
مع قرب نهاية التحقيقات.. خبراء وحقوقيون: «الجنائية الدولية» في ليبيا عاجزة بين التقاعس والمناورات
تكشف تجربة المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا عن عجزها عن تحقيق العدالة في سياق معقد سياسيا، وقضائيا، بين تقاعس الدول الأعضاء، كإيطاليا، وانتقائية التحقيقات، وتأثير المناورات السياسية الليبية.
هذا ما خلص إليه خبراء ومراقبون وفق ما نشر موقع «جستس إنفو»، المتخصص في الشؤون القضائية الدولية، الذي كشف عن عجز المحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع الأزمة الليبية أو محاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية في البلاد، بعد مضي 14 عامًا من التحقيقات.
ففي مايو، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن مكتبه أحرز تقدما في ليبيا، وأنه ينوي إغلاق مرحلة التحقيق في أوائل عام 2026. في الوقت نفسه، قبلت حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» اختصاص المحكمة حتى عام 2027. ولكن بعد 14 عاماً من التحقيق دون محاكمة، يتساءل التقرير إن كان هناك أي أمل في التغيير؟
انتقادات حول التزام المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا
تحقق المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا منذ عام 2011 بناء على طلب من مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، ولم تسفر عن أي محاكمة حتى الآن. ففي سنواته الأولى، شهد التحقيق زخمًا طفيفًا، وصدرت مذكرات توقيف عدة بارزة. لكن سيف الإسلام القذافي لا يزال طليقًا، بينما لا يزال صهر الرئيس الراحل رئيس مخابراته، عبدالله السنوسي، ينتظر استئناف محاكمته في ليبيا.
وفي 2013، اعتبرت المحكمة قضية السنوسي غير مقبولة، لأن ليبيا بدأت إجراءات محلية، مما أثار انتقادات حول التزام المحكمة بمحاسبة المسؤولين الكبار.
وحتى مع إعلان كريم خان في بداية ولايته استراتيجية جديدة تركز على القضايا المحالة من مجلس الأمن، لم تُترجم هذه الوعود إلى نتائج ملموسة، ولم يغير إصدار سبع مذكرات توقيف جديدة من واقع الإفلات من العقاب، حيث تظل المحكمة عاجزة عن تنفيذ هذه المذكرات بسبب افتقارها لسلطة إجبارية، وعدم تعاون الدول الأعضاء معها.
وأصبحت مذكرة التوقيف الأخيرة بحق الزعيم المزعوم لسجن معيتيقة سيئ السمعة، أسامة المصري نجيم، مثالاً على فشل الدول الأعضاء في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وفشل القضاء الليبي في توفير المساءلة.
ففي 19 يناير 2025، اعتقلت الشرطة نجيم، في مدينة تورينو، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. لكن إيطاليا اختارت إعادته إلى طرابلس بدلًا من لاهاي. ومنذ ذلك الحين، ووفقًا لخان، فقد نجيم منصبه كرئيس لمؤسسة السجون، ويبدو أنه لم تُتخذ أي إجراءات وطنية رسمية في ليبيا ضده.
وفي حالة عدم قدرة المحكمة الجنائية الدولية على إنفاذ أوامر التوقيف قسرًا، «يكمن الأمل الوحيد في تعاون دول ثالثة عند سفر هؤلاء الأشخاص إلى الخارج. ففي قضية نجيم، قامت المحكمة بعمل ممتاز، لذا فإن موقف إيطاليا أثار إشكالية»، كما تقول أستاذة القانون الجنائي الدولي بجامعة ميلانو، شانتال ميلوني.
وأضافت: «ليبيا كدولة لم تقبل قط باختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتى الشهر الماضي، ولذلك لم تتعاون معها فعليا. بل على العكس، حاولت ليبيا منذ البداية الطعن في اختصاص المحكمة».
الخطوة الكبرى للمحكمة الجنائية الدولية في ليبيا
أشار كريم خان إلى «الخطوة الكبرى التي اتُخذت بإصدار أول مذكرة توقيف علنية بحق نجيم فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز في ليبيا»، التي وصفها بأنها «صندوق أسود للمعاناة على ساحل البحر الأبيض المتوسط لم يرغب أحد في فتحه».
لكن بعد يوم واحد فقط من خطابه، تنحّى خان جانبًا حتى انتهاء التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة في مزاعم ضده بالتحرش الجنسي. ويدير المكتب نوابه، ومن بينهم نزهت شميم خان، المسؤولة عن الملف الليبي.
وحسب التقرير، حفّزت فضيحة نجيم العديد من المسائل، ستضطر المحكمة الجنائية الدولية الآن إلى التعامل معها. وفي كلمته أمام مجلس الأمن، أعلن خان أن المحكمة استجابت لطلب من الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في المملكة المتحدة، للمساعدة في التحقيق في أصول نجيم، مما أسفر عن «أوامر بتجميد حسابات وممتلكات بقيمة إجمالية قدرها 12 مليون جنيه إسترليني».
بدوره، رحّب مدير منظمة «مراقبة جرائم ليبيا» غير الحكومية، علي عمر، بهذه الخطوة. وقال لموقع «جستس إنفو» إن الإجراءات المالية قد تكون فعّالة، «ولا سيما في القضايا المتعلقة بقادة الميليشيات الذين اختلسوا أموالًا عامة وحوّلوها إلى شبكات شخصية في الخارج»، مضيفًا أن على المحكمة الجنائية الدولية اتخاذ إجراءات مماثلة ضد كل من صدرت بحقه مذكرة توقيف.
العديد من أفراد الميليشيات ألغوا خطط سفرهم أو اختبأوا بعد مذكرة بحق نجيم
مذكرة التوقيف بحق نجيم أحدثت صدمةً في صفوف الميليشيات على الأرض، وهو ما يؤكده عمر. ويوضح على حد علمه: «ألغى العديد من أفراد الميليشيات خطط سفرهم أو اختبأوا بعد صدور مذكرة التوقيف».
لكن تبرير إيطاليا بمبدأ التكاملية، الذي يفترض تفضيل المحاكمات المحلية إذا كانت فعالة، يفتقر للمصداقية في ظل الواقع القضائي الليبي.
ويبيّن عمر أن النظام القضائي الليبي يعاني نقص الاستقلالية والفعالية، وغياب قوانين محلية تتضمن تعريفات واضحة لجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية. هذا الواقع يجعل الاعتماد على التكاملية مبررًا واهيًا، يعكس فشل المحكمة الجنائية في فرض سلطتها.
أما المستشارة الليبية المستقلة، مروة محمد، تقول إن للبلاد سجلًا حافلًا في تصفية المشتبه بهم رفيعي المستوى بدلًا من السعي لتحقيق العدالة، مضيفة: «هذا ما شهدناه محليًا مع محمود الورفلي، الذي كان مطلوبًا من قِبل المحكمة الجنائية الدولية سابقًا، ومع (البيدجا) عبدالرحمن الميلاد، الناشط الرئيسي في الاتجار بالبشر، الذي قُتل في سبتمبر 2024، وكان مدرجًا على قائمة العقوبات».
ووُجهت إلى الورفلي، وهو قائد ميداني بالقوات الخاصة «الصاعقة»، تهمٌ بارتكاب جرائم مختلفة في مدينة بنغازي بين عامي 2016 و2018، وقُتل رمياً بالرصاص عام 2021.
قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية: خطوة سياسية؟
بعدما أصدرت حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» قرارا بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من عام 2011 إلى 2027، يشكك خبراء في سبب اختيار ليبيا القيام بذلك الآن في خضم صراع وأزمة شرعية مع حكومة أخرى في شرق البلاد.
وفي منتصف شهر مايو، اندلعت الاضطرابات مرة أخرى في طرابلس، بعد أسابيع من التوترات، وكان أول اشتباك مسلح كبير منذ عام 2023. وكانت الشرارة هي اغتيال عبد الغني الككلي، أحد أكثر قادة الميليشيات نفوذاً زعيم «جهاز دعم الاستقرار»، وهو مؤسسة أمنية تابعة للمجلس الرئاسي.
ويوافق الحقوقي عمر على ذلك، قائلا: «ما نشهده الآن هو في المقام الأول مناورة سياسية تهدف إلى إعادة تصوير حكومة الوحدة الوطنية كحكومة ملتزمة بالمساءلة، على الرغم من علاقاتها القديمة مع نفس الميليشيات التي تزعم الآن معارضتها». ويضيف: «توقيت الإعلان، الذي يتزامن مع تجدد الاشتباكات في طرابلس والاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة، يُبرز طبيعته الاستراتيجية».
وفي حين يُشارك المراقبون الدوليون هذه المخاوف بشأن أسباب هذه الخطوة، فإنهم يُطالبون أيضًا باستغلال هذه الولاية القضائية الجديدة لمصلحة المحكمة الجنائية الدولية. وترى سيرينا زانيراتو، مسؤولة البرامج في منظمة «محامون من أجل العدالة في ليبيا» غير الحكومية، أن هذا يعني أنه لن يكون هناك الآن «أي طعون على قبول التحقيق في الجرائم الجارية والحديثة وملاحقتها قضائيًا، وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالجرائم ضد المهاجرين واللاجئين، بل سيُجرى تحقيق أكثر تعمقا». وتقول: «دعونا نحاول الاستفادة من هذه المزايا قدر الإمكان، لتحقيق نتائج ملموسة».
أربعة مسارات تحقيق في ليبيا
ينظر المدعون العامون للمحكمة الجنائية الدولية حاليًا في أربعة مسارات تحقيق في ليبيا. يتعلق المسار الأول بعنف الحرب الأهلية عام 2011، الذي يُتهم فيه رئيس الوزراء الليبي الفعلي، آنذاك، سيف الإسلام القذافي، وما زال طليقا. أما المسار الثاني فهو الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، التي يُعد نجيم المشتبه به العلني الوحيد فيها. ويركز المسار الثالث على العمليات العسكرية والصراعات التي وقعت بين عامي 2014 و2020، والتي أسفرت عن ستة أوامر اعتقال على خلفية أعمال العنف المرتكبة في ترهونة. وفي تقريره الصادر في مايو، ذكر المدعي العام أن الفريق يبحث إمكان إصدار أوامر اعتقال جديدة بشأن مجموعة أوسع من القضايا.
المسار الرابع للتحقيق يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد المهاجرين واللاجئين. ويركز التقرير على جهود الفريق المشترك، المؤلف من مدعين عامين وطنيين في هولندا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة، والتقدم الذي أحرزه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ 13 ساعات
- الوسط
لجنة تحقيق أممية: دعم واشنطن لمؤسسة غزة الإنسانية «فاضح»
وصفت رئيسة لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، الدعم الأميركي لمؤسسة غزة الإنسانية «GHF» التي توزع المساعدات في غزة بموافقة إسرائيل، بأنه «فاضح»، لتنضم بذلك إلى موجة انتقادات موجهة لأساليب عمل المنظمة. وقالت رئيسة لجنة التحقيق الدولية هذه نافي بيلاي خلال مؤتمر صحفي في جنيف «كما نرى يوميا، يتضح أن الأشخاص الذين يرتادون هذه المراكز يُقتلون أثناء بحثهم عن الطعام»، وأضافت «يجب أن ندرس الهدف السياسي» لهذه المؤسسة «وكيفية تطبيقه»، واصفة الدعم الأميركي لها بأنه «فاضح»، بحسب «فرانس برس». وقعت سلسلة من الأحداث الدامية منذ 27 مايو تاريخ افتتاح مراكز الإغاثة المحدودة التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية، وهي منظمة ذات تمويل غامض تدعمها الولايات المتحدة و«إسرائيل». وترفض الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية غير حكومية العمل مع هذه المنظمة بسبب مخاوف بشأن إجراءاتها وحيادها. مؤسسة غزة الإنسانية تزعم توزيع 27.8 مليون وجبة وتقول مؤسسة غزة الإنسانية إنها وزعت 27.8 مليون وجبة منذ إطلاق عملياتها الميدانية نهاية مايو وحتى الخميس، وقالت بيلاي «في مختلف الحروب، يؤدي الحصار والمجاعة إلى الموت (...) عندما لا يتمكن الناس من الحصول على الغذاء». لكن «علينا أن نفهم الدافع وراء قتل الأشخاص الذين يلجأون إلى هذه المؤسسة طلبا للمساعدات الإنسانية»، بحسب المسؤولة الجنوب إفريقية التي شغلت منصب رئيسة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، وقاضية في المحكمة الجنائية الدولية، ومفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. تحقيق في انتهاكات القانون الدولي وأنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي ترأسها بيلاي في مايو 2021 للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي في «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلة. وقدمت اللجنة الثلاثاء تقريرها الأخير الصادر في 10 يونيو إلى مجلس حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن الهجمات الإسرائيلية على المدارس والمواقع الدينية والثقافية في غزة تُشكل جرائم حرب و«جريمة إبادة ضد الإنسانية». وترى إسرائيل أن لجنة التحقيق هذه تعكس «آلية متحيزة ومُسيّسة بطبيعتها تابعة لمجلس حقوق الإنسان».


الوسط
منذ 13 ساعات
- الوسط
مع قرب نهاية التحقيقات.. خبراء وحقوقيون: «الجنائية الدولية» في ليبيا عاجزة بين التقاعس والمناورات
تكشف تجربة المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا عن عجزها عن تحقيق العدالة في سياق معقد سياسيا، وقضائيا، بين تقاعس الدول الأعضاء، كإيطاليا، وانتقائية التحقيقات، وتأثير المناورات السياسية الليبية. هذا ما خلص إليه خبراء ومراقبون وفق ما نشر موقع «جستس إنفو»، المتخصص في الشؤون القضائية الدولية، الذي كشف عن عجز المحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع الأزمة الليبية أو محاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية في البلاد، بعد مضي 14 عامًا من التحقيقات. ففي مايو، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن مكتبه أحرز تقدما في ليبيا، وأنه ينوي إغلاق مرحلة التحقيق في أوائل عام 2026. في الوقت نفسه، قبلت حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» اختصاص المحكمة حتى عام 2027. ولكن بعد 14 عاماً من التحقيق دون محاكمة، يتساءل التقرير إن كان هناك أي أمل في التغيير؟ انتقادات حول التزام المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا تحقق المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا منذ عام 2011 بناء على طلب من مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، ولم تسفر عن أي محاكمة حتى الآن. ففي سنواته الأولى، شهد التحقيق زخمًا طفيفًا، وصدرت مذكرات توقيف عدة بارزة. لكن سيف الإسلام القذافي لا يزال طليقًا، بينما لا يزال صهر الرئيس الراحل رئيس مخابراته، عبدالله السنوسي، ينتظر استئناف محاكمته في ليبيا. وفي 2013، اعتبرت المحكمة قضية السنوسي غير مقبولة، لأن ليبيا بدأت إجراءات محلية، مما أثار انتقادات حول التزام المحكمة بمحاسبة المسؤولين الكبار. وحتى مع إعلان كريم خان في بداية ولايته استراتيجية جديدة تركز على القضايا المحالة من مجلس الأمن، لم تُترجم هذه الوعود إلى نتائج ملموسة، ولم يغير إصدار سبع مذكرات توقيف جديدة من واقع الإفلات من العقاب، حيث تظل المحكمة عاجزة عن تنفيذ هذه المذكرات بسبب افتقارها لسلطة إجبارية، وعدم تعاون الدول الأعضاء معها. وأصبحت مذكرة التوقيف الأخيرة بحق الزعيم المزعوم لسجن معيتيقة سيئ السمعة، أسامة المصري نجيم، مثالاً على فشل الدول الأعضاء في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وفشل القضاء الليبي في توفير المساءلة. ففي 19 يناير 2025، اعتقلت الشرطة نجيم، في مدينة تورينو، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. لكن إيطاليا اختارت إعادته إلى طرابلس بدلًا من لاهاي. ومنذ ذلك الحين، ووفقًا لخان، فقد نجيم منصبه كرئيس لمؤسسة السجون، ويبدو أنه لم تُتخذ أي إجراءات وطنية رسمية في ليبيا ضده. وفي حالة عدم قدرة المحكمة الجنائية الدولية على إنفاذ أوامر التوقيف قسرًا، «يكمن الأمل الوحيد في تعاون دول ثالثة عند سفر هؤلاء الأشخاص إلى الخارج. ففي قضية نجيم، قامت المحكمة بعمل ممتاز، لذا فإن موقف إيطاليا أثار إشكالية»، كما تقول أستاذة القانون الجنائي الدولي بجامعة ميلانو، شانتال ميلوني. وأضافت: «ليبيا كدولة لم تقبل قط باختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتى الشهر الماضي، ولذلك لم تتعاون معها فعليا. بل على العكس، حاولت ليبيا منذ البداية الطعن في اختصاص المحكمة». الخطوة الكبرى للمحكمة الجنائية الدولية في ليبيا أشار كريم خان إلى «الخطوة الكبرى التي اتُخذت بإصدار أول مذكرة توقيف علنية بحق نجيم فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز في ليبيا»، التي وصفها بأنها «صندوق أسود للمعاناة على ساحل البحر الأبيض المتوسط لم يرغب أحد في فتحه». لكن بعد يوم واحد فقط من خطابه، تنحّى خان جانبًا حتى انتهاء التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة في مزاعم ضده بالتحرش الجنسي. ويدير المكتب نوابه، ومن بينهم نزهت شميم خان، المسؤولة عن الملف الليبي. وحسب التقرير، حفّزت فضيحة نجيم العديد من المسائل، ستضطر المحكمة الجنائية الدولية الآن إلى التعامل معها. وفي كلمته أمام مجلس الأمن، أعلن خان أن المحكمة استجابت لطلب من الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في المملكة المتحدة، للمساعدة في التحقيق في أصول نجيم، مما أسفر عن «أوامر بتجميد حسابات وممتلكات بقيمة إجمالية قدرها 12 مليون جنيه إسترليني». بدوره، رحّب مدير منظمة «مراقبة جرائم ليبيا» غير الحكومية، علي عمر، بهذه الخطوة. وقال لموقع «جستس إنفو» إن الإجراءات المالية قد تكون فعّالة، «ولا سيما في القضايا المتعلقة بقادة الميليشيات الذين اختلسوا أموالًا عامة وحوّلوها إلى شبكات شخصية في الخارج»، مضيفًا أن على المحكمة الجنائية الدولية اتخاذ إجراءات مماثلة ضد كل من صدرت بحقه مذكرة توقيف. العديد من أفراد الميليشيات ألغوا خطط سفرهم أو اختبأوا بعد مذكرة بحق نجيم مذكرة التوقيف بحق نجيم أحدثت صدمةً في صفوف الميليشيات على الأرض، وهو ما يؤكده عمر. ويوضح على حد علمه: «ألغى العديد من أفراد الميليشيات خطط سفرهم أو اختبأوا بعد صدور مذكرة التوقيف». لكن تبرير إيطاليا بمبدأ التكاملية، الذي يفترض تفضيل المحاكمات المحلية إذا كانت فعالة، يفتقر للمصداقية في ظل الواقع القضائي الليبي. ويبيّن عمر أن النظام القضائي الليبي يعاني نقص الاستقلالية والفعالية، وغياب قوانين محلية تتضمن تعريفات واضحة لجرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية. هذا الواقع يجعل الاعتماد على التكاملية مبررًا واهيًا، يعكس فشل المحكمة الجنائية في فرض سلطتها. أما المستشارة الليبية المستقلة، مروة محمد، تقول إن للبلاد سجلًا حافلًا في تصفية المشتبه بهم رفيعي المستوى بدلًا من السعي لتحقيق العدالة، مضيفة: «هذا ما شهدناه محليًا مع محمود الورفلي، الذي كان مطلوبًا من قِبل المحكمة الجنائية الدولية سابقًا، ومع (البيدجا) عبدالرحمن الميلاد، الناشط الرئيسي في الاتجار بالبشر، الذي قُتل في سبتمبر 2024، وكان مدرجًا على قائمة العقوبات». ووُجهت إلى الورفلي، وهو قائد ميداني بالقوات الخاصة «الصاعقة»، تهمٌ بارتكاب جرائم مختلفة في مدينة بنغازي بين عامي 2016 و2018، وقُتل رمياً بالرصاص عام 2021. قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية: خطوة سياسية؟ بعدما أصدرت حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» قرارا بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من عام 2011 إلى 2027، يشكك خبراء في سبب اختيار ليبيا القيام بذلك الآن في خضم صراع وأزمة شرعية مع حكومة أخرى في شرق البلاد. وفي منتصف شهر مايو، اندلعت الاضطرابات مرة أخرى في طرابلس، بعد أسابيع من التوترات، وكان أول اشتباك مسلح كبير منذ عام 2023. وكانت الشرارة هي اغتيال عبد الغني الككلي، أحد أكثر قادة الميليشيات نفوذاً زعيم «جهاز دعم الاستقرار»، وهو مؤسسة أمنية تابعة للمجلس الرئاسي. ويوافق الحقوقي عمر على ذلك، قائلا: «ما نشهده الآن هو في المقام الأول مناورة سياسية تهدف إلى إعادة تصوير حكومة الوحدة الوطنية كحكومة ملتزمة بالمساءلة، على الرغم من علاقاتها القديمة مع نفس الميليشيات التي تزعم الآن معارضتها». ويضيف: «توقيت الإعلان، الذي يتزامن مع تجدد الاشتباكات في طرابلس والاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة، يُبرز طبيعته الاستراتيجية». وفي حين يُشارك المراقبون الدوليون هذه المخاوف بشأن أسباب هذه الخطوة، فإنهم يُطالبون أيضًا باستغلال هذه الولاية القضائية الجديدة لمصلحة المحكمة الجنائية الدولية. وترى سيرينا زانيراتو، مسؤولة البرامج في منظمة «محامون من أجل العدالة في ليبيا» غير الحكومية، أن هذا يعني أنه لن يكون هناك الآن «أي طعون على قبول التحقيق في الجرائم الجارية والحديثة وملاحقتها قضائيًا، وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالجرائم ضد المهاجرين واللاجئين، بل سيُجرى تحقيق أكثر تعمقا». وتقول: «دعونا نحاول الاستفادة من هذه المزايا قدر الإمكان، لتحقيق نتائج ملموسة». أربعة مسارات تحقيق في ليبيا ينظر المدعون العامون للمحكمة الجنائية الدولية حاليًا في أربعة مسارات تحقيق في ليبيا. يتعلق المسار الأول بعنف الحرب الأهلية عام 2011، الذي يُتهم فيه رئيس الوزراء الليبي الفعلي، آنذاك، سيف الإسلام القذافي، وما زال طليقا. أما المسار الثاني فهو الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، التي يُعد نجيم المشتبه به العلني الوحيد فيها. ويركز المسار الثالث على العمليات العسكرية والصراعات التي وقعت بين عامي 2014 و2020، والتي أسفرت عن ستة أوامر اعتقال على خلفية أعمال العنف المرتكبة في ترهونة. وفي تقريره الصادر في مايو، ذكر المدعي العام أن الفريق يبحث إمكان إصدار أوامر اعتقال جديدة بشأن مجموعة أوسع من القضايا. المسار الرابع للتحقيق يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد المهاجرين واللاجئين. ويركز التقرير على جهود الفريق المشترك، المؤلف من مدعين عامين وطنيين في هولندا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة، والتقدم الذي أحرزه.


الوسط
منذ 14 ساعات
- الوسط
ماكرون يستشهد بحالة ليبيا رفضا لتغيير النظام بالقوة في إيران
قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن تغيير النظام في إيران بالقوة سيؤدي إلى الفوضى، كما حدث في ليبيا والعراق عقب التدخل العسكري في البلدين. جاءت تصريحات ماكرون لدى مشاركته في قمة زعماء مجموعة السبع في كندا، أمس الثلاثاء، حيث أوضح أن بيان المجموعة الصادر بعد القمة ذكر أنهم لا يريدون أن تملك إيران أسلحة نووية. تغيير النظام عسكريا في إيران أكبر خطأ يعتقد الرئيس الفرنسي أن «تغيير النظام في إيران من خلال التدخل العسكري سيكون أكبر خطأ اليوم، لأنه سيؤدي إلى الفوضى»، مشددا على ضرورة أن تبدأ المفاوضات من جديد، لوضع إطار للمسألة النووية والبالستية الإيرانية. كما شدد ماكرون على معارضته مهاجمة المدنيين والبنى التحتية للطاقة، ومناهضته أي أعمال عسكرية من شأنها أن تؤدي إلى تغيير النظام، مبررا ذلك بأنه «لا أحد يعلم ما سيحدث لاحقا». وتساءل ماكرون: «هل يعتقد أحد أن ما حدث في العراق عام 2003 كان صائبا؟ هل يعتقد أحد أن ما حدث في ليبيا خلال العقد الماضي كان صائبا؟ كلا»، في إشارة إلى التدخلين العسكريين في البلدين اللذين شارك فيهما الأميركيون، وحلف شمال الأطلسي «ناتو». موقف فرنسا من تغيير النظام الإيراني عسكريا أشار ماكرون إلى أن موقف فرنسا من هذه القضية لم يتغير، مضيفا: «التزمتُ بهذا الموقف منذ ثماني سنوات، ولن أغير رأيي، ولا أقول شيئا مختلفا عما قلته لكم بالأمس. وإذا غيّر بعض المسؤولين آراءهم، فمن واجبهم الرد على هذا التغيير، وليس من شأني التعليق». وفي رده على سؤال عن نية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغيير النظام في إيران، قال ماكرون: «لا أعرف. لست معلقًا على الأحداث الجارية»، مؤكدا أن فرنسا تولي اهتماما لأمن إسرائيل، لأن «لها الحق في الدفاع عن نفسها»، وفق تعبيره. قوات الاحتلال تشن هجمات على إيران منذ فجر الجمعة الماضي، يشن الاحتلال الصهيوني بدعم أميركي عدوانا على إيران، يشمل قصف منشآت نووية وقواعد صواريخ، واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وأسفر عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، بينما ترد طهران بقصف تل أبيب بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة. ودعا الرئيس الأميركي طهران إلى الاستسلام دون أي شروط، ولوح بإمكان استهداف المرشد الأعلى علي خامنئي. وسبق أن دان ماكرون، في مناسبات عدة، التدخل العسكري في ليبيا، واعتبره سببا مباشرا لما تعانيه منطقة الساحل الأفريقي المجاورة من اضطرابات أمنية. التدخل العسكري في ليبيا قرر الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي التدخل العسكري في ليبيا، غداة إصدار مجلس الأمن في 17 مارس 2011 قرارا يجيز استخدام القوة ضد القوات الموالية للعقيد الراحل معمر القذافي، لحماية المدنيين. وانطلقت عملية «هارماتان» العسكرية الفرنسية في 19 مارس 2011، واستمرت حتى نهاية الشهر نفسه، قبل أن تنضم القطع الحربية الفرنسية للحملة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، التي تولت العملية العسكرية تحت اسم «الحامي الموحد» في 31 مارس 2011 حتى 31 أكتوبر من العام نفسه.