
د. زيد حمزة : وأخيراً.. قرأت روايةً لكاتب إسرائيلي!
أخبارنا :
لا اظن مثقفاً واثقاً من نفسه ومتانة وعيِه يمكن ان يخاف أدب الآخرين حد المقاطعة، لذلك كان عاديا ًوسائغاً ان قرات مؤخراً روايةً طويلة لكاتب إسرائيلي هو أموس عوز مترجمة ًللعربية، وهو موقف سلوكي مختلف تماما عما حدث لجيلنا في القرن الماضي عندما أُكرهنا في مدارسنا على قراءة شعر شكسبير العظيم كنموذج للأدب الإنجليزي، فلم نفهمه جيداً بل استظهرنا غيباً وعلى مضض، لأن لغتنا الانجليزية كانت ضعيفة المستوى بسبب عدم توفّر المعلمين المتخصصين، مع أن بريطانيا كانت «المنتدبة» علينا من قبل عصبة الامم المتحدة بالتواطؤ مع الدول الغربية الاخرى وكانت مكلّفةً بتطوير منطقتنا وانتشالها من وهدة التخلف العثماني لقرون، لكنها على ارض الواقع في شرق الأردن مثلا وبعد خمس وعشرين سنة من حكمها الاستعماري لم تكن قد أنشأت لنا سوى مدرسةٍ ثانوية واحدة غير مكتملة في السلط (بلا متريكوليشن او توجيهي) وثلاثٍ نصف ثانوية في عمان وأربد والكرك، لا يزيد خريجوها في السنة على 60 طالباً لكل المملكة!
ولولا طموحنا وتشوّقنا كأفراد وبأعداد كبيرة لمواصلة التعلم في الخارج رغم فقرنا وبسبب عدم توافر جامعة عندنا، لبقينا قلةً من أنصاف المتعلمين الى جانب غالبية من الأميين، ومن العار علينا هنا ان نتنكر او نتناسى ما نلناه فيما بعد ومنذ خمسينات القرن الماضي من فضل الاتحاد السوفييتي وباقي الدول الاشتراكية في توفير الآلاف من البعثات الجامعية المجانية لأبنائنا، فيما كانت بريطانيا حتى ١٩٤٨ وما تلاها، جاثمة فوق صدورنا ممعنةً في تمزيق آمالنا في الوحدة العربية، منشغلةً مع اميركا والصهيونية العالمية بالتحضير لإقامة دولة إسرائيل غصباً واغتصاباً في قلب امتنا على ارض فلسطين، لكننا ما لبثنا بعد حين ان صحونا اذ حظينا بوعي سياسي نضج مبكراً في رحم معاناة البشرية جمعاء اثناء الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بهزيمة محور النازية والفاشية، وانتصار الحلفاء بقيادة قطبي ْالعالم آنذاك اميركا والاتحاد السوفيتي ولو بنوايا متناقضة ادت الى حرب باردة طويلة، ثم بإنشاء منظمة الامم المتحدة وميثاقها التاريخي العظيم الذي يرقى إلى مستوى دستور شامل لكل شعوب الارض، وبانتصار الشعب الصيني في مسيرته التحريرية الكبرى بقيادة ماوتسي تونغ، وبمواصلة تحقيق الاستقلال في العديد من الدول المهمة خاصة في قارتي آسيا وافريقيا كالهند وإندونيسيا بعد نضال طويل ضد الاستعمارين البريطاني والهولندي، وببروز أبطال التحرير أمثال نهرو وسوكارنو وشو إن لاي وتيتو وإنكروما وعبد الناصر في حركة عدم الانحياز، ولا ننسى ابدا قائد الكونغو باتريس لومومبا شهيد افريقيا الذي قتله البلجيكيون في وضح النهار، فقد ادركنا بفضل ذاك الوعي المبكر وضمن ما أتيح لنا بالانفتاح الحر على تجارب باقي الشعوب، ان معرفة الآخرين في المجالات الفكرية والاجتماعية التي لا تقل اهمية عن السياسية، وهي ضرورة قصوى تزداد فائدةً بإجادة اللغات الحية، فاستطاع الكثيرون منا الاطلاع على ثقافات واداب أخرى بما فيها الإسرائيلية، والمتوفر من صحفها، التي تحوي تحليلات لسياسة حكومتها بدراية لا تتاح لنا، ويقف بعض كتابها احيانا الى جانب حقنا بصورة تثير اعجاب الأحرار حول العالم، وآخر الامثلة الشجاعة جدعون ليفي في صحيفة هاآرتس، وقد عرفنا فيها من قبلُ الباسلة أميرا هاس، وقرأنا ايضا منذ عقود جُلَّ كتب الراحل إسرائيل شاحاك، واهمها في نظري وأشدها جرأةً ذاك الذي مهد له الأديب الاميركي الساخر غور فيدال وصاغ مقدمته إدوارد سعيد، وهو بعنوان «التاريخ اليهودي، الدين اليهودي/ وطأة ثلاثة آلاف سنة»، وكنت أعلق على بعض تلك الكتب في عمودي في «الرأي» بحرية كاملة وبالحماس الذي تستحقه، وفي الأعوام الأخيرة تابعتُ معظم ما كتبه الأكاديمي الإسرائيلي الكبير ايلان بابيه استاذُ التاريخ في جامعة حيفا (سابقاً) الذي كتب كثيراً عن فضيحة مجزرة الطنطورة، والذي يعمل الآن وينشط في المنفى، والذي كدنا ذات يوم غير بعيد ان نستضيفه في مركز «الرأي» للدراسات وان يكون لي شرف تقديمه للجمهور الأردني لولا تزمّتٍ غير مفهوم من خارج المركز حال دون ذلك!
ربما يبدو غريبا وسط هذا الفيض من الانفتاح المعرفي انني لم أتحمس يوما لأدب الرواية الاسرائيلية تحديدا، مع اني قارئٌ نهمٌ للرواية العالمية، إلى ان جاء الاستثناء مؤخرا برواية «حنِّه وميخائيل» للكاتب الاسرائيلي آموس عوز وهي قديمة صدرت عام ١٩٦٨، بعدما وُصفت لي كأهم رواياته، وأصارحكم الآن بأنني لم اكن محايد المشاعر وانا اقرأ صفحاتها البالغة ثلاث مائة وخمسين، ومتى؟ اثناء العدوان الاسرائيلي الاجرامي الراهن على غزة! وخصوصاً بعد ان علمتُ ان المؤلف الذي توفي عام 2018 كان قد شارك مع قوات البالماخ في حرب ١٩٤٨ التي ادت للنكبة الفلسطينية، وانه حارب كجندي احتياط في حرب 1967 في وحدة دبابات على جبهة سيناء مع جيش الدفاع (!) الاسرائيلي، كما ساهم في حرب أكتوبر١٩٧٣ في مرتفعات الجولان، وحسب رفعت فودة مترجم الرواية للعربية في مقدمته: ان عوز في مقابلة مع الجروزاليم بوست في ١٨ مايو ١٩٧٢ كان يتبنى موقفين لهما تأثير مباشر على أعماله الأدبية وعلى حياته العامة، الاول هو انتماؤه للصهيونية واعتقاده الراسخ بأن إسرائيل هي الوطن الحقيقي الوحيد لليهود، والثاني هو رؤيته ان النزاع العربي الاسرائيلي على الارض ليس بين حق وباطل وإنما بين حق وحق، لذلك ينادي بالاعتدال وتجنب التطرف وظلّ يدعو للتسوية السلميّة مع الفلسطينيين! اما فيما يتعلق بتهويد الضفة الغربية فإنه يقول: ان الذي يغرق ويتشبث بلوح من الخشب مسموح له بكل المقاييس الطبيعية والعدالة الدولية ان يوجد لنفسه مكانا فوق اللوح حتى ولو كان عليه ليفعل ذلك ان يزيح الآخرين قليلا (كذا) !
أنتقلُ الآن إلى الرواية نفسها، ليس كناقد ادبي طبعاً بل كقارئٍ غير متعصب اصلا بل يتبع مشاعره على طبيعتها وبساطتها، كي ابوح للقراء بأنني كنت طوال قراءتها اشعر بالبرود حد قشعريرة البرد وكأني في أمكنة جرداء خاوية حتى من الحياة والناس مع ان القدس الغربية تحديدا تعج بسكان يهود جاءوا من بلاد مختلفة وينتمون لقوميات وثقافات متنافرة، لا يتحدثون لغة واحدة موحدة حتى العبرية، وكثير منهم لا تحركهم اية مشاعر إنسانية نحو الفلسطينيين من مالكي البيوت التي حلوا فيها اغتصاباً بعد ان تشرّد أصحابها وباتوا لاجئين خارج ديارهم، كما كنت اشعر ان شخوص الرواية ليسوا كباقي البشر، فالألفة والمودة والحنان كصفات فطرية انسانية لم تتشكل وتتجذر في نفوسهم بعد، ربما بسبب منابتهم المتناثرة، حتى الحب الذي بين حنِّه وميخائيل بطليْ الرواية كان احيانا يفاجئني بين السطور فلا المس فيه دفئاً بلْهَ اية إثارة غرامية! ثم ان الرعب المخفي المتمثل في الكوابيس التي كانت تؤرق حنِّه تباعا وتكاد تخنقها في نومها كانت ترمز لصديقيها الفلسطينيين أثناء الطفولة وقد كبرا وانخرطا في صفوف المقاومة الفلسطينية.. عائديْن للتحرير.
وبعد.. فمن تجربة شخصية عبرتْ بي قبل سنوات في احدى وسائل التواصل بالتلميح باني كاره لليهود اعتماداً على ما جاء في مذكراتي عن مظاهرتنا المدرسية قبيل حرب الـ٤٨! لن استغرب الان لو وجدتُني بعد مقالي اليوم، ممنوعاً من السفر الى بلد ما او معتقلاً فيه بسبب قانون عجيب لا مثيل له في هذا العصر هو قانون معاداة السامية، فهناك من يلوّح باستخدامه.. حول العالم ألاف حجة وحجة! ــ الراي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الدستور
منذ 2 ساعات
- الدستور
من عبق الاستقلال
في 25 أيار من عام 1946، صدر بيان تاريخي عن المجلس التشريعي الأردني تلقاه الشعب بالبهجة العارمة، ومن ما جاء فيه: «... تحقيقا للأماني القومية وعملا بالرغبة العامة... واستنادا الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية... إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالا تاما وذات حكومة ملكية وراثية نيابية». و في ذلك اليوم المجيد ألقى جلالة الملك المؤسس خطابا عميقا ومؤثرا تضمن في أحد أجزائه التالي: «إنه لمن نعم الله أن يدرك الشعب بأن التاج معقد رجائه ورمز كيانه ومظهر ضميره ووحدة شعوره، بل انه لأمر الله ووصية رسله الكرام ان يطالع الملك الشعب بالعدل وخشية الله، لان العدل أساس الملك ورأس الحكمة مخافة الله. وإننا في مواجهة أعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميراث أسلافنا لمثابرون بعون الله على خدمة شعبنا، والتمكين لبلادنا، والتعاون مع إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعا ومجد الإنسانية كلها. على أننا ونحن في جوار البلد المقدس فلسطين العربية الكليمة؛ ستظل فلسطين بأعيننا وسمعنا. متوجهين الى الله العلي القدير بان يسدد خطانا ويثبتنا في طاعته وحفظ أمانته وأن يهدينا صراطا مستقيما». وكانت رحلة الاستقلال قد بدأت مع حقبة التأسيس منذ عام 1921 من خلال الحوار الوطني السياسي الساخن لسنوات قبل اقرار المجلس التشريعي للمعاهدة مع بريطانيا عام 1929، وكان موضوع الاستقلال المنتظر والمرتقب هو الهاجس الاكبر لدى الرعيل الاول في ذلك الوقت. و بقيت بريطانيا تؤجل محادثات الاستقلال بدعوى ان الظروف الدولية غير مواتية ومنها الحرب العالمية الثانية. وفي 1942 ارسل دولة توفيق ابو الهدى كتابا الى المعتمد البريطاني اعلمه فيه بنية البلاد الحاسمة بالاستقلال. وفي عام 1944 كتب سمو الأمير عبد الله إلى رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرتشل ليؤكد على حتمية انهاء الانتداب. وفي 20 شباط 1946 سافر سمو الأمير الى لندن ومعه وفد رسمي مكون من السادة إبراهيم هاشم وعبد المنعم الرفاعي وبهاء الدين طوقان. وتم الاتفاق في 22 اذار من ذات العام على اجراءات إنهاء الانتداب، ومعها بدأت مرحلة متجددة من مسيرة بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها. رحم الله الملك المؤسس، والملك طلال، والملك الحسين، وأطال في عمر سيدنا الملك عبد الله الثاني، وحفظ ولي عهده المفدى. فهنيئاً لنا بعيد الاستقلال، وعاش الأردن حراً منيعاً مهاباً.


السوسنة
منذ 5 ساعات
- السوسنة
الاستقلال في حياة الأمم والشعوب
الاستقلال في حياة الأمم والشعوب ليس مجرد مناسبة عادية، بل كلمة تحمل في طياتها سحرًا خاصًا يضيء تاريخ الشعوب. فهو الرابط الذي يربط الماضي بالحاضر لكل أمة تحترم نفسها وتقدّر تضحيات أبنائها وشهدائها. كلمة "الاستقلال" لها وقع السحر، فهي محطة تاريخية تذكرنا بنضال وكفاح الأجيال، وتأثيرها السحري ينبع من أنها تمثل ذكرى التضحيات الغالية التي قدمتها الشعوب عبر الزمن للوصول إلى هذه اللحظة العزيزة.كل الأمم والشعوب تحتفل بالاستقلال، ما عدا بريطانيا العظمى سابقًا، تلك الإمبراطورية التي "لا تغيب عنها الشمس" بسبب مستعمراتها الكثيرة. لكن بعد الحرب العالمية الثانية وعدوانها الثلاثي على مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر، تراجع دورها لتصبح دولة كبرى من الدرجة الثالثة أو حتى الرابعة. فقد أنهكتها الحرب العالمية الثانية عسكريًا، وانهكها العدوان الثلاثي سياسيًا وعسكريًا.يحتفل وطننا العزيز اليوم بذكرى استقلاله كباقي الأمم والأوطان، لكن يبقى السؤال: هل حققنا الاستقلال بكافة مقوماته؟ وهل استفدنا من الماضي حتى لا يعود علم أجنبي يرفرف فوق سماء الوطن؟ وهل بنينا مؤسسات وطنية حقيقية تقف شامخة في وجه الاستعمار بكل أشكاله؟أم أن الحكومات المتعاقبة في وطننا باعت مؤسساتنا الوطنية، ودمرتها بدلًا من بناءها واستثمارها لمصلحة المستقبل والأجيال القادمة؟ ومن حقنا كشعب أن نواجه أنفسنا وحكوماتنا في هذه المناسبة، ونتساءل عن سداد الديون التي تم بها بيع أفضل مؤسسات الوطن وأراضيه، في حين أن الديون لم تنقص بل ازدادت. والحق يُقال إن ما تبقى لنا من مؤسسات وطنية هو الصحة والتعليم، واللذين للأسف يتعرضان لمحاولات ضرب وإفشال متعمدة. فهل نسأل في هذه المناسبة عن مستقبل الأجيال الشابة وما ينتظرهم في الغد؟بعد بيع مؤسسات الوطن، وكلنا يعلم أن القطاع الخاص مهما بلغت قوته ونجاحه، لا يمكن أن يكون بديلاً للقطاع العام، الذي يجب أن يمتلك اليد الطولى لأنه يمثل روح الدولة وحضورها، خصوصًا في العالم النامي الذي ننتمي إليه.وكيف يمكن أن يكون هناك استقلال مع وجود قواعد أجنبية في وطننا وفي باقي دول العالم النامي؟ فالاستقلال ليس مجرد كلمة في قاموسنا اللغوي، بل هو إرادة. ولا وجود لاستقلال سياسي دون استقلال اقتصادي، فهما مرتبطان ارتباطًا جدليًا، كل منهما يكمل الآخر ولا ينفصل عنه.الاستقلال السياسي في حياة الأمم والشعوب هو مرحلة مهمة من مراحل التاريخ، لكن يتبعها الاستقلال الاقتصادي. فهل وطننا وأمتنا مستقلين فعلاً؟ أي شعب يرى أن ماضيه أفضل من حاضره، عليه أن يعلم أن مستقبله مهدد بفقدان استقلاله وحتى وجوده.ويقول الزعيم جمال عبد الناصر:"الاستقلال ليس قطعة قماش تسمى علمًا، ولا نشيدًا من التراث يسمى وطنيًا، بل الاستقلال هو إرادة."فهل نحن اليوم مستقلون حقًا؟!

عمون
منذ 7 ساعات
- عمون
عيد الاستقلال: صفحات المجد في ذاكرة وطن
يُعد عيد الاستقلال الأردني، الذي يُصادف الخامس والعشرين من أيار/مايو عام 1946، لحظةً مفصلية في مسار تشكّل الدولة الأردنية الحديثة. ورغم بساطة الحدث في إعلان الاستقلال عن الانتداب البريطاني ـ إلا أن عمقه التاريخي، وتبعاته السياسية والاجتماعية، وما رافقه من تحولات مؤسسية، تجعله ظاهرة مركبة تستحق التأمل فهو ليس مجرد حدث تأسيسي، بل محطة مركزية لفهم منطق بناء الدولة، وتحولات الشرعية، وتبلور الهوية الوطنية الأردنية في سياق إقليمي متقلب. لا يمكن فهم استقلال الأردن دون استحضار السياق الدولي والإقليمي في أربعينيات القرن العشرين، حين كانت الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية تتفكك تدريجيًا تحت ضغط حركات التحرر الوطني، والتغيرات الجيوسياسية بعد الحرب العالمية الثانية. في هذا المناخ، سعى الأمير عبد الله بن الحسين، وريث المشروع القومي الهاشمي، إلى تحويل 'إمارة شرق الأردن' إلى كيان سياسي ذي سيادة. ونصت المادة (1) - الفقرة (2) من ميثاق الأمم المتحدة 'إنماء العلاقات الودية بين الأمم، على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسـاوي في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها الحق في تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.' وكان مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بمثابة نقطة ارتكاز قانونية لاستكمال مسار الاستقلال فبعد مفاوضات مضنية، اعترفت بريطانيا والأمم المتحدة بالأردن كدولة مستقلة في 25 أيار 1946، وأُعلن قيام المملكة الأردنية الهاشمية، مع تتويج عبد الله الأول ملكًا دستوريًا،وواصلت القيادات الهاشمية، بدءًا من الملك عبد الله الأول مرورًا بالملك الحسين بن طلال، وصولًا إلى جلالة الملك عبد الله الثاني في ترسيخ دعائم الدولة الأردنية الحديثة، وتعميق مفهوم السيادة الوطنية، وتعزيز الاستقلال بمضامين سياسية واقتصادية وثقافية. حيث شكل الخطاب الملكي أداة رمزية هامة ففي أحد خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني الوطنية، قال جلالة الملك عبد الله الثاني: 'الاستقلال لم يكن نهاية الطريق، بل بدايته. فقد استلمنا راية البناء والتطوير، وواصلنا المسيرة بثقة وثبات، ونحن اليوم على عتبة مستقبل أكثر طموحًا.' يُظهر هذا الخطاب كيف تحوّل الاستقلال من ذكرى تاريخية إلى مشروع وطني مستمر، يستدعي كل عام لإعادة تثبيت مفاهيم المواطنة، والسيادة، والانتماء، ولتحفيز الأداء السياسي والاقتصادي وتشكل مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال امتدادًا للثقافة السياسية الوطنية، وتُسهم في تعزيز الانتماء وترسيخ مفاهيم المواطنة. وتشمل هذه المظاهر تنظيم العروض العسكرية، والفعاليات الثقافية، والخطابات الرسمية، والأنشطة الشبابية والتعليمية، التي تُبرز مكانة الاستقلال في صيانة الهوية الوطنية والتاريخية. إن عيد الاستقلال الأردني لا يُعد مجرد ذكرى وطنية يتم إحياؤها سنويًا، بل هو بنية رمزية ومؤسسية تؤطر مشروع الدولة الأردنية الحديثة، وتُجسد قدراتها على التحول من كيان ناشئ إلى دولة ذات سيادة واستقرار. لقد مثّل الاستقلال نقطة التقاء بين الإرادة السياسية الهاشمية والنضج الاجتماعي الوطني، في وقت كانت فيه معظم الكيانات السياسية في المنطقة تتأرجح بين التبعية والاضطراب، فإن تجربة الأردن ليست مجرد سردية وطنية، بل هي شهادة حيّة على قدرة الشعوب على النهوض، وصناعة مستقبلها بإرادة ووعي. فالأردن، الذي وُلد من رحم التاريخ، ما زال يمضي بثبات في طريق الإصلاح، والتنمية، وتعزيز الهوية الجامعة، ضمن رؤية متكاملة تجمع بين الأصالة والمعاصرة. ولا بد لنا ان نستشهد في هذه المناسبة احدى قصائد الشاعر حيدر محمود التي من أشهر قصائده الوطنية قصيدة 'يا أردن الأرض الحبيبة'، التي يقول فيها: 'يا أردن الأرض الحبيبة يا منبع المجد والعروبة"