أحدث الأخبار مع #استبداد


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- سياسة
- الشرق الأوسط
المعارضة التركية تتهم إردوغان بـ«مهاجمة الديمقراطية»
اتّهم زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، الرئيس رجب طيب إردوغان بتنفيذ «انقلاب» ضد رئيس بلدية إسطنبول السجين أكرم إمام أوغلو الذي يُعدّ أبرز منافسيه على رئاسة البلاد. وأكّد أوزيل أن المعارضة التركية ستهزم «الاستبداد» بدعم الشعب، قائلاً: «هدفنا ليس البقاء في مواجهة الاستبداد، بل هزيمته بدعم الشعب والوصول إلى السلطة». وذكّر أوزيل، في كلمة أمام اجتماع مجلس الاشتراكية الدولية في إسطنبول، السبت، بعملية اعتقال إمام أوغلو خلال مداهمة لمنزله في صباح يوم 19 مارس (آذار)، وقال إن «إردوغان الذي جاء إلى منصبه من خلال الانتخابات ولا يريد مغادرته من خلالها، نفّذ انقلاباً ضد أكبر منافسيه». ولفت أوزيل الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الاشتراكية الدولية الذي يرأسه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إلى مشاركة ممثلي 89 حزباً من 81 دولة في الاجتماع. أوزيل متحدثاً خلال اجتماع مجلس الاشتراكية الدولية (حزب الشعب الجمهوري - «إكس») وذكر أن تركيا شهدت احتجاجات واسعة في جميع أنحائها على اعتقال إمام أوغلو؛ لأنها رأت فيه «توظيفاً سياسياً للقضاء»، و«ضياعاً للحقوق والعدالة»، وقال: «عندما يكسر الناس جدار القلق، نرى فرصة لبناء جدار الديمقراطية». وتناول أوزيل أيضاً ممارسات تعيين الأوصياء على البلديات بعد اعتقال أوغلو، أو حتى عزل رؤسائها المنتخبين بزعم تورطهم في دعم الإرهاب، لافتاً إلى أنها ممارسة لا تليق بالديمقراطية. رئيس الوزراء الإسباني رئيس مجلس الاشتراكية الدولية بيدرو سانشيز متحدثاً خلال الاجتماع (حزب الشعب الجمهوري - «إكس») وفي كلمته أمام الاجتماع، أكد رئيس الوزراء الإسباني، رئيس مجلس الاشتراكية الدولية، بيدرو سانشيز، أن «الاشتراكية الدولية ستواصل وقوفها إلى جانب الديمقراطية، وستتضامن مع جميع من يتعرّضون للضغط، سواء كان ذلك في فنزويلا أو تركيا». وأشار سانشيز الذي التقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إسطنبول، الجمعة، إلى أن «إسطنبول هي مدينة تحمل دروساً مهمة جداً»، منها السلام والتضامن، وأن «أفضل سبيل لمحاربة الظلم هو التعاون». وفي بداية الاجتماع الذي عُقد في قاعة بأحد فنادق إسطنبول انتشرت بها لافتات التضامن والدعم مع إمام أوغلو، قرأت الأمينة العامة لحزب «الشعب الجمهوري»، سيلين سايك بوكيه، رسالة بعث بها إمام أوغلو إلى الاجتماع من محبسه في سجن سيليفري، أكد فيها أن «الأنظمة الاستبدادية ليست عصية على الهزيمة، وأن التاريخ يخبرنا بذلك». وقال إمام أوغلو إن «الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية تتعرّض اليوم لهجوم شديد في جميع أنحاء العالم، وحتى في البلدان التي يُعتقد أنها محصّنة ضد تراجع الديمقراطية وعودة الاستبداد، فإن حقوق الإنسان والحريات معرّضة للتهديد». وتابع أن «النقطة الأخيرة في التراجع الديمقراطي المستمر منذ سنوات في تركيا هي تجاهل إرادة الشعب واعتقال رؤساء بلدياتنا، بمن فيهم أنا، والكثير من رفاقنا لأسباب تفتقر إلى أي أساس قانوني». وأضاف أنه «سجين سياسي»، وأن الوقت قد حان «للتضامن (...) والوقوف ضد الهجمات التي تتعرّض لها الديمقراطية». المشاركون في اجتماع مجلس الاشتراكية الدولية في إسطنبول يرفعون لافتة «الحرية لإمام أوغلو» (حزب الشعب الجمهوري - «إكس») ورفع المشاركون في الاجتماع لافتة تدعو إلى الإفراج عن إمام أوغلو. وتحدّثت الرئيسة المشاركة لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، تولاي حاتم أوغللاري، لافتة إلى أن حزبها هو أكثر حزب يعرف ما يعنيه اعتقال المسؤولين المنتخبين. وقالت إن هناك 13 رئيس بلدية منتخبين اعتُقلوا وتمّ عزلهم، وتعيين أوصياء بدلاً منهم من جانب الحكومة؛ 10 منهم من حزبها، و3 من حزب «الشعب الجمهوري»، بزعم صلتهم بالإرهاب. وأضافت: «إنّنا نمُرّ بمرحلة نتحدث فيها عن السلام، ونحن في لحظة تاريخية لحلّ القضية الكردية المستمرّة منذ ما يقرب من 100 عام، من خلال الطرق السلمية والديمقراطية، بناء على دعوة من عبد الله أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني السجين)». تولاي حاتم أوغللاري متحدثة خلال اجتماع الاشتراكية الدولية (حزب الشعب الجمهوري - «إكس») وعدّت أوغللاري أن نداء أوجلان كان «من أجل تركيا» من جهة، ومن جهة أخرى «من أجل توسيع النضال في العالم من أجل الديمقراطية من منظور اشتراكي أممي»، مضيفة: «نحن لدينا إيمان لا حدود له بأن هذه الفترة التاريخية سوف تجلب الراحة ليس لتركيا فحسب بل إلى المنطقة بأكملها». وتناولت كلمات المشاركين في الاجتماع التطورات في سوريا وغزة والحرب الروسية-الأوكرانية، حيث تم تأكيد ضرورة تحقيق الاستقرار وضمان وحدة سوريا، وإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، ومواصلة المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.


الجزيرة
منذ 6 أيام
- سياسة
- الجزيرة
الأكثرية المضطهَدة: من انقلاب 1963 إلى يومنا هذا
شهدت سوريا في القرن العشرين مجموعة من التحولات السياسية، حيثُ عانت من سلسلة من الانقلابات العسكرية بعد انتهاء الانتداب الفرنسي في عام 1946، وجلاء آخر جندي فرنسي عن أراضيها. ومن بين هذه الانقلابات، كان انقلاب عام 1963 هو الأبرز والأخير، حيث وضع سوريا في قبضة عائلة الأسد الحديدية. المُتعارف عليه عبر التاريخ أن الأكثريّة تضطهد الأقليات، والشواهد على ذلك كثيرة في أوروبا، حيث تعرضت الأقليات الدينية والإثنية للقمع والتهميش على مرِّ العصور، ولكن العجيب أن تقوم أقلية باضطهاد الأكثرية! قد يبدو الأمر غير قابل للتصديق عند سماعه للوهلة الأولى، لكنه الحقيقة المرة التي عاشتها سوريا منذ انقلاب عام 1963 وحتى يومنا هذا. انقلاب 1963 واستيلاء حافظ الأسد على السلطة في 8 مارس/ آذار 1963، استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في سوريا عبر انقلاب عسكري.. استغل الحزب شعارات قومية مثل الوحدة والحرية والاشتراكية، لكنه سرعان ما ركز السلطة في يد نخبة ضيقة من الضباط الموالين له. وفي عام 1970 نفذ حافظ الأسد -وزير الدفاع حينها- انقلابًا داخليًّا في حزب البعث، سمي بـ"الحركة التصحيحية"؛ وسيطر الأسد على كافة مفاصل الدولة، محولًا سوريا إلى دولة بوليسية تعتمد على الأجهزة الأمنية لقمع أي صوت معارض لها. أرسى حافظ الأسد دعائم نظام استبدادي، كانت الأكثرية السنية -التي تشكل غالبية الشعب السوري- من أبرز المتضررين منه. تجلى ذلك في أحداث حماة 1982، حيث واجه الأسد تصاعد المعارضة الشعبية -وخصوصًا من حركة الإخوان المسلمين- بحملة عسكرية شرسة، بلغت ذروتها في المجزرة التي قُتل ما بين 20,000 و40,000 شخص، ودُمرت أحياء كاملة، لتكون المجزرة رسالة واضحة لأي معارضة. السجون والمجازر: المسالخ البشرية والمقابر الجماعية تحولت السجون السورية في عهد الأسد الأب والأسد الابن إلى مراكز للتعذيب والموت.. كان سجن تدمر العسكري شاهدًا على وحشية النظام، حيث ارتُكبت فيه مجازر بحق آلاف المعتقلين السياسيين. أما سجن صيدنايا في عهد بشار الأسد فقد عُرف بـ"المسلخ البشري"، حيث تعرض المعتقلون لعمليات إعدام جماعي وتعذيب مُمنهج. ومع اندلاع الثورة السورية، بدأت ظاهرة المقابر الجماعية التي دفن فيها النظام ضحاياه لإخفاء جرائمه. وتشير التقارير إلى العثور على أكثر من ثلاثين مقبرة جماعية حتى الآن، تضم رُفات ما يقدر بأكثر من 500,000 شخص، معظمهم من أبناء الطائفة السنية. على الرغم من الدمار الشامل الذي تعرضت له المدن ذات الغالبية السُنّية، لم تعانِ الأقليات مما عانت منه الاكثرية؛ حيث لم تُقصف أحياؤهم بالطائرات، ولم يُجبروا على النزوح أو اللجوء اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، تأثرت سوريا بموجة الربيع العربي.. بدأت الثورة في درعا بعد اعتقال أطفال كتبوا على جدران مدرستهم عبارة: "إجاك الدور يا دكتور"، فأثار ذلك غضب أهالي المدينة، وأُطلقت شرارة المظاهرات السلمية التي امتدت تدريجيًّا إلى باقي المحافظات االسورية. امتددت الثورة، وسرعان ما انتقلت الاحتجاجات إلى حمص، ودمشق وريفها، ثم إلى حماة وحلب، وباقي المحافظات، لتتحول إلى حركة شعبية شاملة طالبت بالحرية وإسقاط النظام السوري. مأساة الأكثرية: القتل والتشريد كانت الأكثرية السُّنّية هي العمود الفقري للثورة، وقد دفعت فيها الثمن الأكبر، وشمل ذلك: التشريد والنزوح: نزح ملايين السوريين إلى دول الجوار، بينما يعيش آخرون في مخيمات داخل البلاد وسط ظروف إنسانية مأساوية. رحلات الموت: حاول الآلاف الهرب إلى أوروبا عبر البحر، لكن كثيرين لقوا حتفهم في أمواج البحر. القصف والتدمير: كانت البراميل المتفجرة والقصف الجوي العشوائي السلاح الأبرز للنظام.. دُمرت مدن بأكملها، وقُتلت عائلات كاملة في منازلها. إعلان وعلى الرغم من الدمار الشامل الذي تعرضت له المدن ذات الغالبية السُنّية، لم تعانِ الأقليات مما عانت منه الاكثرية؛ حيث لم تُقصف أحياؤهم بالطائرات، ولم يُجبروا على النزوح أو اللجوء. تسعى الأكثرية السورية -المتمثلة بأهل السنة- إلى تحقيق العدالة من خلال بناء دولة مدنية ديمقراطية تُمثل جميع مكوناتها؛ إذ تطمح الأكثريةّ إلى تمثيل حقيقي في السلطة، بما يضمن لها حقوقها دون إقصاء أو تهميش موقف الأقليات من حكم الأكثرية على الرغم من أن الأقليات في سوريا قد عبرت عن مخاوف من هيمنة الأكثرية السُّنّية بعد سقوط نظام الأسد، فإن هذه المخاوف غير مبررة؛ فخلال فترة ما قبل حكم حافظ الأسد، تولى أربعة رؤساء من الأكراد ورئيس مسيحي رئاسة الجمهورية العربية السوريّة، ما يدل على أن الأكثرية لم تكن تستأثر بالسلطة بشكل حصري. هذا التنوع في القيادة يعكس التعايش والتعاون بين مختلف المكونات السورية، ويُظهر أن الاكثرية لم تكن تسعى إلى إقصاء الأقليات أو تهميشها. مطلب الأكثرية: العدالة للجميع تسعى الأكثرية السورية -المتمثلة بأهل السنة- إلى تحقيق العدالة من خلال بناء دولة مدنية ديمقراطية تُمثل جميع مكوناتها؛ إذ تطمح الأكثريةّ إلى تمثيل حقيقي في السلطة، بما يضمن لها حقوقها دون إقصاء أو تهميش، مع الحفاظ على حقوق الأقليّات في إطار وحدة الدولة وسيادة القانون. إضافة لفكرة الظلم الذي تتعرض له الأقليات من المعروف تاريخيًّا أن الأكثرية هي التي تقوم في العديد من الأحيان باضطهاد الأقليات، لكن هذا الأمر ليس دائمًا هو الواقع، ففي بعض الحالات، تقوم الأقلية نفسها باضطهاد الأكثرية، وهو ما حدث في سوريا، حيث أوقع النظام السوري الظلم على الأغلبية السنية. ويمكننا هنا الإشارة إلى حالة أقلية "الروما" في أوروبا، الذين يبلغ عددهم حوالي 12 مليون نسمة، ويعانون من الاضطهاد والتهميش منذ قرون.. هؤلاء الأشخاص، الذين يطلق عليهم غالبًا "الغجر"، تعرضوا لمعاملة سيئة من الحكومات والمجتمعات، ولا سيما في فترات تاريخية معينة مثل فترة النازية، حيث تعرضوا للاضطهاد والقتل الجماعي جنبًا إلى جنب مع اليهود. لكن الظلم ليس دومًا من الأكثرية ضد الأقلية، بل قد يحدث في ظروف معينة بشكل معاكس، حيث تمارس الأقلية التمييز ضد الأغلبية، كما نرى في التجربة السورية. لقد دفعت سوريا ثمنًا باهظًا بسبب عقود من الاستبداد، ولا تزال الأكثرية تطمح إلى بناء مستقبلٍ أفضل. إن الثورة السورية كانت وما زالت تعبيرًا عن إرادة شعبية لتحقيق الحرية والكرامة لجميع السوريين، مع الحفاظ على وحدة البلاد وإرساء قيم العدل والمساواة دون تمييز.


الجزيرة
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
يحبس نفسه ويهاجم الدين.. تعرّف على أهم سمات التنويري الأعمى
تزاحَم في الساحة العربية أولئك الذين يقدمون أنفسهم للنخبة الفكرية ولعموم الناس على أنهم "تنويريّون"، لكن إمعان النظر في خطابهم الشفاهي والكتابي على حدّ سواء، أو الوقوف على تدابيرهم وتصرفاتهم في الواقع المعيش، أو تتبع الحبل السري لمصالحهم ومنافعهم، تقود لإخراجهم من هذا المسار، إن أخذناه على المحمل الإيجابي، أي ذلك الذي يروم فعلًا النهضة والتقدم في ركاب الحريّة والعدل والكفاية. لم تعدم الساحة العربية، الذين يعملون بعزم وصبر في سبيل الارتقاء بمشاعر الناس وأفكارهم وأحوال معيشتهم، لكن صوت هؤلاء يبدو خافتًا، بل يضيع غالبًا في ضجيج الأيديولوجيات المتقارعة، والمصالح المتصارعة، والاستقطاب السياسي الحادّ، والسجال العقائدي المرذول، ليصبح المتن الذي ينتجونه، على إحكامه واكتماله، هامشًا مغبونًا في ثقافتنا الراهنة، لا سيما مع صخب آخر تصنعه المقاربات العابرة، والإسهامات السطحية، وألوان الاستعراض والفرجة والإشهار ونُفايات الكلام. صار الصوت الأكثر علوًا وصخبًا لثلاثة أنماط من التنويريّن: الأعور، والأحول، والأعمى، ومع هذا يصرّ هؤلاء على أن ما يقدمونه هو الرافعة التي تصنع التقدّم، حين تحرِّر العقول، وتطلقها لمواجهة ما يرونه سائدًا ومتاحًا وراقدًا يشد عربة الحياة إلى الخلف، أو في أحسن الأحوال، يبقيها معطلة في مكانها. والتنويري الأعور، هو الذي يواجه الاستبداد باسم السلطة الدينية، ويتهرّب من مواجهته باسم السلطة السياسية، بل قد يتواطأ مع الثانية في مواجهة الأولى، أو يطلب حماية الثانية في مواجهة الأولى، ويغض الطرف عن أي تجاوز أو تنكيل يحدث لأتباع "الاستبداد الدينيّ". لا يدري هذا التنويري هنا أنه قد تحوّل إلى أداة، غير مباشرة، في يد من يتوهّم أنه يواجههم، لأن السلطة السياسية، في أغلب الأحوال، هي التي تعزز من خلف الستار التخلف والاستبداد باسم الدين، تارة لتخيف المجتمع منه فليجأ إليها ويكبح طلبه على الحريات العامة، وتارة أخرى لتوظفه لصالحها في حال الضرورة، حين تنتج السلطة السياسية نفسها نوعًا من الخطاب الديني الأحادي، أو يزعم القائم عليها أنّه يحكم باسم الله، وأن شرعيته مستمدّة من السماء، في الوقت الذي يصوّر لأتباعه من المستنيرين العُور أنه يكافح الاستبداد الديني، ويتصدّى لأهله. وحتى لو لم يكن هذا التنويري الأعور يدرك كيف تحوّل إلى مفعول به، فإن الاستبداد الديني هو أحد تجليات الاستبداد السياسي، فالأخير هو الذي حرّف الأديان عن مقاصدها الحقيقية، وحوّلها إلى أيدولوجيات لخدمة مساره، حدث هذا في اليهوديّة والمسيحيّة والإٍسلام، وغير هذا من المعتقدات والديانات عبر تاريخ البشر كله. ومهما واجه التنويري الأعور مؤسسة أو فكرة دينية مستبدة أو رجعية، في ظل سلطة سياسية مستبدة، فلن يصل إلى شيء إن كان مخلصًا لرؤية أو تصور يراه مستنيرًا، أما إن كان متلاعبًا، أو مخلصًا لنفسه، يروم ذيوعًا أو ثراء أو تمكنًا اجتماعيًا، فليعلم أنّ النّاس سيكشفونه مع الأيام، وسيرونه مجرّد أُلعوبة يوظّفها أصحاب القرار، ويرسمون لها المسار، ومن ثمّ سيذهب كل ما يقوله أو يفعله سدًى، ويروح بلا جدوى. والتنويري الأحول هو الذي يكرس جهده لانتقاد تصور دين واحد، ولا ينظر إلى الأمر في إطار مقارن، ولو فعل، فقد يكتشف أن ما يواجهه، نصًا وخطابًا وتجربة، قد يكون الأفضل، وأن الأولى به أن يعمل على إصلاحه خطابًا وممارسة، بدلًا من هدمه، الذي يدخل المجتمعات في التيه، ويفقدها ما يحمله الدين، في صورته الصحيحة أو صراطه المستقيم، من تعاليم طيبة، ومنظومة قيم إيجابية، ومن سعي إلى غاية مطلوبة تتمثل في الامتلاء الروحي، والسمو الأخلاقي، والخيرية أو النفع العام. الأولى بهذا "المستنير الأحول" أن يتدبّر قول سيدنا المسيح، عليه السلام: "لماذا تنظر إلى القشّة في عين أخيك، ولا تبالي بالخشبة في عينك؟ بل كيف تقول لأخيك: دعني أُخرج القشة من عينك، وها هي الخشبة في عينك أنت؟ يا مُرائي، أخرج الخشبة من عينك أولًا، حتى تُبصر جيدًا فتُخرِج القشة من عين أخيك." وقول الرسول محمّد، عليه السلام: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه". وإذا كان نقد معتنق دين لدين آخر قد يثير حساسيات في مجتمعات مختلفة أو طائفية، فليطلب المسلم مثلًا إن كان تنويريًّا حقيقيًّا من أصدقائه التنويرين الذين يعتنقون المسيحية أو اليهودية وغيرهما أن يكونوا كذلك بالنسبة لنصوص وخطابات وتجربة أديانهم ومذاهبهم. وفي كل الأحوال علي الجميع التفرقة بين الدين نفسه، وبين تاريخ معتنقيه وتجاربهم الحياتية، وما صنعته من أفكار ورؤى، هي في الغالب بنت المنافع الدنيوية، حيث البحث عن الثروة والسلطة والمكانة، أكثر منها بنت الدين نفسه. وليكن دافع هذا الصنف من التنويرين في هذا هو تبصير الناس جميعًا، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، أو إدراكهم التأثير المتبادل للأفكار والتأويلات والتفسيرات النازعة إلى الاستبداد باسم الدين، بين الأديان جميعًا، أو لتأويل النصوص نفسها وتفسيرها لتخدم مسعًى دنيويًا بحتًا، سواء بإنطاقها بما لم تقله، أو الإفراط في تأويلها، الذي قد يخرج بها عن المقصد الأسنى والأسمى للدين نفسه. أما التنويري الأعمى فهو الذي يحبس نفسه في قمقم وينتج أفكارًا يسترزق منها، لا علاقة لها باحتياجات المجتمع، ومنها الطلب على الدين نفسه لما فيه من روحانية أو خلقية أو خيرية، ولا توقف فيها عند ما آلت إليه التجارب البشرية التي حاولت إقصاء الدين تمامًا عن الحياة، فخسر الناس كثيرًا، ولا اطّلاع على ما يتم الآن حتى في الغرب نفسه من مراجعة لهذا التصور أو المسلك، فالمطلوب، عند الأغلبية، هو نبذ الاستبداد أو الخرافة باسم الدين، وليس نبذ الدين نفسه. وحتى الذين يعطون ظهورهم للأديان كلها، بل للسماء نفسها، نجد ما يؤمنون به يتحول إلى نسق متماسك أو دين جديد. ليس المطلوب إذن أن يجري أي تنوير بمعزل عن أشواق الناس إلى الحرية والعدل والكرامة والكفاية والكفاءة والسوية، ولا عن استخدام التفكير العلمي، والنظر إلى التصورات الدينية والتقاليد والأعراف الاجتماعية في معرض مضاهاة ومقارنة، ومعرفة الفروق بين الذاتي والموضوعي، وهذا ما يؤمن به "التنويري المبصر" ويفعله، ويصر عليه وسط ضجيج التنوير المزيّف.


CNN عربية
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- CNN عربية
نجم الروك بروس سبرينغستين يصف ترامب بأنه "غير لائق"
(CNN)--أدلى نجم الروك بروس سبرينغستين بسلسلة من التصريحات التي انتقد فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسياسات إدارته، واصفًا إيّاه بـ "غير لائق" للمنصب. وقال سبرينغستين في بداية حفل موسيقي في مانشستر، شمال إنجلترا، الأربعاء: في وطني، أمريكا التي أحبها، أمريكا التي كتبت عنها، والتي كانت منارة أمل وحرية لمدة 250 عامًا ، تقع حاليًا في أيدي إدارة فاسدة وغير كفؤة وخائنة". وأضاف سبرينغستين: "الليلة، ندعو كل من يؤمن بالديمقراطية وبأفضل ما في روحنا الأمريكية أن يقف معنا، ويرفع أصواته ضد الاستبداد". وتحدث نجم الروك عدة مرات خلال الحفل، ونشر لاحقًا مقاطع من تعليقاته عبر حسابه الرسمي على إنستغرام، ومما قاله: "إنّ آخر ميزان للسلطة، بعد فشل الضوابط والتوازنات الحكومية، هو الشعب - أنت وأنا. يكمن الأمر في اتحاد الناس حول مجموعة مشتركة من القيم. هذا كل ما يفصل بين الديمقراطية والاستبداد. لذا، في نهاية المطاف، كل ما لدينا هو بعضنا البعض". وانتقد لاحقًا بعض سياسات الإدارة الأمريكية الأخيرة قائلاً: "في أمريكا، يكتفي أغنى الرجال بالتخلي عن أفقر أطفال العالم للمرض والموت. هذا ما يحدث الآن"، وأضاف: "في بلدي، يتلذذون بمتعة سادية بالألم الذي يلحقونه بالعمال الأمريكيين المخلصين، ويتراجعون عن تشريعات تاريخية للحقوق المدنية أدت إلى مجتمع أكثر عدلاً وتعددية". وتابع: "إنهم يتخلون عن حلفائنا العظماء، ويدعمون الطغاة ضد أولئك الذين يناضلون من أجل حريتهم. إنهم يقطعون تمويل الجامعات الأمريكية التي لا ترضخ لمطالبهم الأيديولوجية. إنهم يُبعدون السكان عن الشوارع الأمريكية، ويرحلونهم إلى مراكز احتجاز وسجون أجنبية دون مراعاة للإجراءات القانونية الواجبة. كل هذا يحدث الآن". كما انتقد سبرينغستين المشرعين الأمريكيين لفشلهم في حماية الشعب الأمريكي مما وصفه بـ "رئيس غير كفؤ، وحكومة مارقة"، و"عدم اهتمامهم أو إدراكهم لما يعنيه أن تكون أمريكيًا بعمق"، وقال: "أمريكا التي غنيت لكم عنها لخمسين عامًا حقيقية، وبغض النظر عن عيوبها، فهي بلد عظيم بشعب عظيم، لذا ستتجاوز هذه اللحظة". وكان حفل مانشستر هو الأول في المرحلة الأوروبية من جولة سبرينغستين، وفرقة "إي ستريت"؛ "أرض الأمل والأحلام"، والتي ستتضمن أيضًا حفلات في فرنسا وألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وجمهورية التشيك.دلى نجم الروك بروس سبرينغستين بسلسلة من التصريحات التي انتقد فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسياسات إدارته، واصفًا إيّاه بـ "غير لائق" للمنصب. وقال سبرينغستين في بداية حفل موسيقي في مانشستر، شمال إنجلترا، الأربعاء: في وطني، أمريكا التي أحبها، أمريكا التي كتبت عنها، والتي كانت منارة أمل وحرية لمدة 250 عامًا ، تقع حاليًا في أيدي إدارة فاسدة وغير كفؤة وخائنة". وأضاف سبرينغستين: "الليلة، ندعو كل من يؤمن بالديمقراطية وبأفضل ما في روحنا الأمريكية أن يقف معنا، ويرفع أصواته ضد الاستبداد". وتحدث نجم الروك عدة مرات خلال الحفل، ونشر لاحقًا مقاطع من تعليقاته عبر حسابه الرسمي على إنستغرام، ومما قاله: "إنّ آخر ميزان للسلطة، بعد فشل الضوابط والتوازنات الحكومية، هو الشعب - أنت وأنا. يكمن الأمر في اتحاد الناس حول مجموعة مشتركة من القيم. هذا كل ما يفصل بين الديمقراطية والاستبداد. لذا، في نهاية المطاف، كل ما لدينا هو بعضنا البعض". وانتقد لاحقًا بعض سياسات الإدارة الأمريكية الأخيرة قائلاً: "في أمريكا، يكتفي أغنى الرجال بالتخلي عن أفقر أطفال العالم للمرض والموت. هذا ما يحدث الآن"، وأضاف: "في بلدي، يتلذذون بمتعة سادية بالألم الذي يلحقونه بالعمال الأمريكيين المخلصين، ويتراجعون عن تشريعات تاريخية للحقوق المدنية أدت إلى مجتمع أكثر عدلاً وتعددية". وتابع: "إنهم يتخلون عن حلفائنا العظماء، ويدعمون الطغاة ضد أولئك الذين يناضلون من أجل حريتهم. إنهم يقطعون تمويل الجامعات الأمريكية التي لا ترضخ لمطالبهم الأيديولوجية. إنهم يُبعدون السكان عن الشوارع الأمريكية، ويرحلونهم إلى مراكز احتجاز وسجون أجنبية دون مراعاة للإجراءات القانونية الواجبة. كل هذا يحدث الآن". كما انتقد سبرينغستين المشرعين الأمريكيين لفشلهم في حماية الشعب الأمريكي مما وصفه بـ "رئيس غير كفؤ، وحكومة مارقة"، و"عدم اهتمامهم أو إدراكهم لما يعنيه أن تكون أمريكيًا بعمق"، وقال: "أمريكا التي غنيت لكم عنها لخمسين عامًا حقيقية، وبغض النظر عن عيوبها، فهي بلد عظيم بشعب عظيم، لذا ستتجاوز هذه اللحظة". وكان حفل مانشستر هو الأول في المرحلة الأوروبية من جولة سبرينغستين، وفرقة "إي ستريت"؛ "أرض الأمل والأحلام"، والتي ستتضمن أيضًا حفلات في فرنسا وألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وجمهورية التشيك. روبرت دي نيرو ينتقد ترامب بشدة في خطابه بمهرجان كان السينمائي


الجزيرة
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
هكذا يتلاعب المستبدون بماضي الشعوب للسيطرة عليها
لم يبالغ المؤرخ الفرنسي جاك لوغوف، وهو يتحدث عن خوف الجماهير من فقدان ذاكرتها، وهو خوف يعبّر عن نفسه ـ غالبًا ـ بشكل باثولوجي، ويفتح الباب على مصراعيه، كما يقول، "لتجار الحنين للماضي، الأمر الذي جعل الذاكرة والحنين إلى الماضي واحدة من أكثر الأشياء الرائجة في المجتمع الاستهلاكي". وللسبب ذاك، ولأسباب أخرى، يجب ألا نترك الذاكرة مطية لتجار الحنين أو حراس المعابد القديمة، كما يتوجب ألا نتركها فريسة للعبث السياسي وللسلطوية والفلكلورية والانتقائية. إن العمل الذي صدر مؤخرًا للباحث المغربي زهير سوكاح : "دراسات الذاكرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية. مقاربات وقضايا جديدة" (دار خطوط وظلال 2025) يندرج في إطار هذا السياق، وهو جاء ليردم فجوة كبيرة في العلوم الإنسانية والاجتماعية العربية بشأن هذا الموضوع، وذلك على الرغم من أن الحرب المعلنة وغير المعلنة على المجتمعات العربية هي حرب على ذاكرتها أيضًا. ففي مكان ما، هم بصدد صناعة ذاكرة جديدة لنا، ذاكرة بلا ذاكرة أو ذاكرة مشوهة، غربلتها النيوليبرالية وعبثت بهويتها المتعددة عقود الاستبداد والتخلف، عاجزة ليس فقط عن التذكر ولكن أيضًا عن النسيان. يمتلك سؤال الذاكرة الجمعية، إذن، أهمية قصوى في السياق العربي اليوم. إنه سؤال يتقاطع عنده مجموع الأسئلة الأخرى: أي علاقة بالحداثة الغربية؟ كيف نقرأ تراثنا الحضاري؟ في أي مجتمع نريد أن نعيش؟ أي شكل من أشكال السلطة السياسية وأي علاقة بها؟ إعلان وما يتفرع عن هذه الأسئلة من قضايا أخرى، كثيرة، تمتد من العلاقات بين الجنسين، بين الأجيال داخل الأسرة وخارجها، القيم التي تسود المجتمع، بنية المؤسسات الاجتماعية، العلاقة بين الدين والسياسة.. إلخ. والواقع أننا إذا التفتنا إلى قرن من التفكير العربي، فسنجده قد انشغلَ منذ بداياته بهذا السؤال، وكان واعيًا بمركزيّته، ولكنّه في أغلب الأحيان سينحو منحًى توفيقيًا أو استغرابيًا أو سلفيًا، فتلك هي الأجوبة الثّلاثة التي سيقدّمها عن هذا السؤال. دون أن يعني ذلك أنّنا لا نقف أيضًا على تيار رابع داخل الفكر العربيّ، وهو الذي يمكننا – ولا غروَ- أن نصفه بالنقدي، ذلك الذي نلتقيه مع محمد أركون و"نقد العقل الإسلامي" أو "الجابري و"نقد العقل العربي" وعبدالله العروي، والذي يمكننا أن نقرأ مشروعه باعتباره "نقدًا للعقل اللاتاريخي". إذ أدرك هؤلاء المفكرون أنّ الموقف من الماضي يحدد بشكل عضوي موقفنا من الحاضر والمستقبل. ولكن، وعلى الرغم من أهمية هذه المساهمات الفكرية وغيرها، من مثل تلك التي قدمها الخطيبي في تفكيكه لذاكرة الجسد، هذا الغائب الكبير، للثقافة العربية المعاصرة، فإنّ الأوان قد آن لنتجاوز اللغة النضالية والروح الأيديولوجية والتشرذم الإبستمولوجي التي طبعت قرنًا من التفكير العربي، وبلغة أخرى، لقد آن الأوان لنفكر في الذاكرة بشكل علمي، وبتعبير آخر: إن علينا أن نؤسس نوعًا من علم الذاكرة. وهو علم يتوجب أن ينبثق من السياق العربي وأسئلته، وفي حوار نقدي مع حقل دراسات الذاكرة في الغرب، ولمّا أقول نقديًا، أعني أنه يجب ألا نتعامل مع المنجز الغربي في هذا السياق بمنطق الموضة، كما درجنا على فعل ذلك، بل أن نكون على وعي شديد، بأن أسئلتنا قد تختلف كما قد تلتقي مع أسئلته، وأن الأجوبة التي قد ننتهي إليها في مرحلة معينة، لن تكون بالضرورة نسخة طبق الأصل عن تلك التي انتهوا إليها في الغرب. إن هذا الكتاب- والذي أنجزه باحث متمرّس بالموضوع، انتبه إلى ضرورة تبيئة هذا العلم عربيًا، لما له من أهمّية قصوى بالنسبة لسياقنا- يمثل أول مدخل باللغة العربية حول حقل "دراسات الذاكرة" Memory Studies، وهو ينفتح على مقاربات بتخصصية، تمتد من التاريخ إلى الأدب والسوسيولوجيا.. إلخ. ويتوقف عند مختلف الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتاريخية للذاكرة، مؤكدًا أن حقل دراسات الذاكرة لا يهتم بالتمثلات الفردية والجمعية للماضي فقط، بل يتوقف عند نتائج تلك التمثلات على حاضر الناس وينعكس أيضًا في تصوراتهم للمستقبل. إن استدعاء الماضي يرتبط بالحاضر وحاجاته، والمؤرخ، كما كتب جاك لوغوف، "خاضع للزمن الذي يعيش فيه"، وهو يكرّر هنا ما أشار إليه موريس هالبڤاكس، وهو يؤكد أن "الذاكرة لا تُحيي الماضي ولكن تُعيد تشكيله". لا يمثل الماضي كُلًا جوهرانيًا، كما تحاول أن تقنعنا بذلك القراءات الأرثوذكسية أو الأيديولوجية أو حتى الانتقائية وغير المنهجية، فالأمر لا يتعلق هنا بذاكرة تابثة، فالذاكرة، شأنها في ذلك شأن كل الأشياء الأخرى، لا تسلم من لعبة التاريخ ومكره. إنها تخضع لتحولات مستمرة، وقد تتعرض لاستعمالات وتأويلات مغرضة، مثل تلك الذاكرة الطائفية التي تلقي بظلالها المقفرة اليوم على الحاضر العربي. ألم يكتب المؤرخ الفرنسي جان شينو أن الطبقات المهيمنة تتلاعب بالماضي، وأن "النظام السياسي ينظم الزمن الماضي ويشكل صورته وفقًا لمصالحه السياسية والأيديولوجية"؟، مؤكدًا أن قراءات الماضي أو المعرفة التاريخية، "يمكن أن تعمل في خدمة المحافظة الاجتماعية وفي خدمة النضالات الشعبية… وكل واحد يختار ماضيه، وهذا الاختيار ليس بريئًا". يتحول الماضي دومًا إلى نوع من الوصاية أو الإكراه، حين نربطه بقراءة محددة، مُختزَلة ومُختزِلة، أو حين نصبغ عليه صلاحية فوق تاريخية. فبقدر ما تؤدي خسارة الذاكرة الجمعية عند الشعوب والأمم إلى اضطرابات خطيرة في الهوية الجمعية، كما يؤكد ذلك لوغوف، بقدر ما يهدد تضخمها، أو تحولها، في تعبير هيغل، إلى " عبء تاريخي"، ما يمكن أن نصطلح عليه بـ "الحقوق التاريخية للأجيال المقبلة"، ويحكم على هذه الهوية الجمعية بالجمود. ولقد كان لوغوف منتبهًا إلى ذلك، وهو يدعونا إلى العمل من أجل "أن تستخدم الذاكرة الجمعية لتحرير البشر، لا استعبادهم"، وهو الأمر نفسه الذي سيتوقف عنده بول ريكور وهو يتحدث عن "الذاكرة المتلاعب بها"، وعن سوء استعمال الذاكرة والنسيان من طرف السلطة، أو ما يسميه بالذاكرة المجروحة أو الأداتية، لأنه قد تم الانحطاط بها إلى مستوى الأداة الأيديولوجية، وهنا يقف ريكور على ذلك التداخل "بين إشكالية الذاكرة وإشكالية الهوية، الجمعية منها والشخصية"، وهي إشكالية تطرح نفسها بقوة في السياق العربي، ولكن بشكل مؤدلج ومزيف، أو بشكل يجعلنا نعيش الذاكرة باعتبارها هوية، وليس في هوية لها ذاكرة.