
هل تقود (إسرائيل) نفسها إلى فخ العراق؟
ماكسيميليان هيس
قرار تل أبيب شنّ حرب جديدة ضد إيران في الثالث عشر من يونيو/ حزيران كارثة وشيكة. فلن يستفيد أحد منها، بما في ذلك الحكومة الإسرائيلية، وسيقاسي الكثيرون. فقد أودى تبادل إطلاق النار بالفعل بحياة ما لا يقل عن 224 شخصًا في إيران، و19 في (إسرائيل).
من المؤسف أن دروس المغامرات العسكرية الفاشلة السابقة في المنطقة قد تم تجاهلها تمامًا.
لقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الحرب بأنها "استباقية"، وتهدف – كما قال- إلى منع طهران من تطوير سلاح نووي خاص بها. وبهذا، يكرر الخطأ الإستراتيجي ذاته الذي وقع فيه السياسيان اللذان شنّا آخر هجوم "استباقي" مزعوم في المنطقة: الرئيس الأميركي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير.
فمع تحليق المقاتلات الإسرائيلية وصواريخها في أجواء الشرق الأوسط لتنفيذ ضرباتها القاتلة ضد مواقع عسكرية إيرانية وقادة عسكريين، أصبح العالم في لحظة أكثر خطورة. وكما حدث مع الغزو الأميركي- البريطاني للعراق، فإن هذا الهجوم غير المبرر سيؤدي حتمًا إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة تعاني أصلًا من التوتر.
ادّعى نتنياهو أن الهجمات تهدف إلى تدمير قدرات إيران النووية، وقد استهدفت القوات الإسرائيلية حتى الآن ثلاث منشآت نووية: نطنز، وأصفهان، وفوردو، مما تسبب في أضرار متفاوتة. ومع ذلك، من غير المرجح أن توقف هذه الضربات فعليًا برنامج إيران النووي، ويدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه الحقيقة.
فلقد صُمّم موقع نطنز عمدًا ليكون في عمق الأرض، مما يجعله مقاومًا لأي قصف إلا من أقوى القنابل الخارقة للتحصينات. ولا تملك تل أبيب القدرة على تدميره بشكل دائم، لأنها لا تمتلك قنابل "اختراق التحصينات الهائلة" أو قنابل "الانفجار الهوائي الهائل" التي تنتجها الولايات المتحدة.
وقد امتنعت واشنطن عن تزويد (إسرائيل) بهذه الأسلحة، حتى خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي كانت على علاقة وثيقة بالمسؤولين الإسرائيليين وسعت لحمايتهم من العقوبات بسبب جرائم الحرب في قطاع غزة. ومؤخرًا، أشارت إدارة ترامب مجددًا إلى أنها لن تزود تل أبيب بهذه الأسلحة.
ومن ردود الفعل الرسمية الأميركية بعد الهجوم، لا يبدو واضحًا تمامًا إلى أي مدى كانت واشنطن على علم مسبق بالعملية. فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في البداية أن الهجوم كان عملية إسرائيلية "أحادية الجانب"، قبل أن يصرح ترامب بأنه كان "على علم تام".
ويبقى مدى تورط الولايات المتحدة – وموافقتها- في هذا الهجوم مسألة غامضة، لكنّه أنهى على الفور أي آمال بأن تسفر الدبلوماسية المكثفة بين واشنطن وطهران في الأسابيع الأخيرة عن اتفاق جديد، وهو ما يشكل مكسبًا قصير الأمد لنتنياهو.
بيدَ أن أي عمل إضافي ضد إيران يبدو مشروطًا بجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع. وهذه مقامرة خطيرة من قبل تل أبيب، نظرًا لوجود عدد كبير من المنتقدين للتدخلات الأميركية بين كبار مستشاري ترامب. بل إن الرئيس الأميركي نفسه سعى لجعل الانسحاب من التدخلات الخارجية حجر زاوية في إرثه السياسي.
وتؤثر أفعال (إسرائيل) سلبًا بالفعل على مصالح ترامب الأخرى، من خلال دفع أسعار النفط العالمية إلى الارتفاع، وتعقيد علاقاته مع دول الخليج التي ستتكبد الكثير في حال تعطّلت حركة الشحن عبر مضيق هرمز.
فإذا بدت (إسرائيل) وكأنها تحقق نصرًا، فسيسارع ترامب إلى نسبه لنفسه، بلا شك. أما إذا بدا أن إستراتيجية نتنياهو تعتمد بشكل متزايد على محاولة جرّ واشنطن إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط، فقد ينقلب ترامب عليه.
وكما هو الوضع الحالي، فإنه ما لم تلجأ إسرائيل إلى خرق القواعد الدولية، وتستخدم سلاحًا نوويًا، فإن تحقيق أي مكاسب إستراتيجية إضافية في إيران سيظل مرهونًا بتدخل أميركي.
أما الهدف الثاني المعلن لنتنياهو- وهو إسقاط النظام الإيراني- فيبدو بعيد المنال.
فقد قُتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين في هجمات محددة، كما دعت تل أبيب الشعب الإيراني إلى الانتفاض ضد حكومته. غير أن هذا العدوان الأحادي من جانب إسرائيل من المرجح أن يثير سخطًا واسعًا تجاه تل أبيب بين الإيرانيين، أكثر من أي نقمة تجاه حكومتهم، بصرف النظر عن طبيعة النظام ومدى ديمقراطيته.
بل إن الادعاء الإيراني بأن القنبلة النووية تُشكّل رادعًا ضروريًا في مواجهة العدوان الإسرائيلي سيبدو الآن أكثر منطقية لأولئك الذين كانوا يشككون في ذلك داخل إيران. وفي البلدان الإقليمية الأخرى التي كانت علاقاتها بطهران قد بدأت تتراجع، تهدد أفعال نتنياهو الآن بإعادة إحياء تلك التحالفات.
لكن حتى لو نجحت (إسرائيل) في زعزعة استقرار طهران، فإن ذلك لن يُفضي إلى سلام في المنطقة. وهذه هي العبرة التي كان ينبغي استخلاصها من سقوط صدام حسين في العراق. فقد أدى انهيار الدولة العراقية لاحقًا إلى تصاعد كبير في التطرف، وانتهى الأمر بظهور تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أرعب أجزاء واسعة من المنطقة خلال العقد الثاني من الألفية.
ولا تملك (إسرائيل) أدنى فرصة لترتيب انتقال سلس للسلطة إلى نظام أكثر مرونة في طهران. كما أن احتلال إيران لتحقيق هذا الهدف أمر مستبعد تمامًا، لا سيما أن الدولتين لا تتشاركان حدودًا. كما أن دعم الولايات المتحدة لمثل هذا المسعى يصعب تصوره في ظل إدارة ترامب، لأنه سيزيد، بلا شك، من مخاطر استهداف الولايات المتحدة بهجمات انتقامية.
بعبارة أخرى، قد تُحقق هجمات نتنياهو مكاسب تكتيكية قصيرة المدى ل(إسرائيل) ، مثل تأخير طموحات إيران النووية، أو تعطيل مفاوضاتها مع واشنطن، لكنها تعد بكارثة إستراتيجية طويلة المدى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 3 ساعات
- معا الاخبارية
"الخلايا النائمة" المرتبطة بـ"حزب الله" والمدعومة من إيران تحرّك الـFBI
واشنطن- معا- بينما يقدح الرئيس دونالد ترامب زناد الفكر في احتمال شن ضربات أمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، كثّف مسؤولو إنفاذ القانون مراقبة العناصر المُدعومة من إيران في الولايات المتحدة. وقد أكد مسؤولون أمريكيون لشبكة "CBS NEWS" أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) كاش باتيل كثّف جهوده لمراقبة الخلايا النائمة المحلية المُرتبطة بـ"حزب الله" اللبناني، منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران في وقت سابق من هذا الشهر. هذا فيما امتنع كل من البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفيدرالي عن التعليق لـ "CBS NEWS". وبحسب الشبكة إياها، أثار التهديد الذي يُشكّله عملاء إيران قلقَ مسؤولي الإدارة الحاليين والسابقين منذ اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بأمر من ترامب في عام 2020. وفي أواخر العام الماضي، وجّه المدعون الفيدراليون تهما إلى أحد عناصر الحرس الثوري الإيراني وشخصين يقيمان في الولايات المتحدة "بالتخطيط لمراقبة واغتيال منتقدي النظام الإيراني". ويُزعم أن "عنصر الحرس الثوري الإيراني أخبر المحققين أنه دُفع من قِبَل مسؤولين لم يُكشف عن هويتهم في الحرس الثوري الإيراني للتخطيط لهجوم ضد ترامب". ولسنوات، ساور القلق مسؤولي إنفاذ القانون والاستخبارات الأمريكية بشأن قدرة إيران على توجيه أو تحريض هجمات داخل الولايات المتحدة - وهو قلق تزايد منذ مقتل سليماني. وقد كرّس مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي وجهات أخرى موارد كبيرة لمواجهة هذا التهديد. وفقا للتقارير، هناك مجموعة من الأهداف المحتملة. وفي السنوات الأخيرة، وجّه المدعون العامون اتهاماتٍ لأشخاص بالتخطيط لقتل مستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، والصحافي الأمريكي الإيراني، مسيح علي نجاد، وكلاهما منتقدٌ دائمٌ للحكومة الإيرانية. ومُنح بولتون حماية من قبل جهاز الخدمة السرية عام 2021، لكن ترامب ألغى هذه الحماية هذا العام. ويدرس ترامب حاليا ما إذا كان سيضرب منشأة تخصيب اليورانيوم الإيرانية في فوردو، لينضم بذلك إلى الهجمات الإسرائيلية على إيران، وفقا لما ذكرته شبكة CBS NEWS سابقا. وصرحت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، يوم الخميس، بأن الرئيس سيتخذ قرارا خلال الأسبوعين المقبلين، مشيرةً إلى توفر "فرصةٍ كبيرة لإجراء مفاوضاتٍ قد تُعقد أو لا تُعقد" مع إيران. وهددت إيران بالرد إذا قررت الولايات المتحدة توجيه ضربة، حيث حذر المرشد الإيراني على خامنئي يوم الأربعاء، من أن "أي تدخل عسكري من قبل الأمريكيين سيسبب بلا شك أضرارا لا يمكن إصلاحها"، مؤكدا أن "الشعب الإيراني لا يستسلم".


قدس نت
منذ 4 ساعات
- قدس نت
واشنطن من خلف الستار نحو المسرح...!
بقلم: أكرم عطا الله بقلم أكرم عطا الله / لم يكن أي من المتابعين يتصور أن تنتهي الحرب التي أطلق السابع من أكتوبر صافرتها دون الوصول لطهران التي اعتبرت منذ اليوم الأول للضربة التي تلقتها إسرائيل أنها ضربة إيرانية. وعلى الهامش أيضاً لا أحد يتصور أن يذهب بنيامين نتنياهو وحزب الليكود للانتخابات دون تحقيق انتصار في إيران يقدمه للجمهور الناخب، فغزة لم تعد مقنعة أو كافية لدعاية سواء لأنها وجهت ضربة لا يمكن للذاكرة الإسرائيلية نسيانها، أو لجهة ضعف الخصم ممثلاً بحركة حماس، أو لجهة تمدد الحرب على مساحة أشهر طويلة تلاشى فيها الاهتمام بالحرب وتناست فيه الإنجازات. وكذلك لا أحد يتصور أن تكون الولايات المتحدة خارج أهم حرب تخوضها إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن، بل ولأول مرة تتعرض إسرائيل لهذا القدر من الانكشاف الداخلي والذي يصعب تصور أن تتعايش معه إذا ما استمر طويلاً وتحول إلى حالة استنزاف. فهي تراهن على أسبوع أو أيام لكن ليس طويلاً، ويبدو أنها كانت تراهن على الضربة الأولى لإحداث الشلل أو الانهيار وعدم قدرة طهران على أي رد فعل بشطب كل القيادة العسكرية دفعة واحدة. التقديرات والمؤشرات أن الدخول الأميركي المباشر للحرب سيكون خلال عطلة نهاية الأسبوع، فقد اكتملت التحضيرات التي أدخلت القيادة الأميركية في اجتماعات متواصلة في البيت الأبيض والبنتاغون بعد استعجال الرئيس ترامب للعودة لواشنطن من قمة الدول السبع في كندا ووصول حاملات الطائرات يو اس اس نيميتز ويو اس اس كارل فينسون للمنطقة وستتبعهما الثالثة يو اس اس فورد، وبدء تسلسل الاعترافات من واشنطن بأنها كانت تعلم ثم أنها شريك في القرار ثم تقديم دعم لوجستي مباشر مثل تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود. الإشارة التي نقلها موقع اكسيوس بأن صبر الرئيس ترامب بدأ ينفد تشير للمناخات القائمة في واشنطن التي أكدتها صحيفة وول ستريت جورنال التي ذكرت أن «الرئيس ترامب وافق على خطط الهجوم على إيران لكنه ينتظر قرارها بالتخلي عن برنامجها النووي، أو كما نقلت وسائل إعلام متعددة ينتظر استسلام طهران وهو ما رفضه المرشد الإيراني في خطابه الأول بعد الحرب. الحقيقة التي يمكن فهمها أن واشنطن كانت تثق كثيراً بقدرات إسرائيل وما وفرته لها من إمكانيات هائلة على إنجاز المهمة دون أن تظهر واشنطن في الصورة، أو دون أن تدخل حرباً مختلفاً عليها بين القيادة الأميركية وتتنافى مع شعارات الرئيس ترامب بوقف الحروب والانسحاب منها. ولكن مع الضربات التي تتلقاها إسرائيل وعدم قدرتها على حسم الأمر بمفردها بات يتطلب خروج واشنطن من خلف الستار إلى خشبة مسرح العمليات ودخولاً مباشراً بما كانت تتجنبه وخصوصاً أن أكثر المنشآت النووية خطورة هي منشأة بوردو والتي تحتاج قطعاً إلى التدخل الأميركي وهذا أيضاً ربما لا يكفي ما يستلزم ربما قوات خاصة تدخل المنشأة تفكك أو تفجر فهي تغوص على عمق 800 متر مشكوك حتى بقدرة القنابل الأميركية ذات الثلاثة عشر طناً على النجاح تماماً. إذاً هناك حسابات مختلفة ليس فقط حسابات بوردو والوصول هناك، بل إن الهدف الإسرائيلي هو إسقاط النظام فمن الخطأ الاعتقاد أن القصة تتركز في البرنامج النووي فهذا تم تقييده في اتفاقية 2015 التي حرضت إسرائيل ونتنياهو الرئيس ترامب في ولايته الأولى على الانسحاب منها، أزمة إسرائيل في النظام وفي عقل النظام الإسلامي الذي يرفع شعار الموت لإسرائيل ويقيم محوراً لمواجهتها ويحيطها كما تقول بدائرة النار، صحيح أنها وجهت ضربات مؤلمة للمحور وأذرعته لكن من السهل ترميمه إذا ظل النظام قائماً، هنا معضلة إسرائيل وهنا نافذة الفرص التي فتحت ولن تتكرر، بل إذا ما توقفت الحرب دون إسقاط النظام فإن ذلك يعتبر هزيمة لإسرائيل وهو أمر لن تقبله الولايات المتحدة وترامب شخصياً. لكن إسقاط النظام في طهران لم يتحقق بالضربة الأولى المتقنة كما خططت إسرائيل متزامنة مع تحضيرات داخلية. وبالتجربة التاريخية الحديثة على الأقل فإن إسقاط النظم سواء في العراق أو أفغانستان تتم فقط بالدخول البري واحتلال البلاد وليس بالطيران، وهذه كانت تجارب سيئة للولايات المتحدة فقدت فيها الكثير من المال وأرواح الجنود «أربعة آلاف جندي في العراق و1162 جندياً في أفغانستان» تاركة تلك البلدان مجرد خرابات فشلت فيها حتى بإقامة نظم موالية لها، لا إسرائيل قادرة على ذلك ولا الولايات المتحدة راغبة في ذلك وإن كانت إسرائيل تدفعها بهذا الاتجاه. «اغتيال خامنئي أهم من ضرب منشأة بوردو، رأس الأفعى هو النظام وليس البرنامج النووي» هذا هو بيت قصيد الحرب الذي يعترف به نتان إيشل مدير مكتب نتنياهو السابق والمقرب منه. ومع الحديث الصريح لإسرائيل كاتس باغتيال المرشد توضح إسرائيل أهداف حربها بعد أن اختبأت خلف البرنامج النووي. لكن كيف يتم ذلك، فالضربات من بعيد لا تسقط نظاماً أيديولوجياً صارماً حتى لو اغتالت رأسه، والاحتلال يحمل تبعات وخسائر لا تريد واشنطن تكرارها وربما تكون أكثر كلفة من العراق، وحرب طويلة تستنزف الداخل الإسرائيلي غير مقبولة. القوة الأميركية تسخن محركات صواريخها. الواضح أن دخول واشنطن على خط النار أصبح مؤكداً، لكن غير المؤكد هو شكل النهاية. جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت


معا الاخبارية
منذ 5 ساعات
- معا الاخبارية
العدوان العسكري الإسرائيلي على ايران وأثره علىنا إقليميا وفلسطينيا
يبدو أن هدف حكومة اليمين الفاشية والعنصرية بقيادة نتنياهو، وراء العدوان العسكري الإسرائيلي على إيران، لا يكمن فقط في تدمير المفاعل النووي والصواريخ طويلة الأمد، بل يهدف كذلك إلى إسقاط النظام في إيران. يتضح ذلك من خلال تصريح نتنياهو بأن إسقاط النظام سيكون نتيجة للعدوان. ترمي دولة الاحتلال إلى إزالة الحجر الأخير في طريقها نحو تأسيس الشرق الأوسط الجديد الذي تطمح إلى تسيّد المشهد فيه والتحكم في تفاصيله. تم ذلك بعد نجاحها في تحجيم قدرات حزب الله وكل من حماس والجهاد، بعد عشرين شهرًا من الحرب التي تشنها على قطاع غزة، والتي توجت بعملية "عربات جدعون" العسكرية، وباستخدام التجويع وسيلة للقتل والإذلال اليومي، وباتجاه زج المواطنين في تجمعات ومعسكرات جماعية تحت ابتزاز الغذاء. تهدف دولة الاحتلال، إذا ما نجحت في تحقيق أهدافها في إيران، إلى العمل على إعادة هندسة الشرق الأوسط باتجاه ترجمة مقولة "تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم"، بما يتضمن ذلك من مخاطر التقسيم الجغرافي للبلدان العربية ذات السيادة، في إطار معادلة ترامب الرامية إلى تجاوز تقسيمات سايكس بيكو ونقلها إلى تقسيمات ترامب. إن مخاطر العدوان العسكري الإسرائيلي على إيران يجب أن يشعل الضوء الأحمر في كافة البلدان العربية التي تصنف بأنها من محور الاعتدال. إن نجاح إسرائيل في عدوانها على إيران سيؤدي إلى تنفيذ الخارطة التي رفعها عدة مرات نتنياهو في خطاباته بالأمم المتحدة وأمام الكونغرس الأمريكي، وكرر رفعها سموتريتش أيضًا. وعليه، فإن انعكاس نجاح العدوان العسكري الإسرائيلي على إيران سينعكس بالسلب أيضًا على القضية الوطنية لشعبنا. يستخدم جيش الاحتلال عصابة "أبو شباب" لسرقة المساعدات ونشر الفوضى بين أوساط المجتمع. تعمل هذه العصابة على نهب المساعدات ودعوة المواطنين للتواجد في ما يسمى بمنطقة آمنة تقع شرق مدينة رفح تحت حمايتهم وحماية جيش الاحتلال، وذلك بهدف الحصول على الغذاء. قامت هذه العصابات بدعوة المواطنين من تخصصات مختلفة لتقديم طلبات توظيف، بما يشي بمخاطر تحويلها إلى إدارة مدنية، تنفيذًا لمقولة نتنياهو بأنه لا يريد حكم كل من حماس أو فتح في غزة، الأمر الذي يعني أنه يريد إدارة محلية تابعة له، استنساخًا لتجربة جيش لحد في جنوب لبنان، والذي كنسته المقاومة عام 2000 على إثر اندحار جيش الاحتلال من لبنان. إن استخدام كل من سلاح التجويع والفوضى في غزة له مهمة وحيدة تكمن في جعل الحياة غير ملائمة، بما يمهد الطريق لتنفيذ مشروع التهجير الذي أعلن نتنياهو أنه لا يزال مطروحًا على الطاولة، حيث تم هذا التصريح بعد عدوان الاحتلال على إيران. تستغل دولة الاحتلال حالة التركيز الإعلامي على الصراع العسكري بينها وبين إيران، والتعتيم الإعلامي على غزة، باتجاه الإمعان في القتل اليومي والاستمرار في جرائم الإبادة الجماعية، كما قامت بتحويل الضفة الغربية إلى معازل وبانتوستونات من خلال مئات الحواجز، إلى جانب الاستمرار في تهويد القدس ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والاعتقالات اليومية والتنكيل بالأسرى. يتم ذلك في سياق خطة حسم الصراع التي تتبناها حكومة الاحتلال اليمينية والفاشية والعنصرية. وعليه، فما العمل فلسطينيًا؟ لقد بات مطلوبًا العمل بكل الوسائل على وقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة وإفشال خطة التهجير التي يتم تمهيد الطريق لتنفيذها. نحن بحاجة ملحة لتحقيق الوحدة الوطنية وتنفيذ اتفاقات المصالحة وآخرها إعلان بكين، وتشكيل وفد فلسطيني موحد لمفاوضات تبادل الأسرى، كما بالضرورة أن يتم تشكيل لجان شعبية من كافة المكونات السياسية والمجتمعية لتعزيز الصمود ومحاربة المظاهر السلبية وتعزيز السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي. لقد بات من الضروري العمل وفق استراتيجية الصمود المقاوم، حيث أنه في ظل موازين القوى المختلة في غير صالحنا، ليس أمامنا إلا العمل على تعزيز مقومات الصمود وإفشال مخططات التهجير والتطهير العرقي، الأمر الذي من خلاله يمكن إفشال خطة الحسم الصهيونية. هناك مروحة من الأنشطة الكفاحية التي من الممكن الإمساك بها فلسطينيًا، ومنها تعزيز الرواية الوطنية الفلسطينية وتفكيك الرواية الصهيونية، والمساواة بين الصهيونية والعنصرية ونظام التطهير العرقي، وذلك عبر استنهاض أوسع حملة من قوى التضامن الشعبي الدولي، والدفع باتجاه الاستمرار بالتحركات الشعبية لمناهضة العدوان العسكري الاحتلالي على إيران وربط ذلك بمقاومة عمليات الإبادة الجماعية ومخاطر التهجير في قطاع غزة، إضافة لمخاطر الضم والتهويد في الضفة.