logo
يحبس نفسه ويهاجم الدين.. تعرّف على أهم سمات التنويري الأعمى

يحبس نفسه ويهاجم الدين.. تعرّف على أهم سمات التنويري الأعمى

الجزيرة١٦-٠٥-٢٠٢٥

تزاحَم في الساحة العربية أولئك الذين يقدمون أنفسهم للنخبة الفكرية ولعموم الناس على أنهم "تنويريّون"، لكن إمعان النظر في خطابهم الشفاهي والكتابي على حدّ سواء، أو الوقوف على تدابيرهم وتصرفاتهم في الواقع المعيش، أو تتبع الحبل السري لمصالحهم ومنافعهم، تقود لإخراجهم من هذا المسار، إن أخذناه على المحمل الإيجابي، أي ذلك الذي يروم فعلًا النهضة والتقدم في ركاب الحريّة والعدل والكفاية.
لم تعدم الساحة العربية، الذين يعملون بعزم وصبر في سبيل الارتقاء بمشاعر الناس وأفكارهم وأحوال معيشتهم، لكن صوت هؤلاء يبدو خافتًا، بل يضيع غالبًا في ضجيج الأيديولوجيات المتقارعة، والمصالح المتصارعة، والاستقطاب السياسي الحادّ، والسجال العقائدي المرذول، ليصبح المتن الذي ينتجونه، على إحكامه واكتماله، هامشًا مغبونًا في ثقافتنا الراهنة، لا سيما مع صخب آخر تصنعه المقاربات العابرة، والإسهامات السطحية، وألوان الاستعراض والفرجة والإشهار ونُفايات الكلام.
صار الصوت الأكثر علوًا وصخبًا لثلاثة أنماط من التنويريّن: الأعور، والأحول، والأعمى، ومع هذا يصرّ هؤلاء على أن ما يقدمونه هو الرافعة التي تصنع التقدّم، حين تحرِّر العقول، وتطلقها لمواجهة ما يرونه سائدًا ومتاحًا وراقدًا يشد عربة الحياة إلى الخلف، أو في أحسن الأحوال، يبقيها معطلة في مكانها.
والتنويري الأعور، هو الذي يواجه الاستبداد باسم السلطة الدينية، ويتهرّب من مواجهته باسم السلطة السياسية، بل قد يتواطأ مع الثانية في مواجهة الأولى، أو يطلب حماية الثانية في مواجهة الأولى، ويغض الطرف عن أي تجاوز أو تنكيل يحدث لأتباع "الاستبداد الدينيّ".
لا يدري هذا التنويري هنا أنه قد تحوّل إلى أداة، غير مباشرة، في يد من يتوهّم أنه يواجههم، لأن السلطة السياسية، في أغلب الأحوال، هي التي تعزز من خلف الستار التخلف والاستبداد باسم الدين، تارة لتخيف المجتمع منه فليجأ إليها ويكبح طلبه على الحريات العامة، وتارة أخرى لتوظفه لصالحها في حال الضرورة، حين تنتج السلطة السياسية نفسها نوعًا من الخطاب الديني الأحادي، أو يزعم القائم عليها أنّه يحكم باسم الله، وأن شرعيته مستمدّة من السماء، في الوقت الذي يصوّر لأتباعه من المستنيرين العُور أنه يكافح الاستبداد الديني، ويتصدّى لأهله.
وحتى لو لم يكن هذا التنويري الأعور يدرك كيف تحوّل إلى مفعول به، فإن الاستبداد الديني هو أحد تجليات الاستبداد السياسي، فالأخير هو الذي حرّف الأديان عن مقاصدها الحقيقية، وحوّلها إلى أيدولوجيات لخدمة مساره، حدث هذا في اليهوديّة والمسيحيّة والإٍسلام، وغير هذا من المعتقدات والديانات عبر تاريخ البشر كله.
ومهما واجه التنويري الأعور مؤسسة أو فكرة دينية مستبدة أو رجعية، في ظل سلطة سياسية مستبدة، فلن يصل إلى شيء إن كان مخلصًا لرؤية أو تصور يراه مستنيرًا، أما إن كان متلاعبًا، أو مخلصًا لنفسه، يروم ذيوعًا أو ثراء أو تمكنًا اجتماعيًا، فليعلم أنّ النّاس سيكشفونه مع الأيام، وسيرونه مجرّد أُلعوبة يوظّفها أصحاب القرار، ويرسمون لها المسار، ومن ثمّ سيذهب كل ما يقوله أو يفعله سدًى، ويروح بلا جدوى.
والتنويري الأحول هو الذي يكرس جهده لانتقاد تصور دين واحد، ولا ينظر إلى الأمر في إطار مقارن، ولو فعل، فقد يكتشف أن ما يواجهه، نصًا وخطابًا وتجربة، قد يكون الأفضل، وأن الأولى به أن يعمل على إصلاحه خطابًا وممارسة، بدلًا من هدمه، الذي يدخل المجتمعات في التيه، ويفقدها ما يحمله الدين، في صورته الصحيحة أو صراطه المستقيم، من تعاليم طيبة، ومنظومة قيم إيجابية، ومن سعي إلى غاية مطلوبة تتمثل في الامتلاء الروحي، والسمو الأخلاقي، والخيرية أو النفع العام.
الأولى بهذا "المستنير الأحول" أن يتدبّر قول سيدنا المسيح، عليه السلام: "لماذا تنظر إلى القشّة في عين أخيك، ولا تبالي بالخشبة في عينك؟ بل كيف تقول لأخيك: دعني أُخرج القشة من عينك، وها هي الخشبة في عينك أنت؟ يا مُرائي، أخرج الخشبة من عينك أولًا، حتى تُبصر جيدًا فتُخرِج القشة من عين أخيك." وقول الرسول محمّد، عليه السلام: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه".
وإذا كان نقد معتنق دين لدين آخر قد يثير حساسيات في مجتمعات مختلفة أو طائفية، فليطلب المسلم مثلًا إن كان تنويريًّا حقيقيًّا من أصدقائه التنويرين الذين يعتنقون المسيحية أو اليهودية وغيرهما أن يكونوا كذلك بالنسبة لنصوص وخطابات وتجربة أديانهم ومذاهبهم.
وفي كل الأحوال علي الجميع التفرقة بين الدين نفسه، وبين تاريخ معتنقيه وتجاربهم الحياتية، وما صنعته من أفكار ورؤى، هي في الغالب بنت المنافع الدنيوية، حيث البحث عن الثروة والسلطة والمكانة، أكثر منها بنت الدين نفسه.
وليكن دافع هذا الصنف من التنويرين في هذا هو تبصير الناس جميعًا، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، أو إدراكهم التأثير المتبادل للأفكار والتأويلات والتفسيرات النازعة إلى الاستبداد باسم الدين، بين الأديان جميعًا، أو لتأويل النصوص نفسها وتفسيرها لتخدم مسعًى دنيويًا بحتًا، سواء بإنطاقها بما لم تقله، أو الإفراط في تأويلها، الذي قد يخرج بها عن المقصد الأسنى والأسمى للدين نفسه.
أما التنويري الأعمى فهو الذي يحبس نفسه في قمقم وينتج أفكارًا يسترزق منها، لا علاقة لها باحتياجات المجتمع، ومنها الطلب على الدين نفسه لما فيه من روحانية أو خلقية أو خيرية، ولا توقف فيها عند ما آلت إليه التجارب البشرية التي حاولت إقصاء الدين تمامًا عن الحياة، فخسر الناس كثيرًا، ولا اطّلاع على ما يتم الآن حتى في الغرب نفسه من مراجعة لهذا التصور أو المسلك، فالمطلوب، عند الأغلبية، هو نبذ الاستبداد أو الخرافة باسم الدين، وليس نبذ الدين نفسه. وحتى الذين يعطون ظهورهم للأديان كلها، بل للسماء نفسها، نجد ما يؤمنون به يتحول إلى نسق متماسك أو دين جديد.
ليس المطلوب إذن أن يجري أي تنوير بمعزل عن أشواق الناس إلى الحرية والعدل والكرامة والكفاية والكفاءة والسوية، ولا عن استخدام التفكير العلمي، والنظر إلى التصورات الدينية والتقاليد والأعراف الاجتماعية في معرض مضاهاة ومقارنة، ومعرفة الفروق بين الذاتي والموضوعي، وهذا ما يؤمن به "التنويري المبصر" ويفعله، ويصر عليه وسط ضجيج التنوير المزيّف.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المبعوث الأميركي لسوريا: "سايكس بيكو" لن يتكرر وزمن التدخل الغربي انتهى
المبعوث الأميركي لسوريا: "سايكس بيكو" لن يتكرر وزمن التدخل الغربي انتهى

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

المبعوث الأميركي لسوريا: "سايكس بيكو" لن يتكرر وزمن التدخل الغربي انتهى

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك إن الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدودا مرسومة بالحبر وإن اتفاقية "سايكس بيكو" قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية لا من أجل السلام. واعتبر باراك في منشور على حسابه بمنصة "إكس" أن ذلك التقسيم كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها ولن يتكرر مرة أخرى، وأن زمن التدخل الغربي انتهى وأن المستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل. وأشار باراك -الذي يشغل أيضا منصب السفير الأميركي في تركيا- إلى أن مأساة سوريا ولدت من الانقسام وأن ميلادها الجديد يأتي عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها، مضيفا "نقف إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا ليس بالجيوش وإلقاء المحاضرات أو بالحدود الوهمية". سوريا الجديدة وأكد باراك في منشوره على أن ولادة سوريا الجديدة تبدأ بالحقيقة والمساءلة والتعاون مع المنطقة، وأن سقوط نظام بشار الأسد فتح باب السلام وأن رفع العقوبات سيمكّن الشعب السوري من فتح الباب واستكشاف الطريق نحو الازدهار والأمن. والسبت الماضي، بحث باراك مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني في إسطنبول سبل تنفيذ رؤية الرئيس دونالد ترامب لازدهار سوريا. وعقد اللقاء بين الرئيس السوري والمبعوث الأميركي على هامش زيارة الشرع إلى إسطنبول، والتي التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان. وكان الرئيس الأميركي أعلن خلال جولته الخليجية مؤخرا رفع العقوبات عن سوريا، ولاحقا أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما لتخفيف بعض تلك العقوبات.

توماس باراك: "سايكس بيكو" لن يتكرر وزمن التدخل الغربي انتهى
توماس باراك: "سايكس بيكو" لن يتكرر وزمن التدخل الغربي انتهى

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

توماس باراك: "سايكس بيكو" لن يتكرر وزمن التدخل الغربي انتهى

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك إن الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدودا مرسومة بالحبر وإن اتفاقية "سايكس بيكو" قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية لا من أجل السلام. واعتبر باراك في منشور على حسابه بمنصة "إكس" أن ذلك التقسيم كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها ولن يتكرر مرة أخرى، وأن زمن التدخل الغربي انتهى وأن المستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل. وأشار باراك -الذي يشغل أيضا منصب السفير الأميركي في تركيا- إلى أن مأساة سوريا ولدت من الانقسام وأن ميلادها الجديد يأتي عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها، مضيفا "نقف إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا ليس بالجيوش وإلقاء المحاضرات أو بالحدود الوهمية". سوريا الجديدة وأكد باراك في منشوره على أن ولادة سوريا الجديدة تبدأ بالحقيقة والمساءلة والتعاون مع المنطقة، وأن سقوط نظام بشار الأسد فتح باب السلام وأن رفع العقوبات سيمكّن الشعب السوري من فتح الباب واستكشاف الطريق نحو الازدهار والأمن. والسبت الماضي، بحث باراك مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني في إسطنبول سبل تنفيذ رؤية الرئيس دونالد ترامب لازدهار سوريا. وعقد اللقاء بين الرئيس السوري والمبعوث الأميركي على هامش زيارة الشرع إلى إسطنبول، والتي التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان. وكان الرئيس الأميركي أعلن خلال جولته الخليجية مؤخرا رفع العقوبات عن سوريا، ولاحقا أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصا عاما لتخفيف بعض تلك العقوبات.

الآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة تبدأ الاثنين مع ثغرات كبيرة
الآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة تبدأ الاثنين مع ثغرات كبيرة

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

الآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة تبدأ الاثنين مع ثغرات كبيرة

قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي -اليوم الأحد- إن آلية توزيع المساعدات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، ستبدأ العمل غدا الاثنين، بوجود ثغرات كبيرة، وذلك بالتعاون مع شركات أميركية خاصة. ونقلت إذاعة الجيش عن مصدر عسكري أنه سيتم تشغيل 4 مراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية، 3 في رفح وواحد في وسط القطاع، مشيرا إلى أن كل مواطن سيحصل على حزمة غذائية لمدة أسبوع لأفراد أسرته. وأوضح المصدر أن كل مركز توزيع قادر على إطعام نحو 300 ألف شخص أسبوعيا، وأن الخطة لن توفر حلا لوصول المساعدات الإنسانية لشمال قطاع غزة ، وستشمل فقط 50% من السكان. وقالت الإذاعة الرسمية إن الآلية الجديدة تعاني من ثغرات كبيرة ولن تكون قادرة على تلبية احتياجات جميع سكان القطاع، دون مزيد من التفاصيل. وترفض الأمم المتحدة الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات وترى أنها تفرض مزيدا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وتَقْصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، كما تجعل التجويع ورقة مساومة. تفاصيل مثيرة وكانت وكالة أسوشيتد برس كشفت تفاصيل رسالة مثيرة للجدل بشأن خطة ما باتت تعرف بـ"مؤسسة المساعدات الإنسانية لغزة" التي أُنشئت مؤخرا والتي تديرها شركات أمنية أميركية خاصة. وكانت الرسالة موجهة من رئيس المؤسسة جاك وود، وهو جندي سابق في المارينز، إلى وكالة الجيش الإسرائيلي المكلفة بتحويل المساعدات إلى الأراضي الفلسطينية. وجاء في الرسالة أن جاك وود اتصل برؤساء مجالس إدارات 6 منظمات إغاثية لمناقشة الخطط الجديدة. وتخطط المؤسسة لتوزيع الغذاء في جنوب ووسط غزة تحت إشراف مسلحين من شركات أمنية خاصة، وستفتح نقاط توزيع في شمال غزة خلال شهر. واستنادا للرسالة، ستواصل وكالات الإغاثة توزيع المساعدات بالتزامن معها على الأقل حتى تدير المؤسسة الأميركية 8 مواقع. وتشير المعطيات إلى أن إسرائيل قد تسعى للسيطرة الكاملة على المساعدات في غزة ومنع المنظمات التي عملت لسنوات هناك. وتدير "مؤسسة المساعدات الإنسانية لغزة" شركات أمنية خاصة وجنود عملوا سابقا في الجيش الأميركي، كما أنها تحظى بدعم إسرائيل. ومن غير الواضح -حتى الآن- من يمول هذه المؤسسة التي بحوزتها 100 مليون دولار تبرعت بها حكومة دولة أجنبية لم يذكر اسمها. وفي سياق، آخر، نقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن وقف المساعدات عن غزة كان خطأ فادحا وارتُكب لأسباب سياسية داخلية. وأضاف المسؤول الإسرائيلي أن وزير الخارجية غدعون ساعر حذر نتنياهو من أن وقف المساعدات عن غزة لن يؤدي إلى إضعاف حركة حماس بل سيبعد حلفاء إسرائيل عنها، مشيرا إلى أن ساعر رأى أن إسرائيل ستضطر للرضوخ واستئناف المساعدات تحت الضغط.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store