
قرار رفع العقوبات لا يشمل أموال سورية المجمدة قبل 2015 !؟
العربي الجديد – نور ملحم – رفع العقوبات الأميركية، شرع مصرف سورية المركزي في تحرك دولي لاسترداد الأصول المجمدة في الخارج، في خطوة يصفها خبراء الاقتصاد بأنها 'محورية'، رغم محدودية المبالغ، نظرًا إلى تأثيرها المباشر على استقرار سعر الصرف وتسهيل تمويل التجارة الخارجية.
وفي هذا السياق، قال حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية في وقتٍ سابق، إن القرار الأميركي برفع العقوبات يمثل نقطة تحوّل في القطاع المالي السوري، حيث سيسمح للمصرف باستعادة التواصل المباشر مع نظام التحويل المالي العالمي 'سويفت'، ما ينعكس إيجابًا على استقرار الأسعار وتعزيز فعالية التجارة الخارجية.
وأوضح الحصرية أن المصرف المركزي سيباشر التواصل مع المصارف الدولية بشأن الأموال السورية المجمدة، رغم أنها ليست بمبالغ كبيرة، مؤكدًا أن التجارة الخارجية يجب أن تمر عبر المصرف المركزي لضمان الشفافية والامتثال للمعايير المالية العالمية.
وأضاف أن المصرف يسعى إلى تشجيع المصارف السورية، والبالغ عددها 21 مصرفًا (بين حكومي وخاص)، على الدخول في شراكات واتفاقات تعاون مع شركات مالية عالمية، وذلك عبر تأهيل أنظمتها لتتوافق مع متطلبات الحوكمة، في خطوة تهدف إلى زيادة انخراط سورية في النظام المالي الدولي والمساهمة في جهود إعادة الإعمار.
وفي ضوء ذلك، أكد الحصرية أن فك الحظر عن الأصول السورية المجمدة سيتيح تنفيذ إصلاحات مالية واسعة تشمل تحديث البنية التحتية للقطاع المصرفي، متوقعًا بدء ظهور نتائج هذه التحولات خلال فترة تراوح بين 6 أشهر وسنة. وتعكس بيانات التجارة الخارجية حجم التحديات القائمة، حيث تراجعت قيمة الصادرات السورية من نحو 12 مليار دولار عام 2011 إلى 1.2 مليار دولار في عام 2024، في حين انخفضت الواردات إلى قرابة 4 مليارات دولار.
ويُنتظر أن يسهم تفعيل 'سويفت' في تقليص تكلفة التحويلات المالية، التي تبلغ حاليًّا نحو 1113 دولارًا لتصدير حاوية واحدة، مقارنة بـ137 دولارًا في دول منظمة التعاون والتنمية.
4 مليارات دولار لا تزال خارج متناول الحكومة
من جانبه، كشف عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق علي كنعان لـ'العربي الجديد'، أن المصرف المركزي لا يقوم باسترداد الأموال المجمدة بشكل مباشر إلى البلاد، بل يحتفظ بها في حسابات خارجية تُستخدم في تمويل عمليات الاستيراد والتصدير، بما يسهم في تغطية الالتزامات الخارجية والواردات الحيوية.
وأوضح كنعان أن هذه السياسة تمنح المصرف المركزي مرونة أكبر في التعامل مع حساباته الخارجية، وبيّن أن القرار الأميركي الأخير لا يشمل رفع التجميد عن الأموال المجمدة قبل عام 2015، إذ تم التصرف بها جزئيًّا من قبل النظام السابق في ظل غياب الرقابة والشفافية، خصوصًا في الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2015، التي شهدت مفاوضات مباشرة من قبل وفد قانوني مع بنوك أجنبية.
وأشار إلى أن تلك المرحلة شهدت حالات فساد، حيث استُغلت تلك الأصول من قبل وسطاء، وأُهدرت موارد تُقدّر بأكثر من 5 مليارات دولار، استخدمت لتغطية واردات غذائية أساسية مثل القمح والزيت والسكر، وذلك تحت بند أنه يجوز الإفراج عن أرصدة أو موارد اقتصادية مجمدة إذا اقتضت الضرورة لأغراض إنسانية، ويقتضي ذلك الحصول على إذن من السلطات في البلد الذي يقع فيه البنك. أما اليوم، فتُقدّر الأموال المجمدة المتبقية بأكثر من 4 مليارات دولار لا تزال خارج متناول الحكومة.
وأضاف كنعان أن عملية الإصلاح النقدي تحتاج إلى 5 سنوات على الأقل، في ظل التقلبات المتواصلة في سعر الصرف وتوقعات التضخم، مشددًا على أن أي مسار إصلاحي يتطلب أولًا الوصول إلى استقرار نقدي فعلي. وأكد أن رفع العقوبات يتيح للبنك المركزي السوري تلقي الأموال واستخدامها في تمويل البنية التحتية والخدمات الحيوية، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والإنتاج، متوقعًا أن تدخل البلاد استثمارات عربية وأجنبية تزيد عن 10 مليارات دولار إذا أُزيلت القيود المالية الدولية.
وقال إن انطلاق الاقتصاد السوري مجددًا يتطلب إعادة دمج البنوك المحلية ضمن النظام المالي العالمي، وعلى رأسه شبكة 'سويفت'، بما يسهل تحويل الأموال ويُطمئن المستثمرين. كما دعا الحكومة السورية إلى التحضير لهذه المرحلة عبر تشكيل فرق عمل متخصصة، ووضع خطط استراتيجية لاستيعاب الاستثمارات المرتقبة من الداخل والخارج.
تحديات كبيرة بعد سنوات طويلة
في المقابل، لا يزال ملف الأصول السورية المجمدة يكتنفه الغموض، نظرًا إلى تعدد الجهات المحتفظة بها وتفاوت الإجراءات القانونية. وتُقدّر تلك الأصول عالميًّا بنحو 500 مليون دولار موزعة بين بنوك أوروبية وآسيوية ومؤسسات دولية، بعضها يعود لجهات حكومية والبعض الآخر مرتبط بشخصيات بارزة.
وتشمل تلك الأصول حسابات تابعة لمصرف سورية المركزي موزعة في بنوك مثل سويسرا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إلى جانب مؤسسات كانت تتعامل سابقًا مع الدولة السورية. ففي سويسرا، جُمّد ما يقارب 112 مليون دولار، بينما تشير تقارير بريطانية إلى وجود حساب يُنسب للرئيس السابق بشار الأسد يحتوي على 68.3 مليون دولار، ضمن إجمالي 205 ملايين دولار مجمدة في المملكة المتحدة.
ورغم صدور بيانات أوروبية تدعو إلى مساعدة الإدارة السورية الجديدة، لم تتضمن هذه التصريحات أرقامًا دقيقة حول الأصول المحتجزة، ما يُبقي الصورة المالية غير واضحة حتى الآن. كما كشفت تقارير رياضية عن وجود أموال سورية مجمّدة لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تُقدّر بحوالي 11.5 مليون دولار، كان من المفترض تخصيصها لنشاطات رياضية وطنية، لكنها بقيت مقيّدة بفعل العقوبات.
ويواجه الاقتصاد السوري تحديات كبيرة بعد سنوات طويلة من النزاع، إذ تراجعت احتياطيات العملات الأجنبية إلى نحو 200 مليون دولار فقط، مقارنة بـ18.5 مليار دولار قبل عام 2011، فيما يحتفظ المصرف المركزي بـ26 طنًّا من الذهب تُقدّر قيمتها السوقية بنحو 2.6 مليار دولار، وهي مخزنة داخليًّا. ويجمع خبراء الاقتصاد على أن رفع العقوبات الدولية يشكّل فرصة نادرة لإعادة توظيف الأصول المجمدة في مشاريع إنسانية وتنموية، في ظل الحاجات المالية المتزايدة التي تواجه البلاد في مرحلة إعادة الإعمار وبناء الاستقرار النقدي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة عيون
منذ 44 دقائق
- شبكة عيون
بيل جيتس يتراجع للمركز 12 على مؤشر المليارديرات
مباشر: تراجع بيل جيتس، المؤسس الشريك لشركة مايكروسوفت، من المركز الخامس إلى الثاني عشر على مؤشر بلومبرج للمليارديرات، وذلك بعد أن أجرت الوكالة مراجعة شاملة لتقدير ثروته لتأخذ في الاعتبار بشكل أدق حجم تبرعاته الخيرية المستمرة . وبحسب التقييم الجديد، انخفضت ثروة جيتس بمقدار 52 مليار دولار، أي بنحو 30%، لتصل إلى 124 مليار دولار بعد أن كانت تتجاوز 175 ملياراً، وهو ما تسبب في خروجه من قائمة الخمسة الأوائل للمرة الأولى منذ سنوات طويلة . وفي مفارقة لافتة، تقدّم ستيف بالمر، مساعده السابق وخلفه في رئاسة مايكروسوفت، إلى المركز الخامس بثروة بلغت 172 مليار دولار، متجاوزًا جيتس لأول مرة، مستفيدًا من احتفاظه بحصته في الشركة التي شهدت أسهمها صعودًا قياسيًا على مدى العقد الماضي . وبهذا التحديث، أصبح جيتس خلف مؤسسي "ألفابت" لاري بيدج وسيرجي برين، والرئيس التنفيذي لشركة "نفيديا" جنسن هوانج، وكذلك خلف صديقه وشريكه في العمل الخيري وارن بافيت . وأشارت وكالة "بلومبرج" إلى أنها خفّضت المعايير التقديرية المعتمدة لاحتساب ثروة جيتس، لتتوافق مع ما أعلنه هو شخصيًا في تدوينة نشرها في مايو الماضي، والتي قدّر فيها ثروته بنحو 108 مليارات دولار، مؤكدًا عزمه على التبرع بمعظمها لصالح مؤسسة "بيل وميليندا جيتس"، التي تعهدت بإنفاق أكثر من 200 مليار دولار حتى عام 2045 قبل إغلاقها النهائي . وبحسب الموقع الرسمي للمؤسسة، فإن جيتس وطليقته ميليندا قدّما بالفعل ما مجموعه 60 مليار دولار حتى نهاية 2023، في حين ساهم بافيت بما يقارب 43 مليار دولار . ويمتلك جيتس حاليًا نحو 1% فقط من أسهم مايكروسوفت، لكنه جمع أكثر من 60 مليار دولار من توزيعات الأرباح والأسهم على مدار سنوات. وتُدار معظم ثروته من خلال شركة "كاسكيد إنفستمنت" التي تنشط في قطاعات متنوعة تشمل العقارات والطاقة والاستثمارات العامة والخاصة . ورغم هذا التراجع اللافت في الترتيب، يظل جيتس من بين أغنى عشرة أشخاص في العالم، ويُعتبر من أوائل من تجاوزت ثرواتهم حاجز 100 مليار دولار. ورغم امتلاكه لمظاهر الثراء مثل قصر فخم في "ميدينا" بواشنطن وطائرة خاصة ومجموعة سيارات فارهة، فإن الجانب الأكبر من ثروته لا يزال موجهًا نحو العمل الخيري والمشاريع التنموية حول العالم . حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات السيسي يتلقى اتصالاً من زيلينسكي لبحث الأزمة الأوكرانية مجلس النواب المصري يوافق نهائيًا على مشروع قانون الإيجار القديم Page 2 الجمعة 16 مايو 2025 01:26 مساءً Page 3


صحيفة عاجل
منذ ساعة واحدة
- صحيفة عاجل
منصة المساعدات السعودية تكشف عن أعلى الدول تلقّيًا للمساعدات من المملكة حتى الآن
كشفت منصة المساعدات السعودية عبر موقعها الإلكتروني عن أعلى الدول تلقّيًا للمساعدات من المملكة حتى الآن. وبحسب موقع منصة المساعدات السعودية الإلكتروني بلغ إجمالي المساعدات التي قدمتها المملكة 528.40 مليار ريال سعودي، أي نحو 140.90 مليار دولار أمريكي. وتصدرت مصر واليمن وباكستان وسوريا والعراق وفلسطين على التوالي قائمة أعلى دول مستفيدة من المشاريع.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
هل تتغير قواعد اللعبة في ملعب الاقتصاد العالمي؟
مع اقتراب يوم التاسع من يوليو (تموز) الجاري، تقف الأسواق العالمية على مفترق طرق تاريخي قد يعيد تشكيل خريطة التجارة الدولية. هذا التاريخ، الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترمب كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة لتجنب فرض تعريفات جمركية أعلى ليحمل في طياته ثلاثة سيناريوهات محتملة: تصعيد شامل للتعريفات الجمركية، استمرار للتهديدات من دون قرارات حاسمة، أو انفراج سياسي موقت، وكل سيناريو سيترك بصمته على الأصول والاستثمارات العالمية، مما يدفع المحللين والمستثمرين إلى ترقب الأفق بحذر شديد. "أميركا أولاً" لطالما كانت السياسة التجارية الأميركية، بخاصة في عهد الرئيس ترمب، عنصراً لا يمكن التنبؤ به، وقادراً على زعزعة الاستقرار في أركان الاقتصاد العالمي، فالحرب التجارية التي اندلعت شرارتها الأولى قبل سنوات، فرضت رسوماً جمركية متبادلة على مئات المليارات من الدولارات من السلع بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، وعلى رأسهم الصين والاتحاد الأوروبي. هذه السياسات الحمائية، التي تهدف ظاهرياً إلى حماية الصناعات المحلية وخلق الوظائف، غالباً ما كانت تؤدي إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين والشركات، وتهدد سلاسل الإمداد العالمية، وتُضعف الثقة في التجارة الدولية الحرة. في تصريحاته الأخيرة خلال اليومين الماضيين، لم يترك ترمب مجالاً للشك حول نيته في العودة لسياسة "أميركا أولاً" التجارية، ففي الثاني من يوليو الجاري، حذّر ترمب إيطاليا من فقدان 20 مليار يورو (23.59 مليار دولار) من صادراتها و118 ألف وظيفة إذا أصرت واشنطن على رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة، وهدّد اليابان بفرض رسوم جمركية قد تصل إلى 35 في المئة، مشيراً إلى أن المفاوضات التجارية معها قد لا تُسفر عن اتفاق. وأعلن ترمب بالفعل أنه لا يعتزم تمديد تعليق الرسوم الجمركية بعد التاسع من يوليو، موعد انتهاء تجميد "الرسوم المتبادلة" التي أطلقها في أبريل (نيسان) الماضي. وأثارت هذه التصريحات قلقاً دولياً واسعاً، ودفعتهم إلى تحذيرات من تداعياتها، مُركزين على الجوانب النفسية والاستراتيجية. وأكد محللون ومؤسسات مالية كبرى أن الرسوم الجمركية تُشكل التهديد الأكثر جدية على النمو العالمي في 2025، وتتسبب في تراجع الأسواق الأميركية بين 8 و10 في المئة، مع استفادة الذهب كأصل للملاذ الآمن. ورأوا أن الأسواق بدأت بالفعل في تسعير القلق منذ مطلع الشهر، ويُشددون على أهمية الوضوح في السياسات التجارية. دعوات للوضوح واستراتيجيات التحوط من جانبه، وصف رئيس قسم الأبحاث في "إيكويتي غروب" بلندن، رائد الخضر، يوم التاسع من يوليو بـ"لحظة اختبار مزدوج بين ضغط نفسي وآخر سعري". ويرى أن الأسواق بدأت بالفعل في تسعير القلق منذ مطلع الشهر، وهو ما يُفسر الميل المتسارع نحو الذهب، وأسهم الطاقة الخليجية، والأسهم الدفاعية. وأكد أن التحول من المخاطرة إلى التحوط يُعد استجابة عقلانية في ظل غياب الوضوح، مضيفاً "لا يمكن اعتبار التاسع من يوليو نهاية لشيء، بل بداية لسلسلة من التقييمات الجديدة لأخطار السوق، خصوصاً في ظل هشاشة التجارة العالمية والتقلبات الجيوسياسية." ونصح رئيس قسم الأبحاث في "إيكويتي غروب" المستثمرين بإعادة تموضع ذكي بدل الخروج الكامل، وتوزيع الانكشاف بطريقة أكثر انضباطاً حتى تتضح الصورة. امتصاص صدمة الرسوم من جانبه، أشار نائب المدير العام لدى مجموعة "أف أتش كابيتال"، طارق قاقيش، إلى أن الأسواق امتصت بالفعل صدمة الرسوم الجمركية الأميركية، على رغم أن التهديد لا يزال قائماً من الناحية الرسمية. وأضاف قاقيش، أن الأسواق تتعامل مع هذه المسألة كأنها "تواريخ مؤجلة وليست قرارات نهائية"، وأن التأجيلات المتكررة منحت الأسواق الوقت لهضم الأثر وامتصاصه تدريجياً، وترجح الأسواق سيناريو الحلول المرحلية أو تأجيل التطبيق، مما قلل من الأثر السلبي المتوقع على المؤشرات. وأكد أنه على رغم وجود انفصال بين أداء السوق والأساسيات الاقتصادية مثل ارتفاع التضخم وعجز الموازنة والتهديدات التجارية، فإن تدفق السيولة من المستثمرين الأفراد والمؤسسات الكبرى عند كل تراجع سعري يعكس استمرار حال التفاؤل في السوق، وعلى رغم المخاوف من النمو الاقتصادي الضعيف، تستمر الأسواق في الصعود بانتظار ظهور إشارات أكثر حدة. وتوقع طارق قاقيش، أن يكون النصف الثاني من عام 2025 إيجابياً للأسهم الأميركية، شريطة عدم اتخاذ قرارات مفاجئة من قبل إدارة ترمب في شأن رسوم جمركية جديدة. امتداد الغموض لأشهر مقبلة أما كبير الاقتصاديين في بنك "آي أن جي"، نيكولاس فرينش، فأوضح أن الخطر لا يكمن في فرض التعريفات فقط، بل في "امتداد الغموض لأشهر لاحقة"، ويرى أن الأسواق تتفاعل سلبياً مع التهديدات غير المحسومة أكثر مما تتفاعل مع القرارات النهائية، مما يُشير إلى أهمية الوضوح في السياسات التجارية. أزمة عدم اليقين ولفتت رئيسة وحدة السلع في "يو بي أس"، إليزابيث كريمر، إلى أن الذهب يُظهر استجابة كلاسيكية لأزمة عدم اليقين، وأنه لم يعد مجرد أداة تحوط، بل "أصل رئيس لإعادة التوازن المؤسسي". وأوضحت أن معظم المحافظ الضخمة ضاعفت تعرضها للذهب في يونيو (حزيران)، استعداداً لأي سيناريو متشدد. في حين اعتبر محلل السياسات التجارية في "بنك أوف أميركا"، جيسون ووكر، أن ترمب يُدير الملف التجاري كرجل تفاوض أكثر منه رجل صدام، لكنه أضاف أن هذا لا يمنع الأسواق من الخوف، لأن "الإشارات وحدها تكفي لدفع المستثمرين إلى الحذر والتسييل الموقت". من جانبه، أوضح المتخصص في الاقتصاد العالمي، مصطفي متولي، أن الاقتراب الحثيث ليوم التاسع من يوليو، وما يحمله من تهديدات من ترمب بإعادة إشعال فتيل الحروب التجارية، ليس مجرد حدث اقتصادي عابر، بل هو انعكاس عميق للتقلبات الجيوسياسية التي باتت تشكل المحرك الرئيس للأسواق. تحذيرات بنكية من تداعيات أوسع وعلى الصعيد ذاته، وفي تحذيرات متتالية في شأن تأثير التصعيد التجاري، حللت المؤسسات المالية العالمية الأخطار من منظورها الخاص. أشار بنك "سيتي" في تقرير صادر نهاية يونيو الماضي عن وحدة الأخطار العالمية، إلى أن سيناريو فرض رسوم بنسبة 60 في المئة على الصين و25 في المئة على دول مثل كندا والمكسيك قد يكون أكثر ضرراً من صدمة عام 2018، وأوضح أن الأسواق الأميركية قد تتراجع بما يتراوح ما بين 8 و10 في المئة، وأن الدولار سيستفيد موقتاً على حساب الاستثمارات في الأسهم العالمية، التي ستشهد تدفقات خارجة جماعية. وكان قسم الأبحاث العالمية في مؤسسة "تشارلز شواب"، حذّر في مذكرة بحثية صدرت مطلع العام الحالي من أن الحرب التجارية قد تُشكّل "أكبر خطر على النمو العالمي في 2025"، مُشيرةً إلى تهديد ترمب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60 في المئة على الواردات الصينية و10 في المئة إلى 20 في المئة على واردات الدول الأخرى. وحذّر من أن التعريفات المتبادلة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع بنسبة تتراوح ما بين 15 و18 في المئة، مع إضعاف زخم الاستثمار الصناعي في الاقتصادات المتقدمة، وأشار أيضاً إلى أن استمرار التوتر التجاري سيُؤثر سلباً في قرارات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، ويُمارس ضغطاً على عملاتها أمام الدولار. أسواق متقلبة وسط هذه التحذيرات وتوقعات المحللين، شهدت الأسواق العالمية في النصف الأول من عام 2025 أداءً متقلباً اتسم بالترقب والحذر، مع ميل للتحوط في بعض الأحيان، فبعد فترة من الهدوء الجيوسياسي وتوقعات استقرار التضخم والفائدة، أظهرت الأسواق قدرة على التعافي. وأغلقت "وول ستريت" للنصف الأول من العام بمكاسب جماعية، مدفوعة بأسهم الذكاء الاصطناعي وتقارب العلاقات بين أميركا والصين وتهدئة التوتر بين إيران وإسرائيل. موازين القوى المالية ارتفع مؤشر "داو جونز الصناعي" بنسبة 0.6 في المئة في آخر تعاملات يونيو، مسجلاً مكاسب شهرية تتجاوز 4.3 في المئة، بينما كان الأقل ارتفاعاً منذ بداية العام بمكاسب بلغت 3.64 في المئة. وشهد الذهب تقلبات واضحة، ففي الثالث من أبريل الماضي، قفز سعره إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 3090 دولاراً للأونصة كـ "ملاذ آمن" بعد إعلان ترمب فرض رسوم جمركية شاملة، ثم تراجع لاحقاً بعد تعليق تطبيق بعض الرسوم. وإلى ذلك، شهدت صناديق الذهب المتداولة عالمياً تدفقات قوية، إذ بلغ مجموعها 8.6 مليار دولار في مارس (آذار)، و21 مليار دولار في الربع الأول، مما يعكس دوره كملاذ آمن في أوقات الشك. في حين تأثرت أسعار النفط بمخاوف تأثير الرسوم الجمركية على النمو الاقتصادي العالمي والطلب على الطاقة، ففي 13 مارس الماضي، تراجعت العقود الآجلة لخام "برنت" إلى 70.88 دولار للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط إلى 67.57 دولار للبرميل، متأثرة بتهديدات الرسوم على رغم انخفاض مخزونات البنزين الأميركية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى صعيد أسواق المال العربية، سجلت بورصات الخليج ومصر أداءً متبايناً في النصف الأول من 2025، إذ تصدرت بورصة الكويت المكاسب بنسبة 17.2 في المئة، تلتها دبي بنسبة 10.6 في المئة، ثم مصر بنسبة 10.5 في المئة، وأبو ظبي بنسبة 5.72 في المئة، وقطر بنسبة 1.69 في المئة، وفي المقابل، سجلت بورصات السعودية والبحرين ومسقط تراجعات بنسب 7.56 في المئة، و2.12 في المئة، و1.73 في المئة على التوالي. هذا الأداء المتباين يعكس حال عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، وتوجه المستثمرين نحو الأصول الأكثر أماناً في ظل اقتراب موعد حاسم قد يُعيد تشكيل المشهد التجاري العالمي، مع استفادة بعض الأسواق من عوامل داخلية مثل استقرار أسعار النفط وقوة المشاريع التنموية. بين التصعيد والانفراج وفي النهاية، ومع اقتراب التاسع من يوليو لا تبدو الأسواق مستعدة للمفاجآت، لكنها تُهيئ نفسها للأسوأ، فالرسوم الجمركية ليست مجرد أدوات اقتصادية، بل مفاتيح لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، ومعها قد يُعاد تسعير الأخطار من واشنطن إلى شنغهاي، ومن فرانكفورت إلى دبي، والخيار لا يزال على الطاولة: تصعيد يعصف بالأسواق أو انفراج موقت يفتح نافذة للتهدئة، وبينهما، تبقى المحافظ المالية متأهبة، والذهب مترقب، والمستثمرون على أعصابهم.