقدر ما يعكس وعياً متبادلاً بأن معادلات ما بعد 7 أكتوبر تتطلب أدوات أكثر مرونة وشراكات أكثر تنوعاً.
خاتمة القول وحين تتغير قواعد الاشتباك السياسي في الإقليم، تفرض الحكمة أن تتحرك الدول بحسّ استباقي لا بردود أفعال. والتقارب بين مصر وإيران اليوم، ليس انقلاباً على الماضي، بل هو استثمار واعٍ في ضرورات الحاضر وإشارات المستقبل، تحت أنظار ترقّب خليجي إيجابي يأمل أن يكون هذا المسار جسراً للتفاهم، لا ثغرة للنفوذ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 14 دقائق
- البيان
لبنان.. موقف احترازي من المواجهة الإسرائيلية الإيرانية
ولعل مرد هذا الانشغال يتصل بانعكاس ما يحصل على الوضع اللبناني، سواء في الجنوب أو الضاحية الجنوبية لبيروت. كما نقلت وكالة رويترز عن مسؤول في حزب الله قوله: لن نبادر لمهاجمة إسرائيل ردّاً على ضرب إيران. وقد أتى هذا الموقف بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على إيران، والهجمات المتبادلة بين الطرفين، حيث ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي عزز قواته عند الحدود مع لبنان، ولفتت إلى أنه تم وضع خطة هجومية، في حال أُطلِقت النيران من لبنان. أما على المقلب الآخر من الصورة، فإن ثمة كلاماً عن أن الجهد الدولي منصب، لبنانياً، على توفير بيئة آمنة في الجنوب، بعد تيقن المجتمع الدولي من سيطرة الدولة بقواها الذاتية على المنطقة المرشحة للإعمار، ما يتطلب إلزام إسرائيل بوقف خرق وانتهاك القرار 1701. ورأت هذه المصادر أن لبنان قد يكون إحدى ساحات المواجهة، بأبعادها السياسية والعسكرية، فإيران لها حليفها الأساسي حزب الله، وفي المقابل باتت لإسرائيل هوامش تحرك واسعة بناءً على ما تضمنه اتفاق وقف النار الموقع في نوفمبر الماضي. أما الولايات المتحدة، وبحسب المصادر نفسها، فتمسك بأوراق الأزمة اللبنانية بإحكام، وسيكون من دواعي القلق في لبنان أن تخوض المواجهة إلى جانب إسرائيل. وتوازياً، توقعت المصادر أن يرفع الأمريكيون، ومعهم الحلفاء الغربيون، لهجتهم إزاء أركان الحكم، على قاعدة المماطلة في معالجة ملف سلاح حزب الله والتزام الإصلاحات. وهذا ما سيظهر في الحراك المنتظر من الموفدين الأمريكيين بين سوريا ولبنان قريباً.


البوابة
منذ 22 دقائق
- البوابة
العاصمة الإيرانية طهران تتعرض الآن لهجمات إسرائيلية جديدة
أفادت قناة القاهرة الإخبارية، اليوم السبت، بأن العاصمة الإيرانية طهران تتعرض الآن لهجمات إسرائيلية جديدة. وأعلن جهاز الإسعاف الإسرائيلي، إصابة 41 شخصًا من جراء الضربات الصاروخية الإيرانية، بحسب ما ذكرت قناة "سكاي نيوز" في نبأ عاجل. كما أعلن الجيش الإسرائيلي تدمير عشرات الأهداف التابعة لمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية. وأضاف الجيش الإسرائيلي: "دمرنا قواعد عسكرية تابعة لسلاح الجو الإيراني بما في ذلك قاعدتي همدان وتبريز". إطلاق صـواريخ من غواصات إيرانية باتجاه إسرائيل للمرة الأولى أكدت وكالة الطلبة الإيرانية إطلاق صواريخ من غواصات القوات المسلحة الإيرانية باتجاه إسرائيل للمرة الأولى. وقالت هيئة الإسعاف الإسرائيلى إصابة 40 شخصا بينهم اثنين فى حالة خطرة بسبب الهجمات الإيرانية على تل أبيب. وأكدت وسائل إعلام عبرية أن هناك دمارًا غير مسبوق فى منطقة تل أبيب الكبرى لم نعهد مثله سببته الصواريخ الإيرانية. وقالت القناة 13 الإسرائيلية عن مسئولين إن الشرطة الإسرائيلية تتعامل مع مواقع عدة سقطت فيها صواريخ وشظايا اعتراض وسط تل أبيب. وأكدت أن عشرات المبانى والمركبات تعرضت للإصابة سواء بصواريخ إيرانية أو اعتراضية.


سكاي نيوز عربية
منذ 23 دقائق
- سكاي نيوز عربية
واشنطن: تلقينا إخطارا مسبقا بضربات إسرائيل ولم نشارك عسكريا
وأوضح ممثل أميركا في مجلس الأمن أن بلاده تلقت "إخطارا مسبقا بالضربات الإسرائيلية لكننا لم نشارك عسكريا". وأضاف: "العواقب ستكون وخيمة على إيران إذا استهدفت مواطنين أميركيين أو قواعد أو بنية تحتية أميركية أخرى". وتابع: "سنواصل السعي إلى حل دبلوماسي يضمن عدم حصول إيران على سلاح نووي أو تشكيل تهديد للاستقرار في الشرق الأوسط". وشدد على أنه "سيكون من الحكمة أن تتفاوض القيادة الإيرانية". وأجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب محادثات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجمعة على ما أعلن البيت الأبيض، بعدما ضربت إسرائيل منشآت نووية وعسكرية إيرانية وردت طهران على الهجوم. وأكد مسؤول في البيت الأبيض لوكالة فرانس حصول الاتصال، طالبا عدم كشف اسمه. وكان ترامب قد أفاد الجمعة بأنه تبلّغ بالضربات الإسرائيلية مسبقا الخميس. وأعلن الجيش الإسرائيلي ، مساء الجمعة، تدمير عشرات الأهداف التابعة لمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية. وأشار الجيش الإسرائيلي في بيان إلى أنه "مستعد لمواصلة العمليات طالما كان ذلك ضروريا". ووفق البيان فقد هاجم الجيش الإسرائيلي ودمر قواعد عسكرية تابعة لسلاح الجو الإيراني منها قاعدتا همدان وتبريز.