
ماذا تعرف عن الكتب البيضاء التي حوت خطط الصين للأيام السوداء؟
سيفتح هذا الإصدار الباب لسلسة من الإصدارات التي أتت لاحقا، سميت "الكتب البيضاء". فمع النمو الاقتصادي المتسارع للصين، راحت دوائر غربية تطرح أسئلة قلقة حول طبيعة هذا الصعود ومكونه العسكري، ليولد مفهوم "التهديد الصيني" في الفكر الإستراتيجي الغربي. ومن ثمّ؛ أرادت بكين أن تكسر هذه الصورة عبر وثائق رسمية تعلن فيها نيتها، وتُظهر أنها قوة مسؤولة تحافظ على الوضع القائم. كما سعت من خلالها إلى تعزيز الشفافية -ولو جزئيا- وإلى دمج نفسها في النظام الدولي عبر تقديم نظرة عامة عن سياساتها الدفاعية وتطور جيش التحرير الشعبي.
في المقابل، أرادت الصين التعبير للعالم بقدر من الوضوح عن مخاوفها الأمنية والتهديدات التي تعمل على مواجهتها أو إحباطها. وفي الداخل أيضا، أدت هذه الكتب وظيفة تعبوية وطنية، إذ استخدمتها الحكومة لتعميق الوعي الدفاعي لدى المواطنين وتعزيز التماسك الوطني، وتبرير الإنفاق الحكومي المرتفع على المسارات الأمنية.
وفي أجواء ما بعد الحرب الباردة، ومع تنامي الثقة الدولية بإصلاحات دينغ، وجد الغرب في الصين شريكًا اقتصاديًا واعدًا، ففُتحت أمامها الأبواب تدريجيًا نحو المؤسسات الاقتصادية العالمية. وقد بلغت هذه المسيرة ذروتها بانضمام بكين رسميًا إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، وهو حدث مثّل شهادة قبول دولي بالصين كلاعب ملتزم بقواعد السوق العالمية، وفرصة تاريخية لتعزيز اندماجها في النظام الاقتصادي الدولي.
هذا الانفتاح عزز من تدفقات الاستثمار الأجنبي والتبادل التجاري، لكنه في الوقت نفسه ضاعف من توقعات المجتمع الدولي بشأن شفافية سياساتها، بما في ذلك سياساتها الدفاعية والأمنية، وهو ما جعل الكتب البيضاء أداة مهمة لتبديد المخاوف وبناء صورة القوة الصاعدة المنفتحة على الحوار.
ومع مرور السنوات، تحولت هذه الكتب إلى مرجع لفهم تطور الفكر الأمني الصيني. وفي حين ركزت النسخ الأولى على الدفاع الوطني وإستراتيجية الجيش، جاءت الإصدارات اللاحقة لتعكس صعود الصين وثقتها المتزايدة في عرض مصالحها. أما الإصدار الأخير في مايو/ أيار 2025 فقد شكّل نقطة تحول جذرية، إذ لم يعد الأمن مقصورا على الحدود أو الجيش، بل أصبح مفهوما شاملا يمتد إلى الاقتصاد والتكنولوجيا والمجتمع والاستقرار الأيديولوجي تحت قيادة الحزب المطلقة.
فما الذي تكشفه هذه الوثائق عن الطريقة التي ترى بها بكين العالم، وعن طبيعة التهديدات والفرص التي تحدد سياستها الدفاعية؟ وكيف يمكن قراءة كتاب 2025 في ضوء فهم تطور التفكير الأمني الصيني منذ بدء إصدار هذه الوثائق؟
من الدفاع التقليدي إلى المقاربة الشاملة
منذ إصدارها الأول عام 1998، حرصت الصين في كتُبها البيضاء على التأكيد بأن سياستها العسكرية تستند إلى منطق دفاعي مع التعهد بعدم استخدام الأسلحة النووية أولا. عبر هذه السردية، سعت بكين إلى ترسيخ صورة قوة صاعدة ذات نية سلمية وغير ساعية للهيمنة. فهي تذكّر دائما بأنها لم تبدأ حربا قط طيلة تاريخها، وتعهدت بتقليص حجم جيش التحرير الشعبي طواعية، في رسالة تهدف إلى تهدئة المخاوف الإقليمية والدولية من صعودها العسكري.
لكن هذا الطابع الدفاعي لم يبق ثابتا بصورة مطلقة، بل شهد تحولا تدريجيا يعكس توسع المصالح الصينية ونطاق قدراتها. ففي عام 2015، مثّل التحول من مفهوم "دفاع المياه القريبة" إلى "حماية البحار المفتوحة" علامة فارقة في إستراتيجيتها البحرية.
حيثُ لم تعد البحرية الصينية معنية فقط بحماية السواحل، بل أصبحت مكلفة بتأمين الممرات البحرية الإستراتيجية والمصالح الخارجية الممتدة عبر المحيطات. تجلى هذا في بناء أسطول مياه زرقاء، وتكثيف الانتشار في المحيط الهندي، وتنفيذ تدريبات في البحار البعيدة. هذا التوسع الجغرافي يتحدى استمرار بكين في تقديم نفسها بوصفها قوة "دفاعية" بينما تتحرك لحماية مصالحها في نطاق عالمي متزايد.
إلى جانب هذا البعد الجغرافي، شهدت العقيدة العسكرية الصينية تحولا نوعيا في طبيعة الحرب ذاتها. فمنذ عام 2004، انتقلت بؤرة الارتكاز من "كسب الحروب المحلية تحت ظروف التكنولوجيا الحديثة" إلى "كسب الحروب المحلية تحت ظروف المعلوماتية". هذا التحول عمّقته ورقة عام 2019، التي أولت اهتماما بالغا للتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي ومعلومات الكم والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية في الميدان العسكري.
كما حددت الوثائق مجالات جديدة للمنافسة الإستراتيجية مثل الفضاء الخارجي والفضاء السيبراني، باعتبارها ميادين حاسمة في حروب المستقبل. يعكس هذا الإدراك الصيني أن التفوق العسكري لن يُبنى فقط على قوة التكنولوجيا التقليدية، بل على القدرة على دمج الأنظمة المعلوماتية في كل مستويات القتال والدعم، مما يضع الصين على مسار واضح نحو تحقيق "حلم الجيش القوي" بحلول منتصف القرن الـ21.
من تايوان إلى الفضاء السيبراني: إعادة رسم خرائط الأمن
مهما تتعدد وتتعقد المعطيات التي تحكم صياغة العقيدة الأمنية للصين؛ ثمة خط أحمر في قلب هذه المنظومة لا يغادر مكانه رغم تعاقب الأعوام وتباين الأولويات، لا يقبل المساومة ولا التبديل، هو تايوان.
فمنذ مطلع الألفية، كررت الكتب البيضاء أن قوى الانفصال التايوانية تمثل التهديد الأخطر للعلاقات السلمية عبر المضيق. وفي وثيقة عام 2010، طُرح توحيد المضيق بوصفه "مهمة نهائية"، مع فتح باب المشاورات المتكافئة وبحث آلية أمنية لبناء الثقة. لكن الخطاب ازداد حدة في ورقة عام 2019، حيث وُصفت قوى استقلال تايوان بأنها "أخطر تهديد فوري للسلام"، مع تعهد صريح بأن بكين ستتخذ كل الإجراءات الضرورية لمنع الانفصال والتصدي لأي تدخل خارجي.
هذا الاهتمام الآخذ في التصاعد بمسألة تايوان، يرجع بالأساس لاعتبار نزاع السيادة على الجزيرة ليس مجرد نزاع حدودي اعتيادي فحسب، بل المعركة الأكثر رمزية لمحاولة الصين الانعتاق من الطوق الأميركي المفروض على حدودها البحرية عبر سلسلة من القواعد والتحالفات.
بيد أن أولويات الأمن القومي الصيني لم تقف عند حدود مضيق وجزيرة تايوان، بل توسعت لتشمل حماية الحقوق البحرية والمصالح الخارجية المتنامية. حيث شددت ورقة عام 2013 على دور الجيش في حماية المصالح البحرية، بما في ذلك إنفاذ القانون البحري واستغلال الموارد البحرية. وعمّقت وثيقة 2015 هذا النهج بالدعوة إلى التخلي عن "العقلية البرية" وبناء قوة بحرية حديثة قادرة على حماية السيادة وحقوق الملاحة وخطوط الاتصال البحرية (SLOCs) والمصالح الاقتصادية بالخارج.
هذا التوجه تُرجم عمليا بإنشاء "قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي الصيني" في جيبوتي، وهي قاعدة عسكرية تابعة للبحرية الصينية، عززت قدرات الصين على إبراز القوة في القرن الأفريقي وسواحل المحيط الهندي، وهي أول قواعد البحرية الصينية وراء البحار.
الأمن أولا: كيف أعاد كتاب 2025 تعريف الأولويات؟
شكّل الكتاب الأبيض الصيني لعام 2025 نقطة تحول مفصلية في الفكر الأمني الصيني، إذ يُعد أول وثيقة رسمية تركز بالكامل على تقديم مفهوم "الأمن القومي في العصر الجديد"، بصورة تعكس ترسيخ مقاربة "الأمن القومي الشامل" التي طرحها شي جين بينغ عام 2014، والتي تستند إلى فلسفة شمولية تربط بين الأمن الداخلي والخارجي، القوة التقليدية وغير التقليدية، أمن الدولة وأمن الشعب، وأخيرا بين السياسة والاقتصاد والتنمية والأمن. إنها مقاربة توسع مفهوم الأمن ليغطي كل مفاصل الدولة والمجتمع، ويبتلع كل مناشط الحياة.
وفي قلب تلك المقاربة يقف "الأمن السياسي" بوصفه مهمة أساسية وشريان حياة للأمن القومي، فالحفاظ على سيطرة الحزب الشيوعي والنظام الاشتراكي لم يعد في هذه الحالة مجرد سجال سياسي، بل غدا "ركيزة أمنية عليا"، يُنظر إلى أي تهديد لها باعتباره خطرا وجوديا على تماسك الدولة.
من هنا، توسعت أدوات الرقابة والسيطرة لتشمل قطاعات كانت تُعد سابقا خارج نطاق الأمن القومي، مثل التكنولوجيا والتمويل ومنصات التواصل وسلامة الغذاء والدواء. هذه النقلة تمثل تحول الصين نحو نموذج أمني مركزه الحزب، وتطمس فيه الحدود بين الحوكمة اليومية والدفاع عن الدولة.
وبصورة واضحة؛ يؤكد الكتاب على العلاقة العضوية بين التنمية والأمن، مع إعادة ترتيب الأولويات، فلم تعد التنمية تُنتج الأمن، بل بات الأمن شرطا مسبقا للتنمية، وأصبح الاستقرار الاقتصادي والاكتفاء الذاتي التكنولوجي من متطلبات الأمن القومي، وليس مجرد أدوات لخدمة النمو.
وتعزز هذا التصور بصورة مطردة تحت وطأة الضغوط التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ عودته إلى السلطة، عبر فرض رسوم جمركية وسياسات عزل تهدد مكانة الصين في سلاسل الإمداد العالمية.
في هذا السياق الدولي المتوتر، طُرحت بكين "مبادرة الأمن العالمي" (GSI) لتكون إطارا بديلا للأمن الدولي، يناهض ما تعتبره "عقلية الحرب الباردة" التي تقودها الولايات المتحدة. تدعو المبادرة إلى أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام، يقوم على احترام السيادة وتسوية النزاعات سلميا. بهذا، تسعى الصين إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة الأمنية الدولية وفق رؤيتها، دون التزام صارم بتبنّي النموذج الغربي السائد.
بهذا المنظور؛ لا يقدم كتاب 2025 تصورا متطورا للأمن الصيني فحسب، بل يعكس نضجا إستراتيجيا في كيفية فهم الصين لعالم يشهد انزياحات كبرى. وبذلك يتحول الأمن القومي من مظلة لحماية الدولة إلى عدسة لفهم السياسة الصينية في الداخل والخارج، ويصبح تتبع هذه الوثائق الرسمية سبيلا لفهم طريقة تفكير بكين في عالم ما بعد القطبية الأميركية.
هندسة الهيمنة: جيش بمقاييس الطموح الصيني
"يجب أن نبني جيشا يطيع أوامر الحزب، ويستطيع خوض الحروب والانتصار فيها، ويتحلى بالانضباط الرفيع"
بهذه العبارة الحاسمة التي أطلقها شي جين بينغ في أول خطاب له بصفته رئيسا للجنة العسكرية المركزية عام 2012، رسمت القيادة الصينية مسارا طويل الأمد لإعادة بناء جيش التحرير الشعبي ليصبح قوة عالمية حديثة. بدءا من تحديث العقيدة والمبادئ، إلى عملية هندسة هيكلية وتنظيمية عميقة، استهدفت تحويل الجيش من كتلة ضخمة تقليدية إلى آلة قتالية مرنة وفعّالة، قادرة على العمل في بيئة قتال معقدة، متعددة المجالات، وعالية التقنية.
وقد فصّلت الورقة البيضاء لعام 2019 هذه الإصلاحات، التي تُعد الأوسع منذ عقود، وركّزت على إعادة هيكلة القيادة وتعزيز الكفاءة القتالية. شملت الإصلاحات إعادة تنظيم الأجهزة الوظيفية للجنة العسكرية المركزية، وإنشاء هيئات جديدة أبرزها "قوات الدعم الإستراتيجي (PLASSF)"، وتحويل "قوة المدفعية الثانية" إلى "قوة الصواريخ لجيش التحرير الشعبي (PLARF)"، إضافة إلى "تأسيس قوة الدعم اللوجستي المشترك (PLAJLSF)". كان الهدف من كل ذلك محددا، هو "تعزيز القيادة المركزية وتحسين نظم القيادة والسيطرة العملياتية المشتركة"، بما يواكب طبيعة الحروب الحديثة.
وعلى مستوى البنية البشرية والتنظيمية، جرى تقليص عدد القوات، حيث خُفضت القوة العاملة بنحو 300 ألف جندي لتستقر عند مليوني جندي، مع إعادة تشكيل الجيوش الجماعية، وتطبيق نموذج "الفيلق – اللواء – الكتيبة" بدلا من النموذج التقليدي واسع النطاق. كما جرى تعزيز أنواع جديدة من القوات القتالية، بما يجعل الجيش أكثر مرونة وفاعلية في بيئة قتال عالية الكثافة المعلوماتية.
وفي سياق أوسع، حددت الصين أهدافا بعيدة الأمد لتحديث جيشها، تُعرف بعنوان "حلم الجيش القوي" التي طرحها شي جين بينغ، وتتضمن: تحقيق الميكنة العسكرية بحلول عام 2020، والوصول إلى التحديث الكامل بحلول عام 2035، وبناء جيش عالمي المستوى بحلول عام 2049 بحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
ولتحقيق هذه الرؤية، تستثمر بكين بكثافة في البحث والتطوير، مع تركيز خاص على الصواريخ النووية متوسطة وبعيدة المدى، والقدرات غير المتماثلة، والاستجابة السريعة، والحرب المعلوماتية، والدفاع السيبراني.
أما من حيث الإنفاق الدفاعي، فتؤكد الكتب البيضاء أن نفقات الصين معقولة ومتناسبة مع نموها الاقتصادي، مشيرة إلى أنها لم تتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقود الثلاثة الماضية. وتوضح وثيقة 2019 أن الزيادة في الإنفاق تُوجه لتحسين رفاهية الجنود، وتطوير المعدات، وتعميق الإصلاح، وتعزيز التدريب القتالي.
لكن رغم هذه التأكيدات، يظل مجال الإنفاق العسكري نقطة خلاف دائمة مع الغرب، حيث يشير معارضو السياسة الصينية في الساحة الدولية إلى غياب الشفافية في تفاصيل الميزانيات العسكرية وعمليات الاستحواذ على الأسلحة.
هذا التباين بين الخطاب الرسمي والشكوك الدولية يعزز من الاعتقاد بأن الكتب البيضاء الصينية أدوات إستراتيجية للرسائل أكثر من كونها تقارير مُخصصة للإفصاح الكامل، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تشكيل تصورات الخارج عن نية الصين وتوجهاتها العسكرية.
وفي ظل عالم يزداد اضطرابا، وتتفكك فيه القواعد القديمة التي حكمت النظام الدولي لعقود، تواصل بكين بلا هوادة تعزيز ما تسميه "أساس الأمن القومي الشامل"، وهو المفهوم الذي لا يقتصر على تحصين الحدود أو تحديث القدرات العسكرية، بل يمتد ليشمل كل مفصل من مفاصل الدولة، من الاقتصاد إلى التكنولوجيا، ومن الأمن الغذائي إلى الأمن الأيديولوجي. في هذا التصور، لا تُترك أي جبهة دون تحصين، ولا يُترك الجيش دون دور يتجاوز الحماية إلى إعادة هندسة البيئة الإستراتيجية المحيطة بالصين.
فالمسألة لم تعد مجرد تحديث لقوة عسكرية تقليدية، بل بناء تدريجيا لذراع إستراتيجية قادرة على الحسم عند المنعطفات الكبرى، حين تتصاعد التوترات وتُختبر التوازنات. لقد بدأت الصين فعليا في تأمين حاضرها، لكنها تُعد جيشها وتُعيد صقله من أجل لحظة قادمة لم تحن بعد، لكنها حتمية في منطق القوة الصاعدة، لحظة قد تُعاد فيها كتابة خرائط النفوذ، ويُعاد فيها تعريف من يمتلك الحق في صياغة قواعد النظام العالمي القادم، ومن يفرض شروط السلام أو الحرب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
الصين تتصدر إنتاج البلاستيك عالميا بفارق كبير عن منافسيها
أفادت بيانات نشرت حديثا أن 7 دول أنتجت في عام 2024 أكثر من ثلثي 4 أنواع من البلاستيك شيوعا في العالم، إلا أن الصين التي تحتل المرتبة الأولى تندرج في فئة خاصة بها، إذ أنتجت ما يعادل إنتاج الدول الست التي تليها مجتمعة، وفقا للأرقام. ونشر مركز الاستشارات البيئية البريطانية "يونوميا" و"زيرو كربون أناليتيكس"، وهي مجموعة أبحاث في مجال المناخ والطاقة، هذه الأرقام في الوقت الذي تجري فيه 184 دولة مفاوضات صعبة في جنيف بشأن توقيع أول معاهدة على الإطلاق تهدف إلى إنهاء آفة التلوث البلاستيكي. وركزت الدراسة على إنتاج أكثر أنواع البوليمرات الخام استخداما، هي البولي إيثيلين (PE)، والبولي بروبيلين (PP)، والبولي إيثيلين تيريفثالات (PET) المستخدم عادة في زجاجات المشروبات، والبوليسترين (PS). وأشارت الدراسة إلى أن الصين كانت مسؤولة عن نسبة 34% من إنتاج البوليمرات الأربعة الكبرى العام الماضي، متقدمة بفارق كبير على الولايات المتحدة التي أنتجت 13%، والمملكة العربية السعودية بنسبة 5%، ثم كوريا الجنوبية بنسبة 5% أيضا، والهند بنسبة 4%، واليابان بنسبة 3%، وألمانيا بنسبة 2%. وبحسب دراسة أقدم أجرتها شركة بيانات الطاقة "وود ماكنزي"، فإن إنتاج البلاستيك يتركز بين مجموعة من الشركات العملاقة، بعضها مملوكة للدولة، إذ أنتجت 18 شركة فقط حول العالم أكثر من نصف البوليمرات البلاستيكية في العالم. وأوضحت وود ماكنزي أن أكبر مُنتج عالميا للبلاستيك هو شركة سينوبك الصينية المملوكة للدولة، وهي شركة البترول والكيميائيات الصينية التي تُنتج وحدها 5.4% من البلاستيك العالمي. وجاءت شركة إكسون موبيل الأميركية العملاقة للنفط والغاز في المرتبة الثانية إذ تنتج 5% من البلاستيك العالمي، ثم شركة ليونديل باسل الكيميائية الأميركية متعددة الجنسيات بنسبة 4.5%، ثم أرامكو السعودية العملاقة للنفط بنسبة 4.3%، وجاءت بتروتشاينا الصينية في المرتبة الخامسة بنسبة 4.2% من البلاستيك العالمي. أما أبرز المُنتجين الأوروبيين فهم شركة إينيوس البريطانية بنسبة 2.8% في المركز السابع، وبورياليس النمساوية في المركز العاشر، إذ أنتجت 2.3% من البلاستيك العالمي، بينما احتلت توتال إنرجيز الفرنسية التي تنتج نسبة 2% من البلاستيك العالمي المركز الـ11. وينتج العالم سنويا أكثر من 450 مليون طن من البلاستيك، يستخدم نصفها لمرة واحدة، وتتم إعادة تدوير أقل من 10% منه، وتصل نحو 8 ملايين طن من نفاياته إلى البحار والمحيطات سنويا. وتتسبب النفايات البلاستيكية بما فيها الجسيمات الدقيقة في تلوث التربة والهواء وزيادة حرارة المحيطات وتحميض مياهها وتعطيل قدرتها على امتصاص الكربون وتدمير تنوعها البيولوجي. كما يعتبر البلاستيك مسؤولا في دورة حياته عن توليد 1.8 مليار طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري سنويا، أي أكثر من انبعاثات صناعة الطيران والشحن مجتمعين.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
طفرة عقارية غير مسبوقة في دبي ومخاوف من فقاعة جديدة
تشهد سوق العقارات في دبي موجة انتعاش غير مسبوقة، حيث سجلت مبيعات المنازل في الربع الثاني من 2025 أعلى مستوى لها على الإطلاق، مدفوعة بتدفق المستثمرين الأجانب وتراجع قيمة الدولار. لكن بلومبيرغ ترى أن هذا الصعود السريع يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات فقاعة عقارية كالتي شهدتها الإمارة قبل أقل من عقدين. ومن أبرز المشروعات التي تعكس هذه الطفرة -بحسب بلومبيرغ- مشروع "إيوا" الذي يطوره رجل الأعمال أليكس زاجريبلني، ويضم برجًا سكنيًا من 21 طابقًا مستوحى من جبال "هاليليويا" في فيلم "أفاتار". ويعتمد التصميم على مبادئ "فاستو شاسترا" الهندية القديمة، ويشمل هرمًا يزن 14 طنًا مصنوعًا من 1450 قطعة من الكريستال والأحجار شبه الكريمة ضمن الأساسات. أسعار الشقق تتراوح بين 2.7 و7.5 ملايين دولار، مع بيع 16 وحدة حتى الآن. وبحسب بلومبيرغ، قفزت أسعار العقارات في دبي بنسبة 70% منذ نهاية 2019، بينما شهدت المدينة 51 ألف صفقة بيع في الربع الثاني وحده. وبلغت قيمة التعاملات حتى نهاية يونيو/حزيران نحو 73 مليار دولار، بزيادة 41% عن الفترة نفسها من 2024. ويرتبط هذا النشاط جزئيًا بتداعيات السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب ، التي أدت إلى تراجع الدولار إلى أسوأ أداء نصف سنوي منذ 1973. وبما أن الدرهم الإماراتي مرتبط بالدولار، استفاد المشترون الأجانب، خصوصًا الأوروبيين، من قوة شرائية أعلى. ويصف تيمور خان، رئيس الأبحاث في "جونز لانغ لاسال" للشرق الأوسط وأفريقيا ، هذا العامل بأنه "المحرك الأكبر للسوق"، مضيفًا: "تحصل على خصم ضخم، وإذا تعافى الدولار، ستحصل على زيادة إضافية في العائدات عند البيع". مخاطر زيادة المعروض وضغوط على المطورين ورغم المؤشرات الإيجابية، يحذر خبراء من مخاطر ناتجة عن ارتفاع المعروض؛ إذ تشير بيانات "جونز لانغ لاسال" إلى أن نحو ربع مليون وحدة سكنية قيد التطوير ستدخل السوق خلال الأعوام المقبلة، ما يعني زيادة بنحو 30% في المعروض الكلي. إعلان ويقول شون ماكولي، الرئيس التنفيذي لشركة "ديفمارك"، إن "أسعار الأراضي ارتفعت بشكل يضغط على هوامش الربح، وسيكون من الصعب بشكل متزايد جعل الأرقام منطقية". كما أن دخول عدد كبير من المطورين الجدد إلى السوق يزيد من حدة المنافسة ويختبر قدرة السوق على الاستيعاب. دروس الماضي لا تزال حاضرة وتذكر بلومبيرغ بتاريخ دبي مع الدورات العقارية المتقلبة، ومنها مشروع "العالم" الذي كلف 13 مليار دولار عام 2008 قبل أن تتوقف أعماله مع الأزمة المالية العالمية، مما دفع أبوظبي للتدخل لإنقاذ الإمارة. كما تعرضت السوق لضربة جديدة عام 2014 إثر انهيار أسعار النفط، ما أدى إلى تأجيل مشاريع كبرى. ورغم هذه السوابق، يمضي مطورون كبار مثل جوزيف كلايندينست في مشاريع ضخمة مثل "قلب أوروبا"، الذي تبلغ قيمته 6 مليارات دولار موزعة على ست جزر صناعية. المشروع يضم فنادق فاخرة ومرافق مبتكرة مثل "الشارع الماطر"، وقد بدأ في 2024 باستقبال الضيوف في فندق "فووكو موناكو دبي". سوق أكثر نضجا أم فقاعة جديدة؟ ويؤكد ويل ماكنتوش، الشريك الإقليمي في "نايت فرانك"، أن "السوق اليوم تتشكل بشكل متزايد من المشترين الفعليين لا المضاربين"، مشيرًا إلى أن أقل من 5% من المشترين يبيعون وحداتهم خلال 12 شهرًا، مقارنة بـ25% في 2008. لكن بلومبيرغ ترى أن السؤال يبقى مفتوحًا: هل ما يحدث اليوم هو بداية دورة نمو طويلة الأمد، أم مقدمة لتصحيح قاسٍ قد يعيد إلى الأذهان مشاهد الانهيار السابقة؟.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
مثقفون مغاربة يطلقون صرخة تضامن ضد تجويع غزة وتهجير أهاليها
مراكش –"تجوع غزة وتموت، ولا يشبع العالم من صور مآسيها"، هكذا يكتب مدون مغربي، وهو يساند نداء أطلقه مثقفون مغاربة، يحيون فيه كل أحرار العالم في كل الساحات، ويثمنون نضالهم الدؤوب لشجب ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تقتيل وإحراق وتجويع وإذلال. يعلنون معهم، في هذه الفترة العصيبة، وقوفهم الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله العادل من أجل الحرية، وفي حقه غير القابل للتقادم في العودة، وفي إقامة دولته المستقلة طبقا لقرارات الأمم المتحدة. يعكس النداء، كما الكلمة المساندة، وجدان شعب مغربي متحرك ومتعاطف، يرفض سياسة التجويع والقتل التي تمارس بحق الفلسطينيين، ويسهم كلٌّ على طريقته في شكل من أشكال التضامن. ذلك كمن يرصد ما يجري في قطعة أرض تنتسب إلى هذا العالم، الذي لا يستطيع تحريك ساكن من أجل إنقاذ أهلها من أبشع الجرائم الإنسانية وجرائم الحرب المحرمة دوليا، آخرها الحرمان من الحياة عن طريق الحرمان من الطعام. صمت قاتل لم يتوقف تضامن المغاربة منذ العدوان في الساحات والمواقع، ولم يكن نداء المثقفين الأول من نوعه، فقد سبقتهم بيانات تحمل آلاف التوقيعات لفئات أخرى من المجتمع من جامعيين ومحامين ومهندسين وغيرهم، وأيضا أطباء خاضوا الخميس الماضي إضرابا رمزيا عن الطعام ضد سياسة التجويع في غزة، بينما أسهم بعضهم في إغاثة المنكوبين واقعا في أرض المعركة. تقول الشاعرة المغربية مالكة العاصمي للجزيرة نت، وهي من أوائل الموقعين على النداء: "يمارس الاحتلال تغولا غير مسبوق على الشعب الفلسطيني الأعزل بمساندة ودعم قوى دولية متعددة، والمغاربة بقيمهم الإسلامية وحسهم الإنساني لا يمكن أن يقبلوا بهذه الوحشية، يعبرون بكل ما أتيح لهم لوقف هذه الإبادة". وتضيف أن النداء موجه "لمن يدعمون الاحتلال ويسلحونه ويحمونه لإيقاظ ضمائرهم إن كان لديهم ضمائر، كما أنه استنهاض لهمم المثقفين لفعل ما يتعين عليهم فعله لوقف هذه الجرائم ضد الإنسانية التي تجرى بدون وازع". بينما يبرز عالم اللسانيات المغربي فؤاد بوعلي في حديث للجزيرة نت أن "النداء صرخة ضد الصمت الرسمي على المجزرة الإنسانية في غزة، والتي تجاوزت كل الأرقام والحدود، مجزرة أقل ما يقال عنها إنها إبادة جماعية تذكرنا بالمعارك النازية والاستعمارية التي أبادت أقواما وقرى وشعوبا، والآن تتغنى دولها بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، لكن أحداث غزة أتت لكشف اللثام عن جوهر هذه الأنظمة والدول". جوع قاتل من يتابع جرائم الاحتلال سيجده قد ارتكب كل الجرائم التي يمكن أن تخطر له على بال، وتعد سياسة التجويع ضد المدنيين من أكثر الانتهاكات فظاعة، إذ يستخدمها وسيلة لإجبار الشعب الفلسطيني على الاستسلام عبر تعطيل أبسط مقومات الحياة، وهو أسلوب يعكس عمق الانتهاك القانوني والأخلاقي الدولي. يقول الأكاديمي والشاعر المغربي محمد أحمد بنيس للجزيرة نت: "ما يحدث هو دفع الفلسطينيين إلى حافة اليأس الشامل من خلال ضرب كل مصادر الحياة في القطاع، تمهيدا لتنزيل مخطط التهجير على أرض الواقع". ويضيف: "ما يحدث سقوط مدو لكل القيم الأخلاقية والحقوقية والإنسانية التي ما فتئ يبشر بها الغرب بمؤسساته ونخبه ومنتدياته الغارقة في النفاق والتدليس". بدوره، يبرز الباحث في التاريخ والحضارة إدريس الشنوفي أن ما يقترفه الاحتلال هو "ضمن تاريخ متواصل من الإجرام الصهيوني، القائم على تجاوز كل القوانين والشرائع، سواء المبادئ الدينية، أو الأعراف الإنسانية، أو التي أقرها القانون الدولي الذي ينص على أن حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة مبدأ أساسي تترتب عليه واجبات، من بينها ضمان الإطعام والوصول إلى المساعدات الإنسانية". ويضيف للجزيرة نت: "ما نراه هو تعمد شمولية الحرب من تخريب، ونهب ممتلكات، وتقتيل، وتعذيب وتجويع وقنص، وكلها أدوات تستعمل وسائل لإذلال جماعي، وسلاحا مباشرا لإخضاع الفلسطينيين، وهي تدخل في باب جرائم الحرب، وبنيت عليها الاتهامات التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية إلى مجرمي الحرب في الكيان". دعم قاتل يمثل استمرار الدعم الدولي والسياسي للكيان الصهيوني عاملا أساسيا في تقوية الاحتلال وتمرير سياساته، في حين يسهم التطبيع الرسمي في تقويض جهود التحرر والعدالة. ويبرز الأكاديمي المغربي بنيس: "ما يحدث في قطاع غزة مأساوي بكل المقاييس، ما كان لدولة الاحتلال أن تنتقل في توحشها إلى طور التجويع الممنهج لولا أنها واثقة من التواطؤ الدولي والإقليمي". ويتابع بنبرة حسرة: "هناك مؤامرة كبرى تستهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه بالقتل والتجويع والتشريد والحصار". بينما يؤكد الأكاديمي المغربي بوعلي أن "رفض التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني واجب أخلاقي ووطني، لأن هذا التطبيع لا يهدد القضية الفلسطينية فقط، بل يضرب في عمق القيم المغربية المبنية على التسامح والانتماء للأمة العربية والإسلامية". وتضيف العاصمي: "ندعو إلى إسقاط التطبيع الذي نعتبره وصمة شنيعة لا يشرف بلادنا وتاريخها وقيمها". قد يعجز الإنسان العادي عن الفعل في ظروف يعلمها الجميع، وقد يعبر عن موقف أو مشاركة في حركة تضامن قد لا يكون كافيا لتحريك الضمير العالمي. أما موقف المتفرج فقاتل لا محالة، يزيد من آلام المتألمين ويشجع المجرم على الاستمرار في ارتكاب جرائمه، لذا يصبح الصمت وصمة عار وقد يصل إلى خانة التواطؤ. أما مسؤولية المثقف فهي أولى في التضامن، فهو قادر على كشف الحقائق بالحجة والدلائل، وفضح الجرائم والمخططات، وعليه أن يعبئ ويفيق الوعي النائم لمواجهة الظلم المستمر. في السياق، يبرز الباحث الأكاديمي الشنوفي أن "المثقف يجب أن يكون حاضرا في قلب المعركة، مسؤولا عن تحرير الوعي والتنوير والتعبئة، والتشجيع على النضال من أجل الإنسانية". ويؤكد أن الكيان الصهيوني، ولسنوات طويلة، كان يسيطر على صورة الفن في الغرب، خاصة في هوليود، حيث كان يصور نفسه ضحية على طريقة "سحرة فرعون"، واليوم بدأ هذا القناع يسقط، ويجب على المثقفين فضح سردياته المضللة وأيضا المروجين لروايته الكاذبة، والمساهمة في خلق دينامية تضامنية متواصلة إلى جانب كل الأحرار في العالم.