logo
عواقب موقف ترامب في أوكرانيا

عواقب موقف ترامب في أوكرانيا

إيطاليا تلغراف٠٦-٠٧-٢٠٢٥
إيطاليا تلغراف
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية
كان إيقاف الحرب بين روسيا وأوكرانيا من ضمن تعهدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن أكثر من مرّة أنه من خططه الأساسية بعد انتخابه، وأغدق مجاملاتٍ على الرئيس بوتين في سبيل التقرّب من الجانب الروسي قليلاً، ووجّه لوماً لأوروبا ولسلفه جو بايدن الذي كان يتصدّر الموقف في دعم أوكرانيا. ظنّ ترامب أن وصوله إلى البيت الأبيض سيحرّك بوتين لتوطيد العلاقة به وإيقاف الحرب تلبيةً لطلبه، ولكن ما حصل بعد وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة مُحبط في هذا السياق، وغير مطمئن، ولا يصبّ في أي حال في صالح وقف المعارك. وكان الرئيس الأوكراني زيلينسكي قد دعا إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار، ولم يلتفت بوتين إلى ذلك، بل استمرّ بزخمه العسكري، ما دفع ترامب إلى أن يكتب على 'السوشال تروث': 'فلاديمير، توقف'. وبالأمس فقط هاتف ترامب بوتين، ودار حديثهما بالطبع عن وقف الحرب. ولكن ما إن أغلق الهاتف، حتى انهمرت الطائرات المسيّرة والصواريخ على أوكرانيا، ما أظهر أن بوتين غير راغبٍ في أي حالة سلام، ويستغل الضغط الأميركي على زيلينسكي ليزيد من مكاسبه على الأرض فقط.
يستخدم بوتين موقف ترامب إلى أقصى حد، ويتغوّل في قصف الأوكرانيين، غير عابئ بالفاتورة البشرية التي تسقط على الجانب الأوكراني، ولا حتى بخسائر روسيا المتفاقمة مع حملاته الغزيرة التي سرّعت أخيراً من تقدّمه، وإنْ على حساب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة… تساعد مواقف ترامب المتذبذبة في تشدّد بوتين العسكري، والمشهد الذي رآه العالم في البيت الأبيض لترامب ونائبه يتناوبان في التهجّم على زيلينسكي ومحاولة إسكاته شاهده بوتين، ووظّفه لصالحه في أرض المعركة. عاد ترامب بعدها إلى تليين موقفه، فتكلم مع زيلينسكي، وعقد معه اتفاقاً مهماً حول المعادن الثمينة، فتقدّم بوتين في أراضٍ أوكرانية تحتوي على بعض من تلك المعادن من دون الالتفات إلى موقف ترامب الذي أوقف، في الأسبوع الماضي، شحنة أسلحة مهمة كانت في طريقها إلى أوكرانيا، بينما بوتين في خضم حملة قصف جوي شديدة طاولت مساحات كبيرة، وأهداف بعضها مدني، في أوكرانيا… لا يساعد موقف ترامب المتراقص أي سلام ممكن، ولا يؤدّي إلى تحقيق ما ردّده بأنه قادر على أن يوقف الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة.
يبدو ترامب بمواقفه المتأرجحة حائراً في كيفية معالجة الأمر، فهو يرغب في التمسّك بتعهده القاضي بإنهاء المسألة، وضغط على زيلينسكي لتحقيق ذلك، وقد بدا زيلينسكي كأنه الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، وظهر في لحظة ما خائر القوى، ومستعدّاً للتجاوب، ولكن بوتين حافظ على موقفه المتصلب الجاد في المضي بالحرب، ومن دون أن يبني ترامب استراتيجية واضحة لوقفها تبدو الفرص قليلةً مع شخصٍ مثل بوتين الذي يشكل الموقف الأميركي المتذبذب حافزاً إضافياً له ليبقي ضغطه متواصلاً على أوكرانيا. ولا يبدو الموقف الأوروبي مؤثراً كثيراً، رغم أن دولاً أوروبية تقدّمت بخطوة تحدٍّ نحو بوتين بتقديم مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا. في إعلان مساندة راسخة في أوج هجوم بوتين الجنوني، تقول أوروبا إنها لا تنوي التخلي عن أوكرانيا، وهو موقف إيجابي، ولكنه غير كافٍ.
قد لا يستطيع ترامب إنهاء الحرب بالتعادل، ولكنه يستطيع أن يوقف الهمجية الروسية لبوتين الذي يوغل في دماء الأوكرانيين، وفي وسعه تكثيف العقوبات وإعادة تزويد أوكرانيا بالأسلحة القادرة على توقيف المسيّرات والصواريخ. وبالتعاون الأوروبي الأميركي، يمكن تحويل القاعدة الحالية للحرب التي يتقدّم بوتين فيها على الأراضي الأوكرانية، إلى وضع معاكس. ورغم أن بوتين ما زال قادراً على تمويل حربه، إلا أن تلك الحرب تكبل يديه في الداخل وتحرجه أمام أنصاره، وقد يضطرّ إلى تغيير بعض من مواقفه، وتصبح الأمور أكثر سهولة في تحقيق السلام، ولكن ذلك يبقى رهناً بقدرة ترامب على حسم ما يجب حسمه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العربية: تحطم طائرة صغيرة شرق إنجلترا بعيد إقلاعها تجاه هولندا
العربية: تحطم طائرة صغيرة شرق إنجلترا بعيد إقلاعها تجاه هولندا

خبر للأنباء

timeمنذ 3 ساعات

  • خبر للأنباء

العربية: تحطم طائرة صغيرة شرق إنجلترا بعيد إقلاعها تجاه هولندا

الخارجية الروسية تصف ما نشره موقع أكسيوس عن بوتين بأنه "حملة مسيسة قذرة" إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف للاحتلال استهدف منطقة الزوايدة وسط قطاع #غزة الإدارة الذاتية الكردية: مستعدون للاندماج في مؤسسات الدولة على أساس ديمقراطي مصادر مصرفية: الريال اليمني يسجل في آخر تداولات الصرف في #صنعاء 537 ريالاً لشراء الدولار و 140.5 ريالاً لشراء الريال السعودي #وكالة_خبر مصادر مصرفية في #عدن: الريال اليمني يواصل الخسارة أمام العملات الأجنبية ويسجل 2838 ريالاً لشراء الدولار و 746 ريالاً لشراء الريال السعودي #وكالة_خبر الرئيس المصري: العديد من الدول الأفريقية نجحت في تحقيق معدلات نمو فاقت المعدلات العالمية وقطعت شوطاً طويلا في التعامل مع التحديات القاهرة الأخبارية: 59 شهيدا جراء غارات الاحتلال على قطاع ‎#غزة منذ فجر اليوم بينهم 17 في مجزرة بمنطقة السامر وسط المدينة

الخارجية الروسية تصف ما نشره موقع أكسيوس عن بوتين بأنه "حملة مسيسة قذرة"
الخارجية الروسية تصف ما نشره موقع أكسيوس عن بوتين بأنه "حملة مسيسة قذرة"

خبر للأنباء

timeمنذ 3 ساعات

  • خبر للأنباء

الخارجية الروسية تصف ما نشره موقع أكسيوس عن بوتين بأنه "حملة مسيسة قذرة"

وجاء في بيان الوزارة: "لا يمكن للمرء إلا أن يخمن من كان صاحب الطلب هذه المرة، ولكن أحد أحدث المنشورات في الموقع تحت عنوان "سبق صحفي": بوتين يدعو إيران إلى قبول صفقة مع الولايات المتحدة تتضمن "تخصيبا صفريا"، هو على ما يبدو حملة قذرة ومسيسة أخرى يتم إطلاقها بهدف تصعيد التوترات حول البرنامج النووي الإيراني". ونوهت الوزارة بأن موسكو أكدت مرات كثيرة على ضرورة حل الأزمة المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني بالوسائل السياسية والدبلوماسية فقط، وأعربت عن استعدادها للمساعدة في إيجاد حلول مقبولة للطرفين. وختمت وزارة الخارجية الروسية قائلة: "ندعو وسائل الإعلام العالمية المسؤولة إلى الاعتماد على المصادر الرسمية للمعلومات، والبحث بعمق في الموضوع، وعدم نشر الأكاذيب". من جانبه، نفى مصدر إيراني مطلع أمس السبت، المزاعم بأن الرئيس الروسي أرسل رسالة إلى طهران بشأن وقف تخصيب اليوانيوم. وقال المصدر إن "طهران لم تتلق مثل هذه الرسالة من بوتين بأي شكل من الأشكال. في آخر لقاء للرئيس الروسي مع عراقجي، لم تطرح مثل هذه المسألة في ذلك الاجتماع. بعد ذلك، لم يتم تبادل أي رسائل حول التخصيب الصفري عبر قنوات الاتصال بين روسيا وطهران". وكان موقع أكسيوس قد زعم نقلا عن مصادر قولها إن الرئيس بوتين أبلغ نظيره الأمريكي دونالد ترامب والمسؤولين الإيرانيين بأنه يؤيد فكرة إبرام اتفاق نووي لا تستطيع طهران بموجبه تخصيب اليورانيوم.

نعم نحن في القرن الواحد والعشرين!
نعم نحن في القرن الواحد والعشرين!

أخبار اليوم الجزائرية

timeمنذ يوم واحد

  • أخبار اليوم الجزائرية

نعم نحن في القرن الواحد والعشرين!

بقلم: صبري صيدم نعم إنه القرن الواحد والعشرين الذي سماه البعض بقرن الأحلام فربط به مفاهيم التطور والحداثة والبراعة والازدهار والحرية والتقدم والتألق حتى أصبح مضرباً للمثل ومنارة يهتدى بها وعنواناً ناصعاً للدلالة على التّغير والألق والرقي والإبداع. مقالات ودراسات واجتماعات وقمم حملت في عناوينها مصطلح القرن الواحد والعشرين للدلالة أيضاً على ما اقتنع به البعض وهو التحول من الحروب إلى الهدوء ومن التخلف إلى الحضارة ومن الموت إلى الحياة. قرن أراده البعض أن يشهد ازدهار العولمة وحوار الحضارات وتنامي المعرفة وتوسع المعلوماتية وبروز الاقتصاد المعرفي واكتساح الإنترنت وتميّز عوالم الحوسبة السحبية والذكاء الاصطناعي والخلايا الجذعية وكبريات البيانات وتصاعدا واضحا لمفاهيم الحريات والقرية الكونية والمواطن المرتبط بكامل منظومة الخدمات المحوسبة وفي كل القطاعات تعليما صحة تجارة طاقة إلخ. *سايكس بيكو جديد هكذا تفاءل العالم في ما أراده وفي ما سعى إليه وخطط له ونظّر لصالحه ليكون بمثابة الحيز المختلف عن عصور التخلف الفائتة من استعمار وظلم وفقر وجهل وطغيان. رسائل القرن الفاضلة كلها تحطمت أمام سايكس بيكو جديد يمثله كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فكلاهما اجتمعا على تقسيم الكعكة وتطبيق متجدد لرؤية سايكس بيكو القديمة في إحياء لما تم الاتفاق عليه بين 23 نوفمبر 1915 و3 يناير 1916 وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و16 ماي 1916 بحيث يتم تقاسم العالم العربي بين فرنسا وبريطانيا في حكم استعماري طال. اليوم وفي كل يوم من وجود ترامب ونتنياهو في السلطة يتجدد النهج ذاته في فلسطين والقائم على المفاهيم التالية: 1 ـ ألا رأي للفلسطينيين فإسرائيل تريد وأمريكا تفعل ما تريدانه هي وإسرائيل. 2 ـ تستباح جغرافيا فلسطين وتجزأ وتوزع وتقسم وتبتر بينما لا خيار للفلسطيني إلا الرحيل أو التحول إلى خدم مطيعين لنزوات نتنياهو ورؤيته في طرد الفلسطينيين وتحويل أرضهم إلى مشروع استثماري يسرق فيه غازهم وتتحول جغرافيتهم إلى رابط بين الشرق والبحر المتوسط وبين الهند وإسرائيل ضمن مشروع تجاري ضخم. 3 ـ حرمان الفلسطينيين من دولتهم المستقلة وتقرير مصيرهم واستقلال دولتهم وعودة لاجئيهم. 4 ـ توزيع ما تبقى من دول الشرق الأوسط: إلى دول تسقط في شرك ما يعرف بالتطبيع أو تستهدف في إطار مواجهة مباشرة أو تخنق وترّكع مالياً عبر غرقها في ديونها ويحرم اقتصادها من التطور والثبات. ولعل ما جرى خلال لقائي ترامب ونتنياهو الأخير فجر الثامن من جويلية عام 2025 يؤكد هذا النهج! فالرجلان يرفعان ويكسران وينصبان ويجران ما أرادا من فعل ممهور بتجاوز واضح للمكان وتاريخه وشعبه وضحاياه ونكباتهم ومعاناتهم. فترامب يبحث عن وقف إطلاق النار في غزة للبدء بتهجير الفلسطينيين مؤكداً لشريكه نتنياهو بأنه قد تلقى تفاعلاً إيجابياً من قادة المنطقة لتنفيذ هذه الرؤية وليرد عليه نتنياهو بأن لا دولة للفلسطينيين لأنها حسب زعمه غير مقبولة من قبل شعبه الذي يرى أن هذه الدولة لن تكون إلا لتدمير إسرائيل! ويصر على أن يحمل هو راية الأمن والسيطرة والإطباق على إرادة الفلسطينيين. نشوة هذا وذاك توّجت بتسليم نتنياهو المطلوب من قبل محكمة الجنايات الدولية لترامب رسالة ترشيح للأخير لجائزة نوبل للسلام ترشيح من قبل من يقف على مخزون إبادة الفلسطينيين لمن زوده بالنار والبارود ليفوز بأرقى جوائز البشرية! نعم هذا هو القرن الواحد والعشرين بتجرد وبساطة. يقول أحدهم: إنَّ المأساة الحقيقيّة ليست القمع والقسوة التي يمارسها الأشرار بل الصمت الذي يُبديه الأخيار .. فهل يتخلى الأخيار عن صمتهم أم يستمر الحال على حاله؟ ننتظر ونرى.. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store