
في ذكرى ميلاد توماس مان.. تجديد الثقة بدور المثقف
في الذكرى الـ150 لولادة الكاتب الألماني
توماس مان
، التي تصادف السادس من يونيو/ حزيران، تشهد ألمانيا سلسلة احتفالات ثقافية واسعة تمتد على مدار عام كامل، تتوزع بين معارض وندوات وعروض مسرحية وقراءات أدبية. ويتزامن هذا الحدث مع صعود لافت لليمين المتطرف محلياً وأوروبياً، ما يمنح الذكرى بعداً سياسياً يكرّس مان رمز مقاومة للانغلاق القومي والاستبداد.
ولد مان عام 1875 في مدينة لوبيك لأسرة
برجوازية
، وبدأ مسيرته الأدبية متأثراً بأفكار محافظة، عبّر عنها في كتابه "تأملات رجل غير سياسي" (1918). غير أن اغتيال وزير الخارجية فالتر راتيناو في عام 1922 شكّل نقطة تحول عميقة في مواقفه. ففي خطاب ألقاه بعنوان "عن الجمهورية الألمانية"، أعلن دعمه جمهورية فايمار، مؤكداً أن الديمقراطية أكثر التصاقاً بالتقاليد الثقافية الألمانية من الإمبريالية.
ومع تصاعد نفوذ النازيين، اتخذ توماس مان موقفاً حاسماً، فحذّر في خطاب ألقاه ببرلين عام 1930 بعنوان "نداء إلى العقل" من الخطر المحدق بالبلاد، داعياً إلى تحالف سياسي واسع لمواجهة النازية. غير أن الخطاب قوبل بمقاطعة عنيفة من أنصار الحزب، ما اضطره إلى مغادرة القاعة سراً.
بعد وصول هتلر إلى الحكم عام 1933، لجأ مان إلى سويسرا، ومنها إلى الولايات المتحدة، لتبدأ مرحلة جديدة من نضاله السياسي. أُسقطت عنه الجنسية الألمانية عام 1936، لكنه واصل بث خطاباته ضد الفاشية عبر إذاعة "بي بي سي"، كما أصدر كتابه "انتصار الديمقراطية القادم" (1938).
في منفاه الأخير بلوس أنجليس، ظل يكتب ويدافع عن الديمقراطية والحرية، وهو ما أعادت دور النشر الألمانية تسليط الضوء عليه هذا العام، من خلال إعادة نشر عدد من مقالاته وخطاباته، ضمن جهود لإعادة تثقيف الأجيال الجديدة بتاريخ لا تزال تداعياته حاضرة.
اشتهر توماس مان بأسلوبه الأدبي العميق الذي جمع بين السرد الكلاسيكي والبعد الفلسفي، وهو ما بدا جلياً في روايته الشهيرة "الجبل السحري" (1924)، التي شكّلت تأملاً رمزياً في صراع أوروبا بين الحداثة والانهيار. كما قدّم في "دكتور فاوستوس" (1947) صورة مجازية لانحدار ألمانيا في أحضان الفاشية، من خلال قصة موسيقي عبقري يبرم عقداً مع الشيطان.
حافظ مان على "الموقف الأخلاقي للكاتب"، وهو ما ميّز أعماله التي وظّف فيها الموسيقى والفكر الفلسفي، متأثراً بعمالقة مثل فاغنر وبيتهوفن وشوبنهاور، لطرح أسئلة حول الهوية والسلطة والمصير.
تتوزع الفعاليات بين معارض وعروض مسرحية وقراءات أدبية
رغم حصوله على جائزة نوبل للأدب عام 1929 عن روايته "بودن بروكس"، عبّر مان لاحقاً عن خيبته لعدم تكريمه عن أعماله الكبرى مثل "الجبل السحري". إلا أن تأثيره الأدبي تجاوز حدود ألمانيا، حيث أصبح مرجعاً لأجيال من الكتّاب والمفكرين من أمثال ألبير كامو وميلان كونديرا.
في إطار الاحتفالية، أطلقت الجهات الثقافية الألمانية موقعاً إلكترونياً بعنوان "مان 2025" يوثق جميع الفعاليات، بينما يحتضن متحف سانت آن في لوبيك معرضاً بعنوان "زمني: توماس مان والديمقراطية"، مستنداً إلى مذكراته التي نُشرت عام 1950، والتي توثّق رحلته الفكرية من المحافظة إلى الليبرالية.
وفي بادرة رمزية، ألقى الرئيس الألماني خطاباً في منزل توماس مان في لوس أنجليس، مؤكداً أن "إرث مان الفكري لا يزال ملهماً في عالم تتعرض فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان لتهديدات متصاعدة".
تحولت ذكرى ميلاد مان إلى أكثر من مجرد احتفال بكاتب كلاسيكي، بل إلى لحظة استعادة وطنية لروح التنوير الألماني، وتجديد الثقة بدور الكاتب المثقف، باعتباره صوت مقاومة لا ينفصل عن هموم شعبه وعصره.
آداب وفنون
التحديثات الحية
"جائزة برلين للأدب": إلى عباس خضر

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 19 ساعات
- العربي الجديد
في ذكرى ميلاد توماس مان.. تجديد الثقة بدور المثقف
في الذكرى الـ150 لولادة الكاتب الألماني توماس مان ، التي تصادف السادس من يونيو/ حزيران، تشهد ألمانيا سلسلة احتفالات ثقافية واسعة تمتد على مدار عام كامل، تتوزع بين معارض وندوات وعروض مسرحية وقراءات أدبية. ويتزامن هذا الحدث مع صعود لافت لليمين المتطرف محلياً وأوروبياً، ما يمنح الذكرى بعداً سياسياً يكرّس مان رمز مقاومة للانغلاق القومي والاستبداد. ولد مان عام 1875 في مدينة لوبيك لأسرة برجوازية ، وبدأ مسيرته الأدبية متأثراً بأفكار محافظة، عبّر عنها في كتابه "تأملات رجل غير سياسي" (1918). غير أن اغتيال وزير الخارجية فالتر راتيناو في عام 1922 شكّل نقطة تحول عميقة في مواقفه. ففي خطاب ألقاه بعنوان "عن الجمهورية الألمانية"، أعلن دعمه جمهورية فايمار، مؤكداً أن الديمقراطية أكثر التصاقاً بالتقاليد الثقافية الألمانية من الإمبريالية. ومع تصاعد نفوذ النازيين، اتخذ توماس مان موقفاً حاسماً، فحذّر في خطاب ألقاه ببرلين عام 1930 بعنوان "نداء إلى العقل" من الخطر المحدق بالبلاد، داعياً إلى تحالف سياسي واسع لمواجهة النازية. غير أن الخطاب قوبل بمقاطعة عنيفة من أنصار الحزب، ما اضطره إلى مغادرة القاعة سراً. بعد وصول هتلر إلى الحكم عام 1933، لجأ مان إلى سويسرا، ومنها إلى الولايات المتحدة، لتبدأ مرحلة جديدة من نضاله السياسي. أُسقطت عنه الجنسية الألمانية عام 1936، لكنه واصل بث خطاباته ضد الفاشية عبر إذاعة "بي بي سي"، كما أصدر كتابه "انتصار الديمقراطية القادم" (1938). في منفاه الأخير بلوس أنجليس، ظل يكتب ويدافع عن الديمقراطية والحرية، وهو ما أعادت دور النشر الألمانية تسليط الضوء عليه هذا العام، من خلال إعادة نشر عدد من مقالاته وخطاباته، ضمن جهود لإعادة تثقيف الأجيال الجديدة بتاريخ لا تزال تداعياته حاضرة. اشتهر توماس مان بأسلوبه الأدبي العميق الذي جمع بين السرد الكلاسيكي والبعد الفلسفي، وهو ما بدا جلياً في روايته الشهيرة "الجبل السحري" (1924)، التي شكّلت تأملاً رمزياً في صراع أوروبا بين الحداثة والانهيار. كما قدّم في "دكتور فاوستوس" (1947) صورة مجازية لانحدار ألمانيا في أحضان الفاشية، من خلال قصة موسيقي عبقري يبرم عقداً مع الشيطان. حافظ مان على "الموقف الأخلاقي للكاتب"، وهو ما ميّز أعماله التي وظّف فيها الموسيقى والفكر الفلسفي، متأثراً بعمالقة مثل فاغنر وبيتهوفن وشوبنهاور، لطرح أسئلة حول الهوية والسلطة والمصير. تتوزع الفعاليات بين معارض وعروض مسرحية وقراءات أدبية رغم حصوله على جائزة نوبل للأدب عام 1929 عن روايته "بودن بروكس"، عبّر مان لاحقاً عن خيبته لعدم تكريمه عن أعماله الكبرى مثل "الجبل السحري". إلا أن تأثيره الأدبي تجاوز حدود ألمانيا، حيث أصبح مرجعاً لأجيال من الكتّاب والمفكرين من أمثال ألبير كامو وميلان كونديرا. في إطار الاحتفالية، أطلقت الجهات الثقافية الألمانية موقعاً إلكترونياً بعنوان "مان 2025" يوثق جميع الفعاليات، بينما يحتضن متحف سانت آن في لوبيك معرضاً بعنوان "زمني: توماس مان والديمقراطية"، مستنداً إلى مذكراته التي نُشرت عام 1950، والتي توثّق رحلته الفكرية من المحافظة إلى الليبرالية. وفي بادرة رمزية، ألقى الرئيس الألماني خطاباً في منزل توماس مان في لوس أنجليس، مؤكداً أن "إرث مان الفكري لا يزال ملهماً في عالم تتعرض فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان لتهديدات متصاعدة". تحولت ذكرى ميلاد مان إلى أكثر من مجرد احتفال بكاتب كلاسيكي، بل إلى لحظة استعادة وطنية لروح التنوير الألماني، وتجديد الثقة بدور الكاتب المثقف، باعتباره صوت مقاومة لا ينفصل عن هموم شعبه وعصره. آداب وفنون التحديثات الحية "جائزة برلين للأدب": إلى عباس خضر


العربي الجديد
منذ 19 ساعات
- العربي الجديد
قرصنة حساب رئيس باراغواي في "إكس" للترويج للبيتكوين
أعلنت حكومة باراغواي اليوم الاثنين أن حساب الرئيس سانتياغو بينيا على منصة إكس قد شهد "نشاطاً غير معتاد"، وذلك بعد دقائق من ظهور منشور على حساب الزعيم يبدو أنه يروّج لتداول عملة البيتكوين المشفرة. وطلبت الحكومة من المواطنين تجاهل المنشورات الصادرة من الحساب حتى توفير تأكيد رسمي. وكان منشور باللغة الإنكليزية على حساب بينيا قد أعلن أن الدولة الواقعة في أميركا اللاتينية قد جعلت البيتكوين عملة قانونية. لكن الحكومة أعلنت عكس ذلك وأن فريق الأمن السيبراني الوطني في باراغواي يعمل مع منصة إكس للتحقيق في الوضع. تكرار اختراق حسابات "إكس" اختراق الحسابات من أجل الترويج للعملات المشفرة رائج في منصة إكس، وقد وصل الوضع حدّ اختراق الحساب الرسمي التابع للجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، ثم نشر خبر زائف يقول إن الهيئة منحت الموافقة على إدراج صناديق الاستثمار المتداوِلة في البيتكوين بجميع بورصات الأوراق المالية الأميركية المسجلة في الولايات المتحدة. انتشر الخبر الزائف في مواقع التواصل والمواقع الإخبارية. وبعد ذلك استعاد موظفو الهيئة السيطرة على الحساب، وحُذِف المنشور الكاذب. أسواق التحديثات الحية ارتفاع الدين الأميركي يربك الأسواق.. هبوط الدولار والنفط والأسهم وفي بريطانيا اختُرق حساب وزيرة الحكومة، لوسي باول، للترويج لعملة رقمية احتيالية باسم "مجلس العموم". ووصفت سلسلة من المنشورات المحذوفة عملة $HCC بأنها "عملة رقمية مجتمعية تُعزّز قوة الناس عبر تقنية البلوكتشين". بعدها تأكد تعرّض حسابها للاختراق بينما اتُّخذت خطوات سريعة لتأمين الحساب وإزالة المنشورات المضللة. كذلك أعلن الصحافي في " بي بي سي "، نك روبنسون، أن حسابه في "إكس" قد اختُرق واستُخدم للترويج للعملات المشفرة، بعد أن استُهدف على ما يبدو في عملية تصيد احتيالي عبر الإنترنت.


القدس العربي
منذ يوم واحد
- القدس العربي
أن تكون عميلا لعدوك
ياسر أبو شباب اسم (حركي) شغل الأخبار خلال الأيام الماضية، لكن ليس من أجل القضية أو السبب الصح. ذاع صيته كأداة في يد إسرائيل ضد بني جلدته في أسوأ توقيت. ورد في الأخبار أنه يقود جماعة زوّدتها إسرائيل بالأسلحة من أجل السطو على المساعدات الإنسانية وزرع الفوضى في قطاع غزة بشكل يؤذي حماس ويفاقم الضغط عليها. ما لم يرد في الأخبار، وما لا يمكن استبعاده، أن هدف إسرائيل من تزويد جماعة أبو شباب بالأسلحة، القتل. لا يهم مَن يقتل طالما أن القتيل سيكون فلسطينيا. كيف تجرأت إسرائيل على هذه العملية في هذه الظروف العصيبة عليها وعلى غزة؟ والأهم كيف تجرأ أبو شباب على خوض هذه المغامرة وهو يعرف أن نهايته، إذا ما انكشف أمره، وما من شك أنه سينكشف يوما، الموت المؤكد وبأبشع طريقة؟ لا أحاول في هذا النص البحث عن ذرائع لياسر أبو شباب أو تبرير ما فعل، بل أسعى لمحاولة الفهم والتفسير. والتفسير لا يعني التبرير، كما يقال. تجرأت إسرائيل وتجرأ أبو شباب لأن العملاء والخونة ظاهرة أزلية وُجدت منذ وُجد الإنسان. لم يخض الإنسان حربا من دونهم. كانوا دائما السلاح الأقوى لأنهم «منك وفيك». في سياقات الاحتلال الاستيطاني تصبح الأرضية خصبة لتجنيد العملاء وتُسهّل الإيقاع بهم. اسألوا الجزائريين قبل الفلسطينيين. واسألوا الفيتناميين، ثم الإيرلنديين الشماليين والأفغان وأقواما أخرى. لا غرابة إذاً أن تكون نسبة العملاء في المجتمع الفلسطيني مرتفعة، فكلما كان الاستعمار متوحشا وقاسيا كانت ظاهرة العملاء أكثر انتشارا. في فلسطين العملاء حديث يومي. كلما اغتالت إسرائيل قياديا في الضفة الغربية أو غزة بدأ البحث عن العميل الذي سهّل العملية. لولا العملاء لبقي كثير من قادة النضال الوطني الفلسطيني والمقاومة الإسلامية على قيد الحياة إلى اليوم. لا يختلف الحال مع تاريخ النضال الجزائري. في الجزائر نسميهم «الحَرْكى». ورغم دخول كلمات جديدة مثل «البيَّاع» و«الشكّام» على الخط، تأبى كلمة «حرْكي» أن تختفي، وتبقى الأقوى فتُطلق إلى اليوم حتى بين الأطفال على مَن يتخلى عن أصدقائه أو زملائه. ونسمع باستمرار عبارة «لولا «الحَرْكى» لَما استمر الاستعمار 132 سنة». قصة العملاء الجزائريين مأساة إنسانية واجتماعية قبل أن تكون سياسية. لا زال المجتمع يعيش شذراتها رغم مرور أكثر من 60 عاما على استقلال البلاد. مكانتك الاجتماعية منقوصة ونظرة الناس إليك تحمل الاحتقار والاستصغار إذا كنت تنحدر من عائلة مشبوهة بعمالتها للاستعمار. من السهل أن ترفض عائلة تزويجك ابنتها لهذا السبب. وقد تُمنع من مناصب عليا في الدولة إذا كانت لك صلة مباشرة بـ«حَرْكي». كانت قيادة الثورة تتعامل بقسوة مع كل مشتبه به، وقسوة أكبر مع مَن تثبت عمالته: الإعدام، مهما كان ومهما كانت مسوِّغاته. تجرأت إسرائيل وتجرأ أبو شباب لأن العملاء والخونة ظاهرة أزلية وُجدت منذ وُجد الإنسان. لم يخض الإنسان حربا من دونهم في فيتنام شكّل المخبرون عنصرًا حاسمًا في حرب الاستخبارات، وتجاوزت الاستعانة بهم نطاق المتوقَّع برعاية الاستخبارات المركزية الأمريكية. امتلكوا سطوة ونفوذا هائلين وزرعوا الرعب في المدن والأرياف وساهموا كذلك في وحشية الصراع وغموضه. يكشف استخدامهم أن حرب فيتنام لم تكن مجرد قتال عسكري، بل كانت أيضا صراعا شخصيا ومجتمعيا عميقاً. الأسبوع قبل الماضي حسمت محكمة في دبلن لصالح جيري أدامز، الزعيم السابق لحزب «شين فين» الذي قاد حملة المطالبة باستقلال إيرلندا الشمالية عن بريطانيا. رفع أدامز قضية ضد هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بسبب تحقيق اتهمه بالإيعاز بقتل قيادي كبير في الجيش الجمهوري، الذراع المسلّح لـ«شين فين»، للاشتباه في أنه كان جاسوسا للمخابرات البريطانية. دامت المحاكمة عشر سنوات وكلفت الملايين، وكانت مشحونة بالعواطف وذكريات الصراع الدامي، ومناسبة تكشَّف فيها عمق موضوع العملاء الذين جنّدتهم لندن وكيف تصرف معهم الجيش الجمهوري: الإعدام ولو بعد سنوات. تبيّن أن من يختار طريق الخيانة يعرف سلفا أن مصيره القتل لو انكشف أمره. وحتى بعد سنوات من نهاية الصراع المسلح بموجب ما يسمى «اتفاق الجمعة العظيمة» سنة 1998 بين لندن ودعاة الاستقلال، صفّى الجيش الجمهوري العديد ممن اشتبه فيهم أثناء سنوات الصراع. كانت أحكام إعدام مع وقف تنفيذ مؤقت. أبرز مَن دفعوا الثمن دينيس دونالدسون القيادي الذي زعمت «بي بي سي» أن أدامز أوعز بقتله والذي اغتيل سنة.. 2006. وكشفت المحاكمة أن الجيش الجمهوري قتل مُخبراً سنة 1999، بعد عام من توقف الصراع، ثم قطع لسانه، في رسالة لمن يهمه الأمر. عندما سئل بنيامين نتنياهو عن تهريب أسلحة إلى جماعة أبو شباب هزَّ كتفيه وردَّ بما معناه أنها الحرب وكل الأساليب مقبولة. صدق في قوله لكن كان عليه أن يواصل صدقه ويُقر بأن الجيش الذي يلجأ إلى مثل هذه الألاعيب القذرة لا يمكن أن يكون الأكثر أخلاقا في العالم. في الأثناء تأكد أن نتنياهو كتم القضية حتى عن كبار القادة السياسيين والعسكريين. السرية شرط أساسي في كل العمليات القذرة، غير أن ما لن يعترف به نتنياهو أن غزة صغيرة لا أسرار فيها، وأن نهاية أبو شباب ستكون مثل نهاية أيّ عميل، لكن ذلك آخر هموم نتنياهو. التعاون مع العدو في أوقات الحرب أكبر من فعل عابر. الخيانة قرار، لكنها في الصراعات ظاهرة إنسانية جديرة بالتأمل. عندما يصبح الاحتلال جزءا من النسيج الاجتماعي، كما هو الحال في الجزائر وفلسطين، لا تكون العمالة مجرد علاقة مع ضابط أو جندي يحمل بندقية. تصبح قريبة وعميقة. لهذا يجب أن توضع حالات العمالة للمحتل في سياقها ليسهل الحكم على المتهم أو البحث له عن أعذار. الملاحظة المهمة أنه بقدر ما يبدو فعل العمالة جريئا، فردُّ الفعل دائما أكثر جرأة. ذلك أن الخيانة في لاوعي الإنسان ممقوتة لأنها، عدا عن الأبعاد الأخلاقية والإنسانية والدينية، ترفضها الفطرة البشرية. لا يوجد مجتمع أفضل من الآخر. كل مجتمع يتعرّض للاختبار سيفرز نصيبه من العملاء. المجتمعات العربية ليست استثناءً. التاريخ حافل بالأمثلة. تذكروا فرنسا عندما احتلها الألمان في 1940. لا أعرف مجتمعا تسامح مع العملاء، بما في ذلك المجتمعات الأوروبية خلال حروبها الكثيرة. ولا أتصوّر أن أكثر المجتمعات الغربية انفتاحا وتسامحا ستكافئهم بالورود لو توضع تحت الاختبار. كاتب صحافي جزائري