
مواجهة التطرف لاستعادة السكينة
منذ سنوات، ربما تعود لعام 2016، اعتبرت أنّ لدينا، مثقفين وإعلاميين، ثلاث مهمات أو أولويات: دعم تجديد تجربة الدولة الوطنية، واستعادة السكينة في الدين، وإقامة علاقات حسنة مع العالم.
وفي العقد الماضي وقبله بُذلت جهود كبيرة من الدول ومن جهات المجتمعات المدنية، وإنْ على تفاوت، في العمل لإحقاق هذه الأولويات. وأريد في هذه العجالة مراجعة الأولوية الثانية، وأعني بها استعادة السكينة في الدين. فقد تنبهتُ إلى أنّ نزعات التطرف والجموح باسم الدين عادت إلى الظهور والسواد بسبب حرب غزة، وبسبب المتغيرات في المجتمعات الغربية التي كانت تحتضن جماعات الإسلامويين. إنّ هذا التنبه استند أخيراً إلى ندوة أُقيمت بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية حول «الإخوان» وأفكارهم ونشاطاتهم في السنتين الأخيرتين. فهم يستعيدون من جهة أفكاراً وممارسات قديمة عُرفوا بها منذ عدة عقود، ومن جهة أُخرى يرفعون ألويةً «جهاديةً» التقوا على أساسها مع «داعش» و«القاعدة» من جهة، ومع اليسار المتطرف في الغرب من جهةٍ ثانية.
لقد أدركتُ، من خلال الدراسة والمتابعة منذ مطالع سبعينيات القرن العشرين، أنّ «الإخوان» في فكرهم وسلوكهم على مدى عقود هم بمثابة انشقاقٍ في الإسلام، وأن أولوياتهم إحداث تمرد على الحداثة والدولة الحديثة باسم الدين. ولذا مضوا بعيداً في مواجهة الدول الحديثة في مجالنا باعتبارها «غزواً» ثقافياً وسياسياً. بيد أنّ المسألة مع الدولة الوطنية على خطورتها ما كانت الأبرز، وبخاصةٍ أنّ الدول واجهتها بقوة، بل الأكثر خطورةً كان وما يزال دعوة هؤلاء المتطرفين الانشقاقيين إلى استعادة الشرعية من خلال الدولة الدينية التي تطبّق «الشريعة»! ويستند ذلك إلى اعتبارهم أنفسَهم ممتلكين للشرعية الدينية وليس المؤسسات الدينية القائمة.
والطريف أنّ هؤلاء اعتبروا دعوتهم التي كانت لكسب الجمهور، اعتبروها إصلاحاً في الدين! ونحن نعرف أنّ التفكير الديني السني القديم ما كان يعتبر الإمامة أو النظام السياسي من أصول الدين، بل اجتهاداً ومصلحةً يحددها كل قومٍ لأنفسهم. أما «الإخوان» فمنذ حسن البنّا يعتبرون النظام السياسي من أصول الدين، وجماعة «الإخوان» هي المكلفة بتطبيقه! وما دام قد صار جزءاً من الإيمان فلا عجب أن يشيع التكفير أو التفسيق ضد الذين لا يقولون بالإمامة أو الخلافة باعتبار أنها مُلزمة حتى في الأزمنة المعاصرة!
ما معنى استعادة السكينة في الدين؟
الدين قوةٌ ناعمة، وإلى العبادات والأخلاق، هناك قيم السلام والقسط والبر التي يدعو إليها القرآن بالدواخل ومع العالم. ولذا فالظروف المعاصرة، ومن أجل إمكانية العيش في العالم برحابة، والمشاركة في أمنه وتقدمه، لا ينبغي ولا يصح تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا لمواجهة العالم، كما حاولت «داعش» و«القاعدة» ومعها كثيرون من كُتاّب «الإخوان» وإعلامييهم.
إنّ استخدام الدين في تسويغ التطرف والإرهاب يحوّل الدين إلى قوة خشنة، سواء باسم المفاصلة أو باسم الجهاد. وقد شهدنا على انتشار الإسلاموفوبيا في الغرب بسبب هذه الدعوى، والانقسام في الدواخل حول فهم الإسلام ورسالته. لذا لا بد من استعادة السكينة التي تعني ثقة المسلم بدينه وشريعته، واللذين لا يمتلك المتطرفون الكلامَ باسمهما.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 4 ساعات
- عمون
الدكتور عبدالسلام عطوة الفندي .. مبارك الترقية
عمون - يتقدم السيد معتصم محمود العبادي بأسمى آيات التهنئة و التبريك إلى العزيز على القلب الدكتور عبدالسلام عطوة الفندي بصدور قرار رئيس مجلس العمداء في جامعة العلوم التطبيقية بمنح عميد كلية الشريعة و الدراسات الاسلامية الدكتور عبدالسلام الفندي درجة الأستاذية (بروفيسور) في تخصصه الحديث الشريف و علومه تهنئة ملؤها الحب والتقدير مقرونة بالدعاء والتوفيق ومزيداً من النجاح والتميز في المنصب الجديد منها للأعلى إن شاء اللّه نفع اللّه بك الأمة و الإسلام

أخبارنا
منذ 5 ساعات
- أخبارنا
سماحة مفتي عام المملكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية ويشيد بإنجازات الرئاسة لايصال رسالة الحرمين الوسطية للعالم .
السديس يثمن جهوده حفظه الله ويستعرض مخرجات نجاح خطة الحج .. أخبارنا : استقبل سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، اليوم بمقر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في الطائف، معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، وفضيلة الشيخ بدر التركي إمام الحرم المكي والشيخ الدكتور الوليد الشمسان إمام الحرم المكي، ووفدًا من قيادات رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي. هذا وقد أشاد سماحة مفتي عام المملكة بالجهود والإنجازات الكبيرة التي حققتها رئاسة الشؤون الدينية بلمسجد الحرام والمسجد النبوي، لإثراء تجربة الزائرين والقاصدين للحرمين الشريفين، وتهيئة الأجواء التعبدية الإيمانية لهم في موسم حج عام 1446 هجرية، مبينًا سماحته أن الحرمين الشريفين قبلة المسلمين ولها من المكانة ما هو معلومٌ في الشريعة وفي أفئدة المسلمين. كما استعرض معالي رئيس الشؤون الدينية لسماحة المفتي الجهود التي قامت بها رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي في موسم الحج، وقدم له شرحًا موجزًا عن الخطة الإستراتيجية التي أعدتها الرئاسة لموسم العمرة لعام 1447هـ. وثمّن معالي رئيس الشؤون الدينية دعم سماحة مفتي عام المملكة لنشر رسالة الحرمين الشريفين، ونشر هدايات الإسلام وفق المنهج الشرعي الصحيح المستمدّ من الكتاب العزيز والسنة المطهرة، بما يحقق رسالة الدين وريادة المملكة العربية السعودية. مجددا شكره لسماحته على ما تلقاه الرئاسة من دعم وتوجيه ومؤازرة من مقامه الكريم -حفظه الله- كما رفع الشكر الخالص للقيادة الرشيدة على ما توليه للحرمين الشريفين والرئاسة من دعم ورعاية.


جفرا نيوز
منذ 7 ساعات
- جفرا نيوز
الحرب "التاريخية" مع إسرائيل، حرب دين أم إنسان؟
جفرا نيوز - بسمة الفارس الحرب التاريخية بين إسرائيل، وبدايةً إلى العالم كافة، حتى أصبحت محصورة بين إسرائيل و فلسطين، ما طبيعة الخلافات التاريخية بين اليهود، وكل من المسلمين والمسيحيين ؟ هل الخلاف مع إسرائيل ديني ؟ وهل تمثل إسرائيل في العهد الحديث الديانة اليهودية ؟ تقول الرواية التاريخية الإسلامية إن الدولة الغسلامية كانت في حالة نزاع دائمة مع اليهود (يهود الديانة)، في محاربتهم ليهود الجزيرة العربية، مثل بني قريظة، وبني قينقاع، وبني النضير وغيرهم. ورغم محاولات الإسلام لإحلال السلام مع اليهود من خلال المعاهدات التي فرضت الجزية على القبائل اليهودية مقابل المعيشة تحت الحكم الإسلامي، أو أنهم كانوا مخيرين بين المعاهدات ومغادرة البلاد. أما الرواية التاريخية المسيحية بشأن النزاع مع اليهود فتقول الرواية المسيحية إن معاداة اليهود بدأت منذ نشأة الديانة المسيحية وانتشارها بين يهود الديانة، كانت فتيل اشتعال هذه العلاقة مع صلب اليهود للمسيح، واستمرت هذه العلاقة المشحونة مروراً بحقبات تاريخية عدة، مثل قيام ذو نواس اليهودي بقتل آلاف المسيحيين الذين عاشوا في اليمن، إلى أ، انقلبت الموازين بدايةً من القرن الرابع ، حيث أخذت المسيحية باضطهاد اليهودية، ما برز من خلال طرد اليهود من الاسكندرية، وعاشوا خلال فترة الامبراطورية البيزنطية خارج المدن الكبرى، وصولاً إلى الفترة الحاسمة بين المسيحيين واليهود، استمراراً حتى منتصف القرن العشرين حتى "الهولوكوست" أو المحرقة التي منهجهها أدولف هتلر في ألمانيا لحرق اليهود، ولم تخلُ االمجتمعات المسيحية، وخصوصاً في أوروبا من اضطهاد وتهميش اليهود. في الحقيقة، قبل أن تنشأ دولة إسرائيل في الثامن والأربعين من القرن العشرين، نشات الصهيونية، بعد تخطيط طويل المدى، بدايةً من مؤتمر بازل، سويسرا ، المؤتمر الذي ضم عدداً من كبار اليهود في أوروبا، وتم في سبيعنات القرن التاسع عشر، اقترح هرتزل المقترح الصهيوني للمرة الأولى، المقترح الذي ضم وطناُ بديلاُ ليهود أوروبا، بعد شعورهم بالظلم والاضطهاد بين المسيحيين في أوروبا، وكانت الخطة دقيقة، لتشمل حجة مقنعة لليهود ليترحلوا إلى هذا الوطن البديل، وكانت تنفيذ هذه الذريعة بإقحام الدين اليهودي في خطة الرحيل، للتحايل على عاطفة هذا المجتمع المتدين، بإقناعهم بأن هذا نضال ديني، وأن قتل أي شخص يدين بديانة غير اليهودية يستحق القتل، حتى وإن كان طفلاً، بحسب المزاعم الصهيونية، ونجحت هذه الخطة لإقناع المجتمع اليهودي، وتم اختيار الوطن البديل بعد وضع عدة احتمالات، ووقع الاختيار على فلسطين التاريخية، استنادً بشكل رئيسي إلى عامل الموقع الجغرافي، الذي سيساعد في النمو الاقتصادي لهذا الوطن البديل. في الشؤون الدولية، ليس الدين من عوامل قيام الدول، إنما ما يحدث في دولة إسرائيل هو على العكس تماماً، تُعطى الجنسية الإسرائيلية لأي مواطن في العالم إذا كانت ديانته الديانة اليهودية، وهو الأمر الذي يثبت أن هذه الدولة تعتمد بشكل محوري على الدين لاستقطاب المواطنين، استعطافهم، واستمالتهم لتشجعهم على معاداة غير الديانة اليهودية، ومع الأسف استطاع هذا النظام أن يخدع العقول، ويوهم الناس بأن هذه حرب دينية، وأن الفلسطينيين يحاربون بسبب الدين، ما يجعل هذه الحرب الإنسانية حصراً على المسلمين، وفي بعض الأوقات المسيحيين، ويمنع "الإنسان" من أي عرق أو أي دين آخر بالتضامن مع هذه القضية الإنسانية.