
14 شارع هالي باريس.. هنا رسمت فريدا كاهلو أوجاعها السريالية
لوحات فريدا كاهلو الباريسية يُكشف عنها في معرض استثنائي لأول مرة في معهد شيكاغو للفنون خلال يونيو الجاري، وسلط المعرض الضوء على فصل غير معروف من حياة الفنانة المكسيكية الأسطورية، فريدا كاهلو، حيث يركز على رحلتها الأوروبية الوحيدة والمهمة لفرنسا، واللقاء الحاسم الذي جمعها مع الكاتبة الأمريكية الطليعية ماري رينولدز. هذا اللقاء، الذي استمر لفترة قصيرة لكنه كان محورياً، يكشف عن جانب جديد من تداخل الإلهام والتبادل الثقافي بين فنانتين من عصور مختلفة، في زمن كانت فيه السريالية تتصاعد كحركة فنية ثورية.
يُعيد هذا المعرض التأكيد على أن الإلهام الفني لا يعرف الحدود، وأن اللقاءات العابرة والصداقة المستمرة يمكن أن تُنتج أعمالاً تتجاوز الزمن والمكان، وتُثري فهمنا لكيفية تفاعل الفنانين مع بعضهم البعض، سواء كان ذلك عبر صداقات طويلة الأمد أو لقاءات عابرة، أو مزيج من الاثنين معاً. فريدا كاهلو، من خلال هذه الرحلة، لم تكن فقط تتعرف على أوروبا، بل كانت تتفتح على عالم جديد من الإلهام والتجديد، يُعيد رسم مسارها الفني ويؤكد أن الإبداع هو رحلة لا تتوقف وبالاعتماد على مجموعة ماري رينولدز الواسعة في معهد شيكاغو، للفنون والإعارات النادرة لأعمال كاهلو من مجموعات متنوعة حول العالم، يفتح المعرض نافذة على فصل غير مألوف من تاريخ الفن في القرن العشرين، حيث تتقاطع حياة الفنانتين في سياق استثنائي من التحديات والإبداع، على أعتاب الحرب العالمية الثانية.
والجدير بالذكر أن هذا المعرض أهمية التفاعل بين الفنانين في تلك الحقبة الحافلة من تاريخ الفن، سواء عبر اللقاءات المباشرة أو عبر الرسائل والتي أعادت صياغة فهمنا لقوة الإلهام المتبادل. ففي يناير 1939، استجابت كاهلو لدعوة أندريه بريتون، أحد مهندسي السريالية الأوروبية، لزيارة فرنسا، بعد أن زارها بريتون في عام 1938 في موطنها هو مكسيكو سيتي، حيث نشأت في منزلها الأزرق المعروف بـ«لا كاسا أزول»، وهو مكان يعكس روحها المكسيكية العميقة ويحتضن أعمالها التي غالباً ما كانت تتناول موضوعات الهوية، والهوية الجندرية، والمعاناة، والألم الشخصي.
كانت لوحاتها تتميز بأسلوب فريد يمزج بين الواقعية والطابع الشعبي، بأسلوب فني يمزج بين الألوان الزاهية والرمزية. من أشهر لوحاتها «ذات الشعر الأسود» و«الذيول» و«الطفل الميت»، التي تعبر عن معاناتها الشخصية، وتاريخها العائلي، وارتباطها العميق بموروثها المكسيكي. وتستخدم أسلوباً يدمج بين الرمزية والسريالية، معتمدة على أسلوبها الخاص في التعبير عن الهوية الذاتية والذاكرة الجماعية، وبتوظيف رموز مستمدة من التراث المكسيكي، والأساطير، والدين. كانت رسوماتها تعكس تجاربها الشخصية، وأوجاعها الجسدية، وحبها لبلدها، ومكانتها كرمز للتمرد والهوية الوطنية.
ومن جانب آخر كانت كاهلو، التي كانت قد عبرت عن رغبتها في الانخراط في الحركة السريالية، تتطلع إلى توسيع آفاقها الفنية والتفاعل مع المشهد الفني الأوروبي. لكن المدينة لم تكن أرحب بحضورها، إذ سرعان ما شعرت بأن بيئتها الجديدة تآكل من حريتها الفنية وتهدد صحتها، خاصة مع معاناتها المستمرة من مشكلات صحية مزمنة، بما في ذلك مرضها في الكلى الذي استدعى دخولها المستشفى عدة مرات. حتى قابلت رينولدز، التي كانت تعمل كاتبة وناشرة ومصممة كتب فنية، ووجدت فيها رفيقة روحها، التي استطاعت أن تقدم لها الدعم والتشجيع في تلك الفترة الحرجة.
وعندما أُسعفت كاهلو إلى المستشفى بسبب إصابة في الكلى، كانت رينولدز في انتظارها، ودعتها للتعافي في منزلها في 14 شارع هالي، الذي كان مركزاً نابضاً للمجتمع البصري والأدبي الطليعي في باريس، حيث كانت اللقاءات والأحاديث الفنية تتكرر بشكل يومي. هناك، عاشت كاهلو تجربة فريدة من نوعها، حيث انغمست في أجواء من الإبداع والتبادل الثقافي، مع حضور فنانين ومفكرين بارزين، مثل مارسيل دوشام، وكلاود مونيه، وبيير كاردان، وغيرهم، الذين كانوا يزورون المنزل ويشاركونها أفكارها الفنية.
تُقدم هذه المجموعة من الأعمال، التي تتجاوز المئة قطعة، سرداً غنياً ومتنوعاً، يُعيد رسم خريطة حياة كاهلو الفنية، ويُبرز كيف أن ارتباطها المؤقت بباريس، وخصوصاً مع رينولدز، شكّل نقطة تحول جوهرية في مسيرتها، خاصة في سياق ارتباطها بالسريالية الأوروبية. توفيت فريدا كاهلو في 13 يوليو 1954، عن عمر ناهز 47 عاماً، بعد معاناة طويلة مع مشكلات صحية مزمنة، وتدهور حالتها الصحية بسبب مضاعفات مرضها في الكلى، بالإضافة إلى مضاعفات أخرى، منها التهاب الرئة والنزيف الداخلي. وعلى الرغم من عمرها القصير، إلا أن إرثها الفني والثقافي استمر في إلهام الأجيال، وأصبحت رمزاً للتمرد على التقاليد، والدفاع عن الهوية الشخصية والجنسية، ومرآة لآلام المجتمع المكسيكي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 8 ساعات
- البيان
خيول الإمارات تخوض التحدي في افتتاح مهرجان رويال آسكوت
تنطلق اليوم فعاليات مهرجان رويال آسكوت في المملكة المتحدة، الذي يستمر لغاية 21 من الشهر الجاري على مضمار آسكوت العريق بمشاركة نخبة الخيول أبرزها أبطال سباقات الجينيز البريطانية، والايرلندية، والفرنسية، الذين يتنافسون على لقب «سانت جيمس بالاس ستيكس» ضمن 7 سباقات يشتمل عليها اليوم الافتتاحي للكرنفال. ويدشن فعاليات المهرجان الشوط الأول «كوين آن ستيكس» لمسافة 1600 متر من «الفئة الأولى»، حيث يتجدد اللقاء بين الثنائي «نوتابل سبيش» لجودلفين بطل الـ2000 جينيز في عام 2024 بإشراف المدرب تشارلي أبلبي ووصيفه في السباق ذاته «روزاليون» بشعار الشيخ محمد بن عبيد آل مكتوم بإشراف المدرب ريتشارد هانون، كما يشهد السباق مشاركة «قدوة» بشعار سمو الشيخ أحمد بن راشد آل مكتوم بإشراف سايمون وإيد كريسفورد وينافس على اللقب «ليد آرتيست» بإشراف جون وثادي جوسدن. ويتواصل التحدي في الشوط الثاني «كوفنتري ستيكس» لمسافة 1200 متر من «الفئة الثانية» بمشاركة المهر غير المهزوم «مليتاري كود» لجودلفين الذي يخوض أول ظهور له في السباقات الفئوية، ويشارك في التحدي «شاطر» بشعار سمو الشيخ أحمد بن راشد آل مكتوم بإشراف آرتشي واتسون و«روك أون ثندر» بإشراف كيفن ريان، كما يشهد السباق مشاركة «سوبر سولدير» لمحمد سعيد الشحي بإشراف كيه آر بروك. وتتطلع نخبة من الخيول للفوز بلقب سباق الفئة الأولى في الشوط الثالث «كينجز تشارلز الثالث ستيكس» لمسافة 1000 متر من بينها «فروست آت داون» لعبدالله المنصوري. وسيشتد الصراع على القمة في سباق «سانت جيمس بالاس ستيكس» من الفئة الأولى لمسافة الميل «1600 متر» بمشاركة أبطال الجينيز الإنجليزي والإيرلندي والفرنسي، حيث يتطلع نجم جودلفين «رولينغ كورت» بطل سباق 2000 جينيز الإنجليزي للفئة الأولى في نيوماركت، إلى تعزيز انتصاراته الثمينة تحت إشراف شارلي أبلبي رغم المواجهة القوية التي تجمعه بـ«فيلد أوف جولد» بطل سباق 2000 جينيز الايرلندي بإشراف جون وثادي جوسدن بجانب «هنري ماتيس» بطل سباق 2000 جينيز الفرنسي الذي يشرف عليه المدرب إيدن أوبراين. مسافة ماراثونية يخوض «مانكسمان» بشعار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم التحدي في سباق «آسكوت ستيكس» للمسافة الماراثونية 4000 متر بإشراف سايمون وإد كريسفورد، فيما يشارك في سباق «ولفرتون ستيكس» من فئة «ليستد» لمسافة 2000 متر ثنائي جودلفين «مليتاري أوردر» بإشراف شارلي أبلبي و«باشن آند غلوري» بإشراف سعيد بن سرور، و«ميدان» بشعار سمو الشيخ أحمد بن راشد آل مكتوم وإشراف سايمون وإيد كريسفورد، و«انفجار» بشعار شادويل وإشراف روجر فاريان، و«ليبرتي لين» للشيخ محمد بن عبيد آل مكتوم بإشراف كيه آر بورك. ويختتم «إندلس فيكتوري» لجودلفين مشاركة خيول الإمارات في اليوم الافتتاحي من المهرجان في سباق «كوبر هورس هانديكاب» لمسافة 2800 متر، حيث يسعى شقيق الفائز في ملبورن كب «كروس كاونتر» إلى وضع بصمته في مسك الختام. جاهزية وتحدث المدرب شارلي أبلبي عن مشاركات خيول جودلفين التي يشرف عليها في اليوم الافتتاحي من المهرجان، وأكد جاهزية «نوتابل سبيش» للمنافسة وهو في حالة رائعة، ويتطلع لرؤيته مجدداً على المسار المستقيم في مضمار آسكوت، حيث كانت مشاركته في لوكنج ستيكس في مضمار نيوبري الأولى له هذا الموسم، وقد تطور أداؤه والأرضية مناسبة له، والسباق يبدو مثالياً لافتتاح المهرجان». وتطرق أبلبي إلى مشاركة «رولينغ كورت» الذي يواجه منافساً مألوفاً من سباق الجينيز، حيث يتجدد اللقاء مع «فيلد أوف غولد» في سباق سانت جيمس بالاس ستيكس بعد أن فصل بينهما نصف طول في نيوماركت، وقال إن أبلبي «رولينغ كورت» تم سحبه من الديربي بسبب حالة الأرضية، ولا يملكون الآن أي أعذار مع الأرضية المناسبة في آسكوت، لافتاً إلى أن السباق سيكون قوياً للغاية، والمسافة والمسار في صالحه، وهناك خطة لرفعه إلى مسافة أطول لاحقاً، بعد أن لم يخيب الآمال على مسافة الميل حتى الآن. وتحدث أبلبي عن مشاركة خيول جودلفين الأخرى من بينهم «مليتاري كود» في سباق «كوفنتري ستيكس»، وقال إنه يخوض المنافسة بسجل قوي للغاية، ويتطلع إلى تمديد مشاركته إلى مسافة 1200 متر بعد أن قدّم عرضين قويين حتى الآن، ويأمل أن يكون منافساً حقيقياً في هذا المستوى. وعن مشاركة «مليتاري أوردر» في سباق «ولفرتون ستيكس»، قال أبلبي: يتمتع «مليتاري أوردر» بحالة بدنية ممتازة، وأنا متحمس لرؤيته على أرضية أسرع إذا تمكن من نقل مستواه القوي على الأرضية الاصطناعية إلى آسكوت، سيكون حصاناً مثيراً للمتابعة، فيما علق المدرب العالمي سعيد بن سرور على مشاركة «باشن آند غلوري» في السباق ذاته قائلاً: «باشن آند غلوري» يعشق مضمار آسكوت، وقدم تمريناً جيدًا، ويعتقد أن العودة لمسافة الميل وربع ستكون مثالية له، ويتطلعون إلى أداء جيد. وعلق شارلي أبلبي على مشاركة «إندلس فيكتوري» في الشوط الختامي «كوبر هورس هانديكاب»، موضحاً أن «المسافة الجديدة تمثل علامة استفهام بالنسبة لـ«إندلس فيكتوري»، لكنه يأمل أن تمنحه دفعة إضافية، ويمكن التغاضي عن مشاركته الأخيرة في ميدان، حيث لم تسر الأمور لصالحه، ولقد حصل على فترة راحة جيدة ويشارك الآن في حالة ممتازة، وجميع سباقات الهانديكاب في رويال آسكوت تتطلب قدراً من الحظ خلال السباق، ولكن إذا حصل على الثغرات المناسبة وتحسّن مع المسافة، فسيكون منافساً قوياً.


البيان
منذ 10 ساعات
- البيان
«دي بركان» و«دي نيران 2» لمربط دبي يحصدان ذهب «كان»
تألق مربط دبي للخيول العربية في منافسات المحطة الخامسة من جولة الجياد العربية 2025، والتي اختتمت مساء أول من أمس في مدينة كان الفرنسية، محققاً ميداليتين ذهبيتين، ضمن منافسات البطولة، حيث توج بالميدالية الذهبية الأولى المهر «دي بركان»، وهو من أسطورة الإنتاج العالمي الفحل إف إيه إل رشيم، والفرس العالمية دي عجايب، بعد نجاحه في مجموعة منافسيه، مسجلاً 92.64 نقطة، ونال اللقب الذهبي الثاني المهرة «دي نيران 2»، التي تصدرت مجموعتها بنفس معدل المهر دي بركان، 92.64 نقطة، وهي من بطل التاج الثلاثي في بطولة العالم، الفحل دي سراج، والفرس إيلي جهراء، وكانت دي نيران الأولى قد لفتت الأنظار في العديد من البطولات الدولية، ضمن جولة الجياد العربية وخارجها، قبل أن تلمع دي نيران الثانية في أول مشاركة لها، وتسجل لنفسها أقوى حضور بين أجمل مهرات العالم، وتنال اللقب الذهبي بالإجماع. سعادة وأعرب المهندس محمد التوحيدي المشرف العام المدير العام لمربط دبي، عن سعادته البالغة بالإنجاز الجديد للمربط في المحطة الخامسة من جولة الجياد العربية بمدينة كان الفرنسية، التي تعد الأولى بين المحطات الأوروبية، منوهاً بمستوى التنظيم العالي الذي ميز الحدث الذي يؤكد أن مشروع الجولة ينافس نفسه عالمياً، ويحقق الهدف بتكريم الخيل العربية والمعنيين بشؤونها. وقال: محطة «كان» كانت بحق بطولة عالمية، تنافست فيها أفضل الخيول في العالم، لا سيما على مستوى المهرات والمهور، وهي خيول تمثل أبطال المستقبل إنجازاً وإنتاجاً، البطولة كانت نسخة مسبقة لبطولة العالم، وبالفعل كان ميدانها لقاء تنافسياً صعباً. يقين وعبر عبد العزيز المرزوقي المدير التنفيذي لمربط دبي، عن سعادته بنجاح المربط في مشاركته الفعالة بالجولة، معتبراً أن المهرة «دي نيران» الجديدة والمهر الرائع «دي بركان»، ضمانة مباركة لمستقبل الأبطال الجدد الذين سيواصلون حمل مشعل مجد الإنتاج المحلي في العالم. وقال: على الرغم من غيابي عن البطولة لظروف قاهرة، فإنني تابعت بشغف بالغ كل أطوار البطولة بدقائقها، واستمتعت بالمستوى العالي للخيول، وتنافسها مع اليقين التام في خيولنا التي تتمتع بكافة المواصفات المؤهلة للمركز الأول. ونحمد الله أن تحقق ما سعينا لتحقيقه، نهنئ الجميع على ما تتمتع به خيولهم من مستويات عالية.


البيان
منذ 11 ساعات
- البيان
علاقة ترامب وماسك.. الأمور أكثر تعقيداً مما تبدو
جيميما كيلي لا يكفّ كثيرون عن الحديث حول «علاقة الصداقة» غير المكتملة بين إيلون ماسك ودونالد ترامب، أو تلك العلاقة المتذبذبة التي لا تلبث أن تنقطع حتى تعود مجدداً. ففي لحظة كتابة هذه السطور، كان ترامب قد عاد ليصف ماسك بـ«الصديق»، بعدما كان قد نعته في وقت سابق بـ«المجنون»، وذلك عقب تعبير أغنى رجل في العالم عن «ندمه» على بعض المنشورات غير اللطيفة التي كتبها — ثم حذفها — عن الرئيس الأمريكي على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن اعتبار العلاقة بين الرجلين نوعاً من الصداقة الأخوية يُعدّ تبسيطاً خاطئاً لطبيعة التفاعل بينهما. كما أنها ليست مجرّد «علاقة مصلحة»، رغم أن كلاً منهما استفاد دون شك من هذا التقاطع: ماسك عبر تضاعف ثروته، وترامب من خلال شقّ طريقه مجدداً نحو البيت الأبيض — ليس بفضل ماسك وحده، ولكن بدعم واضح منه على الأقل. في الحقيقة، نحن أمام علاقة حب حقيقية. فعندما كتب ماسك على منصة «إكس» في فبراير قائلاً: «أحب دونالد ترامب بقدر ما يمكن لرجل مستقيم أن يحب رجلاً آخر»، فقد كان يعني ذلك حرفياً. لكن هذا النوع من الحب لا يشبه ذاك الذي ينشأ عن رفقة حقيقية أو مصالح مشتركة. بل إنه ليس صداقة بالمعنى التقليدي أصلاً، بل علاقة أكثر تعقيداً وبدائية: ترامب في دور الأب، وماسك في دور الطفل الأبدي. لقد لاحظت منذ وقت طويل كيف يُدلل ترامب ماسك دون أن يبدو عليه الانزعاج، حتى عندما يأتي الرجل الأصغر إلى الاجتماعات الرسمية مرتدياً قبعتين، أو ينشغل في العشاء بموازنة الشوك فوق بعضها البعض. غير أن هذه الفكرة أصبحت أكثر وضوحاً بالنسبة لي أثناء حديث أجريته مؤخراً مع الفنان إيان بروس ضمن مشروعه «علينا أن نتحدث عن إيلون»، وهو بث مباشر استمر لأسبوع كامل، رسم خلاله ثلاث لوحات لماسك بينما أجرى حوارات مع شخصيات متعددة من بينها براين إينو ويانيس فاروفاكيس. في اللوحة الأولى، ظهر والد ماسك، إيرول، واقفاً خلفه وواضعاً يديه على كتفيه؛ أما في الثانية، فقد حل ترامب محل الوالد. وفقاً لما رواه كاتب سيرته الذاتية والتر آيزاكسون، فإن والد ماسك مسؤول عن جزء كبير من الصدمات التي تعرض لها في صغره، فقد انحاز إلى شخص متنمر كان قد ضربه وأخبره أنه لا قيمة له (علماً أن إيرول نفى هذه الرواية). وأضاف «شعرتُ بأن ماسك يبحث عن شخصية أب جديدة. لذلك، توجه إلى ترامب ليلعب دور «الأب البديل». أما إيرول، والد ماسك، فقد قلل من شأن الخلاف، قائلاً إن الرجلين القويين سيتصالحان قريباً. وعندما أشار أحد الصحفيين إلى أن ترامب قال إن العلاقة «انتهت»، رد والد ماسك قائلاً: «هذا فقط ما يقوله الناس». لكن لا يتوقع أن يمتلك إيرول فهماً عميقاً لما تعنيه العلاقة الأبوية أصلاً، خصوصاً بعد معاملته القاسية لإيلون في صغره. لذلك، يملك ماسك سبباً وجيهاً للبحث عن نموذج أبوي بديل. والحقيقة أنه يشترك مع ترامب في نشأته على يد أب متحكم، بارد عاطفياً، وهي سمة يبدو أنها خلقت رابطة لا واعية بينهما، ودفعت كلاً منهما إلى أن يعيش حياته كما لو كان في سباق دائم لإثبات الذات. وفي حين أن ترامب، البالغ من العمر 79 عاماً، كان قد وجد لنفسه في مرحلة ما نموذجاً أبوياً بديلاً في شخصية المحامي الشهير والمثير للجدل روي كوهن، فإن دوره في علاقته بماسك واضح تماماً. وحسبما تقول خبيرة لغة الجسد جودي جيمس، في وصفها للحظة التي حضر فيها ترامب إطلاق أحد صواريخ ماسك العام الماضي: «كان ترامب في وضعية الأب الذي يحضر اليوم المفتوح في مدرسة ابنه. وقد رفع ذقنه، وضيق عينيه، في وضعية تحمل رسالة مفادها: أبهرني يا بني. أما ماسك، فكان يدور من حوله بحماسة، ليريه كل شيء». ويمكن ملاحظة هذا النمط من التفاعل بين الرجلين كلما ظهرا معاً، كما حدث حينما قدم الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» بكل فخر للرئيس الأمريكي طراز «موديل إس» الجديد في البيت الأبيض في وقتٍ سابق من هذا العام. عندها عبر ترامب عن إعجابه قائلاً بحماس: «كل شيء يعمل بالحاسوب! هذا رائع، مذهل!» وعلى الرغم من أن ترامب لا يمانع عادةً في الظهور بمظهر المهرج، إلا أنه غالباً ما يصبح أكثر جدية عندما يكون ماسك حاضراً. وهنا تقول جودي جيمس: «كأن أحدهم لا بد أن يلعب دور الطفل في الغرفة»، مشيرةً إلى أن ترامب يتصرف عادةً بسخافة في وجود ابنه بارون، طويل القامة والبالغ من العمر 19 عاماً «لكن عندما يكون ماسك في الغرفة، يتحول ترامب إلى موقع النضج والمسؤولية». ولم يكن ترامب في ذلك التصريح الحزين قبل أسبوع -عندما قال: «لستُ حتى أفكر في إيلون»- يتحدث بلسان الصديق الذي جُرح، بل بصوت الأب المخذول. وكذلك لم يكن ماسك حين قال إنه تجاوز الحد في انتقاداته للرئيس، سوى الابن المتذلل الساعي إلى رضا أبيه. إن العلاقة بين ماسك وترامب ليست صداقة أخوية ولا حتى علاقة استعراضية. بل لعل أقرب وصف لها هو علاقة قائمة على الاحتياج العاطفي.