logo
هل تُنهي حملات التوقيف «انتهاكات» المؤثرين في مصر؟

هل تُنهي حملات التوقيف «انتهاكات» المؤثرين في مصر؟

الشرق الأوسطمنذ 2 أيام
أثارت حملات التوقيف التي نفّذتها الأجهزة الأمنية في مصر ضد عدد من مؤثري تطبيق «تيك توك» جدلاً واسعاً وتساؤلاتٍ حول ما إذا كانت هذه الإجراءات، التي أسفرت عن توقيف 7 أشخاص على الأقل خلال يومين، ستضع حدّاً لما يعدّه بعضهم «انتهاكات لقيم المجتمع» تُبث عبر التطبيق الشهير.
وأعلنت «الداخلية المصرية»، في بيانات منفصلة، عن توقيف عدد من مشاهير «التيك توك» استناداً إلى بلاغات متعدِّدة قُدمت ضدهم تتهمهم بنشر مقاطع فيديو تتضمن «ألفاظاً خادشةً للحياء العام، وتُروِّج لسلوكيات تتنافى مع الآداب العامة والقيم المجتمعية».
وحسب بيانات متعددة، تضمنت الحروف الأولى وصور الموقوفين، فإن بعضهم اعترف ببث الفيديوهات من أجل تحقيق أرباح أكبر عبر التطبيق الذي يُتيح للمتابعين دفع أموال للمؤثرين خلال البث المباشر الذي يقومون به.
وكان لافتاً في عمليات التوقيف الإعلان عن ضبط مواد مخدّرة بقصد التعاطي بحوزة أحد المؤثرين ومدير أعماله أثناء توقيفهما، علماً بأن الأخير ضابط سابق قدّم استقالته من وزارة الداخلية قبل فترة. وفي السياق، رصدت «الشرق الأوسط» تراجعاً في عدد جلسات «البث المباشر» عبر حسابات يومية عدّة تبث من داخل مصر.
منح البرلمان إدارة التطبيق مهلة لتوفيق أوضاعه (حساب التطبيق)
وقال رئيس لجنة الاتصالات في مجلس النواب، النائب أحمد بدوي، إن اللجنة منحت الشركة المالكة لتطبيق «تيك توك» مهلة مدّتها 3 أشهر، انقضى منها شهر واحد، لتطبيق آليات رقابية فعّالة تحظر نشر المحتوى المنافي للأخلاق. وأشار إلى أن اللجنة ناقشت خلال اجتماع حضره المدير الإقليمي للتطبيق وممثلون عن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات التهديدات المتزايدة الناجمة عن انتشار محتوى مخلّ على المنصة.
وشدّد النائب أحمد بدوي، في تصريحات صحافية، على أن التوصيات شملت ضرورة وضع ضوابط واضحة لإنشاء الحسابات، إلى جانب مراقبة دقيقة للمحتوى، والتعامل السريع مع أي مواد خادشة للحياء أو خارجة عن الأعراف المجتمعية. ولفت إلى وجود تعديلات مرتقبة ستطول قانون «مكافحة جرائم تقنية المعلومات»، بناءً على ما قدّمته الحكومة في دور الانعقاد المقبل للمجلس.
وتتضمّن التعديلات تشديد العقوبات المتعلّقة بجرائم الابتزاز والنصب الإلكتروني، والتعدّي على القيم الأسرية، لا سيما ما ينشره بعض صانعي المحتوى من ألفاظ وأفعال خارجة لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المصري ولا تراعي البعد التربوي، وفقاً لبدوي.
وتفاعل عدد كبير من المشاهير مع أخبار توقيف مؤثري «تيك توك»، بين من عدّوا أن المنصّة تحوّلت إلى وسيلة سريعة لكسب المال، وآخرين شكروا «الداخلية» على عمليات التوقيف؟
#التيك_توك فى مصر بقى عامل زى غزو اقتصاد #التوك_توك ..فجأه موجود فى كل الشوارع ،اى حد يسوقه فى اى سن ، بدون ترخيص واخد مخدرات و يمشى عكس الاتجاه و يعمل حوادث و يموت ناس ..حاجة سهلة بتجيب فلوس بدل ما نشتغل شغلانه بجد .. ده مجتمع ذاهب إلى الهاوية ان لم ننتبه .#المعرفة_هي_الحل
— Lamees elhadidi (@lameesh) August 2, 2025
#شكراً_رجال_الداخليةبجد الصفحة الرسمية لوزارة الداخليةعاملين عظمة وبجد #تحيا_مصربيان اعلاميفى إطار ورود عدد من البلاغات ضد صانعتى محتوى لنشرهما مقاطع فيديو بمواقع التواصل الإجتماعى تتضمن ألفاظ خادشة للحياء والخروج على الآداب العامة وإساءة إستخدام#التيك_توك pic.twitter.com/LQPW4db9i3
— ابنة الشهيد✌️✌️ (@kcB532) August 3, 2025
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكد عزيز سابق، عضو لجنة «الاتصالات» في مجلس النواب، أن «الجهات الرقابية لن تكتفي بالتحرك الأمني فقط، بل ستواكب المتغيرات المستحدثة في الجرائم الرقمية من خلال التحديث الفوري لأي تشريعات قائمة»، مشدداً على المتابعة الصارمة لما يُنشر، ومواجهة كل مخالفة للقانون.
وفي السياق، تشير أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة هالة منصور، إلى أن «الملاحقة الأمنية وحدها غير كافية للحد من هذه الظاهرة»، مؤكدةً أن «بعض فئات الجمهور تتأثر سلباً بهذا المحتوى دون وعي، في حين لا تُعد بعض الانحرافات القانونية جرائم صريحة، بل مؤشرات على تراجع القيم المجتمعية».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط»، أن «بث تفاصيل الحياة اليومية بشكل فجّ أو متعمّد يُعد انحرافاً أخلاقياً، لكنه لا يُحاسب عليه القانون لأنه لا يُصنّف جريمة»، مشيرةً إلى أن «بعض صانعي المحتوى يحققون شهرة ومكاسب مالية على حساب القيم العامة، ما يشكل تحدياً أخلاقياً وثقافياً، يستوجب تطبيق الحجب الفوري لتطبيق (تيك توك)، لأنه الوحيد الذي يوفّر عوائد مالية بهذا الحجم لصنّاع المحتوى».
من جانبه، عدّ المحامي أيمن محفوظ، الذي تقدّم ببلاغات ضد عدد من صنّاع المحتوى، توقيف وزارة الداخلية لهم «تطبيقاً لصحيح القانون نتيجة إساءة استخدام الإنترنت عبر نشر محتوى يحضّ على الفسق والفجور»، حسب تعبيره. ورأى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «ضبط مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية في منازل بعضهم يُرجّح تورطهم في جرائم اتجار وحيازة غير مشروعة للنقد الأجنبي، وهي جريمة إضافية تتراوح عقوبتها بين السجن من 3 إلى 10 سنوات، بالإضافة إلى الغرامة المالية».
وأضاف أن «وجود مواد مخدّرة بحوزة بعضهم بقصد الحيازة أو التعاطي يضعهم تحت طائلة قانون مكافحة المخدرات، بعقوبة تصل إلى الحبس مدة لا تقل عن عام»، مشدداً على أن «التطبيق الصارم للقانون سيمنع غيرهم من تكرار ما فعلوه».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الشرع: منفتحون على أي مبادرة تدعم استقرار المنطقة
الشرع: منفتحون على أي مبادرة تدعم استقرار المنطقة

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

الشرع: منفتحون على أي مبادرة تدعم استقرار المنطقة

أفاد الرئيس السوري أحمد الشرع، الثلاثاء، أن دمشق منفتحة على أي مبادرة تدعم أمن واستقرار المنطقة. وأكد الشرع خلال لقائه مع مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول في دمشق، الثلاثاء "انفتاح سوريا على أي مبادرات صادقة تدعم أمن واستقرار المنطقة، بشرط احترام سيادة البلاد وقرارها الوطني المستقل"، وفق ما ذكرته الوكالة العربية السورية للأنباء. وبحث الشرع والمسؤول البريطاني العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة وذلك بحضور وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني، ورئيس الاستخبارات العامة حسين السلامة. حزمة مساعدات إلى سوريا في سياق متصل، أعلنت الحكومة البريطانية اليوم إرسال حزمة من المساعدات الإنسانية لأكثر من 85 ألف شخص في سوريا لدعم الاحتياجات الإنسانية، بحسب "سانا". وقالت الحكومة البريطانية في بيان على موقعها الإلكتروني: إن حزمة المساعدات تتضمن دعماً طبياً وإنسانياً يشمل توفير مواد غذائية ومياه نظيفة ورعاية صحية أساسية للنازحين ومستلزمات النظافة العامة والصرف الصحي في كل من السويداء ودرعا وريف دمشق. كما أوضحت الحكومة أن المساعدات تشمل إرسال فرق طبية متنقلة لتقديم الرعاية الصحية العاجلة وتوزيع الأدوية ومعدات الرعاية للحالات الطارئة على المراكز الصحية، مشيرة إلى أن قيمة هذه المساعدات تبلغ 1.7 مليون جنيه استرليني، وسيتم تنفيذها من خلال شراكات مع "صندوق الأمم المتحدة للسكان" و"هيئة الإغاثة الطبية الدولية" ومنظمات سورية محلية بالتعاون مع "صندوق الدعم من أجل سوريا". وأكدت الحكومة البريطانية التزامها بضمان الأمن الإقليمي والعالمي، مشددة على اتخاذ إجراءات لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها. وأعلنت بريطانيا، في الخامس من يوليو/تموز الماضي، إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بينما كان وزير خارجيتها، ديفيد لامي، يزور دمشق، حيث أجرى محادثات مع الرئيس أحمد الشرع. وكانت بريطانيا قطعت علاقاتها مع دمشق منذ منتصف عام 2012 بعد تصاعد الاحتجاجات في سوريا. وأعلنت وزارة الخزانة البريطانية في أبريل (نيسان) الماضي رفع تجميد الأصول المفروض سابقاً على وزارتي الدفاع والداخلية، وأجهزة الأمن، في سياق إجراءات أوروبية لرفع العقوبات عن سوريا بشكل كامل.

حتى لا تختنق بيروت تحت الرماد!
حتى لا تختنق بيروت تحت الرماد!

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

حتى لا تختنق بيروت تحت الرماد!

«قتلني وما حاكموه»! واحدة من اليافطات التي رفعها مواطن في تظاهرة يوم 4 أغسطس (آب)، التي تقول ببساطة: وعد الخمسة أيام صار خمس سنوات على التفجير الهيولي لبيروت، وما من متهم وراء القضبان. يافطة وجّهت باسم المشاركين في التظاهرة رسالة إلى الجهات التي عرقلت التحقيق بعدما عجزت عن «قبع» المحقق العدلي: لا تراهنوا على الوقت لن نتعب، سنطاردكم في أحلامكم. لا تراهنوا على النسيان ومحو الذاكرة فلن ننسى. لا تراهنوا على مصادرة الحقيقة لانتزاع المسامحة، وحده الفيصل قوس المحكمة لإعلان الحقيقة والعدالة؛ لأن في ذلك يسقط «قانون الإفلات من العقاب» ورموزه، فيتحقق استقلال السلطة القضائية، وقد أصبح المحقق العدلي طارق البيطار حارسها! الذين نزلوا إلى الشارع في أغسطس (آب) اللهاب وهم عائلات مع أطفالها وفتيانها وشاباتها وكثير من المسنين، كما الذين تابعوا الحدث من خلال الشاشة الصغيرة، التقوا على رفض ترك بيروت، العاصمة التي تمسكت دوماً بالحياة والثقافة والانفتاح، تختنق تحت رماد مرفئها ووسطها، حيث ما زالت بعض المباني أنقاضاً. التقوا على تأكيد رفضهم ترك القضاء أداة التسليم بشريعة الأقوى. جددوا القول بأن حدث 4 (آب) 2020 هو جريمة دولة، ولتاريخه كل المتهمين، وكثر ادعى عليهم البيطار بجناية «القصد الاحتمالي بالقتل، ما زالوا على كراسيهم، وما دام لم يصدر بعد القرار الاتهامي فإن العدالة ستبقى معلقة. وعلى الوجوه وفي المآقي التي جفت دموعها وجّه الحضور رسالة عميقة عن معنى العيش في بلدٍ يعرف فيه الناس أن المتهم بارتكاب الجريمة محمي والضحية منسيّ، والتعامل مع الناس يكون أنهم مجرد عدد وأرقام! كثر من المشاركين قالوها مدوية: قتلانا اغتيلوا بدم بارد ولن يعودوا، ونحن لم نغادر الساحة من أجل العدالة فلا تتكرر الجريمة. رغم أن التجارب مقلقة عن حق، كتب الأستاذ سمير عطالله (وهو أحد جرحى التفجير الرهيب) عن «تاريخ النسيان»، مشيراً إلى أنَّه أمام جرائم الاغتيال الكبرى التي ضربت لبنان ومزَّقته ساد طقس الاعتياد بألا «يطالب أحد بمعرفة الفاعل»، حتى ولو كان الحدث «جريمة وطنية نسفت بيروت»! لكن ما هو حاصل اليوم، والمستمر منذ 5 أعوام، يحمل إصراراً على القطع مع ذلك الماضي، الذي شهد تسجيل الجرائم الكبرى ضد مجهول، وإصراراً على مواجهة قوى استبداد وتبعية، بعضها ما زال موجوداً ونافذاً، ونجح مراراً في تعطيل التحقيق العدلي وأوقفه على فترات تجاوزت العامين. لبنان بعد ثورة «17 تشرين» يتبدَّل، ولبنان بعد حرب «الإسناد» التي دمرته غير ما كان. هناك حالة جديدة في البلد، وعمل يحمل الكثير من المعالم الجادة لبسط السيادة دون شريك، واستعادة الدولة والقرار. وهذه الحالة تتقدم وإن بصعوبة، والثابت أن المراوحة تتعطل بدليل قبول المواطنين لأول مرة مشاركة العديد من الوزراء الحاليين في المظاهرة، وكان قد سبقهم رئيس الحكومة نواف سلام إلى التعهد بأن «لا دولة قانون بلا محاسبة»، و«المحاكمة العادلة ليست مِنة من أحد، بل هي واجب الدولة وحق الضحايا لضمان العدالة». تفجير المرفأ وتدمير وسط بيروت، وسقوط أكثر من 240 ضحية ونحو 7 آلاف جريح، بينهم أكثر من ألف معوق، وتهجير قسري لنحو 300 ألف مواطن نصفهم لم يتمكن من العودة، ومأساة توقف الزمن عند الكثيرين عند الساعة 6 و7 دقائق، ما كان كل ذلك ليحصل لو تحمل أركان السلطة زمن الرئيس السابق ميشال عون مسؤولية من تخزين وسادة الموت تحت أسرّة الناس. تلك الجريمة هي الابن الشرعي لزمن سلاح «حزب الله» اللاشرعي، وأمام مجلس الوزراء مسؤولية اتخاذ قرار الخروج من هذه الحالة المرفوضة شعبياً ووطنياً. ولو وُجِد في موقع القرار من يولي الأولوية للحفاظ على أمن العاصمة وحيوات أهلها، ما كان محور الخراب قد تمكن من إقامة مترو أنفاق موت ومخازن صواريخ ومسيرات مزروعة تحت منازل الآمنين في ضاحية بيروت الجنوبية وعشرات المدن والبلدات في الجنوب والبقاع. ينبغي للقرار الاتهامي المنتظر أن يجيب عن الأسئلة الحرجة: من الجهة مالكة نيترات الموت؟ من نقلها لمرفأ بيروت؟ ومن المسؤول عن إدخال الشحنة وتفريغها ثم حمايتها والتغطية على وجودها؟ وما الأدوار المباشرة لوزراء تعاقبوا وقضاة وقادة أمنيين كبار؟ وكيف حدث التفجير؟ وما دور «حزب الله» الذي سبق له وحاصر التحقيق العدلي وهدد بلسان وفيق صفا، كبير مسؤوليه الأمنيين، بـ«قبع» المحقق العدلي! وكيف وبشراكة من، وحماية من، تم نقل كميات إلى دمشق استخدمت في البراميل المتفجرة التي ألقاها النظام البائد على المواطنين السوريين؟ فقط عبر الأجوبة عن هذه الأسئلة وسواها ينتهي زمن تهشيم علاقة العاصمة بالسلطة، ويفتح باب استعادة الثقة عندما يشعر المواطن بأن هناك من يحمي ويحاسب. إذاك تمحو المدينة عن وجهها رائحة خلّفتها «نيترات الأمونيوم»، وتنهض العاصمة من تحت الرماد الثقيل!

التنوع في العالم العربي
التنوع في العالم العربي

الشرق الأوسط

timeمنذ 2 ساعات

  • الشرق الأوسط

التنوع في العالم العربي

تحت عنوان «إدارة التنوع في العالم العربي»، وفي هذا المقام نشرت مقالاً قبل ثماني سنوات في 26 أبريل (نيسان) 2017 يتعرض لقضية «التنوع» العرقي والديني والمذهبي والقبائلي والنوعي في العالم العربي. كان قد مر يومان على انعقاد ندوة في الجامعة الأميركية بالقاهرة مشاركة بين منتدى الجامعة ومركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية لمناقشة القضية. الندوة كانت استجابة لواقع عربي صعب وعنيف أعقب «الربيع العربي»، الذي خلق أشكالاً من النزاع والحروب الأهلية، لعب فيها البعد الإثني دوراً كبيراً في دول عربية. وكان دوري في الندوة هو وضع نوع من الإطار الذي يعطي الحوار توجهاً نحو معالجة الحالة المتوترة، وليس تعميقها باتجاه الصراع. ولم يكن هناك بد من استعادة المشهد التراجيدي في الشرق الأوسط بعامة، والعالم العربي، في ذلك الوقت. وبعيداً عن الدخان المتصاعد، والحرائق المستعرة، والمدن المدمرة، والموتى والقتلى والجرحى واللاجئين والنازحين؛ فإن مشهداً بدا ممثلاً للمآسي القائمة على نفي «التنوع»، يظهر في عملية اتفاق أطراف متنازعة في سوريا على التبادل السكاني بين المناطق، فيذهب الشيعة إلى حيث يوجد الشيعة، والسنة إلى حيث يوجد السنة، حتى نصل إلى حالة نقية من التطهير العرقي؛ فلم يجد الإرهاب مشكلة أخلاقية في تفجير حافلة ساعة التبادل البشري فتختلط الدماء والجثامين في لحظة درامية بشعة لا تعرف سنة ولا شيعة! وقتها أخذت منهجاً أكاديمياً راجع المقتربات القومية والاشتراكية والليبرالية من القضية المتعسرة في الإقليم. والآن وبعد عقود من الحروب الأهلية، ومعايشة استخدام الأسلحة الكيماوية في «حلبجة»، والفرار للموت بالبحر المتوسط في سوريا، وتجاوزات «الثلث المعطل» في لبنان، فإن قضية التنوع ترفرف على ساحات الصراع في السودان وسوريا ولبنان واليمن؛ والمنازعات السياسية الحادة في العراق ودول عربية أخرى. وفي الظاهر حرب غزة الخامسة، وتوابعها من أشكال الحرب الإقليمية، وتأثيرها على دول عربية متعددة، فمن الأهمية بمكان الالتفات الجاد لهذه المسألة. لم يكن ذلك لندرة في العلم والمعرفة. كان الراحل الدكتور سعد الدين إبراهيم من أوائل من تعرضوا لمسألة الأقليات في الوطن العربي العرقية أو الدينية، مؤكداً أنها سمة أساسية من سمات الوطن العربي؛ وقدر أن 15 في المائة من سكان المنطقة العربية هم من الأقليات.الآن فإن الصورة ليست مختلفة كثيراً من حيث إنشاء خلل حاد في الدولة الوطنية العربية، مما يجعل مظاهر الاستقرار، ومن ثم التنمية المادية والبشرية تبدو بعيدة جداً. وهذا ما شهدناه خلال الشهور والأسابيع الأخيرة في السويداء السورية، وكيف تفاعل «الدروز» والقبائل العربية والحكومة السورية في ساحة واحدة تحت سماء تسيطر عليها الطائرات الإسرائيلية قاصفة دمشق وبقية الجنوب السوري في آن واحد. وجرى ذلك بينما يجري تقسيم السودان بين تحالف الحكومة «الشرعية» في الخرطوم، وتحالف حكومة «الدعم السريع» في «نيالا» عاصمة ولاية دارفور. الواقع هو أن العالم العربي بات مقسماً ما بين 11 دولة عربية ترتكز على مفهوم «الدولة الوطنية Nation State»، و11 دولة عربية أخرى تعيش انقسامات حادة ينفصل فيها السلاح عن السلطة السياسية؛ وحيث لا توجد انقسامات عرقية، فإن الانقسامات «الجهوية» تكفي لتهديد سلامة الدولة. كلا الأمرين - الدولة الوطنية والدولة المنقسمة - يحتاج إلى استئناف الزخم الفكري للتعامل مع التنوع في العالم العربي. وفي الحقيقة فإن هناك الكثير الذي يمكن الاستفادة منه من الدولة الوطنية الحالية وتجربتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store